الحج والسلام

السبت 25 جمادى الآخرة 1440هـ 2-3-2019م

الخطبة الأولى :

الحمد لله الذي جعل السلام أحد المبادئ الأساسية في الإسلام وأشهد أن لا إله إلا الله حث على السلام وندب إليه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أمره ربه بالسلام فقال: [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ] صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه لا يوجد دين يقدر السلام كما يقدره الإسلام، ولا يوجد مجتمع يتلزم بالسلام كما يلتزم به المجتمع المسلم.

إن الإسلام هو دين السلام والوئام والحب والعدل. الإسلام هو وحده رغم كثرة المدعين للسلام ذلك أن الإسلام هوو الدين الوحيد الذي يربي أتباعه على السلام أعني السلام الكامل الشامل. يفرض عليهم أن يدخلوا في دورة كاملة للسلام ولا يكمل إسلام المسلم إلا أن يدخل في تلك الدورة مرة واحدة في العمر، فيتدرب تدريبا عمليا ويمارس السلام الحقيقي الشامل على أرض الواقع أياما عدة ثم كلما زاد إيمانه ودورةالسلام اليت أعنيها هي الحج إلى بيت الله الحرام.

لقد اختار الإسلام الأرض المباركة في مكة المكرمة وأعلنها حرما آمنا أي أرضا منزوعة الأذى والعنف يتجرد فيها المسلم لخالقه للعبادة فقط بكل سموها وصفائها وصدق الله العظيم: [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ] .

وحرم الإسلام في هذا الحرم الآمن القتل والاعتداء والأذى وكل مظاهر العنف، فأمَّمن الناس فيه على أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم، أمَّنهم حتى من القول البذيئ واللفظ الفاحش، وأمَّنهم من كل أشكال اخصومات والججدال والنزاع قال تعالى: [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ] ، وأمَّن في الحرم الطير والوحش وسائر الحيوانات وحتى الحشرات مهما بلغت ضآلتها وحقارتها عدى الخمس الفواحش التي تقتل في الحل والحرم، فلا يجوز لأحد أن يتعرض لشيء من ذلك بسوء في منطقه السلام قسدا أو عمدا، وإذا حصل منه شيء من ذلك خطأ وجب جبره بمثله من النعم أو بقيمته إن لم يوجد له مثل حسب ما هو منصوص عليه في الفقه الإسلام كفارة عن خرقه لقواعد السلام الشامل في الحرم الآمن بل حتى الحشائش والنباتات لايجوز لأحد أن يتعرض لها بالسوء في أرض السلام.

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) رواه مسلم في صحيحه.
فمن عزم على الدخول في دورة السلام هذه وجب عليه أن يستعد لها فيدخل في حالة من السلام الشامل حتى شعره وظفره يحب أن يتركه بعد الإحرام حتى يفرغ من نسكه، فيتعلم المسلم مدة الحج احترام حق الحياة لكل حي مهما كانت درجة حياته لتتأصل في نفس المسلم معاني السلام فلا يتصدى على أحد ولا يظلم أحدا ولا يبغي على أحد.

إخوتي في الله!
ما أحوج البشرية في هذه ألأوقات وهي تكتوي بلهيب الصراعات الدموية والنذاعات الوحشية بشكل تترفع عنه كثير من الوحشو والحيوانات، ما أحوج البشرية أن تدخل في السلام لتتخلص من الأنانية والقضاء والكراهية والشحناء وترتقي إلى أفق الإسلام السامي فتتعلم الحياة بسلام ووئام كما أراد الله عز وجل لعباده وصدق الله العظيم : [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ].

إن الله خالق البشرية يريد لعباده أن يتعارفوا ويتآلفوا ويحب بعضهم بعضا فيتعاونوا على الخير والمعروف والبر والتوقى قال الله تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا] رواه مسلم.

أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعل بلده الحرام منطلق الدعوة إلى الأمن والسلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي كان يوصي أمراءه وقواد جيشه بالدعوة إلى الأمن والسلام قبل القتال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا،

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الرسالة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين إلى اللجنة المنعقدة لقضية القدس- رسالة جب وسلام تتفق مع منهج هذه البلاد وقيامها على الحب والوئام والدعوة للسلام، إن هذه الرسالة التي تفيض محبة وواقعية وتتعامل مع القضية بكل أبعادها تنطلق من بلاد الحرمين بلد الأمن والسلام والحب والوئام.

لقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الحب والدعوة للخير ونبذ العنف والحرص على الناس، عن بريدة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) .

إن هذه الكلمات التي يوصي بها الرسول صلى الله عليه وسلم أمراءه تمثل منهاج عمل تلتزم به الجيوش ولا تخرج عنه أبدا مهما كانت الظروف والأحوال، وهذا تاريخ الفتوحات الإسلامية بشهد بمدى سمو وطهر وعفاف جيوش الإسلام وجنوده على مر التاريخ على الرغم من همجية الأعداء ونقضهم للعهود، والتاريخ شاهد على تعامل المسلمين طيلة حقب التاريه مع أهل الذمة ذلك التعامل الذي حببهم للإسلام ويجعلهم يدخلون فيه لينعموا بما ينعم به المسلمون وليعيشوا حياة كريمة سعيدة.

إن رسالة خادم الحرمين الشريفين التي تدافع عن القدس وتحفظ حقوق الفلسطينيين تنطلق من دعوة الإسلام للسلام الشامل والأمن للمجتمعات البشرية جمعاء.

فهل يعي ذلك أصحاب الضمائر الحية ويعطوا الفلسطينيين حقوقهم ويعيدوا لهم أراضيهم ويكفوا عن الأذى والعدوان عن العزل والأبرياء؟

نسأل الله أن يحفظ لبلادنا أمنها وأمانها وأن يعين ولاة أمرنا على تحقيق الخير وأن يكفيهم شر الأشرار.

اللهم من أراد بلادنا ومقدساتنا بسوء اللهم فأشغله في نفسه ورد كيده إلى نحره.
اللهم صل على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارحم …