خطبة بعنوان: (توجيهات في بداية العام الدراسي) بتاريخ 15-10-1431هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد ألا إله إلا الهص حث على العلم وأعلى منزلة العلماء، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام العلماء وقدوة المربين الموحى إليه من ربه [وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً] (طه الآية114)، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران الآية102).
أيها المؤمنون في يوم غدٍ السبت تبدأ الدراسة في جميع مراحل التعليم للبنين والبنات، وهذا اليوم مشهد حافل، وملتقى هام، حيث يستأنف الجميع رحلة العلم ومسيرة الفكر، تتجدد فيه عزائم الطلاب والطالبات، وتتوثب الهمم، وتُفْتَح قلاعُ العلم، وتتجهَّزُ محاضن التربية والتعليم.
في هذا اليوم المبارك ينطلق رجال التعليم، ويتقدم حملة الفكر، ويتسابق رواد التربية ومصابيح الدجى، والمتأمل لهذه الانطلاقة المباركة يلحظ الاختلاف والتباين بين الطلاب والطالبات ومنسوبي التعليم؛ فمنهم المحب لهذا اليوم، ومنهم الكاره له، ومنهم المتقدم، ومنهم المحجم، ومنهم المتفائل، ومنهم المتشائم، ومنهم السعيد، ومنهم العاجز الكسول.
أيها المؤمنون وكم من أب حنون مشفق ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر لأن له ولداً أو بنتا سيبدأ رحلة التعليم.
فهو يريد أن يفرح بدخول ولده المدرسة، وكونه يشق طريقه في الحياة مع أترابه كل صباح رغم أن الرحلة شاقة والمعاناة ليست سهلة لكنه مع ذلك يفرح في هذا اليوم لأنه يرى فلذة كبده يتنقل في جنبات البيت ومنه إلى المدرسة وهو يحمل حقيبته، والآمال معقودة عليه بعد الله، والمستقبل ينتظره ليكون أحد بناة هذا الوطن بحول الله وقوته.
إخوتي في الله في يوم غدٍ وما بعده سترون الجموع الكبيرة من الطلاب والطالبات يتوجهون إلى دور التربية والتعليم يغدون خماصاً ويروحونا بطانا.
وهنا يشعر الواحد منا بالعزة والغبطة، ونعلم أن أمتنا وبلادنا في خيرٍ وإلى خير لأن هذا النماء يزداد، وهذه الجموع تتدفق، وهذه البراعم تتلقى التوجيه الراشد والتربية الجادة.
أيها المعلمون والمعلمات الأوفياء أنتم مربوا الأجيال، وصانعوا مستقبلهم، وعليكم تعقد الآمال بعد الله، وعلى يديكم يتخرج العلماء والدعاة والأدباء والشعراء.
أنتم أيها المعلمون والمعلمات أصحاب رسالة سامية، ومهنة شريفة، أنتم ورثة الأنبياء في تعليم الأجيال وتربيتهم، وعلى قدر عطائكم يكون مستقبل البلاد والعباد.
اجتهدوا أيها المعلمون والمعلمات في رعاية الأمانة والقيام بالواجب، كونوا قدوات في أنفسكم، وراقبوا الله في كل كلمة تقولونها أو تكتبونها؛ فالأمانة عظيمة والمسئولية كبيرة وأنتم أهل لها بحول الله وقوته.
أيها المعلمون والمعلمات احرصوا على أن تنطلقوا من الثوابت، وجددوا في الوسائل التعليمية بما يساير العصر ويخدم دون أيَّ خلل في الأخلاق والآداب.
استحدثوا بارك الله فيكم من البرامج التعليمية ما يجعل أبناءنا وبناتنا ينافسون في مقدمة الركب، ويتفوقون على غيرهم، وأنتم تملكون ما لا يملكه غيركم من سلامة المعتقد وصدق التوجه وصفاء السريرة.
وأنتم أيها الآباء والأمهات احرصوا على أبنائكم وبناتكم، وقوموا بما أوجب الله عليكم من الرعاية والقيام بالمسئولية، فا الله جل وعلا يقول [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ](التحريم الآية6).
ويقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها)(رواه البخاري).
وإذا كنتم تحرصون على استكمال حاجاتهم المدرسية ولا يمكن أن يحصل تقصير في ذلك فاحرصوا على تهيئة عقولهم وتربية أفئدتهم وتعاونوا مع المدرسة بما يحقق الخير لكم ولأبنائكم وبناتكم.
وأنتم أيها الطلاب والطالبات استقبلوا عامكم الجديد بإخلاص في طلب العلم، وجد في التحصيل العلمي، وتزين بأخلاق طلاب العلم، وحذار أن يكون هدفكم من دراستكم هو الحصول على الشهادة، ثم الوظيفة،فهذه ثمرة من ثمرات الطلب لكن الأهم والأسمى هو طلب رضا الرحمن ودخول الجنة لأن من تعلم فقد عرف ما يجب لربه وأحكام دينه، وهذا يجعله يعبد ربه على وفق ما شرعه رسولنا صلى الله عليه وسلم.
وقد رفع الله منزلة العلم وأهله ويكفي أن أول ما نزل من آيات القرآن قوله تعالى: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ](العلق الآيات1، 2، 3، 4، 5).
بل يكفي العلم وأهله فخراً وشرفاً ورفعة أن الله يقول عنهم [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ](المجادلة الآية11).
ويقول عنهم [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ](الزمر الآية9).
أيها الطلاب والطالبات وعليكم أن تعملوا بما تعلمتم فهذه أهم ثمرات العلم وغاياته، واستثمروه وسيلة للنهوض بأمتكم وبلادكم وقدموا نماذج رائدة تحققون بها رسالة التعليم الحقيقة، فلا يكفينا أن تحفظوا كمّاً من النصوص دون فهم ووعي وعمل، لا بد أن يظهر أثر تعليمكم على سلوككم وتعاملكم مع الآخرين ولا سيما أقرب الناس إليكم من الوالدين والإخوة والأخوات.
وإن من المفارقات العجيبة الغريبة أن يتعلم الطلاب والطالبات في المدرسة مسألة البر والصلة وحسن التعامل مع الآخرين ثم لا ترى أثر ذلك عليه في بيته مع والديه وأهله، بل قد يكون تعامله بعكس ذلك تماماً، وهذا دليل على عدم الإخلاص وعنوان على حرمان ثمرة العلم وغايته.
فاجتهدوا بارك الله فيكم في بداية عامكم الدراسي، وأخلصوا النية، وتنافسوا في التحصيل، فالآمال معلقة عليكم بعد الله، وأنتم ذخر البلاد وعنوان مستقبلها فتح الله دروب الخير لكم ورزقكم العلم النافع والعمل الصالح وأقر عيون والديكم باستقامتكم وصلاحكم، هذا واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي رفع منزلة العلم والعلماء، والصلاة والسلام على النبي الأمي الذي علمه خالقه ما لم يعلم، وأرسله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الهل عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فاعلموا أيها المؤمنون أن أمة الإسلام تميزت عبر التاريخ على غيرها من الأمم والشعوب بأنها أمة العلم والمعرفة.
فقد شرف الله العلم ورفع منزله العلماء، واعتنى المسلمون على مدار تاريخهم الطويل بالقلم والقرطاس، واستمعوا إلى كلام الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث يقول: (العلم خير لك من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق، مات خُزَّان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة).
أيها المؤمنون وإذا كانت المناهج غاية في الأهمية لرسم مستقبل الأجيال فإننا نحمد الله ونشكره وله الفضل والمنة أن المناهج في بلادنا أفضل مناهج التعليم قاطبة لأنها ذات تميز وأصالة، وهي تواكب التطور في كل ميادين الحياة.
وإذا كانت بلادنا لها تميز على سائر بلاد الدنيا بأنها قبلة المسلمين وتحتضن المقدسات الإسلامية فلا بد أن تكون مناهجها متميزة على سائر بلاد الدنيا.
وهذا ما يضاعف مسئولية المعلمين والمعلمات أن يتخرج على أيديهم جيل يجمع بين الانطلاق من ثوابت الدين والمعتقد والسلوك والوصول إلى قمة التطور والتقنية في وقت تسارعت فيه المخترعات وتقدمت فيه وسائل التعليم والتدريب إلى حد كبير.
فاهنأوا أيها المعلمون والمعلمات، واقطفوا ثمرة التميز، واحمدوا الله واشكروه أن كنتم أصحاب رسالة سامية، وجددوا عزيمتكم ونشاطكم، وخذوا بأيدي الضعاف من الطلاب والطالبات وساعدوهم بما ينفعهم، وتعاونوا مع إدارة المدرسة والبيت بما يحقق لأبنائنا وبناتنا مستقبلاً مشرقاً في سائر تخصصاتهم.
زادكم الله من الإيمان والهدى وجعل ما تقدمون من إسهامات جليلة في ميزان حسناتكم، ورفع قدركم في الدنيا والآخرة، ورزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل .
هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين قدوة المعلمين والمربين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك، ووفق ولاة أمرنا خاصة لكل خير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد، واجزهم يا ربنا خيراً على ما يقدموه للعلم والتعليم وما يبذلونه من بذل سخي، فبلادنا تنفق ثلث ميزانيتها على التعليم وما يتعلق به، فلله الحمد والشكر .
اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات، واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]
[إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ](النحل الآية90)، وأقم الصلاة.
الجمعة :15-1-1431هـ