السؤال رقم (6009) إذا وُجد في التوراة أو الإنجيل ما وافق القرآن، فهل يجب أن نؤمن أنه من كلام الله الذي لم يُحرف؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
فقد تحدث القرآن الكريم في العديد من المواضع عن التوراة والإنجيل، فهما من وحي الله عز وجل لاثنين من أولي العزم من الرسل ، وكانا كتاب نور وهداية للبشرية في زمانهما ، والقرآن الكريم نفسه جاء مصدقا لهما ، ومؤمنا بهما ، ومهيمنا عليهما ، كما قال سبحانه : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ . مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) آل عمران/3-4. وقال عز وجل: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة/48
ويبقى التساؤل عن موقف القرآن الكريم من النسخ التي بين يدي اليهود والنصارى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، إن كانت هي النسخ الحقيقية المشتملة على كلام الله عز وجل، أم إنها تغيرت وتبدلت . ويمكن أن نلخص مجموع ما جاء في القرآن بالآتي:
- تشتمل نسخ التوراة والإنجيل على شيء من الحق، الذي وصفته الآيات الكريمة بأنه (حكم الله)، ودعا القرآن الكريم اليهود والنصارى إلى إقامة هذا الحق واتباعه ، وجعله حجة عليهم في باطلهم.
- في هذين الكتابين كلام من كلام البشر، نُسب إلى الله كذبا وزورا.
- وقع في هذين الكتابين نقص ظاهر عن الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم السلام، وذلك بسبب كتمان بعض الأحبار والرهبان شيئا مما استحفظهم الله عليه.
-4 تضمن تحريف الكتب السابقة أمرين : التحريف اللفظي ، بزيادة أو نقصان عما كان فيه ، والتحريف المعنوي ، بصرف الحق الباقي في هذه الكتب بلفظه ، إلى معاني باطلة ، تناقض ما أراده الله لعباده ، ومنهم .
وبناء على ذلك كله :
فإذا احتج محتج بأن في القرآن آيات تدل على صحة ما في التوراة والإنجيل ، فإننا لا نحتاج إلى الرد على كذبه وزعمه إلى أن نقول : إن كل كلمة في هذين الكتابين: هي باطلة في نفسها ، لم ينزل الله بها سلطانا ؛ بل كل ما نحتاج إليه أن ندله على باقي الآيات التي تكتمل بها الصورة ؛ فمتى تمسكت وصدقت بالآيات التي تقرر وجود الحق فيها ، فاضمم إليها الآيات الأخرى التي تذكر تحريفهم لكتبهم ، وكتمانهم لما فيها من الحق ، وزيادتهم أشياء فيها ، كتبوها بأيديهم ، ثم نسبوها إلى الله كذبا ، وزورا .
فأما المؤمن: فهو مؤمن بكل ما قال الله في كتابه.
وأما المبطل: فمتى كذب بشيء منه، لم يحق له أن يحتج بغيره ، ولهذا أنبهم الله على مثل ذلك ، فقال : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة/85
وإلا فليأتونا بآية واحدة: تمدح وتزكي (كل ) ما بقي في أيدي الناس من هذه الكتب ، وتنفي عنه التحريف والكتمان.
ولن نطالبهم بعد ذلك بدليل على أن هذه الكتب لم يدخل فيها تغيير عما كان عليه الحال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن من ادعى أن القرآن زكاها، يقال له: إنما زكى ما كان منها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأين الدليل على أنها باقية على ما كان عليه الحال في ذلك العهد ، وهذا ما لا يمكنهم أن يقيموا دليلا عليه ، بل كثير من الدراسات النقدية للكتاب المقدس عندهم في الغرب ، تثبت عكس ذلك تماما .
وعليه فلا حاجة لهذا السؤال .هل يجب أن نؤمن بما في التوراة أو الإنجيل ما وافق القرآن أنه من كلام الله الذي لم يُحرف؟
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.