خطبة بعنوان “مواسم الخير والمغفرة” بتاريخ

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً:

أمــا بــعـــد: فاتقوا الله عباد الله وداوموا على طاعة فمواسم الخير والمغفرة كثيرة متكررة لقد اتصف ديننا باليسر وخلت أحكامه من العنت والمشقة [هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ].

لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده [سبقت رحمتي غضبي] والله خالقنا أرحم الراحمين والكتاب الذي أنزله هدى ورحمة والنبي الذي أرسله بالمؤمنين رءوف رحيم.
عباد الله لقد هيأ الله بمنه وكرمه وفضله وإحسانه لعباده مواسم الطاعة ودروب الخير وميادين الإحسان فالله رحيم بعباده لا يريد لهم العذاب ولا يحب أن يدخلوا النار [مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا].

وقد علم ربنا سبحانه ضعف عباده وكثرة تقصيرهم وتفريطهم مهيأ لهم أبواب من الخير كثيرة وطرقاً للبر واسعة وأسباباً للمغفرة متعددة فجعل باب التوبة يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل قال تعالى: [وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ]عفو سبحانه يحب العفو كريم يحب الكرم جواد يحب الجود.

ألم تر إلى ندائه لعباده المسرفين على أنفسهم ذلك النداء الذي يفيض بالأمل ويشعر بالرحمة ويشع بالعفو والمسامحة قال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا].

وثبت في الحديث القدسي (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي).

عباد الله لقد هيأ الله مواسم تفقر فيها الذنوب وتكفر فيها السيئات وتحط الخطايا منها ما هو يومي ومنها ما هو أسبوعي ومنها ما هو شهري ومنها ما هو سنوي. فاليومي الصلوات الخمس قال تعالى: [وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ].

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله : (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله).

ومن المواسم ما هو أسبوعي وذلك يوم الجمعة الذي فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه يقول صلى الله عليه وسلم (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام).
ومن المواسم الشهرية مثل صيام أيام الليالي البيض قال صلى الله عليه وسلم: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله).

ومن المواسم السنوية فمنها ما هو يوم في السنة مثل صوم يوم عرفة قال صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية ومثل صوم يوم عاشوراء الذي سئل عنه صلى الله عليه وسلم فقال يكفر السنة الماضية).

ومن المواسم السنوية ما يستمر شهراً كاملاً تتنزل فيه الرحمات وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه مردة الجان (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وجعل فيه ليلة هي خير من ألف شهر.

ومن المواسم السنوية ما يستمر أسبوعاً مثل الحج فمن حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
وفيه يوم عرفة من شهده مع الحجيج غفر له.

عباد الله ولا يزال المؤمن ينتقل من خير إلى خير ومن موسم إلى موسم ومن فضل إلى فضل يتعرض لنفحات الله ويستمطر رحماته لقد هيأ الله فوق هذه المواسم كلها أبواباً كثيرة وطرقاً متعددة في منتهى اليسر وفي غاية السهولة ليس فيها تعب ولا كلفة بل وليست فيها غياب عن الأهل والأوطان وليس فيها صرف للأموال وأعني بها التسبيح والتهليل والذكر والدعاء.

صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف).

عباد الله إن أشاعة السلام ولقاء الأحبة والاجتماع في العيد سام في الإٍسلام فكم من الذنوب محيت وكم من القلوب قد التقيت وكم دحر الشيطان وقوي وازع الإيمان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وفق عباده الطائعين لصيام رمضان وقيامه وأشهد أن لا إله إلا الله أعد للصائمين عظيم الأجر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كان من هديه أن يتبع الطاعة بطاعة أخرى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتذكروا عظيم ما أنعم الله به عليكم حيث وفقكم لأداء فريضة من فرائض الله ألبسكم ثوب الصحة والعافية حتى أديتم هذه العبادة وأنعم عليكم سبحانه بالتقرب إليه بصلاة القيام وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فاحذروا عباد الله من العودة إلى الذنوب والمعاصي بعد أن ذقتم حلاوة الطاعة وربيتم أنفسكم على العبادة.

إخوتي في الله المحروم حقاً من يقبل على الطاعة في رمضان فإذا انسلخ تنكر وتغير وساءت وتغير وساءت أحواله وقد قيل في هذا وأمثاله بئس القوم لا يعرفوا ربهم إلا في رمضان فاحذروا أيها المؤمنون من السيئات بعد الحسنات فقد قيل ذنب بعد توبة أقبح من سبعين قبلها لقد كان من هدي السلف الندم على التقصير في النوافل فكيف بمن يتهاون بالفرائض فودعوا شهر رمضان بكثرة الاستغفار والتوبة الصادقة وأتبعوه بصيام ست من شوال فقد روى مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من شوال كان كصيام الدهر.

وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بثلاثمائة وستين وهي عدد أيام السنة وفي صيام هذه الأيام جبر لما حصل من الخلل في الصيام فالفرائض تكملها النوافل ثم إن معاودة الصيام بعد رمضان علامة على الخير وعلى قبوب العبادة إن شاء الله فا الله جل وعلا إذا تقبل طاعة عبد وفق لعبادة أخرى وقد ثيل ثواب الحسنة الحسنة بعدها وفي صيام هذه الأيام الستة شكر لنعمة إتمام الصيام والقيام وليعلم أنه يجوز صيامها متتابعة ومتفرقة لكن الأفضل أن تكون متصلة بيوم العيد فيبدأ من اليوم الثاني من شهر شوال إلى السابع منه ومن عليه قضاء من رمضان فليبادر للقضاء ولا يقدم عليه صيام هذه الأيام الستة لأن أداء الواجب مقدم على أداء المندوب.

عباد الله تذكروا من كان معكم في مثل هذه الأيام من العام الماضي فرحوا بالعيد أن صاموا رمضان وأدوا صدقة الفطر منهم صالحون وعباد وعلماء وأحياناً وولاة أبرار منهم أقارب وجيران.
فرحم الله الجميع رحم الله أموات المسلمين وخص منهم أصحاب الفضل على البلاد والعباد ومن هؤلاء خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز الذي أبلى بلاء حسناً في خدمة بلاده وشعبه فعوضه الله ووالدينا الفردوس الأعلى من الجنة.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعل علمنا مقبولاً وأن يوفقنا لعمل الخير وأن يغفر لنا ووالدينا وإخواننا إنه جواد كريم عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.