خطبة بعنوان: (نعمة الاجتماع وخطورة الفرقة والاختلاف) .

الأثنين 6 جمادى الآخرة 1440هـ 11-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والإيمان والقرآن وببعثة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بالاجتماع وحذر من الفرقة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل في سنته الغراء (عليكم بالجماعة، وإيَّاكم والفرقة…)(صحيح الجامع)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً،

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران: 102).

عباد الله: إن خير ما رسمه ديننا الحنيف من أهداف، وأمر به، وأكد عليه، وحاسب على تركه والتهاونِ به، هو اجتماع الكلمة، وترابطُ المسلمين، وتساندهم للعمل جميعاً في صالح أمة الإسلام؛ رفعة لشأنها، واستدامة لعزها ومجدها، قال جل وعلا:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً..}(آل عمران:103)، وقال تعالى:{ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران: 105). فالاعتصام بحبل الله جل وعلا وعدم التنازع والفرقة هو الحجر الأساس في بناء صرح الأمة، يقول ابن مسعود رضي الله عنه في هذا السياق: «عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة».

والمتأمل في حال أمة الإسلام ــ في عصرنا الحاضر ــ يلحظ أن أمراضها قد تعددت وتشعبت وشملت جوانب كثيرة من شؤون الدين والدنيا، وإن من أخطر تلك الأمراض التي أصيبت بها الأمة مرض الاختلاف والتفرق، ذلك المرض الذي شمل مناحي الحياة كلها في كل مجتمع من مجتمعات المسلمين حتى خيم شبحه على نفوس الناس، وظهر فيهم لفيف من الأقوام المتناحرة والمتدابرة، وقد حذر الإسلام أشد التحذير من الفرقة والاختلاف والتنازع والشقاق، وندد باختلاف الأمة بأساليب مختلفة وردت بها كثير من النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(آل عمران: الآية 105).

وقال أيضاً:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (الأنعام: الآية 159). وقال تعالى:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ}(البينة: الآية 4).

وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي). وفي بعض الروايات: (هي الجماعة)(رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم).

وعن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلاً ثم انصرف إلينا، فقال صلى الله عليه وسلم:(سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)(رواه مسلم). فالفرقة والاختلاف لابد من وقوعها في الأمة، ولكن على الأمة أن تحذر منها لخطورتها على المجتمع المسلم.

فيجب على الجميع الدعوة إلى الاتحاد والألفة، واجتماع القلوب والبعد عن الاختلاف والفرقة وكلِّ ما يمزق الأمة ويضعفها ويؤدي إلى فساد ذات البين، وأن يكون ذلك مبنياً على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ فيهما النجاة من الهلكة والبعد عن تسلط الأعداء والتخلصُ من تخطيطهم ومؤامراتهم، كما يجب أن يدرك المسلمون أن من أهمِ الفرائض وأفضل الطاعات الحفاظَ على أخوة الإسلام ووحدة الصفوف ونبذَ كل ما يسيء إلى وحدة الأمة أو يضعف من عراها.

إن أمة الإسلام تتداعى عليها الأمم من كل حدب وصوب، تريد أن تطفئ جذوة الإيمان من نفوس المؤمنين، وغير خاف أن أخوة الدين ووحدة القلوب بين المسلمين تحتل مرتبة عالية في الدين لأنها شقيقة التوحيد، وهي مبنية على العقيدة الصحيحة البعيدة عن كل ما يخدش صفاءها ونقاءها.

عباد الله: إن ما حدث خلال العقود المتأخرة من علل وأدواء في جسد أمة الإسلام كان سببها الرئيسي التعصب للحزبيات المقيتة والانتماء لغير الله ورسوله، والولاء لفئات أو جماعات ترفع شعارات براقة، فتفرقت الأمة بعد اجتماع، وتشتت شملها بعد الوحدة، وأوهنت بعد القوة، ومكَّن الأعداء من النيل منها كل حسب مقصده ومشربه.

لقد تفرق المسلمون إلى جماعات وفئات، وكل جماعة ترفع شعاراً تريد أن يحمله الناس كلهم معها، وكل فئة تخطط لنفسها خطة تأبى على غيرها أن تنازعَها إياها، والذي ينبغي أن يسير المسلمون على ما سار عليه السابقون الأولون، فقد كانوا أكثر الناس تمسكاً بكتاب الله تعالى واتباعاً لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} (الأحزاب: الآية 36).

وقال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء: الآية 56).

وقال تعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}(النور: الآية 51).

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:(دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم كثرةُ سؤالهم واختلافُهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(رواه البخاري ومسلم).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(آل عمران: 102، 103).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتأملوا ما جاء في بيان وزارة الداخلية من تحذير المواطنين والمقيمين مما يأتي:

1ـ الدعوةُ للفكر الإلحادي بأي صورة كانت، أو التشكيك في ثوابت الدين الإسلامي التي قامت عليها هذه البلاد، وكل من يخلع البيعة التي في عنقه لولاة الأمر في هذه البلاد، أو يبايع أي حزب، أو تنظيم، أو تيار، أو جماعة، أو فرد في الداخل أو الخارج، أو المشاركة، أو الدعوة، أو التحريض على القتال في أماكن الصراعات بالدول الأخرى، أو الإفتاء بذلك.

2ـ تأييد التنظيمات، أو الجماعات، أو التيارات، أو التجمعات، أو الأحزاب، أو إظهار الانتماء لها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها.

3ـ التبرع أو الدعم، سواء كان نقدياً أو عينياً، للمنظمات، أو التيارات، أو الجماعات الإرهابية أو المتطرفة، أو إيواء من ينتمي إليها، أو يروج لها داخل المملكة أو خارجها.

4ـ السعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية، أو الدعوة، أو المشاركة، أو الترويج، أو التحريض على الاعتصامات، أو المظاهرات، أو التجمعات، أو البيانات الجماعية بأي دعوى أو صورة كانت، أو كل ما يمس وحدة واستقرار المملكة بأي وسيلة كانت.

5ـ حضور مؤتمرات، أو ندوات، أو تجمعات في الداخل أو الخارج تستهدف الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة في المجتمع.

6ـ التعرض بالإساءة للدول الأخرى وقادتها.

7ـ التحريض، أو استعداء دول، أو هيئات، أو منظمات دولية ضد المملكة.

وأوضحت وزارة الداخلية أن البيان يشمل كل من أطلقت على نفسها مسمى: (تنظيم القاعدة ــ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب
ــ تنظيم القاعدة في اليمن ــ تنظيم القاعدة في العراق ــ داعش ــ جبهة النصرة ــ حزب الله في داخل المملكة ــ جماعة الإخوان المسلمين ـ جماعة الحوثي).

أسأل الله بمنه وكرمه أن يحمي بلادنا من كيد الكائدين وعبث العابثين، وأن يديم علينا نعمة الأمن في الأوطان والسلامة في الأبدان، وأن يوفق ولاة أمرنا للخير ويجمع بهم كلمة المسلمين، وأن ينصر بهم دينه ويعلي بهم شريعته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:56).