انفراج أزمة وباء كورونا – خطبة الجمعة 8-8-1443هـ
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنَا ومنْ سيئاتِ أعمالِنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فاتّقوا اللهَ أيها المؤمنونَ حقَّ التَّقوى: فإن التقوى منجاةٌ للعبدِ من كرباتِ الدُّنيَا والآخرةِ.
عبادَ اللهِ: جَعَلَ اللهُ تعالى في كلِّ ابتلاءٍ أجرًا، وجَعَلَ في الصبرِ عليه رِفعةً وعزًّا، قال تعالى:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح: 5ـ 6]. قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: يقولُ اللهُ تعالى: (خلقتُ عسرًا واحدًا، وخلقتُ يُسرين، ولن يغلِبَ عُسرٌ يُسرينِ) تفسير القرطبي(20/107)، وقال جلَّ وعلا:{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7]، قال ابنُ كثيرٍ رحمهُ اللهُ: (هذا وعدٌ منه تعالى، ووعْدُه حقٌّ، لا يُخْلِفُه) تفسير ابن كثير (8/154).
أيُّها المؤمنونَ: إنَّ انفراجَ الأزماتِ، وزوالَ الكُرباتِ منحةٌ ومنَّةٌ من اللهِ جلَّ وعلا، ورحمةٌ يتفضّلُ بها على عبادِه بعدَ أَنْ تكدَّرَ عيشُهم وضاقتْ بهمُ السبلُ وصَعُبتْ عليهم أمورُ حياتِهم، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس:58]، فحُقَّ لكلِّ مسلمٍ أَنْ يفرحَ برحمةِ اللهِ تعالى، ويَسْتبشرَ بانفراجِ
هذهِ الأزمةِ بفضلِ اللهِ ورحمتِه.
عبادَ اللهِ: إنَّ بلادَنا ـ حَرَسَها اللهُ ـ اتّخذتْ حزمةً من القراراتِ الهامةِ والضروريةِ، المتعلقةِ بإدارة أزمةِ كورونا، وتمسَّكتْ بها أشدَّ التَّمسكِ، وَسَعَتْ من خلالِها إلى تقليلِ الأضرارِ الواقعةِ على البلادِ والعبادِ، مما كانَ لهَا الأثرُ في انفراجِها، بَعْدَ فضلِ اللهِ تعالى وإعانتِه وتوفيقِه، وقد ترتَّبَ على ذلكَ صدورُ قراراتٍ من الدولةِ حَرَسَها اللهُ، بعد ظهورِ انفراجاتٍ كبيرةٍ حيالَ هذهِ الأزمةِ ممَّا أَفْرحَ قلوبَ المؤمنينَ، في بلادِنا وفي سائرِ بقاعِ العالمِ، ولا سيِّما فيما يتعلَّقُ بالحرمينِ الشريفينِ.
عبادَ اللهِ: وحيالَ تلكَ القراراتِ التي صَدَرتْ مؤخَّرًا لي عدةُ وقفاتٍ، فأقول:
أولًا: وجوبُ شكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، على ما منّ به من انفراجِ الأزمةِ، وحلولِ الأمنِ والطمأنينة.
ثانيًا: دورُ المملكةِ في إدارةِ هذهِ الأزماتِ، وموقفُها تجاهَ مواطنِيها، وكلِّ من يُقيمُ على أراضيها، دورٌ إيجابيٌ مشرّفٌ يجبُ أن يُنْظَرَ إليه بعينِ بصيرةٍ وإنصافٍ.
فَقَدْ واجهتْ بلادُنا ـ مثلَ باقي دولِ العالمِ ـ أزمةَ وباءِ كورونَا بفضلٍ من اللهِ وبحنكةٍ عاليةٍ، وتفكيرٍ سديدٍ وموفّقٍ، وحرصٍ شديدٍ على صحةِ المواطنينَ والمقيمينَ على ثَراهَا، قدّمتْ خلالَها جهودًا جبّارةَ وموفّقةً من أَجْلِ دفعِ الضّررِ والهلاكِ عن أرواحِ العبادِ فقامتْ بتطبيقِ جميعِ الإجراءاتِ الوقائيةِ والتَّدابيرِ الاستباقيةِ والاحترازيةِ منذُ ظهورِ هذا الوباءِ، وعَمِلتْ على الحدِّ منَ انتشارِهِ، وتقليل نسبةِ الإصاباتِ به قَدْرَ المستطاعِ؛ وقامتْ بتنسيقِ الجهودِ بين كافةِ أجهزتِها تَحْتَ مِظلّةِ لجانٍ متخصصةٍ لمتابعةِ مستجداتِ هذا الوباءِ، ونَشْرِ الوعيِ الصحيِّ والبيئيِّ بينَ الأفرادِ من أجلِ سلامتهِم وسلامةِ مَنْ حولَهم، ووفَّرتْ اللقاحَ ـ بالمجَّانِ ـ لجميعِ المواطنينَ والمقيمينَ على ثراهَا، وكذا وَفرَت الرعايةَ الصحيةَ، بل تعدّى دورُها الإيجابيُّ والواضحُ خارجيًا وذلك بالوقوفِ معْ بعضِ الدولِ ماديًا ومعنويًا، ودعمِها لمنظمةِ الصحةِ العالميةِ حتى تؤدّيَ دورَها في مواجهةِ الجائحةِ العالميةِ.
فجزى اللهُ خيرًا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ، ووليَّ عهدِه وكلَّ عاملٍ في القطاعِ الصحيِّ وسائرٍ الجهاتِ الحكوميةِ المساندةِ وغيرِها، على تلكَ الجهودِ الطيبةِ والمشكورةِ التي قدّمتها بلادُنا حفاظًا على الأرواحِ من هذا الوباءِ، وكلَّ ذلكَ بتوفيقٍ من اللهِ وفضلٍ.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين* قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}[يونس:57، 58].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الذي علَّم أمتَه كلَّ خيرٍ، وحذَّرهم من كلِّ شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ، واعلموا أنَّ من الوقفاتِ أيضا ما يلي:
ثالثًا: وجوبُ الالتفافِ حولَ ولاةِ الأمرِ، والعلماءِ، والدعاءُ لهم، وحفظُ مكانتِهم، وأَثرُ ذلكَ في استقرارِ الأمنِ، ودوامِ الرخاءِ، وانفراجِ الأزماتِ، قال الإمامُ أحمدُ رحمهُ اللهُ: (وإنِّي لأرى طاعةَ أميرِ المؤمنينَ في السرِّ والعلانيةِ، وفي عُسْريِ ويُسْريِ، ومَنْشطيِ ومَكْرهيِ، وأثرةٍ عليَّ، وإنِّي لأدعو اللهَ له بالتسديدِ والتوفيقِ في الليلِ والنهارِ) البداية والنهاية (14/413).
رابعًا: مِنْ ضمنِ الإجراءاتِ الاحترازيةِ التي اتَّخذتَها المملكةُ ممثلةً في وزارةِ الشؤونِ الإسلاميةِ والمساجدِ والدعوةِ والإرشادِ، التباعدُ بينَ المصلين في الصلاةِ؛ لأنَّه يساعدُ في الوقايةِ من الإصابةِ بالعدوى، ويَحدُّ من تناقلِ وانتشارِ الوباءِ ِـ بإذنِ اللهِ ـ فجاز تَرْكُ التراصِّ لعذرٍ. والقاعدةُ عنْدَ أهلِ العلمِ أنَّ الحُكْمَ يدورُ مع علِّتهِ وجودًا وعدمًا، وأنَّ الحُكْمَ إذا ثبتْ بعلةِ؛ زالَ بزوالِها.
فكانَ تركُ التراصِّ والتباعدِ في الصلاةِ خَشْيةَ انتشارِ المرضِ عبادةً، وطاعةً لوليِّ الأمرِ، والآنَ بَعْدَ إلغاءِ التباعدِ، وَجَبَ التراصُّ والتقاربُ بين الصفوفِ، وسدِّ الفُرجِ، وكلُّ ذلكَ نَتَقرَّبْ به إلى اللهِ، فيُسنّ للإمامِ أَنْ يأمرَ المصلينَ بتسويةِ الصفوفِ؛ لقولِه ﷺ: (سَوُّوا صفوفَكم؛ فإنَّ تسويةَ الصفِّ من تمامِ الصَّلاةِ) رواه البخاري (723)، ومسلم (433)، وقولِه أيضًا ﷺ:(لَتُسونَّ صفوفَكم، أو ليُخالِفَنَّ اللهُ بينَ وجوهِكم) رواه البخاريُّ (717)، ومسلم (436).
أسألُ اللهَ دوامَ العزةِ والرفعةِ لبلادِنا خاصةً، وبلادِ المسلمينَ عامةً، وأَنْ يجزيَ خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَّ عهدِه الأمينِ، خَيْرَ الجزاءِ، وأَنْ يديمَ على بلادِنا نَعْمةَ الأمنِ، والرخاءِ، والألُفةِ، ووحْدةِ الصفِّ، واجتماعِ الكلمةِ.
هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى محمدِ بنِ عبدِ اللهِ فقد أَمَرَكم اللهُ بذلك فقال جلَّ من قائلٍ عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (الأحزاب:٥٦).
8/8/1443هـ