أحب الأعمال إلى الله

الثلاثاء 14 جمادى الآخرة 1440هـ 19-2-2019م
تأليف
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار الأستاذ بجامعة القصيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. عاطف بن محمد عبد المجيدالأستاذ المشارك بكلية التربية للبنات بالزلفي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُه ونَسْتَعِيْنُه ونَسْتَغْفِرُه ونَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنا ومِنْ سَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضْلِل فَلاَ هَادِيَ لَه وبعد :
إِنّ مِنْ عَظِيْمِ نِعَمِ اللهِ تَعَالىَ عَلىَ عِبَادِهِ أَنْ شَرَعَ لهَم أَفْضَلَ الشَّرَائِع وَأَحْسَنها، وَدَلهَّمْ عَلَيْها، وَرَغّبَهم فِيها، وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَتَعَبَّدُوا إِلَيه بِها، فَمَتىَ قَامَ العبادُ ِبما أُمِرُوا بِه وانْتَهَوا عَمّا نُهُوا عَنْه، سُعِدُوا فِي الدّنيا وَاْلآخِرة، وَمَتى خَالَفُوا أَمْرَ خَالِقِهم وَتَمَرّدُوا عَلى عِبَادَته حَصَلَ لهَم بِذَلِك الشّقَاوَةُ فيِ الدّنْيا وَاْلآخِرة، قاَلَ تَعالى ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) ([1]) وقال ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) ([2]) فَالْجَزَاء مِنْ جِنسِ اْلعَمَل.
وَلَمّا رَغبَ الرَّبّ سبحانه وتعالى فِي عِبَادَتِه بَيَّن صلى الله عليه وسلم أَنَّ اْلأَعْمَالَ لَيْسَتْ عَلىَ دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ بَل يَتَفَاضَلُ بَعْضُهَا عَلىَ بَعْضٍ، وَلِذَا كَانَتْ مَحَبَّته سبحانه وتعالى لِبَعْضِ اْلأَعْمَالِ أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِه لِغَيْرِهَا، وَلَقَدْ كَانَ صَحَابَةُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم رِضْوَان الله عَلَيْهِم- يَسْأَلُوْنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَحَبِّ اْلأَعْمَالِ إِلىَ اللهِ لِيَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِهَا، وَيَنَالُوا أَعْلىٰ دَرَجَاتِ اْلمَحَبَّةِ مِنَ اللهِ تَعَالى، فَعَنْ أَبِيْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ اْلأَعْمَالِ أَحَبُّ إَلىَ اللهِ تَعَالىٰ ؟ قَالَ {الصَّلاَةُ عَلىٰ وَقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَي ؟ قَالَ: بَرُّ اْلوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيْلِ اللهِ } ([3]) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: {إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور } ([4]).
وهكذا كان صحابته صلى الله عليه وسلم يسألون عن أفضل أعمال البر وأحبها إلى الله لكي ينالوا محبته سبحانه ويفوزوا بأعلى الدرجات في جناته.
ولما كانت النفس البشرية ينتابها شيء من الكسل والفتور أحياناً كان من الأفضل لها أنه تتعرف على جانب من أنواع العبادات التي خصها الله تعالى بالفضل لكي تتعبد لله بها ويحصل من فعلها لها ما لا يحصل لها يترك بعضها.
والنفس البشرية تميل إلى التنويع لأن في التنويع رياضة لهذه النفس ودعوة لها للاستمرار، فإن النفس البشرية إذا تعودت على أمر ما قد يصيبها شيء من الملل لكن إذا فتح لها باب من أنواع العبادات اختارت ما يناسبها حال الكسل وحال الهمة والنشاط.
وحرصاً منا على نفع إخواننا المسلمين جعلنا هذه الرسالة التي تبين جملة من أنواع العبادات التي يحبها الله تعالى مع بيان عظيم الأجر لمن قام بها نسأل الله أن يرزقنا محبته وأن يجمعنا وإخواننا المسلمين في دار كرامته إنه سميع مجيب.
وقبل الشروع في موضوعنا نحب أن ننبه على أمر هام وهو بيان مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته وذلك لأن موضوع الرسالة في بيان الأعمال التي يحبها ومن خلال هذا المسمى (أحب الأعمال إلى الله) إذ فيه إشارة إلى إثبات صفة المحبة لله تعالى التي عطلها أهل التعطيل أو حرفها أهل التحريف.
فما هو مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى؟
قال سماحة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله-:
«أهل السنة والجماعة طريقتهم في أسماء الله وصفاته أنهم يعتبرون أن ما ثبت من أسماء الله وصفاته في كتاب الله ، أو فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حق على حقيقته يراد به ظاهره ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين وذلك لأن تحريف المحرفين مبني على سوء فهم، أو سوء قصد حيث ظنوا أنهم إذا أثبتوا تلك النصوص، أو تلك الأسماء والصفات على ظاهرها ظنوا أن ذلك إثبات للتمثيل، ولهذا صاروا يحرفون الكلم عن مواضعه، وقد يكونون ممن لم يفهموا هذا الفهم ولكن لهم سوء قصد في تفريق هذه الأمة الإسلامية شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون.
وأهل السنة والجماعة يؤمنون بأن ما سمى الله به نفسه وما وصف الله به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو حق على حقيقته وعلى ظاهره،ولا يحتاج إلى تحريف المحرفين بل هو أبعد ما يكون عن ذلك، وهو أيضاً لا يمكن أن يفهم منه ما لا يليق بالله عز وجل من صفات النقص أو المماثلة بالمخلوقين، بهذه الطريقة المثلى يسلمون من الزيغ والإلحاد في أسماء الله وصفاته، فلا يثبتون لله إلا ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، غير زائدين في ذلك ولا ناقصين عنه، ولهذا كانت طريقتهم أن أسماء الله وصفاته توقيفية لا يمكن لأحد أن يسمي الله بما لم يسم به نفسه أو أن يصف الله بما لم يصف به نفسه.
فإن أي إنسان يقول أن من أسماء الله كذا، أو ليس من أسماء الله، أو أن من صفات الله كذا، أو ليس من صفات الله بلا دليل فهذا بلا شك قول على الله بلا علم، وقد قال الله سبحانه ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ([5])
وقال تعالى ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) ([6])
ثم إن طريقتهم في أسماء الله تعالى مما سمى الله به نفسه فإن كان من الأسماء المتعدية فإنهم يرون من شرط تحقيق الإيمان به ما يلي :
1- أن يؤمن المرء بذلك الاسم اسماً له عز وجل
2- أن يؤمن بما دل عليه من الصفة سواء كانت الدلالة تضمناً أو التزاماً.
3- أن يؤمن بأثر ذلك الاسم الذي كان مما دل عليه الاسم من الصفة ونحن هنا نضرب مثلاً:
من أسماء الله تعالى «السميع» يجب على طريق أهل السنة والجماعة أن يثبت هذا الاسم من أسماء الله فيدعى لله به ويعبد به فيقال مثلاً عبد السميع ويقال يا سميع يا عليم وما أشبه ذلك لأن الله تعالى يقول ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) ([7])
وكذلك أيضاً يثبت ما دل عليه هذا الاسم من الصفة وهي السمع فنثبت لله سمعاً عاماً شاملاً فلا يخفى عليه أي صوت وإن ضعف.
كما نثبت أيضاً أثر هذه الصفة وهي أن الله تبارك وتعالى يسمع كل شيء وبهذا ننتفع انتفاعاً كبيراً من أسماء الله لأنه يلزم من هذه الأمور الثلاثة التي أثبتناها في الاسم إذا كان متعدياً أن نتعبد الله بها فنحقق قول الله عز وجل ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) ([8])
فأنت إذا آمنت بأن الله يسمع فإنك لن تُسْمِع ربك ما يغضبه عليك لن تسمعه إلا ما يكون به راضياً عنك، لأنك تؤمن أنك مهما قلت من قول سواء كان سراً أم علناً فإن الله تبارك وتعالى يسمعها، فسوف ينبئك بما كنت تقول في يوم القيامة، فسوف يحاسبك على ذلك على حسب ما تقتضيه حكمته في كيفية من يحاسبهم تبارك وتعالى، إذاً القاعدة عند أهل السنة والجماعة أن الاسم من أسماء الله إذا كان متعدياً فإنه لا يمكن تحقيق الإيمان به إلا بالإيمان بهذه الأمور الثلاثة:
1- أن نؤمن به اسماً من أسماء الله فنثبت من أسمائه.
2- أن نؤمن بما دل عليه من صفة
3- أن نؤمن بما يترتب على تلك الصفة من الأثر.
وبهذا يتحقق الإيمان بأسماء الله تبارك وتعالى المتعدية.
أما إذا كان الاسم لازماً فإنهم يثبتون هذا الاسم من أسماء الله، ويسمون الله به ويدعون الله به، ويثبتون ما دل عليه الاسم من صفة على الوجه الأكمل اللائق بالله تعالى، ولكن هنا لا يكون أثر، لأن هذا الاسم مشتق من شيء لا يتعدى موصوفه فلذلك لا يكون أثر، ونضرب مثلاً بـ «الحي» فإن الحي من أسماء الله عز وجل نثبته اسماً لله فنقول من أسماء الله تعالى «الحي» وندعو الله به فنقول: «يا حي، يا قيوم».
ونؤمن بما دل عليه من صفة، سواء كان ذلك تضمناً، أو التزاماً وهي الحياة الكاملة التي تتضمن كل ما يكون من صفات الكمال في الحي من علم وقدرة وسمع وبصر وكلام وغير ذلك، فعلى هذا نقول: إذا كان الاسم من أسماء الله غير متعد فإن تحقيق الإيمان به يكون بأمرين:
أحدهما: إثباته اسماً من أسماء الله
والثاني : إثبات ما دل عليه من الصفة على وجه الكمال اللائق بالله تبارك وتعالى.
أما الصفات فإننا لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه سواء ذكر الصفات وحدها بدون أن يتسمى بما دلت عليه، أو كانت هذه الصفة مما دلت عليه أسماؤه، فإنه يجب علينا أن نؤمن بهذه الصفة على حقيقتها مثال ذلك: أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه أنه استوى على عرشه، وهو يخاطبنا بالقرآن النازل باللسان العربي المبين، وكل الناس الذين لهم ذوق في اللغة العربية يعلمون معنى استوى في اللغة العربية، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله تعالى- وقد سئل عن قوله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ([9]) كيف استوى ؟ فقال: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة» وهذا اللفظ أدق من اللفظ الآخر، لأن كلمة «الكيف غير معقول» تدل على أنه إذا انتفى عنه الدليلان النقلي والعقلي فإنه لا يمكن التكلم به.
هذه الصفة من صفات الله لم يرد اسم من أسماء الله مشتق منها فليس من أسمائه المستوى، ولكننا نقول إنه استوى على العرش ونؤمن بهذه الصفة على الوجه اللائق به ونعلم أن معنى الاستواء هو العلو، فهو علو خاص بالعرش، ليس العلو المطلق على جميع المخلوقات، بل هو علو خاص ولهذا نقول في قوله تعالى ( اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) ([10]) .
أي علا واستقر على وجه يليق بجلاله وعظمته، وليس كاستواء الإنسان على البعير والكرسي مثلاً، لأن استواء الإنسان على البعير والكرسي استواء مفتقر إلى مكانه الذي يستوي عليه، أما استواء الله جل ذكره فإنه ليس استواء مفتقر، بل إن الله تعالى غني عن كل شيء، كل شيء مفتقر إلى الله، والله تبارك وتعالى غني عنه.
ومَنْ زعم أنه بحاجة إلى عرش يقله أساء بربه عز وجل فهو سبحانه وتعالى غير مفتقر إليه، كذلك النـزول إلى سماء الدنيا حينما يبقى ثلث الليل الآخر نؤمن به على أنه نزول حقيقي، لكنه يليق بالله عز وجل لا يشبه نزول المخلوقين، ومن هنا نقول أنه يجب عل المؤمن أن يتحاشى أمراً يلقيه الشيطان في باله أمراً خطيراً للغاية وهو أمر حمل أهل البدع على تحريف النصوص، من أجل هذا الأمر الذي يجعله الشيطان في قلوب الناس- ألا وهو تخيل كيفية صفة من صفات الله، أو تخيل كيفية ذات الله عز وجل .
فاعلم أنه لا يجوز أبداً أن يتخيل كيفية ذات الله، أو كيفية صفة من صفاته، واعلم إنك إذا تخيلت أو حاولت التخيل فإنك لا بد أن تقع في أحد أمرين:
إما التحريف والتعطيل، وإما التمثيل والتشبيه ولهذا يجب عليكم أيها الإخوة أن لا تتخيلوا أي شيء من كيفية صفات الله عز وجل ، لا أقول لا تثبتوا المعنى لأن المعنى يجب أن يثبت لكن تخيل كيفية تلك الصفة لا يمكن أن تتخيلها وعلى أي مقياس تقيس هذا التخيل .
لا يمكن أبداً أن تتخيل كيفية صفات الله عز وجل لا بالتقدير ولا بالقول يجب عليك أن تتجنب هذا لأنك تحاول ما لا يمكن الوصول إليه بل تحاول ما يخشى أن يوقعك في أمر عظيم لا تستطيع الخلاص منه إلا بسلوك التمثيل والتعطيل وذلك لأن الرب جلت عظمته لا يمكن لأحد أن يتخيله على كيفية معينة لأنه إن فعل ذلك فقد قفا ما ليس له به علم وقد قال الله تعالى ( Ÿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ 4 ) ([11])
وإن تخيله على وصف مقارب بمثيل فقد مثل الله والله سبحانه وتعالى يقول ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) ([12]) .
وبهذا نعلم أن من أنكر صفات الله أنكرها لأنه تخيل أولاً، ثم قالوا هذا التخيل يلزم منه التمثيل ثم حرفوا، ولهذا نقول إن كل معطل ومنكر للصفات فإنه ممثل سبق تمثيله تعطيله. مثَّل أولاً وعطَّل ثانياً ولو أنه قدر الله حق قدره ولم يتعرض لتخيل صفاته سبحانه ما احتاج إلى هذا الإنكار وإلى هذا التعطيل ([13])الإيمان بالله- وصلة الرحم-
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من أحب الأعمال إلى الله تعالى: الإيمان بالله، وصلة الرحم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :{أحبُّ الأعمال إلى الله إيمان بالله، ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر} ([14])أولاً: الإيمان بالله
الإيمان في اللغة: مطلق التصديق
وفي الشرع: تصديق النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما جاء به مما عُلم من الدين ضرورة ([15])
وفسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور بقوله: {.. أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره} ([16])
وقد جاء في القرآن الكريم إطلاق الإيمان على هذه الأصول، قال الله تبارك وتعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ([17]).
وقال سبحانه ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ ) ([18])
وهذا المفهوم أجمله سلفنا الصالح رضوان الله عليهم بقولهم: «الإيمان: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية»
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية يرحمه الله-:
«والمأثور عن أصحابنا وأئمة التابعين، وجمهور السلف وهو مذهب أهل الحديث، وهو المنسوب إلى أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية…» ([19])
وقال ابن حجر رحمه الله- روى اللالكائي بسنده الصحيح عن البخاري قال: «لقيت أكثر من الف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت منهم أحداً يختلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص» ([20])
وقال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله-:
«… والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية…» ([21]) .
ونظم ابن مشرف في ذلك أبياتاً منها:
إيماننا قول وقصد وعمل إن وافق الشرع به نيل الأمل
والزيد والنيقصان للإيمان يعرض بالطاعة والعصيــان ([22])
وهذا العالم العلامة ابن القيم يرحمه الله- يشرح حقيقة الإيمان وكماله فيقول:
«وهو أي الإيمان-حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علماً، والتصديق به عقداً، والإفراد به نطقاً، والانقياد له محبة وخضوعاً، والعمل به باطناً وظاهراً، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان.
وكماله في الحب في الله والبغض في الله، والعطاء لله والمنع لله، وأن يكون الله وحده إلهه ومعبوده،
والطريق إليه تجريد متابعة رسوله ظاهراً وباطناً، وتغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله ورسوله، وبالله التوفيق» ([23]) .
وفي القرآن الكريم والسنة المطهرة نصوص كثيرة تدل على كون الإيمان بالقلب، قال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز يرحمه الله-: «والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر» ([24])
ومن هذه الأدلة قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ¡ ) ([25])
قال ابن كثير رحمه الله-:
«نزلت في المسارعين في الكفر الخارجين عن طاعة الله ورسوله المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله عز وجل (مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) أي أظهروا الإيمان بألسنتهم ، وقلوبهم خراب خاوية منه، وهؤلاء هم المنافقون » ([26])
وقوله تعالى ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ([27])
وقوله تعالى ( قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ( ) ([28])
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسد فسدت الجسد كله ألا وهي القلب}([29])
فهذه النصوص تدل على أن الإيمان يدخل القلب ويطمئن به، وأن إيمان القلب شرط في صحة الإيمان.
وكون الإيمان باللسان يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله …} ([30])
وقوله صلى الله عليه وسلم : {يخرج من النار مَنْ قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان، ويخرج من النار مَنْ قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من إيمان، ويخرج من النار مَنْ قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان }([31])
فنطق الشهادتين باللسان شرط لصحة الإيمان وأن قائلها غير مخلد في النار كما هو واضح في هذين الحديثين الشريفين.
وكون الإيمان عملاً بالجوارح يزيد وينقص يدل عليه قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)) ([32])
وقوله تعالى ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)) ([33])
قال الحافظ ابن كثير يرحمه الله-:
«…وقوله ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ) كقوله (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ. ..) الآية، وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأئمة، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد…» ([34])
ومن ذلك أيضاً- قوله تعالى: (qèd هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) ([35])
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأنه يكون بالأعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة وغيرهما
والمراد بالإيمان بالله تعالى: التصديق القاطع الجازم بوجود الله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة دون كل ما سواه.
قال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز يرحمه الله-: «… من الإيمان بالله الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة دون كل ما سواه، لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم والعالم بسرّهم وعلانيتهم والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم بها…» ([36])
ويتحقق هذا الإيمان بأمور ثلاثة هي:
1- الإيمان بأسماء الله تعالى:
قال سبحانه ( ¬ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ([37])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر} ([38])
وزاد الترمذي بعد قوله {يحب الوتر}:
«هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحكيم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدي المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الفرد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الولي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الوارث الرشيد الصبور»
ثم قال: «حديث غريب …. وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلمه في شيء من الروايات له إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث» ([39])
ومعنى الأسماء الحسنى: أحسن الأسماء؛ لأنها تدل على معان حسنة من تحميد وتقديس وغير ذلك.
والحسنى مؤنث أحسن، وجمع التكثير لغير العقلاء يعامل معاملة المؤنثة الواحدة([40])
وفي قوله صلى الله عليه وسلم {من أحصاها} أقوال منها: مَنْ حفظها، مَنْ عرف معانيها وآمن بها، مَنْ قرأ القرآن حتى يختمه فإنه يستوفي هذه الأسماء في تلاوته ([41])
وقد أَلَّفَ عدد من العلماء مؤلفات شرحوا فيها هذه الأسماء ، جاء في كتاب كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون:
«شرح الأسماء الحسنى لجماعة من أهل العلم منهم: الأزهري، والإقليشي، والبواسي، والنسفي،والبقالي، والبيضاوي، وفخر الدين، والقشيري، وغيرهم»

