خطبة بعنوان ” الناس بعد رمضان “.
الخطبة الأولى :
عباد الله!
إن كان رمضان قد مضى طيف خيال فالله حي أبدي لا يدركه زوال فلا تقولوا الآن ذهب رمضان وتستهلوا شوال بالعصيان فإن الله يرضى عن المطيعين في كل الشهور ويغضب على من يعصيه في كل حين.
لقد عهدنا المسلم في رمضان منيبا إلى ربه تائبا من ذنبه راغبا في أداء الصلاة في وقتها حريصا على شهود الجمعة والجماعة مقبلا على مجالس العلم ومستعدا لقبول النصائح والعظات، عندنا المسلم في رمضان مهذبا تقيا متواضعا تقيا، تاليا لكتاب الله مسبحا مهلا يحرص على البقاء في المسجد ليسلم من الدنيا وتبعاتها.
أخي المسلم على أي شيء عزمت بعد انقضاء شهر الصوم أتراك بعد ما ذقت حلاوة الطاعة وتعود إلى مرارة العصيان؟ أتراك بعد ماصرت من حزب الرحمن تنقلب على عقبيك فتنظر إلى حزب الشيطان؟ أتراك بعد حُسبت في عداد المصلين تترك الصلاة وهي عماد الدين؟ وهل يليك بك بعد ما كتبت في جملة الطائعين أن تصير في زمرة العاصين؟
اعلم أيها المؤمن – يا من صمت رضمان طاعة لله واحتسابا لما عنده من الأجر العظيم- أن الدنا مزرعة الآخرة وأن الدنيا عمل ولا حساب وأن الآخرة حساب ولا عمل، فاتق الله وخذ من ديناك لآخرتك، ومن حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، ومن غناك لفقرك، ومن شبابك لهرمك، وتزود لسفر طويل، واستعد لحساب عسير وهول عظيم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، يوم يعض الظالم على يديه نادما على ما جناه.
الناس في موسم العبادة وبعدها على ثلاثة أصناف، وهذا يتجلى جليا بعد رمضان لمن سبر حال الناس ووازن بين أحوالهم في رمضان:
الصنف الأول: هم من غلب هم الآخرة عليهم فعملوا للدنيا بمنظار الآخرة وأدركوا أن الدنيا جسر للآخرة وأن كل ما عليها وسئل خلقها الله تعالى لتعين الإنسان على تحقيق الهدف من الخلق وهو العبادة فاستخدموها كوسائل حيث شاءت.
الصنف الثاني: هم الذين غلب عليهم الدنيا حتى أنساهم تماما الآخرة ولم يدركوا ان الدنيا جسر موصل للآخرة بل حسبوا أن الدنيا هي الأولى والآخرة ولم يتبين لهم أن فاعليها وسائل تعين الإنسان على تحقيق الهدف من الخلق وهو العبادة بل جعلوا الدنيا هي الهدف فأفنوا حياتهم من أجلها فكان المال هدفا والمنصب هدفا والمرأة هدفا والجاه هدفا وسائر الشهوات أهدافا مندون الهدف الأسمى الذي خلقوا من أجله.
الصنف الثالث: هم الذين خلطوا بين الصنفين فلم يكونوا من الصنف الأول ولا من الصنف الثاني، بل أراد أن يصيبوا نصيبا من هؤلاء ونصيبا من هؤلاء فساعة يعبدون الله تعالى وساعة يقفون في الشهوات، وهؤلاء على خطر عظيم إذا لم يثبتوا على الجادة المستقيمة ويتركوا التخليط.
كم كان الربح عظيما في رمضان وأنّى لمن جرب الربح أن يعود للخسارة برغبته ورضاه لقد خرج المسلمون من موسم طاعة حافل بأنواع العبادات، فهل يتركون هذه الأرباح العظيمة، إن من يتعامل مع الله لا يخسر أبدا.
كم كان رمضان ضيفا عزيزا على النفوس استمرأت فيه الطاعة وحب الخير سهل فيه البذل والصدقات وارتفع فيه التهليل والتسبيح والدعاء كثر فيه الراكعون والساجدون، وارتفعت فيه أصوات التالين لكتاب الله، كثر فيه زوار بيت الله الحرام، والجميع يلتمسون من ربهم الصفح والعفو، فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتقبل منا منكم وأن يعفو عن التقصير والزلل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً . عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً . يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً . وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله مصرف الشهور ومقدر المقدور، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور، جعل لكل أجل كتابا، ولكل عمل حسابا.
وأشهد أن لا إله إلا الله إليه المعاد والمصير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين وسيد الطائعين، صلى الله عليه وعلىآله صحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله فإن خير الزاد التقوى، واعلموا عباد الله أنكم كنتم في شهر الخير والبركة، تصومون نهاره وتقومون من ليله، وتتقربون إلى ربكم بأنواع القربات طمعا في ثوابه وخوفا من عقابه ثم انتهت تلك الأيام وقطعتم بها مرحلة من حياتكم لن تعود إليكم وإنما يبقى لكم ما أودعتموها من خير أو شر.
وهكذا كل أيام العمر مراحل تقطعونها يوما بعد يوم في طريقكم إلى الدار الآخرة فهي تنقص من أعماركم وتقربكم إلى آجالكم ويحفظ لكم فيها ما عملتموه فتحاسبوا عيه سغيرا وكبيرا وصدق الله : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}.
عباد الله !
لقد ورد الحث على صيام ست من شوال، فروى مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) وإنما كان صيام رمضان وإتباعه ستا من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان عن عشرة أشهر، وستة أيام من شوال عن شهرين فهذه سنة كاملة.
وفي معاودة الصيام بعد رمضان جبر للخلل الذي قد يكون حرت في الصوم فهو كالنافة للصلاة. ثم إن معاودة الصيام علامة على استمرار على الطاعة وقد قال بعض السلف ثواب الحسنة السحنة بعدها.
عباد الله!
واعلموا أن ما شاع عند العوام من ضرورة صيام ثاني شوال وتسميته يوم الصبر لا أصل له، إنما الأولى أن يبادر المسلم إلى صيام سب من شوال ويسردها، ولكن لو أخرها أو فرقها فلا حرج إن شاء الله. ومن كان عليه قضاء فينبغي أن يبادر بقضائه قبل صيام النافلة لأنه أوجب وألزم.
واعلموا عباد الله إن إفراد الجمعة بالصوم إذا كان الغرض منه أنه يوم من شوال أو كان يوم عرفة أو يوم عاشوراء أو غير ذلك بأن يكون هناك سبب للصيام فيه فلا حرج في ذلك، وإنما المنهي عنه إفراده بالصوم دون سبب بل لمجرد أفضليته.
اللهم صلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم…
اللهم أعز الإسلام والمسلمين…
اللهم اجعل هذه البلد …
اللهم ارحم هذا الجمع…
اللهم تقبل صيامهم….
عباد الله إن الله يأمر بالعدل ….