حول قدوم رمضان خطبة بتاريخ 28-8-1413هـ

الخميس 23 جمادى الآخرة 1440هـ 28-2-2019م

الخطبة الأولى :
الحمد لله القائل في محكم التنزيل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل في معرض حثه وارشاده للطاعات ” من صام رمضان ايمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه” وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وآله وسلم. أمـــا بـــــعـــــد: فيا أيها المؤمنون والمؤمنات

لقد كانت البشرية لها موعد مع الفجر جديد يحمل إليها كل معالم الهدى والنور حين اصطفى الله خاتم النبيين رسولاً للعالمين (( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)) لقد اهتزت جنباتُ مكةَ وبطاحُها لنداء الحق , وسطعت في الأفق ومضاتُ هي سر الحياةِ وكلما مر على الأكوان هلالُ رمضان عاد الى الأمة الإسلامية حنينُها الى ما انطوت عليه أيامُه من نفحاتٍ مباركاتْ هي الهدى في ضيائها واشراقها وهي القوة في صفاء ينبوعها وأصالتها والقرآنُ الكريم هو الذي رسم المنهج المتوازن الذي تذوب فيه الفوارقُ الجنسيه لتلتقي في عقيدةٍ واحدةٍ ونظام موحد. ورمضانُ هو شهر القرآن فيتجدد بمجيئه توثيق المنهج وتأكيده والثبات عليه.
لقد جمع الله في هذا الشهر المبارك من الخير والنور والهداية ما يسع العالم كلـه لإنه مجالُ تقدير الإرادة الحازمةِ العازمةِ الجازمةِ الحاسمةِ ومجالُ اتصالِ المسلم بربه اتصال طاعةٍ وانقياد ثم هو مجالُ استعلاء الجسد على ضروراتهِ كلها وتحمل ضغطِها وثقلها إيثاراً لما عند الله من الرضى والرضوان إن العبادة من مصدرها كوكب وضاء ولكن نفوساً لا تميل إلى الإستقامةِ على السير قدماً في الطريق المنير وأعيناً لا تحسن أن ترى الضوء وتخفي إذا سطع النورُ شأنُها شأنُ الخفافيش لا تستطيع الحركة إلا في الظلام.
تُرى ما أثر الصوم في نفوس هؤلاء ما أثره في نفوس مريضةٍ وأفئدةٍ عليلةٍ وأعين لا ترى وقلوبٍ لا تهتدي. قال تعالى ((وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)) إن العمل بدون إيمان كبناء على غير أساس على شفا جُرُفٍ هارٍ كهشيمٍ تذروه الرياح.
اخوة الإيمان / كم من الناس من يصوم النهار ومع صومه هذا يلغُ في أعراض الناس ما يفعل الله بجوعه وهو يتمرغ في أوحال الخطايا والأوزار.
روى الحاكم والبهقي في السنن بسندٍ صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله  ” ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيامُ من اللغو والرفث فإن سابَّك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم” ها نحن أيها الأحباب نستقبل رمضان فماذا أعددنا له هل حاسبنا أنفسنا ووقفنا نعها وفكرنا في رصيد السنةِ التي سبقت رمضان ماذا عملنا فيها ماذا قدمنا لا نفسنا من الخير ماذا غـيَّرنا من المنكرات من دعونا من الناس ما حدود تقصيرنا في الفرائض وما حدود أدائنا للنوافل. اليس صاحب الشركةِ والمؤسسةِ يحسب أرباحه وخسائره كل عام فلماذا لا نحسب أرباحنا وخسائرنا.
ها هو شهر الصوم يطل علينا فنسأل الله بمنه وكرمه أن يبلغنا تمام رمضان وأن يوفقنا لصيامه وقيامه وأن يتقبل منا قليل العمل ويعفو عن الزلل والتقصير والخطأ الكثير.
اخوة الايمان كان سلف الأمة يتباشرون بقدوم شهر رمضان ويسرون به لإنه ضيف عزيز كريم تُرفع فيه الدرجات وتضاعفُ الحسنات وتُحط السيئات أما حال الناس اليوم فهم صنفان حال استقبالهم لرمضان صنف يفرح ويستبشر لأنه تعود على الطاعات وألفها فهو يتنقل من طاعة الة طاعة ومن عبادة الى عبادة ولذا فالصيام سهل عليه وميسر لأنه ألفه سائر العام. وصنف يستثقل شهر رمضان لأنه يعتبره حبساً للنفس عن الشهوات ولم يقيد الطاعة فيحس بثقلها على نفسه ولذا بالنوم وليله بالعبث والسهر على المحرمات والعياذ بالله.
إن المرأ ليتملكه العجب أن يرى الناس يتكالبون على المحلات التجارية لشراء أصناف المأكل والمشارب والاستعداد لهذا القادم الغالي. وهذا لا غبار عليه من حيث الجمله إذا ضبطناه بضابطٍ شرعي وهو عدم الاسراف والبذلُ للمحتاج ومدُّ يد العون للفقير لكن الذي نرفضه ونحذر منه أن يكون رمضان مجالاً للمفاخرة والمباهاة في سفرة الإفطار ثم ترمى فضلات الطعام وهناك أكباد جائعة تئن من الجوع يلسعها برد الشتاء ويضنيها التعب والإعياء إن من معاني رمضان أن يمسك المسلم عن الطعام والشراب ويتذكر اخوة له من اهل الفقر والحاجة يجوعون سائر العام فهم يصومون لأنهم لا يجدون ما يأكلون.
وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” من فـطَّر صائما كان له مثل أجره ”
ولو أن المسلمين اقتطعوا شيئاً يسيراً من مأكلهم ومشربهم ولو على الاقل في رمضان ووفرة لذوي الحاجات من الفقراء والمساكين لتحقق الخير لفئات كثيرة من المجتمع ولصدق فيهم حث نبيهم  الثابت في الصحيح ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ”
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أعد الأجر الجزيل للصائمين وأشهد ان لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الصائمين وأطهر القائمين والراكعين الساجدين صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً. أمـــــا بــــعــــــــد:
إخوة العقيدة نقول في كل صدق ومحبه وإخلاص مرحباً بك يا رمضان جئت بعد عام مضى كان فيه من العجائب والغرائب الشيء الكثير ولد فيه أقوام وهلك فيه آخرون. اغتنى فيه أناس وافتقر آخرون.
سعد فيه أشخاص وشقى فيه آخرون. اهتدى فيه مهتدون وضل فيه آخرون.
جاء رمضان ليقول للجوارح صومي عن الحرام تصوم العين عن النظر الحرام
واللسان عن النطق الحرام من غيبه ونميمة وسب وسخرية ولغو وباطل
لسانك لا تذكر به عورة امرىء **** فكلك عورات والناس ألسن
وعيناك إن أبدت اليك معايبا **** لقوم فقل ياعين للناس أعين
وتصوم الأيدي عن الأذى عن ضرب وقتل ونهب وسرقة واختلاس وتصوم الارجل عن المشي الى الحرام الى مواطن الفاحشة والعهر والعري ومواقع الرذيلة.
وتصوم البطون عن أكل الحرام والغش والخداع ولذا عمـَّم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصيام عن الشهوة روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله تبارك وتعالى (( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي )) روى الترمذي بسند حسن أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا رآى هلال رمضان قال ” اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام هلال خير ورشد ربي وربُّـك الله”
وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال” كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس وكان في رمضان أجود بالخير من الريح المرسله ”
هذه حال نبيكم  فهل تقتدون به وتتنافسون في عمل الطاعات والتقرب إلى الله بأنواع العبادات.
رمضان إخوة الإيمان فرصة لغسل القلوب من الحقد والحسد والكراهية وتطهيرها من الظغينة والشحناء وقهرها لتحكيم الميزان الشرعي ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) فكم جرات علينا النعرات من ويلات ليكتوي بنارها المجتمع المسلم الصغير ومن ورائه المجتمع الكبير.
إن المفاضلة بين الناس حسب الهوى والجنس والأرض والقبيلة والجهة أمور يرفضها الشرع لأن الميزان الصحيح للتفاضل هو التقوى ورمضان فرصة لا سقاط الموازين الظالمة الجائرة والرجوع الى الميزان الشرعي الصحيح.
امة الإسلام مواسم الطاعة كثيرة وأبواب الخير مفتوحة فاحرصوا على التنافس في الخير وتزودوا ليوم العرض على الله لعل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال واجتهدوا أيها الأحباب في ترائي هلال رمضان فالأمة مطالبه بمجموعها بالرؤية ولا يتكاسل المسلم خصوصاً اذا أعطاه الله قوة في بصره فقد يكون دخول الشهر على يديه وهذا فضل من الله ونعمه.
وقد وردنا تعميم من رئيس المحكمه حفظه الله ووفقه بحث المسلمين على ترائي الهـــلال ليلة السبت فإن لم يرى فليلة الأحد فإن لم يرى فليلة الاثنين.
أيها المؤمنون وإذا كان ليلة الثلاثين وتأخر الخبر وأراد المسلم أن ينام فينبغي أن يبيت النية ويقول إن كان غداً من رمضان فأنا صائم إن شاء الله وهنا اذا لم يعلم بالخبر إلا بعد الفجر ولم يأكل ويشرب بعد الفجر فصيامه صحيح لأن هذا غاية ما يستطيعه ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها

عباد الله: هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد الله أمركم بذلك فقال ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللهم صلي وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
28/8/1413هـ