خطبة عنوان ” استقبال رمضان” بتاريخ: 1-9-1422هـ

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

أمــا بــعـــد:
فقد كان السلف يتباشرون بقدوم رمضان ويهنأ بعضهم بعضا بقولهم :” اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط وأعذنا فيه من الفتن”.
وذلك لأنهم يعلمون فضل رمضان وسعة فضل الله فيه وجوده وكرمه ما ينزله من الرحمات ويفيضه عليهم من النفحات وما يوسعه على عباده من الخيرات والأرزاق وما يجنيهم فيه ن الزلات والخطيئات كيف لا يا عباد الله وهو الشهر الوحيد الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه مردة الجان.
فهو للأمة ربيعها وللعبادات موسمها وللخيرات سوقها فلا شهر قطعا أفضل منه للمؤمن ولا عمل يفضل على العمل فيه. إنه بحق غنيمة المؤمنين وموسم الطاعة للمتقين والسوق الرائجة الرابحة للمتنافسين يرتقي فيه اقوام إلى أعالي الجنان والدرجات ويسف فيه أقوام استعبدتهم الشهوات.

هذا الشهر المبارك خصه الله جل وعلا بالتكريم والتشريف وأنزل فيه القرآن العظيم وفرض سبحانه صيامه على عباده المؤمنين وسن الرسول الكريم قيامه على أمته هذا الشهر تجاب فيه الدعوات وتضاعف فيه الحسنات وترفع فيه الدرجات وتجزل فيه الهبات خصه ربنا سبحانه من بين سائر الشهور وفضله على سائر أوقات الدهور وميزه بصفات ليست في غيره.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا جاء رمضان فتحت أواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشاطين ).
ألا ما أشبه هذا الشهر بالواحة الروحية الرفافة الندي والظلال يجد فيها الصائم ما يمسح عن جبينه وعثاء الحياة وما يزيل عن جسمه غبار المادة وما يبعد عن بطنه ضرر النخمة وما يمحو عن إرادته لوهن والتردد وما يدفع عن نفسه الحيرة والفتور وما يتيح لروحه أن تتألف في عالم الصفاء والنور.
هكذا يا عباد الله دارت عجلة الزمن وأجرى الله الفلك وحل عام وليد مكان عام تليد من عمر البشرية والحياة سجل فيه كل شخص كشف حساب سيجده يوم العرض على الله. وهذا الحساب دقيق لأنه يسجل فيه مثاقيل الذر لكن ميزته الصدق والصاحة والوضوح لا كذب لا غش لا تحايل. نعم لأن الشخص يعلم علم اليقين أن الكذب على الناس ممكن والتمثيل عليهم ممكن والنفاق والرياء والتملق كل ذلك ممكن مع بني البشر، لكن أن يكذب الإنسان علىنفسه وأن يكذب على ربه وهو يقابله فهاذا يتعذر لأن كشف الحساب سيعرض أمامه وسيكون الشهود هي جوارحه حين ينطقن عليه، فإذا عاتبتهن قلن بصون واحد {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}.

عباد الله!
شهر رمضا محطة ينبغي أن توقف فيها كثيرا، نتأمل حالنا وحال أمتنا. نحن في أمن وطمأنينة ورغد العيش وحياة مستقرة كريمة.
وحال أمة الإسلام في هذه الأيام ذل وهوان ترويع تهديد وخلاف وخصام تسلط للأعدلاء قتل للأبرياء هتك للحرمات ظلم الأقوياء للضعفاء، كيف سيمر هذا الشهر المبارك على المسلمين في طول البلاد وعرضها اقوام يطردون من بلادهم تسحقهم الطائرات والدبابات والجرافات ويتآمر عليهم الأعداء في وضح النهار ولا أحد يغيثهم أو يعينهم أو يوقف الظالمين وما حال اليهود مع إخواننا الفلسطينيين منكم ببعيد.
لابد عباد الله أن نتذكر نعمة الله علينا في بلوغ الشهر التي حرمها أقوام فكم من أشخاص معنا في عام مضى صاموا وصلوا هم في هذا العام تحت الأجداث مرتهنون بأعمالهم.
وكم من أقوام أصحاء في العام الماضي هم في هذا العام مرضى لا يستطيعون الصيام. وكم من أقوام كانوا مجتمعين في العام الماضي فرقتهم ظروف الحياة وأسباب المعيشة، وهذه حال الدنيا ولا تثبت على حال ولا يقر لها قرار، فالعاقل ينبغي أن يأخذ درسا يتعلم منه الصبر والتحمل وأداء الحقوق إلى أصحابها واستغلال الوقت بكل نافع ومفيد قبل أن يفاجأه مرض أو عجز أو هلاك فلا يستطيع العمل وهنا يحتاج إلى الجنة الواحدة ولا يحصل عليها.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعي وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وتقبل مني ومنكم سائر العمل وإن قل وغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وأشهد أن لا إله إلا الله خص هذا الشهر بمزيد من الفضل والتكريم، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله أفضل من صام وأفطر، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واقتدوا بسلفكم الصالح الذين كانوا يدركون فضيلة هذا الشهر فيستقبلونه أكرم استقبال ويقضون أيامه ولياليه بالطاعة والعبادة فتظهر آثاره العظيمة عليهم في المأكل والمشرب والعبادة.

وهكذا يا عباد الله شأن الصالحين في كل مكان وزمان يتمنون بلوغ هذا الشهر ويسألون الله جل وعلا أن يكونوا من عتقائه من النار، وتراهم دائما مرتوون فإن كانوا أصحاب قوة ومنعة استسقوا لأنفسهم فشربوا وإن كانوا ضعفاء لن يعدموا وريقا لموسى عليه الصلاة والسلام يسقي لهم ويزاحم الرعاع.
إن شهر الصوم أيها المؤمنون مدرسة نتعلم فيها علو الهمة وما أحلى السير مع الهمم العوالي فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال، يقول ابن القيم عليه رحمة الله: ” مثل القلب مثل الطائر كلما على بعد عن الآفات وكلما نزل احتوشته الآفات”.

إن دقائق الليل والنهار غالية لا يمكن أن تعوض فلا تضيعها يا عبد الله بما لاينفعك ويسرك في القيامة أن تراه واحذر من التسويف إذ لم ينفع من كان قبلك وبادر إلى ملء صحيفتك من الحسنات ما دام في العمر إمكان فقد يأتي اليوم الذي تتمنى عمل الحسنة الواحدة ولا تستطيع.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يتقبل منا ومنكم وأن يعيد شهر رمضان على أمة الإسلام وهي ترفل في ثوب العز والمجد والفخار.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بتاريخ: 1-9-1422هـ