السؤال رقم (1600) : ضوابط الجهاد في سبيل الله

فضيلة الشيخ .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: لقد قرأت في كتاب شيخ الإسلام عن وجوب معادات النصارى واليهود بل أن واجب على المسلمين إن يدعوهم للإسلام في ثلاثة أيام إن استجابوا كان بها وإن لم يستجيبوا إما أن يدفعوا الجزية وإما الحرب فما رأي فضيلتكم هل هذا يوجب على المسلمين الجهاد؟ وما الرأي إذا رفض الحكام هذا؟ هل يعتبر المسلم الذي يحاربهم إرهابي خصوصاً أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؟ وما رأي فضيلتكم في محاربة الحكام المتعاونين معهم هل هذا أيضا إرهاب؟ وما رأي فضيلتكم فيمن يعرف الحق ويكتمه أو يلبس الحق بالباطل؟ وهل يعتبر أسامة بن لادن إرهابي أم مجاهد حسب كلام شيخ الإسلام عن جهاد اليهود والنصارى والمرتدين؟ أرجو من فضيلتكم الرد وأن لا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون؟ كما أرجو أن تكون الإجابة إذا وجدت باستفاضة علماً بأنني إنسان عادي.

الرد على الفتوى

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اعلم أخي الكريم أن معاداة اليهود والنصارى واجبة على المسلمين لقول الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ](المائدة:51)، ولكن الخروج للجهاد له شروط وضوابط لابد من توافرها ليكون جهاداً شرعياً قائماً على ما قام عليه جهاد رسول الله “وأصحابه، ولكن لكثرة جهل عامة الناس بشروطه وضوابطه وقع كثير من الشباب في أخطاء عادت على أمتهم بالمفاسد العظيمة، حتى أصبح شعار أعداء الإسلام للمسلمين هو الإرهاب، ومعلوم أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ولكن ليس كل أحد يقوم به لأنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن لم يقم به من يكفي تعين عليه.
ولكن لابد أن يُعلم أن كل واجب لابد فيه من شروط وهي وجود القدرة والاستطاعة والدليل على ذلك قوله تعالى:[لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا] (البقرة:286)، وقوله:[فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ](التغابن:16)، وقوله:[وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ](الحج:78) يعني حتى لو أمرتم بالجهاد ما فيه حرج إن قدرتم عليه فهو سهل، وإن لم تقدروا عليه فهو حرج مرفوع، إذاً لابد من القدرة والاستطاعة، ومن السنة قول النبي “:إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم(رواه البخاري ومسلم)، وهذا عام في كل أمر، لأن قوله:بأمر نكرة في سياق الشرط فيكون للعموم سواء أمر العبادات أو الجهاد أو غيره.
وأما الواقع فقد كان النبي ” في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله وبقي ثلاثة عشرة سنة ولم يؤمر بالجهاد مع شدة الإيذاء له ولمتبعيه، وقلة الأوامر أو قلة التكاليف، أكثر أركان الإسلام ما وجبت إلا في المدينة ولكن هل أمروا بالقتال؟ لا ، لماذا؟ لأنهم لا يستطيعون وهم خائفون على أنفسهم، إن النبي ” خرج من مكة خائفاً على نفسه وهذا معروف ولذلك لم يوجب الله عز وجل القتال إلا بعد أن صار للأمة الإسلامية دولة وقوة، فأمروا بالقتال:[أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ](الحج:39).
إذاً فلابد من توافر شرط القدرة والقوة حتى يستطيعوا بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة.
ولا يجب القتال ويكون فرض عين إلا في أمور أربعة:
الأمر الأول: إذا حضر الصف لقول الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ* وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ](الأنفال:15ـ16)، وجعل النبي ” التولي يوم الزحف من الكبائر ومن الموبقات إلا أن الله تعالى خفف عن عباده وأذن للمسلمين إذا كان العدو أكثر من مثليهم أذن لهم أن يفروا لقول الله تعالى:[الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ](الأنفال:66)، ولهذا أجاز العلماء الفرار من العدو إذا كان أكثر من الضعف.
الثاني: إذا استنفره الإمام: يعني إذا قال الإمام اخرج وقاتل فإنه يجب على المسلمين أن يخرجوا ويقاتلوا لقول الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ] (التوبة:38)، يعني ملتم إليها بثقل، ومعلوم أن الذي يختار الأرض على السماء أنه ضائع[أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ](التوبة: 38ـ 39)، إذا استنفرهم الإمام وجب عليهم النفور.
الثالث: إذا حصر العدو بلده: وهذا هو الشاهد لما قلناه قبل قليل، إذا حصر بلده صار الجهاد واجباً لأنه جهاد دفاع، لأن العدو إذا حصر البلد معناه أن أهلها يكونون عرضة للهلاك لاسيما في مثل وقتنا الحاضر، إذا حصر العدو البلد وقطع الكهرباء والماء وقطع مصادر الغاز وما أشبه ذلك معناه أن الأمة سوف تهلك فيجب الدفاع ما دام عندهم ما يمكن أن يدافعوا به يجب أن يدافعوا.
الرابع: إذا كان محتاجاً إليه: يعني إذا احتيج إلى هذا الرجل بعينه وجب أن يقاتل مثل أن يغنم المسلمون دبابات أو طائرات من العدو ونحن لا نعرف كيف نشغلها لكن فيه واحد من الناس قد عرف هذه الصنعة وعرف كيف يشغلها فهذا يجب عليه بعينه أن يقاتل، لا يقول الناس كثيرين، نقول: نعم الناس كثيرون لكن ما يعرفون تشغيل هذه الدبابات وهذه الطائرات فلابد أن تخرج أنت بنفسك.
فهذه أربعة مواضع ذكر العلماء رحمهم الله أن الجهاد فيها يكون فرض عين، ما عدا ذلك يكون فرض كفاية.
وأما ما تشير إليه من الأعمال التي حصلت من بعض المسلمين فهذه إفساد وضرر على البلاد والعباد، ويجب على كل مسلم أن يقف في وجهها لئلا يستفحل شر هؤلاء ويفسدوا علينا أمننا وطمأنينتنا.
حمى الله بلاد المسلمين من كيد الكائدين وعدوان المعتدين وعبث العابثين، كفانا الله شر الأشرار وكيد الكفار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.