جماعة التبليغ والدعوة ( الأحباب ) – خطبة الجمعة 6-5-1443هـ
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذ باللهِ منْ شرورِ أنفسنَا ومنْ سيئاتِ أعمالنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقوا اللهَ أيها المؤمنونَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].
أيُّها المؤمنونَ، اعلموا أَنَّ مِنْ أعظمِ ما دعا إليه دينُنا الحنيفُ الاستقامةَ على صراطِ اللهِ المستقيمِ، والتمسُّكَ بهديِ النبيِّ الكريمِ ﷺ ، وعدمَ مخالفتِهما، قال اللهُ تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}[الأنعام:153]، وبيّن ربنا جلَّ وعلا في كتابِه هذا الصراطَ، وأوضحَ معالمَه، وأَمرَ باتِّباعِه، ونهى عن مخالفتِه ومفارقتِه، قال تعالى:{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين}[الفاتحة:6، 7]، وأَمَرَ سبحانَه عبادَه بالاعتصامِ بجماعةِ المسلمينَ وإمامِهم.
عبادَ اللهِ: جاءتْ النصوصُ الشرعيةُ دالةً على خطورةِ التفَرّقِ باسمِ الدينِ، والتحذيرِ منه، والنهيِ عن التحزُّبِ وإقامةِ الجماعاتِ، وتسميتِها بما ليس فيها، والدعوةِ إلى اتِّباعِها، والسيرِ على منهجِها ولو خالفتْ المنهجَ الحقَّ، قال ﷺ:(مَنْ فارقَ الجماعةَ قَيْدَ شِبرٍ فَقَدْ خلَعَ رِبقةَ الإسلامِ من عُنُقِهِ) رواه أبو داود (4758)، وأحمد (21561) باختلاف يسير، وابن أبي عاصم في «السنة» (892) واللفظ له، وصححه الألباني في تخريج كتاب السنة (892)، وقال ﷺ: (ثلاثٌ لا يَغلُّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العملِ للهِ ومناصحةُ أئمةِ المسلمينَ ولزومُ جماعتِهم فإنَّ الدعوةَ تحيطُ مِنْ ورائِهم)(رواه الترمذي (2658)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2658).
أيُّها المؤمنونَ: ومِنْ تلكَ الجماعاتِ التي حذَّر منها أهلُ العلمِ وَظَهرَ أثرُها في بلادِنا جماعةُ التبليغِ والدعوةِ والتي يَتسمّى أصحابُها (بالأحبابِ)، وهذه الجماعةُ لها تنظيمٌ معروفٌ على مستوى العالمِ، وخاصةً في الهندِ وباكستانَ وغيرهِما، وقد خَالفتْ كثيرًا من أمورِ الدِّينِ، ومن ذلكَ عدمُ اهتمامِها بالدعوةِ إلى التَّوحيدِ الخالصِ، وسكوتُها عن بعضِ الشِّركياتِ، ومفارقتُها لجماعةِ المسلمينَ، واعتمادُها على بعضِ الأفرادِ مِمَّن يَغْلبُ عليهم الجهلُ بالعقيدةِ الصحيحةِ، والسُّنةِ النبويةِ الواضحةِ في الدعوةِ إلى اللهِ، وذكرُهم للخرُافاتِ والقصصِ الكاذبةِ، وولاءُ أتباعِها لأمرائِهم دون غيرهِم، والسمعُ والطاعةُ لهم في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، ولو كان قولُهم أو فعلُهم مخالفًا للكتابِ والسنةِ.
وقد صَدَرتْ عدةُ فتاوى في بلادِنا من علمائِنا الأجلاءِ في حقِّ هذهِ الجماعةِ، منهم سماحةُ مفتي المملكةِ في زمانِه الشيخُ محمدُ بنُ إبراهيمَ آل الشيخِ رحمهُ اللهُ ذَكَرَ فيهَا: (أنَّ هذهِ الجمعيةَ لا خيرَ فيها؛ فإنَّها جمعيةُ بدعةٍ وضلالةٍ وبقراءةِ الكُتيِّباتِ المرفقةِ بخطابِهم وجدنَاهَا تشتملُ على الضلالِ والبدعةِ والدعوةِ إلى عبادةِ القبورِ والشِّركِ، الأمرُ الذي لا يسعُ السكوتَ عنه) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/267، 268).
وكذلك ممَّنْ تكلَّم فيهم سماحةُ الشيخِ بنِ بازِ رحمهُ اللهُ حيثُ قالَ: (جماعةُ التبليغِ المعروفةِ الهنديةِ عنْدهمْ خُرافاتٌ، عندهمْ بعضُ البدعِ والشِّركياتِ، فلا يجوزُ الخروجُ معهم، إلا إنسانٌ عندَه علمٌ يخرجُ لينكِرَ عليهمْ ويعلِّمهم..) (شريط بعنوان ـ القول البليغ في ذم جماعة التبليغ). وعندما سُئلَ عن حكمِ الخروجِ مع هذِه الجماعةِ، قالَ رحمهُ اللهُ: (جماعةُ التبليغِ ليسَ عندَهمْ بصيرةٌ في مسائلِ العقيدةِ، فلا يجوزُ الخروجُ معهم) (مجلة الدعوة ـ العدد: 1437 ـ بتاريخ: 3/11/1414هـ).
