خطبة بعنوان “أخطاء في الصلاة”.
الخطبة الأولى :
الحمد لله أمر عباده بالصلاة فقال: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} وأشهد أن لا إله إلا الله مدح المؤمنين الذي على صلاتهم دائمون والذي على صلاتهم يحافظون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام الراكعين الساجدين وقائد الغر المحجلين، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فلقد اهتم الإسلام بالصلاة وشد كل التشديد في طلبها وحذر أعظم التحذير من تركها أو التهاون فيها أو الإخلال في أدائها أو الجهل في كيفيتها كيف لا يوهي عمود الدين ومفتاح الجنة وخير الأعمال وأول ما يحاسب عليه المؤمن يوم القيامة وهي الشعار الفاصل بين الكفر والإيمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، ويقول صلى الله عليه وسلم (العهد الذين بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).
والقرآن الكريم يصور حال أهل الناس ندما يسألون عن سبب ما هم فيه من عذاب قال تعالى:{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.
والصلاة آخر وصية أوصى بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يجلجلها في صدره وما يفيض بها لسانه.
عباد الله! وما دامت الصلاة بهذه المكانة فالواجب المحافظة عليها وتعلم أحكامها والاجتهاد في أدائها كما أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه قوله ( صلوا كما رأيتموني أصلي).
ولذا سنقف مع بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين هداهم الله تنبيها وتذكيرا وبراءة للذمة فنقول:
أولاً: بعض المصلين لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فتراهم يميلون يمنيا أو شمالا أو لا يستوي في ركوعه وهو غير معذور، أما المعذور المريض ومن في حكمه فهذا له شأن آخر، وقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء بقوله:( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قال: لا يتم ركوعها وسجودها ).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لمح رجلا لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فلما انصرف قال: ( يا معشر المسلمين إنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ).
ثانيًا: ومن الأخطاء الكثيرة المتكررة مسابقة الإمام في الركوع والسجود والجلوس والقيام، وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ( أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار)، وقال صلى الله عله وسلم ( أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف).
وقد شدد بعض أهل العلم في أمر المسابقة فليحذر المسلم من هذا الأمر وليحرص على متابعة الإمام وإذا كانت الموافقة للإمام مكروهة فما بالك بمسابقته.
ثالثًا: ومن الأخطاء التي تتكرر من بعض المصلين كثرة الحركة في الصلاة وهذا أمر مشاهد ملموس وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه).
ومما يقع فيه الناس من ذلك العبث بالنف وهذه عادة قبيحة خارج الصلاة وهي في الصلاة أقبح فلو كان هذا الشخص أمام شخص محبوب لديه أو مهم عندهم لما فعل ذلك فكيف وهو يقف بين يدي الرحمن الرحيم الذي يعلم السر وأخفى، وهكذا حق الرأس وتعديل الغترة أو الشماغ أو ما على رأسه من ساتر.
ومن ذلك تفقد ما في جيبه لاسيما إذا جاءه الشيطان وذكره بشيء نسيه. وكذا تحريك الساعة والعبث باللحية إلى غير ذلك مما يقع فيه بعض المصلين من الحركات التي تشغلهم عن صلاتهم تزعج من بجوارهم.
رابعًا: ما يتعلق بصلاة المرضى، فبعضهم يصلي جالسا وهو قادر على القيام، والبعض إذا كان لا يستطيع أن يتطهر يؤخر الصلوات يومين أو ثلاثة ثم إذا تمكن من الطهارة صلاها وهذا خطأ فاحش فالصلاة بعد خروج الوقت لغير المعذور كالصلاة قبل دخول الوقت، وعلى المريض ومن حوله أن يفهموا أن الصلاة تؤدى في وقتها على أي كيفية حسب الاستطاعة ولو كانت النجاسة على المريض مادام هذه غاية استطاعته ولا يؤخر الصلاة عن وقتها.
عباد الله!
هذه العبادة العظيمة وهي الصلاة التي تحرصون عليها وتتسابقون إليها اجتهدوا في أدائها واغسلوا بها خطاياكم واعملوا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم:( إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) .
واحرصوا على البكور للصلاة ولاسيما يوم الجمعة ففي ذلك الأجر العظيم والخير الوفير، ولتقارن أيها المسلم ما تقضيه من أوقات هنا وهناك بما تقضيه في المسجد وتحسب نتيجة الوقتين وثمرتهما.
فالله الله عباد الله فالغنيمة أمامكم فبادروا ما دمتم في صحة وعافية واجتهدوا لعل الله جل وعلا أن يشملكم بعطفه ورحمته ويتقبل منا ومنكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الصلاة عمود الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله أمر بالصلاة حتى حال الخوف والقتال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي صلى وقد التحم الصفان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتعاونوا على الخير واجتهدوا في عبادة ربكم وأدوا الصلاة في وقتها لتفوزوا بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
عباد الله!
ألا ترون أن الصلاة تعالج النفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل ويبتعد صاحبها عن كل منكر لأنه يشعر بمراقبة الله له، فيبتعد عن كل ما يفضيه من الأقوال والأفعال.
والصلاة مفتاح كل خير تعطي القلب أنسا وسعادة وتعطي الروح بشرا وطمأنينة وتعطي الجسد نشاطا وحيوية، فالإنسان لا يستمر على حالة واحدة بل تمر عليه هموم وغموم وأفراح وأحزان ومصائب ومكاسب.
والصلاة تغسل كثيرا من الشوائب والعوالق، فهنيئا لمن أداها ونفسه رضية وأقام ركوعها وسجودها أولئك هم الفائزون عند ما يحاسبون عن أعمالهم ويسألون في قبورهم.
فاجتهدوا بارك الله فيكم في إقامة الصلاة تامة وحققوا ما فيها من خشوع وخضوع لله وتجردوا من مغريات الحياة وفتنها لتكونوا من المفلحين {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى الذي أنقذكم الله به من الضلالة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين….