اغتنام شهر رمضان بالطاعات

الأربعاء 22 جمادى الآخرة 1440هـ 27-2-2019م

رمضان موسم من مواسم الخير والطاعة، تضاعف فيه الحسنات وتمحى فيه السيئات، وتجزل فيه الهبات، وترجى فيه المغفرة.
والمحروم حقاً من حرم في هذا الشهر رحمة الله، وإنما تنال رحمة الله بالإقبال عليه، والاجتهاد في شكره وذكره وحسن عبادته، واستغلال وقته، والتزود فيه للدار الآخرة، وقد جاء في الحديث: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين)(رواه البخاري ومسلم)، وورد في حديث آخر: (وينادى فيه: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)( رواه ابن ماجة في سننه، وصححه الألباني في سنن ابن ماجة 1/526 برقم 1642).
ومن ألوان الطاعة التي يتقرب بها المسلم في هذا الشهر المبارك كثرة الذكر والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن وتدبره وحفظ ما استطاع منه، فخير ما ملئت الأسماع ونطقت الألسن كلام رب العالمين.
ومن ألوان الطاعة الحرص على الصلاة في أول وقتها مع الجماعة في المسجد، فهي من أوجب الواجبات وآكد المهمات، ومما يؤسف له أن بعض الصائمين يتساهل بهذه الشعيرة ويهمل صلاة الجماعة، ويقضي نهار الصيام بالنوم وليله بالعبث واللهو، وكأنه يريد التخلص من هذا الشهر على أي كيفية وبأي شكل وهذا والعياذ بالله من الحرمان، ولذا روي عن كعب بن عجرة أن جبريل عليه السلام دعا على من أدرك رمضان فلم يغفر له، وأمَّن الرسول صلى الله عليه وسلم على دعائه.
ومن ألوان الطاعات والقربات في رمضان الجود، وفعل الخير، وبذل المعروف للناس، وإطعام الطعام وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم.
روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة)(متفق عليه).
ومن الطاعات التي ينبغي للصائم أن يشغل بها نفسه ذكر الله ودعاؤه طوال يوم صومه، فالصائم وقت الصيام في حالة روحية قوية، ولذا فهو مظنة استجابة دعائه وإذا كان الذكر والدعاء مطلوباً من الصائم طول يومه فهو ساعة الفكر آكد لأنها ساعة يرجى فيها استجابة الدعاء، ومما ورد ما رواه ابن عمر قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أفطر: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى)( رواه أبو داود في سننه، وحسنه الألباني في سنن أبي داود 2/306 برقم 2357).
وروى عبد الله بن عمرو قال: إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد، وكان يجمع بنيه عند الإفطار ويدعو قائلاً: (اللهم أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي).
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم)( رواه الترمذي في سننه، صححه الألباني في سنن الترمذي 4/672 برقم2526).
ومما ينبغي للصائم أن يجتهد في العشر الأخيرة من رمضان أكثر من غيرها، وقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله)(متفق عليه).
ومن مظاهر الاجتهاد في العشر الأواخر اعتكافه فيها في المسجد متفرغاً لعبادة الله، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده) (متفق عليه).
ولعل من الحكم العظيمة وراء الاجتهاد في هذه العشر أنها ختام هذا الشهر المبارك، والأعمال بخواتيمها، وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فالسعيد من اجتهد في هذه العشر المباركات، وأكثر من العمل الصالح ليكون له زاداً يثقل ميزان حسناته يوم أن تثقل موازين بعض الناس وتخف موازين آخرين، وإنه من الغبن البين والخسارة الكبيرة أن يفوَّت المسلم الفرصة العظيمة في هذه العشر الفاضلة، فتفوت هذه الفرصة عليه وعلى أهله، فهذه ليال معدودة وربما أدرك المسلم فيها نفحة من نفحات الرحمن الرحيم ففاز بسعادة الدنيا والآخرة، وإنه لمن الحرمان أن نرى بعض المسلمين يقضون هذه العشر ليلها ونهارها بما يضرهم ولا ينفعهم، ويحرمون أنفسهم خيراً كثيراً، ولو فكر هؤلاء بما أنعم الله عليهم من الصحة والعافية وأن ذلك لن يدوم، وما هم مقدمون عليه في قبورهم وما بعدها حين السؤال والجواب والمرور على الصراط وأخذ الصحائف باليمين أو الشمال أقول لو فكر العبد في ذلك كله لما ضيَّع هذه العشر ولاستغلها استغلالاً ينفعه في الدنيا والآخرة.
أسأل الله أن يوفقنا للصيام والقيام، وأن يوفقنا لقيام ليلة القدر، وأن يختم لنا بالصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.