خطبة بعنوان: (الصدقة والإنفاق في سبيل الله) بتاريخ 21-8-1432هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أمر بالإنفاق في سبيله ووعد على ذلك خيراً كثيراً فقال تعالى [ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ] (سورة البقرة الآية:261) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي كان أجود الناس وأكثرهم بذلاً وإنفاقاً في سبيل الله قولاً وفعلاً وعملاً وتطبيقاً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله أيها المؤمنون وأكثروا من الإنفاق في وجوه الخير فقد وعدكم ربكم بالمزيد وصدق الله العظيم القائل [من ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً] (سورة البقرة الآية:245) وقال تعالى [ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ] (سورة البقرة الآية:262).
عباد الله: والصدقة تظلل صاحبها في وقت هو أحوج ما يكون إلى الظل فالمتصدق الذي يخفي صدقته أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : فعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ، أَوْ قَالَ : حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ.
قَالَ يَزِيدُ : فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لاَ يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لاَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ ، وَلَوْ كَعْكَةً وَلَوْ بَصَلَةً ) رواه الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان .
والصدقة تقي مصارع السوء وهي أحد أسباب دخول الجنة قال تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (سورة أل عمران الآية:133).
عباد الله: ولقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بعد نبيهم لأنهم أخذوا بتوجيهه وتعلموا على يديه واقتدوا به فهذا أبو بكر رضي الله عنه الذي اعتبره الصحابة رضوان الله تعالى عليهم رائد الإنفاق الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه جاد بماله كله يقول عنه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق فوافق ذلك مالاً كان عندي فقلت اليوم اسبق أبا بكر إن سبقته فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذا أبقيت لأهلك قلت مثله واتى أبو بكر بكل ما عنده فقال يا أبا بكر ماذا أبقيت لأهلك قال الله ورسوله : قلت لا أسابقك إلى شيء أبدا) رواه أبو داود.
وكان عمر رضي الله عنه باذلاً سخياً وليس بذي مال كثير بل كان يخاطب بطنه حينما قرقر من الجوع فيقول: قرقر أولا تقرقر والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين.
خرج مرة إلى السوق فلحقته امرأة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغاراً والله ما ينضجون كراعاً ولا لهم زرع ولا ضرع وأنا بنت فلان بن فلان وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف عمر رضي الله عنه ثم قال مرحباً بنسب قريب ثم انصرف إلى بعيرٍ شديد الظهر قوي على الرحلة كان مربوطاً بدار الصدقة فحمل عليه عدلين ملأهما طعاماً وجعل بينهما نفقة وثياباً ثم ناولها خطامه ثم قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير).
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه آية في البذل والإنفاق في سبيل الله، وقد جهز جيش العسرة، وقال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ ) رواه أحمد والترمذي.
وأقبلت ذات يوم له عير كثيرة محملة بالأطعمة والأرزاق فتسابق التجار إليها لشرائها وأخذوا يزاودون عليها وهو يقول أعطيت فيها أكثر من هذا، حتى قالوا له نحن تجار المدينة فمن هو الذي أعطاك أكثر منا؟ قال الله جل وعلا أعطاني بالحسنة عشر أمثالها إنني أنفقها في سبيل الله فأنفقها كلها في سبيل الله رضي الله عنه وأرضاه.
وهذا أبو طلحة رضي الله عنه يتصدق بنخله حينما نزل قول الله تعالى (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) فيقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بخْ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.)(متفق عليه).
ومثله أبو الدحداح رضي الله عنه لما نزل قول الله تعالى { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ….) (سورة البقرة الآية: 245)، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أقرضت ربي حائطي.
وحائطه من أكبر بساتين المدينة وأكثرها نخلاً، فقال لامرأته أخرجي يا أم الدحداح وأخرجي الأولاد فقد أقرضته لربي.
عباد الله: هكذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات في البذل والجود والعطاء، فهل نقتدي بهم في هذا الزمان الذي اشتدت فيه الحاجة وأصبح المسلمون بأمس الحاجة لشيء يسدون به جوعتهم، ويكسون به عوراتهم.
ها هو الجفاف يجتاح بلاداً إسلامية كثيرة في إفريقيا وخصوصاً الصومال، فماذا قدم المسلمون لهم.
إن إخوًّة الإسلام تفرض على المسلمين ألا يبخلوا على إخوانهم، فالمال مال الله، والأمر أمر الله، فرب صدقة في السر تكون نجاة وذخراً لصاحبها يوم القيامة، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم حينما سئل : أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ:(أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى ) رواه البخاري ومسلم.
وصدق الله العظيم القائل [ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ] (سورة سبأ الآية :39).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الغني الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله يحب المحسنين ويجزي المتصدقين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله قدوة المتصدقين وإمام الباذلين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من البذل والإنفاق، واعلموا أن الله يخلف عليكم ما أنفقتم ويعوضكم خيراً، وراعوا في صدقاتكم ما يأتي:
1) إخفاء الصدقة، قال تعالى [ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ](سورة البقرة: الآية271 ).
2) عدم المن والأذى في الصدقة، قال تعالى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى ](سورة البقرة الآية: 264).
3) إخراجها من أطيب الأموال وأزكاها، قال تعالى [لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ](سورة أل عمران الآية:92)، وقال صلى الله عليه وسلم (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا) (رواه مسلم).
4) بذلها وإعطاؤها بوجه طليق مستبشر غير مستكره، قال صلى الله عليه وسلم (سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ)(رواه أحمد والنسائي).
5) تحري محلها المناسب، فلا تعطى إلا من يستحقها من قريب أو جار ممن يستعين بها على طاعة الله، وإن لم تعرف أحداً فسلمها للجهات المأمونة الموثوقة كجمعية البر في بلدنا وهم يتولون إيصالها إلى مستحقيها.
عباد الله: وقد ورد أن الصدقة إذا خرجت من يد صاحبها تكلمت بخمس كلمات:
الأولى: تقول كنتُ صغيرة فكبرتني.
الثانية: تقول كنتَ حارسي فالآن صرتُ حارسَك.
الثالثة: تقول كنتُ عدواً فأحببتني.
الرابع: تقول كنتُ فانية فأبقيتني.
الخامسة: تقول كنتُ قليلة فكثرتني.
فاحرصوا أيها المؤمنون على البذل والعطاء وجاهدوا أنفسكم واعلموا أن الله يعطي كل منفق خلفاً وكل ممسكٍ تلفا.
فابذلوا من فضول أموالكم لعل الله أن يرفع بها عنكم السوء، ويتم بها عليكم النعمة، ومن يدري لعل الله رفع عن بلادنا شروراً كثيرة بسبب صدقات وبذل هذه البلاد قيادة وشعباً.
اسأل الله بمنه وكرمه أن يشرح صدورنا لمد يد العون لإخواننا المحتاجين وأن يعيننا على أنفسنا والشيطان.
هذا وصلوا وسلموا على الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك.
ووفق وولاة أمرنا خاصة لكل خير، اللهم وفقهم لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم اجعلهم رحمة على شعوبهم. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ووفق ولاة أمرنا اللهم زدنا من الإيمان والهدى والأمن والاستقرار
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وأمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات. [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] (النحل الآية 90). وأقم الصلاة…
الجمعة: 21-8-1432هـ.