اجتثاث جذور الإرهاب – خطبة الجمعة 15-8-1443هـ
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذ باللهِ منْ شرورِ أنفسِنَا ومنْ سيئاتِ أعمالِنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ: فأُوصيكم أيها المؤمنون ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].
عبادَ اللهِ: من نعمِ اللهِ عزَّ وجلَّ على بلادِنا ـ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ ـ أَنْ جَعَلَها مَهْدَ الإسلامِ، ومَأْرزَ الإيمانِ، ودَوْحةَ الأمنِ، ورَمْزَ السلامِ، ومَهْبطَ الوحيِ، وقبْلةَ المسلمين، وشرّفها اللهُ بالمسجدِ الحرامِ الذي تهوي إليه أفئدةُ المؤمنينَ، وترقبُه أعينُهم، شوقًا وحبًّا، وفيها مسجدُ رسولِه الكريمِ ﷺ الذي تطمئنُّ فيه القلوبُ، وترتاحُ فيه النفوسُ، وتصفو فيه الأذهانُ، ويزدادُ فيه المؤمنونَ من الباقياتِ الصالحاتِ، وأكْرمَها اللهُ بولاةِ أمورٍ هم أحرصُ ما يكونونَ على سلامةِ الاعتقادِ، وتطبيقِ شرعِ اللهِ في كلِّ المجالاتِ، والعملِ لما فيه مصلحةُ البلادِ والعبادِ، وكذلكَ أَكْرمهَا بالعلماءِ الربانيينَ الناصحينَ، وامتنَّ عليها باجتماعِ الكلمةِ، وَوَحْدةِ الصفِّ، وطاعةِ ولاةِ الأمرِ، وصَدَقَ اللهُ العظيمُ: {لإِيلاَفِ قُرَيْش* إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف} [سورة قريش].
أيُّها المؤمنونَ: ومع هذهِ المميزاتِ، وتلكَ المكانةِ، لم تسلمْ بلادُنا من الحقدِ والحسدِ والضغينةِ، فأعداءُ الدينِ أَذْهلهمْ تماسكُ هذهِ البلادِ، واجتماعُ كلمتِها، ووحدةُ صفِّها، وأعمى أبصارَهم هذا الخيرُ المتدفِّقُ عليها ومنها، ورأوا ما عليه الناسُ من رَغَدٍ في العيشِ، وأمْنٍ في الأوطانِ والأفكارِ وطاعةِ ولاةِ الأمورِ، فسَعوا سَعيًا حثيثًا لِبثِّ الأفكارِ المسمومةِ المنحرفةِ، وتَضْليلِ الشبابِ، وتفْريقِ صفِّّهِم، وخلخلةِ بنائهِم، فأوقعوا بعضًا منهم في شباكِ حبائلِهم، وأوصلوهم إلى ترويعِ الآمنينَ، وسفكِ دماءِ المسلمينَ، والاعتداءِ على الحرماتِ، واستباحةِ الممتلكاتِ، والخروجِ على ولاةِ الأمورِ، لكنَّ بلادَنا ـ ولله الحمدُ ـ وفَّقَها اللهُ تعالى لِردْعِ هذهِ الفئةِ الباغيةِ، فَقَامَ رجالُ الأمنِ ـ سدَّدهم اللهُ ووفَّقهم وحَفِظَهم ـ بفضلِ اللهِ تعالى ـ بالتضييقِ عليها، ومتابعتِها، والتصدِّي لها بكلِّ قوةٍ وحزمٍ، فَكَبَحَ اللهُ شرَّهم، وأَضْعَفَ عدوانَهم، وفرَّقَ جمْعَهم، وألقى في قلوبِهم الخوفَ والرُّعبَ.
عبادَ اللهِ: وممَّا أَفْرحنَا وأثلجَ صدورَنا بيانُ وزارةِ الداخليةِ بتنفيذِ أحكامِ اللهِ تعالى بحقِّ واحدٍ وثمانينَ إرهابيًّا من هذهِ الفئةِ الضَّالةِ المنحرفةِ.
وحَوْلَ هذا البيانِ لي بعضُ الوقفاتِ فأقولُ:
الوقفةُ الأولى: إنَّ يدَ الظُلمِ والإثمِ والعدوانِ امتدَّت لهذهِ البلادِ، وطَعَنَتَها عن طريقِ يدِ الإرهابِ، الذي لا يتفِّقُ مع دينٍ، ولا أخلاق، ولا مع النخوةِ والمروءةِ والشهامةِ، وإنّ المؤمنَ الصادقَ ليأخذَه العجبُ من هذهِ الفئةِ الشَّاذةِ التي ضلَّتْ الطريقَ ـ لاسيَّما وقد تربَّوا على العقيدةِ الصافيةِ، ونشأوا في جوٍّ إيمانيِّ، تَحْتَ قيادةٍ حكيمةٍ، تحكمُ بالكتابِ والسنةِ، وتخدمُ الإسلامَ داخليًا وخارجيًا، وعندَهم علماءُ أجلاءُ، ـ ومع ذلك أصبحوا فريسةً لأذنابِ الفُرسِ والدواعشِ، وغيرِهم من أربابِ الفكرِ الضَّالِ، والمناهجِ والمعتقداتِ المنحرفةِ وأهلِ الولاءاتِ الخارجيةِ، فأقدموا على سفكِ الدماءِ في هذهِ البلادِ الآمنةِ؟! ألم يسمعوا قولَ اللهِ جلّ وعلا: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:93]، وقولِ النبيِّ ﷺ:(لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا) رواه البخاري (6862).
الوقفةُ الثانيةُ: إنَّ ممَّا يحزنُ القلبَ، ويَعْصرُ الفؤادَ، ويهزُّ الوجدانَ، أنَّ بعضًا من هؤلاءِ المتطرفينَ أَقْدمَ على قَتْلِ أمِّه، وشَرَعَ في قَتْلِ أبيهِ وإخوتِه، وهذا نتاجٌ طبيعيٌ لهذهِ الأفكارِ الشيطانيةِ، والمناهجِ التكفيريةِ التي تُلغي العقلَ، وتَجْعلُ الشَّخْصَ كالآلةِ، يتحرّكُ كيفَ يُؤمرْ، ولا يُفكِّرُ بالعواقبِ والنتائجِ، مهما كانتْ آثارُها.
الوقفةُ الثالثةُ: هؤلاءِ الخوارجُ هتَكوا شَرْعَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَأْمنَ المجتمعِ، ولُحْمَة الأُمَّةِ، فمَا لهم وأمثالِهم إلّا الجزاءَ الصّارِمَ وإقامةَ حدِّ اللهِ فيهم قطعًا لدابرِهِمْ، وعبرةً لكلِّ مَنْ تُسَوِّلُ لَهُ نفسُه ترويعَ المؤمنينَ واستباحةَ دمائهم.
الوقفةُ الرابعةُ: إنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ علينا في بلادِنَا تطبيقَ أحكامِ الشريعةِ الإسلاميةِ في جميعِ جوانبِ الحياةِ وتنفيذَ الحدودِ الشرعيةِ التي أَمَرَ اللهُ بها، وهذهِ الحدودُ الشرعيةُ هي أسوارٌ منيعةٌ، وعقوباتٌ زاجرةٌ لكلِّ مَنْ تسوّل لهُ نفسُهُ التعدّي على الدّينِ والنّفسِ والعرضِ والعقلِ والمالِ، وفي إقامتِهَا تنفيذٌ عمليٌ لنشرِ العدلِ بينَ النّاسِ، وهي سببٌ في دفعِ الشرورِ والفتنِ وقمعِ الباطِلِ وأهلْهِ وسدِّ بابِ الفسادِ والظُّلمِ. وقدْ أَمَرَ رسولُ اللهِ ﷺ كلَّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ المسلمينَ بإقامتِهَا وتنفيذِها وتطبيقِهَا، وعدِمِ التهاونِ أو الاستخفافِ بِهَا. كمَا جاءَ في قِصّةِ المرأةِ المخزوميةِ التي سَرَقَتْ، وفيه قولُ النَّبيِّ ﷺ:(وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) رواه البخاري (4304) ومسلم (1688)، وعنْ أبِي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (إقامةُ حدٍّ بأرضٍ خيرٌ لأهلِها من مطرٍ أربعين صباحًا) رواه النسائي (4905) باختلاف يسير، وابن حبان (4397) واللفظ له، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (١/٤٦٢): حسن لغيره.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم}[المائدة:33].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ مُحمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ الذي علَّم أمتَه كلَّ خيرٍ، وحذَّرهم من كلِّ شرٍّ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحْبِه أجمعين. أما بعدُ: فاتُّقوا اللهَ أيُّها المؤمنونَ، ومن الوقفاتِ أيضًا:
الوقفةُ الخامسةُ: الخروجُ على وليِّ الأَمرِ يُعَدُّ كبيرةً عظيمةً، وجريرةً خطيرةً، تَستَحقُّ قَتْلَ صاحِبَها ولو كانَ مُسلمًا؛ لأنَّهُ يريدُ شقّ عصَا الطاعةِ، وتَفْريقَ الجماعةِ، والإخلالَ بالأمنِ، وفي ذلكَ من المفاسدِ ما لا يُحصى، فيُقتلُ عقوبةً وتعزيرًا وردعًا لأمثالِ هؤلاءِ الخوارجِ، ودفعًا للشرِّ الأعظمِ الذي يَحصلُ ضدَّ المسلمينَ بالشرِّ الأقلِ الذي هو قتلُ هذا الخارجيِّ؛ ولما في قَتْلِ هؤلاءِ من القضاءِ على دابرِ الفتنةِ.
وإنّي أهيبُ بإخوانِي وأخواتِي، الحَذَرَ من المندسِّينَ والمُهيّجينَ وأصحابِ الفتنِ الذين يُحرّضونَ على ولاةِ الأمرِ، ويتصيّدونَ لهم العثراتِ، وينسونَ ما لهم من الفضائلِ والحقوقِ، من خلالِ الفضائياتِ، ووسائلِ الإعلامِ، ووسائلِ التواصلِ، وأدعو إلى الإبلاغِ عنْهم؛ حتَى يُؤخذَ على أيديْهِم؛ لقولِ النَّبيِّ ﷺ:(مَن أتاكُمْ وأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ على رَجُلٍ واحِدٍ، يُرِيدُ أنْ يَشُقَّ عَصاكُمْ، أوْ يُفَرِّقَ جَماعَتَكُمْ، فاقْتُلُوهُ) رواه مسلم (1852)
الوقفةُ السادسةُ: حمايةُ النشءِ من الأفكارِ الضَّالَّةِ والمناهجِ الفاسدةِ واجبٌ شرعيٌ ومسؤوليةٌ جسيمةٌ على كلِّ وليِّ أمرٍ، سواء كانَ من الوالدين في المنزلِ، أو الإمامِ في مسْجِده والخطيبِ من مِنبره، والمعلِّمِ في مدرستِه، برعايةِ هؤلاءِ النشءِ ومتابعتِهم؛ وغَرْسِ العقيدةِ الصافيةِ في نفوسِهم، وتحصينِهم من الأفكارِ الضَّالةِ، ومُروجِيِّها ودعاتِها، وتحصينِهم كذلكَ من القنواتِ ومنصَّاتِ التواصلِ الاجتماعيْ، التي تَصبُّ سمومَها صباحَ مساءَ في كلِّ بيتٍ ـ إلا مَنْ رَحم َاللهُ.
أسألُ اللهَ تعالى أَنْ يَحفْظَ على بلادِنا أَمْنَها، وإيمانَها، وعزَّها، ورخاءَها، ووحدتَها، ولُحمَتَها، وأَنْ يَجْعلَ كيدَ الأعداءِ في نحورِهم، وأن يكفينَا شرَّهم، وأن يحفظَ ولاةَ أمورِنا، وعلماءَنا، وشبابَنا، من كلِّ سوءٍ ومكروهٍ، وأن يجزيَ ولاةَ أمرِنا خَيْرَ الجزاءِ على تنفيذِ هذهِ الأحكامِ العادلةِ التي لها آثارُها في اسْتِتَبابِ الأمنِ، وسلامةِ المجتمعِ.
هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى محمد بن عبد الله فقد أَمَركم اللهُ بذلكَ فقال جلَّ من قائلٍ عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:٥٦].
الجمعة: 15/8/1443هـ