الحج (3)
الخطبة الأولى :
الحمد لله الذي جعل الحج إلى بيته الحرام ركنا من أركان الإسلام وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الحج مكفراً للسيئات رافعاً للدرجات مضاعفاً للحسنات وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أفضل من طاف وسعى ولبى ووقف ومشى بين الحطيم وزمزم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بــــعـــــد: فاتقوا الله عباد الله فالفوز والربح والفلاح بتقوى الله جل وعلا عباد الله الحج رحلة عظيمة غالية يستمطر الحاج فيها رحمة الله وعفوه وغفرانه رحلة للطاعة وقصد للمنعم المتفضل وزيارة للبيت العتيق إنه سفر لمغفرة الذنوب وحط الأوزار (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنبه كيوم ولدته أمه). الحج تجديد للعهد وخضوع بين يدي الله وانطراح لعلام الغيوب وغسل للقلوب من أدران الهوى والحقد والحسد والكراهية. الحج فراق للديار وترك للأهل وبعد عن الأحبة. الحج طرح للزينة وتذكير بالدار الآخرة فيه يتساوى الأمير والمأمور والغني والفقير. الحج إعلان للمساواة وتوحيد للباس ودوران حول البيت على هيئة واحدة متناسقة. الحج رجم للباطل وقذف للضلال ومنازلة للشيطان فما رؤي أصغر منه ولا أذل في يوم عرفة. الحج تضامن مع الأنبياء واقتداء بأبينا إبراهيم واتباع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. في الحج يتجلى التوحيد الخالص لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك لا وسائط ولا مظاهر بل اتصال بالحي القيوم من له الملك صاحب الخزائن التي لا تنفد [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ] عباد الله الكعبة المشرفة مركز للهداية والإرشاد ومشعل للإشعاع والنور والغذاء العاطفي لكل مسلم تقام حولها المناسك وتتحرك حولها المشاعر ويتجمع المحبون صوب وحدب وهذه ضريبة الحب الخالص. يأتي إليه أعظم الزعماء وأجل العلماء وأغنى التجار وأشجع الناس وأزهد الخلق وأعبدهم الكل يأتي إليه طائعاً مختاراً من غير سوق من أحد بل هدف الجميع رضا الرحمن والاستجابة لنداء إبراهيم عليه الصلاة والسلام. تتحطم العصبيات وتذوب الفوارق وتتقازم الشعارات ويبقى شعار التوحيد معلنا لبيك اللهم لبيك كلهم يذبحون الهوى وينحرون الرذيلة ويلثمون الحجر ويصلون خلف المقام ويسعون بين الصفا والمروة فلله درهم لو رأيتهم وهم يتنقلون من موقع إلى موقع يحدوهم الشوق وتضللهم السكينة ويدفعهم الإخلاص فسلام على حجاج بيت الله الحرام وهم يحطمون الركاب عند البيت الطهور يسكبون العبرات ويسألون رب البريات ويتابعون بين الأشواط سلام عليهم وهم يقفون في صعيد عرفات يسألون الله مغفرة الذنوب وستر العيوب وحط الأوزار سلام عليهم وهم يرتدون ثياب الأكفان والقلوب وجلة والدموع نازلة والرؤس حاسرة والجوارح تتعبد لله الواحد القهار سلام عليهم وهم يذبحون قرابينهم لأنهم يعلمون أن أفضل الحج العج والثج سلام عليهم وهم ينصرفون إلى المزدلفة ليبقوا ليلة هادئة خالصة لعبادة الله سلام عليهم وهم يتعبدون برجم الحصى وحلق الرؤس فلله كم طعنوا إبليس بخناجر الطاعة وقتلوا المعصية بسهام الطاعة ذلت جباههم للعزيز الجبار فارتفعت أقدارهم وعظمت أجورهم فبادر يا عبد الله لأداء ما افترض الله عليك فلا تدري أتبقى بعد هذا العام أمن يقف النفس ويفجأك هادم اللذات ومفرق الجماعات فكم ودعنا من شباب لم يحجوا ومن نساء لم يزرن البيت العتيق وصدق الله العظيم[وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ] اللهم تقبل من الحجاج حجهم وطوافهم وسعيهم وهديهم اللهم وفقهم لأداء حجهم بكل أمن وطمأنينة وأعدهم إلى بلادهم سالمين غانمين قد غفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم وقبلت دعواتهم يا أرحم الراحمين وأكثروا يا عباد الله في هذه العشر من العمل الصالح والاستغفار لعله الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية:
الحمد لله وفق من شاء للحج المبرور والسعي المشكور وأشهد أن لا إله إلا الله أوجب الحج على المستطيع مرة في العمر وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله القائل في سنته (خذوا عني مناسككم) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أمــا بــعــد: فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الأضحية مما اختصت به هذه العشر المباركات فأحيوا هذه السنة اقتداء بأبيكم إبراهيم واتباعاً لنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم. 1ـ واحرصوا على الطيب منها السالم من العيوب. 2ـ ونفذوا الوصايا من أموال الموصين واعلموا أنه لا ينبغي للمسلم أن يتبرع للميت ويترك تنفيذ وصيته مادام أن له مالاً يمكن تنفيذ وصيته. 3ـ الاشتراك في الأضحية جائز إذا كان في ثوابها وأجرها بأن يضحي شخص عن نفسه وأهل بيته ويشرك من شاء من حي وميت أما الاشتراك في الملك فلا يجوز إلا إذا كان المضحى عنه واحداً. 4ـ لا تنقل أضاحي الوصايا وكذا أضحية الشخص عن نفسه وأهل بيته أما الأضاحي المتبرع بها فلا حرج في نقلها إلى بلاد المسلمين. 5ـ تجزئ أضحية واحدة الأب وجميع أولاده المتزوجين ماداموا تحت يده أو يجلسون عنده وقت الأضحية. 6ـ ينبغي أن يأكل منها ويتصدق ويهدي حسب ما يراه فالأمر في ذلك واسع. 7ـ ولا يجوز ذبحها إلا بعد صلاة العيد إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر وله أن يذبح بالليل وإن ذبحت المرأة ضحيتها فلا حرج. عباد الله ولا بد أن تتوافر وتتضافر جهودنا لحماية بلادنا والأخذ على أيدي أصحاب الأفكار المنحرفة المتأثرين بموجات التضليل والترغيب والتكفير وهنا أنبه على أمور ثلاثة: الأول: ما يحدث في بلادنا من آثار فتنة التكفير والتفجير التي راح ضحيتها أبراءُ آمنون لا ذنب لهم فلا بد من بحث الأسباب ووضع اليد على الجروح ومتابعة هذا الفكر بالحجة واللسان وكف شرهم عن المسلمين فكم روعوا من آمنين وقتلوا من أبرياء وأبكوا أباء وأمهات وأثروا على مسيرة الخير وأهله في هذا السلوك المشين فأي شيء يطلبون وبأي لسان يتكلمون وبأي عذر يقابلون ربهم يوم القيامة. الأمر الثاني: لا بد من الإيجابية في التعامل مع معطيات البلد فأماكن النزهة والحدائق والمواقع العامة التي يستفيد منها الناس كلها تشكو من إساءة البعض ممن يرتادها بتوسيخها ورمي الفضلات فيها وقلع الأشجار والإسراف في استخدام الماء وهذه الأماكن لعامة الناس وليست حكراً على أحد وينبغي لمن زارها أن يخرج منها وهي أفضل حالاً قبل أن يأتيها فالمحافظة عليها واجب يمليه الدين ويحتمه الضمير الحي وتؤكد عليه المروءة وخلق المسلم. فلا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ونحن مأمورون بالتعاون على الخير فلنحرص جميعاً على نظافة بلدنا والاستفادة من منابع الخير فيه ولنحذر من التهاون في هذا الشأن كل حسب قدرته وطاقته ومع بني جنسه شباباً ورجالاً ونساءً ولا سيما ونحن نبدأ الإجازة التي يكثر فيها ارتياد هذه الأماكن. الأمر الثالث: استشكل بعض الناس مسألة رؤية الهـــــلال ليلة الأربعاء وقد سئلت عن هذا الأمر كثيراً كيف نرى الهـــــلال واضحاً ليلة الأربعاء ويكون يوم الأربعاء أول الشهر وأنا أقول لهؤلاء إن الهـــــلال لم يرى ليلة الثلاثاء لوجود الغيم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً فما دام لم يرى فلا إشكال في ذلك حتى لو كان القمر كبيراً الليلة الثانية لأن الحكم الشرعي منوط بالرؤية ولا يلتفت لغيرها علماً أن أهل الفلك جزموا أنه لا يولد ليلة الثلاثاء وعلى كل حال فما صدر من مجلس القضاء الأعلى هو المتفق مع نصوص الشريعة في رؤية الهـــــــلال ولا ينبغي التشويش على الناس ونحمد الله أن هذا البلد المبارك يعمل بالرؤية المجردة وهذه ميزة لهذه البلاد لا يشاركها فيها غيرها من بلاد المسلمين. هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] اللهم صلي وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
||