خطبة بعنوان ” التستر التجاري –أسبابه وأضراره وعلاجه-.” بتاريخ 22-7-1440هـ
الخطبة الأولى :
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ منْ شُرورِ أنفسِنَا ومِنْ سَيّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِهِ اللهُ فلَا مُضِلّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ : فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب -70/71).
عبادَ الله: لقدْ جاءتْ شريعةُ الإسلامِ كاملةً شاملةً ومنْ ذلكَ محافظتُهَا على الضروراتِ الخمسِ: الدّينِ والنّفسِ والعقلِ والعرضِ والمالِ، وتحذيرُها منْ كلّ مَا يُخِلُّ بهذه الضروراتِ، لأنه يُخِلُّ بأمنِ المجتمعِ واستقرارِهِ.
أيُّها المؤمنونَ: لقدْ حبى اللهُ بلادَنا نعمًا عظيمة منها: سلامةُ المعتقدِ، والأمن الوارفِ، ووفرةُ الأرزاقِ. ولهذا يحرصُ كثيرٌ منَ المسلمينَ في العيشِ على ثراهَا ليتمتعُوا بهذهِ النّعمِ، لكنّ ضعافَ النفوسِ تسوَّلُ لهم أنفسُهم الوقوعَ فيما يكدِّرُ الأمنَ ويُخِلُّ ببناءِ المجتمعِ، ومنْ ذلكَ جريمةُ التسترِ التجاريِ على العمالةِ الوافدةِ السائبةِ، وبذلكَ تتمكنُ هذه العمالةُ منْ ممارســةِ الأنشطةِ التجاريةِ عن طريقِ استخدامِ اسمِ المواطنِ أو ترخيصِهِ أو سجلِّهِ التجاريْ لحسابِهِم الشخصيِ ممن لا يسـمحُ لهُ نظـامُ اسـتثمارِ رأسِ المـالِ الأجنبـيِ أو غـيرِهِ منَ الأنظمــةِ والتعليمــاتِ بممارســتِهِ.
وكمْ من القضايا التي امتلأتْ بها الدوائرُ الأمنيةُ والمحاكمُ والسجونُ بسببِ الوقوعِ في المخالفاتِ وجشعِ بعضِ المواطنينَ والوافدينَ، فيتحايلونَ على الأنظمةِ، ويقعونَ بما يسبِّبُ الأضرارَ الخطيرةَ على المجتمعِ.
عبادَ اللهِ: إنّ التنظيمَ الذي تسعى له الدولةُ يحقَّقُ مصالحَ كبيرةً، من توفيرِ فرصِ العملِ للمواطنينَ، وقطعِ الطريقِ على المنتفعينَ، ومتابعةِ المخالفينَ، والحدَّ من جرائمِ التزويرِ والسطوِ والسرقةِ وأنواعِ الجريمةِ.
وقدْ صدرتْ الفتوى من اللجنةِ الدائمةِ للإفتاءِ في بلادِنا ذاتُ الرقمِ (19637) في حرمةِ التسترِ على العمالةِ الوافدةِ، وهذا نصُّهَا: (لا يجوزُ التسترُ على العمالةِ السّائبةِ والمتخلّفةِ والهاربةِ من كفلائِهِمْ ولا البيعُ أو الشراءُ منهم؛ لمَا في ذلكَ من مخالفةِ أنظمةِ الدولةِ، ولمَا في ذلكَ منْ إعانَتِهِمْ على خيانَةِ الدولةِ التي قدمُوا لها، وكثرةِ العمالةِ السّائبةِ، مما يؤدِّي إلى كثرةِ الفسادِ والفوضَى وتشجيعهِم على ذلك، وحرمانِ من يستحقُّ العملَ والتضييقِ عليه في كسبِ رزقِهِ. وباللهِ التوفيقُ، وصلّى اللهُ على نبيّنَا محمدٍ وآلهِ وصحبه وسلَّم).
عبادَ اللهِ: ومنْ أهمّ أسبابِ ظاهرةِ التسترِ التجاريِ مَا يلي:
أولاً: مَا يتعلَّقُ بالمواطِنِ: حيثُ يبرِّرُ تسترَه بعدمِ توافرِ رأسِ المالِ وضعفِ خبرتِهِ، ومحدوديةِ دخلِهِ وعدمِ وجودِ مصادرَ دخلٍ بديلةٍ، وإعطائِهِ الثّقَةَ المفرطةَ تجاهَ المُتستَّر عليهِ، وتحرّجِهِ من القيامِ بالمهنِ والحِرَفِ التي يَرَى أنّهَا لا تليقُ بهِ، وسهولةِ أخذهِ للتراخيصِ التجاريةِ والسماحِ له بمباشرةِ أكثرَ من مشروعٍ بسجلٍ تجارىٍ واحدٍ، وضعفِ روحِ المغامرةِ والمنافسةِ والخوفِ لديه من مشاكلِ البيعِ والشراءِ، ونقصِ الوعي لديه تجاهَ مخاطرِ التستّرِ.
ثانياً: ما يتعلَّقُ بالمُتستَّر عليه: حِرْصِهِ على الكسبِ بأيّ طريقٍ ولوْ كانَ محرّماً، وتهرّبِهِ من دفعِ الضّرَائِبِ الموضوعةِ على دخلِهِ، أو نوعِ العملِ الذي يقومُ بهِ، وكراهتُهُ معرفةَ تحويلاتِهِ النقديةِ، إلى غيرِ ذلكَ منْ الأسبابِ الواهيةِ التي لا تبرّرُ هذا العملَ أبدًا.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرّجِيمِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون* وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم}[الأنفال:27، 28]. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لِي ولكمْ من كلّ ذنبٍ، فاستغفروهُ إنّهُ هُوَ الغفورُ الرّحيم.
الخطبةُ الثّانية:
الحمدُ للهِ وليّ الصالحينَ، ولا عُدْوَانَ إِلّا عَلَى الظّالمينَ، وأشهدُ ألّا إلهَ إلّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، أمّا بعدُ:
فاتّقُوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ، واعلمُوا أنّ التستّرَ التجاريَّ له أضرارٌ وآثارٌ سلبيةٌ كثيرةٌ على المواطنِ وعلى البلادِ ومنْ ذلكَ:
أولاً: آثارُهُ الاقتصاديةُ: فالمُتستَّرُ عليه يتحكّم في أهمّ عنصرينِ وهما رأسُ المالِ والعملُ، ويسـهمُ ذلك في زيادةِ البطالـةِ لاقتصـارِ التوظيـفِ علـى العمالةِ الوافدةِ، واحتكارِهم لبعضِ الأنشطةِ التجاريةِ، مع زيادةِ حالاتِ الغشّ التجاريِّ، ومزاولتِهم للتجارةِ غـيرِ المشـروعةِ، ولاســــيّما أصحابَ المشروعاتِ الصـغيرةِ والمتوسطةِ، مما يُضعفُ الكفاءةَ الاقتصاديةَ، ويُخِلُّ بتوزيعِ الموارِدِ.
ثانياً: آثارُهُ الأمنيةُ: فكثرةُ أعدادِ العمالةِ الوافدةِ والمتستَّرُ عليها يجعلُ الرقابةَ عليها ومتابعتُها ضعيفةً، وكمْ من الجرائمِ التي نسمعُ عنها كالمتاجرةِ في المخدّرات، وتصنيعِ الخمورِ وبيعِهَا، والسّرقةِ، وتأجيرِ الخادماتِ واستغلالهن في مهنٍ غيرِ شريفةٍ، إلى غيرِ ذلكَ من الجرائِمِ الخطيرةِ على المجتمعِ التي يُعايشُهَا النّاسُ يوميًا.
ثالثاً: آثارُهُ الاجتماعيةُ: فأغلبُ المشروعاتِ التي يُتَستَّرُ عليها تُعتبرُ وسطًا ملائمًا لانتشارِ التجارةِ غيرِ المشروعةِ، وملاذاً آمِنَاً للعمالةِ الهاربةِ من كفلائِها، مع انتشارِ العمالةِ السائبةِ التي تُؤثّرُ سلباً على التركيبةِ السُّكانيةِ للبلادِ.
عبادَ اللهِ: ومنْ وسائِلِ القضاءِ على التسترِّ التجاريِّ ما يلي:
أولاً: تكـاتُفُ الجهـودِ بين الدولـةِ والمـواطنينَ للقضـاءِ علـى هـذهِ الظّـاهرَةِ.
ثانياً: وجوبُ رفعِ درجةِ الوعيِ والتثقيفِ لدى المواطنِ والمقيمِ للتحذيرِ منْ آثارِهَا.
ثالثاً: وجوبُ تعاونِ المواطنِ في مكافحةِ هذهِ الظّاهرَةِ وامتناعِهِ عنْ ممارستِهَا، وإبلاغِهِ الجهاتِ المعنية عن حالاتِ التسترِ التي يعلمُهَا.
رابعاً: إلزامُ جميعِ الشركاتِ والمؤسساتِ والأسواقِ التجاريّةِ بمختلفِ أنشطتِهَا بعدمِ اسـتخدامِ غـيرِ السّعوديينَ في الوظـائِفِ الإداريَّـةِ والماليـةِ وغيرِها ممنْ يتوفرُ لهَا عمالةٌ سعوديةٌ.
خامسًا: ترشيدُ استقدامِ العمالةِ الأجنبيةِ وحصرُها على المهنِ التي يحتاجُ إليهَا.
سادسًا: تشديدُ العقوباتِ على هذهِ الجريمةِ للحدّ منها، وردْعُ كـلِّ منْ يفكّرُ بالقيامِ بها سواءٌ من المواطنينَ أو المقيمينَ.
سابعًا: مـنحُ اللّجـانِ القائمةِ على مكافحـةِ التسـتّرِ صـلاحياتٍ أكـبرَ وأوسـعَ لملاحقـةِ المتسـترينَ والقضـاءِ على هذه الظاهرةِ. فاتّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ، وتعاونوا معَ ولاةِ أمرِكم في كلِّ ما يعودُ بالخيرِ على البلادِ والعبادِ.
هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على الحبيبِ المصطفى فقدْ أمركمُ اللهُ بذلكَ فقالَ جَلّ مِنْ قائلٍ عليمًا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(الأحزاب: الآية 56)
الجمعة: 22-7-1440هـ