المخدرات سم قاتل وشر مستطير – خطبة الجمعة 15-10-1444هـ
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَاتَم الأنبياءِ والمرسلينَ، ورحمةَ اللهِ للعالمينَ وشفيعُنَا يومَ الدِّينِ، صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أجمعين، أمَّــا بَعْـدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ فمن اتَّقَى اللهَ وقَاهُ {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق: [2-3].
أيُّهَا المُؤمنونَ: العقلُ هو آَلَةُ الْإِدْرَاكِ، ومَنَاطُ التَّكْلِيفِ ومَحِلُّ الْخِطَابِ والتَّشْرِيفِ، بِهِ تُدْرَكُ المصَالحُ، وتُجْنَى الفوائِدُ وتُدْرَأُ الْمَفَاسِدُ، وبِقَدْرِ كمالِ الْعَقْلِ وسَلَامَتِهِ، تَكُونُ مَنْزِلَةُ الْإِنْسَانِ وسَعَادَتُهُ في الدُّنْيَا والآَخِرَةِ.
عِبَادَ اللهِ: والجِنَايَةُ على الْعَقْلِ أو إفْسَادِهِ أو تَعْطِيلِهِ، مُفْضٍ بصاحِبِهِ إلى الذِّلَّةِ والْهَوَانِ في الدُّنْيَا، والخزيِ والعذابِ في الآخِرَةِ، قالَ تعالَى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} الملك: [10] ومِنْ أَعْظَمِ الْجِنَايَةِ على الْعَقْلِ تَعَاطِي الْمُخَدِّرَاتِ، وتناوُلُ المُسْكِرَاتِ الَّتِي تَضَافَرَت نصوصُ الكتابِ والسُّنَّةِ على تحريمِهَا والتحذِيرِ مِنْهَا، قالَ تعالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} الأعراف/ [157].
أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إنَّ المخدِّرَاتِ آَفَةُ الْعَصْرِ، وضُرُوسٌ شَرِسَةٌ في سِلَاحٍ فَتَّاكٍ لَا يَعْرِفُ هَوَادَةً وهي أَسْهَلُ سبيلٍ لإفسادِ المجتمعاتَ، وأقْوَى وسيلة لتدميرِ الْعُقُولِ والْأَفْهَامِ، وتحطيمِ الْأَبْدَانِ واخْتِلَالِ الْأَمْنِ، وانْعِدَامِ الْأَمَانِ، كَمْ أَفْقَرَتْ مِنْ غَنِيٍّ؟ وأَذَلَّتْ مِنْ عَزِيزٍ؟ وشَتَّتْ مِنْ أُسَرٍ؟ وَسَلَبَتْ مِنْ نِعَمٍ؟ والمخدِّرَاتُ رَأْسُ كُلِّ الهمومِ، ومِفْتَاحُ كُلِّ الشُّرُورِ، قال ﷺ: (لَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ؛ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ) أخرجه ابن ماجه (٢٧٣٣) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٧٣٣٩).
عِبَادَ اللهِ: وأَضْرَارُ الْمُخَدِّرَاتِ ظَاهِرَةٌ لِلْعَيَانِ، لَا تَخْفَي عَلَى إِنْسَانٍ، يَتَعَدَّى أَثَرُهَا مَنْ يَتَنَاوَلُهَا لِيَشْمَلَ المحيطَ الْأُسَرِيَّ حَوْلَهُ، فَيَنَالُهُمْ ضَرَرُهَا، وَيُقُضُّ مَضَاجِعَهُمْ أَثَرُهَا، فَلَا يَجِدُونَ مِنْهُ مَنَاصًا، ولَا يَسْتَطِيعُونَ مِنْهُ خَلَاصًا، ولَا يَقْتَصِرُ أَثَرُهَا عَلى الدُّنْيَا فَقَطْ، بَلْ يَمْتَدُّ شُؤْمُهَا لِلْآَخِرَةِ، قالَ ﷺ: {كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ، إنَّ عَلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَن يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِن طِينَةِ الخَبالِ، قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ؟ قالَ: عَرَقُ أَهْلِ النّارِ، أَوْ عُصارَةُ أَهْلِ النّارِ} أخرجه مسلم: [2002).
أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: والمُخَدِّرَاتُ تَخْتَلِفُ أَلْوَانُهَا وتَتَعَدَّدُ أَسْمَاؤُهَا وأَشْكَالُهَا، فمنهَا المأكولُ، والمشروبُ والْمَحْقُونُ، والمُدَخَّنُ، وكلُّهَا محرَّمَةٌ، قليلُهَا وكثيرُهَا.
عبادَ اللهِ: ومِنْ أَخْطَرِ أَنْوَاعِ المخدِّرَاتِ النَّاشِئَةِ حَدِيثًا، مَا يُسَمَّى بِمُخَدِّرِ الشَّابُو، وهُوَ أقراصٌ كيميائِيَّة، ومَسَاحِيقِ زجَاجِيَّةٍ، بَلُّورِيَّةَ الشَّكْلِ، يَسْلُبُ مُتَعَاطِيهِ الْإِدْرَاكَ والْحِسَّ، ويُوقِعُهُ فِي الشُّكُوكِ والْيَأْسِ، يُدَمِّرُ الْجِهَازَ الْعَصَبِيَّ، ويُورِثُ الْمَرَضَ النَّفْسِيَّ، وهُوَ بِدَايةُ النِّهَايةِ، يَهْرُبُ إليه بعضُ الشَّبَابِ للتَّخَلُّصِ مِن مشاعِرِ القلقِ والتَّوَتُّرِ-وخاصةً أيَّامَ الأزمات الاختباراتِ- عَنْ طَرِيقِ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وخُلَطَاءِ الشَّرِّ؛ لِيَقَعُوا في شِرَاكِ الإدمانِ، وحَبَائِلِ الشَّيْطَانِ، فإذَا القَلَقُ يزدَادُ، والمُتْعَةُ الزَّائِفَةُ يَعْقُبُهَا مَشَقَّةٌ لَاحِقَة، والنَّعِيمُ الْمَزْعُومُ يَتْبَعُهُ شَقَاءٌ مَحْتُومٌ، فَيَلِجُ طَرِيقًا لا رَجْعَةَ فيهِ، ويُسَاقُ إلى مصيرٍ لا مَحِيدَ عَنْهُ، ونِهَايَةٍ لا خَلاصَ مِنْهَا.
أيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إنَّ مُخَدِّرَ الشَّابُو سُمٌّ قَاتِلٌ، وشَرٌّ مُسْتَطِيرٌ، لَا يَذْهَبُ بالعَقْل فَقَطْ، بَل يُزْهِقُ الرُّوحَ، وَيُبْلِي الْجَسَدَ، وَيَخْلَعُ عَن المرْءِ إِدْرَاكَهُ، ويَسْلُبُهُ حِسَّهُ، ويُورِثُهُ الْخِسَّةَ والذِّلَّةَ فَيُمْسِي مُتَعَاطِيهِ خَطَرًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ حَوْلَهُ، لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ، أَوْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أَوْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، بَلْ؛ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَبْنَاءِ والبنات، والْإِخْوَةِ والأخوات والْآَبَاءِ، ولَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
أعُوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90-91].
بَارَكَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشُّكْرُ له على توفيقِهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ ألّا إلهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، الدَّاعِي إلَى رضوانِه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ: واعلمُوا أنّ بِلَادَنَا -أَعَزَّهَا اللهُ بِطَاعَتِهِ، وحَفِظَ عَلَيْهَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا- تَتَصَدَّى بِكلّ بَسَالَةٍ وَفِدَاءٍ بِوَاسِطَةِ رِجَالِهَا المخلصِينَ، وأجْهِزَتِهَا الْمُتَعَدِّدَة، لِهَجَمَاتٍ شَرِسَةٍ، فَتَقِفُ حجَرَةً عَثِرَة، وصَمَّامَ أَمَانٍ فِي وَجْهِ المروجِينَ والمهَرِّبِينَ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ عَبْرَ الْحُدُودِ والمنَافِذِ لِنَثْرِ السُّمِّ، ونَشْرِ الرُّعْبِ فِي بِلَادِنَا، يَظْهَرُ ذلكَ جَلِيًّا فِي الْإِحْصَاءَاتِ الَّتِي تُعْلِنُهَا الْأَجْهِزَةُ الأَمْنِيَّة والرَّقَابِيَّةُ، ورِجَالُ الجْمَارِكِ والْمَوَانِئِ، وأَبْطَالُ مُكَافَحَةِ الْمُخَدِّرَاتِ، وغَيْرِهِم مِنَ الْمُرَابِطِينَ فِي الدَّاخِلِ وعَلَى الثُّغُورِ.
أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: ومَعَ هَذِهِ الْجُهُودِ الْمُضْنِيَةِ، والْعُقُوبَاتِ الرَّادِعَةِ، والْأَنْظِمَةِ الْقَوِيَّةِ، والْجَزَاءَاتِ الزَّاجِرَةِ، إلَّا أَنَّ بِلَادَنَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْ هَذِه السُّمُوم، والْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ جَمِيعًا عَضُدًا لِبِلَادِنَا، وظَهِيرًا لِرِجَالِ أَمْنِنَا في هذهِ الْحَرْبِ الضَّرُوسِ على بِلَادِنَا، بِالتَّوْعِيَةِ بِخَطَرِ مُخَدِّر الشَّابُو، وغيرِهِ مِنْ أنْوَاعِ المخدِّرَاتِ، والإِبْلَاغِ عَنْ مُتَعَاطِيهِ ومُرَوِّجِيهِ، ولَوْ كَانَ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ، ولْنَكُنْ كَمَا وَصَفَنَا رَبُّنَا: آَمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ نَاهِينَ عَن المُنْكَرِ، قالَ تعالَى: {كنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} آل عمران: [110].
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُجَنِّبَنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَنْ يَصْرِفُ عَنَّا الشُّرُورَ والْآَثاَمَ.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَاكْلَأْنَا بِرِعَايَتِكَ، وَاحْرُسْنَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَام.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِكُلِّ خَيْرٍ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ كُلَّ شَرٍّ، وارْزُقْهُم البِطَانَةَ الصالحة النَّاصِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وتُعِينُهُمْ عَلَيْهِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ رجالَ الأمنِ والجمَاَرِكِ والْمَوَانِئِ، ورِجَالَ مُكَافَحَةِ المخدِّرَاتِ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ مِنْ بينِ أيديهِم ومِنْ خَلْفِهِمْ وعنْ أيمانِهِمْ وعنْ شمائِلِهِم، ومِنْ فَوْقِهِمْ، ونعوذُ بعظَمَتِكَ أنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ، واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ، ووالدِينَا، وإِخْوَانَنَا، وذُرِّيَّاتِنَا، ومَنْ لهُ حقٌّ علينَا، وجميع المسلمين والمسلمات، في جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
الجمعة 1444/10/15هـ