خطبة بعنوان: (القرآن).
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا وأشهد أن لا إله إلا الله جعل القرآن نوراً وشفاء وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من قرأ القرآن وتلا صلى الله عليه وآله وسلم.
أمـــــا بـــــــعــــــــد:
أيها المؤمنون والمؤمنات القرآن نور وهدى وبرهان وبشرى ورحمة وشفاء القرآن بمثابة الروح للحياة والنور للهداية.
القرآن دستور رباني كريم يقود إلى الصلاح والسعادة والبعد عنه وهجره والاستغناء عنه يقود إلى التعاسة والشقاء والحزن في الدنيا والآخرة.
عباد الله إن القرآن من أعظم النعم التي امتن الله بها على عباده فقد جعله الله نوراً وتبصرة وتبيانا لكل شيء إنه الصراط المستقيم والذكر الحكيم يهدي به الله من يشاء من عباده ويضل به من يشاء وما يضل به إلا الفاسقين إن كثيراً من الناس لم يعرفوا قدر هذه النعمة بل أعرضوا عن كتاب الله أعرضوا عن أوامره ونواهيه أعرضوا عن تعلمه وتعليمه أعرضوا عن تلاوته وتدبره أعرضوا عن العمل به أعرضوا عن التحاكم إليه وتحكيمه. [أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا].
أيها المؤمنون الإعراض عن كتاب الله دليل على ضعف الإيمان ونقصان العقل وفساد التصور وضعف البصيرة وقساوة القلب وطول الأمل وكثرة التنافس في الدنيا كان المؤمنون من سلف الأمة ومن بعدهم إذا تُليت عليهم آياتُه تفيض من الدمع عيونُهم وتمتلئ بالخوف من الله قلوبُهم فيزدادون إيمانا على إيمانهم ويقينا على يقينهم استمعوا أيها المؤمنون إلى الصورة الرائعة في الخشوع.
روى البخاري بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال لي النبي إقرأ علي قلت أقرأ عليك و عليك أُنزل قال فإني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغتُ [فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً] قال عليه الصلاة والسلام أمسك فإذا عيناه تذرفان.
وصدق الله العظيم [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ] إن هذا القرآن موعظة يتعظ بها العبد فيستقيم على أمر الله ويسير على نهجه وشريعته إنه شفاء لما في الصدور وهي القلوب شفاء لها من مرض الشك والجحود والاستكبار عن الحق أو على الخلق إنه شفاء لما في الصدور من الرياء والنفاق والحسد والغل والحقد والبغضاء والعداوة للمؤمنين إنه شفاء لما في الصدور من الهم والغم والقلق فلا عيش أطيب من عيش المتعظين بالقرآن المعتبرين بما فيه من المواعظ العاملين بما فيه من الأحكام وهيهات أن يكون نعيم أكمل من نعيمهم فهم أهل الله وخاصته.
وبالمقابل فهو عمىً على الذين تنكبوا الجادة وبعدوا عن الصراط المستقيم ولسائل أن يسأل كيف يكون القرآن هدىً وعمىً ونقول نعم إنه هدىً للمؤمنين وهو عمىً للكافرين والمنافقين أليس الغذاء الواحد ينتفع به بعض الأجسام ويزيدها صحة وعافية. ويكون نفس الغذاء على أجسام أخرى أذية وبلاء ويزيدها مرضا وعذابا.
أيها المؤمنون كتاب الله ضمن له الذي أنزله الخلود والحفظ وضمن لمن عمل به وحكمه النصر والرفعة وهذه حقيقة لا جدال فيها لكن لماذا بَعُدَ المسلمون عن كتاب الله وما سبب تعلقهم ببعض الصوارف عنه إنه التخطيط الماكر من الأعداء والغفلة من المسلمين لكن نسأل الله أن يكون في الجيل الحاضر ما يفسد على الأعداء مخططاتهم ويرد المسلمين إلى كتاب ربهم تلاوة وفهما وعملا وحكما.
