السؤال رقم (61) : الكلام عن فرقة المرجئة بتاريخ : 1 / 11 / 1427هـ

السؤال رقم (61) : فضيلة الشيخ .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أشهد الله أني أحبك في الله .. وبداية قبل السؤال أعرفك بأني لا أحب أهل البدع بل أنا سلفي ما حييت وإن مت فوصيتي للناس أن يكونوا كذلك، ولكن حدث في العالم الإسلامي اضطراب في الفترة الأخيرة بسبب بعض الكتابات التي ظهرت على الساحة تتناول قضية الإيمان والكفر بشيء من الإجمال الغير مناسب في موضعه وكانت من أهم القضايا التي تكلموا فيها قضية تارك جنس العمل وبخاصة بعد ظهور كتاب الدكتور سفر الحوالي ظاهرة الإرجاء فظهر فريق يقول بهذا الإجمال (أن تارك جنس العمل كافر).
وظهر فريق آخر يقول أن تارك جنس العمل ليس بكافر بل معه أصل الإيمان الذي يخرج به من النار يومأ من الدهر أصابه قبل ذلك ما أصابه وهم يقولون أنه مستحق للعقوبة وهؤلاء ممن لا يكفر تارك الصلاة، فقال عنهم الفريق الأول أنتم مرجئة، ثم استمر الأمر بالتراشق بالاتهامات وقام بعض الإخوة باستفتاء فضيلتكم فقلتم أنهم مرجئة؟؟ مع العلم أنهم يقولون أن العمل جزء من الإيمان وأن تاركه مستحق للعقوبة وأن تصور وجود إنسان مسلم لم يعمل خيراً قط تصور نادر الحدوث ولكن لو حدث لا يلزم أن يكون كافراً ولو ناقشت أصحاب الفريق الأول الذين يقولون أن تارك جنس العمل كافر تجدهم لا يلتزمون إلا تكفير تارك الصلاة فقط بحيث لو قلت لهم رجل ترك كل الواجبات والمستحبات ولكنه صلى فهل يكون كافرا؟ لقالوا: لا، فلو قلت لهم رجل فعل كل الواجبات وصام وزكى ولكنه لا يصلى فهل يكون كافرا؟ قالوا نعم، فيقال لهم: إذاً أنتم تقصدون بتارك جنس العمل أي عملاً مخصوصاً أنتم تكفرون به فقال بعضهم لا أن تارك جنس العمل يكفر من طريقين: الأول أنه تارك للصلاة والثاني )وهذا عند من لا يكفر تارك الصلاة) لأنه ما عمل شيئاً بجوارحه قط، فيقال بهذا يلزمكم أنه لو رد السلام مرة واحدة في حياته لم يكفر بالسبب الثاني أبداً ومحال أنكم تقصدوا أنه لو سبح في حياته تسبيحة واحدة ولم يعمل أي شيئاً غيرها أن هذا ليس بتارك لجنس العمل وإلا صار هذا الكلام تحكم بلا دليل، المهم يا شيخنا الموضوع طويل عندنا فيا ليتكم تفيدونا في هذا الموضوع بالتفصيل دون أي إجمال لأن كلا من الفريقين عنده فتاوى للعلماء الكبار سواء من اللجنة الدائمة مثل الفتوى رقم: 1727 وكذلك تعليقات للشيخين ابن باز و الشيخ ابن العثيمين مثل شرحه للسفارينية وغيرها من الاستشهادات هذا وإني أعتذر للإطالة أنتظر أنا وملايين المسلمين الإيضاح الشافي .. وجزاكم الله كل خير.

الرد على الفتوى

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فاعلم أخي الكريم أنه ينبغي على المسلم أن يستدل ثم يعتقد، لا أن يعتقد ثم يستدل لأنه إذا اعتقد ثم استدل يلوي أعناق النصوص لتوافق ما اعتقد، لكن إذا استدل أولاً ثم اعتقد بنى عقيدته على الدليل ووافق الدليل، وكم من العلماء السابقين واللاحقين الذين يعتقدون أشياء ثم يحاولون ليّ أعناق النصوص إلى ما يعتقدون، وهذا لاشك أنه خطأ فادح، فالأحكام كلها مردّها إلى الله تعالى، فإذا حكم الله ورسوله بحكم فلا نستحي أن نقوم بتطبيقه، فالحكم ليس إلينا بل نحن منفذون له كما أمرنا لقول الله تعالى:[وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً](الأحزاب:36)، وقوله تعالى:[وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا] (الحشر:7)، فإذا حكم الله على هذا بالكفر فلنقل: هذا كافر ولا نبالي، وإذا حكم الله على هذا بالإيمان فلنقل: هذا مؤمن ولا نبالي، أما التحكم واعتقاد كفر المؤمن أو إيمان الكافر فهذا ليس إلينا.
وعلى المسلم أن يجعل الدليل متبوعاً لا تابعاً، وأن يحذر أن يلوي أعناق النصوص إلى رأيه فإن هذا خطر عظيم عليه، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)(رواه الترمذي في كتاب التفسير برقم 2951).
وعلى ذلك فإن المرجئة التي تكلم عنها أهل العلم وعرفوا منهجها وعقيدتها أوضحوا ما هي عليه من مخالفة الكتاب والسنة وهدي سلف الصالح لأنهم جعلوا الإيمان مقتصراً على القصد، وقالوا: إن الإيمان هو اعتقاد القلب فقط، ومتى اعترف الإنسان بقلبه بالله عز وجل فهو مؤمن سواء عمل أم لم يعمل، ومن كان عنده اعتقاد تام فهو مؤمن كامل الإيمان وإن زنا وسرق وشرب الخمر ولم يصم ولم يزك ولم يحج فهو مؤمن كامل الإيمان، فإيمانه كما يزعمون كإيمان محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام ولا يدخل النار مهما عمل من المعاصي وقد أشار إليهم ابن القيم رحمه الله في نونيته فقال فيهم:
والناس في الإيمان شيء واحد **** كالمشط عند تماثل الأسنان
أي أنهم يقولون: الناس في الإيمان شيء واحد، يعني أن أفسق الناس وأطوع الناس كلهم واحد في الإيمان، وهذا شيء لا ينصف فيه عاقل، وعلى رأيهم هذا فالعاصي الذي يشرب الخمر ويسرق ويزني ويخون ويكذب ـ لكنه مؤمن بالله وينتسب للإسلام ـ عندهم أنه مؤمن كامل الإيمان، والله تعالى يقول:[أمنّ هو قانت آناء الليل ساجداًَ وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون](الزمر:9)، وقوله تعالى:[أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا
وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون](الجاثية:20)، لكنهم يقولون: إنهم يستوون، ففاعل الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان، ولا يستحق دخول النار، ولا يستحق العقاب، وهذا الفكر مناسب لحال كثير من الفسقة الآن من أهل زماننا إذا نهي عن الفسق يقول: أنا مؤمن كامل الإيمان على رأي المرجئة، وعلى ذلك فإبليس عندهم كامل الإيمان لأن إبليس مؤمن بالله، بل يسأله ويدعوه فيقول:[قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون](ص:79)، فهو عندهم مؤمن كامل الإيمان، وموحد لأنه مؤمن بالربوبية، ولاشك أن قولهم هذا مجانب للصواب، وإذا قيل لهم أنه يوجد آيات وأحاديث فيها وعيد مثل قول الله تعالى:[ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها](النساء:93)، قالوا: هذا للكافر، أي من يقتل مؤمناً وهو كافر، وهذا لاشك أنه تحريف؛ لأن الله علق هذه العقوبة على وصف وهو القتل، وهؤلاء تركوا هذا الوصف جانباً وأتوا بوصف جديد وهو الكفر والآية ليس فيها الكفر، فهم ألغوا الوصف الذي رتبت عليه العقوبة وأتوا بوصف جديد من عندهم.
ونظير هذا قول بعضهم في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)(رواه مسلم)، قالوا: من جحدها؛ فألغو الوصف الموجود، واعتبروا الوصف المفقود وذكر الجحد غير موجود في الحديث، ثم نقول لهم: إذا جحد وجوب الصلاة ولو كان يصلي الصلوات الخمس كل يوم فهو كافر، فهم ألغوا الوصف الموجود الذي رتب الشارع عليه الحكم وأتوا بوصف مفقود جديد من عندهم.
وأنت تقول أخي الكريم أن كلا الفريقين وقعوا في التراشق والاتهامات، فأي تراشق واي اتهامات عند إيضاح الحق، هل هي معركة حربية، أو معركة كلامية بل هو إيضاح للحق وما عليه سلف الأمة، وما ظهرت الخلافات في الأمة إلا بسبب التعصب للرأي حتى ولو كان خطئاً، وهذا في ديننا مذموم بل هو من أقبح القبائح لأن كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بين أيدينا فلما انصرف كثير من الناس عن النصوص الشرعية واستدلوا بآرائهم وقعوا في مخالفة هذه النصوص، وأما عدم وجود مسلم لا يأتي بخير فهذا علمه عند الله ولكن الكلام هنا لإيضاح ما عليه هذه الفرقة وغيرها من مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وأما إطلاق الكفر على المسلم الظاهر إسلامه فهذا لايقع أبداً وغير وارد إلا من خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم ممن يتلفظ بالشهادتين ولكنه يخالفهما في القول والعمل، ولكن هذه المخالفة تحتاج لتفصيل طويل لا يسعنا المقام لذكره فمنها ما هو مخرج من الملة، ومنها ما هو معصية، ومنها ما هو كبيرة من الكبائر، وهذا حسب ما يأتي به المسلم من مخالفة.
ومعلوم أن الإيمان يدخل فيه القول والاعتقاد والعمل وذلك واضح أشد الوضوح في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)(رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث القول والاعتقاد والعمل وكل ذلك داخل في الإيمان، فكيف يخالف هؤلاء ذلك الحديث وغيره من النصوص وصدق الله العظيم حيث يقول:[فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم](النور:63).وعلى الأخ السائل أن يرجع إلى كتب السلف الصالح وكلامهم في ذلك وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من الأئمة الأعلام. نسأل الله تعالى أن يثبتنا وجميع إخواننا المسلمين على الحق، وأن يجعلنا من المتمسكين بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.