خطبة بعنوان “تزكية النفس”.
الخطبة الأولى :
فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى حق التقوى وراقبوه مراقبة من يسمع ويرى، واعلموا أن مثل الإيمان في قلب المؤمن كمثل الشجرة الطيبة تثمر أطيب الثمر والعمل الصالح هو ثمرة الإيمان الذي نمت جذوره في قلوب السلف الصالح وفي كل قلب كل مؤمن فوصفهم الله جل وعلا بالفلاح في قوله {قد أفلح المؤمنون}.
وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
عباد الله !
أرأيتم الطفل كيف يشب على الخلق الكريم والنهج القويم إذا تعهده المسؤول عنه بالتوجيه والتسديد والتقويم،وعلى العكس لو أهمل أمره وتركه دون توجيه ومتابعة فإنه ينشأ شريرا خطرا على نفسه ومجتمعه.
ذلك أيها الإخوة هو أبرز مثل للنفس حين يكون المسلم رقيبا عليها يزكيها ويهذبها ويصليها ويدفعها إلى الفضائل ويبعدها عن سفاسف الأمور ورذائلها، لقد ارتفع الله بذوي العقول السليمة الذين سلكوا طريق الاستقامة فوصفهم بأرفع الصفات وأزكاها وأعلاها فقال تعالى: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.
وتزكيتها بالفضائل وتدنيسها بالمعاصي والرذائل،وإن من أرفع وأعلى مجالات تزكية النفس أخذها بطلب العلم النافع الذي يصقل النافس ويبعدها عن الرذائل لأنه نور يشع أمام السالكين فيبصرهم بمواطن الزلل فلا يقعوا فيها ويدلهم على جادة الهدى فلا ينحرفوا عنها وصدق الله العظيم: { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}.
ومن عوامل تزكية النفس كذلك الاقتداء بنهج السلف الصالح وترسم خطاهم وهم بحمد الله أمثال تقوم بهم الحجة في كل زمان ومكان، هؤلاء هم القدوة الذين يستدل بهم على الخير وتزكو النفوس بالاقتداء بهم ولن تعدمهم الأمة في كل عصر ومصر، ولقد خاطب الله نبيه وهو المثل الأعلى والقدوة للبشرية من بعده فأمره أن يتخذ من سلفه المرسلين القدوة فقال تعالى:{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ } ومن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك.
فليحرص المسلم الذي يرجو نجاة نفسه يوم العرض على الله أن يقتدي بأولي العلم والحجي والصالحين وليترسم خطاهم، فهذه الدنيا مليئة بالفتن والمغريات ومتى حاد المسلم عن الجادة أو زلت به القدم فإنه يسير في دروب لا نهاية لها تخيم عليه المعاصي وتطارده وهو يبحث عن الأمن والأزمان ينشد السعادة وقد هجرها، ويطلب السلامة وقد ترك طريقها فلا هو بمستريح في الدنيا ويخشى عليه من النهاية المؤلمة والنتيجة المتوقعة.
الإسلام لم يترك لأبنائه الحبل على الغارب بل يوضح لهم الجادة ويبين لهم الطريق، فالزواجر والأوامر والنواهي توقظ الغافلين وتذكر اللاهين وتأخذ بيد الشاردين وترد الهاربين إلى الجادة.
فاتقوا الله عباد الله وخذوا بأنفسكم لما فيه خيركم وصلاحكم وأبعدوا عن الهبوط في المعاصي والرذائل وخذوا بتوجيه الله لنبيه ولكم : { وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه أقول قولي هذا واستغفروا الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه لما كان الإيمان أصل كل خير وفلاح في الدنيا والآخرة ومن فقده فقد كل خير ديني ودنيوي وأخروي أكثر الله من ذكره في القرآن أمرا به ونهيا عن ضده وترغيبا فيه وبيانا لأوصاف أهله ومالهم من الجزاء الدنيوي والأخروي.
وقد وصف الله المؤمنين بالخيرية في الناس لأنهم مؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقال : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
إن صلاح النفس وتزكيتها يحتاج إلى متابعة جادة وثبات على الطريق المستقيم من أجل أن تكون العاقبة حميدة بإذن الله، فالدنيا مهما صفت لابد أن تكدر على صاحبها، فالصفاء التام والأنس الكامل والطمأنينة المستديمة في الجنة فقط، فليعمل العاملون له وليتنافس المتنافسون وليشمر الطالبون، فالدنيا مزرعة ومقر سرعان ما تنقضي والموت نهاية كل حي.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يتوخانا على الإسلام وأن يختم لنا بالصالحات وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين….