خطبة بعنوان “استقبال رمضان” بتاريخ 26-8-1418هـ.
الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين يحب من أطاعه ويهدي من استهداه، وأشهد أن لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا إياه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الرحمة المهداة والصفوة المجتباه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات !
لكل غائب طالت غيبته نوع استقبال، ولكل حبيب أوشكت رجعته اهتماما يتناسب مع مكانته ويتوافق مع منزلته في نفس من يستقبل ذلك الغائب الغالي جفاك وأخفى عنك هداياه وعطاياه وأعطاه لغيرك ممن يحسن استقباله ويحتفي به ويكرمه.
وإن عندنا ضيفا سافر قبل فترة يوشك أن يعود ويحط رحاله في أوطاننا ويزور ديارنا، إنه سيد الشهور، الشهر العظيم، هذا الشهر الذي يحمل معه النغمات الربانية والعطايا الإلهية يجتمع فيه الناس وتقوى صلتهم بالمساجد بيوت الله يجتمعون خلف إمام يخاطبهم بآيات تزلزل القلوب وتوقظ الغافلين وتذكر اللاهين: { قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
فبذر الأتقياء الصادقون دموع الخوف والخشية ويذرف المفرطون دموع الحسرة على التفريط ودموع الألم على ما مضى من العمر في معصية الله.
يتلو الإمام القرآن يخاطب به المصلين في المسجد لأنه كل آية تخاطبهم وكل نداء موجه إليهم فعليهم أن يتفاعلوا ويتفكروا ويتذكروا : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
عباد الله! كيف يستقبل المسلمون هذا الوافد القادم وكيف يعدون له العدة للمنافسة فيه في مجالات الطاعة والبر والإحسان. لقد جاء النداء الإلهي مدويا في الوجود : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
هذا النداء ينبه إلى فريضة الصوم التي كتبها الله على جميع الأمم فهو تشريع للبشرية كلها فليس لأمة دون أمة ولا لشعب دون شعب ولا لبد دون بلد ولطائفة دون طائفة.
وفي الإسلام الصيام أحد دعائم الإسلام العظام وأركانه الأساسية إذا هدم هدم جانب من الدين وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( بين الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإيقام الصلاة وإيتاء وصوم رمضان وحج البيت الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلا) رواه البخاري ومسلم.
أيها المؤمنون!
يستقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها – بعد أيام قليلة شهر القرآن بكل محبة وحفاوة وإكرام، فهو شهر الخير والبركة والسعادة والنفحات، فيه من المزايا والخصائص ما ليس في غيره، أليس شهر القرآن؟ أليس فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؟ أليس الذي قال الله فيه: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
أليس شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة؟ أليس الشهر الوحيد الذي من تطوع فيه بعمل من أعمال الخير كمن أدى فريضة فيما سواه؟ أليس الشهر الذي تعدل العمرة فيه حجة؟ أليس الشهر الذي خلوف فم الصائم فيه أطيب عند الله من ريح المسك؟
إخوتي في الله! لا يزال العالم الإسلامي عبر تاريخه الطويل في مختلف أقطاره يبتهج ويسعد باستقبال رمضان وتتلألأ عواصحمه وحواخره بفرحة غامرة وبفيض زاخر من الفرح والسرور وتبور صور مشرقة وتتجلى شعائر الإسلام ويلتقي المسلمون في عبادة الخالق جل وعلا، فيتعاونون على الخير والإحسان والذكر والصلاة والبذل ومساعدة الفقراء والمحتاجين.
وتظل الليالي وهاجة ساطعة بالأنوار والمصابيح وتنبسط الأيدي بالخصب والتكريم وبشتى الوسائل. حقا إن شهر رمضان متفرد من بين سائر الشهور بالمناقب والخصائص والمظاهر.
أيها المؤمنون! وإذا كان هناك من يعقد العز قبل رمضان على المعصية فيه ويخطط لذلك ويتتبع عورات المؤمنين فليبشر بالحسرة والندامة، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل، وليعلم أن الله رقيب لا ينام وقيوم لا يغفل لحظة سبحانه وتعالى، وليعلم أن الموت أقرب إليه من حب لالوريد، فليحذر من العقوبة العاجلة.
وليعلم أنه التعرض لعورات المؤمنين عقوبته عاجلة والقضاء من أهله ومن تحت يده، وليعلم أن لذة المعصية لحظة تعقبها الحسرة والندامة وقتا طويلا.
فاحرصوا أيها المؤمنون على استقبال هذا الضيق القادم بما يليق به وتنافسوا في مجالات الخير. نسأل الله بمنه وكرمه أن يبلغنا مرضان وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وأن يصلح لنا ولكم الأعمال ويجلعنا خالصة لوجهه الكريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياك بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وأشهد أن لا إله إلا الله كتب الصيام وجعله أحد أركان الإسلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من صام وأفطر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن شهر رمضان شهر عظيم مبارك تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران ويصفد فيه مردة الجان، فهو للأمة ربيعها، وللعبادات موسمها، وللخيرات سوقها، فلا شهر أفضل للمؤمن منه ولا عمال يفضل عما فيه، فهو بحق غنيمة المؤمنين وموسم الطاعة للمتقين والسوق الرابحة للمتنافسين، يرتقي فيه أقوام إلى أعالي الجنات ويسق فيه أقوام استعبدتهم الشهوات.
عباد الله ! احمدوا الله الذي أمد في أعماركم فهناك من اخترمتهم المنية وعاجلهم الموت فلم يمهلهم إلى هذا الوقت.
تذكر أيها المسلم أقواما كانوا في العام الماضي يستقبلون رمضان ويعدون العدة لصيامه، هم في هذا العام تحت الأجوات لا أنيس لهم بعد رحمة الله إلا عملهم الصالح فأعد العدة للحاق بهم وتزود ما دمت في دار المهلة، وها هو رمضان فرصة عظيمة لغسل الخطايا والذنوب والتخلص من المعاصي.
هذا وصلوا وسلموا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.