هناك صورتان متقابلتان حول كتاب الله صورة مشرقة نسأل الله أن يزيدها ويبارك فيها وصورة تقابلها نسأل الله أن يزيلها من المجتمع أما الصورة السيئة التي تعكس عدم الاهتمام بكتاب الله والخروج به عما أنزل له فمن مظاهرها:
1ـ لقد ذهب بعض القراء مذهبا خاطئا في قراءة القرآن إذا راحوا يلحنونه تلحينا غنائيا أفسد على الناس تدبره وفهمه وصاروا يتعلقون بالصوت فقط. لقد استغل هؤلاء القراء ما وهبهم الله من حُسنِ الأصوات فراحوا يستجلبون بها رضاء المستمعين فكلما ازدادوا في ترانيمهم ومدوا في أصواتهم وانحرفوا برقابهم وسمعوا الهتاف والصراخ من المستمعين ــ الله الله إلى غير ذلك ــ زاد هؤلاء القراء في تلحينهم ومـدَّ أصواتهم وخرجوا بالقرآن عما أنزل له.
2ـ الكثير من الناس رجالاً ونساء يجعلون القرآن زينة فيعتنون في طباعته وتوفيره في البيوت ورفع الصوت به من المذياع وغيره لكن هؤلاء في لهو عنه فتجد الحرام يدار بينهم من الدخان والشيشة وغيرها بل تجد السب والشتم يرتفع والقارئ يقرأ في آلة التسجيل وهذا والله من الحرمان وسوء الأدب مع القرآن.
3ـ وهناك من قصر القرآن على المآتم فابتدعوا بدعا ما أنزل الله بها من سلطان وأخذوا يجمعون الناس للعزاء ويقرؤن القرآن وأحيانا يتعاطون الحرام في نفس المجلس وهذا علاوة على ما فيه من امتهان للقرآن إلا أن فيه أكلاً لمال الميت بغير وجه حق وفيه الاجتماع على المعصية وإعلانها.
هذه صور قاتمة نسأل الله أن تزول من المجتمعات الإسلامية لتحل محلها صور مشرقه تعكس العناية بكتاب الله والمحافظة عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فااستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل القرآن ربيع قلوب المؤمنين وأشهد أن لا إله إلا الله ضمن الحفظ لكتابه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من تلا القرآن وخشع لسماعه صلى الله عليه وآله وسلم.
أمـــــا بـــــعــــــــد:
فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على كتاب الله تعلماً وتعليما وحفظا وفهما وحكما وتحكيما فالقرآن هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم من تمسك به نجا و من حاد عنه خسر الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون أما الصور المشرقة التي نسأل الله أن يزيدها ويثبتها ويبارك فيها ويوفق القائمين عليها فمنها:
1ـ الجماعات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم التي انتشرت في بلادنا ولله الحمد فأصبح الناشئة يقبلون على كتاب الله ويحفظونه على يد أساتذة موثوقين يربونهم على الخير والصلاح ويأخذون بأيديهم لما فيه النفع لهم في العاجل و الآجل لقد خرجت هذه الجماعات الآلاف من حفظة القرآن وما تزال تخرج نوعية متميزة في التلاوة والتجويد والحفظ وهذا والله من علامات الخير لهذا المجتمع فإذا صاحب ذلك بذل من أهل الخير والصلاح وذوي اليسار من الأغنياء وتوجيه صادق من الدعاة والمصلحين فإن المستقبل مشرق بإذن الله تعالى.
2ـ ومن الصور المشرقة مدارس تحفيظ القرآن للبنين والبنات ذلك أن الطالب والطالبة يتخرج وقد كاد أن يتم حفظ القرآن وهذه نعمة كبيرة فلنحرص على هذه المدارس ولنعتني بُمعلميها ومُعلماتها ليتمكنوا من الأخذ بيد الطلاب والطالبات ويعينوهم على حفظ القرآن ويكونوا قدوة صالحة لهم الخير.
3ـ المسابقات الخاصة والعامة في تلاوة القرآن وحفظه وتجويده وتفسيره فهذه المسابقات تعكس العناية بكتاب الله سواء كانت خاصة في الأسرة أو في المدرسة أو المسجد أو الجامعة أو كانت عامة بين فئات الشباب من الجنسين (وهذا مشروط بحسن الرعاية والأمانة وكفاءة المسؤلين عنها ونزا هتهم) فاحرصوا أيها الشباب على التنافس في مجالات الخير وأنتم أيها الآباء وأولياء الأمور والأساتذة والمربون شجعوا الناشئة على المنافسة ووجهوهم للعناية بكتاب الله لعل الله أن يجعلكم ضمن من عناهم رسولُ الله في قوله: ((خيركم من تعلم القرآن وعـلَّـمه)).
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليما [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا].