مقال : بل الأضحية مشروعة عن الأحياء والأموات
يقول الله تعالى: (فصل لربك وانحر) الكوثر الآية (2) ويقول تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شيك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) سورة الأنعام الآيتان (162،163) وعن جابر رضي الله عنه أنه شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتى بكبشين فذبحه بيده وقال: (بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) رواه أبو داود (ح2810) وعن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم “كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين وكان يسمي ويكبر” رواه البخاري ومسلم.
وقد أجمع المسلمون من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أيامنا هذه على مشروعية الأضحية ولم ينقل عن أحد خلاف ذلك ومستند الإجماع الكتاب والسنة كما قال ابن قدامة وابن حجر.
والأضحية سنة مؤكدة وقد شرعها الله لتحقيق الحكم التالية:
1- اقتداءً بأبينا إبراهيم عليه السلام الذي أمر بذبح فلذة كبده إسماعيل فصدق الرؤيا ولبى وتله للجبين فناده الله وفداه بذبح عظيم يقول الله تعالى: (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم) سورة الصافات الآيات (102-107).
ففي ذبح الأضاحي إحياء لهذه السنة وتضحية بشيء مما أفاء الله به على الإنسان شكراً لصاحب النعمة ومسديها وغاية الشكر محض الطاعة بامتثال الأمر.
2- توسعة على الناس يوم العيد فحين يذبح المسلم أضحيته يوسع على نفسه وأهل بيته وحين يهدي منها إلى أصدقائه وجيرانه وأقاربه فإنه يوسع عليهم وحين يتصدق منها على الفقراء والمحتاجين فإنه يغنيهم عن السؤال في هذا اليوم الذي هو يوم فرح وسرور ووقت الذبح من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة فتكون أيام الذبح أربعة فمن ذبح أضحيته قبل صلاة عيد الأضحى أو بعد غروب الشمس الثالث عشر من ذي الحجة لم تصح أضحيته يقول صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء وإنما لحم قدمه لأهله) رواه البخاري ومسلم.
ويجوز الذبح بالليل والنهار، لكن الذبح بالنهار أفضل.
وتجزئ الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين من حي وميت فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذبح أضحيته قال: (اللهم تقبل من محمد ومن أمة محمد).
ويجزئ سبع البقرة أو البعير عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم ولو أشترك سبعة أشخاص في بعيراً وبقرة أجزأهم ذلك والأضحية مشروعة في حق الأحياء لما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضحى عن نفسه وأهل بيته.
وأما ما يفعله البعض من الناس من تقديم الأموات على أنفسهم وأهليهم تبرعاً منهم فلا أصل له فيما نعلم. أما إن ضحى عن نفسه وأهل بيته وأشرك الأموات معهم أو ضحى للأموات استقلالاً تبرعاً منه فلا بأس بذلك وهو مأجور إن شاء الله ما دام إنه قد ضحى عن نفسه وأهل بيته، لكن ضحايا الأموات التي هي وصايا عنده يجب تنفيذها على كل حال ولو لم يضح عن نفسه لأنه مأمور بتنفيذ الوصية.
وذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها لأن الذبح شعيرة ظاهرة من شعائر الدين الإسلامي. ولقد عجبت من بعض من كتب حول موضوع الأضاحي فنص على بدعية الأضحية عن الميت وعدم تنفيذ الوصية فيها وهذا مزلق ينبغي أن ينتبه له طالب العلم ففرق بين الأضحية عن الميت استقلالاً وبين تنفيذ الوصية الواجبة.
ومن شروط الأضحية:-
– أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها.
– أن تبلغ السن المطلوبة شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن أو ثنية من غيره.
– أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء كالعور البين، والمرض البين،
والعرج البين، والهزال المزيل للمخ.
– أن تكون ملكاً للمضحي أو مأذوناً له فيها فلا تصح بالمغصوب ولا المسروق.
– وألا يتعلق بها حق للغير فلا تصح بالمرهون ولا بالموروث قبل قسمته.
– أن تقع في الوقت المحدد لها شرعاً.
ويستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي ويتصدق والأمر في ذلك واسع من حيث المقدار.
ويحرم على المضحي أن يأخذ شيئاً من الشعر أو أظفاره أو جلده إذا دخلت عشر ذي الحجة حتى يذبح أضحيته حيث أنه شارك المحرم في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله بالذبح فناسب أن يعطى بعض أحكامه عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي). رواه مسلم.
اللهم تقبل مناسكنا وصالح أعمالنا وفقهنا في ديننا ووفق ولاة أمرنا وعلمائنا لما فيه الخير والصواب.
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.