خطبة: من أحكام الأضحية

السبت 25 جمادى الآخرة 1440هـ 2-3-2019م

الخطبة الأولى : 

الحمد لله الذي فضل أمة الإسلام بمزايا وفضائل ليست لغيرها من الأمم وأشهد أن لا إله إلا الله عوض هذه الأمة عن قصر أعمارها بفضائل خاصة في الأوقات فأصبحت أعمالها تزيد من حيث الفضل على غيرها من الأمم وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله خصه ربه بخصائص كانت رحمة وكرامة وشرفاً لأمته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واغتنموا هذه الأيام الفاضلة بالأعمال الصالحة واعلموا أن من أعظم ما تتقربون به إلى خالقكم في هذه العشر المباركة الحجَّ إلى بيته الحرام والتقرب إلى الله بذبح الأضاحي والهدايا في يوم النحر وأيام التشريق.

عباد الله ولحاجة الكثيرين لمعرفة بعض المسائل الهامة في الأضحية أحببت أن أشير إلى جملة منها فأقول:

1) إذا دخل العشر وجب على من يضحي عن نفسه وأهل بيته أن يمسك عن أخذ الشعر والظفر وذلك متى ثبت دخول شهر ذي الحجة ومن أخذ نسياناً أو جهلاً أو أخذ يوم الأحد في هذا العام لإنه لم يعلم بدخول شهر ذي الحجة فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.

وأما الحكمة من منع المضحي من أخذ شعره وظفره فقيل لمشاركته للمحرم بالحج حيث أن كلاً منهما يذبح تقرباً لله وقيل ليبقى المحرم كامل الأجزاء للعتق من النار وقيل لتوفير الشعر والظفر ليأخذه بعد ذبح الأضحية فيكون ذلك كله تقرباً لله ولعل ذلك كله مراداً والله أعلم.

أ_ ومن لم ينوي الأضحية إلا بعد دخول الشهر ومضى يوم أو يومين أو أكثر فعليه أن يمسك من حين نية الأضحية ولا يضره ما أخذ من شعره وظفره قبل ذلك.

ب_ ما يفهمه بعض العامة من أن من أخذ من شعره أو ظفره بعد دخول العشر لا تقبل أضحيته فهذا ليس بصحيح بل يضحي وأجره ثابت إن شاء الله وأما أخذه من الشعر والظفر فإن كان نسياناً أو جهلاً فليس عليه شيء وإن كان متعمداً فيأثم بذلك.

ج_ لو احتاج المسلم لأخذ شعره أو ظفره لجرح أو عملية فلا حرج عليه ولا إثم ولا أثر لذلك على أضحيته.

د_ الذي يلزمه أن يمتنع من أخذ الشعر والظفر هو من يضحي عن نفسه وأهل بيته أما الزوجة والأولاد والبنات الذين سيضحى عنهم فلا يلزمهم الإمساك في أصح قولي العلماء.

2) إذا وكل شخص غيره بذبح أضحيته فالذي لا يأخذ من شعره وظفره الموكل أما الوكيل فهو مجرد ذابح للأضحية وله أن يأخذ من شعره وظفره ولهذا كثير من النساء توكل أولادها وتقول أنا أخذ من شعري لأني موكله وهذا خطأ.

3) الأولى عدم الإكثار من الأضاحي للأموات فلوجمعهم بأضحية واحدة لكان أفضل أما إذا كان لهم وصايا فيجب تنفيذها وإن تبرع بها الحي لهم فلا بأس بذلك.

4) بعض الأوصياء الحريصيين يتبرع لوالديه أو أقاربه الأموات ولهم وصايا ولهم أموال ويقول أوفر أموالهم وأتبرع من عندي وهذا خطأ فالأولى أن يضحي لهم من أموالهم وأما تبرعه هو فيصرفه في الوجوه الآخرى.

5) إذا لم يوصي الميت بأضحية وكان وراءه مال وقال يصرف ثلثي بأعمال البر فهنا الأفضل ألا يضحي له من ماله بل يصرف هذا المال في الصدقات الآخرى.

6) الأضحية سنة فمن ضحى هذا العام عن نفسه وأهل بيته وعجز عنها في عام قادم فلا شيء عليه ولا ينبغي له أن يستدين ليضحي.

7) الذين يستأجرون أحداً لذبح الأضاحي أو يذبحون عند محلات الذبح ينبغي لهم ألا يتركوا الجلود لهم على سبيل المعاوضة لكن لو تركوها على سبيل التبرع فلا بأس أو تركوها لعدم رغبتهم بها فأخذها الجزار أو العامل أو صاحب القصر وباعها فلا بأس.

8) لا بأس أن تتولى المرأة ذبح الأضحية بنفسها سواء كانت لها أو لغيرها.

9) مسألة الاشتراك في الأضحية مسألة مهمة تخفى على الكثيرين وأقول الاشتراك بالثواب لا بأس بأن يضحي الإنسان عن نفسه وأهل بيته ومن يشاء من الأحياء والأموات أما الاشتراك في الملك غير جائز بأن يشترك اثنان يضحي كل منهما عن نفسه وأهل بيته بأضحية واحده هذا لا يجوز.

أما أن يشترك ولدان أو بنتان أو أكثر أو أقل يضحوا عن أبيهم المتوفى أو أمهم أو أحد أقاربهم فهذا لا بأس لإن الأضحية هنا لواحد.

وهكذا لو جمع الإنسان وصايا عنده لكن الموصى له واحد فلا بأس أما إن كان الموصى له يختلف فهنا لا يجوز جمعها في أضحية واحدة.

10) بعض العوام يظن أن الميت إذا مات هذه السنة فلا بد من الأضحية له وتسمى أضحية الحفرة وهذا جهل فالميت إن أوصى يضحى له وإن لم يوص فيشركه الحي معه في أضحيته ويكفي ذلك.

11) الذين عزموا على الحج وهم سيضحون إذا وصلوا إلى الميقات لا يأخذون من أشعارهم وأظفارهم شيئاً ولكن إذا أتموا العمرة إن كانوا متمتعين يحلقون أو يقصرون من شعر الرأس فقط لإن ذلك نسك وهكذا يوم العيد إذا وصلوا إلى منى يحلقون أو يقصرون سواء كانوا متمتعين أو قارنين أو مفردين وهذا كله نسك لا علاقة له بالأضحية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله جامع الناس ليوم لا ريب فيه أحمده سبحانه فرض الحج لبيته الحرام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله أفضل من تقرب إلى الله بالطاعات صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وتذكروا في هذه الأيام الفاضلة في ربوع الأمن تتحقق الأماني وفي البلد الأمين ترتفع نفوس الصالحين يتقربون إلى الرحيم الرحمن بأنواع الطاعات وسائر القربات هاهم حجاج بيت الله يلهجون بالذكر في مواطن الذكر هاهم يكبرون ويهللون ويلبسون ويسبحون يسكبون دموع الفرح ممزوجة بلذة العبادة وحلاوة الطاعة سلام عليهم وهم يقفون في صعيد عرفات شعثاً غبراً خاشعين منذللين مهللين مستغفرين تائبين نادمين طرحوا الدنيا وراءهم وصدقوا في اقبالهم على ربهم تجردوا من الملابس معلنين أنهم تجردوا من الذنوب والخطايا بل من كل ما يغضب الخالق العليم شعارهم (لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك).

في هذا اليوم العظيم يعتق الله من شاء من عباده وما أحد أكرم من وفد الرحمن في هذا اليوم العظيم.

ويالسعادة الوافدين حينما ينصرفون إلى مزدلفة يلبسون ويستغفرون ويبيتون ليلتهم هناك في أكرم مبيت وليلة من أفضل الليالي وأعلاها قدراً عند الله.

وهنيئاً لهم وهم يغدون إلى منى صبيحة النحر يرمون الجمرة ويتقربون بنسك الهدايا والقرابين وكأنهم يحطون عنهم الأوزار ويقتلون العصيان طواف وسعي وخلق ومبيت ونحر وتحلل فهنيئاً لمن كان حجة مبروراً وسعيه مشكوراً اللهم وفق حجاج بيتك لكل خير.

هذا صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين فقد أمركم الله بذلك في كتابه الكريم فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] وقال صلى الله عليه وسلم(من صلى علي مرة واحده صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.