قضاء حوائج الناس ( فضائل وثمرات ) – خطبة الجمعة 20-5-1443هـ
قضاء حوائج الناس.. فضائل وثمرات
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، كثيرِ الجودِ والعطاءِ والكرمِ، اصطفَى مِنْ خلْقِه مَنْ يَبذلُ الخيرَ، ويَسعَى في حَاجةِ الخلقِ مَحبةً لربِّه واحتَسابًا للأجرِ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ وَحْدَه لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه خيرُ مَنْ بَذلَ وأَعْطَى، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعدُ:
فاتّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا}[الأحزاب:].
أيُّها المؤمنونَ: التعاملُ مع اللهِ نهجُ الأنبياءِ والمرسلين وخُلُقُ الصالحينَ وسبيلُ المتقينَ الصادقينَ، ومَنْ أحبَّ اللهَ جلَّ جلاله بَذَلَ مهجتَه في سبيلِ تحصيلِ مرضاتِه، وسعى إلى كلِّ عملٍ يوصلُه إلى نيلِ رحمتِه ودخولِ جنَّتِه، ومَنْ عظَّم اللهَ في قلبِه وتاجَرَ معه لم يخبْ أبدًا في الدنيا ولا في الآخرةِ.
عبادَ اللهِ: ومِنْ أجملِ الأعمالِ وأجلِّها عندَ اللهِ المسارعةُ في نَفْعِ النَّاسِ وقضاءُ حوائجِهم وتفريجُ كُربهِم وبَذْلُ الشفاعةِ الحسنةِ لهم، قال تعالى:{لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً}[النساء: 114]، وقَالَ جل وعلا:{مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا}[النساء: 85]، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ نَفعَ النَّاسِ مِن أَعظَمِ الأَعمَالِ وَالقُرُبَاتِ، فقال عليه الصلاة والسلام:(مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(رواه البخاري (2442) ومسلم (2580)، وقال ﷺ:(مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) رواه مسلم (2199)، وعن أَبِي مُوسَى رضي اللهُ عنه قَالَ:(كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ مَا شَاءَ) رواه البخاري (1432)، وقال ﷺ: (مَن كانَ معهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ به على مَن لا ظَهْرَ له، وَمَن كانَ له فَضْلٌ مِن زادٍ، فَلْيَعُدْ به على مَن لا زادَ له. قالَ: فَذَكَرَ مِن أَصْنافِ المالِ ما ذَكَرَ حتّى رَأَيْنا أنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنّا في فَضْلٍ) رواه مسلم (1728)، وفي هذهِ الآياتِ والأحاديثِ الحثُّ على الصدقةِ، والجودِ، والمواساةِ، والإحسانِ إلى المسلمينَ والاعتناءُ بمصالِحهم.
قال ابنُ القيِّم رحمه اللهُ: (وقد دلَّ العقلُ والنقلُ والفطرةُ وتجاربُ الأممِ على اختلافِ أجناسِها ومللِها ونحلِها على أنَّ التقرّبَ إلى ربِّ العالمين، والبرَّ والإحسانَ إلى خلقِه من أعظمِ الأسبابِ الجالبةِ لكلِّ خيرٍ وأضدادَها من أكبرِ الأسبابِ الجالبةِ لكلِّ شرٍّ، فما استُجلبتْ نعمُ اللهِ واستُدفِعتْ نِقمُه بمثلِ طاعتِه والإحسانِ إلى خلقِه)اهـ(الداء والدواء (1/30).
عبادَ اللهِ: أبوابُ نفعِ النَّاسِ وقضاءِ حوائجِهم كثيرةٌ، ومن ذلك سدُّ حاجاتِ المعوزينَ والفقراءِ والمساكينَ، والسعيُ على اليتامى والأراملِ، وقضاءُ ديونِ المعسرينَ، وتفريجُ كروبِ المبتلَين، وإصلاحُ ذاتِ البينِ بين المتخاصمينَ، وغيرُ ذلك من الأعمالِ كثيرٌ.
ولقد كان نبيُّنا ﷺ أكثرَ الناسِ نفعًا وقضاءً لحوائجِ المسلمينَ، فعن أنسٍ رضي اللهُ عنه أنه قَالَ:(إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ) رواه البخاري (6072)، وقال جابرٌ رضي الله عنه: (ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ ﷺ شيئًا قَطُّ فَقالَ لا) رواه البخاري (6034)، ومسلم (2311)، وقال ﷺ:(صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ) رواه الطبراني (٨/٣١٢) (٨٠١٤)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3797).
وهكذا كان صحابتُه الكرامُ رضي اللهُ عنهم والتابعون لهم بإحسانٍ كانوا أحرصَ ما يكونونَ على خدمةِ المسلمينَ والسعيِ في قضاءِ حوائجِهم، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: (ثَلَاثَةٌ لَا أُكَافِئُهُمْ: رَجُلٌ بَدَأَنِي بِالسَّلَامِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ لِي فِي المَجلِسِ، وَرَجُلٌ اغبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي المَشيِ إِلَيَّ إِرَادَةَ التَّسلِيمِ عَلَيَّ، فَأَمَّا الرَّابِعُ فَلَا يُكَافِئُهُ عَنَّي إِلَّا اللهُ، قِيلَ: وَمَن هُوَ؟ قَالَ: رَجُلٌ نَزَلَ بِهِ أَمرٌ فَبَاتَ لَيلَتَهُ يُفَكِّرُ بِمَن يُنزِلُهُ ثُمَّ رَآنِي أَهلًا لِحَاجَتِهِ فَأَنزَلَهَا بِي) رواه البيهقي في شعب الإيمان (10881).
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الحج: ].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِاللهِ، صلَّى اللهُ عليه وآلهِ وصحبِه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعدُ:
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ من ثمراتِ قضاءِ حَوائجِ المسلمينَ ما يلي:
1ـ تجاوزُ اللهِ تعالى عن العبدِ يومَ القيامةِ: قال ﷺ:(كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ النّاسَ، فإذا رَأى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ: تَجاوَزُوا عنْه، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَتَجاوَزَ عَنّا، فَتَجاوَزَ اللَّهُ عنْه) رواه البخاري (2078)، ومسلم (1562).
2ـ التيسيرُ على العبدِ وتنفيسُ كُرَبِه في الدنيا والآخرةِ: قال ﷺ:(..وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ..) رواه مسلم (2699)، وقال ﷺ:(مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم ( 2699).
3ـ إعانةُ اللهِ تعالى لعبدِه: قال ﷺ:(.. وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ..) رواه مسلم ( 2699).
4ـ يكونُ اللهُ تعالى في حاجةِ العبدِ: قال ﷺ: (..مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ..) رواه مسلم ( 2580).
4ـ دخولُ الجنةِ: قال ﷺ:(لقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النّاسَ) رواه مسلم (1914).
وقال سلمانُ رضي اللهُ عنه: (إنَّ أهلَ المعروفِ في الدنيا هم أهلُ المعروفِ في الآخرةِ، وإنَّ أوَّلَ أهلِ الجنةِ دخولاً أهلُ المعروفِ) (خرجه الألباني في صحيح الأدب المفرد (164) وقال: حديث صحيح موقوفا وصحيح لغيره مرفوعا).
5 ـ صنعُ المعروفِ يدفعُ البلاءَ: قال ﷺ:(صَنائِعُ المَعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ..) رواه الطبراني (٨٠١٤)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3797).
فيامنْ جَعَلَه اللهُ سببًا في قضاءِ حوائجِ العبادِ، احْمدِ اللهَ تعالى على هذهِ النعمةِ العظيمةِ واستمرَّ في بذلِ الخيرِ، وأبشرْ بما يَسرُّكَ في الدنيا والآخرةِ، فإنَّك لا تدري أيُّ العملِ يكونُ لك نجاةً من عذابِ اللهِ تعالى وسببًا في دخولِ الجنةِ، وتذكَّر أنَّ اللهَ جلَّ وعلا غَفَرَ للبغيِّ بشربةِ ماءٍ سَقَتْها لكلبٍ عَطِشَ، فكيفَ يكونُ جزاءُ مَنْ يقضيْ حوائجَ عبادِه.
أسألُ اللهَ تعالى أن يسخِّرنا لقضاءِ حوائجِ عبادِه، وأن يكتبَ لنا الأجورَ، وأن يجعلَنا وإيَّاكم ووالدَينا والمسلمين في جنَّاتِ النعيمِ.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى والقدوةِ المجتبى فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ وعلا:[إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: 56].
الجمعة: 20/5/1443هـ