كيفية الزيارة الشرعية للمدينة النبوية .

الأحد 12 جمادى الآخرة 1440هـ 17-2-2019م
تأليف الأستاذ الدكتور: عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

 

المقدمة:


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] ([1])، [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً]([2])،[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً]([3])، أما بعد:

فإن الله تعالى من عظيم فضله وإحسانه شرع لعباده الشرائع التي توصلهم إلى محبته، ورحمته وإحسانه، ومما شرعه لعباده زيارة المسجد النبوي للصلاة فيه إذ جعل الصلاة فيه بألف صلاة مما سواه من المساجد، ورغبة من الناس للحصول على هذا الأجر العظيم شدوا الرحال إليه، لكن انقسم الناس في زيارته إلى طوائف شتى، فهذا يقصده لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وشهداء أحد وغير ذلك، ومنهم من يقصده للنزهة، ومنهم من يقصده كمعلم من معالم الآثار الإسلامية، ومنهم من يقصده تعبداً وديانة للصلاة فيه لا غير، وهكذا تعددت إرادات الناس ومقاصدهم في زيارة المدينة النبوية.

ولما كان الأمر كذلك ووقع بعض الناس في الأمور المحرمة شركية كانت أو بدعية أحببنا أن نوضح لقاصدي المدينة النبوية الطريقة الشرعية لزيارتهم إياها.

وقبل الشروع ببيان الكيفية الشرعية لزيارة المدينة النبوية سنذكر حملة من البدع التي أحدثها الناس عند زيارتهم لها، ثم نذكر بعد ذلك الطريقة المثلى لأداء هذه الزيارة، وإتماماً للفائدة سنختم هذه الرسالة بفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية فيما يشرع زيارته وما لا يشرع من مساجد المدينة النبوية، وكذلك ما ذكره سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في أحكام الزيارة وآدابها.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا وأن يرزقنا وإخواننا العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وكتبه أبو محمد
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
ص.ب: 188 ـ الزلفي: 11932
البدع التي أحدثها المحدثون عند زيارتهم المدينة النبوية

أولاً: مفاهيم يجب أن تصحح:

ثانياً: البدع التي أحدثها الناس:

(1) البدع الشركية.

بدع الشرك الأكبر.

بدع الشرك الأصغر.

(2) البدع المحرمة.

البدع المكانية (بدع المساجد)

البدع المكانية (في غير المساجد)

أولاً: مفاهيم يجب أن تصحح:

قبل الشروع في بيان ما أحدثه الناس من بدع عند زيارتهم المدينة النبوية هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي يجب أن تصحح وهي:

أولاً: بعض الناس يعتقد أن زيارة المسجد النبوي لها علاقة شرعية بالحج وهذا الاعتقاد خطأ لأن زيارة المسجد النبوي لا علاقة لها بالحج إطلاقاً فلا هي شرط من شروط الحج ولا ركن من أركانه ولا واجب من واجباته بل الحج ينتهي بطواف الوداع ولكن إن تيسر للإنسان الذهاب إلى المدينة بنية الصلاة في المسجد النبوي فلا بأس بذلك بل فعله حسن.

ثانياً: بعض الناس يذهب يمكث في المدينة النبوية غالب وقته، فإذا صلى بالحرم المكي مثلاً تراه يصلي فرائض معدودة ثم يرجع إلى المسجد النبوي فيمكث فيه ما شاء الله، والأولى أن يمكث في المسجد الحرام أكثر أيامه لأن الصلاة فيه أعظم أجراً مادام ذلك في استطاعته وإمكانه.

ثالثاً: ما جاء من أحاديث تربط بين الحج وزيارة المسجد النبوي أو طلب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها أحاديث ضعيفة جدا بل أكثرها موضوع فهي لا تخلو من ضعف شديد أو وضع (أي) كذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ذلك أئمة الحفاظ.

رابعاً: من المفاهيم الخاطئة أن النساء يعتقدن حقهن في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهن في ظنهن شقائق الرجال حتى في زيارته وهذا خطأ إذ ليس لهن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم إطلاقاً.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ)([4]).

خامساً: الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الروضة (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ)([5]) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم.

أما الرواية الثانية: (مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ)([6])، فهي رواية معلولة غير صحيحة، لا يجوز الاحتجاج بها لأنها منكرة بهذا اللفظ([7]).

سادساً: جميع الأحاديث التي يروج لها المبتدعون في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وفضل زيارة قبره صلى الله عليه وسلم

كلها أحاديث غير صحيحة ولم يروها أحد من أهل الكتب المعتبرة كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن وأصحاب المسانيد كلهم لم يرووها بل أشاروا إلى ضعفها وإلى وضعها، فمن هذه الأحاديث مثلاً:

* (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي)([8]).

* (من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني)([9]).

* (من زار قبري أو قال من زارني كنت له شفيعاً أو شهيداً)([10]).

* (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي) وفي رواية (من زار قبري وجبت له شفاعتي)([11]). كل هذه الأحاديث وغيرها ضعيفة أو موضوعة.

فلينتبه المسلم مما يروج له أهل البدع من القبوريين ومن على شاكلتهم.

ثانياً: البدع التي أحدثها الناس (عند زيارتهم المدينة النبوية):

تمهيد:

إذا تأمل المرء فيما أحدثه المحدثون ووقع فيه المنحرفون عن منهاج النبوة والرسالة في البدع التي أحدثت عند زيارة المدينة النبوية وجد أن هذه البدع تحمل في طياتها الشرك الأكبر بعينه الذي يخرج صاحبه من الملة ويجعله خالدا مخلدا في النار، فكم تسكب العبرات والزفرات عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وعند قبور شهداء أحد ويطلب منهم كشف الكربات ودفع الضرر ورفع الملمات.

وإذا تأمل المرء أيضا هذه البدع وجدها تحمل في طياتها الشرك الأصغر وخلاصة الأمر أن يقال إن المخالفات التي وقع فيها المبتدعون عند زيارتهم المدينة النبوية تنقسم إلى قسمين:

1. بدع شركية 2 . بدع محرمة.

أولاً: البدع الشركية: وتنقسم إلى قسمين:

(1) بدع الشرك الأكبر:

قبل أن نبدأ في بيان بدع الشرك الأكبر نريد أن نوضح معنى الشرك الأكبر:

تعريف الشرك الأكبر: الشرك الأكبر هو صرف أي شيء من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، كأن يدعو غير الله أو يذبح لغير الله أو ينذر لغير الله، أو يتقرب لأصحاب القبور أو الجن أو الشياطين بشيء من أنواع العبادات، أو يخاف الموتى أن يضروه، أو يرجو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات وغير ذلك من أنواع العبادة التي تصرف لله تعالى ([12]).

من خلال هذا التعريف يظهر لنا أن البدع التي وقع فيها المنحرفون عند زيارتهم قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره كقبر شهداء أحد هو من جنس الشرك الأكبر، فمن هذه البدع:

(1) يقصد الكثير من الناس زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الحاجات وتفريج الكربات ودفع المضرات ورفع الملمات فيقول: يا رسول الله أسألك أن ترد عليَّ حاجتي أو تشفي لي مريضي أو ترفع عني ما أصابني من ضر أو يقول: يا رسول الله انصرني أو أغثني أو ارزقني أو أنا في حسبك وغيرها من الأقوال التي هي حق محض لله تعالى كلها شرك أكبر مخرج من الملة.

(2) بعض الناس يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الوسيلة وجعله واسطة بينه وبين ربه I في قبول دعائه، وهذا هو عين شرك أهل الجاهلية أي الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لصاحبه إن مات قال الله تعالى:[إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ]([13]) .

(3) وكذلك يحدث عند قبور شهداء أحد مثل ما يحدث عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعض الناس يستغيث بهم ويطلب منهم الحاجات كما يقول بعضهم عند زيارته لقبر حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم (نعوذ بك من النار)، وغيرها من الأقوال الكفرية، كمن يقول (مدد يا حمزة)، أو (مدد يا عباس)، أو (أنا في حسبك يا حمزة)، وما شابه ذلك، وكل هذا من الشرك الأكبر.

(2) بدع الشرك الأصغر:

تعريف الشرك الأصغر: الشرك الأصغر عرفه العلامة ابن سعدي رحمه الله تعريفاً جامعاً فقال: (الشرك الأصغر هو: كل وسيلة وذريعة يتوسل بها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة)([14]).

وبهذا التعريف ينضبط حد الشرك الأكبر فإن الوسائل إذا كانت تؤدي إلى الشرك الأكبر صارت شركا أصغر وإن لم يأت تسميتها في نصوص الشارع شركا بخلاف قول جمهور أهل العلم فإنهم يرون أن الشرك الأصغر ما جاءت نصوص الشرع بتسميته شركاً ولم يبلغ حد الشرك الأكبر.

والذي يظهر والله أعلم أن تفسير ابن سعدي للشرك الأصغر هو الأضبط.

أنواع بدع الشرك الأصغر:

(1) بعض الناس يقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك توسلا إلى الله به في دعائه فيقول عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم أو أتوسل إليك بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم أو بحمزة وغيرهم من شهداء أحد فهذا شرك أصغر)([15]).

(2) بعض الناس يتوجه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول يا رسول الله ادعوا الله لي أن يشفيني أو يرد عليّ عافيتي وما شابه ذلك فهذا من الشرك الأصغر.

وبناء على ما ذكرناه فإن ما يظنه بعض الناس أن الدعاء عند القبور مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد فيقصد القبر لذلك، فهذا من المنكرات إجماعاً ولم ينازع في ذلك أحد من أهل العلم. وهو أمر لم يشرعه الله ولا رسوله ولم يفعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين بل جاءت النصوص تنهى عن ذلك أشد النهي.

فهذا عليّ بن الحسين رضي الله عنهما رأى رجلا يجيء إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فيها فقال لا تفعل ثم قال ألا أحدثك حديثا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)([16]).

(3) ومن بدع الشرك الأصغر قراءة القرآن عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قصد الصلاة عند قبره.

(4) ومنه أيضاً ما يقوم به البعض من الطواف حول قبره وهذا من البدع المحدثة التي لم يشرعها الله لعباده بل هي وسيلة للشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لصاحبه إذا مات عليه.

وبالجملة فإن فعل أي طاعة عند قبره صلى الله عليه وسلم هو في الحقيقة وسيلة إلى الشرك الأكبر.

ثانياً: البدع المحرمة:

البدع المحرمة هي التي لم تصل إلى درجة الشرك الأصغر ولكنها محرمة لكونها ابتداعا في دين الله. ولما كان كل بدعة في دين الله ضلالة كانت جميع البدع محرمة سواء ما كان منها شركا أو لم يكن شركاً، وهي كثيرة جداً، ومنها:

(1) بعض الزائرين يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويترك استقبال القبلة وهذه بدعة مذمومة محرمة، فإن كان استقباله مصحوباً بعبادة ما فإنه يصير شركاً أصغر، أما مجرد الاستقبال ظناً منه أن استقبال القبر أفضل فهذا بدعة محرمة.

(2) بعض الزائرين لقبر النبي صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم وهذا فيه شيء من سوء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قد يكون فيه إحباط للعمل فرفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم منهي عنه في حياته وبعد مماته.

قال الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ]([17]).

(3) بعض الزائرين يقف طويلا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويأتي بأدعية غير مشروعة مما يؤدي إلى التزاحم وأذية الآخرين وهذا أيضاً من البدع المحرمة.

(4) بعض الزائرين يقوم بأداء الركعتين بعد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أيضا من البدع

(5) ما تقوم به النساء من زغاريد عند الروضة أو إرادة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم

(6) التماس الدعاء بعد الذهاب إلى قبره صلى الله عليه وسلم والسلام عليه.

(7) كتابة الرسائل ثم رميها على القبر، وإرسال العرائض مع الحجاج والزوار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويحملهم السلام إليه.

(8) بعض الناس يتمسحون على أبواب المسجد النبوي وكذا شبابيكه بغية حصول البركة بل يحلف بعضهم فيقول (وحق الذي وضعت يدي على شباكه)، فجمع بين الشرك وذلك بالحلف بغير الله والبدعة المحرمة وهي التمسح بالجدران والشبابيك.

(9) ربط الخيوط ونحوها على شبابيك المسجد النبوي تبركاً.

(10) أخذ بعض الحصى من أمام المسجد النبوي وحملها إلى بلده وذلك للتبرك بها.

(11) أن بعض الزائرين يقصدون القبر كلما دخلوا المسجد أو خرجوا منه فلا يدخل إلا بالتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخرج إلا بالتسليم عليه.

(12) بعض الناس يقصدون قبر النبي صلى الله عليه وسلم للسلام عليه دبر كل صلاة.

(13) بعض الناس يحرص على صلاة الفريضة في الروضة ويترك الصفوف الأولى مع وجود المتسع فيها ومن المعلوم أن أجر الصلاة في الصفوف الأولى أفضل من الصلاة في الروضة.

(14) بعض الناس يحرص على الصلاة في المسجد القديم ويعرض عن الصفوف الأولى وهذا أيضاً مخالف للسنة وبدعة في دين الله، إذ الأفضل كما ذكرنا الصلاة في الصفوف الأولى.

(15) بعض الناس يقطع من شعره ثم يرمي به في اتجاه القبر.

(16) بعض الناس يقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة في مسجده.

(17) قصد الاغتسال عند إرادة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم .

(18) ومنها تقسيم الزيارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وإلى غير ذلك مع إيراد دعاء خاص في كل زيارة.

والمراد بالزيارة الأولى عندهم إلقاء السلام على النبي صلى الله عليه وسلم من قرب والزيارة الثانية أن يقف عند الجانب الأيمن من القبر أي عند الرأس ثم يسلم مرة أخرى، ولهم في ذلك أدعية مبتدعة.

والزيارة الثالثة أن يستقبل القبر ويجعل القبلة خلفه، ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يثني عليه ويدعو، كل هذا من البدع والخرافات.

أما الزيارة الرابعة فهي السلام على النبي صلى الله عليه وسلم من البعد.

(19) تخصيص الصلاة عند اسطوانة التوبة حيث يزعمون أن الصلاة عندها مقبولة.

(20) استحباب الصيام يوم الأربعاء والخميس والجمعة في المدينة حيث لم يرد فيها نص صريح صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

(21) استحباب الصلاة يوم الأربعاء عند اسطوانة التوبة (أي اسطوانة أبي لبابة)، وليلة الخميس ونهاره عند الاسطوانة التي تقع أمام اسطوانة التوبة، وليلة الجمعة ونهارها عند الاسطوانة التي تقع بجانب محراب النبي صلى الله عليه وسلم .

(22) استحباب الصلاة عند مقام جبريل وهو المقام الذي كان استأذن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بالدخول.

(23) استحباب صلاة الركعتين للزيارة أي عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم .

(24) وضع بعض الناس يده على صدره حال وقوفه أمام قبره صلى الله عليه وسلم كهيئة المصلي. فهذا لم يفعله صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أو بعد موته، ولو شرع لكانوا أسبق الناس إليه.

البدع المكانية (بدع المساجد):

لم يكتف المنحرفون من أهل البدع بما أحدثوه في المسجد النبوي من بدع بل اخترعوا أماكن أخرى قصدوها للتعبد عندها، فالذي ينبغي معرفته أن بعض الزائرين إلى المدينة يحرص على زيارة أماكن لا تشرع زيارتها، فإن الله تعالى لم يأذن لنا إلا بزيارة المسجد النبوي فقط، أما مسجد قباء وبقيع الغرقد فهما تبع للمسجد النبوي بمعنى أنه لا تشد لهما الرحال ، ولكن إذا ذهب الإنسان إلى المدينة جاز له الصلاة في قباء والذهاب إلى بقيع الغرقد وذلك للاستغفار والدعاء لأهله من الصحابة وغيرهم. أما كون الإنسان يقصد بزيارته المصحوبة بشد الرحال قباء أو البقيع فهذا منهي عنه.

وعلى ذلك فالأماكن التي تشرع زيارتها هي: المسجد النبوي، أما مسجد قباء، وبقيع الغرقد فهما تبع له، فمن زاد على ذلك فقد تعدى وأساء وظلم.

وهذه جملة من البدع المكانية وما يحدث بها من البدع:

(1) مسجد قباء (البقيع): من المعروف لدى المسلمين أن مسجد قباء شرعت زيارته للصلاة فيه وبين النبيصلى الله عليه وسلم فضله بأن الصلاة فيه كأجر عمرة، فعن أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صَلاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ)([18]).

غير أنه لا يجوز إحداث بدع أخرى غير الصلاة فيه لنيل أجر العمرة ولكن أبى المبتدعون إلا الخروج ببدعهم في هذا المسجد ومنها:

* التمسح بجدران المسجد رجاء البركة.

* التصوير التذكاري عنده.

* بعض الناس يكتب بأصبعه على الجدران بعض الكلمات رجاء الرجوع إليه مرة أخرى.

(2) مسجد الجمعة: ويسمى (مسجد الوادي)، أو (مسجد عاتكة)، أو (مسجد القبيب): وهذا المسجد يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما وصل قباء مهاجراً أقام فيه عدة أيام ثم خرج فيها ضحى يوم الجمعة إلى المدينة فأدركته صلاة الجمعة، هو ومن معه فصلى فيه الجمعة، فكانت أول جمعة يصليها النبي صلى الله عليه وسلم .

فخصصه الناس بالزيارة إليه تبركاً أو للصلاة فيه وهذا لم يشرعه الله ولا رسوله ولا سلف الأمة إذ لو كان خيراً لسبقونا إليه. ومن البدع التي أحدثت لهذا المسجد:

* أن الناس يذهبون للصلاة فيه.

* أن الناس يحضرون إليه ليلة الجمعة ويصلون فيه الجمعة ويعتقدون أن الصلاة فيه أفضل من غيره.

* أن بعض الناس يأخذ الصور التذكارية عنده.

(3) مسجد ذي الحليفة أو الميقات ويسميه بعض الناس (مسجد الشجرة): وهذا المسجد يعتقد زائروه أن النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه إلى مكة المكرمة للعمرة أو الحج كان ينزل تحت شجرة في ناحية المسجد يصلي ثم يهل للعمرة أو الحج. فاختيار هذا المسجد للتعبد بدعة.

ومن البدع المقامة عنده أن بعض الناس يطوف بالساحة الداخلية ثم يأخذ عندها الصور.

(4) مسجد بني معاوية: وهذا المسجد ينسب إلى بني معاوية بن عوف ويسمى باسمهم ويسمى أيضا باسم (مسجد الإجابة)، وسبب تسميته بذلك أنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه الركعتين ثم سأل الله تعالى أمورا معينة فاستجاب الله له ولذا يتحرى بعض المنحرفين المبتدعين الصلاة فيه ثم الدعاء عنده لأن الدعاء عنده على زعمهم مستجاب وهذا لا شك ضلال مبين.

(5) المساجد السبعة: هي عبارة عن سبعة مساجد صغيرة تقع في الجهة الغربية من جبل سلع عند جزء من الخندق الذي حفره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة الخندق.

هذه المساجد يعتقد الناس أنها مواقع مرابطة الجيش في تلك الغزوة وقد سمي كل مسجد باسم من رابط في هذه الغزوة.
وهذه المساجد على النحو التالي هي:

* مسجد الفتح، وهذا المسجد يقول المبتدعون إن النبي صلى الله عليه وسلم ضربت له فيه قبة.

* مسجد سلمان الفارسي حيث يعتقدون أن سلمان كان يصلي فيه في غزوة الأحزاب.

* مسجد أبي بكر الصديق.

* مسجد عمر بن الخطاب.

* مسجد علي بن أبي طالب.

* مسجد فاطمة.

* مسجد عثمان رضي الله عنه.

وهذه المساجد يحضر إليها الناس ويصلون بكل مسجد ركعتين اعتقاداً منهم أن الصلاة في هذه المساجد أفضل من غيرها.

فإذا أتموا الصلاة فيها قاموا بأخذ الأتربة تبركاً بها، ثم يأخذون الصور التذكارية، بل ويعتقدون أن الحج والعمرة والزيارة لا تتم إلا بذلك.

(6) مسجد الغمامة ويسمى (مسجد المصلى): الموقع: يقع هذا المسجد في الجهة الغربية الجنوبية لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

معتقد زواره: يعتقد زواره من أهل البدع المخالفين لهدى النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا المكان آخر المواضع التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد، ويسمى بالغمامة لما يقال من أن غمامة حجبت الشمس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند صلاته. ومن ثمَّ يقوم الزوار بالصلاة فيه اعتقاداً منهم بأفضلية الصلاة فيه ثم يتبركون بجدرانه ويتمسحون بها.

وبجوار هذا المسجد مساجد أخرى وهذه المساجد هي: مسجد عمر، ومسجد علي، ومسجد فاطمة، ويقوم الزوار بالصلاة في كل مسجد منها ركعتين، ويتمسحون بها، ويعتقدون أيضا أن الصلاة فيها أفضل من غيرها.

(7) مسجد القبلتين: الموقع: يقع هذا المسجد في الجهة الغربية من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبعد عنه خمسة كيلو مترات تقريبا.

سبب التسمية: ينسب هذا المسجد لبني حرام من بني سلمة. ويزعم المبتدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد صلى فيه ستة أو سبعة أشهر ينتظر أمر ربه في القبلة فنزلت آية تحويل القبلة فتحول النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة واستقبل القبلة.

ويعتقد البعض في هذا المسجد أن سبب تسميته بهذا أن الصحابة صلوا فيه صلاة واحدة إلى القبلتين، وذلك أنه لما كانت القبلة إلى بيت المقدس وكان الصحابة يصلون آنذاك صلاة العصر جاءهم الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة إلى البيت الحرام فتحولوا وهم يصلون من أجل ذلك سمي بمسجد القبلتين.

أهم البدع عنده:

أولاً: قصد الناس زيارته بغرض التعبد فيه وهذا لا شك بدعة لا تجوز.

ثانياً: أن البعض من الناس بداخله يصلي متجها تجاه بيت المقدس ركعتين ثم يصلي ركعتين

أخريين تجاه البيت الحرام، فانظر إلى تلاعب الشيطان بهؤلاء وصدق ربنا [قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً]([19]).

ثالثاً: بعد الفراغ من الصلاة يقومون بأخذ الصور التذكارية التي حرمها الله تعالى فجمعوا بين المحرم والشرك الأصغر وهو الرياء والبدعة بتخصيص الصلاة فيه والدعاء عنده ونحوه.

(8) مسجد أبي ذر الغفاري: الموقع: يقع في الجهة الشمالية من المسجد النبوي.

القاصدون له: أغلبهم ليسوا من مبتدعي أهل السنة بل من الروافض وذلك لأن أبا ذر ناصر علياًّ وأيده ضد من عادوه ولذا يقصدون قبره ويدعون عنده.

(9) مسجد الراية: القاصدون له: أغلب من يزوره من البرلوية.

المعتقد: يعتقد من يزوره أن هذا المكان هو الذي رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.

(10) مسجد الفضيخ ويسمى أيضاً (مسجد النخل): وهو في الحقيقة ليس بمسجد حيث لا تقام الصلاة فيه ولا يرفع منه آذان ولكن جعله المبتدعون مسجداً يقصدونه للصلاة فيه.

الموقع: يقع في الجهة الشرقية من مسجد قباء.

المعتقد: يعتقد زواره أن هذا موضع رد الشمس لعليّ بن أبي طالبرضي الله عنه فصلى صلاة العصر حينما فاته الوقت بسبب نوم النبي صلى الله عليه وسلم في حجره فلما فرغ علي من الصلاة انقضت الشمس انقضاض الكوكب.

ولذا يقول المبتدعون فإذا دخلت مسجد الفضيخ فصل فيه ركعتين اطلب حوائجك من الله تعالى فإن الدعاء به مستجاب.

(11) مسجد العريض: وهذا في الحقيقة أيضاً ليس بمسجد، بل هو ضريح حيث وضع بجانب القبة المهدومة منارة مسجد، وذلك لأن بناء الأضرحة محرم في شريعتنا، فقام المسؤولون وفقهم الله بهدمه وبناء منارة مسجد مكانه وذلك قطعاً لدابر الشرك، ولكن أبى المنحرفون إلا الشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله .

التعريف به: هو مشهور بهذا الاسم (مسجد العريض) ونسبه المبتدعون إلى علي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

القاصدون: يقصده المبتدعون من الصوفية وعباد القبور ويتوافدون إليه للاستغاثة وسؤاله من دون الله وطلب الشفاعة منه مع رمي الرسائل المكتوب فيها حوائجهم المرشوشة بالعطور.

(12) مسجد العريش: الموقع: يقع المسجد بجانب مقبرة شهداء بدر.

المعتقد: يعتقد قاصدوه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه أي في هذا الموضع في أثناء معركة بدر، ولذا يعتقدون أن الصلاة فيه لها فضل عند الله بل والدعاء فيه مستجاب ولهم في ذلك دعاء خاص به.

(13) مسجد المباهلة: المعتقد: يعتقد زواره أن هذا المكان الذي حضر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين ليتباهل مع نصارى نجران.

ولذا يقصدونه بالصلاة فيه والدعاء عنده، فإن الصلاة عنده مقبولة ولها فضل وكذا الدعاء.

(14) مسجد الشهداء: الموقع: يقع بجانب مقبرة الشهداء.

ويعتقد زواره أن لهذا المسجد فضلاً ولذا تراهم يصلون فيه ويتبركون به.

البدع المكانية (في غير المساجد): 

لم يكتف المبتدعون المنحرفون في الاقتصار على ما ابتدعوه سابقاً بل قاموا فزادوا على ذلك من البدع المكانية بغية الزيادة في الأجر وما لهم بذلك من أجر إذ الأجر مقرون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن خالف هديه فلا أجر له، بل عليه من السيئات بقدر بدعته، فمن هذه البدع:

(1) بقيع الغرقد: لا شك أن زيارة البقيع أمر مشروع ولكن بصفة معينة حددها الشارع الحكيم.

فالقاصد للبقيع لا يخرج إلا بنية التذكر للآخرة والموت وما هو وسيلة لزهده في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم (زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الآخِرَةَ)([20]).

وكذلك يقصد بزيارته الدعاء لأهل البقيع والترحم عليهم والاستغفار لهم. أما كون الإنسان يذهب فيأتي بأشياء غير مشروعة بل هي ممنوعة فهذا لا ينبغي.

ومما يحصل عند البقيع من هذه البدع:

* الصلاة داخل المقبرة، وهو بدعة محرمة، بل ورد النهي عن ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : (لا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا)([21]).

* أخذ الأتربة منها تبركاً.

* رمي الرسائل عليها وطلب الحاجات من أصحاب القبور.

* رمي الحبوب والنقود ورش العطور على القبور.

* رسم الخطوط على أرض المقبرة مع الاعتقاد أن بكل خط قبراً لنفسه أو من يحبه أو لأحد من أقربائه.

* بعض الناس يجمع التراب على شكل قبر صغير ويقصد به أنه يكون لنفسه أو لمن يريد.

* بيع الحبوب عندها.

* تزوير الناس من قبل أشخاص مقيمين بالمدينة مع تعريفهم كل قبر وتوزيع الخرائط عندها مع قراءة الكتب المليئة بالبدع.

* التكبير، وقراءة القرآن عندها.

* دفن الأموال عندها مع قراءة القرآن عند الدفن.

* الجلوس عندها مع البكاء والصريخ والدعاء بالويل والثبور.

ولعل من ذهب إليها يجد الكثير من البدع التي تحصل عندها. فقد جمعت البدع عندها من كل شر أعلاه.

فجمعت الشرك الأكبر من الاستغاثة بأهل البقيع وسؤالهم ودعائهم وطلب الحوائج منهم.

والشرك الأصغر من قراءة القرآن عندهم والصلاة وتحري الدعاء عندها وغير ذلك من الشرك الأصغر الذي بيناه سابقاً، والله المستعان.

(2) جبل أحد: لاشك أن جبل أحد يحبه الله ويحبه النبي صلى الله عليه وسلم ونحبه نحن لمحبة الله ورسوله ولكن هل يقصده المسلم بالزيارة والتبرك؟

نقول: لا يجوز وليس من هدي سلفنا الصالح.

البدع المقامة عنده:يوجد بهذا الجبل غار يصعد إليه الزوار ثم يقومون بفعل الآتي:

* التبرك بهذا الغار إذ يلتمسون منه البركة حيث كان مأوى للنبي صلى الله عليه وسلم في أحد.

* يعتقد زواره أن النبي دخل فيه في معركة أحد ولذا يقومون بقراءة الفاتحة عنده ويطيبونه بالعطور.

* أسفله حجر كبير يسميه زواره الطاقية إذ يعتقدون أن هذا الحجر هو طاقية النبي صلى الله عليه وسلم .

* يقوم زواره بقطع غصون الأشجار وورقها وأخذه تبركاً.

(3) جبل الرماة: هذا الجبل هو الذي جعل عليه النبي صلى الله عليه وسلم الرماة في غزوة أحد والقاصدون له من الزوار يقومون بعمل الآتي:

* يتبركون به.

* يقومون بأخذ الأتربة منه تبركاً.

* يقومون بكتابة الأسماء عليه.

* يقومون بوضع الصور تحت الحجر.

* يقومون بجمع الحجر والتراب على شكل جبل صغير اعتقاداً منهم بعودة من يفعل ذلك مرة أخرى.

* يقومون برسم الخطوط فوق الجبل ورفع الأيادي بالدعاء.

* يقومون حال دعائهم متجهين إلى القبور لا باتجاه القبلة.

* يقومون بقراءة القرآن والصلاة فوق الجبل.

* يقومون بترديد التواشيح والأناشيد عنده.

فما أكثر البدع وما أكثر أهلها وقانا الله وإياكم من شر ذلك.

ومن المزارات الأخرى:

* زيارة شهداء بدر وبخاصة يوم (27/9) من كل عام.

* إحداث البدع عند زيارة شهداء أحد.

* زيارة قبر عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم .

* زيارة قبر حمزة رضي الله عنه

* زيارة قبر الحسن والحسين.

* زيارة بئر عثمان حيث يعتقد زوارها أن بها البركة وهي منسوبة لعثمان بن عفان رضي الله عنه.

وكل هذه المزارات عندهم لها أفضلية خاصة من حيث الزيارة والدعاء عندها والصلاة كذلك.

(4) مشربية أم إبراهيم رضي الله عنها (وهي مارية القبطية زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم ): فالمبتدعون من زوارها يعتقدون أنها حجارة أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقولون فيها أيضاً بأنها كانت مسكناً للنبي صلى الله عليه وسلم ومصلاه. لذلك تراهم يصلون فيها ركعتين تبركاً بها ثم يدعون بدعاءٍ خاص بهذا المكان.

الطريقة الشرعية لزيارة المدينة النبوية

تمهيد:

نختم هذه الرسالة ببيان الطريقة المرضية لقاصدي المدينة النبوية وكيف يقوم المسلم بتأدية هذه الزيارة بطريقة شرعية خالية من البدع المحدثة التي أحدثها المحدثون. فنقول وبالله التوفيق.

أولاً: إذا أردت زيارة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فاقصد بزيارتك وجه الله تعالى والدار الآخرة وليكن الإخلاص في زيارتك هو الأساس ودعك من الرياء والسمعة فإنهما محبطان للعمل.

ثانياً: أن تكون زيارتك لقصد المسجد النبوي

وذلك للصلاة فيه والتعبد لله تعالى بسائر الطاعات فيه، ولا يكن قصدك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم .

ثالثاً: إذا عزمت على الرحيل فاختر صحبة طيبة تكن لك رفقة في الطريق فإن هذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وترحاله، بل جاء الأثر بذلك فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ)([22]).

رابعاً: إذا أتيت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فأته بسكينة ووقار ثم قدم رجلك اليمنى قائلا دعاء دخول المسجد وهو (بسم الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك).

خامساً: إذا دخلت المسجد فيستحب لك أن تأتي الروضة الشريفة فتصلي فيها ركعتين تحية المسجد ولكن يشترط عدم المزاحمة وإيذاء الآخرين، فإن لم تتمكن من تأدية الركعتين بالروضة فصل في المسجد في أي مكان شئت.

سادساً: إذا فرغت من الصلاة فقم متجها إلى الحجرة الشريفة التي بها قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاستدبر القبلة واستقبل القبر ثم قف أمام النافذة الدائرية اليسرى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أشهد أنك رسول الله حقاً، قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك عن أمتك أفضل ما جزى نبيا عن أمته)

سابعاً: إذا انتهيت من السلام على النبي صلى الله عليه وسلم تأخر إلى جهة اليمين قليلاً أي قدر ذراع ثم سلم على أبي بكر الصديق ر ضي الله عنه بما تستحضره من الألفاظ من غير تكلف.

ثامناً: إذا انتهيت من السلام على أبي بكر انتقل عن يمينه قدر ذراع أيضا ثم سلم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليكن تسليمك عليه من غير تكلف.

تاسعاً: إذا انتهيت من ذلك كله فادخل المسجد وأكثر فيه الصلوات من الفرائض والنوافل فإن الصلاة فيه عظيمة الأجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ)([23]).

عاشراً: يمكنك التنويع في العبادة فإذا صليت ما بدا لك وأحسست بفتور فأكثر من الذكر وقراءة القرآن وحضور حلق العلم.

الحادي عشر: يسن لك زيارة مسجد قباء والصلاة فيه لما ذكرناه من أدلة في سنية الصلاة فيه ويمكن أن تأتي إليه راكبا أو ما شيا كما تحب فالأمر في ذلك واسع والحمد لله.

الثاني عشر: يسن لك أيضاً زيارة البقيع وشهداء أحد وغيرها من قبور السلف والدعاء لهم بالمغفرة وليكن قصدك نفعهم بالدعاء وتحصيل أجر الزيارة دون قصد التبرك بهم.

الثالث عشر: إذا وصلت البقيع أو شهداء أحد أو غيرها من قبور السلف فإياك والغلو ويكفيك في ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارتهم فقد كان يقول: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ)([24])، ثم ادع لهم بما شئت أدعية خالية من الشرك والبدع، تقول: (اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفوا منك وغفرانا)، وغيرها من الأدعية الصحيحة.

الرابع عشر: احذر البدع سالفة الذكر وإياك ومحدثات الأمور.

فواقع كثير من المسلمين الآن أنهم يؤزرون بزيارتهم ولا يؤجرون لما يحدثونه من البدع العظيمة التي تصل إلى حد الشرك أحياناً، وعلى كل مؤمن صادق ناصح لنفسه ولأمته أن يبتعد عن هذه المحدثات، وأن يعلِّم الناس أمر دينهم بكل رفق وسهولة اتباعاً لهديه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.

بيان ما يشرع زيارته وما لا يشرع من مساجد المدينة النبوية

أذكر هنا بياناً شافياً للجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية جاء جواباً لسؤالين وردا على اللجنة حول هذه المسألة، وإليك أخي القارىء السؤالان والإجابة عليهما:

أولا: ما حكم الشريعة الإسلامية فيمن يأتي المدينة المنورة ليصلي في المسجد النبوي الشريف، ثم يذهب إلى مسجد قباء ومسجد القبلتين ومسجد الجمعة ومساجد المصلى (مسجد الغمامة، ومسجد الصديق، ومسجد علي ـ رضي الله عنهماـ) وغيرها من المساجد الأثرية، وبعد دخوله فيها يصلي ركعتي التحية، فهل يجوز له ذلك أم لا؟

ثانيا: بعدما يصل الزائر في المسجد النبوي الشريف، هل له أن ينتهز الفرصة للذهاب إلى المساجد الأثرية بالمدينة النبوية بنية الاطلاع والتأمل في تاريخ السلف الصالح والدراسة التطبيقية للمعلومات التي قرأها في كتب التفسير والحديث والتاريخ تجاه الغزوات ومساكن القبائل من الأنصار. أرجو الإفادة؟

ج: إن الجواب على هذين السؤالين يقتضي البيان في التفصيل الآتي:

أولاً: باستقراء المساجد الموجودة في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة ـ حرسها الله تعالى ـ تبين أنها على أنواع، هي:

النوع الأول: مسجدان في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبتت لهما فضيلة بخصوصهما، وهما مسجدان لا غير:

أحدهما: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو داخل من باب أولى في قول الله تعالى [لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ]([25])، وهو ثاني المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، كما ثبتت السنة بذلك، وثبت أيضاً في السنة الصحيحة الصريحة، أن صلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام .

ثانيهما: مسجد قباء ، وقد نزل فيه قول الله تعالى:[لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى]([26]).

وفي حديث أسيد بن حضير الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صَلاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ) رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ صَلَاةً كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وغيرهم وهذا لفظ ابن ماجه.

النوع الثاني: مساجد المسلمين العامة في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذه لها ما لعموم المساجد، ولا يثبت لها فضل يخصها .

النوع الثالث: مسجد بني في جهة كان النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها، أو أنه هو عين المكان الذي صلى فيه تلك الصلاة، مثل مسجد بني سالم، ومصلى العيد، فهذه لم يثبت لها فضيلة تخصها، ولم يرد ترغيب في قصدها وصلاة ركعتين فيها.

النوع الرابع: مساجد بدعية محدثة نسبت إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين، واتخذت مزارا مثل المساجد السبعة، ومسجد في جبل أحد وغيرها، فهذه مساجد لا أصل لها في الشرع المطهر، ولا يجوز قصدها لعبادة ولا لغيرها، بل هو بدعة ظاهرة.

والأصل الشرعي: أن لا نعبد إلا الله، وألا نعبد الله إلا بما شرع على لسان نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكلام سلف الأمة الذين تلقوا هذا الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغوه لنا عنه، وحذرونا من البدع امتثالا لأمر البشير النذير عليه الصلاة والسلام، حيث يقول في الحديث الصحيح (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)([27])، وفي لفظ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ)([28])، وقال عليه السلام (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ)([29])، وقال (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَبي بَكْرٍ، وَعُمَرَ)([30])، وقال عليه السلام عندما طلب منه بعض الصحابة أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها، ويعلقون بها أسلحتهم، قال: (اللَّهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنَ، قُلْتُّمْ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى)([31])

وقال صلى الله عليه وسلم (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يارسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)([32])، ونقل ابن وضاح في كتابه: (البدع والنهي عنها،ص9) بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن عمرو بن عتبة وأصحاباً له بنو مسجدا بظهر الكوفة، فأمر عبد الله بذلك المسجد فهدم، ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحاً معلوماً، ويهللون تهليلاً، ويكبرون، قال: فلبس برنساً، ثم انطلق فجلس إليهم، فلما عرف ما يقولون رفع البرنس عن رأسه ثم قال: أنا أبو عبد الرحمن ثم قال: لقد فضلتم أصحاب محمد علماً أو لقد جئتم ببدعة ظلماً . . إلخ.

وحذر هو وغيره من الابتداع، وحثوا الناس على اتباع من سلف، وثبت أن عمر رضي الله عنه قطع الشجرة التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بيعة الرضوان تحتها، لما رأى رضي الله عنه بعض الناس يذهبون إليها، ولما رأى الناس يذهبون مذهباً سأل عنهم فقيل له: يذهبون يصلون في مكان صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريق الحج غضب وقال: إنما هلك من كان قبلكم بتتبع آثار أنبيائهم. ا هـ.

ومعلوم أن الهدف من بناء المساجد جمع الناس فيها للعبادة، وهو اجتماع مقصود في الشريعة، ووجود المساجد السبعة في مكان واحد لا يحقق هذا الغرض، بل هو مدعاة للافتراق المنافي لمقاصد الشريعة، وهي لم تبن للاجتماع؛ لأنها متقاربة جداً، وإنما بنيت للتبرك بالصلاة فيها والدعاء، وهذا ابتداع واضح، أما أصل هذه المساجد بهذه التسمية، أي: المساجد السبعة، فليس له سند تاريخي على الإطلاق، وإنما ذكر ابن زبالة مسجد الفتح، وهو رجل كذاب، رماه بذلك أئمة الحديث، مات في آخر المائة الثانية، ثم جاء بعده ابن شبة المؤرخ وذكره، ومعلوم أن المؤرخين لا يهتمون بالسند وصحته، وإنما ينقلون ما يبلغهم، ويجعلون العهدة على من حدثهم، كما قال ذلك الحافظ الإمام ابن جرير في (تاريخه)، أما الثبوت الشرعي لهذه التسمية أو لمسجد واحد منها فلم يعرف بسند صحيح، وقد اعتنى الصحابة بنقل أقوال الرسول عليه السلام وأفعاله، بل نقلوا كل شيء رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، حتى قضاء الحاجة، ونقلوا إتيان النبي صلى الله عليه وسلم لمسجد قباء كل أسبوع، وصلاته على شهداء أحد قبل وفاته كالمودع لهم، على غير ذلك مما امتلأت به كتب السنة، أما هذه المساجد فقد بحث الحفاظ والمؤرخون عن أصول تسميتها، فقال العلامة السمهودي رحمه الله : (لم أقف في ذلك كله على أصل)، وقال بعد كلام آخر: (مع أني لم أقف على أصل في هذه التسمية، ولا في نسبة المسجدين المتقدمين في ذلك كلام المطري).

أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول: (والمقصود هنا: أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يبنوا قط على شيء من آثار الأنبياء، مثل مكان نزل فيه أو صلى فيه أو فعل فيه شيئا من ذلك، لم يكونوا يقصدون بناء مسجد لأجل آثار الأنبياء والصالحين، بل إن أئمتهم كعمر بن الخطاب وغيره ينهون عن قصد الصلاة في مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقا لا قصداً، وذكر أن عمر وسائر الصحابة من الخلفاء الراشدين عثمان وعلي وسائر العشرة وغيرهم مثل ابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب، لا يقصدون الصلاة في تلك الآثار، ثم ذكر شيخ الإسلام: أن في المدينة مساجد كثيرة، وأنه ليس في قصدها فضيلة، سوى مسجد قباء، وأن ما أحدث في الإسلام من المساجد والمشاهد على القبور والآثار من البدع المحدثة في الإسلام، من فعل من لم يعرف شريعة الإسلام وما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من كمال التوحيد وإخلاص الدين لله، وسد أبواب الشرك التي يفتحها الشيطان لبني آدم). ا هـ.

وقد ذكر الشاطبي في كتابه (الاعتصام): أن عمر رضي الله عنه لما رأى أناساً يذهبون للصلاة في موضع صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما هلك من كان قبلكم بهذا يتبعون آثار أنبيائهم، فاتخذوها كنائس وبيعاً)، وقال أيضا: قال ابن وضاح: (وقد كان مالك يكره كل بدعة، وإن كانت في خير لئلا يتخذ سنة ما ليس بسنة، أو يعد مشروعاً ما ليس معروفاً). ا هـ.

وقال الشاطبي أيضاً رحمه الله : (وسئل ابن كنانة عن الآثار التي تركوا في المدينة، فقال: أثبت ما عندنا قباء . . إلخ. وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه قطع الشجرة التي رأى الناس يذهبون للصلاة عندها؛ خوفا عليهم من الفتنة،وقد ذكر عمر بن شبة في (أخبار المدينة)،وبعده العيني في (شرح البخاري) مساجد كثيرة، ولكن لم يذكروا المساجد السبعة بهذا الاسم.

وبهذا العرض الموجز يعلم أنه لم يثبت بالنقل وجود مساجد سبعة، بل ولا ما يسمى بمسجد الفتح، والذي اعتنى به أبو الهيجاء وزير العبيديين المعروف مذهبهم، وحيث إن هذه المساجد صارت مقصودة من كثير من الناس لزيارتها، والصلاة فيها، والتبرك بها، ويضلل بسببها كثير من الوافدين لزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، فقصدها بدعة ظاهرة، وإبقاؤها يتعارض مع مقاصد الشريعة، وأوامر المبعوث بإخلاص العبادة لله، وتقضي بإزالتها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال (مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)([33])، فتجب إزالتها درءًا للفتنة، وسدًا لذريعة الشرك،وحفاظاً على عقيدة المسلمين الصافية،وحماية لجناب التوحيد، اقتداء بالخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حيث قطع شجرة الحديبية لما رأى الناس يذهبون إليها؛ خوفاً عليهم من الفتنة، وبين أن الأمم السابقة هلكت بتتبعها آثار الأنبياء التي لم يؤمروا بها؛ لأن ذلك تشريع لم يأذن به الله). انتهى.

ثانيا: ومما تقدم يعلم أن توجه الناس إلى هذه المساجد السبعة وغيرها من المساجد المحدثة لمعرفة الآثار، أو للتعبد والتمسح بجدرانها ومحاريبها، والتبرك بها ـ بدعة، ونوع من أنواع الشرك، شبيه بعمل الكفار في الجاهلية الأولى بأصنامهم، فيجب على كل مسلم ناصح لنفسه ترك هذا العمل، ونصح إخوانه المسلمين بتركه .

ثالثا: وبهذا يعلم أن ما يقوم به بعض ضعفاء النفوس من التغرير بالحجاج والزوار، وحملهم بالأجرة إلى هذه الأماكن البدعية؛ ـ كالمساجد السبعة ـ هو عمل محرم، وما يُأخذ في مقابله من المال كسب حرام، فيتعين على فاعله تركه،[وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ]([34]) . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم([35]).

أحكام الزيارة وآدابها

أذكر هنا كلاماً لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنقله كاملاً لتمام الفائدة:

قال رحمه الله : (وتسن زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج أو بعده؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواهُ إلا المسجد الحرام)(رواه مسلم)، وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاةٍ في مسجدي هذا)(أخرجه أحمد وابن خزيمة، وابن حبان). وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)(أخرجه أحمد، وابن ماجة). والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

فإذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله، ويقول : (بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك) كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده صلى الله عليه وسلم ذكر مخصوص، ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبري صاحبيه: أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ، فيقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قائلاً: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته)؛ لما في سنن أبي داود بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من أحدٍ يُسلم عليَّ إلا رَدَّ الله عليَّ روحي حتى أرُدَّ عليه السلام)، وإن قال الزائر في سلامه: (السلام عليك يا نبي الله، السلام عليكم يا خيرة الله من خلقه، السلام عليكم يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده) فلا بأس بذلك؛ لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم ، ويصلي عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويدعو له؛ لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه؛ عملاً بقوله تعالى:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] ([36])، ثم يُسلم على أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ ويدعو لهما، ويترضى عنهما.

وكان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ إذا سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، لا يزيد غالباً على قوله: (السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه) ثم ينصرف.

وهذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه لعن زوارات القبور من النساء والمتخذين عليها المساجد والسُّرج).

وأما قصد المدينة للصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد، فهو مشروع في حق الجميع؛ لما تقدم من الأحاديث في ذلك.

ويُسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة ؛ اغتناماً لما في ذلك من الأجر الجزيل .

ويُستحب أن يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة ؛ لما سبق من الحديث الصحيح في فضلها، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة).

أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يتقدم إليها، ويحافظ على الصف الأول مهما استطاع، وإن كان في الزيادة القبلية؛ لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحث والترغيب في الصف الأول، مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)(متفق عليه)، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال الرجل يتأخر عن الصلاة حتى يؤخره الله)أخرجه مسلم، وأخرج أبو داود، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ بسند حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الرجل يتأخر عن الصَّف المقدم حتى يؤخره الله في النار)، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها!؟) قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها!؟ قال: (يُتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف)(رواه مسلم).

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تعم مسجده صلى الله عليه وسلم وغيره قبل الزيادة وبعدها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحث أصحابه على ميامن الصفوف، ومعلوم أن يمين الصف في مسجده الأول خارج الروضة، فعلم بذلك أن العناية بالصفوف الأول وميامن الصفوف مقدمة على العناية بالروضة الشريفة، وأن المحافظة عليهما أولى من المحافظة على الصلاة في الروضة، وهذا بَيَّن واضح لمن تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب. والله الموفق.

ولا يجوز لأحد أن يتمسح بالحجرة أو يُقَبَّلها أو يطوف بها؛ لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح، بل هو بدعة منكرة .

ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجة، أو تفريج كربة، أو شفاء مريض، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله ـ سبحانه ـ، وطلبه من الأموات شرك بالله وعبادة لغيره، ودين الإسلام مبني على أصلين:

أحدهما: ألا يعبد إلا الله وحده.

الثاني: ألا يُعبد إلا بما شرعه الله والرسول صلى الله عليه وسلم .

وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

وهذا لا يجوز لأحد أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة؛ لأنها ملك الله ـ سبحانه ـ، فلا تطلب إلا منه، كما قال تعالى:[قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً] ([37]).

فتقول: (اللهم شفَّع فيَّ نبيك، اللهم شفَّع فيَّ ملائكتك، وعبادك المؤمنين، اللهم شفَّع فيَّ أفراطي)، ونحو ذلك. وأما الأموات فلا يُطلب منهم شيء، لا الشفاعة ولا غيرها، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء؛ لأن ذلك لم يشرع، ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع.

وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له).

وإنما جاز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة؛ لقدرته على ذلك، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب، أما في الدنيا فمعلوم، وليس ذلك خاصَّاً به، بل هو عام له ولغيره، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه: اشفع لي إلى ربي في كذا وكذا، بمعنى: ادع الله لي، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه.

وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله ـ سبحانه ـ، كما قال الله تعالى:[مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ] ([38]).

وأما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز إلحاقها بحال الإنسان قبل الموت ولا بحاله بعد البعث والنشور، لانقطاع عمل الميت وارتهانه بكسبه إلا ما استثناه الشارع، وليس طلب الشفاعة من الأموات مما استثناه الشارع، فلا يجوز إلحاقه بذلك، لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، ولكنها ليست من جنس حياته قبل الموت، ولا من جنس حياته يوم القيامة، بل حياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله ـ سبحانه ـ، ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: (ما من أحدٍ يسلَّم عليّ إلا رد الله عليَّ روحي أرد عليه السلام).

فدل ذلك على أنه ميت، وعلى أن روحه قد فارقت جسده، لكنها ترد عليه عند السلام، والنصوص الدالة على موته صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة معلومة، وهو أمر متفق عليه بين أهل العلم، ولكن ذلك لا يمنع حياته البرزخية، كما أن موت الشهداء لم يمنع حياتهم البرزخية المذكورة في قوله تعالى:[وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ]([39]).

وإنما بسطنا الكلام في هذه المسألة، لدعاء الحاجة إليه بسبب كثرة من يُشَبَّه في هذا الباب، ويدعو إلى الشرك وعبادة الأموات من دون الله. فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلامة من كل من يخالف شرعه، والله أعلم.

وأما ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم ، وطول القيام هناك فهو خلاف المشروع؛ لأن الله سبحانه نهى الأمة عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وحثهم على غضّ الصوت عنده في قوله تعالى :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ]([40]).

ولأن طول القيام عند قبره صلى الله عليه وسلم والإكثار من تكرار السلام يفضي إلى الزحام وكثرة الضجيج وارتفاع الأصوات عند قبره صلى الله عليه وسلم ، وذلك يخالف ما شرعه الله للمسلمين في هذه الآيات المحكمات، وهو صلى الله عليه وسلم محترم حياً وميتاً، فلا ينبغي للمؤمن أن يفعل عند قبره ما يخالف الأدب الشرعي.

وهكذا ما يفعله بعض الزوار وغيرهم من تحري الدعاء عند قبره مستقبلاً للقبر رافعاً يديه يدعو، فهذا كله خلاف ما عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله وأتباعهم بإحسان، بل هو من البدع المحدثات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تَمَسكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثةٍ بدعةٍ وكل بدعةٍ ضلالة)(أخرجه أبو داود، والنسائي بإسناد حسن)، وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(أخرجه البخاري، ومسلم)، وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

ورأى عليّ بن الحسين زين العابدين ـ رضي الله عنهما ـ رجلاً يدعو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فنهاه عن ذلك، وقال : ألا أحدَّثك حديثاً سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلّوا عليَّ، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم)(أخرجه الحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه الأحاديث المختارة).

وهكذا ما يفعله بعض الزوار عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم من وضع يمينه على شماله فوق صدره أو تحته كهيئة المصلي فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم ، ولا عند السلام على غيره من الملوك والزعماء وغيرهم؛ لأنها هيئة ذل وخضوع وعبادة لا تصلح إلا لله، كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح عن العلماء، والأمر في ذلك جلي واضح لمن تأمل المقام وكان هدفه اتباع هدي السلف الصالح.

وأما من غلب عليه التعصب والهوى والتقليد الأعمى وسوء الظن بالدعاة إلى هدي السلف الصالح فأمره إلى الله، ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق لإيثار الحق على ما سواه، إنه سبحانه خير مسئول.

وكذا ما يفعله بعض الناس من استقبال القبر الشريف من بعيد وتحريك شفتيه بالسلام أو الدعاء فكل هذا من جنس ما قبله من المحدثات، ولا ينبغي للمسلم أن يحدث في دينه ما لم يأذن به الله، وهو بهذا العمل أقرب إلى الجفاء منه إلى الموالاة والصفاء، وقد أنكر الإمام مالك رحمه الله هذا العمل وأشباهه، وقال: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).

ومعلوم أن الذي أصلح أول هذه الأمة هو السير على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وصحابته المرضيين وأتباعهم بإحسان، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا تمسكهم بذلك، وسيرهم عليه. وفق الله المسلمين لما فيه نجاتهم وسعادتهم وعزهم في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم)([41]).

تنبيه:

وقال أيضاً رحمه الله: (من المعلوم أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ليست واجبة ولا شرطاً في الحج كما يظنه بعض العامة وأشباههم، بل هي مستحبة في حق من زار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو كان قريباً منه .

أما البعيد عن المدينة فليس له شد الرحل لقصد زيارة القبر، ولكن يُسنُّ له شد الرحل لقصد المسجد الشريف، فإذا وصله زار القبر الشريف وقبر الصاحبين، ودخلت الزيارة لقبره ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقبري صاحبيه تبعاً لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم ، وذلك لما ثبت في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).

ولو كان شد الرحال لقصد قبره ـ عليه الصلاة والسلام، أو غيره مشروعاً لدل الأمة عليه وأرشدهم إلى فضله؛ لأنه أنصح الناس وأعلمهم بالله وأشدهم له خشية، وقد بلّغ البلاغ المبين، ودلَّ أمته على كل خير، وحذَّرهم من كل شر، كيف وقد حذر من شد الرحل لغير المساجد الثلاثة، وقال: (لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).

والقول بشرعية شد الرحال لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم يفضي إلى اتخاذه عيداً، ووقوع المحذور الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ من الغلو والإطراء، كما قد وقع الكثير من الناس في ذلك بسبب اعتقادهم شرعية شد الرحال لزيارة قبره ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

وأما ما يروى في هذا الباب من الأحاديث التي يحتج بها من قال بشرعية شد الرحال إلى قبره ـ عليه الصلاة والسلام ـ، فهي أحاديث ضعيفة الأسانيد، بل موضوعة، كما قد نبه على ضعفها الحفاظ؛ كالدار قطني، والبيهقي، والحافظ ابن حجر وغيرهم . فلا يجوز أن يعارض بها الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريم شد الرحال لغير المساجد الثلاثة .

وإليك أيها القارئ شيئاً من الأحاديث الموضوعة في هذا الباب؛ لتعرفها وتحذر الاغترار بها: الأول: (من حج ولم يزرني فقد جفاني).

الثاني: (من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي).

الثالث: (من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له على الله الجنة).

الرابع: (من زار قبري وجبت له شفاعتي).

فهذه الأحاديث وأشباهها لم يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الحافظ ابن حجر في (التلخيص) ـ بعدما ذكر أكثر الروايات ـ طرق هذا الحديث كلها ضعيفة.

وقال الحافظ العقيلي: لا يصح في هذا الباب شيء.

وجزم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أن هذه الأحاديث كلها موضوعة. وحسبك به علماً وحفظاً وإطلاعاً.

ولو كان شيء منها ثابتاً لكان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أسبق إلى العمل به، وبيان ذلك للأمة ودعوتهم إليه؛ لأنهم خير الناس بعد الأنبياء، وأعلمهم بحدود الله وبما شرعه لعباده، وأنصحهم لله ولخلقه، فلما لم ينقل عنهم شيء من ذلك دل ذلك على أنه غير مشروع. ولو صح منها شيء لوجب حمل ذلك على الزيارة الشرعية التي ليس فيها شد الرحال لقصد القبر وحده؛ جمعاً بين الأحاديث . والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم)([42]).

فصل في استحباب زيارة (مسجد قباء والبقيع)

وقال رحمه الله في استحباب زيارة مسجد قباء والبقيع:

(ويُستحب لزائر المدينة أن يزور مسجد قباء ويصلي فيه؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور مسجد قباء راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين)، وعن سهل بن حُنَيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من تطهَّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلَّى فيه صلاة كان له كأجر عمرة).

ويُسن له زيارة قبور البقيع، وقبور الشهداء، وقبر حمزة رضي الله عنه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورهم ويدعو لهم، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) أخرجه مسلم .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) أخرجه مسلم من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه .

وأخرج الترمذي، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: (السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر).

ومن هذه الأحاديث يُعلم أن الزيارة الشرعية للقبور يقصد منها تذكّر الآخرة، والإحسان إلى الموتى، والدعاء لهم والترحم عليهم .

فأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم أو العكوف عندها أو سؤالهم قضاء الحاجات أو شفاء المرضى أو سؤال الله بهم أو بجاههم ونحو ذلك، فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله، ولا فعلها السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ بل هي من الهجر الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: (زوروا القبور، ولا تقولوا هجراً).

وهذه الأمور المذكورة تجتمع في كونها بدعة، ولكنها مختلفة المراتب، فبعضها بدعة وليس بشرك؛ كدعاء الله ـ سبحانه ـ عند القبور، وسؤاله بحق الميت وجاهه ونحو ذلك، وبعضها من الشرك الأكبر، كدعاء الموتى والاستعانة بهم، ونحو ذلك)([43]).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهرس الموضوعات

الموضوع
الصفحة

المقدمة:
3

البدع التي أحدثها المحدثون عند زيارتهم المدينة النبوية:
5

أولاً: مفاهيم يجب أن تصحح:
6

ثانياً: أنواع البدع التي أحدثها الناس عند زيارتهم المدينة النبوية:
7

أولاً: البدع الشركية، وتنقسم إلى قسمين:
8

القسم الأول: بدع الشرك الأكبر:
8

تعريف الشرك الأكبر:
8

القسم الثاني: بدع الشرك الأصغر:
9

تعريف الشرك الأصغر:
9

أنواع بدع الشرك الأصغر:
9

ثانياً: البدع المحرمة، وتنقسم إلى قسمين:
10

القسم الأول: البدع المكانية (بدع المساجد)
13

جملة من البدع المكانية وما يحدث بها من البدع:
13

(1) مسجد قباء:
13

(2) مسجد الجمعة:
13

(3) مسجد ذي الحليفة (أو الميقات)
14

(4) مسجد بني معاوية:
14

(5) المساجد السبعة:
14

(6) مسجد الغمامة:
15

(7) مسجد القبلتين:
15

(8) مسجد أبي ذر الغفاري:
16

(9) مسجد الراية:
16

(10) مسجد الفضيخ:
16

(11) مسجد العريض:
16

(12) مسجد العريش:
17

(13) مسجد المباهلة:
17

(14) مسجد الشهداء:
17

القسم الثاني: البدع المكانية (في غير المساجد):
18

(1) بقيع الغرقد:
18

(2) جبل أحد.
19

(3) جبل الرماة.
19

(4) مشربية أم إبراهيم (مارية القبطية زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم(
20

الطريقة الشرعية لزيارة المدينة النبوية:
21

بيان ما يشرع زيارته وما لا يشرع من مساجد المدينة النبوية:
23

بيان اللجنة الدائمة للإفتاء حول ما يشرع زيارته وما لا يشرع من مساجد المدينة:
23

أحكام الزيارة وآدابها:
28

كلام للشيخ بن باز رحمه الله حول أحكام الزيارة وآدابها:
28

فصل في استحباب زيارة مسجد قباء والبقيع:
35

فهرس الموضوعات:
36

——————————————————————————–
الهوامش

([1]) سورة آل عمران:102.

([2]) سورة النساء:1.

([3]) سورة الأحزاب:70، 71.

([4]) رواه النسائي، وأبو داود، والترمذي، وحسنه الألباني في المشكاة (ج1 رقم 740).

([5]) رواه البخاري ـ كتاب الجمعة ـ باب فضل ما بين القبر والمنبر (1120)، مسلم ـ كتاب الحج ـ باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة (2463).

([6]) رواه الطبراني في الكبير، وضعفه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ص72).

([7]) انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ص 72.

([8]) رواه الدار قطني بإسناد ضعيف، وخرجه الألباني في الإرواء : وقال فيه حديث منكر (ج4 رقم 1128).

([9]) رواه ابن عدي، والدار قطني، وغيرهما، وخرجه الألباني في الضعيفة، وقال فيه: موضوع (1/119) رقم (45).

([10]) رواه الطيالسي في مسنده، وضعفه الألباني في الإرواء (ج4 رقم 1127).

([11]) رواه الدار قطني بإسناد ضعيف، وخرجه الألباني في الإرواء : وقال فيه حديث منكر (ج4 رقم 1128).

([12]) انظر كتاب التوحيد للشيخ صالح الفوزان، ص11.

([13]) سورة النساء: 48.

([14]) انظر: تعريف ابن سعدي للشرك الأصغر في القول السديد، ص 24، وص45 ، وانظر فتاوى اللجنة الدائمة (1/517).

([15]) انظر في ذلك: حقيقة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم (شبهات وردود) للمؤلف.

([16]) رواه أبو داود، وصححه الألباني في سنن أبي داود (2/218) رقم (2042).

([17]) سورة الحجرات: 2.

([18]) رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج2 رقم 1180).

([19]) سورة الكهف: 103، 104.

([20]) رواه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (3577).

([21]) رواه مسلم ـ كتاب الجنائز ـ باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه (1614).

([22]) رواه البخاري ـ كتاب الجهاد والسير ـ باب السير وحده (2776)، ومعنى الوحدة أي الانفراد في السفر.

([23]) رواه البخاري ـ كتاب الجمعة ـ باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1116)، مسلم ـ كتاب الحج ـ باب فضل الصلاة بمسجديَّ مكة والمدينة (2469).

([24]) رواه مسلم ـ كتاب الطهارة ـ باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (367).

([25]) سورة التوبة: 108.

([26]) سورة التوبة: 108.

([27]) رواه البخاري ـ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ـ باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول صلى الله عليه وسلم من غير علم فحكمه مردود، مسلم ـ كتاب الأقضية ـ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (3243).

([28]) رواه البخاري ـ كتاب الصلح ـ باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2499)، مسلم ـ كتاب الأقضية ـ باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (3242).

([29]) رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وصححه الألباني في الصحيحة (6/526) رقم (2735).

([30]) رواه الترمذي، وأحمد، والبيهقي، والحاكم، والطبراني، وابن أبي شيبة، والبزار، وصححه الألباني في تخريج الطحاوية.

([31]) رواه أحمد، والترمذي، والطبراني، وصححه الألباني في ظلال الجنة (ج1 رقم 76).

([32]) رواه الترمذي، والطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 5343.

([33]) سبق تخريجه، ص21.

([34]) سورة الطلاق: 2، 3.

([35]) فتاوى اللجنة الدائمة (31/ 178ـ 180) الفتوى رقم (19729).

([36]) سورة الأحزاب: 56.

([37]) سورة الزمر: 44.

([38]) سورة البقرة: 255.

([39]) سورة آل عمران: 169.

([40])سورة الحجرات: 2، 3.

([41]) مجموع فتاوى ابن باز (16/99 ـ 111).

([42]) مجموع فتاوى ابن باز (16/111ـ 114).

([43]) مجموع فتاوى ابن باز (16/114 ـ 117).