وجوب إخراج الزكاة

الأربعاء 22 جمادى الآخرة 1440هـ 27-2-2019م
فرض الله الزكاة طاعة له وشكراً لنعمة المال، والمال عصب الحياة، وحبيب للنفس، به تحصل على رغباتها، وتنال مقصودها، من أجل ذلك امتحن الله عباده بإخراج جزء من أموالهم ليكون علامة على شدة محبتهم لربهم، وأنهم آثروه على غيره حين امتثلوا أمره وأدوا حق الله في أموالهم.
أو يكون علامة على شدة محبتهم للمال وبعدهم عن الله، وذلك إذا لم يمتثلوا أمره ويخرجوا حق الفقير فيه، يقول تعالى:[قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ](التوبة:24).
شرع الله الزكاة لأنها تطهر المزكي من الشح والبخل وأرجاس الذنوب، ولأن في أدائها شكراً لله على ما أسبغ على المسلم من نعمة المال، ولأنها تنمي شخصية الغني وذلك باستشعاره أنه تغلب على سلطان الشح والهوى، ولأنها تزرع المحبة بين الغني والفقير، ولأنها تحرر أبناء المجتمع من الحسد والبغضاء والحقد والكراهية، ولأنها تقتلع الثالوث الخطير من المجتمع؛ الفقر والجهل والمرض.
فبادروا بزكاة المال إن بهــا **** للنفس والمال تطهيراً وتحصينـاً
ألم تروا أن أهل المال في وجلٍ **** يخشون مصرعهم إلا المزكينـا
ومن تتبع آيات القرآن الكريم يجد أن الزكاة قرنت بالصلاة في ثمانية وعشرية موضعاً، وهذا دليل على كمال الاتصال بينهما، ثم إن ذكر الصلاة في كثير من الآيات يجيء مقروناً بالإيمان أولاً وبالزكاة ثانياً، وقد يُقرن الثلاثة بالعمل الصالح، وهو ترتيب منطقي؛ فالإيمان أساس وهو عمل القلب، والعمل الصالح دليل صدق الإيمان، والصلاة عبادة البدن، والزكاة عبادة المال.
هانحن نتمتع بوفرة الأموال في أيدينا فهل أدينا حق الله فيها؟ هل طهرناها بالزكاة وكثرة الصدقات؟ هل مسحنا بها دمعة يتيم؟ هل واسينا بها أرملة؟ هل أشبعنا بها جوعة مسكين؟ هل كسونا بها عورة عار؟ هل وظفناها في مرضات الله؟
إن رمضان فرصة للتخلص من حقوق الآخرين، ومن ذلك أداء الزكاة الواجبة على وجهها الشرعي قبل أن يفاجأ المسلم الموت فيكون المال نقمة عليه.
لابد من وقفة مع النفس يعلو بها المسلم على سلطان الجشع والشح، ويترفع عن الأنانية فيبذل حق الفقير والمسكين، ويزيد عليه من الصدقات طهرة للمال وقربة لله، ويتذكر وهو يبذل هذا المال الذي ينعم به مع الأمن والأمان ووفرة المال وإخواناً له في طول البلاد الإسلامية وعرضها يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، لا يجدون ما يشبع جوعتهم ولا ما يكسو عُريَّهم.
أيتام بلا مأوى، ونساء هدَّها الجوع والحرمان، وأطفال حرموا حنان الوالدين، البرد القارس يلسع الأجساد، والحسرة والمعاناة تحرق الأكباد.
فعلى المسلم أن يقارن بين الحالين ويتذكر نعمة المنعم، ويقوم بشكرها بالبذل بسخاء لعل الله أن يدفع عنه الشرور والآفات، ويقيه صنوف الأذى، فالصدقات تقي مصارع السوء.
لقد رغَّب الله الإسلام في البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله في كل وقت وفي رمضان تتأكد الرغبة في البذل إقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى:[مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً](البقرة:245)، وقال تعالى:[مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ](البقرة:261).
إن المال لا يذهب بالإنفاق، بل هو قرض حسن مضمون عند الله يضاعفه أضعافاً كثيرة، يضاعفه في الدنيا مالاً وبركة وسعادة وراحة، ويضاعفه في الآخرة نعيماً مقيماً، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا)(متفق عليه).
نسأل الله بمنه وكرمه أن يعيننا على أنفسنا لنؤدي حق الله في المال، وأن يوفقنا للبذل السخي لإخواننا المحتاجين، وأن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار ورغد العيش، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.