خطبة بعنوان: (أهمية تعليم القرآن للناشئة) بتاريخ 15-5-1436هـ

الثلاثاء 7 جمادى الآخرة 1440هـ 12-2-2019م

 

 

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله،{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(الحشر: الآية 18).
عباد الله: لقد امتن الله جل وعلا على أمة الإسلام بأعظم النعم وأجلها، ومن ذلك نعمة القرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
فهو الكتاب الذي أنزله الله جل وعلا على أفضل رسول، وخير أمة، فهو أحسن الحديث وأعظمه وأطيبه وأحكمه, وهو الكتاب الذي لا ريب فيه, ولا نقص يعتريه, لبلاغة آياته, وسمو إرشاداته, ودقة توجيهاته, وقوة دلائله وبياناته, وجمال عباراته. {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}(الفرقان، الآية: 1 ).
وهو المعجزة العظمى التي وقف أمامها الإنس والجن عاجزين: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالـْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء، الآية: 88)
وهو الهدى، والنور، والتذكرةٌ، وأحسن الحديث، لو أنزل على الجبال لخشعت، وتصدَّعت من خشية الله تعالى.
وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم،وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعَّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عجائبه، من عَلِم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجِر، ومن ابتغى الهُدى من غيره أضلّه الله، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم. أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته فقال: (…تركت فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله..)(رواه مسلم).
وأثنى عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم على أهله فقال عنهم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) (رواه البخاري)، وقال أيضاً:(إِنَّ للهِ أَهْلِينَ). قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:( أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ)(رواه أحمد، وابن ماجة، وصححه الألباني)
وذكر أنه يقال لمن كان يقرأه ويرتله في الدنيا بعد أن يدخل الجنة:(اصعد في درجات الجنة، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت ترتلها)(رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال الألباني حديث حسن صحيح). ومن حفظ هذا القرآن وفهمه فقد جمع النبوة في صدره، لأنه الوحي الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: علينا أن نعتني بهذا القرآن عناية فائقة تتجاوز كل مظاهر العناية بغيره من أمور الدين والدنيا، كالإيمان به, وصونه، وإكرامه، وتلاوته, وحفظه في الصدور, وتدبر آياته, وتعلمه وتعليمه, والعمل به, والتأدب معه, والدعوة إليه وتبليغه.لأنه قوام الأمة وحياتها وعزها وخيرها.
والعناية بتعليمه لأطفالنا صغاراًً وكباراً وهو من أعظم المقاصد الشرعية، ومن أفضل القرب وأجل الطاعات عند الله عز وجل، تحصيلاً للثواب والأجـر، وحفظاً لهم من الشبهات والشهوات، والمعاصي والمنكرات، والأفكار الضالة والمنحرفة.
يقول العلامة الفقيه أبو زيد القيرواني رحمه الله في شأن تعليم الأطفال، وترسيخ المعاني الفاضلة وأثرها في نفوسـهم بدءا بالقرآن الكـريم العظيم: (اعلم أن خـير القلـوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ما عني به الناصحون، ورغب في أجره الراغبون إيصالُ الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين؛ ليرسخ فيها، وتنبيهُهم على معالم الديانة، وحدود الشريعة لِيرُاضُوا عليها، وما عليه أن تعتقده من الدين قلوبهم وتعمل به جوارحهم، فإنه روي أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الرب، وأن تعليم الشيء في الصغر كالنقش في الحجر..)
عباد الله: ومن العناية بالقرآن الكريم أيضاً الإنفاق على تعلمه وتعليمه، من خلال الوقف والوصايا والهبات، للإنفاق من ريعها على حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والتي تهتمُّ بتلاوة كتاب الله تعالى وحفْظه وتجويده، وتدريس علومه، وتنشئة الشباب المسلم المشاركين في تلك الحلقات التنشئةَ الصالحة، وتأمين الصحبة الطيِّبة لهم، وتقديمِ الهدايا والجوائز التشجيعيَّة للمتفوقين منهم، وصرف المكافآت للعاملين فيها، فهو من الصدقة الجارية التي يستمر أجـر صاحبها حيًّا وميّتًا، فقد قال صلى الله عليه وسلم عليه:(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)( رواه مسلم).
وهانحن بفضل الله أولاً، ثم بفضل ولاة أمرنا وجهود العاملين المخلصين القائمين على تلك الحلقات المباركة، ودعم الواقفين المموِّلين الذين يبذلون لتعليم القرآن وتشجيع حفظته نرى انتشار حلقات تحفيظ القرآن الكريم على نطاق واسع في ربوع بلادنا.
وأهيب بأصحاب الأموال من رجال الأعمال والأغنياء والمحسنين توفير المال اللازم لجمعيَّات تحفيظ القرآن الكريم، لنضمن لها الاستمرارَ في دورها المنوط بها، في تعليم القرآن ونشره بين المسلمين، خدمة لـه، وتبياناً لهديه وفضائله، ليستقيم أمر الأمة، ويعلو شأنها بين الأمم، فهو سبيل إسعادهم في الدنيا والآخرة . وهذه الجوائز المباركة؛ جائزة الفهد، والعضيب، والحلافي في محافظتنا الغالية لبناتٌ في هذا البناء الشامخ، فجزى الله العاملين المخلصين خير الجزاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }(فاطر: الآيتان 29، 30 ). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون: واعلموا أن تقواه خير زاد ليوم لقاه.
عباد الله: لقد كان السلف رضوان الله عليهم أحرص ما يكونون على تعليم أولادهم كتابَ الله تعالى، ليكون نعم العونُ لهم على سلوك صراط الله المستقيم والثبات عليه. قال الحافظ السيوطي رحمه الله: ” تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشئون على الفطرة،ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال”.
وقال ابن خلدون:” تعليم الوالدين للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم؛ لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان، وعقائده، بسبب آيات القرآن، ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصلَ التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات”.
فعلى الوالدين مسؤولية كبيرة تجاه أبنائهم وبناتهم وذلك بالحرص على تعليمهم القرآن الكريم، لأن تعليمه للناشئة له أثرٌ عظيمٌ في رسوخ العقيدة وثباتها في نفوسهم وسلامة جوارحهم وقلوبهم من الشهوات والشبهات المفسدة، وهدايتهم في حياتهم إلى أرشد أمرهم خُلقاً وأَدباً وتدبيراً لشؤون حياتهم.
ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الثواب العظيم الذي يناله الوالدان بسبب تعليم أولادهما القرآن فقد روى أبو داود عن سهل بن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يَجيءُ صَاحب القرآن يوم القيامة ، فَيقولُ : يَا ربِّ حَلِّهِ ، فَيُلبسُ تَاجَ الكَرامةِ. ثُم يَقولُ : يا ربِّ زِده فَيُلبسُ حُلة الكَرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه ، فَيُقَالُ اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة)(حسن) (صحيح الجامع8030)).
أسأل الله تعالى أن يصلح لنا أزواجنا وذرياتنا، وأن يوفقنا جميعا لكل خير.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جلَّ من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب: 56). اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

الجمعة: 15-5-1436هـ