فتاوى الطلاق
المقدمة
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز
أ. د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
الأستاذ بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم–الشيخ محمد بن موسى بن عبدالله الموسى
مدير مكتب البيت لسماحة المفتي
دَار الوَطـن، الطبعة الألى :1417هـ
المقدمة:-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102).
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً](النساء:1).
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً] (الأحزاب:70،71)، أما بعد:
فإن الحياة الزوجية هي النعمة بين الرجل والمرأة وهي الرحمة وهي السكن، كما قال تعالى:[ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ](الروم: 21).
والعلاقة بين الزوجين من الأسرار المكنونة يتعاملان فيها من خلال الضمير والوجدان، وليست من الأمور التي تشاع وتعلن؛ بل هي في ستر وحماية، لا تخضع لأي ميزان بقدر ما تخضع لخوف الرحمن وطلب الرحمة والرضوان والرغبة في دخول الجنان؛ ولذلك فهذه العلاقة أدق العلاقات الإنسانية لأن مبعثها القلوب، ولا يحكمها إلا من يتحكم في القلوب فسبحان مقلب القلوب.
وهذه العلاقة إذا استمرت هنية رضية وبشرع الله حفية؛ يقوم فيها الزوجان بالحقوق والواجبات ـ فإنها تثمر المحبة والأنس والطمأنينة وترفرف على البيت السعادة، ويهنأ الأبناء والبنات بعيش رغيد وحياة مستقرة هادئة.
وأما إذا حلت الجفوة محل المودة، وبدل أن تكون الرحمة هي الحاكمة تكون القطيعة والتنافر فهنا يحدث شرخ يصعب رتقه، ومتى تنافرت القلوب فإن التئامها صعب؛ ولذا قد يكون الفراق أيسر الطرق وأسلمها، على ما يترتب عليه من آثار سلبية تمتد لسنوات طويلة، ولكن قد يكون أحلى الأمرين مراً وصدق الله العظيم: [وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً] (النساء: 130).
وقد شرع الله الطلاق إذا صارت الحياة الزوجية نقمة بعد أن كانت نعمة وأصبح الزوجان لا يستطيعان القيام بما عليهما من الحقوق والواجبات، وجاءت النصوص المتضافرة من الكتاب والسنة تبين هذا الأمر وتوضحه، وعني علماء الإسلام في كل عصر ومصر بهذه القضية الكبرى، وكشفوا اللثام عنها وتصدوا لما يجد في وقتهم حيالها من قضايا ومشكلات.
وإن من تمام نعمة الله على عباده أن هيأ لأمة الإسلام في مختلف العصور علماء عاملين مخلصين، وقفوا حياتهم على خدمة الشريعة ونشرها بين الناس تعليماً وتأليفاً وإفتاءً ودعوة وصيانة لها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين.
ويأتي على رأس هؤلاء في عصرنا ـ ولا نزكي على الله أحداً ـ سماحة والدنا وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الذي وقف حياته على العلم والتدريس وقضاء حاجات الناس، فوضع الله له القبول في الأرض وسرت فتاواه وتوجيهاته في الآفاق، وانتشر طلابه في أنحاء العالم الإسلامي ينقلون عنه ويبثون علمه؛ فتعلم على يديه خلق كثير ممن جلس على يديه أو سمع منه أوقرأ له.
وإذا كانت لهذا العالم سمات يختص بها من بين علماء أمة الإسلام في عصره، فإن من أخص ما يتميز به، تفرده في التصدي لقضية الطلاق وعلاجها علاجاً متميزاً؛ حيث ترد إليه آلاف الرسائل والمكاتبات من المحاكم ومكاتب الدعوة وبعض طلاب العلم، من أنحاء المملكة العربية السعودية وغيرها من البلاد الإسلامية والأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية؛ الجميع يسألون حول قضية الطلاق.
والشيخ بحكمته وبعد نظره ودقيق علمه يتصدى لهذه الرسائل والمكاتبات والأسئلة، ويجيب عليها دون كلل أو ملل، ولا تكاد تحضر في مجلسه إلا وعنده عدة قضايا من هذا القبيل؛ يحضر الزوجان وولي أمر الزوجة ويستمع الشيخ منهم لواقع الحال ثم يصدر سماحته فتواه التي يشرح الله لها صدره.
وكم تحول بكاء أسرة إلى فرح بعد عودتهم من سماحة الشيخ، لأنه لم شمل الأسرة!.
وجدير بالذكر أن سماحة المفتي العام له اجتهادات في مسألة الطلاق؛ حيث يعتبر الطلاق الثلاث بكلمةٍ واحدة طلقة واحدة؛ لحديث ابن عباس (كان الطلاق على عهد رسول الله صلى اله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الناس استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم)( ).
وكذلك عدم اعتبار طلاق الحائض والنفساء وفي الطهر الذي حصل فيه جماع وليست المطلقة حبلى ولا آيسة إذا اعترف بذلك الزوجان؛ لحديث ابن عمر (أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر لبن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)( )، مع نصيحة المطلق بالتوبة إلى الله لأنه فعل أمراً محرماً.
وحرصاً منا على الحفاظ على هذه الثروة الغالية التي خلفها هذا العالم الجهبذ، استأذناه في جمعها وترتيبها ثم عرضها عليه لإقرارها، فأذن لنا مشكوراً بذلك.
وإنا لا نطمع من وراء هذا العمل إلا تيسيره للناس وتقريبه لطلاب العلم؛ لينتفعوا به ويستفيدوا حين يعرض عليهم مسائل من هذا القبيل، وأملنا كبير ـ إن شاء الله ـ أن يخرج هذا العمل بالصورة التي ترضي وتناسب طموحاتنا وتحقق رغبة شيخنا ووالدنا في نشر العلم وتبليغه للناس.
وإنا نلتمس من كل أخ يطلع على هذا الكتاب أن يكتب لنا بملاحظاته واقتراحاته التي تخدم في هذا الجانب وتضيف جديداً، شاكرين له سلفاً وداعين له بالتوفيق والصلاح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
محمد بن موسى الموسى
الزلفي ـــ ص. ب 188ضحوة الخميس 11/2/1417هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
([1]) رواه مسلم (2/1099)ح 1472، وأبو داود (1/555) وابن ماجه (1/661).
([2]) رواه البخاري (9/284) مع الفتح. ورواه مسلم (2/1093) ح1471.
الفهرس
الفهرس
المقدمة الباب الأول: أسباب الطلاق *عدم رؤية الزوج للمرأة قبل الدخول بها قد يكون من أسباب الطلاق. الباب الثاني : من يقع منه الطلاق *أحوال غضب المطلق. الباب الثالث : الطلاق السُني والبدعي * هل يقع الطلاق البدعي؟ الباب الرابع: ألفاظ الطلاق * فيمن قال: ابنتك هذه طالق. الباب الخامس : الكناية في الطلاق * الكناية. . . هل يقع بها الطلاق؟ الباب السادس : ما يختلف به عدد الطلاق * فيمن كرر (أنت طالق) وهو يريد طلقة واحدة. الباب السابع : الطلاق في الماضي * الحلف بالطلاق على الشيء الماضي، وذم السهر. الباب الثامن : تعليق الطلاق بالشروط * الطلاق المعلق. الباب التاسع : الحلف بالطلاق * الحلف بالطلاق. الباب العاشر : الرَّجعَــة *أحوال الرجعة. الباب الحادي عشر : الظهار *حكم الظهار . الباب الثاني عشر : فتاوى متفرقة *حلول أولية قبل الطلاق . *الفهرس. |
||