السؤال رقم (1638) : حكم أسهم الشركات ولو كانت خالية من الربا، إيداعًا واقتراضًا، شراء وبيعًا واكتتابًا؟

ما رأي فضيلتكم في حكم أسهم الشركات ولو كانت خالية من الربا، إيداعًا واقتراضًا، شراء وبيعًا واكتتابًا؟

الرد على الفتوى

غالب العلماء المعاصرين ذهبوا إلى جواز المساهمة في شركات المساهمة ولا يرون حرجاً في ذلك، أما قضية أنشطة هذه الشركات فلها حكم آخر، إذ أن شركات المساهمة تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: شركات المساهمة ذات الأعمال المباحة والتي لا يدخل من ضمن أنشطتها الاستثمار المحرم، بل يدور عملها على الصناعة والتجارة، ولا تتعامل بمحرم فلا تقترض ولا تقرض بالربا، ولا تودع أرباحها في بنوك تعطي لها فوائد ربوية، ولا تستثمر أرباحها في محرم، فهذه الأصل جوازها لما ورد في ذلك من النصوص الشرعية التي تؤكد ذلك.
وأما النوع الثاني: فهي الشركات ذات الأعمال المحرمة التي تتعامل في المحرم كصناعة الخمور أو التجارة بالخنزير أو صناعة آلات الطرب أو التي تتعامل بالربا المحض بحيث يكون إنشاؤها في الأصل محرمًا، فهذا النوع لا ينازع أحد في حرمته.
وأما النوع الثالث: فهو المتنازع حوله من حيث الحل أو الحرمة، وهي الشركات ذات الأعمال المشروعة والتي أنشئت من أجل الاستثمار في الأشياء المباحة، مثل صناعة الزيت والورق والحديد والنقل وتجارة الأراضي وغيرها إلا أنها تتعامل بالحرام أحيانًا كإيداع أموالها أو جزء منها في البنوك الربوية وأخذ الفائدة عليها، أو أن يكون من ضمن رأس مالها الاقتراض بالربا أو الإقراض، فتضم هذه الأرباح إلى أرباح مساهميها، وهذه الشركات تعرف بشركات الأسهم المختلطة، أي اختلط فيها الحلال بالحرام، فهذه اختلف فيها أهل العلم المتأخرون على قولين:
فمنهم من قال بتحريمها إطلاقًا، ومنهم من قال بالجواز مع حرمة الأموال المحرمة وعدم جواز الاستفادة منها، أو التقرب إلى الله عند دفعها.
فمن قال بالتحريم أخذ بعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا كثيره وقليله، ولأن أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك، يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا، لأن السهم يمثل جزءًا شائعًا من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل مال تقرضه الشركة بفائدة أو تقترضه بفائدة فللمساهم نصيب منه، لأن الذين يباشرون الإقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عن المساهم والتوكيل بعمل المحرم لا يجوز.
وبناءً على ذلك فلا يجوز للمسلم الإقدام على المساهمة في هذه الشركات، وعلى من تورط فيها بجهل مثلاً أن يعمل على نصح القائمين على الشركة لترك العمل بالربا إن كان يستطيع ذلك، وإلا فعليه التخلص من هذه الأسهم ببيعها إلى الشركة نفسها مرة أخرى واسترجاع رأس ماله، وفي كل الأحوال فإن عليه التخلص مما حصل عليه من أرباح عن طريق هذه الأسهم بإخراجها في الأمور الممتهنة بنية التخلص منها لا بنية التقرب بها إلى الله عز وجل.
وقد قرر العلماء أن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم :[فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم](رواه البخاري رقم: 7288، ومسلم رقم 1337).
فالمنهيات تجتنب على الإطلاق، أما المأمورات فيأتي الإنسان منها بقدر الاستطاعة، ولذا لم يسامح في الإقدام على المنهيات، ومعلوم أن الربا من الموبقات ومن أكبر الكبائر وقد نهى الله عنه بقوله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ].
ومن أدلة القائلين بحرمة الأسهم المختلطة قول الله تعالى :[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ](البقرة: 278_ 280). وقوله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ](آل عمران:130).
وفي الحديث:[لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ](رواه مسلم رقم 2995).
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن المساهمة في شركة ترابي داخل في المحاربة سواء كان الربا قليلا أو كثيرًا، فلا يجوز للمسلم أن يستثمر في الربا ولو قل، وأيضًا فالمساهم في أسهم الشركات المختلطة متعاون معهم على الإثم والعدوان حيث أعانهم باستثمار ماله معهم على أكل الحرام وإن لم يأكله هو.
ومعلوم أن تشجيع هذه الشركات وإجازة التعامل معها لن يشجعها على التخلص من الحرام والتزام مبادئ الشرع، بل يعينها على التمادي في المحرم، وفي هذا مفسدة تحول دون قيام شركات إسلامية تتعامل بالحلال المحض.
وأما من قال بالجواز فلهم ضوابط وضعوها للتعامل مع هذه الشركات، ومن هذه الضوابط:
الأول: ألا ينص نظامها الأساسي على التعامل بالربا.
الثاني: أن يجتهد المساهم في معرفة الجزء الحرام ويقوم بالتخلص منه في أوجه الخير، ولا يجوز له أن ينتفع به في أي حال من الأحوال أو يرجو أثر نفعه.
الثالث: أن جواز الدخول في هذه الشركات لا يعني أن الربا اليسير مباح، فالربا محرم قل أو كثر، والإثم على من باشر تلك المعاملة المحرمة أو أذن أو رضي بها.
الرابع: لا يعني جواز الدخول في مثل هذه الشركات إقرارها على معاملاتها الربوية، بل يجب السعي في تطهير هذه الشركات من الربا بشتى الوسائل والطرق.
وقد بنى هؤلاء قولهم بالجواز على ما يأتي:
أولاً: لحاجة المواطن إلى استثمار ما ادخره من مال فيما يستطيع الاستقلال باستثماره بنفسه كما أنه محتاج إلى استثمار ذلك في حال عجزه عن الاستقلال باستثماره وذلك بمجموعة طرق أضمنها وأسهلها المساهمة في هذه الشركات، وهو في نفس الأمر عاجز عن منع الشركة من الاستثمار في وجوه مختلطة بالحلال والحرام.
ثانيًا: أن الحالة المبررة لتداول هذه الأسهم لا تعتبر مادامت مجرد دعوى حتى تثبت، فمتى استطاع الفرد أن يجد مجالاً لاستثمار ماله في وجه من وجوه الاستثمار التي لا شبهة في كسبها فعليه التوجه إلى ذلك، ولو كان عنصر المخاطرة في هذا المجال ضعيفًا فيجب على الفرد أن يستبرئ لدينه وعرضه وأن يكتفي بما هو حلال محض عما فيه شبه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:[الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه](رواه البخاري رقم: 2051، ومسلم رقم: 1599).
ثالثًا: لا يعني القول بالجواز إباحة ما تقدم عليه المجالس الإدارية لهذه الشركات من التقدم للبنوك الربوية بأخذ تسهيلات تمويلية لمشاريعها، أو بإيداع ما لديها من سيولة لاستثمارها بطريق المراباة، بل هي آثمة في فعلها هذا، وكل عضو من أعضائها يدخل في ذلك، وقد جاء في الحديث:[لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ].
رابعًا: لا يجوز للمسلم المساهمة في شركة في طور تأسيسها مع علمه أن نظامها ينص على جواز التعامل مع البنوك الربوية إيداعًا أو اقتراضًا بفائدة، فالمساهم سواء كان مؤسسًا أو مساهمًا متعاون معهم على الإثم والعدوان وقد جاء النهي عن ذلك في قوله تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ](المائدة: 2).
والأولى للمسلم أن يبرأ ذمته من أي تعامل فيه شبهة فضلاً عن أن يكون محرمًا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.