السؤال رقم (2008): ما حكم الرواية عن المبتدعة في هذه الأزمان مع وجود الغنية في أهل السنة؟ بتاريخ 21/ 8 / 1440هـ
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فأولا: الابتداع في الدين سواء في الاعتقادات أو في العبادات من أخطر الأمور، لأنه يؤدي إلى ضياع السنة وموتها، وما أحدث الناس بدعة، إلا ضيعوا من السنة ما هو خير منها، فإن مسلك الابتداع مؤداه: أن هناك طريقا يوصل إلى مرضات الله، غير الطريق الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.
ولأجل ما في ذلك من الخطر، أمر العلماء بهجر المبتدع، وهذا الهجر لمصلحة المبتدع ولمصلحة المجتمع المسلم، فالمبتدع قد يرتدع بالهجر فيترك بدعته، والمجتمع يعلم بذلك مدى خطر هذا المبتدع فلا يغتر به.
ثانيا: الرواية عن المبتدع وأخذ العلم عنه: إما أن يكون في الأمور التي تدخل في نطاق بدعته أو لا؟
فإن كان العلم الذي ستأخذه منه مما تلحقه بدعته، ويظهر أثرها فيه: ففي هذه الحالة لا شك في النهي عن الأخذ عنه، لأن في أخذ العلم عنه تحقيقا لمفسدتين، مفسدة مخالطة المبتدع وتوقيره، ومفسدة تعريض النفس للشبهات وأخذ العلم الذي يختلط فيه الحق بالباطل.
وربما يستثنى من ذلك: من كان له أداة كاملة، في تمييز مواقع هذه البدعة، وغلب على ظنه السلامة من تأثير المأخوذ عنه، واحتاج إلى شيء من الأخذ عنه لأجل دراسة، أو معرفة ما عند القوم، أو نحو ذلك، فأرجو ألا يكون على مثل ذلك حرج في الأخذ عن هؤلاء، وإن كان الظاهر أن يقيد ذلك بمن لم تكن بدعته مغلظة، مع أن الاحتياط: الترك مطلقا.
أما إذا كان العلم الذي ستأخذه منه من العلوم التي لا تدخلها بدعته، كعلم النحو واللغة وتجويد القرآن الكريم، بل وغالب الفقه ـ كذلك، فهنا تعارضت مفسدة مخالطة المبتدع، مع مصلحة العلم النافع، ففي هذه الحالة يرجح بينهما، وينظر أيهما أقل مفسدة: أخذ العلم عنه، أو تركه؟
فإذا كانت هناك حاجة ماسّة لعلمه، ولا يوجد غيره، وأمنت فتنته: ففي هذه الحالة يجوز الأخذ عنه.
أما إذا كان العلم المراد تعلمه ليس هناك حاجة شديدة إليه، أو كان يوجد غير هذا المبتدع يمكن التعلم على يديه، أو كانت فتنة بدعته أشد من فوات علمه، ففي هذه الحالة ينهى عن الأخذ عن هذا المبتدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد، ولا انتهاء أحد، بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها: لم تكن هجرة مأمورا بها، كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية [أي: لم يكونوا يستطيعون أن يظهروا العداوة للجهمية].
فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة، وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف، ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي.
وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة [أي: بدعة نقي القدر]، فلو ترك رواية الحديث عنهم، لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم.
فإذا تعذر إقامة الواجبات، من العلم والجهاد وغير ذلك، إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب كان تحصيل مصلحة الواجب، مع مفسدة مرجوحة معه: خيرا من العكس.
ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل ” انتهى. ” مجموع الفتاوى ” (28 / 212)
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.