وقال رحمه اللهُ في موضعٍ آخرَ: (أمَّا الانتماءُ إلى الأحزابِ فالواجبُ تركهَا، وأنْ ينتمِي الجميعُ إلى كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِه ﷺ ، فمَا وافقهمَا فهوَ المقبولُ، وما خَالفهمَا وجبَ تركُه، ولا فرقَ في ذلكَ بينَ جماعةِ الإخوانِ، أو أنصارِ السنَّةِ، أو جماعةُ التبليغِ أو غيرهِم منْ الأحزابِ المنتسبةِ للإسلامِ، وبذلكَ تجتمعُ الكلمة، ويكونَ الجميعُ حزبًا واحدًا يرسمُ خطَى أهلِ السنَّةِ والجماعةِ)اهـ.
وقال شيخُنا الشيخُ صالحُ الفوزان حفظهُ اللهُ: (جماعةُ التبليغِ الذين اغترَّ بهم كثيرٌ منْ الناسِ اليومَ نظرًا لما يظهرُ منهمْ منْ التعبِّدِ وتتويبِ العصاةِ كما يقولونَ، وشدِّةِ تأثيرهِم على مَنْ يصحبُهم، ولكنْ هُمْ يُخرجونَ العصاةَ منْ المعصيةِ إلى البدعةِ، والبدعةُ شرٌّ منْ المعصيةِ، والعاصي من أهلِ السَّنةِ خيرٌ منْ العابدِ منْ أهلِ البدعِ، فليُنتَبهْ لذلكَ…)، وقالَ: (والبدعُ التي عندَ جماعةِ التبليغِ قدْ ذَكَرَهَا منْ صَحِبَهم ثُمَّ تابَ مِنْ مصاحبتِهم، وأُلَّفتْ كتبٌ كثيرةٌ في التحذيرِ منهمْ وبيانِ بدعِهم) من كتابه (إتحاف القاري بالتعليقات على شرح السنة للإمام البربهاري (2/231،232).
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِين* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون}[الروم:31، 32].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالميَن، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الكريمِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ الخيرَ في اتباعِ منهجِ أهلِ السنةِ والجماعةِ، وتركِ هذهِ الجماعاتِ مهما كانتْ مُسمَّياتُها، ومهما زيَّنها أصحابُها. ومِمِّن حذَّرَ مِنْ هذهِ الجماعةِ الشيخُ حمودُ التويجري حيثُ قال رحمه الله:(إنِّي أنصحُ السائلَ وأنصحُ غيرَه مِنَ الذين يَحرصونَ على سلامةِ دينهِم من أدناسِ الشِّركِ والغُلوِّ والبدعِ والخرافاتِ أن لا ينضمُّوا إلى التبليغيينَ ولا يخرجُوا معهمْ أبداً وسواءٌ كانَ ذلكَ في البلادِ السُّعوديةِ أو في خارجِهَا، لأنَّ هؤلاءِ أهونُ ما يقالُ في التبليغيينَ أنَّهم أهلُ بدعةٍ وضلالةٍ وجهالةٍ في عقائدِهم وفي سلوكِهم ومنْ كانُوا بهذهِ الصِّفةِ الذَّميمةِ فلا شكَّ أنَّ السَّلامةَ في مجانبتهِم والبعدِ عنهم)(من كتابه القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ، ص30).
عبادَ اللهِ: ومن مخالفاتِ وأخطاءِ هذهِ الجماعةِ ما يلي:
أولاً: تركُها لعقيدةِ التوحيدِ الصافيةِ.
ثانيًا: وقوعُها في كثيرٍ من البدعِ.
ثالثًا: ضعفُ العلمِ الشَّرعيِّ لدى أتباعِهَا.
رابعًا: أنَّ أغلبَ المنتسبينَ لهَا جهلةٌ بأمرِ الشرعِ.
خامسًا: تركُهم لمجالسِ العلماءِ الربَّانيين.
سادسًا: الجرأةُ في القولِ على اللهِ بغيرِ علمٍ.
سابعًا: انتشارُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ بينهم.
ثامنًا: اعتمادُهم على كثيرٍ من القصصِ والمناماتِ.
تاسعًا: مقياسُ الصلاحِ عندَهمْ الخروجُ في سبيلِ اللهِ على طريقتِهم.
فعلى المسلمِ الذي يخافُ اللهَ تعالى، ويَرجو النجاةَ يومَ القيامةِ أَنْ يحذرَ من تلكَ الجماعاتِ والأحزابِ، وأن يبتعدَ عنها، وأن يتمسَّكَ بحبلِ اللهِ، ويعتصمَ به.
ويعلمَ أنَّ كلَّ خيرٍ فيما أَمَرَنَا اللهُ به تعالى ونبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسارَ عليهِ سلفُنا من الصحابةِ والتابعينَ، وكلُّ شرٍّ فيما ابْتدَعهُ المتأخرونَ مهما لبَّسوا على الناسِ وزيَّنوا لهم الباطلَ، فتمسَّكوا يا عبادَ اللهِ بمنهجِكم القويمِ، واحذروا كلَّ مَنْ يريدُ تفرقةَ جماعةِ المسلمين، فالخيرُ كلُّ الخيرِ في لزومِ الجماعةِ وإمامِهم، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (ستَكونُ بَعدي هنَّاتٌ وَهَنَّاتٌ، فمن رأيتُموهُ فارَقَ الجماعَةَ أو يريدُ تَفريقَ أمَّةِ محمَّدٍ وَهُم جميعٌ فاقتُلوهُ، كائنًا مَن كانَ) رواه مسلم (1852).
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
الجمعة: 6/5/ 1443هـ