2- الإيمان بصفات الله تعالى، مثل: الوجود والقدم والوحدانية والبقاء والقدرة والإرادة….. بالكيفية التي أثبتها الله لنفسه.
قال سماحة شيخنا ابن باز- يرحمه الله:
«… الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله العزيز وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته وإثباتها لله على الوجه الذي يليق به من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما قال الله سبحانه : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
) وقال سبحانه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) وقال عز وجل ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) …» ([42])

3- الإيمان بأفعال الله تعالى، مثل: الخلق، والرزق، والإحياء والإماتة …
قال شيخنا محمد صالح العثيمين رحمه الله-:
«فالله وحده هو الخالق ولا خالق سواه قال تعالى ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )
وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) فالله تعالى وحده هو الخالق ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) وخلقه يشمل ما يقع من مفعولات خلقه أيضاً…» ([43])
وقال رحمه الله- أيضاً:
«… فنؤمن بربوبية الله تعالى أي بأنه الرب الخالق الملك المدبر لجميع الأمور …» ([44])
ويقوم هذا الإيمان على أسس أهمها:
1- الكفر بالطاغوت
قال الله تبارك وتعالى ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ([45])

وقال تعالى ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ([46])
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : {من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله} ([47])
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله-: «وحاصله- أي التوحيد- هو البراء من عبادة كل ما سوى الله، والإقبال بالقلب والعبادة على الله وذلك هو معنى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وهو معنى لا إله إلا الله…» ([48])
وفي الآية الأولى ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ …. ) قدم الحق سبحانه: الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله؛ لأنه فعل العبد وامتثاله لما كلف به، فيجب أولاً أن يخلع ثوب الشرك ويكفر بالطاغوت ثم يدخل الإيمان في قلبه نقياً طاهراً.
وفي الآية الثانية والحديث قدم الإيمان بالله على الكفر بالطاغوت؛ لأن دعوة الرسل تتجه إلى المقصد الأهم وهو العبادة الخالصة ثم بيان شرطها وهو الكفر بالطاغوت وغيره.
2- الإيمان بالغيب، والأدلة عليه كثيرة منها:
قول الله تبارك وتعالى ( الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (5)) ([49])
وقد وضح ابن كثير المراد به فقال: «… قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أني عن أبي العالية في قوله تعالى: ﴿رضي الله عنه يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قال: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت والبعث، فهذا غيب كله، وكذا قال قتادة بن دعامة» ([50])
3- امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية نصوص كثيرة تبين هذا الأساس وتوضحه، منها:
قوله تعالى: ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً ) ([51])
وقوله تعالى: ( إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ([52])
وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) ([53]) والسلم: الإسلام، والمراد بكافة: جميع شرائع الإسلام ([54])
وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ([55]) و«يحييكم» يصلحكم و «يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ » قال السدي: يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه ([56]) .
وقد حذر الله سبحانه من التفريط في الطاعة وعدم الالتزام بالتكليف فقال سبحانه: ( فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ([57]) .
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم : {كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى} ([58])
4- الإخلاص لله في العبادة، ومعناه أن يقصد العبد في كل عبادته وجه الله تعالى، فلا يشرك مع ربه أحداً، ولا يصرف شيئاً منها لغيره.
قال الله تعالى ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) ([59])
وقال تعالى ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) ([60])
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً; أي ما كان موافقاً لشرع الله); (وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ; وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذا ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً، صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ([61])
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن إخلاص العبادة لله وحده حق له سبحانه على عباده. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: {يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من يشرك به شيئاً…}([62])
5- صدق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله.
قال الله تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) ([63])
قال ابن كثير رحمه الله-: «هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله» ([64])
وقال تعالى ( وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ([65])
وقال تعالى ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ ) ([66])
فمن حقق الإيمان بالله بالكيفية التي أرادها الله سبحانه، ووضحها لنا نبينا صلى الله عليه وسلم جنى ثمرات الإيمان والتي منها:
· محبة الله ، وتعظيمه، وطاعته، والسعادة في الدارين.
قال الله تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (([67]
قال شيخنا محمد بن عثيمين يرحمه الله-: «… فالإيمان بالله وأسمائه وصفاته يثمر للعبد محبة الله وتعظيمه الموجبين للقيام بأمره واجتناب نهيه، والقيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه يحصل بهما كمال السعادة في الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع…» ([68])
ويؤكد هذا قول الله تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ([69])
وقوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) ([70])
أي بسبب إيمانهم وأعمال الإيمان يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين، ومن أحبه الله وأحبه المؤمنون من عباده حصلت له السعادة والفلاح والفوائد الكثيرة من محبة المؤمنين من الثناء والدعاء له حياً وميتاً والاقتداء به، وحصول الإمامة في الدين ([71])
· ومن ثمرات الإيمان أيضاً :حصول البشارة بكرامة الله، والأمن التام من جميع الوجوه
لقوله تعالى ( وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ([72])
وفي الأمن يقول تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) ([73])
قال الشيخ السعدي رحمه الله-: «فالمؤمن له الأمن التام في الدنيا والآخرة: أمنٌ من سخط الله وعقابه، وأمنٌ من جميع المكاره والشرور وله البشارة الكاملة بكل خير…
ويوضح هذه البشارة قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ) ([74]) ([75])
· ومنها : أن الإيمان الصحيح يمنع العبد من الوقوع في الموبقات المهلكة،
لقوله صلى الله عليه وسلم {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن» ([76])
فالإيمان يعصم صاحبه من ارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فما أحوج الأمة إلى الإيمان الكامل في هذا الزمان الذي تكالب فيه الأعداء عليها، وسعوا جاهدين إلى نشر الرذائل بكل الوسائل، مستغلين تقدمهم العلمي في إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا قاتلهم الله أنى يؤفكون.
لهذا كان الإيمان بالله من أحب الأعمال إلى الله كما أخبر بذلك الصادق الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .

ثانياً: صلة الرحم
من أحب الأعمال إلى الله تعالى : صلة الرحم لقوله صلى الله عليه وسلم {… ثم صلة الرحم} والرحم: رحم المرأة، ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ([77])
ويطلق الرحم على كل من يجمعك وإياه نسب من جهة الذكور أو من جهة النساء.
وصلة الرحم كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم وإن أساءوا ([78])
وواصل الرحم يصله الله، جاء في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم : {الرحم متعلقة بالعرش تقول مَنْ وصلني وصله الله ، ومَنْ قطعني قطعه الله}
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت:بلى، قال: فذلك} ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) ([79])
قال ابن كثير رحمه الله- في تفسير هاتين الآيتين:
«… وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموماً، وعن قطع الرحم خصوصاً، بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل المال» ([80])
وصلة الرحم من علامات الإيمان، لقوله صلى الله عليه وسلم : {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت} ([81])
كما أنها سبب بسط الرزق وطول العمر، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من أحبّ أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه} ([82])
والزيادة في العمر قد تكون معنوية وذلك بأن يبارك الله فيه فيهب لصاحبه قوة في الجسم ، ورجاحة في العقل، وعزيمة في الرأي، ويوفقه لأعمال الخير والبر والطاعة، فتكون حياته حافلة بالأعمال الصالحة.
وقد تكون الزيادة في عمر الواصل حقيقية فيطول عمره ويمتد أجله، يوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- فيقول: «… والأجل أجلان: مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم: {من سرّه أن يُبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه.
فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلاً، وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزاد أم لا، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر» ([83])
وصلة الرحم سبب من أسباب دخول الجنة : فعن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم {تعبد الله ولا تشركوا به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم} ([84])
هذا بالإضافة إلى آثار صلة الرحم الحميدة على الفرد والجماعة من نشر المودة والألفة والمحبة بين ذوي الأرحام حتى تصير الأمة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فما أحوج أمتنا في هذا الزمن إلى الاتحاد والترابط.
فصل أخي المسلم أرحامك وإن قطعوك، وأعطهم وإن حرموك، وبرّهم وإن جفوك، وأحلم عليهم وإن جهلوا عليك، تفز يرضى الله في الدارين، وحسابهم على الله. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، قال: {لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دامت على ذلك} ([85]) ومعنى تسفهم: تطعمهم ، والمل: الرماد الحار.
قال الإمام النووي رحمه الله- في شرح الحديث: «وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم، بما يلحق أكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته، وإدخالهم الأذى عليه »
وقيل معناه: أنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقِّرهم في أنفسهم؛ لكثرة إحسانك، وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم، كمن يسف الملّ.
وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالملّ يحرق أحشاءهم. والله أعلم.
وفي هذا المعنى يقول الشاعر: المقنع الكندي:
وإن الذي بيــني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جــداً
إذا قدحوا لي نار حرب بزندهم قدحتُ لهم في كل مكرمة زنـدا
وإن أكلوا لحمي وفرتُ لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجـدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهـم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وأعطيهم مالي إذا كنت واجدا وإن قلّ مالي لم أكلفهم رفـدا([86])
ثالثاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
رسولنا صلى الله عليه وسلم خير الرسل؛ لأن الله نسخ برسالته كل الرسالات. وأمتنا خير الأمم؛ لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قال الله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ 3 ) ([87])
والمعروف: اسم لكل فعل يُعْرَف بالعقل أو الشرع حُسْنَه. والمنكر: ما ينكر بالعقل أو الشرع ([88])
وقد أمر الله المسلمين بهما وحثهم عليهما، فقال سبحانه ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) ([89])
قال الحافظ ابن كثير يرحمه الله-: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ) منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ([90])
وهو واجب على كل فرد من أفراد هذه الأمة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} وفي رواية {وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل} ([91])
قال ابن دقيق العيد رحمه الله- في شرح هذا الحديث:
«… وأما قوله {فليغيره} فهو أمر إيجابي بإجماع الأمة، وقد تطابق الكتاب والسنة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين» ([92])
ويؤكد هذا ويقوِّيه ما يرويه حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم {والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم} ([93])
وقد لعن الله الذي كفروا من بني إسرائيل على لسان أنبيائهم بسبب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ([94])
والذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وما يستقيم به أمره، وما تصلح به دنياه، وتعمر به أخراه، قد ألزمه بهذا الأمر.
ولما تهاون المسلمون في هذه الشعيرة انتشر في كثير من بلادهم الفسق والفجور، وأصبح الفاجر الفاسق المجاهر بالمعصية المتباهي بها الداعي إليها عزيزاً كريماً، والمؤمن المتمسك بدينه ذليلاً إرهابياً أصولياً حقيراً، فلا حول ولا قول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهنا نسجل بكل إعزاز وفخر أن بلاد الحرمين الشريفين (المملكة العربية السعودية) متفردة من بين البلاد الإسلامية بإحياء هذه الشعيرة، فلا توجد هيئة منظمة تنظيماً دقيقاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا فيها، ولا يوجد رجال للحسبة يجوبون البلاد من أقصاها إلى أقصاها آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، إلا فيها، وهذا مما أغاظ أعداء الإسلام في كل مكان كافرين ومنافقين فتعالت أصواتهم مطالبين بالقضاء على هذه الهيئة المباركة، أو تحجيم دورها وجعلها شكلاً فقط.
نسأل الله أن يرد كيد الكائدين في نحورهم وأن يشغلهم بأنفسهم عن المسلمين.
كما نسأله سبحانه أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه وأن يحفظ لنا هذه الفئة المؤمنة الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر، والتي كانت سبباً بعد فضل الله في حماية بلاد الحرمين الشريفين من شرور كثيرة وآثام عديدة.
ومن هنا ندرك لماذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أحب الأعمال إلى الله كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

الحنيفية السمحة
من أحب الأعمال إلى الله الحنيفية السمحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم {أحبّ الأعمال إلى الله تعالى: الحنيفية السمحة}([95])
الحَنَفُ : هو الميل عن الضلال إلى الاستقامة، وضده الجنف: وهو الميل عن الاستقامة إلى الضلال.
والحنيف: هو المائل إلى الاستقامة قال الله تعالى ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ([96])
وقال سبحانه ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً ) ([97])
وقال الله تعالى ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِه 4 ) ([98])
وتحنَّفَ فلان: أي تحري طريق الاستقامة.
وسمَّتْ العرب كل من حج أو اختتن حنيفاً تنبيهاً أنه على دين إبراهيم عليه السلام .
والأحنف: مَنْ في رِجله ميلٌ.
قيل: سُمِّي بذلك تفاؤلاً ، وقيل: بل استعير للميل المجرَّد ([99])

والحنيفية: هي الملَّة المائلة عن الشرك المبنية على الإخلاص لله عز وجل ([100]) وهي ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى-:
«… الحنيفية ملة إبراهيم: أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين» ([101])

مفهوم العبــادة
وللعبادة مفهومان:
الأول: عام وهو التذلل لله محبه وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه.
والثاني: خاص وهو كونها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة كالخوف والخشية والتوكل والصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك من شرائع الله ([102]).
وقد خلق الله الخلق لعبادته وحده، قال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ([103])
وقال سبحانه ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) ([104]) وأمر الله بها فقال ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) ([105])
وبعث الله بها الرسل ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( ) ([106])
وبين سولنا صلى الله عليه وسلم أنها حق الله على عباده، وذلك فيما يرويه معاذ بن جبل حيث يقول: {كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا} ([107])

أنواع العبادة
قال شيخنا محمد بن عثيمين يرحمه الله-: «… واعلم أن العبادة نوعان:
عبادة كونية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الكونيّ، وهذه شاملة لجميع الخلق لا يخرج عنها أحد لقوله تعالى : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ) ([108]) فهي شاملة للمؤمن والكافر والبر والفاجر.
والثاني: عبادة شرعية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الشرعيّ، وهذه خاصة بمن أطاع الله تعالى واتبع ما جاء به الرسل مثل قوله تعالى: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً ) ([109])
فالنوع الأول لا يحمد عليه الإنسان؛ لأنه بغير فعله… بخلاف النوع الثاني فإنه يحمد عليه » ([110])
ولا يقبل الله العبادة من عباده إلا إذا اقترنت بالإخلاص، قال تعالى ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) ([111])
وقال سبحانه ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) ([112])
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله-: «وهذان ركنا العمل المتقبل: لا بد أن يكون خالصاً لله، صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم …» ([113])
وللعلماء في الإخلاص أقوال كثيرة منها: ([114])
– أن يراد بالعمل وجه الله تعالى لا غيره
– إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة
– تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين
– أن يقصد المرؤ بعبادته وجه الله عز وجل والوصول إلى دار كرامته بحيث لا يعبد معه غيره لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً
ثمرات الإخلاص
وللإخلاص ثمرات كثيرة أهمها:
· نصر الأمة
قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم} ([115])
وأمتنا أخي القارئ الكريم- تعيش اليوم حالة من الضعف والهزيمة فهي في حاجة إلى دعائك وصلاتك وإخلاصك فلا تبخل عليها بما تستطيعه ولك الأجر والمثوبة إن شاء الله-.
· النجاة من عذاب الآخرة والفوز بالجنة، لقوله تعالى في حق طائفة من المخلصين:
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10) فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ) ([116])
فعبادة الله وحده، وإخلاص الدين له هما ملة إبراهيم عليه السلام -وهي الحنيفية السمحة- وقد أوحى الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبعها، فقال () ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ) ([117])
ووصف الذين يرغبون عنها بقوله ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) ([118])
لهذا كانت الحنيفية السمحة من أحب الأعمال إلى الله تعالى كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

الصلاة وبر الوالدين والجهاد
من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى : الصلاة وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله. فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم:
أي العمل أحبّ إلى الله تعالى؟
قال: {الصلاة على وقتها}
قلت: ثم أيٌّ ؟
قال: {بر الوالدين}
قلت: ثم أيُّ؟
قال: {الجهاد في سبيل الله} ([119])

أولاً: الصلاة على وقتها
· الصلاة لغة
للصلاة في اللغة معان كثيرة ، أهمها:
الدعاء، يقال: صلّيت عليه ، أي دعوت له، ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام-:{إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، وإن كان صائماً فليصلِّ}([120]) أي: ليدع لأهله ([121])
ومنه أيضاً- قوله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ 3 ) ([122])
قال ابن كثير رحمه الله-:
« … ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) أي : ادع لهم واستغفر لهم، كما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قوم صلى عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى» ([123])
وقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ([124])
جاء في تفسير ابن كثير عقب هذه الآية : «قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء» ([125])
وقال بعضهم: أصل الصلاة من الصِّلاء، ومعنى صلَّى الرجل أي أزال عن نفسه بهذه العبادة الصِّلاء الذي هو نار الله الموقودة ([126])
وقيل: أصلها التعظيم، وسميت الصلاة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى وتقديسه ([127])
· وشرعـاً
وأما تعريفها في الشرع فهي: «التعبد لله بأقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم» ([128]) .
قال سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز- يرحمه الله-: «… الصلاة عبادة ذات أقوال وأفعال أولها التكبير وآخرها التسليم» ([129])
وقد أمر الله المسلمين بالمحافظة عليها وإقامتها في أوقاتها فقال سبحانه ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) ([130])
فلا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لعذر قدره الشرع من نوم أو نسيان وما يلحق بهما من إغماء وغيره قال الله تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً )([131])
قال ابن عباس رضي الله عنه : «أي مفروضاً، وقال: إن للصلاة وقتاً كوقت الحج» ([132])
وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه- يقول:
« … فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا لحدث ولا لنجاسة ولا غير ذلك، بل يصلي في الوقت بحسب حاله؛ فإن كان محدثاً وعدم الماء أو خاف الضرر باستعماله، تيمم وصلى، وكذلك الجنب يتيمم ويصلي إذا عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد، وكذلك العريان يصلي في الوقت عرياناً، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه، وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها فيصلي في الوقت بحسب حاله، وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت… وهذا كله لأن فعل الصلاة في وقتها فرض والوقت أوكد فرائض الصلاة» ([133])
وقال أيضاً-: «فالمريض له أن يؤخر الصوم باتفاق المسلمين ، وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين» ([134])
وجاء الأمر في القرآن الكريم بإقامة الصلاة وليس بالصلاة فقط:
قال الله تعالى ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ ) ( [135])
وقال : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ([136])
وقال : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) ([137])
وقال : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) ([138])
وقال : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) ([139])
وقال : ( فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ 4 ) ([140])
وقال : ( وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) ([141])
وقال : ( وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ ) ([142])
وقال : ( فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ ) ([143])
وقال : ( فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) ([144])
وقال : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً 4 ) ([145])
وقال : ( وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 4 ) ([146])
وأكثر من ذلك فإنه لم يرد في القرآن الكريم ذكر الصلاة غالباً- إلا مقترنة بلفظ الإقامة أو ما اشتق منها، ومن ذلك قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة ) ([147])
وقوله ( يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) ([148])
وقوله ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) ([149])
وقوله ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ([150])
وقوله ( ) وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ) ([151])
وقوله ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى ) ([152])
وقوله ( وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ([153])
وقوله ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ ) ([154])
وإذا أطلق لفظ الإقامة في القرآن الكريم فإنه يراد به الصلاة، من ذلك قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ([155])
قال ابن كثير يرحمه الله- : «… يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل وهو التغطي في الليل وينهض إلى القيام لربه عز وجل … وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلاً ما أمره الله به من قيام الليل…»([156])
وقوله تعالى ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ) ([157])
وقوله ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ) ([158]) قال الضحاك رحمه الله-: «أي إلى الصلاة» ([159])
وقوله ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) ([160])
وقوله ( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ) ([161]) ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ([162])
· المراد بإقامة الصلاة
والمراد بإقامتها: إتمام قراءتها وإتمام ركوعها، وإتمام سجودها، وحضور القلب فيها وكل ذلك في خشوع وخضوع لله رب العالمين.
قال الضحاك : عن ابن عباس رضي الله عنهما- «إقامة الصلاة إتمام الركوع والتلاوة والخشوع والإقبال عليها»
وقال قتادة : «إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها» ([163])
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عمّا سواها، وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون الصلاة راحة لبدنه، وقرة لعينه، وطمأنينة لفؤاده وسكينة لقلبه كما قال صلى الله عليه وسلم : {حُبِّبَ إليّ الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة} ([164])
وكثير من الناس – إلا من رحم الله- لا يحققون الصلاة بهذا المفهوم فإذا دخل المرؤ في الصلاة أقبل عليه الشيطان بخيله ورجله وأخذ يوسوس له، ويصرفه عن الصلاة ويشغله بأمور الدنيا، ويجعله يكثر من الحركة والالتفات حتى أنه لم يعقل من صلاته شيئاً، فالمصلون كثير والمقيمون قليل، وكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «الحاج قليل والركب كثير»
وهذا أمر خطير يئن منه كثير من المصلين، ونحن نوصي أنفسنا ونوصيك أيها القارئ الكريم الحبيب بأن يجاهد كل منا نفسه حتى يتخلص من هذا الأمر، ويحقق إقامة الصلاة كي يتحقق لنا جميعاً الفلاح والفوز والسعادة في الدارين. قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) ([165]) ولأبي حامد الغزالي رحمه الله- كلام طيب يساعد على الخشوع في الصلاة فاقرأه يرحمك الله- بتدبر وإمعان، يقول:
«…اعلم أن الصلاة إنما هي ذكر وقراءة ومناجاة ومحاورة، وذلك لا يكون إلا بحضور القلب، وتمامه يحصل بالتفهيم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء، وعلى الجملة كلما ازداد العلم بالله زادت الخشية وحصل الحضور، فإذا سمعت المؤذن ينبغي أن تستحضر القلبَ هول النداء يوم القيامة، وتتشمر بظاهرك وباطنك للإجابة والمسارعة، فإن المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون باللطف يوم العرض الأكبر، فإن وجدت قلبك مملوءاً بالفرح والاستبشار ومشغوفاً إلى الابتدار فسيكون ذلك في ذلك النداء، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: {أرحنا بها يا بلال} إذ كانت قرة عينه في الصلاة.
فالطهارة طهارة السرِّ عما سوى الله، فبها تتم هذه الصلاة، فإنك إن سترت العورة بالثياب فما الذي يستر عورتك في الباطن عن الله ؟
فتأدب بين يدي الله، واعلم أنه يطلع على سرِّك فتواضع بظاهرك وباطنك وانظر لو قمت بين يدي الملك كيف تكون ؟
ولا نسبة بينه تعالى وبين الملوك، والكل عبيده، فإذا فعلت ذلك فلا تكون كاذباً في قولك «وجهت وجهي» وفي قولك «حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين» وقولك «إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين»
فانظر فلا ينبغي أن يكون هذا كذباً فيكون سبب هلاكك، وينبغي أن تذكر كبرياء الله وعظمته عند ركوعك وسجودك، وتعلم ذلك بصغارك ، والله برحمته أهَّلك لمناجاته فلا أقلّ من التأدب والحضور بقلبك بين يديه. قال صلى الله عليه وسلم {إن الله يُقبل على المصلي ما لم يلتفت} فاحفظ ظاهرك وباطنك عن الالتفات قال عليه الصلاة والسلام : {إن العبد ليصلي ولا يكتب له من صلاته لا نصفها ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها ولا عشرها، وإنما يكتب للرجل من صلاته ما عقل منها}
وقال بعضهم: إن العبد يسجد السجدة ، وعنده أنه تقرب بها إلى الله تعالى ولو قسمت ذنوبه في سجدته على أهل مدينته لهلكوا، قيل: وكيف ذلك؟
قال: يكون ساجداً عند الله تعالى وقلبه مُصْغٍ إلى هوى، ومشاهد لباطل قد استولى عليه …» ([166]).
فاسْتِحْضَارُ القلب، والتدبرُ في القراءة، وَتَذَكّرُ عظمة الله وكبريائه، يساعد على ترك الانشغال في الصلاة وترك الالتفات وترك الحركة فيها، ويجلب الخشوع والخضوع والطمأنينة في الصلاة.

· من فوائد الصلاة
للصلاة فوائد كثيرة، وفضائل جليلة، نذكر منها بإيجاز واختصار:
1-النهي عن الفحشاء والمنكر
لقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) ([167])
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلاناً يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق، فقال: {إنه سينهاه ما تقول} ([168])
وقال أبو العالية : «إن الصلاة فيها ثلاث خصال، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذا الخصال فليست بصلاة: الإخلاص، والخشية، وذكر الله؛ فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله يأمره وينهاه»([169])
وقال ابن عوف الأنصاري : «إذا كنت في صلاة، فأنت في معروف، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر» ([170])
2-البسطة في الرزق والزيادة في الفضل
لقوله تعالى ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ([171])
ولقوله سبحانه ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) ([172])
3-مغفرة الذنوب وتكفير السيئات
لقوله تعالى ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) ([173]) وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {خمس صلوات افترضهن الله، من أحسن وضوءهن وجاء بهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، وإن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه } ([174])
ولقوله عليه الصلاة والسلام أيضاً: {الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر} ([175])
وحديث عثمان رضي الله عنه في صحيح مسلم {ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة وذلك الدهر كله }([176])
وقال صلى الله عليه وسلم { أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا} ([177])
وهذا يدعوك أخي الحبيب إلى المحافظة على الصلاة في أوقاتها بخشوع وخضوع لله رب العلمين، حتى يغفر الله لك ذنبك، ويمحو خطأك، ويرفع عنك وزرك، وما أحوجنا لهذا فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
4-الفوز بالجنة
لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) ([178])
وقوله تعالى ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ( [179]).
وفي الجنة نعيم مقيم ففيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقد وصف ابن القيم بعض نعيمها في نونيته المشهورة فقال:
يا خاطب الحور الحسان وطالبـــاً لو صالهن بجنة الحيـــوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت بذلت ما تحوي من الأثمـان
أو كنت تدري أين مسكنها جـعلت السعي منك لها على الأجفان
ولو وصفت طريق مسكنها فإن رمت الوصال فلا تكن بالواني
أسرع وحث السير جهدك إنما مسراك هذا ساعة لزمــان ([180])
ثم قال:
هي جنة طابت وطاب نعيمهـا فنعيمها باق وليس بفــان
دار السلام وجنة المأوى ومنـزل عسكر الإيمان والقـــرآن
فالدار دار سلامة وخطابهــم فيها سلام واسم ذي الغفران ([181])

نسأل الله أن يجعلنا وإياك والمسلمين من الذين يقال لهم ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) ([182])
ولهذا وغيره الكثير كانت الصلاة على وقتها من أحب الأعمال إلى الله تعالى كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

ثانياً: بر الوالدين
من مبادئ الإسلام السامية «مبادلة الإحسان بالإحسان» قال الله تعالى ( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ ) ([183])
انطلاقاً من هذا المبدأ الكريم حثت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الأولاد على الوفاء لوالديهم والاعتراف بفضلهم والبر بهم ورغبت في ذلك.
وبر الوالدين معناه التوسع في الإحسان إليهما وذلك بطاعتهما وإكرامهما والتواضع لهما والشفقة عليهما والتلطف بهما بأن يقول لهما قولاً حسناً وكلاماً طيباً مقروناً بالاحترام والتعظيم.
فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما قالت: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه شيخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : {من معك؟ فقال: أبي، قال: لا تمش أمامه، ولا تقعد قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تستسب له ([184])} ([185])
وقد قرن الله سبحانه برَّ الوالدين بعبادته لبيان حقهما على الولد إذ أنهما السبب الظاهر لوجوده في الحياة الدنيا قال الله تعالى: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ([186]) وقال تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ([187]) .
كما قرن سبحانه شكرهما بشكره فقال : ( أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )([188]) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما- أنه قال: ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تُقْبَل منها واحدة بغير قرينتها؛
إحداها: قوله تعالى ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ س) ([189]) فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
الثانية : قوله تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) ([190]) فمن صلى ولم يزَّكِ لم يقبل منه.
الثالثة: قوله تعالى ( أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ) ([191]) فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه ([192])
والحق تبارك وتعالى أمر الأولاد بالبر بوالديهم، والرفق بهم، وخفض الجناح لهم، ولين القول والمؤانسة، والرحمة والملاطفة، والدعاء لهم والصدقة عنهم، وهذه آيات الإسراء تحدد النهج الذي يجب اتباعه في معاملة الوالدين ومعاشرتهما والتوصية بهما وخصوصاً حين يضعفان ويمرضان ويكبران ويحتاجان إلى العناية والخدمة.
يقول تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ) ([193])
فلو تدبر الأولاد هذه الآيات المحكمات وفهموا معانيها وعلموا أنهم سيجزون في كبرهم بما جازوا به آباءهم وأمهاتهم لما عقوهم ونهروهم.
والحياة دين ووفاء فمن برَّ والديه برّه أبناؤه قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : {عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومن أتاه أخوه متنصلاً فليقبل ذلك محقاً كان أو مبطلاً، فإن لم يفعل لم يرد عليّ الحوض}([194])
واعلموا أيها الأبناء أن الله قد جعل لكل من الوالدين باباً من الجنة يتفتّح بالخير على الولد كلما خرج يسعى لهما، وتنـزل عليه رحمة الله ما دام حريصاً على إرضائهما، فإن أغضب أحدهما غضب الله عليه وأغلق دونه باب الخير وإن كان الولد مظلوماً ([195])
روى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس رضي الله عنهما- قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتبساً إلا فتح الله له باببين من الجنة وإن كان واحد فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه، قيل: وإن ظلماه، قال: وإن ظلماه}([196])

برّ الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله
برّ الوالدين فرض عين على أولادهما، والجهاد فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين- إلا إذا غزى العدو بلاد المسلمين واغتصب أرضهم فإنه يصبح فرض عين، وفي هذه الحالة لا يجب على الولد أن يستأذنهما .
وفرض العين مقدم على الكفاية لذا قُدِّم برّ الوالدين على الجهاد، والأحاديث في ذلك كثيرة تذكر منها:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: {أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد} ([197])
فمع عظم فضل الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة فقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم برّ الوالدين وطاعتهما عليه حيث قال للرجل {ففيهما فجاهد} أي ابذل غاية جهدك في خدمتهما، واعمل أقصى ما تستطيع لإرضائهما.
وعنه رضي الله عنه قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال أي النبي صلى الله عليه وسلم: {فهل من والديك أحد حيّ؟ قال أي الرجل-: نعم، بل كلاهما. قال: أفتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما} ([198])
ما أحسن قول النبي صلى الله عليه وسلم {فأحسن صحبتهما}! ففيه حث على برهما وطاعتهما والتلطف بهما وخفض الجناح لهما وهذا يعدل أجر المجاهد في سبيل الله.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليمن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : {هجرت الشرك ولكنه الجهاد، هل باليمن أبواك؟ قال: نعم، قال: أذنا لك؟ قال: لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى أبويك فإن فعلا و إلا فبرهما} ([199]) .
ومقتضى هذا الحديث أنه لا يجوز للأبناء أن يخرجوا للجهاد ولا للسفر ولا لغيرهما إلا بإذن الآباء والأمهات.
وهنا نوجه دعوة للشباب الذين غُرِّر بهم وخُشِيت عقولهم بآراء منحرفة، وأفكار غريبة ، أن يقرءوا هذا الحديث ويعملوا به ويستأذنوا آباءهم وأمهاتهم قبل أن يخرجوا من بيوتهم لارتكاب أعمال التخريب والتفجير التي روّعت الآمنين وأفزعت المواطنين والمقيمين، وأزهقت أرواحاً، وأراقت دماء، وأهدرت أموالاً، وخربت دياراً.
فإن آباءهم سوف يبينون لهم الطريق ويهدونهم سواء السبيل، ويوضحون لهم الحق من الباطل، ويأخذون على أيديهم حماية لأنفسهم أولاً ثم لوطنهم ثانياً.
فأول ذنب ارتكبه هؤلاء هو عقوق الوالدين، والعاق في النار، فعن عليَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {من أحزن والديه فقد عقها} ([200])
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {بكاء الوالدين من العقوق} ([201]) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة؛ مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يُقرّ الخبث في أهله} ([202])
وإذا كانت الجنة محرمة عليه فإن النار هي مصيره وبئس المصير.

برّ الوالدين مقدم على رضى الزوجة
حفظ الإسلام للزوجة حقوقها وصان لها كرامتها وأوجب على الرجل الإنفاق عليها، وأمره بحسن معاشرتها قال الله تبارك وتعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) ([203])
وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : {خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي}
قال ابن كثير رحمه الله-: «… وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها- يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال {هذه بتلك}([204]) …» ([205])
ومع هذا فقد قُدِّم برّ الوالدين على رضى الزوجة لما لهما من فضل على الولد، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه : كانت تحتي امرأة، كنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها، فأبيت، فأتى عمرُ النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {طلقها}([206]) .
ففي ذلك تقديم لبرّ الوالدين على الزوجة في أمر خطير ألا وهو طلاقها، وإنهاء حياتها معه، وإخراجها من عصمته، مع أنه يحبها ويريدها، وعلى العكس من ذلك سأذكر لك أيها القارئ الكريم قصة عجيبة من عصرنا الحاضر تبكي العين، وتُدمي الفؤاد، وتحزن القلب لما فيها من تفضيل للزوجة على الأم.
وهذه القصة رواها الشيخ علي القرني عن أحد بائعي المجوهرات في محاضرة له بعنوان «كل يغدو».
يقول البائع للشيخ :
«جاءني في أحد الأيام الأخيرة من شهر رمضان رجل وزوجته وأمه وابنه، وكانت الأم على حياء ومعها ابن هذا الرجل، فوقفت به في جانب المحل، وجاءت زوجته وأخذت من الذهب ما يعادل العشرين ألف ريال، ثم تقدمت الأم وأخذت خاتماً واحداً من الذهب قيمته مائة ريال وعندما جاء الابن ليدفع الحساب دفع العشرين ألف ريال، فقلت: بقي مائة ريال ، فقال الابن: لأي شيء؟ فقلت: لهذا الخاتم الذي أخذته أمك، فقال الابن: العجائز ليس لهن ذهب، وأخذ الخاتم من يدها ورماه على الطاولة، فما كان من الأم إلا أن تجرعت غصصها وأخذت ابنه بين يديها وخرجت إلى السيارة، فأنبته زوجته قائلة: لماذا فعلت ذلك؟ ستخرج أمك من عندنا، من سيمسك ابننا بعد ذلك؟ فأخذ الخاتم وذهب به إلى أمه، فقالت الأم: والله لن ألبس ذهباً ما حييت أبداً، ما كنت أريد سوى هذا الخاتم لأفرح به يوم العيد مع الناس، فقتلت هذه الفرحة في نفسي فسامحك الله ([207]).
هذا الولد أبكى بفعلته هذه قلب أمه، ولو أدرك ما يحل به من الخسران والندامة في الدنيا والآخرة لأسعدها قبل أن يسعد زوجته ويرضيهما.
وقد ذكرتُ هذه القصة بعد قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما- ليتبين لنا الفرق بين البر والعقوق، ولأخذ العبرة، والعظة فالسعيد من سعد بغيره والشقي من شقي بنفسه.

برّ الوالدين بعد موتهما
من الوفاء أن لا ينسى الإنسان المعروف ولا يجحد الفضل، وفضل الآباء على الأبناء عظيم ولذلك لم تكتف آيات الإسراء بالأمر بالإحسان إلى الوالدين في الدنيا فحسب بل بعد موتهما أيضاً ( وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) ([208])
وقد بينت السنة المطهرة الطرق التي يستطيع الإنسان أن يبرّ والديه بعد موتهما من خلالها، حدّث مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله هل بقي عليّ من برّ أبويّ شيء بعد موتهما أبرّهما به ؟ قال : {نعم خصال أربع: الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنقاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك بعد موتهما} ([209])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:{رفع للميت بعد موته درجته فيقول: أي ربي أي شيء هذا؟ فيقول له: ولدك استغفر لك} ([210])
فاستغفر أيها القارئ لوالديك أو لمن مات منهما وردد قائلاً ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ([211]) ، ( وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) ([212]) وأكثر من الدعاء لهما فلقد انقطع عملهما من الدنيا إلا من ثلاثة أنت واحد منها، قال سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له} ([213])
فلا تبخل أُخيّ على والديك بعد موتهما بالدعاء لهما والاستغفار، واستمطار الرحمة عليهما والرضوان، وتحرى أوقات الاستجابة والغفران.
ثم عليك أيضاً إنفاذ وصيتهما والصدقة عنهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما- أن رجلاً قال: إن أمي توفيت ولم توص أفينفعها أن أتصدق عنها؟ {قال : نعم}([214])
وعن سعد بن عبادة قال: {قلت يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي صدقة أفضل ؟ قال: سقي الماء} ([215])
ولا يتوقف البر بهما عند الدعاء والاستغفار والصدقة بل يمتدّ أيضاً ليشمل أموراً أخرى كثيرة منها:
– قضاء النذر عنهما فلقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما- أن سعد بن عبادة استفتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال: {اقضه عنها} ([216])
– ومنها قضاء الصوم عنهما، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من مات وعليه صوم صام عنه وليه} ([217])
وعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: {نعم فدين الله أحق أن يقضى} ([218])
– ومن ذلك أيضاً الحج عنهما فعن ابن عباس رضي الله عنهما- أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفحج عنها؟ قال: {حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا دين الله ، فالله أحق بالوفاء} ([219])
– ومن ذلك صلة أصدقائهما فعن ابن عمر رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن أبرّ البرّ أن يصل الرجل أهل وُدِّ أبيه} ([220])
فمن قصر في بر والديه في حياتهما وندم على ما فرط في حقهما وخاف عاقبة العقوق فلا ييأس من روح الله ولا يقنط من رحمته، وليعلم أن باب الإحسان إليهما مفتوح على مصراعيه، فليدخل منه داعياً ومستغفراً لهما، وصائماً عنهما وحاجاً لهما وواصلاً أهل ودّهما، وإنما يتقبل الله من المتقين.

ثمرات بر الوالدين
لبرّ الوالدين ثمرات كثيرة منها:
· تفريج الكروب وذهاب الهموم والأحزان ([221]).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر فمالوا إلى غار في الجبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنه ناء بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما , وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون عند قدمي. فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج لنا فرجة نرى منها السماء ففرج الله فرجة فرأوا منها السماء؛ وقال الثاني : اللهم إنه كان لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمئة دينار، فسعيت حتى جمعت مئة دينار فلقيتها بها فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم، فقمت عنها. اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج لنا منها ففرج لهم فرجة. وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً يفرق أرزاً، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي فعرضت عليه حقه فتركه ويرغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي، فقلت: اذهب إلى ذلك البقر وراعيها، فقال: اتق الله ولا تهزأ بي، فقلت: إني لا أهزأ بك فخذ ذلك البقر وراعيها فأخذه فانطلق بها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج ما بقي ففرج الله عنهم}([222])
فبر الوالدين كما جاء على لسان الصادق المصدوق -في هذه القصة- المبلغ عن ربه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سبب في حلول الفرج إذا بلغت الشدة غايتها، وسبب في تيسير العسر إذا استحكمت عقده.
· الزيادة في العمر والبركة فيه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من بر والديه طوبى له زاد الله في عمره}([223])
وقال أيضاً: {وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر} ([224])
فما أحلى الحياة إذا طال فيها العمر، وكثر فيها المال الحلال؛ وما أهنأ العيش إذا رافقته طمأنينة النفس وراحة الضمير ومحبة الناس.
ولك أُخيَّ أن تتأمل معي هذا الحديث الشريف الذي رواه أنس رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: {من سرّه أن يمد له في عمره، ويزاد له في رزقه فليبرّ والديه وليصل رحمه} ([225])
· إجابة الدعوة
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص ، فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك الله فافعل} ([226])
فلأويس بن عامر فضل كبير ومنـزلة عالية عند الله تعالى حتى أنه لو أقسم على الله لأبر الله قسمه، وذلك لبرهّ بأمه وإكرامه لها.
· مغفرة الذنوب وقبول التوبة
روي عن يحيى بن أبي بكر، قال: لما قدم أبو موسى الأشعري وأبو عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلما، قال: {ما فعلت امرأة منكم تدعى كذا وكذا؟ قالوا: تركناها في أهلها، قال: فإنه قد غُفِر لها، قالوا بما يا رسول الله؟ قال: كانت لها أم عجوز كبيرة، فجاءها النذير، إن العدو يريد أن يغير عليكم، فجعلت تحملها على ظهرها، فإذا أعيت وضعتها ثم ألزقت بطنها ببطن أمها، وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من الرمضاء حتى نجت} ([227])
· قبول الأعمال ودخول الجنة.
في سورة الأحقاف آيات تحدثت عن صنف من الناس عرف حق الله تعالى عليه فشكره، وعرف حق والديه فأحسن إليهما وأطاع أمرهما، واجتهد في برهما، وعرف حق ذريته فأحسن تربيتها ودعا لها بلإصلاح والتوفيق، وسأل الله تعالى التوبة والمغفرة، فتقبل الله عمله، وغفر له ذنبه، ووعده بالجنة، قال الله تعالى: ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) ([228])
وهكذا فليكن الأبناء:
حبٌّ للآباء، وبرٌّ بهم، واعتراف بفضلهم، وطاعة لهم، وتقديمهم على النفس والأهل والولد، خفض الجناح لهم، ولين الكلام معهم، ثم الدعاء والاستغفار لهم بعد وفاتهم.

وأختم هذا الموضع بأبيات تبين حقوق الأم وفضلها، يقول الشاعر:
لأمك حق لو علمت كبـــير كثيرك يا هذا لديه يســيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتــكي لها من جواها أنّة وزفيــرُ
وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير
فكم غسلت عنك اللأذى بيمينها وما حجرها إلا لديك سرير
وتفديك مما تشتكيه بنفسهــا ومن ثديها شرب لديك نمير
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها حنواً وإشفاقاً وأنت صغير
فآه لذي عقل ويتبع الهــوى وآه لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقــير ([229])

ثالثاً: الجهاد في سبيل الله
عمت الدعوة الإسلامية أرجاء المعمورة بسبب الجهاد الذي بذله المسلمون لإعلاء كلمة الله ونشر دينه، وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلمات الكفر إلى نور الإسلام.
ولو لا الجهاد لانحصر الإسلام في تلك البقعة الصغيرة التي انطلق منها، ولاندثرت معالم هذا الدين في فترة وجيزة من الزمن.
والجهاد هو بذل الجهد والطاقة والنفس والمال في محاربة العدو، فمادة الكلمة (ج هـ د) تدل في اللغة على: الطاقة والمشقة والوسع والقتال ([230])
وهو من أحب الأعمال إلى الله، وأفضل القربات إليه سبحانه، وهو ماض إلى يوم القيامة؛ نصرة لدين الله، وحماية لحوزته، وذوداً عن حياضه، وحفاظاً على عزة أمته، ودحضاً للباطل وأهله، ولذلك رفع الله شأن الجهاد في الإسلام ووعد أهله المنازل العالية والأجر العظيم.
قال الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ([231])
قال القرطبي -رحمه الله-: «… أصل الشراء بين الخلق أن يعوضوا عما خرج من أيديهم ما كان أنفع لهم أو مثل ما خرج عنهم في النفع، فاشترى الله سبحانه من العباد إتلافهم أنفسهم وأموالهم في طاعته، وإهلاكها في مرضاته، وأعطاهم سبحانه عوضاَ عنها الجنة إذا فعلوا ذلك، وهو عوض عظيم لا يدانيه عوض ولا يقاس به..»([232])
والجهاد تجارة رابحة مع الله، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) ([233])
فرأس مال هذه التجارة هو الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس. وربحها مغفرة الذنوب، ودخول الجنة، وبشارة بالنصر على الأعداء .
وهو أفضل عند الله من عمارة المسجد الحرام وسقاية الحجاج فيه، قال تعالى ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) ([234])
قال ابن القيم-رحمه الله-:
«أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يستوى عنده عُمَّار المسجد الحرام ، وهم عماره بالاعتكاف والطواف والصلاة، هذه هي عمارة مساجده المذكورة في القرآن، وأهل سقاية الحاج، لا يستوون هم وأهل الجهاد في سبيل الله، وأخبر أن المؤمنين المجاهدين أعظم درجة عنده، وأنهم هم الفائزون، وأنهم أهل البشارة بالرحمة والرضوان والجنات، فنفي التسوية بين المجاهدين وعمار المسجد الحرام مع أنواع العبادة، مع ثنائه على عماره بقوله تعالى ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ ) ([235])
فهؤلاء هم عمار المساجد، ومع هذا فأهل الجهاد أرفع درجة عند الله منهم » ([236])
والشهداء عند الله أحياء غير أموات، فرحين بما آتاهم ربهم من العطايا والهبات، قال تعالى ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) ([237])
وقال سبحانه ( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ([238])
وقال تعالى ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ([239])
كما رويت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تبين فضل الجهاد ومنزلة الشهداء عند الله وما أعدَّ لهم من نعيم مقيم، وخيركثير، ودرجات عالية ومنازل رفيعة، نذكر منها:
عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها، قالوا يا رسول الله أفلا نبشر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة} ([240])
ففي الحديث بيان درجات المجاهدين التي لا ينالها غيرهم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو ادخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما فعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل} ([241])
فالمجاهد رابح على كل حال، انتصر على عدوه فعاد إلى بيته غانما مأجوراً، أو استشهد فإنه يدخل الجنة، ولا يتمنى أحد غير الشهيد أن يحييه الله ويخرجه من الجنة ليعود إلى الدنيا ليقاتل في سبيل الله مراراً، لما رأى من الخير العظيم المترتب على الشهادة في سبيل الله.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة }([242])
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب المقام المحمود ، والحوض المورد، والفردوس الأعلى، يتمنى أن يقتل ثم يحيا ثم يقتل في سبيل الله حباً في كرامة الشهداء عند الله.
وعن نعيم بن همار الغطفاني رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الشهداء أفضل؟ قال: {الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلى في الجنة، ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه } ([243])

حكم الجهاد
الجهاد إما فرض كفاية وإما فرض عين:
*أ. فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وإلا أثم الجميع بتركه، قال السرخسي- رحمه الله-:
«… ونوع هو فرض على الكفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود، وهو كسر شوكة المشركين وإعزاز الدين» ([244])
قال مصطفى السيوطي: «… وشرعاً: قتال الكفار، وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط وجوبه عن غيرهم، و إلا أثم الناس كلهم» ([245])
*ب. فرض عين على جميع المسلمين وذلك إذا غزا العدو بلاد المسلمين واعتدى على حرماتهم ومقدساتهم كما هو الحال الآن- فيجب على كل مسلم أن يهبّ للدفاع عن أرضه ومقدساته بدمه وماله فمن لم يستطع الجهاد بنفسه فعليه التبرع بماله تدعيماً للمحاربين، ومن لم يقدم كل ما يستطيع تقديمه للجهاد والمجاهدين يكون آثماً لتخلفه عن واجب الجهاد ، يقول تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ([246])
ويقول تعالى ( لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ) ([247])
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم} ([248])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من نفاق} ([249])
فالجهاد واجب ياعباد الله على جميع المسلمين اليوم لكن ذلك بشروط قال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين:
«لا بد فيه أي في الجهاد- من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، ولهذا لم يجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة، لأنهم عاجزون ضعفاء فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية وصار لهم الشوكة أمروا بالقتال، وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط…» ([250])
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله-:
«… أما أهل السنة فيقولون: لا بد من راية ولا بد من إمام هذا منهج المسلمين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالذي يفتي بأنه لا إمام ولا راية، وكل يتبع هواه، هذا رأي الخوارج» ([251])
وهذه الشروط لا تكون إلا في جهاد الطلب والغزو. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله- في هذا:
«… أما قتال الطلب والغزو فهذا لا يكون إلا إذا توفرت مقوماته…» ([252])
أما جهاد الدفاع فلا يشترط فيه شروط، بل يخرج الولد من غير إذن والديه، والمرأة من غير إذن زوجها، كما هو الحال في بعض ديار المسلمين، فإن أهل هذه البلاد يهبون للدفاع عن بلادهم وأرواحهم وأعراضهم بدون إذن وبدون أمير وبدون راية، وإن وجدت الراية والأمير فذلك أحسن وأولى لدحر العدو عن ديار المسلمين.
قال شيخنا ابن عثيمين:
«… إذا حصر العدو بلدة صار الجهاد واجباً؛ لأنه جهاد دفاع؛ لأن العدو إذا حصر البلد معناه أن أهلها يكون عرضة للهلاك… فيجب الدفاع ما دام عندهم ما يمكن أن يدافعوا به يجب أن يدافعوا » ([253])
ويجب على البلاد المجاورة لهم نصرتهم ومساعدتهم بكل ما يملكون تحقيقاً للأخوة الإسلامية ومبدأ التناصر ( وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ ) ([254])
( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ([255])
فتناصروا أيها المؤمنون واتحدوا ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ) ([256])

كلمة حق عند سلطان جائر
يقوم النبي صلى الله عليه وسلم : {أحب الجهاد إلى الله كلمة حق تقال لإمام جائر} ([257])
عُنيت الشريعة الإسلامية بولاة الأمر عناية فائقة، وأكدت على حقوقهم تأكيداً عظيماً، وجعلت طاعتهم أمراً واجباً على الرعية في حدود ما شرع الله.
يقول تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ([258]) و «أولو الأمر» كما قال المفسرون هم الحكام والعلماء.
وروى الشيخان عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله ما لم نر كفراً بواحاً لنا فيه من الله برهان»([259])
وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة}([260])
فللحاكم على الرعية حق السمع والطاعة؛ لأنه يحمل همهم، ويقودهم إلى الحق، ويحفظ حقوقهم، ويدافع عن حرماتهم.
وله أيضاً- عليهم حق النصح والتذكير؛ لأن الحاكم غير معصوم من الخطأ والزلل. وهذا واجب العلماء الربانيين دون شقٍ لعصا الطاعة، أوإثارة لفتنة، أو دعوة إلى طائفية أو حزبية لغير الحق.
وقد كان مشاهير علماء السلف رضوان الله عليهم- يقومون بالنصيحة لأئمة المسلمين وحكامهم؛ لأن هداية الحاكم من أعظم الخير، وأجلّ ثمرات الجهاد؛ إذ بصلاحه صلاح البلاد وأحوال العباد.
يقول الإمام مالك رحمه الله-:
«حق على كل مسلم جعل الله في صدره شيئاً من العلم والفقه، أن يدخل على ذي سلطان يأمره بالخير وينهاه عن الشر ويعظه» ([261])
ومن أمثلة ذلك:
· دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريرة وحوله الأشراف من كل بطن- وذلك في مكة في وقت حجه في خلافته فلما بصر به، قام وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه وقال له:
يا أبا محمد ما حاجتك؟ فقال:يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهدهما بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم،ولا تغلق بابك دونهم.
فقال له : أجل أفعل. ثم نهض، فقبض عليه عبد الملك، فقال: يا أبا محمد إنما سألتنا حاجة لغيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك أنت؟ قال: مالي إلى مخلوق حاجة، ثم انصرف.
فقال عبد الملك: هذا- وأبيك- الشرف» ([262])
· وبعث الحجاج إلى الحسن البصري، فلما دخل عليه قال: «أنت الذي تقول: قاتلهم الله، قتلوا عباد الله على الدينار والدراهيم؟ قال: نعم.
قال: ما حملك على هذا؟ قال: ما أخذ الله على العلماء من المواثيق: ليبيننه للناس ولا يكتمونه. قال: يا حسن أمسك عليك لسانك، وإياك أن يبلغني عنك ما أكره فأفرق بين رأسك وجسدك » ([263])
وهكذا، فجهر العلماء بالحق أمام الحكام ومناصحتهم سراً وتضحيتهم في سبيل ذلك بأرواحهم، وعدم خشيتهم في الله لومة لائم، من أحب الجهاد إلى الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والحاكم الصالح لا بد أن يستجيب لهؤلاء ما دامت نصيحتهم خالصة وحسب الضوابط الشرعية، وليس وراءها مطامع شخصية، وهذا دأب العلماء والحكام قديماً وحديثاً، ولقد كان لشيخما العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز منهجاً متميزاً في مناصحة الحكام وملاطفتهم ودلالتهم على الخير، ولذا تحقق على يده خير عظيم للبلاد والعباد داخل بلادنا وخارجها فرحمه الله رحمة واسعة ([264])

المداومة على الطاعات
من أحب الأعمال إلى الله المداومة على الطاعات، جاء في صحيح مسلم: حدثنا ابن مخير حدثنا أبي حدثنا سعد بن سعيد أخبرني القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ} قال: وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته ([265])
الإسلام دين الوسطية والاعتدال في الأقوال والأفعال، ولذلك ينبغي للمسلم أن يتوسط في العبادة، ولا يحمّل نفسه ما لا تطيق فإنه إذا أجهدها ملّت وكلت وانقطعت عن العبادة.
فقليل العبادة الدائم خير من كثيرها المنقطع ، قال تعالى ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً ) ([266]) هذا مثل قرآني لمن نقض عهده بعد توكيده.
قال شيخنا محمد بن عثيمين يرحمه الله-: «…العمل وإن قلّ إذا داومت عليه كان أحسن لك، لأنك تفعل العمل براحة وتتركه وأنت ترغب فيه، لا تتركه وأنت تمل منه» ([267])
وكانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وخطبته «قصداً» أي بين الطول والقصر – فعن أبي عبد الله جابر بن سمرة السوّائي قال : {كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً} ([268]).
وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلوا حبل زينب من المسجد فعن أنس رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبل ممدود بين الساريتين قال: { ما هذا الحبل؟ قالوا هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حُلُّوهُ ! ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد} ([269])
والعمل القليل المستمر أفضل من العمل الكثير الذي تمل به النفس وتسأم منه، ثم تتركه وتنقطع عنه ، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما- قال: لأصومنّ النهار، ولأقومنّ الليل ما عشت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : {أنت الذي قلت ذلك؟ قال: نعم يا رسول الله، قال -أي النبي صلى الله عليه وسلم -: إنك لا تطيق ذلك، فصم وأفطر ثم نم وقم،صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود صلى الله عليه وسلم وهو أعدل الصيام، فقلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا أفضل من ذلك} ([270])
وكبر عبد الله بن عمرو ، وصار يشق عليه أن يصوم يوماً ويترك يوماً، فقال: ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صار يصوم خمسة عشر يوماً سرداً، ويفطر خمسة عشر يوماً سرداً ([271])
والاقتصاد في العبادة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أُخبروا، كأنهم تقالّوها وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما انا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبداً ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: {أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني} ([272])
وعلى العاقل أن يكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من مطعم ومشرب وغيرهما، وهذا معنى ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم حنظلة رضي الله عنه
فعن أبي ربعيّ حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب، أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنها رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسناَ ([273]) الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، قال أبو بكر رضي الله عنه : فوالله إنا لنلقى مثل هذا؛ فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما ذاك؟} قلت: يا رسول الله! نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عليه عندي وفي الذِّكْرِ، لصافحتكم الملائكة على فراشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة} ثلاث مرات ([274])
فالحمد الله الذي أراد بنا اليسر ولم يرد بنا العسر ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ ) ([275])
وصدق رسول الله القائل : {إن الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة ([276]) والروحة ([277]) وشيء من الدلجة ([278])}

آثار المداومة على الأعمال الصالحة
للمداومة على الأعمال الصالحة آثار كثيرة منها :
· دوام اتصال القلب بخالقه وذلك يكسبه قوة ويقيناً وثباتاً وتعلقاً بالله سبحانه وتوكلاً عليه ومن ثم يكفيه الله همه قال تعالى ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ 4)([279])
· أنها سبب محبة الله تعالى للعبد وولاية العبد لله، قال الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ([280])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إن الله قال:من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطيه ، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته}([281])
· أنها سبب في محو الذنوب والخطايا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا}([282])
فالمداومة على الصلوات الخمس في أوقاتها حيث ينادي بهن، وكثرة الخطا إلى المساجد يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب والآثام، ويرفع به الدرجات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط} ([283])
· أن المداومة على الأعمال الصالحة سبب لحسن الخاتمة، حيث أن في المداومة جهاد للنفس ودفع للشيطان قال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ([284])
· أن المداومة على العمل الصالح سبب لطهارة القلب من النفاق، ونجاة صاحبه من النار.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان ؛ براءة من النار وبراءة من النفاق}([285])
· أنها سبب لدخول الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة، وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان.
فقال أبو بكر رضي الله عنه : ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم} ([286])
لهذا كان دوام العمل من أحب الأعمال إلى الله كما أخبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) سورة طه، الآية:124-126
([2]) سورة الزخرف، الآية:36
([3]) متفق عليه (البخاري في الفتح 10/336) ومسلم برقم (85)
([4]) متفق عليه ( البخاري في الفتح 3/302) ، ومسلم برقم (83)
([5]) سورة الأعراف، الآية:33
([6]) سورة الإسراء، الآية:36
([7]) سورة الأعراف، الآية:180
([8]) سورة الأعراف، الآية:180
([9]) سورة طه، الآية:5
([10]) الأعراف، الآية:54
([11]) سورة ألإسراء، الآية:36
([12]) سورة الشورى ، الآية:11
([13]) مجموع فتاوى ورسائل لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 5/185-190
([14]) رواه أبو يعلى (6839) وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع (1/95) رقم (166). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/377) رقم (13454) : رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير نافع بن خالد الطاجي وهو ثقة إهـ
([15]) مختصر شعب الإيمان للبيهقي ص 8
([16]) رواه مسلم رقم الحديث (8)
([17]) سورة البقرة /285
([18]) سورة البقرة /177
([19]) مجموع فتاوى 7/505
([20]) فتح الباري 1/74
([21]) العقيدة الطحاوية ، تعليق سماحته ص 36
([22]) ديوانه ص 9
([23]) الفوائد ص 140
([24]) العقيدة الطحاوية هامش ص 36
([25]) سورة المائدة /41
([26]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير 378
([27]) سورة النحل /106
([28]) سورة الحجرات/14
([29]) رواه البخاري في كتاب الإيمان
([30]) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
([31]) رواه البخاري في كتاب الإيمان باب زيادة الإيمان ونقصانه
([32]) سورة الأنفال/2-4
([33]) سورة التوبة /124-125
([34]) المصباح المنير على تهذيب تفسير ابن كثير ص 525
([35]) سورة الفتح/4
([36]) العقيدة الصحيحة ونواقض الإيمان ص 7
([37]) سورة الأعراف/180
([38]) رواه الإمام أحمد (7493) و (10486) والبخاري (6410) ومسلم (2677) والترمذي (3506) وابن ماجه (3860)
([39]) شرح الترمذي لابن العربي 1/13 وما بعدها
([40]) انظر البحر المحيط لأبي حيان 5/230
([41]) انظر في هذا بدائع الفوائد لابن القيم 1/164، وتلخيص الحبير لابن حجر 4/174
([42]) العقيدة الطحاوية ص 6، 7
([43]) التوحيد ومعنى الشهادتين وحكم المتابعة ص 4
([44]) عقيدة أهل السنة والجماعة ص6
([45]) سورة البقرة /256
([46]) سورة النحل/36
([47]) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
([48]) تيسر العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص 139
([49]) سورة البقرة/1-5
([50]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 32
([51]) سورة التوبة /31
([52]) سورة يوسف /40
([53]) سورة البقرة /208
([54]) انظر: المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 153
([55]) سورة الأنفال /24
([56]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 532
([57]) سورة النور/63
([58]) رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة- باب الاقتداء بسنن رسول الله.
([59]) سورة البينة/5
([60]) سورة الكهف/110
([61]) المصباح المنير ص 818
([62]) رواه البخاري (2856) ومسلم (30)
([63]) سورة الأحزاب/21
([64]) المصباح المنير ص 1082
([65]) سورة الحشر/7
([66]) سورة آل عمران /31
([67]) سورة النحل/97
([68]) عقيدة أهل السنة والجماعة ص 38
([69]) سورة التوبة 71-72
([70]) سورة مريم /96
([71]) انظر المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي (3) العقيدة الإسلامية ص 128.
([72]) سورة البقرة /25
([73]) سورة الأنعام /82
([74]) سورة فصلت :30-32
([75]) المجموعة الكاملة (3) العقيدة الإسلامية ص 130
([76]) صحيح البخاري 2/136 ومسلم 1/54 والترمذي 10/91
([77]) انظر المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص 191
([78]) انظر لسان العرب لابن منظور 11/728
([79]) سورة محمد/22، 23- رواه البخاري ومسلم………..
([80]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 1280
([81]) رواه البخاري (6018) و (6136) ومسلم (47) والإمام أحمد (6621)
([82]) رواه البخاري (5986) ومسلم (2557)
([83]) مجموع الفتاوى 8/517
([84]) رواه البخاري (5983) ومسلم (13)
([85]) روا مسلم (2558) والإمام أحمد (7979)
([86]) روضة العقلاء لابن حبان 173-174
([87]) سورة آل عمران /110
([88]) المفردات في غريب القرآن ص 331
([89]) سورة آل عمران /104
([90]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 237
([91]) رواه مسلم
([92]) شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد ص 82
([93]) رواه الترمذي (2169) وقال: هذا حديث حسن، والإمام أحمد (23690) والطبراني في الكبير (10/146) رقم (10267) والبيهقي في الشعب (7556) وحسنه الألباني.
([94]) سورة المائدة /78-79
([95]) رواه الإمام أحمد (2107) بلفظ {قيل لرسول الله r : أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: الحنيفية السمحة} ورواه عبد بن حميد في مسنده ص (199) رقم (569)، وقال ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد (1/255) رقم (203) رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير والبزار وفيه: ابن إسحاق وهو مدلس ولم يصرح بالسماع إهـ.
وقد بوَّب البخاري في كتاب الإيمان (29) حديث رقم (39): باب الدين يسر وقول النبي r : {أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة} وحسنه ابن حجر في الفتح (1/94)
([96]) سورة النحل /120
([97]) سورة آل عمران /67
([98]) سورة الحج /30، 31
([99]) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني 133-134
([100]) شرح ثلاثة الأصول للشيخ محمد بن صالح العثيمين 37 هامش (4)
([101]) ثلاثة الأصول 37
([102]) انظر السابق ص 37
([103]) سورة الذاريات /56
([104]) سورة الإسراء /23
([105]) سورة النساء /36
([106]) سورة النحل /36
([107]) رواه البخاري : كتاب الجهاد باب اسم الفرس والحمار، ومسلم : كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً
([108]) سورة مريم /93
([109]) سورة الفرقان /63
([110]) شرح ثلاثة الأصول ص 38-39
([111]) سورة البينة /5
([112]) سورة الكهف /110
([113]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 818
([114]) انظر: هذه الأقوال في بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين 1/29، ومختصر شعب الإيمان ص 163، وشرح ثلاثة الأصول ص 37
([115]) صحيح الترغيب والترهيب 1/65
([116]) سورة الإنسان /8/-18
([117]) سورة النحل /123
([118]) سورة البقرة /130
([119]) رواه البخاري ومسلم ، وانظر أيضاً في رياض الصالحين ص 156وفتح الباري لابن حجر 2/12
([120]) رواه مسلم 2/1054
([121]) انظر المفردات في غريب القرآن ص 285
([122]) سورة التوبة /103
([123]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 589
([124]) سورة الأحزاب /56
([125]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 1102
([126]) انظر المفردات في غريب القرآن ص 285
([127]) لسان العرب لابن منظور 14/466
([128]) انظر الروض المربع 1/118
([129]) رسائل في الطهارة والصلاة ص 28
([130]) سورة البقرة /238-239
([131]) سورة النساء/103
([132]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 321
([133]) الفتاوى 22/30
([134]) الفتاوى 22/31
([135]) سورة هود /114
([136]) سورة طه/14
([137]) سورة البقرة/43
([138]) سورة البقرة /83
([139]) سورة النساء/77
([140]) سورة النساء/103
([141]) سورة الأنعام /72
([142]) سورة يونس /87
([143]) سورة الحج 78
([144]) سورة المجادلة /13
([145]) سورة المزمل/20
([146]) سورة الأحزاب /33
([147]) سورة البقرة /3
([148]) سورة النساء/162
([149]) سورة الأعراف/170
([150]) سورة إبراهيم/40
([151]) سورة النساء/102
([152]) سورة النساء/142
([153]) سورة التوبة/71
([154]) سورة النور/37
([155]) سورة المزمل/1-2
([156]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 1454
([157]) سورة المزمل/20
([158]) سورة الطور/48
([159]) انظر المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 1325
([160]) سورة التوبة /108
([161]) سورة الشعراء/218
([162]) سورة البقرة/238
([163]) انظر المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 33
([164]) رواه أحمد (19913)، والنسائي (7/61، 62)
([165]) سورة المؤمنون /1، 2
([166]) المرشد الأمين من إحياء علوم الدين ص 34-35
([167]) سورة العنكبوت /45
([168]) مسند أحمد 2/447
([169]) المصباح المنير في تفسير ابن كثير ص 1042
([170]) السابق ص 1042
([171]) سورة النور /36-38
([172]) سورة فاطر /29-30
([173]) سورة المائدة/12
([174]) رواه أبو داود
([175]) صحيح مسلم 1/209
([176]) مختصر شعب الإيمان ص 55
([177]) صحيح البخاري 1/134، وصحيح مسلم 1/462
([178]) سورة الرعد /22-24
([179]) سورة السجدة /15-17
([180]) شرح القصيدة النونية 2/301
([181]) شرح القصيدة النونية 2/305
([182]) سورة الزخرف /70
([183]) سورة الرحمن/60
([184]) معنى لا تستسب له : لا تكن سبباً في سبه
([185]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/138) رقم الحديث (20134) والبخاري في الأدب المفرد (44) والدارقطني في العلل (5/86) وابن السني في عمل اليوم والليلة (395) من حديث أبي هريرة، وضَعَّف إسناده محقق الكتاب بشير محمد عيون، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/255) رقم (13396) بعد ذكره للحديث: رواه الطبراني في الأوسط وقال: لا يروى عن النبي r إلا بهذا الإسناد عن شيخه علي بن سعيد بن بشير وهو لين، وقد نقل ابن دقيق العيد أنه وثقه، ومحمد بن عروة بن البرند لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص (46) رقم (32)
([186]) سورة النساء/36
([187]) سورة الإسراء 23
([188]) سورة لقمان 14
([189]) سورة المائدة/ 92
([190]) سورة البقرة/43، 110 وسورة النور /56
([191]) سورة لقمان 14
([192]) كتاب الكبائر ص 143
([193]) سورة الإسراء /23-25
([194]) الترغيب والترهيب للإمام عبد العظيم بن عبد القوي المنذري 3/137
([195]) انظر بر الوالدين للأستاذ عبد الرؤوف الحناوي ص 24
([196]) الأدب المفرد ص 15
([197]) رواه البخاري (3004) و (5972) ومسلم (2549) والإمام أحمد (6544) والنسائي (3103)
([198]) رواه مسلم (2549)
([199]) رواه أحمد بإسناد حسن، مجمع الزوائد 8/137
([200]) رواه أحمد بإسنادهن ، مجمع الزوائد 8/137
([201]) رواه البخاري في الأدب المفرد (31)
([202]) رواه الإمام أحمد (5372) و (6113) وقال محقق الموسوعة الحديثية (10/269) رقم (6113) حديث صحيح، وهذا سند ضعيف لجهالة راويه عن سالم إهـ. والبزار (1875) وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع (1/585) رقم (3052)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/270) رقم (13431): رواه أحمد وفيه راوٍ لم يسم .
([203]) سورة النساء /19
([204]) رواه الإمام أحمد (24619) وصححه محقق الموسوعة الديثية (40/144) حيث قال: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه أبو داود (2578) والبيهقي في السنن (10/18) وابن حيان في صحيحه (4691) وصححه محقق الكتاب/شعيب الأرناؤوط رحمه الله، وصححه الألباني كما في مشكاة المصابيح (3251)
([205]) ابن كثير ص (282)
([206]) رواه أبو داود والترمذي، رياض الصالحين (149)
([207]) انظر كتاب بر الوالدين وتحريم عقوقهما للشيخ غالب بن سليمان الحربي ص 49، 50
([208]) سورة الإسراء/ 24
([209]) رواه الإمام أحمد (16156) وأبو داود (5142) وابن ماجه (3664) والبخاري في الأدب المفرد (35) وضعفه الألباني.
([210]) الأدب المفرد للبخاري باب (19) ص 20، 21
([211]) سورة نوح /28
([212]) سورة الإسراء/ 24
([213]) الأدب المفرد للبخاري باب (19) ص 21
([214]) الأدب المفرد للبخاري باب (19) ص 21
([215]) رواه الإمام أحمد (22826) والنسائي (3664) وأبو داود (1681) وابن ماجه (3684) وابن خزيمة في صحيحه (2497) وابن حبان في صحيحه (3337) وحسنه الألباني.
[216]) أخرجه البخاري (2761) و (6698) و (6959) ومسلم (1638) والإمام أحمد في مسنده (1893) والنسائي (3657) وأبو داود (3307) والترمذي (1546) وابن ماجه (2132)
([217]) رواه البخاري (1952) ومسلم (1147) وأبو دود (2400)
([218]) أخرجه البخاري (1953) ومسلم (1148)
([219]) أخرجه البخاري (1852)
([220]) الأدب المفرد باب 20 ص 21، 22
([221]) بر الوالدين ص 30
([222]) صحيح البخاري 3/47
([223]) الترغيب والترهيب 3/137
([224]) الترغيب والترهيب 3/137
([225]) أخرجه الإمام أحمد (13847) قال محقق المسند (الموسوعة الحديثية (21/319) رقم الحديث (13811): حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل ميمون بن سياه ومن دونه ثقات إهـ.
([226]) أخرجه مسلم (2542)
([227]) رواه عبد الرزاق في المصنف، والبيهقي في شعب الإيمان انظر كتاب بر الوالدين ص 82
([228]) سورة الأحقاف/15-16
([229]) حقوق الآباء على الأبناء طه عبد الله العفيفي ص 29-30
([230]) انظر المفردات للراغب ص 99، وبدائع الصنائع للكاساني 19/429
([231]) سورة التوبة /111
([232]) أحكام القرآن 8/267
([233]) سورة الصف 10-13
([234]) سورة التوبة 19-20
([235]) سورة التوبة/18 وانظر منهاج المسلم للشيخ أبي بكر الجزائري ص 350
([236]) طريق الهجرتين وباب السعادتين ص 623 طبع الشؤون الدينية في قطر
([237]) سورة البقرة/154
([238]) سورة آل عمران/157
([239]) سورة آل عمران /169-170
([240]) صحيح البخاري رقم (2790) وفتح الباري (6/11)
([241]) صحيح البخاري رقم (36) وفتح الباري (1/92)
([242]) صحيح البخاري رقم (2817) وفتح الباري (6/32)
([243]) مسند أحمد 5/287
([244]) المبسوط 10/30
([245]) مطالب أولى النهى 2/497
([246]) سورة التوبة :38، 39
([247]) سورة التوبة/44-45
([248]) أخرجه النسائي، والدارمي، وأحمد، وصححه ابن حبان
([249]) صحيح مسلم 3/1517
([250]) الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية جمع الأستاذ محمد بن فهد الحصين ص106
([251]) الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ص109
([252]) الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ص 111
([253]) الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ص 104
([254]) سورة الأنفال/72
([255]) سورة الحج/40
([256]) سورة النساء /84
([257]) رواه أحمد وحسنه الألباني
([258]) سورة النساء /59
([259]) متفق عليه انظر فتح الباري 13/5، 6، وشرح النووي لصحيح مسلم 12/228
([260]) رواه البخاري رقم (7144)
([261]) المهذب من إحياء علوم الدين 1/481
([262]) نفسه 1/482
([263]) نفسه 1/483
([264]) عقدت مبحثاً خاصاً لهذا الأمر في ترجمة الشيخ ضمن كتاب لقاءاتي مع الشيخين (الطيار)
([265]) صحيح مسلم (1/541) رقم (782)
([266]) سورة النحل /92
([267]) شرح رياض الصالحين للشيخ محمد بن عثيمين 1/561
([268]) صحيح مسلم رقم (866)
([269]) صحيح البخاري رقم (212)، وصحيح مسلم رقم (786)
([270]) صحيح البخاري رقم (1976)
([271]) شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/562
([272]) صحيح البخاري رقم (5063)، ومسلم رقم (1401)
([273]) عافسنا: لاَعَبْناَ
([274]) رواه مسلم رقم (2750)
([275]) سورة البقرة/185
([276]) الغدوة: سير أول النهار
([277]) الروحة: آخر النهار
([278]) الدلجة : آخر الليل . رواه البخاري رقم (6463)
([279]) سورة الطلاق /3
([280]) سورة البقرة/222
([281]) انظر فتح الباري (11/340)
([282]) رواه البخاري رقم (528) ، ومسلم رقم (667)
([283]) رواه مسلم رقم (252
([284]) سورة العنكبوت /69
([285]) أخرجه الترمذي 2/7
([286]) متفق عليه0