السؤال رقم:(4447) سؤال حول مشروعية الواسطة والوسيلة وضابطها عند أهل السنة والجماعة؟
نص الفتوى : فضيلة الشيخ . نفع الله بعلمك ورفع به قدرك في الدنيا والأخرة أرجو التكرم بإفادتنا في هذا الأمر وهو:
س1: هل الواسطة والوسيلة والتوسل موجود في منهج أهل السنة والجماعة؟ وما ضابطه؟
س2: هل هناك ما يسمى بالتوسل المشروع والتوسل الغير مشروع (الشركي) ؟
س3: أحد العلماء بإحدى الجامعات في محاضرة له يقول: من يسمون أنفسهم بالسلفية زورًا ينكرون الواسطة ويستدلون بمفهوم خاطئ لقول الله تعالى ” وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ” بأن الله حذف (قل) كما في غيرها من الآيات للدلالة على عدم وجود الواسطة وهذا فهم خاطئ لأن لغويًا المعنى لا يستقيم ولابد من وجود قل فهي محذوفة اللفظ مقدرة المعنى.
ويستدل على وجود الواسطة ببعض الآيات القرآنية كقوله تعالى ” وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ” وقوله تعالى ” قل يتوفاكم ملك الموت ” وقوله تعالى ” لأهب لك غلامًا زكيا”
فكل هذه الأفعال (الهداية والوفاة والحمل للسيدة مريم) تمت بواسطة.
وأخيرًا ينقل كلام لشيخ الإسلام -رحمه الله -في رسالته “قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ” ما نصه ” هناك فرف في سؤال غير الله وسؤال الله بأحد من خلقه، فإن التوسل ليس سؤال غير الله وإنما سؤال الله بأحد من خلقه ” وهذا مشروع ؟
أعتذر عن الإطالة. وأرجوا التوضيح. بارك الله فيكم.
الرد على الفتوى
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فأولاً: أما سؤالك هل الواسطة والوسيلة والتوسل موجود في منهج أهل السنة والجماعة؟ وما ضابطه؟
الجواب: أهل السنة يثبتون ما ذكرت من (الواسطة والوسيلة والتوسل) ولكنها بمعان مغايرة تماما لما عليه أهل البدع من المتصوفة والقبوريين الذين يثبتونها بمعان شركية.
فالواسطة عند أهل السنة تنقسم إلى قسمين واسطة مشروعة وواسطة بدعية، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم واسطة بين الله وخلقه في تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده وتحليله وتحريمه وسائر ما يبلغونه من كلامه.
والأنبياء وغيرهم من المخلوقين لا يستحقون ما يستحقه الله تبارك وتعالى من خصائص، فلا يشرك بهم ولا يتوكل عليهم، ولا يستغاث بهم كما يستغاث بالله، ولا يقسم على الله بهم، ولا يتوسل بذواتهم.
أما الواسطة في مفهوم المبتدعة فتعني اتخاذ واسطة بين الله تعالى وبين خلقه في قضاء حوائج العباد الدنيوية والأخروية لجلب نفع أو دفع ضر مما لا يقدر عليه إلا الله مثل أن يسألهم غفران الذنوب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات ونحو ذلك وهذا النوع من الواسطة باطل مناقض للتوحيد وفيها تشبيه الخالق بالمخلوق بقياسه على العظماء وغيرهم ممن يتوسط إليهم المقربون منهم لقضاء حوائج رعيتهم، وهذا كفر بإجماع المسلمين.
فلا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين ويجعله واسطة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى مثل أن يقول: يا سيدي فلانا أغثني وانصرني وادفع عني وأنا في حسبك، ونحو ذلك، بل كل هذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وتحريمه مما يعلم بالاضطرار في دين الإسلام.
والتوسل إلى الله تعالى هو نوع من الواسطة ومنه ما هو مشروع ومنه ما هو ممنوع كما سبق في الكلام على الواسطة
والتوسل المشروع هو التقرب إلى الله تعالى بما يحبه ويرضاه من العبادات الواجبة أو المستحبة سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً أو اعتقادات كالتوسل بأسماء الله وصفاته، قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) فيقدّم العبد بين يدي دعاء الله تعالى الاسم المناسب لمطلوبه كتقديم اسم الرحمن حال طلب الرحمة، والغفور حال طلب المغفرة، ونحو ذلك .
ومن ذلك أيضاً التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وتوحيده، قال تعالى: (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين).وكذلك التوسل بالأعمال الصالحة بأن يسأل العبد ربه بأزكى أعماله عنده وأرجاها لديه كالصلاة والصيام وقراءة القرآن ، والعفّة عن المحرّم ونحو ذلك ، دليل ذلك ما جاء في الصحيحين في قصة الثلاثة نفر الذين دخلوا الغار ، وانطبقت عليهم الصخرة ، فسألوا الله بأرجى أعمالهم ، ومن التوسل المشروع أيضاً أن يتوسّل العبد بفقره إلى الله كما قال الله تعالى عن نبيه أيوب عليه السلام : ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) أو بظلم العبد نفسه ، وحاجته إلى الله كما قال تعالى عن نبيه يونس عليه السلام : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) .
وهذا التوسل المشروع يختلف حكمه من نوع إلى آخر، فمنه ما هو واجب كالتوسل بالأسماء والصفات والتوحيد، ومنه ما هو مستحب كالتوسل بسائر الأعمال الصالحة.
أما التوسل البدعي الممنوع : فهو التقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه ولا يرضاه من الأقوال والأفعال والاعتقادات ، ومن ذلك : التوسل إلى الله بدعاء الموتى أو الغائبين والاستغاثة بهم ونحو ذلك ، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة مناف للتوحيد ، فدعاء الله تعالى سواء كان دعاء مسألة كطلب النفع أو دفع الضر ، أو دعاء عبادة كالذل والانكسار بين يديه سبحانه لا يجوز أن يُتوجه به لغير الله ، وصرفه لغيره شرك في الدعاء قال تعالى : ( ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) . وقال سبحانه : ( ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) فجعل الله تعالى من دعا غيره معه متخذاً إلها من دونه ، وقال سبحانه : ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) فبين الله تعالى في هذه الآية أنه هو المستحق للدعاء لأنه المالك المتصرف لا غيره ، وأن تلك المعبودات لا تسمع الدعاء ، فضلاً عن إجابتها للداعي ، ولو قُدِّر أنها سمعت لما استجابت ، لأنها لا تملك نفعا ولا ضرا ، ولا تقدر على شيء من ذلك .
وإنما كفر مشركوا العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم لدعوتهم بسبب هذا الشرك في الدعاء إذ كانوا يدعون الله تعالى مخلصين له الدين في حال الشدة ، ثم يكفرون به في الرخاء والنعمة بدعوة غيره معه سبحانه قال تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) وقال : ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ) . وشرك بعض الناس اليوم قد زاد على شرك السابقين، وذلك لأنهم يصرفون أنواعاً من العبادة لغير الله كالدعاء والاستغاثة حتى في وقت الشدة ولا حول ولا قوة إلا بالله ، نسأل الله السلامة والعافية
ثانياً: ما ذكره المحاضر واستدلاه بالآيات على ثبوت الواسطة بين الله تعالى وخلقه استدلال باطل فلم يفهم أحد من أهل التفسير من خلال هذه الآيات المذكورة الدعوة إلى الشرك بالله تعالى في باب قضاء الحاجات بل هذه الآيات تأمر بإخلاص العبادة لله وحده فقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186)
قوله تعالى: {وإذا سألك}؛ الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ والمراد بقوله تعالى: {عبادي}: المؤمنون؛ وقوله تعالى: {عني} أي عن قربي، وإجابتي بدليل الجواب: وهو قوله تعالى: {فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان }.
وقوله تعالى: {فإني قريب}: بعضهم قال: إنه على تقدير (قل) أي إذا سألك عبادي عني فقل: إني قريب؛ فيكون جواب { إذا } محذوفاً؛ و{ إني قريب } مقول القول المحذوف؛ ويحتمل أن يكون الجواب جملة: { فإني قريب } لوضوح المعنى بدون تقدير؛ والضمير في قوله تعالى: { فإني قريب } يعود إلى الله.
قال الطبري في تفسيره قوله تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) يعني تعالى ذكره بذلك وإذا سألك يا محمد عبادي عني أين أنا فإني قريب منهم أسمع دعاءهم وأجيب دعوة الداعي منهم .
وقال ابن كثير في تفسير الآية: (إذا أمرتهم ان يدعوني فدعوني استجبت) ، وقد روي : أن الصحابة قالوا يا رسول الله : ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله هذه الآية . وفي الصحيح أنهم كانوا في سفر وكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ” { يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا بل تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته }
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (قد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأحكام أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجابتهم كما قال تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [ البقرة : 189 ] ، {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [ البقرة 219 ] ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [ البقرة : 217 ] إلى غير ذلك من مسائلهم .فلما سألوه عنه سبحانه وتعالى قال : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [ البقرة 186 ] ، فلم يقل سبحانه : ” فقل ” بل قال : تعالى : {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} .فهو قريب من عباده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لما كانوا يرفعون أصواتهم بالذكر والدعاء، فقال : ” أيها الناس، ارْبِعُوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعا قريبا، إن الذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)
ثالثا: أما استدلاله على وجود الواسطة ببعض الآيات القرآنية كقوله تعالى ” وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ” وقوله تعالى ” قل يتوفاكم ملك الموت ” وقوله تعالى ” لأهب لك غلامًا زكيا”
فليس في هذه الآيات ما يستدل به القائل عل الواسطة بل لم يفهم من هذه الآيات ما فهمه المستدل على الواسطة فقوله تعالى لنبيه (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) المراد بالهداية هنا هداية البيان والإرشاد وإلا فالنبي – صلى الله عليه وسلم -لا يستطيع أن يهدي أحد هداية التوفيق والإلهام كما قال تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) فلا أدري من أين استدل بهذه الآية
وقوله تعالى:( قل يتوفاكم ملك الموت) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله: (يتوفاكم ملك الموت)، يقول: يستوفي عددكم بقبض أرواحكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم.
وقوله تعالى (لأهب لك غلامًا زكيا) لا أدري من أين استدل بها على جواز الواسطة بين الله وبين الخلق وعموماً فقائلوا هذه المقالات في الحقيقة إنما يرجعون إلى هواهم، وإلى تفسير القرآن باطنياً غير مستندين إلى المعاني التي ذكرها العلماء من أهل الحق لمعاني تلك النصوص.
رابعاً: أما ادعاؤه بأن شيخ الإسلام يجيز الواسطة بين الله وبين خلقه أقول سبحانك هذا بهتان عظيم فمن أين جاء بهذه الفرية فهذه من أعظم الفريات عليه رحمه الله فقد كان رحمه الله من أشد العلماء محاربة لذلك ومن أوضح الأدلة على ذلك أنه سئل : عن رجلين تناظرا، فقال أحدهما: لابد لنا من واسطة بيننا وبين اللّه، فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك.فأجاب على ذلك بإجابة من أروع ما قرأت في هذا الأمر وأحيل المستفتي على فتواه في مجموع الفتاوى(ج1 ض 121) فسيرى بعين البصيرة مذهب شيخ الإسلام قي ذلك، ونفي ما ادعاه القائل عليه ما لم يقله رحمه الله.
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.