خطبة بعنوان : (احذروا المخدرات فإنها بلاء) بتاريخ 12-2-1433هـ.

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وشرح صدورنا بالإيمان، وأنعم علينا بعقول تميز بين النافع والضار، والحلال والحرام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكرم أمة محمد بعظيم الإحسان، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي نهى أمته عن الوقوع في الآثام، صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: 18).

عباد الله: جاءت شريعة الإسلام آمرة بكل خير، ناهية عن كل شر، ومن الخير الذي أتت به هو حفظ الضرورات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل ، والعمل على تحقيق مصالح الناس، بما يعود عليهم بالنفع في العاجل والآجل.
ولاشك أن العقل أحد تلك الضروريات التي يجب المحافظة عليها، فإذا ضعف عقل العبد ضعف دينه، وإذا ضعف دينه كان سبباً في دمار نفسه، وأسرته، ومجتمعه، وأمته.

والعقل هو مناط التكليف، وهو الذي تميز به الإنسان عن غيره، وهو الذي ينبني عليه قيام مصالح الناس، وتنظيم أمورهم وأحوالهم، وهو الذي يكون سبيلاً إلى التفكر في عظيم قدرة الله ومخلوقاته، وهو الذي يوصل الإنسان إلى سبيل النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وقد أثنى الله تعالى على أصحاب العقول السليمة، وذكرهم في مواضع كثيرة من كتابه، ومن ذلك قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(الرعد:3، 4)، وعلى ذلك فالمسلم مأمور أن يحفظ عقله من كل ما يؤثر عليه سلباً من مطعوم، أو مشروب، أو مشموم، أو غيرها.
عباد الله: لقد حرص الشارع الحكيم على تحريم كل ما يؤثر على هذا العقل، أو يسبب له الضرر. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(المائدة: 90).

وإن من أضر الأشياء التي تؤثر على العقل وتوقعه في براثن الفساد والدمار تناول المخدرات، وهي كما تعلمون أكثر ما يهلك الإنسان، ومضارها أكثرُ من أن تُحصرَ، ومن تلك المضار:
1 ـ أن شاربها يرتفع عنه وصفُ الإيمانِ حالَ تناولهِا.
2 ـ أن متعاطيها يضيع الصلاة، وسائر الواجبات المأمور بها شرعاً.
3 ـ أنها طريق إلى الوقوع في السرقةِ والزنا واللواط، وسفك الدماء، وسائر المحرمات.
4 ـ وهي سَبَبُ كبير في حصول العقوقِ، وقطع الأرحام، وإهمالِ الزوجةِ والأولادِ والوظيفةِ.
5 ـ وهي سبب عظيم في انتهاك الأعراض، والوقوع على المحارم ـ والعياذ بالله ـ .
6 ـ وهي من أعظمِ ما يؤجِّجُ العداوةَ والبغضاءَ بين المؤمنينَ، ومن أعظمِ ما يصدُّ عن ذكرِ الله وعن الصلاة.
7 ـ وهي سبب في إتلاف المال، فكم من غني بات بسبب تعاطيها فقيراً، وكم من مالك لمسكن باعه من أجلها، وكم من راكب تنازل عن مركوبه بسببها.
8 ـ وهي سبب في وقوع الحوادثِ المروريةِ وحصول الإصابات والوفيات.
9 ـ وهي أسهل طريق يوصل إلى الانتحار، والناظر لحال المتعاطين يعلم ذلك يقيناً.
ولقد ثبت للعقلاء أن المخدرات بجميع أنواعها تتسبب في مفاسد لا عد لها ولا حصر. ومن تأمَّلَ حالَ المدمنينَ على المخدرات يرى بعدهم عنِ طاعة الله تعالى، وعن كل خير، وما يحدُثُ بينهم من جرائمَ علمَ جيدًا عظيم أثرها وضررها.
بل إن المخدرات بجميع أشكالها وأنواعها أصبحت سبباً في حصول كثير من المشاكلِ الصحيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ في بلادنا، وفي بلاد العالمِ أجمع، خاصةً وأنَّ أغلبَ ضحاياها من الشبابِ، وهذا شيء مشاهد ومحسوس، وهو هدف لأعداء هذا الوطن لعلمهم بأثر تعاطي شباب هذا الوطن لهذا الداء الخطير وما يكسبه هؤلاء الأعداء من جراء ذلك.
عباد الله: إن مشكلة المخدرات تؤرق بلادنا، بل والعالم كله سواء شرقيه أو غربيه، لأنها من أعظم السبل التي توصل إلى الهلاك والدمار للأمم، ولقد أجمعَ العلماءُ على خطورتها وحرمتها لما فيها من الضرر البين الواضح على الفرد والمجتمع، واستدلُّوا على ذلك بما جاء عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:(وكلُّ مسكرٍ حرامٌ)(رواه البخاري ومسلم).
وعن أمِ سلمةَ رضي الله عنها قالت: (نهى رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عن كلِّ مسكرٍ ومُفتِّرٍ)(رواه أبو داود). والمفتِّرُ هو ما يجعلُ الأعضاءَ تتخدَرُ وترتخي.

عباد الله: لقد تم ضبط كميات كبيرة من المخدرات خلال الشهور الأخيرة، وتصورا لو أن تلك المخدرات قد دخلت بلادنا، ووصلت لمروجيها ومتعاطيها كيف يكون أثرها على البلاد والعباد، ولكن بفضل الله ثم بفضل ويقظة رجال الأمن ورجال المكافحة والمتعاونين معهم من رجال الحسبة وغيرهم، وقى الله البلاد شر هذه السموم الكثيرة، فجزاهم الله عنا كل خير حيث خاطروا بأنفسهم، بل منهم من ضحى بنفسه بسبب مواجهتهم لهؤلاء الأشرار الذين لا يهمهم إلا مصلحتهم الخاصة.
وبلادنا كغيرِها من البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ مقصودةٌ في عمليةِ إغراقِ أسوقها بالمخدراتِ، وتدميرِ هذا المجتمعِ، وتفكيكِ مقوماتِه ليكون لعبة بأيدي المجرمين من عباد الشهوة ومروجي الرذيلة.

عبادَ الله: إن النهايةَ الحتميةَ لمتعاطي هذه المخدرات تدميرِ الأسرةِ وطلاقِ الزوجةِ وضياعِ الأولادِ والفصلِ من العملِ والعُزلةِ الاجتماعيةِ وغيرِها، ودخول السجن، أو المستشفياتُ النفسيةُ، وهي من النهاياتِ الأليمة التي لا يرتضيها أي مسلم عاقل لديه ذرّة من عقل أو تفكير أو حياء أو خوف من الله ومراقبة له.
فاحذروا وحذِّروا يا عباد الله من الوقوع في براثن تلك المخدرات، وأوصي أبنائنا من الشباب والفتيات، بأن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وأن يحفظوها عن كل ما يضرها، وأن يشكروا الله على نِعَمِه، وخاصة نِعمة الدين، الذي أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، وأيضاً نعمة العقل، الذي تميز به الإنسان عن غيره من مخلوقات الله، وأن يعتبروا بمن اختلت عقولُهم بسببِها، وبمن كانت نهايتهم أليمة ومأساوية يدورون في الشوارع بعد أن سلبت المخدرات عقولهم عياذا بالله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 24، 25)
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه وجوده وإكرامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن التقوى سر النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
عباد الله: اعلموا بارك الله فيكم أن هناك أسباباً كثيرة ساعدت على انتشار تلك المخدرات بين مجتمعات المسلمين، ومن ذلك:
أولاً: ضعف الوازع الديني: حيث أن الشخص متى كان بعيداً عن المسجد بعيداً عن مجالس الخير بعيداً عن التربية الصالحة فإنه في الغالب يكون فريسة للوقوع في براثنها، قال الله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}(العنكبوت: 45).
ويقول صلى الله عليه وسلم:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن،ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)(البخاري ومسلم).
ثانياً: الفراغ: لأنه كلما كثر الفراغ لدى المسلم كلما كان ذلك داعياً إلى الانسياق وراء حب كل جديد، والذي يؤدي بدوره إلى الوقوع في حبائلها.

ثالثاً: قرناء السوء: فكم من شاب كان لا يعرف طريق الشر، وليس له صلة به، ولكنه بسبب قرين السوء بدأ ينزلق شيئاً فشيئاً حتى وقع في شراك الردى وأصبح مدمناً لهذا الشيء الخبيث. قال صلى الله عليه وسلم:(إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيث)(البخاري).
رابعاً: المشاكل الأسرية: حيث أن الخلاف والشجار الدائم بين الزوجين أمام أولادهما يكون له الأثر الكبير في دفع الأولاد إلى البحث عما يجد فيه سعادته، ومن ذلك تعاطي المخدرات هرباً مما يراه من شقاق واختلاف بين والديه.
خامساً: السفر إلى الخارج: وخاصة عندما يقل علم الشاب بأمر دينه، مع تعرضه للشهوات والشبهات، فتتلقفه الأيدي الخبيثة لترديه في براثن المخدرات.

سادساً: العمالة الأجنبية السيئة، وقد تكون كافرة: وهي من أعظم المصائب التي ابتليت بها مجتمعاتنا المحافظة، حيث تنقل لنا عاداتها وأخلاقها وتقاليدها، ومن ذلك تعاطي المخدرات وترويجها وتهريباً.
سابعاً: الفقر وقلة ذات اليد: فالشاب الفقير حينما لا يجد في بيته ما يعينه في حياته ويجد من حوله يعيشون في نعمة ورغد ورخاء، فيلجئه ذلك إلى البحث عمن يعطيه ما ينفق به على نفسه، وهنا يصبح فريسة لقرناء السوء وأرباب الفساد وتجار الرذيلة فيبذلون له في البداية حتى يوقعوه في شراك ما وقعوا فيه.
ثامناً: التقليد الأعمى ومجاملة الآخرين: وهذا النوع يكثر بالذات في حياة المراهقين، فتجدهم يقلدون من يحبونه ويعتبرونه مثلهم الأعلى، فربما قلدوهم في تعاطي المخدرات، وربما جاملوهم ذلك فيوصلهم ذلك إلى إدمانها.
عباد الله: إن متابعة الأولاد، ومعرفة أصدقائهم، وعدم السماح لهم بالسهر لأوقات متأخرة من الليل، وتجنيبهم المشاكل الأسرية، وتعويدهم الحفاظ على الصلوات، وحضور مجالس الذكر، وتنشئتهم على الخوف من الله وتعليق القلوب به والتمسك بالأخلاق الحميدة هي من أعظم الوسائل التي تقي من شرور تلك المخدرات بإذن الله تعالى.
أسأل الله تعالى أن يقينا وجميع المسلمين شر ذلك البلاء، وأن يحفظ علينا شبابنا وفتياتنا، وان يجنبهم شر الوقوع في براثن ذلك المرض الفتاك.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:56).
اللهم من أراد بهم سوءًا من قريب أو بعيد اللهم فأشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا، اللهم احفظ شبابنا وفتياتنا من كل سوء ومكروه، اللهم اجعلهم قرة عين لوالديهم.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.
اللهم اغفر لهذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم، وآمن روعاتهم، وارفع درجاتهم في الجنات، وأغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم، اللهم أصلح نياتهم وذرياتهم يا ذا الجلال والإكرام. [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ].

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، سحاً طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد.
عباد الله [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّ رُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ](النحل: الآية 90، 91).ـ. وأقم الصلاة.
الجمعة:12-2-1433هـ