خطبة بعنوان: (فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها) بتاريخ 14-11-1431هـ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي رفع قدر آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أكرم أمهات المؤمنين وحرم أذيتهن لأنهن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، صلى الله عليه ورضي عن أزواجه الطاهرات المطهرات أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ *وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا](الأحزاب الآيات 70، 71، 72).
أيها المؤمنون كانت عائشة رضي الله عنها أحب نساء رسول الله إليه ولم يتزوج بكراً غيرها وكان الوحي ينزل عليه وهو في لحافها ولما نزلت عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها فاختارت الله ورسوله واستن بها بقية أزواجه وقد برأها الله بما رماها به أهل الإفك وأنزل في عذرها وبراءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة وشهد الله لها أنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم ومع هذه المنزلة العالية تتواضع لله وتقول (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيَّ قرآناً يتلى)
وكان أكابر الصحابة رضوان الله عليهم إذا أشكل عليهم شيء من الدين استفتوها فيجدون علمه عندها وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها وفي يومها وبين سحرها ونحرها ودفن في بيتها وجاء الملك فأرى صورتها للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها في سرقة حرير فقال صلى الله عليه وسلم: (إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ)(رواه البخاري)، وقد خلط الله ريقها بريقه صلى الله عليه وسلم في آخر ساعة من الدنيا وأول ساعة من الآخرة.
قال أبو نعيم في الحلية كانت عائشة رضي اله عنها للدنيا قالية وعن سرورها لاهية وعلى فقد أليفها باكية ولقد أحبت وعشقت الحياة التي عاشتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسمى ما يكون من الزهد وعلى أشد ما يكون الشظف وأطاعت بكل أمانة وصدق وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ ، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ ، وَلاَ تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ)(رواه الترمذي) انتهى كلامه.
تقول عائشة رضي الله عنها: (لقد أعطيت تسعا ما أعطيتها امرأة إلا مريم بنت عمران : لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أ ن يتزوجني ولقد تزوجني بكرا وما تزوج بكرا غيري ولقد قبض ورأسه في حجري ولقد قبرته في بيتي ولقد حفت الملائكة بيتي وإن كان الوحي لينزل عليه و هو في أهله فيتفرقون عنه وإن كان لينزل عليه وإني لمعه في لحافه وإني لابنه خليفته وصديقه ولقد نزل عذري من السماء ولقد خلقت طيبة وعند طيب ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما).
عباد الله ومن فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قولها(إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ آخُذُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَلَيَّنْتُهُ فَأَمَرَّهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ) (رواه البخاري).
أيها المؤمنون ومن فضائل عائشة رضي الله عنها أنها من السبعة الذين أكثروا رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تلقته عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة وهي أكثر من نقل السنة الفعلية وعلمها للناس ولا سيما ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته مما لا يطلع عليه إلا نساؤه ولقد بلغت رضي الله عنها أعلى درجات الزهد بإعراضها عن الدنيا وإقبالها على الله بالعبادة وهي مضرب المثل في الزهد والجود والكرم فلا يكاد المال يثبت في يدها بل سرعان ما توزعه على الفقراء وبلغ من كرمها أن وزعت مائة ألف درهم في يوم واحد وهي صائمة ولم تترك منها درهماً واحداً حتى قالت مولاة لها لو اشتريت لنا من هذه الدراهم بدرهم لحماً فقالت لو قلتِ قبل أن أفرقها لفعلت.
وكانت كثيرة التعبد لله وهي ألصق الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وتعتبر عبادتها صورة وضيئة من عبادة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تكثر من صلاة الليل متأسية بحبيبها صلى الله عليه وسلم وكانت في الورع قد احتلت مكاناً عالياً واتصفت فيه بجميع أعمالها.
عباد الله لقد أثر عن عائشة رضي الله عنها أقوال مباركة تدل على فهمها وتأثرها بالقرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن أقولها: (المغزل بيد المرأة أحسن من الرمح بيد المجاهد في سبيل الله).
وقالت رضي الله عنها: (الْتَمِسُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ)، وقالت رضي الله عنها: (من عمل بما يسخط الله عاد حامده من الناس له ذاما)، وقالت رضي اله عنها: (إنكم لن تلقوا الله بشيء لخيركم من قلة الذنوب فمن سَّره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف نفسه عن كثرة الذنوب).
وسئلت رضي الله عنها متى يكون الرجل مسيئاً فقالت (إذا ظن أنه محسن).
ومن أقوالها رضي الله عنها: (من أكل التمر وتراً لم يضره)، وقولها: (لا سهر إلا لثلاثة مصلٍّ أو عروس أو مسافر).
عباد الله وقد شعرت عائشة رضي الله عنها بقرب اللقاء مع الله جل وعلا واشتاقت إلى الذين سبقوها إلى الدار الآخرة واشتد المرض عليها فلزمت فراشها وجاء عبد الله بن عباس فا ستأذن أن يدخل عليها فتمنعت مخافة أن يثني عليها لأنها لا تحب المدح فألحوا عليها وذكروا أنه ابن عم رسول الله فأذنت له وكان عند رأسها عبد اله بن عبد الرحمن ابن أخيها ولما دخل ابن عباس قال: أبشري يا أم المؤمنين فما بينك وبين أن تلقي محمداً صلى الله عليه وسلم والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد ثم ذكر فضائلها وبراءتها فلما أنهى حديثه قالت له: (دَعْنِي مِنْكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا)(رواه أحمد).
وتوفيت رضي الله عنها ليلة الثلاثاء 17/9/57هـ السابع عشر من شهر رمضان المبارك من عام سبعة وخمسين للهجرة النبوية عن عمر يناهز السادسة والستين ودفنت بالبقيع في نفس الليلة بعد صلاة الوتر وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه وشهد جنازتها خلق كثير رضي الله عنها وأرضاها وجمعنا الله وإياها ووالدينا في جنات النعيم هذا واستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وأتباعه أجمعين أما بعد:
فقد صدر بيان عن اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية نصرة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وإحقاقاً للحق ودفعاً عن عرضها رضي الله عنها الذي هو عرض النبي صلى الله عليه وسلم وخلاصة البيان ما يأتي:
1) أن من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة وجوب محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم والترضي عنه.
2) ومن أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة وجوب محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة حقهم وتنزيلهم المنزلة اللائقة بهم ولا شك أن أزواجه وذريته عليه الصلاة والسلام من أهل بيته.
3) من معتقد أهل السنة والجماعة أن المرء لا يبرأ من النفاق إلا بسلامة المعتقد في الصحابة وآل البيت.
4) أن سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو التعرض لعرضه عليه الصلاة والسلام بقذف أزواجه جرم عظيم وخصوصاً الصديقة بنت الصديق وهي المبرأة من فوق سبع سماوات.
5) أن من مناقب أم المؤمنين عائشة رضي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن الملك جاء بصورتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سرقة من حرير قبل زواجها به صلى الله عليه وسلم، وهي أحب أزواجه إليه ونزل الوحي في لحافها دون غيرها من نسائه وأرسل جبريل سلامه إليها مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يحرص أن يمرض في بيتها وأخبر أنها من أهل الجنة وقد نزلت آيات تتلى إلى يوم القيامة بسببها فقد برأها الله جل وعلا ونزلت آية التيمم وكانت عائشة رضي الله عنه سبباً في نزولها…).
وجاء في ختام البيان [… فالواجب على كل مسلم محبة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والترضي عنهم أجمعين وتوقيرهم ونشر محاسنهم والذب عن أعراضهم والإمساك عما شجر بينهم فهم بشر غير معصومين ولكن نحفظ فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتأدب معهم بأدب القرآن فنقول [رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] (الحشر الآية10).]
هذا وصلوا وسلموا على نبي الرحمة وهادي الأمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم وفق ولاة أمر المسلمين عامة للحكم بكتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا خاصة للخير، اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد اللهم، ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم وارفع درجاتهم في الجنات واغفر لهم ولآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئا سحا عاماً طبقا مجللا نافعا عاجلاً غير آجل اللهم تسقي به البلاد وتروي به العباد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم اجعل موسمنا موسم خير وبركة، اللهم اجعل بداية موسمنا موسم خير وبركة، اللهم أفرحنا بنزول الغيث وطرح البركة يا ذا الجلال والإكرام وعم به ديار المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجــمــعـة :14-11-1431هـ