حول الحج (2)

السبت 25 جمادى الآخرة 1440هـ 2-3-2019م

الخطبة الأولى :

الحمد لله الحي القيوم ذي الجلال والإكرام شرع لنا فضلاً منه وتكرماً حج بيته الحرام وجعله محلاً لتنزلات الرحمة ومحو الأثام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له خص الحج بوقت محدود في العام وأطلق العمرة في سائر الأيام وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وخليله وحبيبه أفضل من أدى مناسك الإحرام صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بسنته ووقفوا بتلك المشاعر العظيمة.

أمـــــا بـــعـــــد:

أيها الناس اتقوا الله تعالى وأدوا ما فرض الله عليكم من الحج إلى بيته حيث استطعتم إليه سبيلا فقد قال الله تعالى [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ] واعلموا عباد الله أن من أراد الحج ينبغي أن يعمل أموراً غفل عنها كثير من الناس أوجزها فيما يأتــــي:

أولاً: المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والآثام لقوله تعالى [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] وحقيقة التوبة الإقلاع عن الذنوب وتركها والندم على ما مضى منها والعزم على عدم العود فيها .

ثانـياً: الاجتهاد في الخروج من مظالم الخلق وردها إلى أصحابها مهما كانت صغيرة أو كبيرة سواء كانت مظلمة مالية أو وقوعاً في عرض أخيه المسلم. لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألايكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري.
ثالثاً: الاجتهاد في قضاء الدين ورد الودائع والعواري وأداء حقوق الله من زكاة وكفارة ونذر مخافة أن تزل به قدم فتضيع حقوق الناس.

رابعـاً: كتابة الوصية قبل السفر وكتابة ماله وما عليه من الديون وخصوصاً التجار عليهم أن يسجلوا كل مالهم وما عليهم.

خامساً: الاجتهاد في رضا والديه ومن يتوجب عليه بره وطاعته و كذا ينبغي أن يسترضي كل من بينه وبينهم تعامل سواء أقاربه أو غيرهم.

سادسـاً: الحرص على نفقة الحلال وذلك بأن تكون من الكسب الطيب لقوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ]

ولقوله صلى الله عليه وسلم “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا”

سابـعـاً: إذا أراد المسلم الحج ينبغي له أن يتعلم كيفيته وهذا فرض إذ لا تصح العبادة ممن لا يعرفها ويستحب أن يأخذ معه كتاباً واضحاً جامعاً لأحكام المناسك ليستفيد منه.
ثامـناً: اختيار الرفقة الصالحة التي تعينه على الخير وتبعده عن الشر وإن تيسر أن يكون الرفيق من طلاب العلم فذلك حـسن لإنه يعينه على مبارِّ الحج ومكارم الأخلاق ويمنعه بعلمه وعمله من سواء ما يطرأ على المسافرين من مساوئ الأخلاق والتساهل بالأمور الشرعية وشغل الوقت بما هو لا ينفع.

وليحذر المسلم من مصاحبة الجهال والسفهاء والكذابين والنمامين والمجاهرين بالمعاصي قولاً وفعلاً لئلا يعود خاسراً والعياذ بالله.

تاسعاً: يجب على الحاج أن يقصد بحجه وجه الله والدار الآخرة والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها أو الرياء و السمعة و المفاخرة بذلك فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله والعياذ بالله.

عـاشراً: وأخيراً ينبغي أن تعلموا رحمكم الله أن الإنابه في حج الفريضة لا تجوز إلا للمعذور العاجز عن الحج أو من مات ولم يحج لما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما “أن امرأة قالت يارسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع وأما حج النافلة فمحل خلاف بين أهل العلم والذي يظهر جوازه إن شاء الله شريطة أن يكون قصد النائب حسناً وحذار حذار من قصد الكسب فإن ذلك منذر بخطر عظيم.

عباد الله قد تساهل الكثير في أمر النيابة فأصبحوا يبحثون عن الأكثر نقوداً وبهذا جعلوا الحج سلعة تعرض في السوق يطلبون الربح من ورائها نسأل الله العفو والعافية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الأيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الحمد لله الذي ضاعف لأهل طاعته الأجر والثواب وأمرهم بالمسابقة إلى حج بيته وعمرانه فسارعوا إلى مغفرته ورضوانه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خص التلبية بالتوحيد وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من أخص لربه ووحده وعظمه وأراق الدماء عند بيته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.

أمــــابـــعـــــد:

أيها الناس لقد أضلكم شهر حرام فيه تسن كثرة الصيام والقيام فيه عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها في محكم كتابه لفضلها عنده وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام ـ يعني العشر الأولى من ذي الحجة ـ قالوا يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرجه بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء وفيها يوم عرفة أفضل يوم طلعت فيه الشمس صيامه لغير الحاج يكفر السنة التي قبله والتي بعده.

واعلموا رحمكم الله أنه من السنة في هذه الأيام الفاضلة رفع الصوت بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وتلك سنة كادت أن تموت إلا مارحم ربك. وينبغي لمن أراد أن يضحي أو يضحى عنه ألا يحلق شعره ولا يقلم أظافره بعد دخول عشر ذي الحجة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي”.

عباد الله اعلموا بارك الله فيكم وتقبل الله منا ومنكم حجاجاً ومقيمين: أن الله أمركم بالصلاة على رسوله في محكم كتابه فقال جل وعلا [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وأنصر وأيد عبادك الموحدين اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة وولاة أمورنا خاصة لما يرضيك اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم يارب العالمين اللهم حببهم إلى رعايهم وحبب رعاياهم إليهم بعزتك وقدرتك ياأرحم الراحمين اللهم وفق شباب المسلمين للتمسك بشرعك المطهر وجنبهم الفواحش والآثام وخذ بأيديهم لما فيه صلاحهم وفلاحهم إنك على كل شيء قدير اللهم وفق نساء المسلمين للستر والعفاف اللهم كره إليهن التبرج والتشبه بنساء الكفار اللهم اجعلهن عوامل بناء وإصلاح لأجيال المستقبل يارب العالمين.

عباد الله إن الله يأمربالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون.