1- خيارا المجلس والعيب في الفقه الإسلامي
1- خيارا المجلس والعيب في الفقه الإسلامي – pdf
خيارا المجلس والعيب
في الفقه الإسلامي
(رسالة ماجستير)
تأليف
أ.د عبدالله بن محمد أحمد الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
يتفاوت شعور الناس بالحياة بتفاوت ميولهم ورغباتهم وأهدافهم، حيث يصوغ المرء حياته الصياغة التي تلائم ميوله، وتتفق مع رغباته، وتحقق أهدافه، وهذا هو ما يحفز الإنسان إلى الدأب في العمل ـ والمثابرة عليه، وتحمل المشاق في سبيله، والمعاناة من أجله ـ حتى يصل إلى ما تصبو إليه نفسه ـ وبذلك يظل عطاء الحياة الإنسانية نامياً يثرى جوانبها المختلفة بمقومات الرقي والازدهار.
ويجد أولئك الذين يمارسون العمل الجاد المثمر للإسهام في بناء الحضارة الإنسانية متعة لا يتذوقها إلا الخاصة من النفر القلائل الذين تسمو بهم نفوسهم عن متع الحياة المادية إلى متعة العقل والنفس والروح. وهي المتعة الحقة التي تميز بها الإنسان، وارتقت به في سلم المجد والكرامة، وأهلته للكشف عن أسرار الله في كائناته، وذللت له سبل تسخيرها بفضل من الله ونعمة وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً([1]).
وتحتل الدراسات الشرعية مكان الصدارة في مقاييس المعرفة، لأن الشريعة هي النور الإلهي الذي تهتدي به البشرية في مسار رقيها بأي جانب من جوانب الحياة، حتى تستقيم على الجادة، فلا تزل قدمها، ولا تحيد عن مثلها وأهدافها، وقد انتهى موكب النبوات الذي حمل هذا النور عبر التاريخ بشريعة الإسلام التي بعث بها محمد ق فأكمل الله بها الدين، وأتم النعمة [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً]([2]).
فقد تناولت هذه الشريعة كل شعبة من شعب الحياة تناولاً بديعاً في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، وأتاح ذلك لعلماء الأمة أن يستبينوا الحق في ضوء هذين المصدرين، وأن يأخذوا بيد الإنسانية في مدارج الرقي إلى المستوى الأفضل، وقدموا ثروة فقهية ضخمة بما استنبطوه من أحكام واكتب تقدم الحياة وما يستجد فيها من أقضية وأحداث.
وقد ظن بعض الناس أن هذه الثروة قد توقف سيلها، ونضبت مواردها أو كادت تنضب.
والحق أن الأيام أثبتت أن هذا الظن لا يخرج عن أن يكون وهما نشر بعض غيومه في أفق البحث العلمي ومجال الدراسات الفقهية، والذين يشتغلون في حقل أبحاث الدراسات العليا بالجامعات الإسلامية بعامة وبجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بخاصة يدركون أن هذه الدراسات قد أماطت اللثام عن قدرات شبابنا، وخصوبة قرائحهم ومضاء عزائمهم، بما تجنيه المكتبة الإسلامية من ثمار يانعة، وقطوف دانية، في الرسائل العلمية التي تكتبها النخبة الممتازة من هؤلاء الشباب.
والأخ الشيخ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار ـ أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً ـ على رأس تلك النخبة التي قدمت ـ ولا تزال ـ ثمرة جهد علمي مضنٍ جدد للفقه الإسلامي حيويته، وأعاد إليه فتوته، وأمده بروافد تستقى من معين الإسلام العذب في كتاب الله وسنة رسوله ق.
ورسالته (خيار المجلس والعيب في الفقه الإسلامي) التي بين يدي القارئ تعالج موضوعاً بالغ الأهمية في حياة الناس اليومية علاجاً متعمقاً دقيقاً، استقصى فيه الباحث المسائل الفرعية المتعددة، وأحاط بأطرافها، وأوضح أراء أئمة الفقه الإسلامي المعتبرين، وقارن بينها، وساق أدلتهم وناقشها في نزاهة، واختار منها ورجح، ودعم اختياره وترجيحه بالدليل.
ولقد عشت مع الباحث بحثه في الإشراف، وكنت أشفق عليه من مكابدته، ولكن عزمة إيمانه في البحث كانت أقوى من مقاساة شدته، فمضى قدماً حتى أنجزه، وأحرزت هذه الرسالة قصب السبق ـ ونالت امتيازاً عالياً بإجماع لجنة المناقشة التي أوصت بطبع الرسالة وتداولها بين الجامعات.
وأسلوب الرسالة سهل ممتنع ـ فإن بصيرة الباحث العلمية طوعت له بيانه ـ فجاءت عبارته ناصعة مشرقة يفهم منها القارئ المعنى بسهولة ويسر. وكما كان عناء الباحث في إعداد الرسالة متعة له، فإن قارئها يستمتع بها كذلك، إذ يرى فكراً ناضجاً واعياً يكتب في الفقه الإسلامي كتابة مستفيضة، يشع منها روح عالية تبعث الثقة في كفاية شريعتنا لاستيعاب كل ما يجد من أحداث، وتوجيه الحضارة الإنسانية وجهة سديدة في كل عصر، وتطويع ألوان النشاط الحضاري للإسلام، في الرؤية الواضحة لهذا الدين.
والله تعالى أسأل أن ينفع بهذه الرسالة وبصاحبها. وأن يظل هذا الغيث الإسلامي مدراراً يروي أرض الإسلام الخصبة، حتى يقوى غرسها، ويشتد عودها. ونجني ثمار ذلك في نصرة الإسلام، وإعزاز أمته ـ وما ذلك على الله بعزيز.
المشرف على الرسالة
مناع خليل القطان
مدير الدراسات العليا بالجامعة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله القائل في محكم التنزيل: [وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا]([3]).
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل في سنته الغراء (البيعان([4]) بالخيار ما لم يتفرقا([5])).
والقائل في معرض إرشاده لامته لكي يتناصحوا فيما بينهم ويصدق بعضهم بعضا في معاملاتهم وشئونهم كلها. . (لا يحل لا مرئ مسلم أن يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخير به([6])).
فقد بعث الله رسله لتهدي البشرية وتبصرها بحالها وترسم لها الطريق الواضح الذي لا نجاة لها ولا عز ولا استقرار إلا بسلوكه ولا شك أن حاجة البشر إلى الرسالات السماوية حاجة ماسة لأنهم لا يعلمون كثيراً من المغيبات ولا يهتدون بعقولهم إلى ما فيه الخير والصلاح ولذا انتزع الله حق التشريع من البشر وجعل السلطة التامة في ذلك له سبحانه لأن عقول البشر لا تسلم من الهوى والميل لطبقة أو فئة أو فرد من الأفراد.
قال الأستاذ محمد الصباغ([7]) (إن انتزاع التشريع من البشر ورده إلى الله وحده سبحانه لم يبق لواحد من البشر أو لجماعة أو لطبقة أي مجال للتحكم في الآخرين ولا أي منفذ يعلو به فرد على فرد أو فرد على جماعة أو طبقة أي لن يكون في هذا التشريع محاباة لفرد أو جماعة أو طبقة ولن يحس أحد أنه حين ينفذ القانون خاضع لمشيئة أحد إنما هو خاضع لله رب العالمين) انتهى كلامه.
ولما كانت هذه الشريعة مصدرها من الله سبحانه وتعالى العليم بحال خلقه ومآلهم تأتي أن تكون عامة شاملة تصلح لكل زمان ومكان ولذا نراها تناولت الأحكام الاعتقادية والأحكام الخلقية والأحكام العملية التي يندرج تحتها الفقه الإسلامي وهو الثروة الخصبة للتشريع الإسلامي في جميع فروعه من عبادات ومعاملات وأحوال شخصية. ولعل ناحية المعاملات في الفقه الإسلامي هي أوسع المجالات التي ترك للبشر فيها مجال التجديد والعطاء لأن الغرض منها تنظيم شئون المجتمع الإنساني في كل ما تدعو إليه مدينة الإنسان حتى تكون على وجه يكفل الحياة الرشيدة، ولأن أحكام هذا القسم جاءت في القرآن والسنة مجملة ليكون لأهل الاجتهاد مجال في استنباط الأحكام بما يتفق مع مصالح الناس ويساير أعرفهم.
وبهذا يتضح أن الفقه الإسلامي قد ألبس كل شيء من أمور المسلمين ثوب التشريع واستنتج الفقهاء على مر العصور المتعاقبة أحكاماً لكل ما يجد من القضايا التي لم ينص عليها في كتاب ولا سنة.
ولقد اشتدت حاجة المسلمين إلى ضوابط علمية تبنى عليها الأحكام الشرعية بعد انقراض عصر الصحابة رضي الله عنهم واتساع رقعة الدولة الإسلامية فاستجابت الأمة الإسلامية وأنجبت العلماء الذين خلدوا لنا تراثاً ضخما فاق حدود التصوير والخيال.
قال الشيخ مناع القطان([8]) (واستجابت الأمة الإسلامية لهذه([9]) الحاجة فأنجبت في القرنين ـ الثاني والثالث ـ من علماء الشريعة المجتهدين وأئمة الفقه والدين من قادها على المحجة البيضاء في كل مصر من الأمصار.
ومن هؤلاء سفيان بن عيينة بمكة، ومالك بن أنس بالمدينة، والحسن البصري بالبصرة، وأبو حنيفة وسفيان الثوري بالكوفة، والأوزاعي بالشام، والشافعي والليث بن سعد بمصر، واسحاق بن راهويه بنيسابور، وأبو ثور وأحمد وداود الظاهري وابن جرير ببغداد. انتهى كلامه.
وبعد فحيث أنني أحد الطلبة في قسم الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتجاوزت السنة التمهيدية فقد كان لزاماً عليَّ أن أتقدم بموضوع أختاره للحصول به على درجة الماجستير، وهنا أعملت فكري وجلست مدة من الزمن أتجول في المكتبات وأقلب صفحات الكتب المعتمدة في المذاهب الإسلامية لأبحث عن موضوع يتناسب مع ميولي وتخصصي وأخيراً اهتديت إلى موضوع ـ خيارا المجلس والعيب في الفقه الإسلامي ـ وبعد استشارة رئيس قسم الفقه المقارن بالمعهد ـ فضيلة الدكتور بدران أبو العينين بدران وموافقته عليه عزمت على الكتابة فيه، وقد دفعني لاختيار هذا الموضوع أسباب عدة منها:
1_ أهمية هذا الموضوع إذ لم أجد مصنفاً يجمع شتاته ويلم أطرافه بل وجدت مادته العلمية متناثرة بين صفحات الكتب الكثيرة.
2_ وهذا الموضوع يحتاج الناس لمعرفة جزئياته لأن كثيراً من القضايا تحدث لهم كل يوم في معاملاتهم بعضهم مع بعض بالمعارضات المالية والبيوعات المتجددة.
3_ وأيضاً فقد لمست تساهلاً واضحاً في واقع الناس بكتمان العيوب، ويعتبرون هذا أمراً سهلاً لا حرج عليهم به. فأردت أن أبين لهم خطر هذا الأمر وأنه باب واسع فتحوه على أنفسهم ودعوتهم لتدارك الأمر قبل استفحال الشر وفوات الأوان.
4_ وإنما جمعت بين هذين النوعين من الخيار بالذات لأني رأيت أنهما خياران ثبتا بالشرع دون اشتراط من المتعاقدين أو أحدهما، أما غيرهما من الخيارات فلا بدفيه مع ثبوته بالشرع من الاشتراط عند العقد، ثم أني لحظت فيهما ملحظا دقيقاً ألا وهو أن خيار العيب يعتبر حلقة ثانية بعد خيار المجلس مباشرة فمتى انقطع خيار المجلس بالتفريق أو التخاير لزم البيع إلا أن يكون بالسلعة عيب فللمشتري ردها بهذا العيب.
وقد جمعت هذا البحث مقارناً فيما بين المذاهب الفقهية المعتبرة وهي:
1) المذهب الحنفي.
2) المذهب المالكي.
3) المذهب الشافعي.
4) المذهب الحنبلي.
5) المذهب الظاهري.
6) المذهب الزيدي.
وحيثما تيسر لي المقارنة بين هذه المذاهب كلها أو أكثرها شهرة فعلت ولقد اجتهدت في البحث ما استطعت يحدوني الأمل وتدفعني الرغبة الماسة في التمكن من الموضوع والتعمق فيه ما أمكن.
ولا شك أن قدرة البشر محدودة وأنهم مجبولون على النقص المستمر إذ الكمال لله عز وجل وما أجمل تلك المأثورة عن عماد الدين الأصفهاني([10]) في بعض ما كتبه حيث قال: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد كذا لكان يستحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك هذا لكان أجمل وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر) انتهى.
وما ورد عن المزني([11]) حيث قال قرأت على الشافعي كتاب الرسالة ثمانين مرة وفي كل مرة أقرأه يغير ويبدل وأخيراً قرأ قوله تعالى: [وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً]([12]) ولعل من أعظم الأسباب التي دفعتني للجد والمثابرة والعمل الدائب المتواصل والغوص في بطون الكتب وتتبعها ما استطعت إلى ذلك سبيلا هو تشجيع شيخنا الفاضل فضيلة الشيخ مناع خليل القطان الذي كان وراء كل مجهود في هذه الرسالة يشحذ الهمة ويشد العضد ويرسم الطريق ويحل المشكل فجزاه الله عني خير ما يجزي العلماء العاملين الذين يموتون لتعيش أمتهم ويضحون بأرواحهم وأموالهم وأهلهم في سبيل نصرة الحق والدعوة إلى الله، ولا يفوتني أيضا أن أشكر كل من مد لي يد العون سواء عن طريق المشورة في النواحي العلمية أو بإعارتي بعض الكتب من مكتباتهم الخاصة فجزاهم الله عني خير الجزاء.
وإني بحول الله وتوفيقه ارتضيت في بحثي المخطط التالي:
التمهيد ويشمل:
1_ نبذة عن العقود.
2_ نبذة عن البيوع.
3_ نبذة عن الخيارات إجمالاً.
الباب الأول: خيار المجلس؛ ويشتمل على سبعة فصول…
الفصل الأول: في تعريف خيار المجلس ومشروعية العقود التي يثبت فيها. وتحته مبحثان:
الأول: تعريف خيار المجلس وحكمة مشروعيته.
الثاني: العقود التي يثبت فيها خيار المجلس.
الفصل الثاني: اختلاف العلماء في ثبوت خيار المجلس وأثر هذا الخيار وتحته مبحثان:
الأول: اختلاف العلماء في ثبوت خيار المجلس.
الثاني: أثر خيار المجلس.
الفصل الثالث: أحكام التفرق، وتحته أربعة مباحث:
الأول: حد التفرق بالأبدان.
الثاني: التفرق بالإكراه وأثره على خيار المجلس.
الثالث: التفرق بالهروب وأنثره على خيار المجلس.
الرابع: إذا اختلف المتعاقدان في التفرق.
الفصل الرابع: الأحكام المتعلقة بالبيع والعاقدين في مدة خيار المجلس؛ وتحته خمسة مباحث:
الأول: ملك المبيع ونماؤه في مدة خيار المجلس.
الثاني: ضمان المبيع إذا تلف في مدة خيار المجلس.
الثالث: إذا خرس أحد المتعاقدين في مجلس العقد.
الرابع: إذا جن أحد المتعاقدين في مجلس العقد.
الخامس: إذا مات أحد المتعاقدين أو كلاهما في مجلس العقد.
الفصل الخامس: إذا تبايعاً ولم يضمهما مجلس واحد وأحكام الفسخ والإجارة؛ وتحته أربعة مباحث:
الأول: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق المناداة.
الثاني: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق الكتابة.
الثالث: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق الهاتف.
الرابع: أحكام الفسخ والإجازة.
الفصل السادس: ما ينقطع به خيار المجلس، وتحته ثلاثة مباحث:
الأول: التخاير.
الثاني: التفرق بالأبدان.
الثالث: التصرف بالسلعة المبيعة في مدة خيار المجلس.
الفصل السابع: الآثار الواردة في خيار المجلس وأحكام الوكيل فيه. وتحته مبحثان:
الأول: الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في خيار المجلس.
الثاني: أحكام الوكيل في خيار المجلس.
الباب الثاني: خيار العيب، يشتمل على تسعة فصول:
الفصل الأول: تعريف خيار العيب وأدلته وشروطه، وتحته ثلاثة مباحث:
الأول: تعريف خيار العيب.
الثاني: أدلة خيار العيب.
الثالث: الشروط الواجب توافرها في العيب ليثبت به الخيار.
الفصل الثاني: أحكام ثبوت خيار العيب والأخبار بالمعيب، وتحته أربعة مباحث:
الأول: متى يثبت خيار العيب.
الثاني: ما يثبت فيه خيار العيب ولمن يثبت.
الثالث: هل يشمل الأخبار بالعيب المسلم والكافر.
الرابع: إذا علم غير المالك بالعيب فهل يلزمه الإخبار.
الفصل الثالث: العيب طريقه وتحديده وحكم العقد معه، وتحته أربعة مباحث:
الأول: طريقة معرفة العيب.
الثاني: المرجع في تحديد العيب.
الثالث: حكم العقد حال قيام خيار العيب.
الرابع: تمييز العيب عما قد يختلط به.
الفصل الرابع: الرد بالعيب كيفيته وهل هو على الفور أم على التراخي وأنواع العيوب وتحته ثلاثة مباحث:
الأول: كيفية الرد بالعيب.
الثاني: الرد بالعيب هل هو على الفور أم على التراخي.
الثالث: أنواع العيوب المثبتة للخيار.
الفصل الخامس: أحكام البراءة من العيوب والزيادة والنقصان وتحته ثلاثة مباحث:
الأول: أحكام البراءة من العيوب.
الثاني: أحكام زيادة المبيع.
الثالث: أحكام نقصان البيع.
الفصل السادس: أقسام العيب. وتحته ثلاثة مباحث:
الأول: أقسام العيب.
الثاني: العيب القديم.
الثالث: فوات الوصف المرغوب فيه.
الفصل السابع: أحكام الأرش والاختلاف في البيع. وتحته ثلاثة مباحث:
الأول: الأرش.
الثاني: اختلاف المتبايعين.
الثالث: من تلزمه منه الخصومة والشهادة والصلح عند الاختلاف.
الفصل الثامن: الانتفاع بالبيع ووضع الجوائح. وتحته مبحثان:
الأول: الانتفاع بالمبيع.
الثاني: أحكام وضع الجوائح.
الفصل التاسع: الأحكام المتعلقة بالمبيع إذا كان عبداً أو أمة ومسقطات خيار العيب وأمثلته. وتحته ثلاثة مباحث:
الأول: الأحكام المتعلقة بالمبيع إذا كان عبداً أو أمه.
الثاني: ما يمتنع به الرد ويسقط الخيار.
الثالث: أمثلة لخيار العيب.
الخاتمة:
تشتمل على النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث.
وأسأل الله التوفيق
التمهيد
ويشتمل على ما يأتي:
أولاً: نبذة عن العقود.
ثانياً: نبذة عن عقد البيع.
ثلاثاً: نبذة عن الخيارات عموماً.
أولاً: نبذة عن العقود
تعريف العقد لغة:
وردت كلمة العقد مستعملة في الجمع بين طرفي الشيء كطرفي الحبل كما وردت مستعملة في اليمين والعهد. قال في مختار الصحاح([13]) (عقد الحبل والبيع والعهد فانعقد) ثم قال والعقدة بالضم موضع العقد وهو ما عقد عليه) انتهى كلامه.
تعريف العقد شرعاً:
اختلفت طريقة الفقهاء في تعريفه:
فعند الجمهور: هو التزام الإنسان بأمر من الأمور وتعهده به سواء كان التزامه هذا قد تم بإرادته وحده أم كان بسبب اتفاقه مع غيره.
أما الأحناف: فعندهم أن العقد هو ربط بين كلامين أو ما يقوم مقامهما من الكتابة أو الإشارة أو الفعل ينشأ عنه أثره الشرعي([14]).
مثال ذلك: باع محمد سيارة على أحمد بعشرة آلاف ريال. فإذا صدر الإيجاب من محمد وخلفه القبول من أحمد ظهر أثر العقد في السيارة إذ تنتقل من ملك محمد إلى ملك أحمد وكذا ينتقل الثمن من ملك أحمد إلى ملك محمد.
أركان العقد:
أركان العقد: هي ما يتوقف وجوده على وجودها وكانت جزءاً من حقيقة ذلك الشيء وهي عند الحنفية الإيجاب والقبول.
أما العاقدان فهما لا زمان لوجود العقد وليسا من أركانه المكونة لحقيقته وكذا محل العقد ليس ركنا من أركانه وإنما هو لازم من لوازمه([15]).
وأركان العقد عند الجمهور من الفقهاء تطلق على الصيغة والعاقدين والمحل نظراً لأنها أمور ضرورية لوجود العقد فلا يوجد العقد بدونها.
قال الحطاب([16]) (وللبيع ثلاثة أركان الأول الصيغة والثاني العاقد والمراد به البائع والمشتري والثالث المعقود عليه والمراد به الثمن والمثمن) انتهى كلامه.
معنى الإيجاب والقبول:
قال الحنفية: الإيجاب هو ما صدر أولاً من كلام أحد العاقدين أو ما يقوم مقامه سواء صدر من البائع أو من المشتري.
والمراد من القبول ما صدر ثانياً دالاً على الرضا بما تضمنه الإيجاب سواء صدر من البائع أو من المشتري وسواء كان قولاً أو فعلاً قال في فتح([17]) القدير(والإيجاب لغة الإثبات لأي شيء كان والمراد هنا إثبات الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أولاً سواء وقع من البائع كبعت أو من المشتري كأن يبتدئ المشتري اشتريت منك هذا بألف فسمى الإثبات الثاني بالقبول تمييزاً له عن الإثبات الأول ولأنه يقع قبولاً ورضا بفعل الأول) انتهى كلامه.
وقال الجمهور:
الإيجاب ما صدر من الملك سواء صدر أولاً أم ثانياً، والقبول ما صدر من الممتلك سواء صدر أولاً أم ثانياً.
قال في المغني([18]) (والبيع على ضربين([19]) أحدهما الإيجاب والقبول فالإيجاب أن يقول بعتك أو ملكتك. والقبول أن يقول اشتريت أو قبلت ونحوهما.
فإن تقدم القبول على الإيجاب بلفظ الماضي فقال ابتعت منك فقال بعتك صح لأن لفظ الإيجاب والقبول وجد منهما على وجه تحصل منه الدلالة على تراضيهما به فصح كما لو تقدم الإيجاب) انتهى كلامه.
شروط العقد:
يشترط لانعقاد العقد شروط متنوعة تعود إلى الصيغة والعاقدين والمحل. وإليك بيانها:
أ_ يشترط في الصيغة ما يأتي([20]):
1) التوافق في محل التعاقد والعوض:
كأن يقول البائع للمشتري بعتك هذه الدار بخمسين ألف ريال. فيقول المشتري قبلت شراء هذه الدار بخمسين ألف ريال وهذه الموافقة قد تكون صريحة كما سبق، وقد تكون موافقة ضمنية وذلك إذا كان القبول قد خالف الإيجاب مخالفة فيها مصلحة للموجب كأن قال البائع بعتك هذه السيارة بعشرة آلاف ريال فقال المشتري قبلت شراء هذه السيارة بعشرة آلاف ومائة ريال فحينئذ يتم العقد لأن رضا البائع بعشرة آلاف يدل على الرضا بعشرة آلاف ومائة من باب أولى.
فإن خالف القبول الإيجاب بأن قبل غير ما أوجبه أو قبل بثمن أقل مما حدده الموجب أو قبل بعض ما أوجبه لم يتم العقد لعدم تحقق رضا الموجب فلم يحدث الارتباط بين الإيجاب والقبول.
2) اتصال القبول بالإيجاب:
لابد من مراعاة اتصال القبول بالإيجاب إذا كان العاقدان حاضرين في مجلس العقد فإن خرج الموجب من المجلس فقبل من وجه إليه الخطاب بعد خروجه لا يتم العقد، وكذا إذا تشاغل من وجه إليه الخطاب بأمر آخر لا صلة له بالعقد فلا يتم العقد.
لكن لو حدث ما لا يعده العرف منهيا للمجلس كالوقوف والقعود والمشي ذهاباً وإياباً فإنه يبقى المجلس ويتم العقد بمجرد صدور القبول من المشتري.
3) وضوح دلالة الإيجاب والقبول:
على ما يريده المتعاقدان، فلا يتم العقد إلا إذا كانت الصيغة واضحة الدلالة على مراد المتكلم بأي لغة مفهومة للمخاطب وهنا لا تشترط لغة معينة ولا لهجة خاصة بل له التعبير بما شاء شريطة فهم المخاطب لعبارته([21]).
ب_ ويشترط في العاقدين ما يأتي:
1) يشترط في العاقدين أن يكون كل منهما أهلا([22]) لصدور الصيغة منه بحيث يرتب عليها الشارع أثرها ويلزمه بنتائجها.
2) ويشترط أيضاً أن يعلم كل منهما ما صدر من الآخر من عبارة أو كتابة أو إشارة فإن لم يتحقق ذلك لم يتم العقد.
ج_ ويشترط في المحل ما يأتي:
يشترط في المحل أن يكون قابلاً لما جعل العقد وسيلة إليه ففي عقد البيع مثلا يشترط فيه ما يأتي:
1) أن يكون البيع موجوداً فلا ينعقد بيع المعدوم.
2) أن يكون مالاً فلا ينعقد بيع الحر لأنه ليس بمال.
3) أن يكون مملوكاً فلا ينعقد بيع ما ليس بملوك كبيع الماء في النهر لأن الناس شركاء فيه.
4) أن يكون مقدور التسليم عند العقد فلا ينعقد بيع الآبق لعدم القدرة على التسليم.
عيوب العقد:
هناك أمور تعرض لإرادة المرء إنشاء عقد من العقود وهذه الأمور تجعل العقد معيباً فلا يكون له أثره الشرعي المطلوب.
وهذه الأمور هي: 1) الإكراه. 2) الغلط. 3) التدليس. 4) الغبن.
ولإيضاح هذه العيوب أذكر لكل واحد منها مثالاً فأقول…
مثال الإكراه:
أتى السلطان لشخص يملك مزرعة كبيرة فأجبره على بيعها له وإن لم يفعل فسوف يلحقه من الأذى كذا وكذا وتحت هذا الإجبار وافق صاحب المزرعة على بيعها للسلطان فهنا حصل خلل في العقد وهو الإكراه للبائع لاسيما وأن السلطان قادر على إيقاع ما هدد به.
مثال الغلط:
إذا اشترى رجل دارا على أنها مبنية بالإسمنت فظهر أنها مبنية بالطين فهذا غلط في العقد ولا شك أنه خلل يؤثر على صحة العقد.
مثال التدليس:
إذا عرض شاة للبيع ترك حبلها عدة أيام ليجتمع اللبن في ثدييها كي تتراءى للمشتري أنها غزيرة اللبن فإذا اشتراها تبين له فيما بعد أنها لم تكن كما ظن. فهذا تدليس من البائع جعل المشتري يقدم على شراء وهو خلل يؤثر في لزوم العقد وفي هذا يقول الرسول ﷺ فيما يرويه أبو هريرة: (لا تُصرَّوا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر) ([23]).
مثال الغبن:
إذا تلقى شخص الركبان القادمين من البادية للجلب على المدينة فباع عليهم بقيمة أكثر أو أشترى منهم بقيمة أقل من قيمة السوق ثم تبين لهم فيما بعد أنهم غبنوا غبنا فاحشا فهذا خلل يؤثر على صحة العقد وفي هذا يقول الرسول ﷺ: (لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد) ([24]).
أقسام العقد([25]):
ينقسم العقد من حيث الصحة وعدمها إلى عقد صحيح وعقد غير صحيح والعقد الصحيح ينقسم إلى عقد لازم كالإجارة وعقد غير لازم كالوكالة وعقد موقوف كعقد الفضولي.
والعقد غير الصحيح ينقسم إلى عقد باطل وعقد فاسد.
كما ينقسم العقد من حيث التنجيز وعدمه إلى عقد غير منجز وعقد مضاف وعقد معلق.
وإليك إيضاحها بإيجاز.
العقد الصحيح وغير الصحيح([26]):
هو ما لم يرتب عليه الشارع آثاره لخلل اعتراه في أركانه أو صفة من صفاته.
أقسام العقد الصحيح:
للعقد الصحيح ثلاثة أقسام:
1) عقد صحيح نافذ لازم وهو الذي توفرت فيه شروط الانعقاد([27]) وشروط الصحة([28]) وشروط النفاذ([29]) وشروط اللزوم([30]) كعقد الإجارة.
2) عقد صحيح نافذ غير لازم: وهو العقد الذي توافرت فيه شروط الانعقاد والصحة والنفاذ دون اللزوم كعقد الوكالة.
3) العقد الموقوف هو الذي لم تترتب عليه آثاره بسبب نقص أهلية العاقد كتصرف الفضولي.
أقسام العقد من حيث التنجيز وعدمه:
1) عقد منجز: وهو الذي صدر دالاً على انشائه في الحال وترتب آثاره عليه بمجرد صدوره كأن يقول بعت لك هذا القلم بريال فيقول المشتري قبلت.
2) عقد مضاف: هو ما صدر دالا على انشائه في الحال وترتب آثاره عليه في المستقبل مضافاً إلى زمن مستقبل كأن يقول أجرت لك هذا المنزل العام القادم بألف ريال لمدة سنة فيقول المستأجر قبلت.
3) عقد معلق: وهو ما ارتبط وجوده بوجود أمر آخر بأداة من أدوات الشرط كأن يقول إن ربحت في تجارتي فقد أجرت لك هذا المنزل.
وهذا العقد لا يوجد ولا تترتب عليه آثاره إلا إذا وجد ما علق عليه.
الأصل في حرية التعاقد:
للعلماء اتجاهان في حرية التعاقد، الاتجاه الأول لابن تيمية والثاني لابن حزم:
الاتـجاه الأول :
يقول أصحاب هذا الاتجاه الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة ولا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وابطاله نصاً أو قياساً.
وزعيم هذا الاتجاه هو ابن تيمية إذ يعتبر من أول من اهتم بهذا الاتجاه وأقام الأدلة عليه وأبطل أدلة مخالفيه.
أدلة هذا الاتجاه:
1_ قوله تعالى: [وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا]([31]).
2_ قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]([32]).
3_ قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ]([33]).
وجه الدلالة من هذه الآيات:
آية الأولى تدل على حل البيع وحرمة الربا فكل بيع حلال إلا ما كان ربا.
وآية الثانية تدل على تحريم أكل المال بالباطل وجواز كل تجارة تراضي عليها المتعاقدان.
وآية الثالثة تدل على وجوب الوفاء بالعقود وكلمة العقود تشمل كل ما يصدق عليه اسم عقد بيع واجارة وشركة وكفالة وزواج وشرط.
والحكم العام الذي نستفيده من هذه الآيات هو:
أن الأصل في العقود والشروط الإباحة إذا كانت برضا المتعاقدين إلا ما دل دليل على منعه.
الاتجاه الثاني:
يقول أصحاب هذا الاتجاه أن الأصل في العقود والشروط المنع إلا ما ورد نص بجواز وزعيم هذا الاتجاه هو ابن حزم رحمه الله.
أدلة هذا الاتجاه:
1) قال تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً]([34]).
2) وقال تعالى: [وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ]([35]).
3) وقال تعالى: [وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا]([36]).
قالوا: فهذه الآيات براهين قاطعة في ابطال كل عهد وكل عقد وكل شرط ليس في كتاب الله الأمر به أو النص على اباحة عقده([37]).
هذا وإني لا أتوقف في ترجيح الرأي الأول لأنا لو قلنا برأي ابن حزم رحمه الله فمنعنا الناس من العقود والشروط إلا ما ورد به نص خاص لأوقعناهم في الحرج المرفوع شرعاً إذ قد يحتاجون إلى عقد لم يرد به نص خاص ثم أننا نؤيد الاجتهاد لكل نازلة مما يجد في الحياة الإسلامية من القضايا التي لم يتعرض أسلافنا للنص عليها وإنما قعدوا قواعد يمكن تطبيقها على كل ما يجد من القضايا والمعضلات وباب الاجتهاد مفتوح إلى يوم القيامة والفقه الإسلامي يمتاز بالثراء والخصوبة والعقول الإسلامية موجودة وأدوات العلم ووسائله ميسرة فلماذا نحجر على الناس ونضيق عليهم وشريعتنا جاءت بما يكفل المصلحة العامة لجميع أتباعها.
ثانياً: نبذة عن البيوع:
تعريف البيع في اللغة:
هو مطلق المبادلة، يقال باع الشيء مبيع ومبيوع، وبايعه من البيع والبيعة([38]) جميعاً وأباع الشيء عرضه للبيع واستباعه الشيء سأله أن يبيعه منه والبيع من الأضداد أي من الألفاظ التي تطلق على الشيء وعلى ضده، فيقال باع الشيء يبيعه وباعه أيضاً اشتراه، ويقال([39]) البيعان ـ بالتشديد أي البائع والمشتري([40]).
تعريف البيع شرعاً:
هو مبادلة المال بالمال تمليكاً وتملكاً([41]).
أهمية البيع في الشريعة الإسلامية:
يعتبر البيع أكثر العقود شيوعاً في المعاملات ولا يكاد يمر يوم إلا ويعقد الشخص أكثر من عقد بيع أو شراء لمأكله أو مشربه أو ملبسه والبيع من وسائل تبادل الأموال لأن الإنسان في حاجة إلى اشباع حاجاته بما عند الآخرين فإن انتزع ما عندهم أو بالغصب أو السرقة مثلا وقع تحت طائلة العقاب واضطرب الأمن بين الناس، وإن تبرع له أحد بما يشبع حاجته فقد يكون هو ممن لا يقبلون تبرع غيرهم لهم، وإن كان ممن يقبل تبرع غيره له فقد لا يتبرع له الناس بما يحتاجه دائماً فكان لابد من تبادل الأموال عن طريق المقارضة، والبيع من بين عقود المعاوضات هو أكمل وسائل تبادل الأموال لأنه يسمح باستثمار المبيع أو الثمن في كل ما يحتاجه المتبايعان من بيع أو هبة أو رهن أو اجارة إلى غير ذلك من التصرفات الجائزة والتي تعود على المتعاقدين بالمنفعة، والبيع كذلك وسيلة للكسب المشروع فشراء الشخص لمال معين ونقله وحفظه وعرضه للبيع كل ذلك عمل يتقاضى عنه البائع أجراً بالربح الذي يضيفه إلى الثمن الذي اشترى به هذا المال، وللبيع فوائد اقتصادية واجتماعية تعود على المجتمع الإسلامي بالنفع الكثير تنمي ثروته وتسعل تبادل السلع والأثمان بين الناس إذ لا يمكن أن يستغني شخص في الوجود عن الآخرين وهذه سنة الله في خلقه…
قال الشاعر:
الناس للناس من بدو وحاضرة |
*** | بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم |
أقسام البيع:
أولاً: ينقسم البيع بالنظر إلى البدلين إلى قسمين:
أ_ معنى عام هو معاوضة مال بمال تمليكاً وتملكاً على سبيل التأييد.
ب_ معنى خاص هو معاوضة عين بدين على سبيل التراضي.
ثانياً: ينقسم البيع باعتبار معناه إلى عدة أقسام:
أ_ المقابضة: وهي بيع العين بالعين بشرط أن لا تكون هذه العين أو تلك من النقود فهي بيع السلع الحاضرة بالسلع الحاضرة ولا تنعقد إلا منجزة.
ب_ الصرف: وهو بيع الثمن المطلق وهو النقود بالثمن المطلق ولا ينعقد إلا منجزاً.
ج_ السلم: هو بيع الدين بالعين أي بيع آجل وهو الدين بعاجل وهو العين فالمبيع موصوف في الذمة أما الثمن فمعجل.
د_ البيع المطلق: وهو بيع عين بدين وهو البيع بمعناه الخاص.
ثالثاً: ينقسم البيع المطلق بالنظر إلى انعقاده إلى ما يأتي:
1_ بيع صحيح: وهو ما شرع بأصله ووصفه أي ما توافرت فيه شروط الانعقاد([42]) والصحة.
ب_ بيع فاسد: وهو ما شرع بأصله لا بوصفه وهو ما توافرت فيه شروط الانعقاد ولم تتوافر فيه شروط الصحة.
ج_ بيع باطل: ما لم يشرع لا بأصله ولا بوصفه وهو ما لا تتوافر فيه شروط الانعقاد ولا شروط الصحة.
رابعاً: وينقسم البيع الصحيح إلى ما يأتي:
أ_ بيع نافذ: وهو ما صدر ممن يملك ولاية إبرامه.
ب_ بيع موقوف: وهو ما صدر ممن لا يملك ولاية إبرامه فيكون موقوفاً على اجارة من يملك ولاية ابرامه.
ج_ بيع لازم: وهو البيع الذي لا خيار فيه.
د_ بيع غير لازم: وهو البيع الذي يثبت فيه الخيار.
خامساً: وينقسم البيع المطلق من حيث طريقة تحديد المبيع إلى ما يأتي:
أ_ بيع عادي: يتم فيه تحديد المبيع بالوصف أو بالرؤية أو بالتعيين.
ب_ بيع بالعينة أو الأنموذج: ويتم تحديد المبيع فيه على أساس مطابقته للعينة أو الأنموذج.
ج_ بيع التجربة: ويتم تحديد المبيع فيه عن طريق التجربة.
د_ بيع المذاق: ويتحدد المبيع فيه عن طريق مذاق عدة أصناف واختيار المبيع منها على أساس مذاقه.
سادساً: ينقسم البيع من حيث العلم بمقدار المبيع إلى قسمين:
أ_ بيع بالتقدير: وهو أن يعلم المتعاقدان مقدار المبيع عند العقد.
ب_ بيع بالجزاف: وهو أن لا يعلم المتعاقدان مقدار المبيع عند العقد.
سابعاً: وينقسم البيع المطلق من حيث طريقة تحديد الثمن إلى ما يأتي:
أ_ بيع مساومة: وهو بيع يتم فيه تحديد الثمن بالاتفاق، دون التفات إلى الثمن الذي كان البائع قد اشترى به المبيع.
ب_ بيع مرابحة: وهو بيع يتحدد فيه ثمن البيع بثمنه الذي اشتراه البائع به مع زيادة ربح معين.
ج_ بيع وضيعه: وهو بيع يتحدد فيه ثمن المبيع بثمنه الذي اشتراه البائع به مع نقصان شيء منه.
د_ بيع تولية: وهو بيع بمثل الثمن الذي اشتراه البائع به من غير زيادة ولا نقصان.
هـ_ بيع اشتراك: وهو تولية في بعض المبيع ببعض الثمن.
و_ بيع بثمن مسعر: وهو بيع بثمن يحدد الإمام أقصى ثمن للبيع فيه بحيث لا يجوز الاتفاق على ما يخالفه([43]).
ثالثاً: نبذة عن الخيارات:
الخيارات جمع خيار وهو اسم من الاختيار المراد به هنا هو اختيار العاقد امضاء العقد أو فسخه.
والخيار لغة: اسم مصدر من الاختيار ومنه اختار الشيء على غيره أي فضله عليه وخايره بين الأمرين فوض إليه أن يختار أحدهما واستخار أحدهما واستخار طلب الخيرة، وأنت بالخيار أي اختر ما شئت([44]).
وفي اصطلاح الفقهاء: هو طلب خير الأمرين من امضاء العقد أو فسخه.
أقسام الخيار:
يقسم الباحثون في الفقه الإسلامي الخيار إلى قسمين:
أ_ قسم يثبت شرطاً.
ب_ وقسم يثبت شرعاً.
وتحت هذين القسمين أنواع عدة من الخيار منها المتفق عليه ومنها المختلف فيه..
وأهمها وأعمها خيار المجلس، خيار الشرط، خيار العيب، خيار الرؤية، خيار الغبن، خيار التدليس.
وإليك أيها القارئ نبذة عن كل منها.
1_ خيار المجلس
خيار المجلس: مركب اضافي فيه من اضافة الشيء إلى محله والمجلس بكسر اللام موضع الجلوس والمراد به هنا مكان التبايع ودليل ثبوته قوله ﷺ فيما يرويه ابن عمر رضي الله عنهما(المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار)([45]). وقد اختلف فيه العلماء خلافاً واسعا وانقسموا تبعا لذلك إلى قسمين:
الحنفية والمالكية ينفون هذا الخيار ويؤولون الحديث على أنه منسوخ بحديث المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً([46]). والشافعية والحنابلة والظاهرية يثبتونه استناد إلى الحديث السابق وبعض الروايات الأخرى([47]).
2_ خيار الشرط
وهو مركب من اضافة الشيء إلى سببه أي الخيار الذي سببه الشرط وهو أن يشترط في العقد أو بعده الخيار لأحد المتعاقدين أو كليهما في فسخ العقد وامضائه كأن يقول البائع للمشتري بعت لك هذه الدار بكذا على أني بالخيار مدة كذا أو يقول المشتري للبائع اشتريت منك هذا الفرس بكذا على أني بالخيار مدة كذا أو يقول كل منهما ما يدل على اشتراط الخيار لنفسه ويرضى كل منهما بذلك في جميع الأحوال([48]). ودليل شرعيته ما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رجلاً من الأنصار وكانت بلسانه لوثة يشكو إلى رسول الله ﷺ أنه لا يزال يغبن في البيع فقال له رسول الله ﷺ ـ إذا بايعت فقل لا خلابة ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فارده([49]). وقد انعقد الاجماع على جوازه كما يدل لذلك حديث المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالا([50]).
3_ خيار العيب
الإضافة من إضافة الشيء إلى سببه أي الخيار الذي سببه العيب وشرع هذا الخيار لأن الأصل في المعقود عليه السلامة من العيوب وعلى هذا استقر عرف الناس وأقره الشرع واقتضاه العقل ولهذا يثبت حق الفسخ بسبب وجود العيب في المعقود عليه دون اشتراط في العقد([51]).
والشريعة الإسلامية هي الشريعة الخالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لذا قررت من الأحكام ما يكفل للبشر حقوقهم ويحفظ مصالحهم، يقول ﷺ: (من غشنا فليس منا)([52]). ولما كانت بعض النفوس مجبولة على الخداع والمكر وبعضها أيضاً مجبولة على التسرع في الأمور وعدم التريث فيها فقد شرع الله خيار العيب ليعامل المخادع المضلل بنقيض قصده ويؤخذ الحق للضعيف المسكين الذي تدفعه العجلة الناتجة عن التفكير البشري القاصر إلى الخطأ فيذهب يبرم من العقود ما يضره([53]).
4_ خيار الرؤية
أي الخيار الذي سببه عدم الرؤية وشرع من أجل اتمام الرضا بين المتعاقدين ولئلا يندم أحدهما على تصرف أمضاه دون تمحيص وتدقيق.
وهو عبارة عن ثبوت الحق لأحد العاقدين ـ إذا باع أو اشترى ما لم يره ـ في أحد العوضين بين أخذه أو تركه…وهذا النوع من الخيار اختلف فيه الفقهاء وذلك تبعاً لاختلافهم في بيع الغائب إذ وردت بعض النصوص بمنع مثل هذا البيع من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عبيد الله بن عمر ـ أن النبي ﷺ (نهى عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة)([54]). ووجه الاستشهاد بالحديث أن بيع العين الغائبة التي لم تر ولم توصف فيه غرر فيكون منهياً عنه. ووردت بعض النصوص العامة الدالة على جواز بيع الغائب من ذلك عموم قوله تعالى: [وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا]([55]). من أجل هذا حصل الخلاف في خيار الرؤية وذهب العلماء فيه مذهبين فقال بالجواز الحنفية وهو قول للشافعية ورواية لأحمد.
وقال بالمنع المالكية وهو أحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وهو اختيار ابن تيمية([56]).
5_ خيار الغبن
الغبن في البيع هو أن تطغى مصلحة أحد العاقدين على الآخر فيختل التوازن بين المصلحتين، والغبن دونما شك منهي عنه شرعاً ومع ذلك وقع الخلاف بين الفقهاء في ثبوت الخيار معه. فقال به الحنابلة والظاهرية([57]) وهو رواية عن المالكية. وذهب الجمهور إلى منع الخيار وقالوا بجواز الغبن وأنه لا يثبت خياراً مطلقاً إذا كان المتصرف حراً رشيداً بالغا([58]).
وخيار الغبن يثبت في مواضع:
أ_ النجش وذلك بأن يزيد الإنسان في قيمة السلعة دون رغبته في شرائها وإنما يقصد نفع صاحبها أو ضرر مشتريها.
ب_ يثبت خيار الغبن حال تلقي الركبان وذلك بأن يتلقى القادمين إلى البلد فيشتري منهم السلع بأقل من قيمتها لجهلهم بالأسعار.
ج_ بيع المسترسل وذلك بأن يأتي شخص جاهل بالسعر لا يحسن المماكسة فينقاد للبائع ويأخذ السلعة بأكثر من قيمتها فيغبن غبنا فاحشا ففي هذه الحالة يثبت له الخيار عند بعض العلماء.
6_ خيار التدليس
التدليس هو اخفاء العيب واظهار المعقود عليه بصورة ليس عليها في الواقع كالذي يبيع بقرة لأجل لبنها ويتركها مدة دون حلب ليوهم المشتري أنها حافلة باللبن وأن هذه هي عادتها. وبعد أن يأخذها المشتري تظهر حقيقة أمرها فهنا له خيار التدليس([59]).
والتدليس محرم شرعاً لما فيه من الغش والخداع وأكل مال الناس بطريق غير مشروع ودليل النهي عنه. ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها أن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا نت تمر)([60]).
ووجه الدلالة في الحديث أن الشارع الحكيم نهى عن التصرية وهي نوع من التدليس وغرضه من هذا النهي هو أن يقيم المسلمون معاملاتهم على أساس من العدل بعيدين عن الغش والخداع الذي يمحق البركة ويعود بالضرر على صاحبه.
هذه نبذة موجزة عن أهم وأعم أقسام الخيار جعلتها مدخلاً للبحث ومنها أنطلق إلى صلب الموضوع وهو خيار المجلس والعيب في الفقه الإسلامي.
أسأل الله التوفيق والسداد.
الباب الأول
خيار المجلس
ويشتمل على سبعة فصول هي كالتالي:
الفصل الأول: في تعريف خيار المجلس ومشروعيته والعقود التي يثبت فيها.
الفصل الثاني: في اختلاف العلماء في ثبوت خيار المجلس وأدلتهم ومناقشة بعضهم لبعض والترجيح مع الرد على الرأي المرجوح وأثر هذا الخيار.
الفصل الثالث: في التفرق وأحكامه.
الفصل الرابع: الأحكام المتعلقة بالمبيع والعاقدين في مدة خيار المجلس.
الفصل الخامس: إذا تبايعا ولم يضمهما مجلس واحد وأحكام الفسخ والإجازة.
الفصل السادس: فيما ينقطع فيه خيار المجلس.
الفصل السابع: الآثار الواردة في خيار المجلس وأحكام الوكيل فيه.
الفصل الأول
في تعريف خيار المجلس ومشروعيته
والعقود التي يثبت فيها
وتحته مبحثان:
المبحث الأول: تعريف خيار المجلس لغة واصطلاحاً وحكمة مشروعيته.
المبحث الثاني: العقود التي يثبت فيها خيار المجلس والعقود التي لا يثبت فيها.
المبحث الأول: تعريف خيار المجلس
تعريفه في اللغة:
الخيار: اسم مصدر اختار يختار اختياراً لا مصدره لعدم جريانه على الفعل، والمختار الذي وقع عليه الخيار يكون اسماً للفاعل واسماً للمفعول وللفرد والمذكر وفروعهما ويقال (خير) بين الأشياء فضل بعضها على بعض والشيء على غيره فضله عليه (اختاره) انتقاه واصطفاه والشيء على غيره فضله عليه، وأنت (بالخيار) وبالمختار أي اختر ما شئت.
قال في لسان العرب ويقال خيرته بين الشيئين أي فوضت إليه الخيار وفي الحديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا([61]).
والمجلس بكسر اللام موضع الجلوس وبفتحها المصدر والمراد هنا مكان التبايع([62]).
تعريفه في الاصطلاح:
ليس هناك تعريف خاص لهذا النوع من الخيار بل يشمله التعريف العام للخيار، وهو طلب خير الأمرين من امضاء البيع أو فسخه([63]).
حكمة تشريع خيار المجلس([64])
الشريعة الإسلامية شريعة الكمال والخلود أنزلها الله سبحانه وتعالى ـ العليم بحال عباده ومآلهم ـ وافيه بمتطلباتهم وحاجاتهم فمحال أن تجد قضية ولا نجد لها في الإسلام حكماً ولذا أتت هذه الشريعة بكليات عامة تنطبق على جزئيات كثيرة ومتنوعة وكل جزئية شرعها الله سبحانه نلمس فيها سراً من أسرار التشريع الرباني وهنا إذا ألقينا نظرة فاحصة على حكمة تشريع خيار المجلس نرى أن الإسلام وضع منهجاً متكاملاً للتعامل يمنح أصحاب الحقوق ويوقف أصحاب المطامع عند مطامعهم حيث جعل مكان التبايع فرصة للنظر في السلعة وتقليبها وموازنتها ليكون المتبايعان على بينة من أمرهما ولئلا يحصل لهما الندم والحسرة بعد لزوم البيع وهذا الوقت بطبيعته كاف لإمكان الإقدام على السلعة أو الأحجام عنها. كما أن النفس البشرية تندفع لما ترغبه اندفاعاً عجيباً من غير تفكير في النتائج فكان أن وضع الشارع هذا الوقت مهلة للمتعاقدين لقطع تعلق النفس بالسلعة صحيحة سليمة لا غش فيها ولا خديعة.
أما إن كان هناك تحايل من أحدهما على الآخر فإن الشارع يضع حداً لمثل هذه التصرفات التي لا تتفق ومنهجه في أرضه. فيجيز والحالة هذه رد السلعة بأنواع أخرى من الخيارات توجب الرد في غير مجلس العقد وحول حكمة التشريع يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (أثبت الشارع خيار المجلس في البيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين وليحصل تمام الرضا الذي شرطه تعالى فيه بقوله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً]([65]).
فإن العقد قد يقع بغتة من غير ترو ولا نظر في القيمة فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد حريما يتروى فيه المتبايعان ويعيدان ويستدرك كل واحد منهما([66]).
المبحث الثاني: العقود التي يثبت فيها خيار المجلس والتي لا يثبت فيها ([67])
العقود على ضربين:
الأول: العقود الجائزة أما من الطرفين كالشركة والوكالة والوديعة والعارية والدين والقراض والجعالة وأما من أحدهما كالضمان والرهن والكتابة فلا خيار فيها كلها لأنه متمكن من الفسخ متى شاء وفي وجه ضعيف يثبت الخيار في الكتابة والضمان وممن حكاه في خيار المجلس والشروط الدرامي وعند الشافعية قد يتطرق الفسخ بسبب آخر إلى الرهن إن كان مشروطاً في بيع وأقبضه قبل التفرق فيمكن فسخ الرهن بأن يفسخ البيع فيفسخ الرهن تبعاً.
قال في المغني وكذلك الضامن والكفيل لا خيار لهما لانهما دخلا متطوعين راضيين بالغبن([68]).
الثاني: العقود اللازمة وهي نوعان:
أ_ عقود واردة على العين.
ب_ عقود واردة على المنفعة.
فالأول: كالبيع والصرف وبيع الطعام بالطعام والسلم والتولية والتشريك وصلح المعارضة فيثبت فيها كلها خيار المجلس ويستثنى منها صور.
أحدهما: إذا باع ماله لولده أو مال ولده لنفسه([69]) ففي ثبوت خيار المجلس وجهان أصحهما ثبوته فعلى هذا يثبت خيار للأب ويكون الأب نائب الولد فإن ألزم البيع لنفسه وللولد لزم وإن ألزم لنفسه بقي الخيار للولد فإذا فارق المجلس لزم العقد على الأصح من الوجهين.
الثاني: لا يلزم إلا بالإلزام لأنه لا يفارق نفسه وإن فارق المجلس.
وذكر الماوردي أن الوجه الأول قول أبي اسحاق المروزي قال والثاني قول جمهور الشافعية قال فعلى الثاني لا ينقطع الخيار إلا بأن يختار الأب لنفسه وللولد فإن لم يختر يثبت الخيار للولد إذا بلغ والمذهب الأول([70]).
قال البغوي ولو كان العقد بينه وبين ولده صرفاً ففارق المجلس قبل القبض بطل العقد على الوجه الأول ولا يبطل على الثاني إلا بالتخاير.
الثانية: لو اشترى من يعتق عليه كولده ووالده وهنا يبنى خيار المجلس على أقوال العلماء لمن يكون الملك في زمن الخيار.
فإن قلنا هو للبائع فلهما الخيار ولا يحكم بالعتق حتى يمضي زمن الخيار وإن قلنا موقوف فلهما الخيار فإذا أمضيا العقد تبينا أنه عتق بالشراء فإن قلنا الملك للمشتري فلا خيار له ويثبت للبائع وفي عنقه وجهان قبل لا يحكم بعتقه حتى يمضي زمن الخيار وقبل يحكم يعتقه من حين شرائه([71]).
الثالثة: إذا اشترى العبد نفسه من سيدة فالصحيح جوازه وهناك قول ضعيف يمنعه وفي ثبوت خيار المجلس هنا وجهان أصحهما ثبوته قطع بذلك الغزالي المتوالي من الشافعية لأن مقصوده العتق فأشبه الكتابة.
الرابعة: ثبوت الخيار في شراء الجمد([72]) في شدة الحر وجهان لأنه يتلف بمضي الزمان والأصح ثبوته.
الخامسة: إذا صححنا بيع الغائب ولم نثبت خيار المجلس مع خيار الرؤية فهذا المبيع من صور الاستثناء.
السادسة: إن باع بشرط نفي خيار المجلس فثلاثة أوجه أحدهما يصح البيع والشرط فعلى هذا تكون هذه الصورة مستثناة.
الثاني: أن البيع باطل: الثالث: أن البيع صحيح والخيار ثابت فهذه الصور الست مستثناة مما يثبت فيه الخيار من أنواع البيوع حيث لا يثبت فيها على نحو ما عرفنا من الخلاف الفقهي، ففي بعضها خلاف قوي وفي بعضها الآخر خلاف ضعيف والقسم الثالث لا خلاف فيه.
أما حكم خيار المجلس في غير أنواع البيوع فلا يثبت الخيار في صلح الحطيطة ولا في الإبراء ولا في الاقالة (إن قلنا) إنها فسخ (وإن قلنا) هي بيع ففيها الخيار.
ولا يثبت في الحوالة (أن قلنا) أنها ليست معاوضة (وإن قلنا) معاوضة لم يثبت أيضاً على أصح الوجهين لأنها ليست على قاعدة المعارضات.
ولا يثبت في الشفعة للمشتري وفي ثبوته للشفيع وجهان مشهوران (أصحهما) لا يثبت وقيل يثبت.
(وأما) من اختار عين ماله لا فلاس المشتري فلا خيار له وفيه وجه أنه يثبت له الخيار ما دام في المجلس والصحيح الأول. ولا خيار في الوقف والعتق والتدبير والطلاق والرجعة وفسخ النكاح وغيره والوصية. ولا في الهبة إن لم يكن هناك ثواب وحتى لو كان هناك ثواب فالأصح عدم ثبوت الخيار فيها لأنها لا تسمى بيعاً.
ويثبت الخيار في القسمة إن كان فيها رد وإلا فإن جرت بالإجبار فلا رد. وإن جرت بالتراضي فإن قلنا إنها اقرار فلا خيار وإن قلنا إنها بيع فلا خيار أيضاً على أصح الوجهين.
ب_ النوع الثاني: العقد الوارد على المنفعة.
فمنه النكاح لا خيار فيه بلا خلاف، ولا خيار في الصداق على أصح الوجهين وهكذا عوض الخلع وأما اجارة العين ففي ثبوت خيار المجلس فيها وجهان ـ وأما الاجارة على الذمة فيثبت فيها الخيار قطعاً كالسلم وفي ابتداء مدتها حينئذ وجهان قيل من وقت انقضاء الخيار بالتفرق وقيل من وقت العقد.
وأما المساقاة ففي ثبوت خيار المجلس فيها وجهان عند الشافعية وكذلك المسابقة([73]).
والخلاصة أن الشافعية يثبتون خيار المجلس في عقد توافرت فيه خمسة قيود.
الأول: أن يكون عقد معاوضة.
الثاني: أن يفسد العقد لفساد العوض.
الثالث: أن تكون المعاوضة واقعة على عين لازمة من الجانبين أو على منفعة مؤبدة بلفظ البيع.
الرابع: ألا يكون في المعارضة تملك قهري.
الخامس: أن تكون المعاوضة غير جارية مجرى الرخص.
وبهذه النصوص يتبين أن العقود التي يدخلها خيار المجلس هي عقد البيع المطلق، السلم، والهبة بشرط العوض، وبيع الطعام بالطعام، والتولية أو صلح المعاوضة على غير منفعة أما العقود التي لا يثبت فيها خيار المجلس فهي النكاح، الخلع الاجارة، الهبة بلا عوض، وصلح الحطيطة الشفعة، المساقاة، الشركة، القراض، الرهن([74]).
أما الحنابلة فيثبتون خيار المجلس في أمور:
الأول: الشركة في ملكه.
الثاني: الصلح عل مال.
الثالث: الاجارة على عين.
الرابع: الهبة بشرط العوض.
الخامس: كل عقد بيع قبضه شرط في صحته([75]).
والعقود التي لا يثبت فيها خيار المجلس عندهم هي:
النكاح، والخلع، والوقف، والهبة بغير عوض، الرهن، ولا خيار لكل من الضامن والكفيل والمكاتب وكذلك لا يثبت في كل عقد جائز من الطرفين كالشركة والمضاربة والجعالة والوكالة والوديعة والوصية.
أما المساقاة والمزارعة والحوالة والشفعة والسبق والرمي فقيل يثبت فيها الخيار وقيل لا يثبت([76]).
الفصل الثاني
خلاف العلماء في خيار المجلس
وأثر هذا الخيار
وتحته مبحثان:
الأول: خلاف العلماء في خيار المجلس.
الثاني: أثر خيار المجلس.
المبحث الأول: خلاف العلماء في خيار المجلس
أ_ أقوال العلماء في خيار المجلس.
ب_ منشأة الخلاف في خيار المجلس.
ج_ أدلة المثبتين لخيار المجلس.
د_ أدلة النافين لخيار المجلس.
هـ_ مناقشة المثبتين لأدلة النافين.
و_ مناقشة النافين لأدلة المثبتين عليهم.
ز_ الترجيح.
خلاف العلماء في خيار المجلس
انقسمت المذاهب في خيار المجلس انقساماً شديداً وكثير بينها الجدل في شأنه. فالحنفية والمالكية ينكرون خيار المجلس وعندهم أن العقد متى تم في مجلسه بصدور القبول امتنع على أي من المتعاقدين بعد ذلك أن يرجع لان صفة العقد الالزام ولا الزام إذ أجرنا لأي منهما الرجوع.
ويبدو أن الحنفية والمالكية في انكارهم لخيار المجلس انما يجعلون مجلس العقد ينفض ضرورة بصدور القبول.
إذ يستوى من الناحية العملية ألا يكون لأحد من المتعاقدين حق الرجوع بعد صدور القبول وأن يكون المجلس قد انفض بصدور القبول.
وإليك أيها القارئ نصوصاً من الكتب المعتمدة في مذهبي الحنفية والمالكية توضح رأيهم في خيار المجلس.
قال ابن الهمام في فتح القدير([77]) (وإذا حصل الايجاب والقبول لزم البيع ولا خيار لواحد منهما إلا من عيب أو عدم رؤية) انتهى.
وقال مالك في المدونة([78]) الكبرى في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا (قلت لابن القاسم هل يكون البيعان بالخيار مالم يتفرقا في قول مالك: قال مالك لا خيار لهما وإن لم يتفرقاـ قال: قال مالك البيع كلام فإذا أوجبا البيع بالكلام وجب البيع ولم يكن لأحدهم أن يمتنع مما قد لزمه.
وقال في حديث ابن عمر ـ البيعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار قال مالك ليس لهذا حد معروف ولا أمر معمول به فيه) انتهى.
وقال ابن رشد في المقدمات([79]) (والبيع لازم للمتبايعين إذا تم البيع بينهما بالكلام وإن لم يتفرقا بالأبدان إلا أن يشترط الخيار) وما روي عن النبي ﷺ من رواية ابن عمر وغيره أنه قال (المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار مالم يتفرقا) إلا بيع الخيار لم يأخذ به مالك رحمه الله ولا رأى العمل عليه لوجهين:ـ
أحدهما:
استمرار العمل بالمدينة على خلافه وما استمر عليه العمل بالمدينة واتصل به فهو عنده مقدم على أخبار الآحاد العدول، لأن المدينة دار النبي ﷺ وبها توفي ﷺ وأصحابه المتوافرون فيستحيل أن يتصل العمل منهم في شيء على خلاف ما روى عن النبي ﷺ وقد علموا النسخ فيها.
والثاني: احتماله للتأويل لأن الافتراق في اللغة يكون بالكلام…انتهى كلامه. والشافعية والحنابلة والظاهرية يقولون بخيار المجلس وعندهم أن أيا من المتعاقدين يكون له خيار الرجوع ما دام مجلس العقد قائماً لم ينفض المجلس بطل الخيار، فكأن المجلس على هذا القول يمتد إلى ما وراء القبول ويبقى ما بقي العاقدان في المجلس.
ويتضح تصور هذا المذهب إذا قلنا أن هناك مجلسين مجلس العقد وينفض بصدور القبول، ومجلس الخيار وهو يعقب مجلس العقد فوراً وينفض بتفرق المتعاقدين بأبدانهما([80]).
ولقد عاب كثير من أهل العلم على مالك مخالفته الحديث مع روايته له وثبوته عنده. قال الشافعي لا أدري هل اتهم مالك نفسه أو نافعا وأعظم أن أقول عبدالله ابن عمر.
وقال ابن أبي ذئب ( يستتاب مالك في تركه لهذا الحديث)([81]).
وهذا الخلاف إنما هو بعد التفرق بالأقوال وأما قبله فالخيار ثابت إجماعاً كما في البحر([82]).
وإليك أيها القارئ نصوصاً من الكتب المعتمدة في المذاهب المثبتة لخيار المجلس.
قال الشيرازي([83]) في المهذب: وإذا انعقد البيع يثبت لكل واحد من المتبايعين الخيار بين الفسخ والامضاء إلى أن يتفرقا أو يتخايرا لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر اختر)([84]) والتفرق أن يتفرقا بأبدانهما بحيث إذا كلمه على العادة لم يسمع كلامه.
وقال النووي([85]) في روضة الطالبين (السبب الأول كونهما مجتمعين في مجلس العقد فلكل واحد من المتبايعين الخيار في فسخ البيع ما لم يتفرقا أو يتخايرا) انتهى.
وقال ابن قدامة([86]). في المغني ـ باب خيار المتبايعين.
مسألة قال أبو القاسم([87]) رحمه الله والمتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما… انتهى.
وقال ابن حزم([88]) في المحلى (مسألة: وكل متبايعين صرفا أو غيره فلا يصح([89]) البيع بينهما أبداً وإن تقابضا السلعة والثمن ما لم يتفرقا بأبدانهما من المكان الذي تعاقدا فيه البيع ولكل واحد منهما ابطال ذلك العقد أحب الآخر أم كره ولو بقيا كذلك دهرهما إلا أن يقول أحدهما للآخر اختر أن تمضي البيع أو أن تبطله) انتهى كلامه.
وبهذا العرض السريع لهذه النصوص من كتب المذاهب الفقهية يتضح لنا أن في خيار المجلس قولين للعلماء.
الأول: المثبتون لخيار المجلس وهم الشافعية والحنابلة والظاهرية ومعهم ابن حبيب وابن عبد البر من المالكية.
الثاني: النافون لخيار المجلس وهم الحنفية والمالكية عدى ابن حبيب وابن عبد البر والهادوية والامامية([90]) والفقهاء السبعة في المدينة وإبراهيم النخعي([91]).
وقد قال بثبوته جماعة من الصحابة منهم علي وأبو برزه الأسلمي وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة ونقله ابن حزم عن عمر وعثمان والعباس رضي الله عنهم. وقال به من التابعين شريح والشعبي وطاووس وعطاء وابن أبي ملكية نقل ذلك عنهم البخاري.
ونقل ابن المنذر القول به أيضاً عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة وعن الحسن البصري. والأوزاعي وابن جريح وغيرهم. ومن أهل البيت الباقر والصادق وزين العابدين وأحمد بن عيسى والناصر والإمام يحي نقل ذلك عنهم صاحب البحر([92]).
وقال به أيضاً اسحاق بن راهويه وأبو ثور القاضي وأبو عبيد والبخاري وابن المبارك وعلي المديني وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري والليث وعبدالله بن الحسن القاضي ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن جرير الطبري.
وحكى صاحب البحر الزخار نفي خيار المجلس عن الثوري والليث والامامية وزيد ابن علي والقاسمية والعنبري([93]).
منشأ الخلاف في خيار المجلس
إذا كان العلماء قد اختلفوا في خيار المجلس خلافاً واسعاً فمنهم من أثبته ومنهم من نفاه فإن هذا الخلاف ناشئ من اختلافهم في فهم الأحاديث الواردة حول هذا النوع من الخيار. فالمثبتون قبلوها على ظاهرها دون تأويل أو اعتراض عليها وأثبتوا بموجبها خيار المجلس للمتبايعين حتى يتفرقا أو يتخايرا. أما النافون فكثرت آراؤهم حول أحاديث خيار المجلس.
فمنهم من ردها لمعارضتها ما هو أقوى منها كقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ]([94]) لأن الراجع عن موجب العقد قبل التفرق لم يف به، وقوله تعالى:[لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]([95]) فهذه آية تدل على أنه بمجرد الرضا يتم البيع.
وقوله تعالى: [وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ]([96]) لأنه لو ثبت خيار المجلس لخلت آية من الفائدة إذ لو وقع الاشهاد قبل التفرق لم يصادف محلاً وإن وقع بعد التفرق لم يطابق الأمر.
فهذه الآيات وأمثالها من أي القرآن وأحاديث الرسول ق تدل على أنه بمجرد صدور القبول بعد الايجاب يلزم البيع ويصبح نافذاً ولا شك أن خيار المجلس ينافي هذا.
ومنهم من ردها ـ أي أحاديث خيار المجلس ـ لكونها معارضة لعمل أهل المدينة إذ هي أخبار آحاد وهي إنما تفيد الظن أما عمل أهل المدينة فهو كالتواتر والتواتر يفيد القطع ولا شك أن ما أفاد القطع مقدم على ما أفاد الظن.
ومن النفاة من صحح أحاديث خيار المجلس ولكنه أولها على غير ظاهرها فأولوا قوله ق:(البيعان) وقوله (الخيار) وقوله (مالم يتفرقا) فقوله البيعان (قالوا المراد بها المتساومان) وقوله (الخيار) وقول(مالم يتفرقا) فقوله البيعان (قالوا المراد بها المتساومان) وقوله بالخيار، قالوا المراد بهذا الخيار خيار القبول أو خيار الزيادة في الثمن أو المثمن لا خيار الفسخ.
وقوله (مالم يتفرقا) قالوا التفرق بالأقوال أو يكون معناه) مالم يتفقا كما يقال للقوم: على ماذا تفرقتم أي على ماذا اتفقتم.
ولكن هذه التأويلات تذهب معها فائدة الأحاديث الصحيحة والصريحة في إثبات خيار المجلس([97]). والله أعلم.
أدلة المثبتين لخيار المجلس: (وهم الشافعية والحنابلة والظاهرية).
1_ ما رواه مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ (البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار) انتهى بلفظ الصحيحين([98]).
2_ وفي لفظ للبخاري ومسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ:(إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار مالم يتفرقا وكانا جميعاً أو بخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع فإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع) ([99]).
3_ وفي لفظ للبخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر قال رسول الله ﷺ: (إذا تبايع المتبايعان بالبيع فكل واحد منهما بالخيار من بيعه مالم يتفرقا أو يكون بيعهما على الخيار فإن كان بيعهما على خيار فقد وجب البيع) ([100]).
4_ وفي لفظ للبخاري ومسلم عن ابن عمر قال رسول الله ﷺ (كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار)([101]). وفي لفظ (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار)([102]). وفي لفظ (البيعان بالخيار مالم يتفرقا أو يختارا قال فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعاً وهو قاعد قام ليجب له([103])، وفي لفظ قال (المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعان على ذلك فقد وجب البيع فإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)([104]).
وبعد سياقنا لهذه الروايات الصحيحة الصريحة في ثبوت خيار المجلس نذكر قول ابن عبد البر في التمهيد بعد سياقه للحديث من طرق متعددة قال ما لفظه (أجمع العلماء على أن هذا الحديث ثابت عن النبي ﷺ وأنه من أثبت ما نقله الآحاد([105]).
وقال ابن رشد بعد سياقه لحديث ابن عمر وهذا حديث اسناده عند الجميع من أوثق الأسانيد وأصحها حتى لقد زعم أبو محمد([106]) أن مثل هذا الاسناد يوقع العلم وإن كان من طريق الآحاد([107]).
5_ وفي رواية للبخاري ومسلم: (فكان ابن عمر إذا بايع رجلاً فأراد ألا يقيله قام فمشى هنيهة ثم رجع إليه([108]).
6_ حديث حكيم بن حزم أن رسول الله ﷺ قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)([109]).
7_ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال: (المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)([110]).
ووجه الدلالة: أنه عبر بالإقالة عن الفسخ أي مخافة أن يختار الفسخ وذلك لأنه أثبت الخيار لكل منهما مالم يتفرقا ثم ذكر الاقالة ومعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاقالة فتعين أن يكون المراد الفسخ بعد المفارقة التي يترتب عليها لزوم العقد.
وروي البيهقي حديث عمرو بن شعيب في سننه بلفظ: (أيما رجل ابتاع من رجل بيعة فإن كل واحد منهما بالخيار حتى يتفرقا من مكانهما إلا أن تكون صفقة خيار)([111]).
ووجه الدلالة: أنه ذكر لفظ مكانهما في الحديث وهذا دليل صريح في إثبات خيار المجلس قال ابن عبد البر: (وإذا ثبت لفظ مكانهما لم يبق للتأويل مجال وبطل بطلانا ظاهراً حمله على تفرق الأقوال([112]).
8_ حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله ﷺ: (البيعان بالخيار مالم يتفرقا)([113]).
9_ حديث أبي برزة، وهو ما روي عن أبي الوضي عباد بن نسيب قال غزونا غزوة فنزلنا منزلاً فباع صاحب لنا فرساً بغلام، ثم أقاماً بقية يومهما وليلتهما، فلما أصبحا من الغد قام الرجل إلى فرسه يسرجه فندم فأتي الرجل وأخذه بالبيع، فأبى الرجل أن يدفعه إليه، فقال بيني وبينك أبو برزه صاحب الرسول ق فأتيا أبا برزه في ناحية العسكر فقالا له هذه القصة فقال أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله ﷺ، قال رسول الله ﷺ: (البيعان بالخيار مالم يتفرقا، ما أراكما افترقتما)([114]).
ووجه الدلالة من الحديث: أن راوي الحديث وهو أبو برزه عن رسول الله ﷺ وهو أعلم بما روى بين كيف يكون التفرق من المجلس ووضح أنهما إذا مكثا معاً ولو كانت المدة
طويلة لا يعد تفرقاً وهذا دليل واضح على ثبوت خيار المجلس شرعاً.
10_ عن ابن عباس أن النبي ق بايع رجلاً فلما بايعه قال اختر ثم قال رسول الله ق هكذا البيع([115]).
ودلالة هذا الحديث في قول الرسول ﷺ للبائع اختر فقد أثبت التخاير حتى يلزم البيع وينقطع خيار المجلس الذي يثبت بمجرد العقد.
11_ وعن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ خير أعرابياً بعد([116]) البيع.
12_ ذكر البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم عن ابن عمر قال: (بعت من أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه مالا بالوادي بمال له بخيبر فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادني البيع، وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا قال عبدالله فلما وجب بيعي وبيعه رأيت أني قد غبنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال)([117]).
ووجه الدلالة من ذلك قول ابن عمر: فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادني البيع فها هو ابن عمر الصحابي الجليل ينفذ قول الرسول ﷺ: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) عملياً حيث فسر التفرق بتفرق الأبدان ولا شك أن الراوي أدرى بما روى.
13_ أثبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه خيار المجلس جاء ذلك في رواية ابن حزم من طريق مسلم حدثنا ليث ـ هو ابن سعيد ـ عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: أقبلت أقول: (من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيد الله (وهو عند عمر بن الخطاب) أرنا ذهبك ثم جئنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك، فقال له عمر: كلا والله لتعطينه ورقة أو لتردن إليه درهمه، فهذا عمر يبيح له رد الذهب بعد تمام العقد وترك الصفقة.
فإن قيل: لم يكن تم البيع بينهما قلنا: هذا خطأ لأن هذا خبر رويناه من طريق مالك بن أوس الحدثان النصري أنه أخبره أنه التمس صرفاً بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضا حتى اصطرف مني وأخذ ذهبه فقلبها في يده ثم قال: حتى يأتيني خازني من الغابة وعمر يسمع، فقال عمر والله لا تفارقه حتى تأخذه.
فهذا بيان أن الصرف قد كان انعقد بينهما فصح عن عمر وبحضرته طلحة وسائر الصحابة يرون فسخ البيع قبل التفريق بالأبدان([118]).
أدلة النافين لخيار المجلس ـ وهم الحنفية والمالكية ـ.
الأدلة السمعية:
1_ قول الله تعالى: [َأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ]([119]).
ووجه الدلالة من الآية:
أن البيع عقد قبل التخيير فيجب الوفاء به امتثال لأمر الله تعالى وخيار المجلس يؤخر هذا الوفاء.
2_ قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]([120]).
ووجه الدلالة من الآية:
أنه بعد الايجاب والقبول يصدق هذا البيع أن يكون تجارة عن تراضي غير متوقف على التخيير حيث أباح الله للمشتري الأكل منه ولو كان خيار المجلس ثابتاً لما أباح
الله له الأكل منه لأن البيع لم يلزم بعد.
3_ قول الله تعالى: [وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ]([121]).
ووجه الدلالة من الآية:
أنه تعالى أمر بالتوثق في الشهادة حتى لا يقع التجاحد للبيع ولا شك أن البيع يحصل قبل الخيار أي بمجرد الايجاب والقبول ولو كان الخيار ثابتاً لما احتيج إلى الشهادة وهذا التوثق. والاشهاد إن وقع بعد التفريق لم يطابق الأمر وإن وقع قبل التفرق لم يصادف محلا.
4_ قول الرسول ﷺ فغي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)([122]).
ووجه الدلالة من الحديث:
قوله: (ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله) إذ لو كان خيار المجلس مشروعاً لم يحتج إلى الاستقالة بل يكفيه الخيار.
5_ حديث حكيم بن حزام إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه([123]) وحديث جابر بن عبدالله قال: (إذا ابتعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه)([124]).
ووجه الدلالة:
أنه أجاز البيع بعد القبض ـ مفهوماً ـ ولو لم يتفرقا مما يدل على أنه ليس هناك خيار مجلس.
6_ حديث ابن عمر في قصة البكر الصعب وهو ما روي عن ابن عمر قال: (كنا مع النبي ق في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده فقال النبي ق لعمر بعينه فقال عمر هو لك يا رسول الله فقال رسول الله ﷺ بعته فباعه من رسول الله ﷺ فقال النبي ﷺ هو لك يا عبدالله بن عمر تصنع به ما شئت)([125]).
وجه الاستشهاد في الحديث:
قوله ـ هو لك يا عبدالله بن عمر تصنع به ما شئت ـ حيث تصرف الرسول صلوات الله وسلامه عليه في المبيع وهما في المجلس ولو كان خيار المجلس ثابتاً لما وهب الرسول البكر الصعب لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما حتى ينفض المجلس أو يحصل التخاير ليلزم البيع.
7_ اقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ما أدركت الصفقة حيا فهو من مال المبتاع([126]) قال ابو جعفر (فهذا ابن عمر رضي الله عنهما قد كان يذهب فما أدركت الصفقة حيا فهلك بعدها أنه من مال المشتري فدل ذلك على أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك وأن البيع ينتقل بتلك الأقوال من مال البائع إلى ملك المبتاع حتى يهلك من ماله إن هلك([127]) وهذا وجه الدلالة من الحديث.
8_ ما ورد في خطبة عثمان قال كنت اشتري التمر فأبيعه بربح الآصع فقال لي رسول الله ﷺ: (إذا اشتريت فاكتل وإذا بعت فكل)([128]).
وجه الدلالة:
أنه إذا اشترى طعاماً لم يجز له بيعه حتى يكتاله فإذا اكتاله جاز له بيعه ولم يشترط
الحديث تفرقاً بالأبدان وهذا نفي واضح لخيار المجلس.
9_ استدل ابن بطال بقول ابن عمر: (وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا)([129]).
ووجه الدلالة:
أن قوله: (وكانت السنة) يدل لعلى أنه كانت في أول الأمر، فأما الزمن الذي فعله فيه ابن عمر فقد كان التفرق متروكاً وإنما فعله رضي الله عنه لشدة اتباعه فقط.
10_ أما مالك رضي الله عنه فاستدل على نفي خيار المجلس بأنه لم يلف عمل أهل المدينة عليه([130]).
وذلك عنده أقوى من خبر الواحد كما قال أبو بكر بن عمرو بن حزم، وإذا رأيت أهل المدينة أجمعوا على شيء فاعلم أنه الحق([131]).
11_ ما رواه مالك أنه بلغه أن عبدالله بن مسعود كان يحدث أن رسول الله ﷺ قال: (أيما بيعين تبايعا فالقول ما قال البائع أو يترادان)([132]).
وجه الدلالة:
أن المتبايعين قد يختلفان وهما في مجلسهما قبل أن يفترقا وهنا لو كان خيار المجلس ثابتاً لما لجأنا إلى قول البائع أو إلى التراد لأن هذا لا يكون إلا في عقد قد تم فدل هذا الحديث على نفي خيار المجلس.
12_ ومن أغرب ما ذكر في أدلة النفاة ما ذكره ابن رشد في كتابه المقدمات إذ زعم أن عثمان قال لابن عمر: (ليست السنة افتراق الأبدان قد انتسخ ذلك)([133]).
وجه الدلالة:
حيث ورد في الأثر نسخ تفرق الأبدان وهذا صريح في نفي خيار المجلس عند ابن رشد.
13_ واحتج بعض النفاة بأن الرسول ﷺ (نهى عن بيع الغرر، ومن الغرر أن يكون لهما خيار لا يدريان متى ينقطع)([134]).
14_ قول عمر رضي الله عنه (البيع صفقة أو خيار)([135]).
وأما القياس:
15_ فقد قاسوا البيع على النكاح والخلع والعتق على مال والكتابة وكل منها عقد معاوضة يتم بلا خيار المجلس بل بمجرد اللفظ الدال على الرضا فكذا البيع، وقال هو كما ذكر الله عز وجل في الطلاق حيث يقول تعالى: [وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ]([136]) فكأن الزوج إذا قال قد طلقتك على كذا وكذا فقالت المرأة قد قبلت تفرقا بذلك القول، وإن لم يتفرقا بأبدانهم.
قالوا وكذلك إذا قال الرجل للرجل قد بعتك عبدي هذا بألف درهم فقال المشتري قد قبلت فقد تفرقا بذلك القول وإن لم يتفرقا بأبدانهما([137]).
وقالوا أيضاً: (قد رأينا الأموال تملك بعقود. في أبدان، وفي أموال، وفي منافع، وفي أبضاع، فكان ما يملك به الأبضاع هو النكاح يتم بالعقد لا بالفرقة بعده فالنظر في ذلك أن يكون كذلك أموالا المملوكة بسائر العقود من البيوع وغيرها تكون مملوكة بالأقوال لا بالفرقة بعدها قياساً ونظراً([138]).
16_ أن خيار المجلس خيار مجهول وذلك لأن مدة الجلوس مدة مجهولة فأشبه ذلك لو اشترطا في البيع شرطاً مجهولا([139]).
17_ واستدل بعض الحنفية فقال: (البيع عقد مشروع بوصف وحكم، فوصفه اللزوم وحكمه الملك. وقد تم البيع بالعقد فوجب أن يتم بوصفه وحكمه، فأما تأخير ذلك إلى أن يفترقا فليس عليه دليل لأن السبب إذا تم يفيد حكمه ولا ينتفي إلا بعارض ومن ادعاه فعليه البيان)([140]).
قال مصادر الحق: (أما الحجة الكبرى التي يستند إليها من يقول بعدم الخيار فهي ما في القول به من شذوذ واهدار لحرمة العقد ذلك أن من يقولون بالخيار لا يريدون أن يقفوا عند المرحلة السابقة لتمام العقد بل يثبتون الخيار وقد جاء الكتاب صريحاً في وجوب المحافظة على هذه الحرمة قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ]([141])، وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]([142])، وقال تعالى: [وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ]([143]).
فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم قبله كان ابطالا لهذه النصوص([144]).
مناقشة المثبتين لأدلة النافين
فند مثبتوا خيار المجلس أدلة نفاته وأتوا عليها كلها واحد بعد آخر ليثبتوا ضعفها أمام قوة أدلتهم فذكروا ما يأتي:
1_ قالوا لفي قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ]([145]) أن المأمور بالوفاء به من العقود ما وافق السنة لا ما خالفها كما لو عقد على الربا فمعلوم بأن العقد على الربا أو غيره من المحرمات لا يجوز، فلزوم عقد البيع قبل المفارقة أو التخيير لا يجوز لأنه مخالف للسنة التي أثبتت خيار المجلس فيجب علينا أن نثبته.
قال ابن حزم بعد سياقه لاستشهاد نفاة خيار المجلس بالآية:[ وهذا حق إلا أن الذي أمرنا بهذا على لسان نبيه هو تعالى الآمر لرسوله عليه السلام أنه لا يصح هذا العقد ولا يتم ولا يكون عقداً إلا بالتفرق عن موضعهما أو بأن يخير أحدهما الآخر بعد التعاقد، وإلا فلا يلزم الوفاء بذلك العقد وهم مجمعون معنا على أنه لا يلزم أحد الوفاء بكل عقد عقده بل أكثر العقود حرام الوفاء بها كمن عقد على نفسه أن يزني أو أن يشرب الخمر([146]).
2_ وناقش المبتعثون قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]([147]).
فقالوا أن هذه آية عامة خصصها ما ورد في السنة من تخصيص بخيار المجلس. قال ابن حزم: (الذي أتى بهذه آية هو الذي من عنده ندري ما هي التجارة المباحة لنا مما حرم علينا وما هو التراض الناقل للملك من التراض الذي لا ينقل الملك.
ولولاه لم نعرف شيئاً من ذلك وهو الذي أخبرنا أن العقد ليس بيعاً ولا هو تجارة ولا هو تراضياً ولا ينقل ملكه إلا حتى يستضيف إليه التفرق عن موضعهما أو التخيير فهذا هو البيع والتجارة والتراضي)([148]).
3_ وقوله تعالى: [وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ]([149]).
رد المثبتون لخيار المجلس على مانعيه عند استدلالهم بهذه آية فقالوا: (إن النسخ لا يثبت بالاحتمال والجمع مهما أمكن لا يصار معه إلى الترجيح والجمع هنا ممكن بين هذا الدليل ودليل خيار المجلس فالله سبحانه وتعالى شرع الشهادة إذا تم البيع وهو تعالى أخبرنا أن البيع لا يتم إلا بعد التفرق أو التخاير([150]).
قال ابن حزم رداً على استدلال النفاة بهذه الآية: ليس في آية نص ولا دليل على بطلان التفرق المذكور في الخبر ثم إن نص آية إنما هو إيجاب الاشهاد إذا تبايعان والذي جاءنا بهذه آية هو الذي أخبرنا أنه لا بيع أصلاً إلا بعد التفرق عن موضعهما أو التخيير، فصح يقينا أن قول الله تعالى: [وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ]([151]) إنما هو أمر بالإشهاد بعد التفرق أو التخيير الذي لا بيع بينهما أصلاً إلا بعد أحدهما([152]).
4_ أما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (البيعان بالخيار مالم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)([153]). فقد رد المثبتون استدلال النافين به فقالوا:
(إن هذا دليل لنا نحن المثبتين كما جعله الترمذي في جامعة دليلا لإثبات خيار المجلس واحتج به على المخالفين لأن معناه مخافة أن يختار فسخ البيع لأن العرب تقول استقلت ما فات عني إذا استدركه فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم([154]).
فعبر في الحديث بالإقالة عن الفسخ والدليل على هذا أشياء أحدها. أنه ق أثبت لكل واحد منهما الخيار مالم يتفرقا ثم ذكر الاقالة في المجلس ومعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاقالة فدل على المراد بالإقالة الفسخ.
الثاني: أنه لو كان المراد حقيقة الاقالة لا يمنعه من المفارقة مخافة أن يقيله لأن الاقالة لا تختص بالمجلس([155]).
5_ حديث حكيم بن حزام: (إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه)([156]).
وحديث جابر: (إذا ابتعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه([157]) قال المثبتون إن هذا البيع لا يسمى بيعاً إلا بعد الافتراق أو التخاير فخيار المجلس ثابت مع ورود هذه النصوص).
6_ حديث ابن عمر في قصة البكر الصعب قال: (كنا مع النبي ق في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويرده، ثم يتقدم فيزجره عمر ويرده فقال النبي ق لعمر بعينه قال: هو مالك يا رسول الله قال رسول الله ﷺ بعينه فباعه من رسول الله ﷺ فقال النبي ﷺ هو لك يا عبدالله بن عمر تصنع به ما شئت)([158]).
قال المثبتون لخيار المجلس: هذا الحديث لا يصح الاعتراض به على أدلة ثبوت خيار المجلس لأن الجمع بينهما ممكن وذلك بأن يكون بعد العقد فارق عمر بأن تقدمه أو تأخر عنه مثلا ثم وهب وليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه فلا معنى للاحتجاج بهذه الواقعة العينية في ابطال ما دلت عليه الأحاديث الصريحة من اثبات خيار المجلس فإنها ـ أي الواقعة ـ إن كانت متقدمة على حديث (البيعان بالخيار) فحديث (البيعان بالخيار) قاض عليها وإن كانت متأخرة عنه حمل على أنه ق اكتفى بالبيان السابق، واستفيد منه أن المشتري إذا تصرف في البيع ولم ينكر البائع كان ذلك قاطعاً لخيار البائع والله أعلم([159]).
7_ وناقش المثبتون قول ابن عمر: (ما أدركت الصفقة حيا فهو من مال المبتاع([160])، فقالوا: إن نفاة خيار المجلس يخالفون هذا الحديث أما الحنفية فقالوا هو من مال البائع مالم يره المبتاع أو ينقله والمالكية قالوا إن كان غائباً غيبة بعيدة فهو من البائع، وأنه لا حجة فيه لأن الصفقة فيه محمولة على البيع الذي انبرم لا على مالم ينبرم جمعاً بين كلاميه([161]).
8_ خطابة عثمان: (إذا اشتريت فاكتل وإذا بعت فكل)[162]) ورد استدلال النفاة بهذا فقال المثبتون إن مثل هذا البيع لا يلزم إلا بعد الاكتيال وانقطاع خيار المجلس بالتفرق أو التخاير وهنا يسمى البيع بيعاً لازماً يجوز لمبتاع السلعة فيه أن يتصرف بها بيعاً وهبة وغير ذلك.
9_ ورد استدلال ابن بطال بقوله ابن عمر: (وكانت السنة أن التابعين بالخيار حتى يتفرقا([163]) بما يأتي:
أ_ ليس في قوله: (وكانت السنة) ما ينفي استمرارها.
ب_ وقد وقع في رواية أيوب بن سويد: (كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار مالم يفترق المتبايعان فتبايعت أنا عثمان، فذكر القصة وهي تبايع عبدالله بن عمر وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وفيها اشعار باستمرار ذلك([164]).
10_ أما دليل مالك وهو أنه لم يلف عمل أهل المدينة على ذلك فقال المثبتون في رده: إن هذا الاصطلاح لمالك وحده منفرد به عن العلماء فلا يقبل قوله في رد السنن لترك فقهاء المدينة العمل به.
وكيف يصح هذا المذهب علماً بأن الفقهاء ورواة الأخبار لم يكونوا مجتمعين في عصره بل منهم السابق له. ثم انهم لم يكونوا منحصرين في المدينة بل متوزعين في أقطار الأرض مع كل عالم قطعة من الأخبار، وهذا الرد لو حكمنا بالتسليم أن فقهاء المدينة كلهم متفقون على نفي خيار المجلس والحقيقة غير ذلك فهذا ابن أبي ذئب أحد أئمة فقهاء المدينة يقول بخيار المجلس وينكر على مالك بألفاظ قاسية حتى قال: (يستتاب مالك وابن عمر والزهري كلهم من فقهاء المدينة وثبت عنهم القول بخيار المجلس بل لم يحفظ عن أحد من علماء المدينة القول بنفي خيار المجلس سوى ما روى عن ربيعه، ويأتي هنا كذلك الرد على من أدعي أنه مخالف لعمل أهل مكة فقد ثبت القول به عن عطاء وطاووس وغيرهما ولا يعرف عن أحد من أهل مكة القول به([165]).
وقد اشتد انكار ابن عبد البر وابن العربي على من زعم من المالكية أن مالكاً ترك العمل به لكون عمل أهل المدينة على خلافة قال ابن العربي إنما لم يأخذ به مالك لأن وقت التفرق غير معلوم فأشبه بيوع الغرر كالملابسة([166]).
11_ أما ما روي عن ابن مسعود أنه كان يحدث أن رسول الله ﷺ قال: (أيما بيعين تبايعا فالقول قول البائع أو يترادان)([167]).
فقد رده المثبتون لخيار المجلس بأنه حديث منقطع لم يثبت اتصاله قال ابن عبد البر حديث ابن مسعود منقطع لا يكاد يتصل أخرجه أبو داود وغيره بأسانيد منقطعة وسبقه إلى ذلك الترمذي([168]).
12_ ورد زعم ابن رشد في المقدمات “أن عثمان رضي الله عنه قال لابن عمر: (ليست السنة بافتراق الأبدان قد انتسخ ذلك)([169]). بأن هذا القول لم يصح اسناده”([170]) ولو فرض صحة اسناده لم يصح الاحتجاج به على أنه قول لصحابي لأن أكثر الصحابة قد نقل عنهم القول بأن الافتراق بالأبدان.
13_ أما احتجاج من احتج من النفاة بكون الرسول ﷺ (نهى عن بيع الغرر)([171]) وخيار الجلس فيه غرر.
فالرد عليه من وجوه أحدهما: أن العقد قبل التفرق بالأبدان أو التخيير ليس بيعاً أصلاً لا بيع غرر ولا بيع سلامه.
الثاني: أنه ليس كما قالوا من أن لهما خياراً لا يدريان متى ينقطع بل أيهما شاء قطعه قطعه في الوقت المناسب بأن يخير صاحبه فأما يمضيه فيتم البيع وينقطع الخيار وأما يفسخه فيبطل حكم العقد وتماديه أو بأن يقوم فيفارق صاحبه كما كان يفعل ابن عمر.
الوجه الثالث: أنه لا يكون غرراً شيء أمر به رسول الله ﷺ لأنه لا يأمر بما نهى عنه معاً حاشا له من ذلك([172]).
14_ قول عمر: (البيع صفقة أو خيار)([173]):
رده المثبتون قائلين أن تسمية البيع الخالي من الخيار المشترط صفقة دون ذكر الخيار المجلس ناتج عن قصر مدة خيار المجلس فكأنه عنده صفقة وقوله (أو خيار، أي بيع فيه اشتراط خيار وهو خيار الشرط، وأيضاً فلا حجة لا حد مع قول النبي ق. قد كان عمر إذا بلغه قول النبي ق رجع عن قوله فكيف يعارض قوله بقوله، على أن قول عمر ليس بحجة إذا خالفه بعض الصحابة وقد خالفه ابنه وأبو برزه وغيرهما([174]).
وقد رد ابن حزم قول عمر لضعف اسناده، وقال موضحاً ذلك أنه رواه الحجاج بن أرطاة عن شيخ من بني كنانه وما أدراك ما شيخ من بني كنانه([175]).
15_ أما القياس على النكاح والخلع الذي استدل به النفاة لخيار المجلس فقد رده المثبتون كما يأتي:
1) قال الشوكاني رحمه الله: (هذا القياس فاسد الاعتبار لمصادمته النص([176]).
2) وقال النووي: (إن النكاح والخلع ليس المقصود منهما المال ولهذا لا يفسدان بفساد العوض بخلاف البيع([177]).
3) وقال ابن حجر في الفتح: (والقياس مع النص فاسد الاعتبار([178]).
4) وقال في مصادر الحق: (أما القياس على النكاح والخلع فجوابه: أن النكاح لا يقع غالباً إلا بعد روية ونظر فلا يحتاج إلى الخيار بعده ولأن في ثبوت الخيار فيه مضرة من رد المرأة بعد ابتذالها بالعقد وذهاب حرمتها بالرد والحاقها بالسلع المبيعة ولهذا لم يثبت فيه أيضاً خيار الشرط ولا خيار الرؤية([179]).
16_ أما قول النفاة لخيار المجلس أنه خيار مجهولة فجوابه: أن الخيار الثابت شرعاً لا يضر جهالة زمنه كخيار الرد بالعيب والأخذ بالشفعة بخلاف خيار الشرط فإنه يتعلق بشرطهما فاشترط بيانه والله أعلم([180]).
17_ وأما قول نفاة خيار المجلس: (أن البيع عقد مشروع بوصف وحكم فوصفه اللزوم وحكمه الملك وقد تم البيع بالعقد فوجب أن يتم بوصفه وحكمه فأما تأخير ذلك إلى أن يفترقا فليس عليه دليل لأن السبب إذا تم يفيد حكمه ولا ينتفي إلا بعارض ومن ادعاه فعليه البيان: فقد أجاب عنه مثبتو خيار المجلس فقالوا: أن البيع سبب للإيقاع في الندم والندم يحوج إلى النظر فأثبت الشارع خيار المجلس نظراً للمتعاقدين ليسلما من الندم ودليله خيار الرؤية وخيار الشرط، وأيضاً فلو لزم العقد بوصفه وحكمه لما شرعت الاقالة لكنها شرعت نظراً للمتعاقدين إلا أنها شرعت لاستدراك ندم ينفرد به أحدهما وخيار المجلس شرع لاستدراك ندم يشتركان فيه([181]).
مناقشة نفاه خيار المجلس لأدلة مثبتيه ورد المثبتين عليهم.
1_ قال النافون:ـ أن أحاديث الخيار التي استدل بها المثبتون منسوخة بقول الرسول ﷺ (المسلمون عند شروطهم)([182]).
ورد المثبتون فقالوا: إن النسخ لا يثبت مع مجرد الاحتمال والتوقيع، ومعلوم أنه إذا أمكن الجمع بين الأدلة فإنه لا يصار معه إلى الترجيح وهنا يمكن الجمع. فيقال أن الشروط المذكورة في الحديث ليست كل الشروط التي يبرمها الناس وهذا محل اتفاق إنما المراد الشروط المباحة وهي التي لا تعارض نصوص الكتاب والسنة أما لو قلنا بتعميم الشروط لشملت شرط الزنا وشرب الخمر وهذا لا يقول به أحد فتبين أن هذا الحديث وأمثاله عمومات مطلقة وأحاديث خيار المجلس خاصة والقاعدة تقول إن العام يبني على الخاص وقد رد ابن حزم هذا الحديث من وجه آخر فطعن في سنده حيث قال إن رواية كثير بن زيد وهو ساقط ومن هو دونه، أو مرسل عن عطاء([183]) ثم قد صح عن رسول الله ﷺ قوله (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل كتاب الله أحق وشرط الله أوثق)([184]) فشرط الله تعالى هو التفرق بالأبدان بعد العقد للبيع أو التخيير وإلا فلا شرط هنالك يلزم أصلاً.
2_ وقال بعض النافين أن حديث خيار المجلس هو من رواية مالك وقد عمل مالك نفسه بخلافه، فدل على أنه عارضه ما هو أقوى منه، والراوي إذا عمل بخلاف ما روى دل على وهن المروى عنده ورد الجمهور على ذلك:ـ
بان الحديث لم ينفرد به مالك وحده وإنما رواه غيره كثير وعملوا به وهم أكثر عدداً رواية وعملا وقد خص كثير من محققي أهل الأصول الخلاف ـ المشهورـ فيما إذا عمل الراوي بخلاف ما روى ـ بالصحابة دون من جاء بعدهم ومن قاعدتهم أن الراوي أعلم بما ـ روى وابن عمر هو راوي الخبر وكان يفارق إذا باع ببدنه فأتباعه أولى من غيره([185]).
3_ وقالت طائفة من النافين أن التفريق في الحديث المقصود به التفرق بالأقوال على حد قوله تعالى: [وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ] ([186]) وقوله تعالى [وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ]([187]). وقوله ق :(ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقه)([188]). أي بالأقوال والاعتقادات.
وقد أجاب الجمهور عن ذلك فقالوا:
إن حمل التفرق بالأقوال خلاف الظاهر فإن السابق إلى الفهم التفرق عن المكان وأيضاً فقد ورد في بعض الروايات (مالم يتفرقا عن مكانهما)([189]). وذلك صريح في المقصود([190]).
قال في فتح الباري رداً على من قال أن التفرق بالأقوال) (يقال لهم ما هو الكلام الذي يقع به التفرق أهو الكلام الذي وقع به العقد أم غيره فإن كان غيره فما هو: فليس بين المتعاقدين كلام غيره، وإن كان هو ذلك الكلام بعينه لزم أن يكون الكلام الذي اتفقا عليه وتم بيعهما به هو الكلام الذي افترقا به وانفسخ بيعهما به وهذا في غاية الفساد([191]).
وقال صاحب المغنى حمل التفرق على الأقوال باطل لوجوه:
1) أن اللفظ لا يحتمل ما قالوه إذ ليس بين المتبايعين تفرق بقول ولا اعتقاد إنما بينهما اتفاق على البيع بعد الاختلاف فيه.
2) أن هذا يبطل فائدة الحديث إذ قدم علم أنهما بالخيار قبل العقد في انشائه وإتمامه أو تركه.
3) أنه يرد تفسير ابن عمر رضي الله عنهما للحديث وكذا أبي برزه وهما راويا الحديث وأعلم بمعناه([192]).
4_ وقال النافون أيضاً سلمنا لكم أن التفرق المذكور في الحديث المراد به تفرق الأبدان، لكن المراد به الاستحباب تحسيناً للمعاملة مع المسلم وليس ذلك واجباً لإتمام العقد. ورد الجمهور عليهم ـ بأن هذا صرف للفظ عن ظاهرة من غير قرينه والأصل اجراء اللفظ على ظاهرة ولاشك أن الظاهر يدل على الوجوب فلماذا تؤولونه على الاستحباب.
5_ وقال آخرون أن المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان لكن ذلك ليس واجباً وإنما يفعله المسلم احتياطا خروجا من الخلاف.
ورد الجمهور عليهم بأن هذا خلاف الظاهر الذي يدل عليه الحديث وهو التفرق بالأبدان وجوبا للزوم البيع.
6_ وقال بعض نفاة خيار المجلس :ـ إن هذا خبر واحد فيما تعم به البلوى بمعرفة حكمه، وخبر الواحد فيما تعم به البلوى غير مقلول لأن العادة تقتضي أن ما عمت به البلوى يكون معلوما عند الكافة فانفراد الواحد به على خلاف العادة فيرد.
وأجيب عن ذلك من قبل المثبتين لخيار المجلس:ـ بأن البيع مما تعم به البلوى لكن الحديث دل على اثبات خيار الفسخ وليس الفسخ مما تعم به البلوى في البيع فإن الظاهر من الاقدام على البيع: الرغبة من كل واحد من المتعاقدين فيما صار إليه، فالحاجة إلى معرفة حكم الفسخ لا تكون عامة واذن فخبر الواحد في مثل هذا الموضع يقبل؛ لأن المعتمد في الرواية على عدالة الراوي وجزمه بالرواية وقد وجد ذلك.
وعدم نقل غيره لا يصلح معارضاً لجواز عدم سماعه للحكم. فإن الرسول ﷺ: (كان يبلغ الأحكام للآحاد والجماعة ولا يلزم تبليغ كل حكم لجميع المكلفين.
وعلى تقدير السماع: فجائز أن يعرض مانع من النقل، أعني نقل غير هذا الراوي. فإنما يكون ما ذكر إذا اقتضت العادة أن لا يخفى الشيء عن أهل التواتر وليست الأحكام الجزئية من هذا القبيل([193]).
7_ وقال تبعض النافين لخيار المجلس: إن المراد بلفظة المتبايعين الواردة في الحديث المتساومان.
ورده الجمهور وقالوا بأن حملكم اللفظ على أن المراد به المتساومان مجاز، والحمل على الحقيقة أو ما يقرب منها أولى.
واعترض على هذا النافون فقالوا بأنه يلزم حمله على المجاز لأنه على تقدير القول بأن المراد التفرق بالأبدان فهو بعد تمام العقد وقد مضى فهو مجاز في الماضي لأن اسم الفاعل في الحال حقيقة وفيما عداه مجاز.
ورد الجمهور هذا الاعتراض وقالوا لا نسلم أنه مجاز في الماضي بل هو حقيقة فيه لان المتبايعين لا يكونان متبايعين حقيقة إلا في حين تعاهدهما ولك عقدهما لا يتم إلا بأحد أمرين إما بإبرام العقد أو التفرق على ظاهر الخبر فصح أنهما متعاقدان ما داما في مجلس العقد فعلى هذا تسميتهما حقيقة بخلاف حمل المتبايعين على المتساومين فإنه مجاز باتفاق([194]) ولكن الطحاوي حاول أن يثبت هذا الاستدلال ويدعمه بالشواهد فقال (إن قولهم) لا يكونان متبايعين إلا بعد أن يتعاقدا البيع وهما قبل ذلك متساومان غير متبايعين لقربهما من التبايع وإن لم يكونا تبايعا وهذا موجود في اللغة فقد سمى اسحاق أو إسماعيل عليهما السلام ذبيحاً لقربه من الذبح وإن لم يكن ذبح فكذلك يطلق على المتساومين اسم المتبايعين إذ قربا من البيع وإن لم يكونا تبايعا([195]).
ورد عليهم ابن حجر فقال: لا يلزم من استعمال المجاز في موضع طرده في كل موضع، فالأصل من الاطلاق الحقيقة حتى يقوم الدليل على خلافة([196]).
وأجاب بعض مثبتي خيار المجلس على حمل (المتبايعان) على المتساومين فقال: الجواب من أوجه:
أحدهما: جواب الشافعي رحمه الله وهو أنهما ما داما في المقاولة يسميان متبايعين ولهذا لو حلف بطلاق أو غيره أنه ما بايع وكان مساوماً وتقاولا في المساومة وتقرير الثمن ولم يعقدا لم يحنث بالاتفاق.
الثاني: أن حمل اللفظ على التبايع يحصل به فائدة لم تكن معروفة قبل الحديث وحمله على المساومة يخرجه عن الفائدة فإن كل أحد يعلم أن المتساومين بالخيار أن شاءا عقدا وإن شاءا تركا.
الثالث: أن راوي الحديث ابن عمر كان إذا أراد الزام البيع مشى قليلا لينقطع الخيار كما ثبت عنه في الصحيحين وهو أعلم بمراد الحديث([197]).
8_ وقال بعضهم: التفرق بالأبدان في الصرف قبل القبض يبطل العقد فكيف يثبت العقد ما يبطله.
ورد الجمهور عليهم: بأن النقد وترك الأجل شرط لصحة الصرف وهو يفسد السلم عندهم([198]).
وقال ابن حزم رداً على هذا القول من النافين: أن المتصارفين لم يملكا شيئاً ولا تبايعا أصلا قبل التقابض وكل متبايعين لم يتم بينهما بيع أصلا قبل التفرق أو التخيير متصارفين كانا أو غير متصارفين، فإن تفرق كل من ذكرنا بأبدانهم قبل ما يتم به البيع فمن كان قد عقد عقداً أبيح له تم له بالتفرق ومن كان لم يعقد عقداً أبيح له فليس ههنا شيء يتم له بالتفرق([199]).
9_ وقال آخرون العمل بظاهر الحديث متعذر فيتعين تأويله وبيان تعذره أنه أثبت الخيار لكل واحد من المتبايعين على صاحبه فالحال لا تخلو:ـ إما أن يتفقا في الاختيار أو يختلفا فإن اتفقا لم يثبت لواحد منهما على صاحبه خيار وإن اختلفا ـ بأن اختار احدهما الفسخ والآخر الامضاء ـ فقد استحال أن يثبت على كل واحد منهما لصاحبه الخيار إذ الجمع بين الفسخ والامضاء مستحيل فيلزم تأويل الحديث وهنا ليس لكم الاستدلال بظاهره.
وأجاب الجمهور على ذلك فقالوا:ـ إن المراد بالحديث أن لكل منهما الخيار في الفسخ أما الامضاء فلا حاجة إلى اختياره لأنه مقتضى العقد فالبيعان عقدا على البيع امضاء والسكوت يدل على الامضاء بخلاف الفسخ([200]).
10_ وقال بعض النافين:ـ إن المراد بقوله ـ حتى يتفرقا ـ أي حتى يتوافقا كما يقال للقوم على ماذا تفارقتم أي على ماذا اتفقتم.
ورد الجمهور عليهم بما ورد في آخر حديث ابن عمر في جميع طرقه ولا سيما في طريق الليث (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار مالم يتفرقا وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر. فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع. فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع. فإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع([201]).
فقوله ـ وإن تفرقا بعد أن تبايعا ـ فيه البيان الواضح أن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الحديث.
11_ وقال بعض نفاة خيار المجلس: لا يتعين حمل الخيار في هذا الحديث على خيار الفسخ فلعله أريد به خيار الشراء أو خيار الزيادة في الثمن أو المثمن.
وأجاب الجمهور: بأن المعهود في كلام النبي ق حيث يطلق الخيار ارادة خيار الفسخ في حديث حبان بن منقذ الذي يخدع في البيوع حيث قال له الرسول ﷺ (ولك الخيار)([202]) وكذلك في حديث المصراة حيث قال عليه السلام (فهو بالخيار ثلاثا)([203]). والمراد بالخيار المذكور في الحديثين خيار الفسخ فيحمل الخيار المذكور ههنا ـ في خيار المجلس ـ عليه لأنه لما كان معهوداً من النبي ﷺ كان أظهر في الإرادة، وأيضاً فإذا ثبت أن المراد بالمتبايعين المتعاقدين فبعد صدور العقد لا خيار في الشراء ولا في الثمن.
12_ وقالت طائفة من نفاة خيار المجلس أن حديث (البيعان بالخيار مالم يتفرقا)([204]). جاء بألفاظ مختلفة فهو مضطرب لا يحتج به([205]).
وأجاب الجمهور عن هذا بأن الجمع بين ما اختلف من ألفاظه ممكن بغير تكلف ولا تعسف فلا يضره الاختلاف وشرط المضطرب أن يتعذر الجمع بين مختلف ألفاظه وليس هذا الحديث من ذلك.
الترجيح :
من خلال هذا العرض لآراء العلماء في خيار المجلس وذكر أدلة كل فريق ورد بعضهم على بعض ومناقشة تلك الأدلة وهذه الردود تبين لنا رجحان الرأي المثبت لخيار المجلس وذلك لما يأتي:
1_ القطع بصحة الأحاديث الواردة فيه ولا سيما حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما الذي يقول فيه الرسول ﷺ (البيعان بالخيار مالم يتفرقا)([206]).
حيث خرجه الأئمة الستة([207]). ورواه جماعة كثيرون عن رسول الله ﷺ منهم ابن عمر، وحكيم ابن حزم، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وسمرة بن جندب، وأبو برزة الأسلمي وغيرهم. ورواه مالك عن نافع عن ابن عمر وهذه هي السلسة الذهبية في رواية ـ الأحاديث.
2_ التفرق المذكور في الحديث المراد به تفرق الأبدان ذلك أنه لو قيل زيد وعمرو تفرقا قبل قليل لفهم منه أنهما تفرقا بأبدانهما لا غير وعلى هذا جرى عرف الناس، والدليل القاطع على هذا ورود لفظ مكانهما في بعض الروايات الصحيحة قال ابن عبد البر وإذا ثبت لفظ مكانهما لم يبق للتأويل مجال.
3_ جماع أدلة نفاة خيار المجلس من النصوص والقياس والمعقول (أما القياس والمعقول فلا يقفان في معارضة الأحاديث الصحيحة).
أما ما استدلوا به من النصوص فعلى فرض شمولها لمحل النزاع فهي أعم مطلقاً فيبنى العام على الخاص والمصير إلى الترجيح مع امكان الجمع غير جائز.
4_ أن ما أورده المانعون من خيار المجلس إنما هو مجرد تأويلات بعيدة تذهب معها فائدة الأحاديث الصحيحة الصريحة بإثباته. إذ قد علم أن كل واحد من المتعاقدين قبل العقد بالخيار وهذا تحصيل حاصل.
5_ ثم إن الحاجة داعية لخيار المجلس ذلك أن الشخص قد يبرم العقد من غير ترو ولا تفكير لكنه بعد مدة يندم ويتحسر على ما أبرمه من العقود. والشريعة الإسلامية جاءت بما يكفل مصالح البشر ولا شك أن من مصلحة المتعاقدين ثبوت الخيار ليدخلا في العقد وهما راضيان مقتنعان بالمصلحة لكل منهما.
المبحث الثاني: أثر خيـار المجلس
يتجلى أثر خيار المجلس في فترة المجلس نفسها حيث لا يحق لواحد من المتعاقدين التصرف في المبيع لأنه لم يستقر ملكه له بعد.
فإن تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار في المبيع تصرفا ينقله كالبيع والهبه والوقف أو يشغله كالإجارة والتزويج والرهن والكتابة ونحوها لم يصح تصرفه إلا العتق([208]) سواء وجد من البائع أو المشتري لأن البائع تصرف في غير ملكه والمشتري يسقط حق البائع من الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه ويبطل خياره لأنه لا حق لغيره فيه وثبوت الخيار له لا يمنع تصرفه فيه كالمعيب فلو كان الخيار للمشتري وحده ثم باع المبيع بربح فالربح له لأن البيع وجب عليه حين عرضه فهو بهذا العرض أبطل خياره وصار البيع لاوما في حقه كالبائع، وكذلك إذا قلنا أن البيع لا ينقل الملك ـ وقت الخيار ـ وكان الخيار لهما أو للبائع وحده فتصرف فيه البائع نفذ تصرفه وصح لأنه ملكه وله ابطال خيار غيره.
أما تصرف المشتري ففيه روايتان عن الإمام أحمد.
الأولى: لا يصح لأن في صحته اسقاط حق البائع من الخيار.
الثاني: هو موقوف فإن تفرقا قبل الفسخ صح وإن اختار البائع الفسخ بطل بيع المشتري([209]).
وقد استدل مجيزوا التصرف في مدة الخيار بما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فكنت على بكر صعب لعمر فكان يغلبني فيتقدم أما القوم فيزجره عمر ويرده ثم يتقدم ـ فيزجره عمر لو يرده فقال النبي ﷺ لعمر بعينه قال هو لك يا رسول الله قال رسول الله ﷺ بعينه فباعه من رسول الله ق فقال النبي ﷺ هو لك يا عبدالله بن عمر تصنع به ما شئت([210]).
فالرسول ﷺ تصرف في المبيع قبل التفرق حيث وهبه لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما قبل أن يفارق عمر رضي الله عنه لكن المانعين من تصرف المشتري في مدة الخيار ردوا الاستدلال بهذا الحديث فقالوا أن الرسول ﷺ فارق عمر بعد العقد وذلك بأن يكون تقدمه في السير أو تأخر عنه([211]). والله أعلم.
الفصل الثالث
في أحكام التفرق
وتحته أربعة مباحث:
الأول: حد التفريق بالأبدان.
الثاني: التفرق بالإكراه وأثره على خيار المجلس.
الثالث: التفرق بالهرب وأثره على خيار المجلس.
الرابع: إذا اختلف المتعاقدان في التفرق.
المبحث الأول: حد التفرق بالأبدان
إذا تفرق المتبايعان بأبدانهما عن مجلس العقد فقد انقطع خيار المجلس ولزم العقد.
وقد اختلف العلماء في حد هذا التفرق.
سئل أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن تفرقه الأبدان؟ فقال إذا أخذ هذا كذا وهذا كذا فقد تفرقا وقيل التفرق أن يغيب عن صاحبه.
وقيل بأن يمشي أحدهما مستديراً لصاحبه خطوات، وقيل هو أن يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه الذي يتكلم به في العادة.
وقال بعضهم هو افتراقهما عن مجلسهما الذي حصل فيه العقد والصحيح والراجح من أقوال العلماء هو عرف الناس وعاداتهم فيما يعدونه تفرقا. فما عده العرف تفرقا فهو كذلك وإلا فلا. لما روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا اشترى مشى أذرعا ليجب ثم يرجع([212]).
ولأن التفرق في الشرع مطلق فوجب أن يحمل على التفرق المعهود ولأن الشارع علق عليه حكما ولم يبينه فدل ذلك على أنه أراد ما يعرفه الناس كالقبض والاحراز.
فمتى تفرقا بأبدانهما تفرقا يعتد به العرف انقطع خيارهما ولزم العقد ولو أقاما في مجلسهما مدة متطاولة أو قاما وتماشيا مراحل أو حجز بينهما حاجز من جدار أو غيره فهما على خيارهما وبه قطع جمهور القائلين بالخيار.
وقيل لا يزيد الخيار على ثلاثة أيام.
وقيل ينقطع بشروعهما في أمر آخر واعراضهما عما يتعلق بالعقد.
والصحيح هو الرأي الأول لما روى أبو برزة عن أبي الوضيء عباد بن نسيب، قال: غزونا غزوة فنزلنا منزلاً فباع صاحب لنا فرسا لغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما فلما أصبحا من الغد قام الرجل إلى فرسه يسرجه فندم، فأتى الرجل وأخذه بالبيع فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال بيني وبينك أبو برزة صاحب النبي ﷺ ، فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقال له هذه القصة فقال أترضيان أن أقضى بينكما بقضاء رسول الله ﷺ ، قال رسول الله ﷺ: (البيعان بالخيار مالم يتفرقا. ما أراكما افترقتما)([213]).
وهكذا لو كانا في دار صغيرة فالتفرق أن يخرج أحدهما منها أو يصعد السطح وكذا لو كانا في مسجد صغير أو سفينه صغيرة.
فإن كانت الدار كبيره حصل التفرق بأن يخرج أحدهما من البيت إلى الصحن، أو من الصحن إلى بيت أو صفه، وإن كانا في صحراء أو في سوق، فإذا ولى أحدهما ظهره ومشى قليلا حصل التفرق([214]).
ولكن يا ترى ما الحكم لو كان البائع هو المشتري؟
إن كان المشتري هو البائع مثل أن يشتري لنفسه من مال ولده أو اشترى لولده من مال نفسه لم يثبت فيه خيار المجلس لأنه تولى طرفي العقد فلم يثبت له خيار كالشفيع، وهذا قول الحنابلة وجمهور الشافعية وفيه وجه آخر أنه يثبت له الخيار ويلزم العقد إذا فارق مجلسه الذي حصل فيه عقد البيع([215]).
ومتى حصل التفرق في كل هذه الأمور لزم العقد لقول الرسول ﷺ: (البيعان بالخيار مالم يتفرقا)([216]). سواء قصدا هذا التفرق أو لم يقصداه علماه أو جهلاه لأن النبي ق علق الخيار على التفرق وقد وجد فلا خيار إذ أبعده.
المبحث الثاني: التفرق بالإكراه وأثره على خيار المجلس
إذا أكره أحد المتعاقدين على التفرق بأن حمل حتى أخرج من مجلس العقد أو ضيق عليه حتى خرج بنفسه ففي بقاء خياره وانقطاعه قولان.
الأول: وهو لبعض الشافعية والحنابلة قالوا: ينقطع خياره لوجود غايته وهو التفرق ولأنه لا يعتبر رضاه في مفارقة صاحب له فذلك في مفارقته لصاحبه.
الثاني: وهو أيضاً لبعض الشافعية والحنابلة قالوا: لا ينقطع خيار المكره لأنه حكم علق التفرق عليه فلم يثبت مع الإكراه كما لو علق عليه الطلاق.
ويترتب على هذا الخلاف أن من قال لا ينقطع الخيار بالإكراه فعنده لا ينقطع خيار الماكث في حالة منعه من الخروج معه فإن لم يمنع ففيه وجهان عند الشافعية ذكرهما النووي في المجموع ثم قال: وأصحهما بطلان خياره.
والثاني لا يبطل من غير فرق بين من حمل مكرهاً أو أكره على التفرق بنفسه وأن أكرها جميعاً انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقة الآخر له فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه.
وقد ألحق الحنابلة بصورة الاكراه مالو رأى المتعاقدان وهما في مجلس العقد سبعا أو ظالماً خشياه أو حملهما سيل أو فرقتهما ريح كل هذا لا ينقطع فيه الخيار بل يثبت لهما إلى أن يتفرقا من مجلس يزول فيه هذا الاكراه لأن فعل المكره غير منسوب إليه([217]). وقد ذكر النووي في روضة الطالبين تفريعات كثيرة حول مسألة الاكراه ثم قال: وليس للمكره الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع بالعاقد الآخر إذا طال الزمان أما أن قصر فهناك وجه يجيز الرجوع([218]).
المبحث الثالث: التفرق بالهرب وأثره على خيار المجلس
إذا هرب أحد المتعاقدين من صاحبه ففي انقطاع الخيار آراء ثلاثة:
الأول: قال قوم ينقطع خيارهما ويلزم العقد لأنه متمكن من الفسخ بالقول ولأنه فارقه باختياره فأشبه مالو مشى على العادة في التفرق وأيضا فلزوم العقد لا يتوقف على رضاهما وقد سبق إلى هذا ابن عمر حيث كان يفارق صاحبه ليلزم البيع وهو راوي حديث خيار المجلس وأعلم بما روى([219]).
الثاني: وقال قوم يحرم هروب الشخص لقصد لزوم العقد وإذا هرب لم ينقطع الخيار معامله له بنقيض قصده واستدل هؤلاء بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا (البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن يكون صفقة خيار فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)([220]).
وحملوا فعل ابن عمر على أنه لم يبلغه الحديث أو على الزام نفسه حتى لا تراوده بالرد لا على منع غيره من الاستقالة وهذا أولى.
الثالث: وفصل قوم فقالوا: إن لم يتبعه الآخر مع التمكن بطل خيارهما لأن ـ الهارب لا يستطيع أن يفارقه إذا لحقه الآخر وتأخره عن اللحاق به رضى بالتفرق.
وإن لم يتمكن غير الهارب من اتباع الهارب بطل خيار الثاني دون الأول.
أما إذا هرب أحدهما وتبعه الآخر فإنه يدوم الخيار ما داما متقاربين فإن تباعدا بحيث تفرقا بطل خيارهما([221]).
المبحث الرابع: إذا اختلف المتعاقدان في التفرق
1_ إذا جاء المتعاقدان معاً فقال أحدهما تفرقنا بعد العقد فلزم.
وقال الثاني لم نفترق وأراد الفسخ. فالقول قول الثاني مع يمينه لأن الأصل في البيع عدم التفرق.
2_ إذا اتفقا على التفرق وقال أحدهما فسخت قبل هذا التفرق وأنكر الآخر قوله ففي هذه المسألة وجهان عند الشافعية.
والصحيح منهما أن القول قول المنكر مع يمينه عملا بالأصل.
والثاني: قول مدعى الفسخ لأنه أعلم بتصرفه.
3_ إذا اتفق المتعاقدين على عدم التفرق وأدعى أحدهما الفسخ وأنكر الآخر فدعوى الفسخ فسخ.
4_ ولو أراد أحد المتعاقدين الفسخ فقال الآخر أجزت قبل هذا. فأنكر مريد الفسخ الإجازة فالقول حينئذ قول المنكر مع يمينه لأن الأصل عدمها.
5_ إذا قال أحد المتعاقدين فسخت قبل التفرق، وقال الآخر لم تفسخ إلا بعد التفرق، ففي هذه المسألة خلاف حاصله أربعة أوجه.
أحدهما: يصدق البائع.
الثاني: يصدق المشتري.
الثالث: يقبل قول السابق بالدعوى.
الرابع: يقبل قول من يدعي الفسخ في الوقت الذي فسخ فيه وقول الآخر في وقت التفرق([222]).
الفصل الرابع
الأحكام المتعلقة بالمبيع والعاقدين
في مدة خيار المجلس
وتحته خمسة مباحث:
الأول: ملك المبيع ونماؤه في مدة خيار المجلس.
الثاني: ضمان المبيع إذا تلف في مدة خيار المجلس.
الثالث: إذا خرس أحد المتعاقدين في مجلس العقد.
الرابع: إذا جن أحد المتعاقدين في مجلس العقد.
الخامس: إذا مات أحد المتعاقدين أو كلاهما في مجلس العقد.
المبحث الأول: ملك المبيع ونماؤه مدة خيار المجلس
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة وحاصل خلافهم ما يلي:
مذهب الحنابلة:
للحنابلة في ملك المبيع مدة خيار المجلس قولان:
أ_ ظاهر المذهب يقول بانتقال الملك إلى المشتري بنفس العقد سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما بائعاً كان أو مشترياً.
ب_ وهناك رواية في المذهب الحنبلي تقول أن الملك لا ينتقل حتى ينقضي الخيار.
المذهب الشافعي:
للشافعية أقوال ثلاثة في ملك المبيع زمن خيار المجلس.
الأول: قال بعضهم أن الملك في المبيع للمشتري والملك في الثمن للبائع.
الثاني: وقال بعضهم أن الملك في المبيع للبائع والملك في الثمن ـ للمشتري.
الثالث: وقال آخرون المبيع موقوف حتى تنقضي مدة الخيار فإن تم البيع بأن حصول الملك للمشتري والثمن للبائع بنفس العقد. وإن لم يتم البيع بأن أن ملك البائع لم يزول وكذا يتوقف في الثمن.
الأدلة:
استدل الحنابلة ومن وافقهم من الشافعية القائلين بانتقال الملك بمجرد العقد للمشتري بما يأتي:
1_ ما ثبت أنه ﷺ قال (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع([223]).
وجه الدلالة من الحديث:
أن النبي ق ذكر أن العبد ينتقل للمشتري بمجرد العقد وأما المال فلا ينتقل إلا بشرط
ولو كان المبيع يبقى للبائع بينه الرسول ﷺ.
2_ ما ثبت أنه ﷺ:(من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المبتاع)([224]).
وجه الدلالة من الحديث:
بيان الرسول ق انتقال المبيع بعد العقد للمشتري وأما الثمرة فتبقى للبائع إلا إذا اشترطها المشتري.
3_ ولأنه بيع صحيح فينتقل الملك عقيبه كالذي لا خيار فيه.
4_ ولأن البيع تمليك والتمليك يدل على نقل الملك إلى المشتري.
واستدل الشافعية ومن وافقهم من الحنابلة القائلين بعدم انتقال الملك إلى المشتري في مدة خيار المجلس بما يأتي:
1) قالوا أن ثبوت الخيار في العقد ينافي انتقال المبيع للمشتري بنفس العقد.
2) قالوا إن مثل هذا العقد قاصر لجواز فسخه.
3) قالوا ولا ينتقل الملك للمشتري لامتناع تصرفه فيه.
وقد رجح ابن قدامة في المغني الرواية المشهورة عند الحنابلة ورد على الشافعية ومن وافقهم من الحنابلة بما يأتي:
1) قولهم ثبوت الخيار ينافي انتقاله للمشتري قال الصحيح أنه لا ينافيه كما لو باع عرضاً بعرض فوجد كل واحد منهما بما اشتراه عيباً.
2) وقولهم أنه قاصر لجواز الفسخ قال العقد غير قاصر وجواز فسخه لا يوجب قصوره ولا يمنع نقل الملك كبيع المعيب.
3) أما امتناع التصرف فهو لأجل حق الغير فلا يمنع ثبوت الملك كالمرهون والمبيع قبل القبض([225]).
والذي يظهر لي أنه إن كان الخيار لهما معاً فيتوقف المبيع حتى تنتهي مدة الخيار ويلزم البيع أو يفسخ وهنا يتبين مالكه.
وإن كان الخيار لأحدهما فالملك لمن له الخيار وهذا هو مقتضى العدل ولأن النفس تتعلق بالمبيع خصوصاً إذا كان الخيار لهما أما إن كان لأحدهما فالذي لا خيار له لا شك أن نفسه لا تتعلق به وهذا هو الذي رجحه النووي رحمه الله في روضة الطالبين([226]).
نماء المبيع في مدة خيار المجلس
اختلف العلماء في نماء المبيع مدة خيار المجلس.
أما الحنابلة فقالوا:
إن ما يحصل من غلات المبيع ونمائه المنفصل في مدة الخيار فهو للمشتري أمضيا العقد أو فسخاه. قال أحمد فيمن اشترى عبداً فوهب له مال قبل التفرق ثم اختار البائع العبد فالمال للمشتري([227]).
واستدلوا على مذهبهم بما يأتي:
1_ قوله ق :(الخراج بالضمان)([228]) وهذا من ضمان المشتري فيجب أن يكون خراجه له.
2_ ولأنهم يرون أن المبيع للمشتري فيجب على هذا أن يكون نماؤه له. أما النماء المتصل فهو تابع أمضيا العقد أو فسخاه.
وأما الشافعية فقالوا:
إن الفوائد المتحصلة من المبيع سواء كانت منفصلة كاللبن أو متصلة كالحمل الحادث في زمن الخيار تكون لمن انفرد بالخيار من بائع أو مشتري وتكون موقوفه إذا كان الخيار لهما معا يستحقها من يظهر له الملك.
وأما الحمل الموجود قبل الخيار فهو مبيع مع أمه فحكمه حكمها وأما الفوائد المتصلة غير الحمل فهي تتبع الأصل في رد المبيع وامضائه([229]).
المبحث الثاني: ضمان المبيع إذا تلف في مدة خيار المجلس
مذهب الحنابلة:
قالو إن ضمان المبيع على المشتري إذا قبضه، فمتى تلف أو نقص أو حدث به عيب في مدة الخيار فهو من ضمانه لأنه ملكه وغلته له ومؤنته تعليه فإن كان عبداً وفي مدة الخيار هل هلال شوال ففطرته عليه وعلى هذا لو تلف في مدة الخيار بطل خيار المشتري واستقر الثمن في ذمته.
مذهب الشافعية:
أما الشافعية فقالوا إذا تلف المبيع فلا يخلو إما أن يكون الذي أتلفه هو المشتري أو البائع أو يكون أجنبياً أو يكون التلف بأفه سماوية.
فإن كان متلفه هو المشتري أو البائع فإن الثمن يستقر عليه ويبطل خياره وإن كان المتلف للمبيع أجنبياً فالبيع لا ينفسخ وعلى الأجنبي القيمة والخيار باق فإن تم البيع فهي للمشتري وإلا فللبائع([230]).
وإن كان التلف بآفة سماوية فلا يخلو:
أما أن يكون التلف قبل القبض أو بعده.
فإن كان قبل القبض انفسخ البيع على أي حال سواء كان الخيار لهما أو لواحد منهما.
وإن كان التلف بعد القبض فلا يخلوا:
إما أن يكون الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما.
فإن كان الخيار للبائع انفسخ البيع ويسترد المشتري الثمن ويرجع عليه البائع بالقيمة بأن يأخذ منه فرق الثمن إذا كان الثمن زائداً على القيمة.
وإن كان الخيار للمشتري أو لهما بقي الخيار فإن تم العقد بأن أجازه المشتري لزمه الثمن وإن لم يجزه لزمته القيمة([231]).
المبحث الثالث: حكم خرس أحد المتعاقدين في مجلس الخيار
إذا خرس أحد المتعاقدين في مجلس الخيار قامت اشارته المفهومة مقام نطقه لدلالتها على ما يدل عليه نطقه وكذا كتابته ـ إن كان يعرف الكتابة أ فإن لم تفهم اشارته أو كان لا يعرف الكتابة أو جن أو أغمي عليه ـ أي الأخرس ـ قام أبوه أو وصيه أو الحاكم مقامه الحاقاً له بالسفيه.
فيثبت لهم من الأحكام ما كان ثابتاً له ويعمل بقولهم في امضاء العقد أو فسخه([232]).
المبحث الرابع: حكم جنون أحد المتعاقدين في مجلس الخيار
اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذا المسألة فمنهم من قال بانقطاع خياره ومنهم من أبقى له الخيار وعلى كل منهما هل يقوم الوصي أو الحاكم مقامه فيه رأيان والتفصيل كالتالي.
المذهب الشافعي:
فيه وجهان عن الشافعية قال بعضهم إذا جن أحد المتعاقدين أو أغمى عليه ينقطع خياره.
والوجه الثاني قالوا ينقطع الخيار بمجرد حصول هذه العاهة وعلى كلا الوجهين عند الشافعية يقوم وليه أو الحاكم مقامه. ويفعل ما فيه الحظ له من الفسخ والإجازة([233]).
وعلى هذا فليس هناك فرق بين الوجهين في نظري إذا المال واحد.
المذهب الحنبلي:
فصل الحنابلة في هذه المسألة فقالوا لا يخلو الجنون إما أن يكون مطبقاً أولاً:
فغن كان الجنون غير مطبق فلا ينقطع خيار من جن في المجلس لعدم وجود التفرق.
وهو على خياره إذا أفاق من جنونه، وهنا لا يثبت الخيار لوليه على الصحيح لأن الرغبة في المبيع وعدمها لا تعلم إلا من جهته.
أما إذا طرأ على أحد العاقدين جنون مطبق فهنا لا ينقطع خياره ولكن يثبت لوليه الخيار فيفعل ما فيه الحظ له من امضاء البيع أو فسخه وذلك لليأس من إفاقة مثل هذا الجنون([234]).
المبحث الخامس: موت أحد المتعاقدين أو كليهما في مجلس الخيار وأثره على الخيار
إذا مات أحد المتعاقدين أو كلاهما في المجلس ففي ثبوت خيار المجلس قولان عند الحنابلة.
أ_ قال بعضهم يبطل خياره، لأنه قد تعذر منه الخيار والخيار لا يورث وكذلك المتعاقد الآخر يبطل خياره لأنه يبطل بالتفرق وهنا حصل تفرق بالموت وهو أعظم من افتراق الأبدان في الحياة.
ب_ وقيل لا يبطل لأن الفرقة بالأبدان لم تحصل فيثبت للحي الخيار إلا إذا حمل الميت من مجلس العقد فيبطل الخيار لأنه حصلت فرقة بالبدن والروح معاً.
أما الشافعية فقالوا لا يبطل خياره بل ينتقل للوارث أو نائبه، وكذا ينتقل لسيد المكاتب ـ الذي مات في المجلس.
أما العاقد الحي فالحنابلة قالوا ينقطع خياره لأن الميت فارقه بالموت وهو أعظم من مفارقة البدن في الحياة ولأن الخيار لا يتبعض سقوطه([235]).
والشافعية ذكروا في هذا وجهين:
أ_ أنه يمتد خياره إلى أن يفارق مجلسه ثم ينقطع.
ب_ يبقى الخيار للعاقد الحي إلى أن يجتمع هو والوارث الآخر. وفصل الشافعية القول غب خيار الوارث لأنهم يرون انتقال الخيار إليه بعد موت مورثه في مجلس العقد فقالوا:
1_ إذا كان الوارث واحداً فلا يخلوا إما أن يكون حاضراً في المجلس أو غائباً عنه.
فإن كان حاضراً في المجلس امتد الخيار بينه وبين العاقد حتى يتفرقا أو يتخايرا.
وإن كان غائباً فله الخيار إذا وصله الخبر لكن كيف تكون مدته.
قيل يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر.
وقيل يمتد إلى أن يجتمع هو والعاقد الآخر. وقيل هو على الفور، وقيل يثبت له الخيار إذا أبصر السلعة ولا يتأخر عن ذلك.
والراجح أن يمتد امتداد مجلس بلوغ الخبر.
2_ أما إذا كان الوارث اثنين فصاعداً فلا يخلوا إما أن يكونوا حضورا في المجلس أو غائبين عنه.
فإن كانوا حضورا في المجلس فلهم الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الآخر، ولا ينقطع بمفارقة بعضهم على الأصح.
وإن كانوا غائبين فعلى وجهين عند الشافعية.
أ_ قيل لهم الخيار إذا اجتمعوا هم والعاقد في مجلس واحد.
ب_ وقيل لهم الخيار إذا اجتمعوا بالعاقد ولو متفرقين في مجلس أو مجلسين([236]).
وإذا فسخ بعضهم وأجاز البعض الآخر فهناك وجهان:
الأول: لا ينفسخ في شيء.
الثاني: ينفسخ في الجميع وهو الصحيح عند الشافعية قياساً على المورث في حياته إذا فسخ في البعض وأجاز في البعض.
الباب الخامس
إذا تبايعا ولم يضمهما مجلس واحد
وأحكام الفسخ والاجازة
وتحته أربعة مباحث:
الأول: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق المناداة.
الثاني: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق الكتابة.
الثالث: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق الهاتف.
الرابع: أحكام الفسخ والاجازة.
المبحث الأول: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق المناداة
إذا تنادى المتباعدان ـ كأن يكونا في بيتين من دار أو صحن وصفه ـ وتبايعا فالبيع صحيح.
أما خيارهما ففيه وجهان:
الأول: قيل لا خيار لهما لأن التفرق الطارئ يقطع الخيار فالمقـــارن يمنع ثبوته.
الثاني: وقيل يثبت لهما الخيار ما داما في موضعهما.
فإذا فارق أحدهما موضعه بطل خياره، أما خيار الباقي في مكانه ففيه وجهان. أحدهما: قيل يبطل خياره بمجرد بطلان خيار المفارق لموضعه.
ثانيهما: وقيل بل يدوم خياره حتى يفارق موضعه.
والصحيح من هذا كله ثبوت الخيار لهما وأنه يبطل لهما بمجرد مفارقة أحدهما موضعه([237]).
المبحث الثاني: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق الكتابة
إذا تبايعا بطريق المكاتبة فيما بينهما على نحو ورق أو ما يقوم مقامه فهي كتابه في البيع ينعقد بها مع النية قولاً واحداً عند الشافعية ويثبت تبعاً لذلك الخيار في هذا البيع.
أما الحنابلة فعلى القول بصحة البيع بالكتابة يثبت عندهم الخيار أما الذين يمنعون البيع بطريق المكاتبة فمن باب أولى لا يثبتون الخيار للمتبايعين وصورة البيع عن طريق الكتابة: كأن يكون المتبايعان في بلدتين أو بلدة واحدة وكل منهما في جهة بعيدة عن صاحبه.
فيكتب أحدهما خطابا للثاني يوجب فيه البيع ثم يرد المتعاقد الآخر على الكتابة بمثلها متبعا قبوله لإيجاب البائع ويشترط صدور القبول من المشتري حال وصول الكتاب له يتلو قبوله إيجاب البائع بقدر الإمكان.
أما خيار المجلس في هذه الصورة فحكمه كالتالي:
إذا قيل المكتوب إليه البيع ثبت له الخيار ما دام في مجلس قبوله لهذا البيع، أما البائع فخياره يكون قبل فله أن يتراجع عن ايجابه لكن بشرط أن يكون هذا التراجع قبل قبول صاحبه والتفرق في بيع المكاتبة يحصل بمفارقة مجلس وقع فيه قبول من مشتر أو من يقوم مقامه([238]). وهناك من يرى أن التعاقد الآخر إذا قبل في مجلس بلوغ الكتاب أو أداء الرسالة فليس له بعد ذلك خيار لأن حديث خيار المجلس يقتصر على التعاقد ما بين الحاضرين إذ يفترض أنهما لم يتفرقا([239]).
المبحث الثالث: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق الهاتف
من العلماء من منع البيع عن طريق الهاتف ومنهم من صححه وهذا هو الأظهر لأن فيه تسهيلاً على الناس خصوصاً أن البيع يحصل الآن بين المتعاقدين عن طريق الهاتف ولو كان أحدهما في الشرق والآخر في الغرب ولا شك أن عالمية التشريع الإسلامي وخلوده يقضيان بجواز مثل هذا البيع ولكن كيف يكون خيار المجلس فيه.؟
يبدأ الخيار إذا كان البيع عن طريق الهاتف من صدور القبول من المشتري تاليا الايجاب من البائع أثناء كلامهما لأن مثل هذا البيع يعتمد على السماع لا غير.
وتنتهي مدة الخيار بانتهاء كلامهما لأن التفرق بالبدن لا مجال له هنا إذ لا يرى أحدهما الآخر.
وإنما المعول عليه هو السمع فمتى انقطع الكلام بينهما لزم العقد ولكن لو بقيا يتكلمان مع بعضهما مدة طويلة فإن خيارهما يبقى ما بقيا قياساً على بقائهما في مكان واحد. . والله أعلم.
المبحث الرابع: أحكام الفسخ والإجازة في مدة خيار المجلس
يحصل الفسخ بألفاظ منها:
قول البائع فسخت البيع أو استرجعته، أو رددت الثمن وقول البائع في مدة الخيار لا أبيع حتى يزيد المشتري في الثمن ثم يقول المشتري لا أزيد في الثمن فسخ.
وكذا قول المشتري لا أشتري حتى ينقص لي البائع من الثمن ثم يقول البائع لا أنقص من الثمن فسخ.
وكذا لو طلب البائع حلول الثمن المؤجل، أو طلب المشتري تأجيل الثمن الحال فهذا كله فسخ.
ولو باع أحدهما جاريه ثم وطئها في مدة الخيار فإن هذا فسخ لأن هذا اشعار منه باختيار الامساك.
ومن العلماء من قال ليس هذا بفسخ، ومنهم من فصل فقال إن نوى بالوطء الفسخ فهو فسخ والا فلا.
وإن كان الذي يطأ الجارية هو المشتري والبائع يعلم بذلك وهو ساكت فقال الشافعية إن هذا اجازة منه للعقد.
والصحيح أن هذا ليس اجازة من البائع إلا إذا كان الوطء بإذن منه لكن هل يعتبر وطء المشتري اجازة منه للعقد.؟
الصحيح أنه اجازة وهناك وجه يمنع ذلك.
الفصل السادس
فيما ينقطع به خيار المجلس
وتحته ثلاثة مباحث:
ينقطع خيار المجلس بواحد من أمور ثلاثة:
الأول: التخاير.
الثاني: التفرق بالأبدان.
الثالث: التصرف بالسلعة المبيعة في مدة الخيار.
المبحث الأول: التخـاير
كل عقد ثبت فيه خيار المجلس فإنه ينقطع بالتخاير وهو أن يذكر ما يدل صريحاً على أنهما قد التزما عقد البيع كأن يقولا اخترنا لزوم العقد أو أمضيناه أو أجزناه أو أبطلنا الخيار أو أفسدنا الخيار اختياراً لا كرهاً أما إذا لم تكن صيغة ابطال الخيار صريحه كما إذا قالا تخايرنا ولم يذكرا عقد البيع فإن ذلك يحتمل الفسخ والامضاء فيصدق من يدعي الفسخ مع يمينه([240]).
فإذا قال أحدهما لصاحبه اختر أو اخترتك وقال الآخر اخترت انقطع خيارهما ولكن هذا ليس محل اتفاق من العلماء بل فيه خلاف وجملته كالتالي:
1) التخاير بعد العقد.
2) التخاير في ابتداء العقد.
3) إذا خير أحدهما وسكت الآخر.
1) التخاير بعد العقد:
روى عن أحمد رحمه الله في انقطاع خيار المجلس بالتخاير روايتان:
الأولى: أن الخيار يمتد إلى التفرق ولا يبطل بالتخاير قبل العقد ولا بعده وهذه التي رجحها الخرقي رحمه الله لأن أكثرت الروايات عن النبي ﷺ في حديث خيار المجلس هي (البيعان بالخيار مالم يتفرقا)([241]) من غير تقييد ولا تخصيص وبهذه الرواية رواه حكيم بن حزام وأبو برزه وأكثر الروايات عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين.
الثانية: أن الخيار يبطل بالتخاير وهذا مذهب الشافعي قال ابن قدامة وهذه الرواية أصح لقول النبي ﷺ في حديث ابن عمر (فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعان على ذلك فقد وجب البيع)([242]).
وفي لفظ (المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب البيع)([243]). والأخذ بالزيادة أولى. .
2) التخاير في ابتداء العقد:
أ_ الصحيح عند الشافعية ورواية مرجوحه عن أحمد أنه لا ينقطع الخيار إذا كان التخاير في ابتداء العقد لأنه اسقاط للحق قبل سببه فلم يجز كخيار الشفعة.
ب_ الصحيح عند الحنابلة ورواية مرجوحة عند الشافعية أنه يتقطع خيار المتخايرين في ابتداء العقد لقوله ﷺ: (فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)([244]). وقوله ﷺ: (ألا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار وجب البيع)([245]).
وهذا صريح في الحكم فلا يعول على ما خالفه.
وقد رجح ابن قدامة في المغنى الرواية المشهورة عند الحنابلة القائلة بانقطاع الخيار متى تخايرا في ابتداء العقد ورد على تعليلهم بقوله ـ وقولهم أنه اسقاط للخيار قبل سببه ليس كذلك فإن سبب الخيار البيع المطلق فأما البيع مع التخاير فليس بسبب له ثم لو ثبت أنه سبب الخيار لكان المانع مقارن فلم يثبت حكمه وأما الشفيع فإنه أجنبي من اشتراط اسقاط خياره في العقد بخلاف مسألتنا([246]).
3) إذا قال أحدهما لصاحبه اختر فسكت المخاطب فما حكم التخاير؟
أما الساكت فلا ينقطع خياره على الصحيح الشافعية. وأما الذي قال لصاحبه اختر ففي انقطاع خياره رأيان.
الأول: قيل يسقط خياره لأن كل من المتعاقدين يملك الخيار فلم يكن تخييره لصاحبه تمليك الخيار بل هو اسقاط لخيار نفسه.
الثاني: وقيل بل لا ينقطع خيار القائل كما لو قال لزوجته اختاري فسكتت فإن خيار الزوج في طلاقها لا يسقط.
قال في مصادر الحق (ولكن الأولى أن ينقطع خياره ويفارق الزوجة لأن تخييره لها لا يحمل على اسقاط خيار نفسه بل على تمليكه اياها خياراً لم تكن تملكه قبل التخيير([247]).
المبحث الثاني: التفرق بالأبدان
إذا صدر الايجاب من البائع والقبول من المشتري وهما في المجلس ولم يتخايرا بقي خيارهما حتى يتفرقا والتفرق بالأبدان المرجع فيه إلى عرف الناس وعاداتهم وفيما يعتبرونه تفرقا لأن الشارع علق على التفرق حكما ولم يبينه فدل ذلك على أنه أراد ما يعرفه الناس([248]).
فإن كان المشتري هو البائع كأن يشتري لنفسه من مال ولده أو يشتري لولده ومن مال نفسه وقلنا بثبوت خيار المجلس فالتفرق يحصل بمفارقة للمجلس الذي حصل فيه البيع لأن الافتراق بمعناه الحقيق لا يمكن هنا لأن البائع هو نفسه المشتري ومتى حصل التفرق لزم العقد قصداً ذلك أو لم يقصداه علماه أو جهلاه لأن النبي ص علق انتهاء الخيار على التفرق وقد وجد.
وإذا هرب أحدهما من صاحبه لزم العقد لأنه فارقه باختياره ولا يقف لزوم العقد على رضاهما ولهذا كان ابن عمر يفارق صاحبه ليلزم البيع.
وإن فارق أحدهما الآخر مكرها لا ينقطع خياره لأن الخيار حكم علق على التفرق فلم يثبت مع الاكراه ولأن المكره لم يوجد منه أكثر من السكوت والسكوت لا يسقط الخيار وينقطع خيار غير المكره من المتعاقدين كما لو هرب من صاحبه وفارقه بغير رضاه.
وقيل بل ينقطع خيار المكره وغير المكره لأن الخيار غايته التفرق وقد وجد ولأن المكره كان يمكنه أن يفسخ بالتخاير فإذا لم يفعل فقد رضى بإسقاط الخيار ولأنه لا يعتبر رضاء المتعاقد في مفارقة صاحبه له فكذلك في مفارقته لصاحبه.
وإن أكرها جميعاً انقطع خيارهما لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقه الآخر له فأشبه مالو أكره صاحبه دونه.
وذكر الفقهاء من صور الاكراه مالو رأيا سبعاً أو ظالماً خشياه أو حملهما سيل أو فرقت بينهما ريح.
وموت أحد المتعاقدين قبل التفرق وانفضاض المجلس يبطل خياره عند أحمد لأنه قد تعذر منه الخيار والخيار لا يورث والأصح عند الشافعي أن موت المتعاقد لا يبطل خياره فيثبت للوارث قياساً على خيار الشرط ومن بقى من المتعاقدين حيا يبطل خياره لأن الخيار يبطل بالتفرق والتفرق بالموت أعظم وقيل لا يبطل لأن التفرق بالأبدان لم يحصل.
فإن حمل الميت بطل الخيار لأن الفرقة حصلت بالبدن والروح معا.
ولو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع ولا خيار لهما لأن حصول البيع منهما بهذه الصورة مسقط للخيار ـ ولأن التفرق الطارئ يقطع الخيار فالمقارن يمنع ثبوته.
وقيل بل يثبت لهما ما داما في موضعهما فإذا فارق أحدهما موضعه بطل خياره وأما خيار الآخر. فقيل يبطل بمجرد بطلان خيار الأول وقيل بل يدوم إلى أن يفارق مكانه.
وقد اختلف الشافعية فيما لو تبايعا بشرط نفي الخيار.
فقال بعضهم البيع من أصله باطل.
وقال البعض الآخر البيع صحيح ولكن لا خيار لهما لأنهما أسقطاه مسبقاً برضهما وقياساً على مالو أسقطاه بعد البيع عن طريق التخاير.
وقال آخرون منهم البيع صحيح والخيار ثابت لأن نفيه اسقاط لما أثبته الله سبحانه وتفويت للمصلحة الحاصلة من تشريع خيار المجلس.
أما الحنابلة فالخيار يسقط عندهم إذا اشترط المتعاقدان عدم الخيار قبل تمام العقد كأن يقولا تبايعنا على أن لا خيار بيننا أو يقول أحدهما بعتك على أن لا خيار بيننا فيقول الآخر قبلت ولو يزد على ذلك.
المبحث الثالث
وكما يبطل الخيار بالتخاير والتفرق بالأبدان كذلك يبطل بالتصرف في السلعة مدة الخيار فإذا باع المشتري السلعة في مدة الخيار أو وهبها أو أجرها فإن هذا يعتبر الزاماً للعقد وإبطالاً لخيار نفسه.
فمتى تصرف البائع بالثمن، أو المشتري بالثمن تصرفا يدل في نظر العرف على الرضا فلا يحق للمتصرف أن يفسخ، وإن لم يفترقا لأن معنى الخيار أن يختار امضاء العقد أو فسخه ولا فرق بين أن يختار ذلك بالقول أو يختاره بالفعل.
الفصل السابع
الآثار الواردة في خيار المجلس
وأحكام الوكيل فيه
وتحته مبحثان:
الأول: الآثار الواردة في اثبات خيار المجلس عن الصحابة والتابعين.
الثاني: انتقال الخيار من الوكيل إلى الموكل حالة الموت.
المبحث الأول: الآثار الواردة في إثبات خيار المجلس عن الصحابة والتابعين
1_ روى أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقيله قام فنشى هينة ثم رجع إليه([249]).
2_ روى سالم بن عبدالله عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال (بعت من أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهما ملا بالوادي بمال له بخيبر فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادني البيع، وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا قال عبدالله فلما وجب بيعي وبيعه رأيت أني قد غنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال وساقني إلى المدينة بثلاث ليال)([250]).
3_ وروى سعيد بن منصور عن خالد بن عبدالله عن عبدالعزيز بن حكيم قال (رأيت ابن عمر اشترى من رجل بعيراً فأخرج ثمنه فوضعه بين يديه فخيره بين بعيره وبين الثمن)([251]).
4_ وذكر البيهقي بسنده عن أبي زرعة قال: قال جرير بايعت رسول الله ﷺ على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم، قال: فكان جرير إذا بايع انسانا شيئاً قال إن ما أخذنا منك أحب الينا مما أعطيناك فاختر، يريد بذلك اتمام بيعته([252]).
5_ روى ابن حزم من طريق مسلم قال حدثنا قتيبة حدثنا ليث ـ هو ابن سعد ـ عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: (أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيد الله وهو عند عمر بن الخطاب أرنا ذهبك ثم جئنا إذا جاء خادمنا نعطيك ورقك فقال له عمر كلا والله لتعطينه ورقة أو لتردن إليه درهمه).
فهذا عمر يبيح له رد الذهب بعد تمام العقد وترك الصفقة([253]).
6_ حديث أبي برزه، وهو ما روى عن أبي الوضئ عباد بن نسيب قال غزونا غزوة فنزلنا منزلا فباع صاحب لنا فرسا بغلام، ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما فلما أصبحا من الغد قام الرجل إلى فرسه يسرجه فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع، فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال بيني وبينك أبو برزة صاحب النبي ﷺ فأتها أبا برزة في ناحية العسكر فقالا له هذه القصة، فقال أترضيان أن أقضى بينكما بقضاء رسول الله ﷺ، قال رسول الله ﷺ: (البيعان بالخيار مالم يتفرقا ) ما أركما افترقتما([254]).
7_ وروى ابن حزم بسنده عن أبي زرعة رضي الله عنه أن رجلا ساومه بقرس له فلما بايعه خيره ثلاثا ثم قال أبو زرعه سمعت أبا هريرة يقول هذا البيع عن تراض([255]).
8_ حدث أبو الضحى أنه شهد شريحاً اختصم إليه رجلان اشترى أحدهما دارا من الآخر بأربعة آلاف فأوجبها له ثم بدا له في بيعها قبل أن يفارق صاحبه فقال لا حاجة لي فيها، فقال البائع بعتك وأوجبت لك فاختصما إلى شريح فقال شريح هو بالخيار مالم يتفرقا.
9_ وروى عن الشعبي أن رجلا اشترى برذونا فأراد أن يرده قبل أن يتفرقا فقضى الشعبي أنه قد وجب عليه فشهد عنده أبو الضحى أن شريحاً أتى في مثل ذلك فرده على البائع فرجع الشعبي إلى قول شريح.
10_ وحدث ابن سرين أنه شهد شريحا يقضي بين المتخاصمين اشترى أحدهما من الآخر بيعا فقال أني لم أرضه وقال الآخر بل قد رضيته فقال شريح بينتكما أنكما تصادرتما عن رضى بعد البيع أو خيار أو يمينه بالله ما تصادرتما عن رضى بعد البيع ولا خيار([256]).
المبحث الثاني: انتقال الخيار من الوكيل إلى الموكل حالة الموت
يثبت خيار المجلس للوكيل دون الموكل لأنه متعلق بالعاقد لكن لو مات الوكيل هل ينتقل الخيار إلى الموكل, العلماء رحمهم الله قاسوا هذه المسألة على مسألة انتقال الخيار من المكاتب ـ إذا مات ـ في مجلس العقد إلى سيده ووجه الشبه بينهما أن الملك حصل بعقد الوكيل للموكل لا بطريق الارث فمن الشافعية من قال أن الخيار لا يسقط بمجرد الموت بل ينتقل إلى الموكل كما ينتقل في مسألة المكاتب إلى السيد وعلى هذا إن كان الذي انتقل إليه الخيار حاضراً ثبت له الخيار إلا أن يتفارقا أو يتخايرا وإن كان غائباً ثبت له الخيار إلى أن يفارق الموضع الذي بلغه فيه.
ومنهم من قال يسقط الخيار في بيع الوكيل كما يسقط في بيع المكاتب لأن كلا من الموكل والسيد يملكان بحق الملك فلا ينتقل إليهما شيء بعد موت كل من الوكيل والمكاتب بخلاف يرهما فإنهم يملكون بحق الإرث([257]).
ولو حضر الموكل مجلس العقد وحجر على الوكيل في خيار المجلس فمنعه الفسخ والإجازة فما الحكم؟ ذكر النووي في روضة الطالبين عن الغزالي أن فيه احتمالين:
أحدهما: يجب الامتثال وينقطع خيار الوكيل وهذا يقتضي رجوع الخيار إلى الموكل وكيف؟ وهو من لوازم السبب السابق وهو البيع والذي عقده الوكيل.
الثاني: لا يمتثل وعلى هذا لا يرجع الخيار إلى الموكل ولكن ينشأ أشكال وهو مخالفة شأن الوكالة التي مقتضاها امتثال قول الموكل والذي يبعد هذا الاشكال أن الخيار من لوازم السبب السابق عليه وهو البيع والاحتمال الثاني أرجح لقوة مأخذه([258]).
الباب الثاني
خيار العيب
ويشمل تسعة فصول هي:
الأول: في التعريف والأدلة والشروط.
الثاني: أحكام ثبوت خيار العيب والاخبار بالمعيب.
الثالث: العيب طريقة وتحديده وحكم العقد فيه.
الرابع: الرد بالعيب كيفيته وهل هو على الفور أم على التراخي وأنواع العيب.
الخامس: أحكام البراءة من العيوب والزيادة والنقصان.
السادس: أقسام العيب.
السابع: أحكام الأرش والاختلاف في المبيع.
الثامن: الانتفاع بالمبيع ووضع الجوائح.
التاسع: الأحكام المتعلقة بالمبيع إذا كان عبداً أو أمه ومسقطات خيار العيب وأمثلته.
الفصل الأول
في التعريف والأدلة والشروط
وتحته ثلاثة مباحث:
الأول:
أ_ تعريف خيار العيب في اللغة.
ب_ تعريف خيار العيب في الاصطلاح.
الثاني: أدلة خيار العيب.
الثالث: الشروط الواجب توفرها لثبوت خيار العيب.
المبحث الأول:
1_ تعريف خيار العيب في اللغة:
الخيار: اسم مصدر من اختار يختار اختيار يقال أنت بالخيار وبالمختار أي اختر ما شئت([259]).
ويقال خيره أي فوض إليه الخيار.
وخير بين الأشياء فضل بعضها على بعض والشيء على غيره فضله عليه وفلانا فوض إليه الاختيار، يقال خيره بين الشيئين، واختاره انتقاه واصطفاه، والخيار اسم بمعنى طلب خير الأمرين، ويقال هو الخيار، يختار ما يشاء المختار المنتقى ـ للمفرد والمذكر وفروعهما([260]).
والاستخارة أن تسأل خير الأمرين لك([261]).
العيب: الاضافة في خيار العيب من اضافة الشيء إلى سببه، وهو مصدر عاب يعيب من باب سار يسير يقال عاب الشيء عيباً وعابا صار ذا عيب والشيء جعله ذا عيب فهو عائب وهو لازم ومتعد يقال عاب الشيء وعبته، والمفعول معيب ومعيوب، وفلانا نسبة إلى العيب، والعيب الوصمة وجمعه عيوب والمعيب مكان العيب وزمانه([262]) ويقال رجل عيبه كهمزه وعيار وعيابه كثير العيب للناس([263]).
ويقال عاب الحائط وغيره إذا ظهر فيه عيب([264]).
وقال أبو الهيثم في قوله تعالى [فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا]([265]). أي أجعلها ذات عيب يعني السفينة([266]).
قال في لسان العرب (والجمع أعياب وعيوب، الأولى عن ثعلب وأنشد).
كيما أعدكم لا بعد منكم | *** | ولقد يجاء إلى ذوى الأعياب |
ورجل عياب وعيابه وعيبه كثير العيب للناس
قال الشاعر:
اسكت ولا تنطق فأنت خياب | *** | كلك ذو عيب فأنت عياب |
وأنشد ثعلب:
قال الجواري ما ذهبت مذهباً | *** | وعيبني ولم أكن معَّيباً |
وقال:
وصاحب لي حسن الدعابة | *** | ليس بذي عيب ولا عيابه |
وتقول ما فيه معابه ومعاب أي عيب ويقال موضع عيب.
قال الشاعر:
أنا الرجل الذي قد عبتوه | *** | وما فيه لعياب معاب([267]). |
تعريف خيار العيب اصطلاحاً:
تتفق معظم كتب الفقه في تعريف خيار العيب وأن اختلفت في بعض الألفاظ وخلاصة ذلك أنه ما أوجب نقصان الثمن عند التجار وعرفت سلامة المبيع منه غالباً.
وقد وضع الفقهاء رحمهم الله ضوابط دقيقة يمكن بواسطتها معرفة العيب الذي يثبت فيه الخيار وإليك بيانها:
1_ ضابط العيب عند الحنفية والشافعية (هو الذي تنقص به قيمة المبيع أو يفوت به على المشتري غرض صحيح).
فمثال ما تنقص به قيمة المبيع جماح الدابة عند ركوبها وعدم انقيادها لصاحبها بخلاف ما إذا كان بها عيب يسير لا ينقص القيمة كقطع صغير في فخذها أو رجلها فإن ذلك لا يضرها فلا ترد به، ومثال ما يفوت به غرض صحيح على المشتري أن يشتري شاه ليضحي بها فيجد في أذنها قطعاً يمنع صحة الأضحية بها فإن ذلك القطع وإن لم ينقص قيمة الشاة ولكن يفوت على المشتري غرضاً صحيحا فله ردها وكذا إذا اشترى خفا أو ثولا ليلبسه فوجده ضيقاً لا يكفيه فإن ذلك عيب بنافي ـ استعماله فيفوت على المشتري غرضه من شرائه فيرد به.
2_ المالكية قالوا ضابط العيب الذي يرد به المبيع هو ما كان منقصا للثمن كجماح الدابة وعدم انقيادها أو منقصا لذات المبيع كحصاء الحيوان إذا كان الخصاء ينقصه عرفاً أو يكون منقصا للتصرف كما إذا كانت يده اليمنى ضعيفة ويسمى أعسر أو كان مخوف العاقبة كما إذا كان مصابا بمرض معد.
3_ الحنابلة قالوا ضابط العيب الذي يثبت معه الخيار هو نقص عين المبيع كخصاء حيوان ولو لم ينقص به القيمة، أو نقص قيمته عادة في عرف التجار ولو لم تنقص به القيمة، أو نقص قيمته عادة في عرض التجار ولو لم تنقص عينه، وعرفه بعضهم بأنه نقيصة يقتضى العرف سلامة المبيع منها غالبا([268]).
4_ الزيدية قالوا ضابط العيب عندنا هو كل وصف مذموم تنقص به قيمة ما اتصف به عن قيمة جنسه السليم نقصان عين كالعور، أو زيادة كالأصبع الزائدة، أو حال كالبخر والأباق([269]).
خيار العيب ينبثق من روح الشريعة الإسلامية ومبادئها:
الشريعة الإسلامية هي الشريعة الربانية الرحيمة بأبنائها الضامنة ـ لحقوقهم قد تكفلت بهم أحسن تكفل وضمنت وصول حقوقهم إليهم أقامت أحكامها على أساس واضح وطيد من العدل الذي لا يشبوه ظلم ظالم ولا خديعة غاش ولا حيلة متحيل ولذا توافرت النصوص على تحريم الغش والخداع والخيانة وأكل مال الناس بالباطل قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ]([270]).
وقال تعالى: [وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ]([271]).
وقال النبي ﷺ في خطبته المشهورة (ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ألا هل بلغت)([272]). وقال عليه السلام (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) ([273]). ولا شك أن التدليس بالعيوب من أكل المال بالباطل الذي حرمه الله في كتابه وعلى لسان رسوله ق ومن الغش الذي قال فيه رسول الله ﷺ (من غشنا فليس منا)([274]). أي ليس على مثل هدانا وطريقتنا إلا أن الغش لا يخرج الغاش من الإيمان فهو معدود في جملة المؤمنين إلا أنه ليس على هداهم وسبيلهم لمخالفته إياهم في التزام ما يلزمه في شريعة الإسلام لأخيه المسلم قال الله عز وجل [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]([275]). وقال النبي ﷺ: (المؤمن أخ المؤمن يشهده إذا مات ويعوده إذا مرض وينصح له إن غاب أو شهد([276]).
وقال ﷺ: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا)([277]).
ولكا كان المشتري قد يتسرع في الشراء وتذهب به العجلة كل مذهب فيقع على السلعة كأنما صادها صيداً أو يكون من يستشيره أو ذو الخبرة غائباً أو يكون العيب لا يظهر إلا بالإمعان وطول الملاحظة كل هذه الحالات وما يشابهها يفوت على المشتري بها جزء من ماله بدون مقابل ولكن رحمة الشارع وعدله لم تتركه سجين أفكاره يعض أصابعه واجما حزينا على ماله بل جعل له الخيار لاستدراك ظلامته فهو مخير بين الرد أو الإمساك مع الأرش عند بعض العلماء فيالها من شريعة ربانية رحيمة ويا له من منهج قويم نبذ الظلم والجور ولم يدع لأصحابهما طريقاً يلجونه لو كسم الخياط وأحل العدل والأمن محل ما يريده بعض ذوى النفوس المريضة من الغش والخيانة أحل ذلك ضمانا لسعادة الأفراد والجماعات وحرصاً على راحتهم ليعيش المجتمع متعاونا متحابا يسوده الإخاء ويخيم عليه العدل ليصل إلى أغراضه المنشودة غير متعثر ولا حيران.
المبحث الثاني: الأدلة على ثبوت خيار العيب
استدل الفقهاء على هذا النوع من الخيار بأدلة متنوعة منها عمومات توجب النصح وحسن المعاملة من المسلم لأخيه. ومنها أدلة خاصة توجب على البائع أن يخبر بما في السلعة المبيعة من العيوب إذا كان يعلم ذلك بل أوجبت بعض النصوص على غير البائع أن يخبر بالعيب حفاظاً على التخلق بالأخلاق الفاضلة من صدق وأمانة وابتعاداً عن الأخلاق الرذيلة كالكذب والخيانة والغش والتدليس التي لا يتصف بها المؤمن الصادق ويستدل بعض العلماء بالإجماع والبعض الأخر بالمعقول وسأعرض لكل هذا إن شاء الله بالتفصيل.
1_ قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ]([278]).
2_ قال تعالى: [وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ]([279]).
3_ وقال ﷺ: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه)([280]).
4_ وقال ﷺ: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا)([281]).
5_ عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (البيعان بالخيار مالم يتفرقان فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)([282]).
6_ وعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (الدين النصيحة)([283]).
7_ وعن جرير رضي الله عنه قال (بايعت رسول الله ﷺ على إقامة الصلاة وايتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)([284]).
8_ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول ﷺ: (لا يحل لا مرئ مسلم أن يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبر به)([285]).
9_ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ (مر في السوق على صبرة طعام فأدخل يده فيها فسالت أصابعه بللا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام. فقال: يا رسول الله أصابته السماء. فقال أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس من غشنا فليس منا)([286]).
10_ وعن العداء([287]) بن خالد قال كتب إلى النبي ﷺ هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد بيع المسلم المسلم لأداء([288]) ولا خبثه([289]) ولا غائله([290]).
11_ عن أبي سباع قال اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع فلما خرجت بها أدركني عقبة بن عامر فقال هل بين لك ما فيها؟ فقالت وما فيها؟ أنها لسمينه ظاهرة الصحة فقال: أردت بها سفراً أو أردت بها([291]) لحما قلت: أردت عليها الحج قال إن بخفها نقباً قال صاحبها أصلحك الله ما تريد إلى هذا تفسد عليَّ قال إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: (لا يحل لأحد يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه([292]).
12_ روى أبو داود في سننه بسنده إلى عائشة أن رجلاً ابتاع غلاماً فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيباً فخاصمه إلى النبي ق فرده عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استغل غلامي فقال رسول الله ﷺ: (الخراج بالضمان)([293]).
13_ قال الشافعي أخبرني من لا أتهم عن ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف أنه ابتاع غلاماً فاستعمله ثم أصاب به عيباً فقضى له عمر بن عبدالعزيز برده وغلته فأخبره عروة عمر عن عائشة أن النبي ﷺ قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان فرد عمر قضاءه وقضى لمخلد بن خفاف برد الخراج([294]).
14: الإجماع:
حكى الاتفاق على وجوب الاخبار بالعيب صاحب تكملة المجموع فقال (وهذا الحكم متفق عليه للنصوص الواردة فيه لا خلاف فيه بين العلماء([295]) وقال ابن جزى (وكتمان العيوب غش محرم بإجماع)([296]).
15: الدليل العقلي:
أ_ أن الالزام بالمبيع المعيب ـ ضرر ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
ب_ أن العقد يقتضي السلامة لأنه عقد معاوضة والمعاوضة مبناها على المساواة.
المبحث الثالث: الشروط الواجب توافرها في العيب ليثبت به الخيار([297])
يشترط في العيب الذي يثبت به الخيار عدة شروط أذكرها على التفصيل فأقول:
1_ يجب أن يكون العيب مؤثراً في قيمة المبيع والقاعدة في ذلك أن يكون العيب موجباً لنقصان الثمن في عادة التجار نقصانا فاحشا أو يسيراً فالمعول عليه هو عرف التجار فما كان من شأنه أن ينقص ثمن المبيع في عرفهم فهو عيب يوجب الخيار.
2_ يجب أن يكون المشتري غير عالم بوجود العيب في وقت العقد وفي وقت القبض معاً فإن كان عالماً به في أي وقت من هذين الوقتين فلا خيار له ذلك أن أقدامه على الشراء مع العلم بالعيب رضاء منه به دلالة وكذلك إذا لم يعلم بالعيب عند العقد ثم علم به وقت القبض فقبضه للمبيع مع علمه بالعيب دليل على الرضا لأن تمام الصفقة متعلق بالقبض فكان العلم عند القبض كالعلم عند العقد.
3_ ويجب أن يكون العيب ثابتاً وقت عقد البيع أو بعد ذلك ولكن قبل التسليم حتى لو حدث بعد التسليم لا يثبت الخيار لأن ثبوته لفوات صفة السلامة المشروطة في العقد دلالة وقد حصلت السلعة سليمة في يد المشتري إذا العيب لم يحدث إلا بعد التسليم، ولا يكفي أن يكون العيب قد حدث قبل التسليم بل يجب أيضاً أن يبقى ثابتاً بعد التسليم لأن العيب إذا حدث قبل التسليم وزال أيضا قبله فقد قبض المشتري المبيع سليما من العيب فلا يكون له الخيار.
4_ ألا يكون البائع قد اشترط البراءة من العيب فقد يرضى المشتري بالعيب دون أن يعلم وذلك إذا اشترط عليه البائع البراءة من العيوب فقبل منه هذا الشرط فإذا أبرأ المشتري البائع من كل عيب أو من عيب بالذات قائم وقت العقد فإن الابراء لا يتناول العيب الذي يحدث بعد البيع وقبل القبض([298]).
5_ أن يكون الغالب في مثله أن يكون سليماً من ذلك العيب فخرج ما إذا كان الغالب في مثله وجود ذلك العيب.
مثال الأول: ما إذا اشترى حماراً أو حصاناً فوجده مخصياً فإن الخصاء يكون عيباً فيه لأن الغالب في الحمير والخيل سلامتها من الخصاء وهو عيب قد يفوت به غرض المشتري من شرائها فإنه قد يشتريه يستولد به أنثى من جنسه فله رده بذلك العيب.
ومثال الثاني: ماذا اشترى حيوانا مأكول اللحم يغلب خصاؤه كالغنم فإن الخصاء فيها ليس عيباً يوجب الرد لأن الغالب فيها الخصاء إذ هو يزيدها سمناً.
6_ أن لا يمكن زوال ذلك العيب إلا بمشقة فإذا أمكن ازالته بغير مشقة فإن المبيع لا يرد به وذلك كما إذا اشترى ثوباً متنجساً لا تنقص قيمته بالغسل فإن النجاسة حينئذ لا تكون عيباً يرد به الثوب لأنه يمكن ازالتها بلا مشقة.
7_ أن لا يزول ذلك العيب قبل الفسخ فإذا اشترى حيوانا مريضاً ولم يفسخ البيع ثم زال المرض فليس له الفسخ بسبب ذلك المرض لأنه قد زال قبل أن يرده.
8_ ألا يحصل حال تدل على رضاه بالمبيع بعد اطلاعه على العيب.
9_ ألا يكون ذلك العيب من لوازم الخلقة السليمة.
الفصل الثاني
أحكام ثبوت خيار العيب والاخبار بالمعيب
وتحته أربعة مباحث:
الأول: متى يثبت خيار العيب.
الثاني: ما يثبت فيه خيار العيب من العقود ولمن يثبت.
الثالث: هل يشمل الاخبار بالعيب المسلم والكافر.
الرابع: إذا علم غير المالك لعيب فهل يلزمه بيانه.
المبحث الأول: متى يثبت خيار العيب
خيار العيب يثبت دون حاجة إلى شرط خاص به وهو من هذه الناحية يفارق خياري الشرط والتعيين اللذين لا يثبتان إلا بالشرط ويوافق خيار الرؤية الذي يثبت بحكم الشرع دون حاجة إلى الشرط على أن هناك فرقاً دقيقاً من هذه الناحية بين خيار الرؤية وخيار العيب فخيار الرؤية يثبت بحكم الشرع إذ يستدل الحنفية على ثبوته بقوله عليه السلام (من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه)([299]). أما خيار العيب فهو إذا لم يكن في حاجة إلى شرط صريح به إلا أنه يثبت بالشرط دلالة إذ سلامة المبيع من العيب شرط ضمني في العقد ولما كانت السلامة مشروطة في العقد دلالة فقد صارت كالشرط نصا ولا شك أنه ما من عاقل يقدم على بذل ما له في مقام التعاقد المجرد عن القيد إلا بقصد السلامة إذن اقتضاء العقد للسلامة ضابط كلي يصح الاعتمادات عليه لإثبات أن الاتفاق بين المتعاقدين وقع على السليم دون المعيب إذا شككنا في ذلك ولا بينه. قال في بدائع الصنائع (إن السلامة شرط في العقد دلالة فما لم يسلم المبيع لا يلزم البيع مطلوبة المشتري عادة إلى أخره لأن عرضه الانتفاع بالمبيع ولا يتكامل انتفاعه إلا بقيد دلالة فكانت كالمشروطة نصاً فإذا فاقت المساواة كان له الخيار كما إذا اشترى جارية على أنها بكر أو أنها طباخة فلم يجدها كذلك وكذا السلامة من مقتضيات العقد أيضاً لأنه عقد معاوضة والمعاوضات مبناها على المساواة عادة وحقيقة وتحقيق المساواة في مقابلة البدل بالمبدل والسلامة بالسلامة فكان اطلاق العقد مقتضيا للسلامة فإذا لم يسلم المبيع للمشتري يثبت له الخيار لان المشتري يطالبه بتسليم قدر الفائت بالعيب وهو عاجز عن تسليمه فيثبت الخيار([300]).
المبحث الثاني: ما يثبت فيه خيار العيب
يثبت خيار العيب فيما يأتي:
1_ شراء الأعيان التي لا يثبت دينا في الذمة وهي القيميات أو المثليات المتعينة بالتعيين وقت العقد.
2_ قسمة الأعيان القيمية لإنهاء مبادلة الاعتبار أن كل واحد من الشركاء قد اشترى نصيب غيره بنصيبه.
3_ استئجار الأعيان المالية في معنى الشراء([301]) قال ابن رشد في بداية المجتهد (أما العقود التي يجب فيها بالعيب حكم بلا خلاف فهي العقود التي المقصود منها المعاوضة كما أن العقود التي ليس المقصود منها المعاوضة لا خلاف أيضاً في أنه لا تأثير للعيب فيها كالهبات لغير الثواب والصدقة وأما ما بين هذين الصنفين من العقود أعني ما جمع قصد المكارمة والمعاوضة مثل هبة الثواب فالأظهر([302]) في المذهب أنه لا حكم فيها بوجود العيب وقد قيل يحكم به إذا كان العيب مفسدا([303]). قال ابن عابدين: (ويثبت خيار العيب في الشراء والمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم العمد وفي الاجارة ولو حدث بعد العقد والقبض بخلاف البيع وفي القسمة والصلح عن المال([304]).
من يثبت له خيار العيب
يثبت خيار العيب للمشتري مالم يكن العيب حدث بسببه قبل القبض أو يشتري الوكيل ويرضى الموكل بالعيب ويثبت لمن هو في حكم المشتري ومنزلته في عقود المعاوضة كالمستأجر ونحوه([305]).
المبحث الثالث: هل يشمل الاخبار بالعيب المسلم والكافر
ذهب جمهور العلماء كما حكاه عنهم صاحب المجموع إلى أنه لا فرق بين أن يكون المشتري مسلماً أو كافراً فيحرم التدليس ويجب بيان العيب وحكى عن بعض الشافعية أن حرمة التدليس ووجوب بيان العيب مخصوص فيما إذا كان المشتري مسلماً قالوا وكذلك الحال في الخطبة على خطبة الكافر والذمي والسوم على سومهما ويؤيدون مذهبهم بظواهر النصوص الواردة حيث حصت النهي بالمسلمين فقط كما في حديث العداء بن خالد (بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبثه ولا غائله)([306]).
وتوسط الأوزاعي وبعض الشافعية فقالوا هناك فرق بين البيع وبين الخطبة على الخطبة والسوم على السوم ففي كتمان العيب بالبيع ضرر بين وأخذ المال الذي بذله المشتري ثمناً على ظن السلامة وله استرجاعه عند الاطلاع فكيف يحكم بإباحة ذلك بخلاف الخطبة على الخطبة والسوم فليس فيه إلا إيغار الصدور وذلك حاصل في حق الكافر. والحق ما ذهب إليه الجمهور من تعميم الحكم في كتمان العيب والخطبة على الخطبة والسوم على السوم للمسلم والكافر ويؤيده قوله ﷺ: (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين)([307]). وقد رجح هذا الرأي صاحب المجموع ثم قال: (وأما التقييد في هذه الأحاديث بالمسلمين فإنه خرج على الغالب ولا يكون له مفهوم أو أن المقصود التهييج والتنفير عن فعل هذه الأمور مع من يشاركه في الإسلام ويثبت عمومه بدليل([308]) آخر)([309]).
المبحث الرابع: إذا علم غير المالك بالعيب فهل يلزمه بيانه
إذا علم غير المالك بالعيب لزمه أن يبين ذلك لمن يشتريه لمل روى واثلة ابن الاسقع قال: قال رسول الله ﷺ: (لا يحل لأحد أن يبيع شيئاً إلا بين ما فيه ولا يحل لاحد يعلم ذلك إلا بينه)([310]). ولقوله عليه السلام: (الدين النصيحة) ([311]).
والنصيحة للمسلم واجبه ولا شك أن من النصيحة له أن تبين له ما قد يخفى عليه من العيوب في السلع عند البيع والشراء.
والاخبار بالعيب له ثلاثة أحوال: أحدهما: أن يعلم أن البائع أعلم المشتري بالعيب، فلا يجب عليه الاعلام في هذه الحالة لحصول المقصود بإعلام البائع.
الحالة الثانية: أن يعلم أو يظن أو يتوهم أن البائع لم يعلمه فيجب عليه اعلام المشتري بالعيب لإطلاق حديث (الدين النصيحة)([312]). ولقصة واثلة([313]) ابن الأسقع فإنه استفسر من المشتري هل أعلمه البائع فدل على أنه لم يكن جازما بعدم اعلامه وذلك لأنه من جملة النصح.
الحالة الثالثة: إذا وثق من البائع لدينه وغلب على ظنه أنه يعلم المشتري به فيحتمل أن يقال لا يجب عليه الاعلام في هذه الحالة لظاهر حال البائع وخشية من التعرض لا يغار صدروه ويحتمل أن يقال يجب الاستفسار كما فعل واثلة بن الأسقع لأن الأصل عدم الاعلام ولا يجد المسلم في صدره شيئاً لأخيه إذا الإيمان الصحيح يمنع مثل هذا.
هذا كله إذا كان البائع عالماً بالعيب، فإن كان الأجنبي عالماً به وحده فيجب عليه البيان بكل حال.
وأما وقت الاعلام ففي حق البائع قبل البيع وفي حق من يريد الشراء قبل البيع أيضاً عند الحاجة. فإن لم يكن حاضراً عند البيع أو لم يتيسر له وجب عليه الاعلام بعده ليرد بالعيب كما فعل واثلة بن الأسقع ولا يجوز له تأخير الاعلام بالعيب عن وقت حاجة المشتري إليه.
الفصل الثالث
العيب طريقه وتحديده
وحكم العقد معه
وتحته أربعة مباحث:
الأول: الطريق لإثبات العيب.
الثاني: المرجع في تحديد العيب.
الثالث: حكم العقد حال قيام خيار العيب.
الرابع: تمييز العيب عما قد يختلط به.
المبحث الأول: الطريق لإثبات العيب
يجب على المشتري الذي يدعي العيب اثباته في المبيع وذلك يكون بوجوه:
الأول: بإقرار البائع فإذا ادعى المشتري العيب في المبيع وأقر به البائع ثبت العيب وللمشتري الرد أو الإمساك مع الأرش.
الثاني: بالمشاهدة إذ أن المعيب على قسمين ظاهر وباطن.
فالظاهر ما يعرف بالمشاهدة كالقروح والعمى والعضو الزائد والعرج وغيره من العاهات الظاهرة فيثبت العيب في هذه الحالة بمجرد رؤية الحاكم له وإذا أنكره البائع فإنكاره لغو مع مشاهدة الحاكم.
الثالث: بإخبار أرباب الخبرة كأن يكون العيب باطنياً فإذا كان العيب كذلك ولا يعرفه الطبيب أو البيطار بالفحص وأنكره البائع وجب أن يحيل الحاكم المبيع إلى طبيب أو اثنين أو بيطار أو اثنين([314]) والشرط في ذلك هو العدالة للطبيب أو البيطار.
الرابع: بنكول البائع عن اليمين فإذا ادعى المشتري وجود العيب في المبيع وأنكر البائع ذلك يحلف أنه لا يعلم بوجود العيب في المبيع فإذا نكل عن اليمين ثبت العيب.
وأبطل بعض العلماء هذا الطريق وقالوا أن اليمين لا تجب على البائع لأن اليمين تترتب بالدعوى الصحيحة وصحة الدعوى هنا متوقفة على وجود العيب قال في البحر الزخار (والطريق إليه شهادة عدلين أو رجل وامرأتين من أهل البصر في ذلك الجنس، بلفظ الشهادة إذ هو دعوى ولا يكفي قولهم هو عيب بل يذكرون وجه نقص القيمة به أو وجه مضرته ثم ينظر الحاكم في هذه الشهادة([315]).
المبحث الثاني: المرجع في تحديد العيب
العيب واحد من الموضوعات الكثيرة التي لا ترد معرفتها إلى الشارع لأنها ليست من الحقائق الشرعية في شيء وإنما هي موضوعات خارجية يرجع في تحديد معانيها والمفهوم منها إلى العرف وإذا تعرض لها الشارع أحيانا فإنما يتعرض لها ارشاد إلى ما عليه العرف وإذا بحثنا عنها في كلماته فإنما نبحث عنها طلباً لهذا الارشاد وهذه الهداية لأنه أكمل أهل العرف وأعلمهم.
قال في درر الحكام (العيب في المبيع هو الذي يوجب نقصا في قيمته عند التجار الذين يبيعون ويشترون وأمثاله فإذا كان المبيع مجوهراً من المجوهرات كالماس واللؤلؤ فتجارة وأرباب الخبرة فيه هم الصياغ وإذا كان كتاباً فأربابه العلماء وأصحاب المكاتب وعليه، فالذي يوجب نقصان القيمة عند هؤلاء يدعى عيبا([316]).
فالمعيار ـ الوحيد ـ إذن ـ للعيب الموجب للخيار هو أن يرى العرف أن الزام المتملك بالعين المعيبة قهراً عنه يستدعى إلحاق الضرر به ضرراً لا يتسامح بمثله عادة.
المبحث الثالث: حكم العقد حال قيام خيار العيب
إذا توافرت في العيب الشروط المثبتة للخيار لم يمنع ذلك من انعقاد العقد صحيحاً نافذاً لازماً من جهة البائع ولكنه يكون غير لازم من جهة المشتري، وخيار العيب يجعل العقد غير لازم قبل القبض وقابلاً للفسخ بعد القبض، أما كونه غير لازم قبل القبض فدليل ذلك أن المبيع إذا كان لا يزال في يد البائع وأراد المشتري الرد بالعيب فإنه لا يحتاج إلى التراضي أو التقاضي بل يكفي أن يقول رددت البيع أو ما يجري هذا المجرى([317]) ليفسخ البيع، فذلك لأن العقد غير لازم قبل القبض.
أما بعد القبض فقد تمت الصفقة وإنما يكون البيع قابلاً للفسخ لفوات شرط السلامة وهذا الشرط موجود دلالة وليس بحاجة إلى تصريح فإذا لم تتوافر هذه السلامة فقد اختل رضاء العاقد الآخر ووجب له الخيار يقول الكاساني في هذا المعنى (إن السلامة لما كانت مرغوبة المشتري ولم يحصل، فقد اختل رضاه وهذا يوجب الخيار لأن الرضا شرط صحة البيع قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]([318]). فانعدام الرضا يمنع صحة البيع واختلاله يوجب الخيار فيه اثباتاً للحكم على قدر الدليل([319]).
وقال صاحب المجموع (إن باع ولم يبين العيب صح البيع مع المعصية([320]) ثم قال (وجملة القول في ذلك أن البائع إذا باع سلعة يعلم أن فيها عيباً فأما أن يشترط فيها السلامة مطلقاً أوعن ذلك العيب وأما أن يطلق فإن أطلق واقتصر على كتمان العيب فمذهبنا([321]) وجمهور العلماء أن البيع صحيح ونقل عن داود([322]) أنه لا يصح([323]).
والذي يظهر رجحان مذهب الجمهور لأن البيع ليس منهياً عنه أصلاً، بل هو من حيث كونه بيعاً مباح والحرام هو الكتمان ويؤيده أن النبي ق صحح بيع المصراة وجعل مشتريها بالخيار إن شاء أمسك وإن شاء رد مع التدليس الحاصل من البائع بالتصرية([324]) وهي عيب مثبت للخيار فدل هذا على أن التدليس بالعيب وكتمانه لا يبطل البيع.
المبحث الرابع: تمييز العيب في عقد البيع عما قد يختلط به
قد يختلط العيب بالرداءة أو بالغلط أو بالتدليس ولذا سنتناول أهم ما يتميز به العيب عن هذه الأمور التي قد يختلط بها.
أ_ العيب والرداءة:
العيب آفة عارضة يخلو عنها أصل الفطرة السليمة للشيء أما الرداءة فتعنى تخلف صفة الجودة في الشيء فالرداءة ليست عيباً لأن الشيء يتردد أصل فطرته السليمة بين الجودة والرداءة. أما العيب فيخلو عنه أصل الفطرة السليمة.
والعيب مضمون بغير شرط لأن البيع يقتضي سلامة المبيع من العيب أما الرداءة فغير مضمونة إلا إذا كان هناك شرط أو ما في حكمه من عرف أو مواصفات دقيقة.
ب_ العيب والغلط في المبيع:
عرفنا أن العيب آفة يخلو عنها أصل الفطرة السليمة للمبيع والعيب بهذا المعنى يفترق عن الغلط الذي هو وهم يقوم بذهن المتعاقد يصور له الأمر على غير حقيقته.
والغلط لا يعتبر إلا إذا كان كبيراً بحيث يمتنع معه المتعاقد عن ابرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط كمن يشتري خاتماً يظنه من الذهب فتبين أنه من النحاس.
ومن الواضح أن العيب غير الغلط يوجد في الشيء المبيع أما الغلط فيوجد في ارادة المشتري فهو عيب في ارادة المشتري لا عيب في المبيع.
وبناء على التعريف السابق للعيب والغلط فإنهما قد يجتمعان في المبيع وقد يفترقان والأمثلة على ذلك كالتالي:
أ_ مثال اجتماع العيب والغلط في المبيع:
إذا اشترى شخص سيارة على أنها صالحة للاستعمال فوجدها غير صالحة لذلك، لأن المشتري في هذه الحالة اشترى سيارة بها آفة عارضة يخلو عنها أصل الفطرة السليمة للسيارة وهي أن تكون صالحة للاستعمال، وفي نفس الوقت وقع المشتري في غلط، وذلك لعدم توفر صفة جوهرية في المبيع كان يعتقد وجودها وهي صلاحيتها للاستعمال.
ب_ ومثال وجود الغلط في المبيع دون العيب:
وقد يتحقق الغلط في المبيع دون أن يوجد عيب فيه كمن اشترى سيارة يعتقد أنها من نموذج معين فتبين أنها ليست من هذا النموذج ففي هذه الحالة يتوافر غلط المشتري في صفة جوهرية في المبيع هي كون السيارة ليست من النموذج الذي تعاقد من أجله، وهذه الصفة لا تعتبر آفة عارضة يخلو عنها أصل الفطرة السليمة للسيارة أي لا يعتبر عدم توافرها عيباً.
ج_ مثال وجود العيب دون الغلط:
وقد يوجد العيب ولا يوجد الغلط كما لو كان العيب في صفة غير جوهرية كما لو اشترى سيارة من نموذج معين فوجدها من نفس هذا النموذج ـ ولكنه وجد بعض مقاعدها غير سليمة فيعتبر هذا عيباً فيها لأنه يخلو عنه أصل الفطرة السليمة للسيارة ولا يعتبر غلطاً لأنه في صفة غير جوهرية للمبيع.
د_ العيب والتدليس:
التدليس هو اتخاذ وسائل احتيالية لتضليل المتعاقد لإيقاعه في غلط جوهري يدفعه إلى التعاقد وهو عيب في ادارة المشتري لا في البيع.
أما العيب فهو كما عرفنا “آفة يخلو عنها أصل الفطرة السليمة للمبيع والعيب قد يجتمع مع التدليس في المبيع وقد يفترقان.
وأمثلة ذلك كالآتي:ـ
1) مثال اجتماع العيب والتدليس:
أ_ إذا باع شخص على آخر منزلاً وكان به عيب فطلاه ليخفيه على المشتري ويوهمه أن المنزل خال من العيوب. فهنا اجتمع فيه العيب والتدليس من البائع في المبيع.
ب_ مثال وجود العيب دون التدليس:
إذا باع شخص على آخر منزلاً به عيب خفي لا يعلمه البائع كما إذا اشترى المنزل على هيئته ولم يعلم عما في جدرانه من العيوب.
ج_ مثال وجود التدليس دون العيب:
إذا باع شخص منزلاً مبنياً بالطين وأوهم المشتري أن المنزل مبني بالإسمنت وكشف لله عن ناحية مبنية بالإسمنت فهنا دلس البائع على المشتري في المبيع ولكن لا يوجد عيب إذ كون المنزل مبنياً بالطين لا يعتبر عيباً تخلو عنه أصل الفطرة السليمة للمنزل.
الفصل الرابع
الرد بالعيب كيفيته وهل هو على الفور
وأقسام العيوب
وتحته ثلاثة مباحث
الأول: كيف يكون الرد بالعيب.
الثاني: الرد بالعيب هل هو على الفور أم على التراخي.
الثالث: أقسام العيوب المثبتة للخيار.
المبحث الأول: كيف يكون الرد بالعيب
المبيع المعيب لا يخلو إما أن يكون في يد البائع أو في يد المشتري فإن كان في يد البائع ينفسخ البيع بقول المشتري رددت ولا يحتاج إلى قضاء القاضي ولا إلى التراضي بالإجماع وإن كان في يد المشتري ففيه خلاف بين الحنفية والشافعية.
فالحنفية: قالوا لا ينفسخ إلا بقضاء القاضي أو بالتراضي.
والشافعية: قالوا ينفسخ بقوله رددت من غير حاجة إلى القضاء وإلى رضاء البائع.
هذا وقد اتفق الحنفية والشافعية على أن الرد بخيار الشرط يصح من غير قضاء ولا رضاء بخلاف خيار الرؤية الذي انفرد الحنفية به فقالوا يصح الرد به من غير قضاء ولا رضاء.
وجه قول الشافعية: أن الرد بخيار العيب لا يحتاج إلى قضاء ولا رضاء أن هذا نوع فسخ فلا تفتقر صحته إلى القضاء ولا إلى الرضاء كالفسخ بخيار الشرط بالإجماع وبخيار الرؤية على قول الحنفية ولهذا لم يفتقر إليه قبل القبض وكذا بعده.
ووجه قول الحنفية: أن الرد بخيار العيب ـ إذا كان المبيع في يد المشتري ـ يحتاج إلى القضاء أو رضاء البائع، أن الصفقة تمت بالقبض وأحد المتعاقدين لا ينفرد بفسخ الصفقة بعد تمامها كالإقالة وهذا لأن الفسخ يكون على حسب العقد لأنه يرفع العقد ثم العقد لا ينعقد بأحد العاقدين فلا ينفسخ بأحداهما من غير رضا الآخر ومن غير قضاء القاضي.
وقد رجح صاحب بدائع الصنائع رأي الحنفية ثم قال ما بعد القبض([325]) يخالف ما قبله (لأن الصفقة قبل القبض ليست بتامة بل تمامها بالقبض فكان بمنزلة القبول كأنه لم يسترد بخلاف الرد بخيار الشرط لأن الصفقة غير منعقدة في حق الحكم مع بقاء الخيار فكان الرد في معنى الدفع والامتناع من القبول وبخلاف الرد بخيار الرؤية لأن عدم الرؤية منع تمام الصفقة لأنه أوجب خللا في الرضا فكان الرد كالدفع أما هنا إذ الصفقة قد تمت بالقبض فلا تحتمل الانفساخ بنفس الرد من غير قرينة القضاء أو الرضاء([326]).
المبحث الثاني: الرد بالعيب هل هو على الفور أم على التراخي
إذا تم العقد وملك المشتري السلعة ثم اطلع ربها على عيب فأراد ردها فهنا اختلف([327]) الفقهاء هل الرد يقتضي الفور أم التراخي.
الحنفية: الحنفية قالوا لا يشترط أن يكون رد البيع بعد العلم بالعيب على الفور فلو أعلم البائع بالعيب وخاصمه في رد المبيع ثم ترك المخاصمة وبعد ذلك رجع إليها وطلب فإن له ذلك ويمتنع الرد بعد العلم بالعيب إذا فعل ما يدل على الرضا كلبس الثوب وركوب الدابة واجارة المبيع ورهنه وبيعه كله أو بعضه وهبته ولوبلا تسليم إلى غيره هذه الأمور مما يدل على الرضا صراحة أو ضمنا.
المالكية:
قالو يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم بالعيب على الفور ويقدر الفور عندهم بمدة يومين وما زاد عليها يكون تراخياً يسقط حق الخيار في الرد بالعيب إلا إذا كان معذوراً بعذر يمنعه من الرد بعد العلم كمرض أو سجن أو خوف من ظالم أو نحو ذلك ثم إن له الرد في أقل من يوم بدون أن يطالب بيمين، أما اليوم واليومان فإن له الرد فيهما مع الحلف بأنه لم يرض بالعيب وأنه رد المبيع ويمتنع الرد إذا فعل ما يدل على الرضا كلبس الثوب وركوب الدابة وسقى الأرض وزراعتها وغير ذلك مما يدل على الرضا صراحة أو ضمنا.
الشافعية:
قالوا خيار الرد على الفور قال صاحب المجموع (فإن أراد رده فخيار الرد على الفور عندنا وعند جمهور العلماء)([328]).
وقد استدل الشافعية بكون الرد على الفور بدليلين:
الأول: أن الأصل في البيع اللزوم والضرر الذي شرع الرد لأجله يندفع بالبدار وهو ممكن فالتأخير تقصير فيجرى عليه حكم اللزوم الذي هو الأصل.
الثاني: قياساً على خيار الشفعة لأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فكان على الفور والفورية عند الشافعية تعني المبادرة على العادة فلا يؤمر بالعدو والركض ليرد ولو كان مشغولاً بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله الخيار إلى أن يفرغ وهذا إنما يتأتى إذا كان البائع حاضراً في بلد المشتري، أما إن كان غائباً فعلى المشتري أن يرفع أمره إلى الحاكم وجوبا وعلى المشتري أيضا أن يشهد وهو سائر في طريقه لرد البيع بأنه فسخ البيع، سواء كان ذاهباً ليرد للبائع أو للحاكم يقول صاحب المجموع (تجب المبادرة إلى البائع أو الحاكم فإن مر في طريقه إلى أحدهما بالآخر ولقي شهوداً وجب اشهادهم قبل ذلك في الأصح)([329]). ومسألة الفورية في رد المبيع المعيب لها مراتب متعددة عند الشافعية هي كالتالي:
الأول: أن يحضر البائع مع الحاكم في مجلس الاطلاع على العيب فيبادر ولا يؤخر قطعاً.
الثانية: أن يحضر البائع مجلس الاطلاع على العيب فيلزم المشتري المبادرة بالرد وليس له التأخير إلى حضور مجلس الحكم.
الثالثة: حضور الشهود مجلس الاطلاع على العيب فلا يعذر في التأخير لإمكان الاثبات بهم لأنه يجب الاشهاد قبل الانتهاء إلى الحاكم والبائع أن أمكن.
الرابعة: أن يكون الموجود في البلد واحداً منهما إما الحاكم أو البائع فلا شك في تعيينه.
الخامسة: إذا لم يكن واحد منهما في البلد تعين الاشهاد.
السادسة: إذا كان الشهود في البلد وتيسر الاجتماع بهم قبل البائع أو الحاكم فيجب الاشهاد.
السابعة: إذا كان الشهود ولم يتيسر بهم الاجتماع قبل البائع أو الحاكم فلا يجب المضي إليهم.
الثامنة: إذا لم يكن في البلد شيء من الثلاثة أعني الحاكم والبائع والشهود قيل يجب أن يتلفظ بالفسخ وقيل بل لا يجب عليه التلفظ وله الرد بعد ذلك([330]).
هذا وقد استثنى الشافعية من شرط الفور صوراً منها:
1_ إذا كان من له الخيار قريب العهد بالإسلام أو ممن نشأ ببادية بعيداً عن العلماء أو ادعى الجهل.
2_ مالو أجر المبيع ثم علم بالعيب ولم يرضى البائع بالعين مسلوبة المنفعة مدة الاجارة فإن المشتري يعذر في التأخير إلى انقضاء المدة.
3_ وإذا اشتغل بالرد بعيب وأخذ في تثبيته ولم يمكن فله الرد بعيب آخر ويعذر فيه لاشتغاله بالرد بعيب غيره.
الحنابلة:
لهم روايتان في رد المبيع المعيب:
الأولى: تقول إن خيار الرد بالعيب على التراخي فمتى علم العيب فأخر الرد لم يبطل خياره لأنه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي كالقصاص.
الثانية: تقول إن خيار الرد بالعيب على الفور لأن الأصل في المبيع ـ اللزوم وإذا حصل خلافه وجب أن يكون على الفور وإلا بقينا على الأصل الذي هو اللزوم.
الراجح:
بعد عرضنا لآراء المذاهب وأدلتهم تبين لنا رجحان رأي القائلين بأن رد المبيع المعيب على الفور. وذلك لأن الأصل في البيع اللزوم وهذا الأصل متفق عليه ومن ـ الدليل فيه قوله ﷺ: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما الخيار مالم يتفرقا وكان جميعاً أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب)([331]). وأيضا فقد أثبتنا خيار العيب بأدلة كثيرة منها الاجماع([332]) والقدر المحقق من الاجماع ثبوته على الفور والزائد على ذلك لا يدل عليه الاجماع فيجري فيه على مقتضي اللزوم.
المبحث الثالث: أنواع العيوب المثبتة للخيار
ينقسم العيب المثبت للخيار إلى قسمين:
الأول: أن يكون بفعل البائع كخلط اللبن بالماء والسمن بالزيت وصر ضرع الحيوان ليحبس اللبن افيه فيكبر ضرعه فيغتر المشتري به.
الثاني: أن يكون عيباً طبيعياً وينقسم إلى قسمين:
أ_ ظاهر كجموح الدابة وعرجها وعجزها عن حمل ما يحمله مثلها عادة.
ب_ باطن كفساد الجوز واللوز داخل غلافه وفساد البطيخ ونحوه.
وقد جعل ابن جزي العيوب ثلاثة أنواع:
1) عيب ليس فيه شيء. 2) وعيب فيه قيمة. 3) وعيب رد.
فأما الذي ليس فيه شيء فهو اليسير الذي لا ينقص من الثمن وأما عيب القيمة فهو اليسير الذي ينقص من الثمن فيحط عن المشتري من الثمن بقدر نقص العيب وذلك كالخرق في الثوب والصدع في حائط الدار.
وأما عيب الرد فهو الفاحش الذي ينقص حظا من الثمن([333]).
ضابط العيب
ضابط العيب يقوم على أمرين هما:
1_ كون الوصف العارض للمبيع وهو العيب باحتمالاته نقصا وزيادة مؤثراً في القيمة.
2_ كون الأصل في جنس المعقود عليه السلامة منه.
هذا هو الضابط الذي يمكن أن يحدد بموجبه كل ما يطرأ على السلعة من زيادة أو نقص أو تغير.
وبناء على هذا الضابط سأذكر أمثلة كثيرة لأنواع من العيوب في نواح متعددة.
ولا يفوتني أن أقرر قبل البدء في سردها أن استيفاءها متعذر تماماً لكثرته من جهة ولاختلافها من زمن لآخر، وإنما قصدت بذكر بعضها ايضاح ما ذكره الفقهاء مما كان في العصور السابقة وتعرضت لأنواع من العيوب مما تموج به حياتنا المعاصرة من أنواع البيوعات كالسيارات ـ والآلات الحديثة والفواكه والخضروات.
أمثله العيوب المثبتة للخيار
عيوب الرقيق:
ترك الصلاة والسكر والقذف وغيره من الكبائر عيب لوجوب الحد والردة عيب لذلك، وكذلك الكفر الأصلي إلا الذمي لحقن دمه لا المجوسي إذا ليس بكتابي في الأصح فهو معرض للقتل كالوثني([334]) ، وقيل الكفر عيب مطلقاً لنجاسته، وكونه ابن زنا ليس بعيب في العبد لأن القيمة لا تنقص به وقيل بل هو عيب، وتعيب به الأمة إذ العرق دساس، والطعون في النسب عيب إذ ينقص به القيمة، وكونه خنثى عيب إذ لا يأمن مخالفة ما عقد عليه حيث أراد ذكراً أو أنثى فإن بان ذكرا وهو المراد فليس عيبا إلا حيث يبول من الفرجين إذ هو دليل ضعيف المثانة وإن بان أنثى أرادها فعيب وإن لم تبل منهما إذ تعافها النفس، والقروح وحمي الربع والطحال والسعال الغالب والبرص والصرع والجنون وخفة العقل والحول والشعر في جوف العين والجرب الكثير وسواد السن وسقوطه عيب في العبد والأمة، وإحرام الأمة ليس بعيب لانقضائه بسرعة، وانقطاع الحيض وكونها عاقراً والحبل عيوب في الأمة، والبخر عيب في العبد والأمة، والتخنث عيب في العبد وهو التثني والمخنث من لا أرب له في النساء وقد يطلق على من يؤتى من دبره والعرج والخرس والصم وكذا الأقطع عيوب في العبد الأمة، ومن العيوب الخصاء والجب والاباق والسرقة في العبيد والاماء، وبول الرقيق في الفراش عيب في العبد والأمة إذا كان في غير أوانه أما الصغر فلا.
قال في روضة الطالبين (العيوب مرض الرقيق وكونه مجنوناً أو مخبلا أو أبله أو أبرص أو مجذوماً أو أشل أو أقرع أو أصم أو أعمى أو أعور أو أخفش([335]) أو أجهر([336]) أو أعشى([337]) أو أخشم([338]) أو أبكم أو فاقد الذوق أو أنمله أو الشعر أو الظفر أو له أصبع زائده، أو سن([339]) شاغيه أو مفلوع بعض الأسنان وكونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بهق([340]) أو أبيض الشعر في غير أوانه ولا بأس بحمرته([341]).
ومن العيوب كون الرقيق نماما أو ساحراً أو قاذفاً للمحصنات أو مقامراً، ولو وجد الجارية لا تحيض وهي صغيرة أو آيسة فلا رد وإن كانت في سن تحيض النساء في مثلها غالباً فله الرد ولو تطال طهرها وجاوز العادات الغالبة فله الرد والحمل لفي الجارية عيب ترد به.
ومنها وجود آثار الشجاج والقروح والكلى وسواد الأسنان وكون أحد ثديي الجارية أكبر من الآخر والحفر في الأسنان([342])، ومن العيوب عسر([343]) الرقيق سواء كان الأعسر ذكراً أو أنثى وزعر([344]) لذكر أو أنثى.
عيوب الرقيق المختلف فيها في إثبات الخيار أو عدمه
1_ الزنا:
ذهب الحنفية([345]) وهو قول للزيدية([346]) إلى أن الزنا ليس عيباً لأن النسب غير معتبر في المملوك.
وذهب المالكية([347]) والشافعية([348]) والحنابلة([349]) وهو قول للزيدية إلى أن الزنا عيب لأنه نقص في الخلق الشرعي الذي هو العفة والقول الثالث للزيدية أنه عيب في الجارية دون العبد وهو تفريق لا وجه له إذ الحد يجب عليهما معاً والنقص يلحقهما على السواء، والذي يظهر لي أن الزنا عيب في العبد والأمة لأنه ينقص القيمة ويقلل الرغبة فيهما.
2_ الغناء:
إذا كان الرقيق يعرف الغناء فهل هذا عيب يوجب الرد أو لا.
ذكر صاحب البحر([350]) الزخار في هذه المسألة قولين:
أ_ قيل عيب يوجب الرد وهو ضعيف.
ب_ وقيل ليس عيب إذ لا حد ولا نقص في القيمة قال في مطالب أولى النهي (ولا رد في معرفة عناء لأنه نقص في قيمة ولا عين)([351]).
3_ الزواج والدين:
والزواج عند مالك عيب وهو من العيوب العائقة عن الاستعمال وكذلك الدين وذلك أن العيب بالجملة هو ما عاق فعل النفس أو فعل الجسم وهذا العائق قد يكون في الشيء وقد يكون من خارج وقال الشافعي ليس الدين ولا الزواج بعيب فيما أحسب.
هذا ما ذكره ابن رشد في بداية([352]) المجتهد ولكن الصحيح عند الشافعية أن الزواج في العبد والأمة عيب وهناك وجه ضعيف أنه ليس بعيب قال في روضة الطالبين([353]) ومن العيوب كون الجارية مزوجة وكون العبد مزوجاً.
العيوب التي لا يرد بها الرقيق
لا رد بكون الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيء الأدب أو ولد زنا أو حجاماً أو أكولا أو قليل الأكل، ولا يكون الأمة ثيباً إلا إذا كانت صغيرة والمعهود في مثلها البكارة ولا بكونها مختونة أو غير مختونة ولا يكون العبد مختوناً أو غير مختون إلا إذا كان كبيراً يخاف عليه من الختان، ولا يكون الرقيق ممن يعتق على المشتري ولا يكون الأمة أخته من الرضاع أو النسب أو موطوءة أبيه أو ابنه، ولا رد بكى لم ينقص ثمناً ولا ذاتاً ولا رد بتهمة الرقيق كسرقة واختلاس وغصب ظهرت البراءة منها بأن يثبت أن السارق غيره أو أن الشيء لم يسرق أصلا([354]).
عيوب البهائم
عيوب الخيل:
من عيوب الخيل منع التلجم أو التسريج أو وضع العدة لا الدم الحادث في اللجام إن لم يكن يجرح، وبل المخلاة عيب إذ كثرة اللعاب من فقد الصحة. والخيلان التي تكون على جسم الفرس يرجع فيها لأهل الخبرة فما كان عندهم عيب تنقص به القيمة فسخ به وما كان غير عيب فلا فسخ بسببه والعض عيب والشقق في الحافر عيب.
عيوب الإبل:
من عيوب الإبل النقب والجرب والعر([355]) والجراح في ظهورها.
عيوب البقرة:
من عيوب البقر النطح ومنع تعليق أداة الحرث والربوض حاله والسعال والجرب الناقص لها عيب.
عيوب الغنم:
من عيوب الغنم الجرب والعور والعمى في الحيوان لمنعه استيفاء الرعى وقطع الأذن وثقبها لمنعه اجزاء الأضحية، والمرض في الكل. لإفساد اللجم، وخصى الغنم ليس عيبا إذ يزيد في السمن فتزيد القيمة.
قال في الشرح الصغير (وكرهص وهو داء بحافر الدابة كالفرس وعشر وحرن وعدم حمل معتاد بأن وجدها بلا تطيق حمل أمثالها فترد بذلك، ويقاس على هذه العيوب ما شابهها من كل عيب أدى لنقص في الثمن أو المثمن أو خيف عاقبته([356]).
وقال في بلغه السالك (وكرهص ـ الدير وهو القرحة والنكاح والرفس وتقويس الذراعين وقلة الأكل والنفور المفرطين وأما كثرة الأكل فليست عيبا في الحيوان([357]).
وقال في روضة الطالبين (ومن العيوب كون الدابة جموحاً أو عضوضاً أو رموحا وخشونة مشيها بحيث يخاف منها السقوط وشرب البهيمة لبن نفسها([358]).
وقال في مطالب أولى النهى ( ومن العيـب عثـرة مركــوب ورفسـة وحرنه وكيـــه وكونـه بعينـــــــه
طفرة([359]) أو بأذنه شق قد خيط أو بحلقه غده أو به زور…([360]) أو بيده أو رجله شقاق([361]).
هل التصرية عيب ترد به الدابة أم لا
التصرية هي أن يربط أخلاف الناقة أو غيرها ويترك حلبها يوماً فأكثر حتى يجتمع اللبن في ضرعها فيظن المشتري غزارة لبنها فيزيد في ثمنها وهذا الفعل حرام لما فيه من التدليس ويثبت به الخيار للمشتري فإن علم التصرية قبل الحلب ردها ولا شيء عليه وإن كان بعده فإن كان اللبن باقيا لم يكلف المشتري رده مع المصراة لان ما حدث بعد البيع ملكه وقد اختلط بالمبيع وتعذر التمييز وإذا أمسكه كان كما لو تلف فيرد المصراة ومعها صاعاً من التمر.
والتصرية عند مالك والشافعية عيب وحجتهم حديث المصراة المشهور وهو قول النبي ﷺ : (لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر([362]).
فالرسول ﷺ أثبت للمشتري الخيار بالرد حال التصرية وهذا دليل واضح على أن التصرية عيب مؤثر، وأيضاً فبائع المصراة دلس بالتصرية فأشبه التدليس بسائر العيوب.
وقال أبو حنيفة وأصحابه ليست التصرية عيباً.
وحجتهم ذكرها ابن رشد في بداية المجتهد فقال (للاتفاق على أن الإنسان إذا اشترى شاة فخرج لبنها قليلا بأن ذلك ليس بعيب، قالوا وحديث المصراة يجب ألا يوجب عملا لمفارقته الأصول وذلك أنه مفارق للأصول من وجوه.
فمنها: أنه معارض لقوله عليه الصلاة والسلام (الخراج بالضمان)([363]).
ومنها: أن فيه معارضة بيع طعام بطعام النسيئة.
ومنها: أن الأصل في المتلفات إما القيم أو المثل واعطاء صاع من تمر في لبن ليس قيمة ولا مثلا) ثم قال ابن رشد (ولكن الواجب أن يستثنى هذا من هذه الأصول كلها لموضع صحة الحديث)([364]).
أقول والحق أن التصرية أمر مثبت للخيار لصحة الحديث ولكن هذا الخيار لا يثبت عن طريق العيب بل عن طريق التدليس فليس داخلا في خيار العيب والله أعلم.
عيوب الدور
من عيوب الدور انكسار الخشب وتصدع الجدار ووضع عدة فيه للظلمة وحقوق كإمرار الماء وعدم الطريق وانكسار الباب ونحوها.
وكذلك عدم منفعة من منافعها كملح بئر بمحل الحلاوة أي بمحل الآبار التي ماؤها حلو، وغور مائها وعدم مرحاض بها أو كونه ببابها وكل عيب نقص الثلث فأكثر من قيمتها فله الرد به كسوء جارها وكثرة بقها ونملها.
ومن العيوب كون الدار أو الضيعة منزل الجند وذلك إذا احتصت من بين ما حواليها بذلك فإن كان ما حواليها من الدور بمثابتها فلا رد وكذلك إذا اشترى دار فوجد بقربها قصارين يؤذون بصوت الدق ويزعزعون الأبنية أو أرضا فوجد بقربها خنازير تفسد الزرع.
ومن العيوب صخر بأرض يضر عروق شجر وكزرع وغرس واجاره وطول مدة نقل ما في دار مبيعه عرفا.
عيوب البساتين والماء
من العيوب في البستان نقصان ماء بئره وتهدمها وتكسر أشجاره وعدم موضع لا ساحة مائها وإذا اشترى أرضا زراعية فبان أنها تنز إذا زادت مياه الأنهار وتضر بالزرع فله الرد إن قلت الرغبة بسببه.
ومن عيوب الماء استعماله في رفع حدث أكبر أو أصغر أو غمست في الماء الطهور وهو مكيل كل يد مكلف نائم ليلا قبل غسلها ثلاث مرات أو استعمل في تجديد وضوء وهو معد للشرب لأن النفس تعافه.
عيوب المأكولات
من اشترى بيضاً أو بطيخاً أو قثاء أو خياراً أو جوزاً فكسره فوجده فاسداً فإن لم ينتفع به رجع بالثمن كله لأنه ليس بمال فكان البيع باطلا ولا يعتبر في الجوز صلاح قشرة لأن ماليته باعتبار اللب وإن كان ينتفع به مع فساده لم يرده لأن الكسر عيب حادث ولكن يرجع بنقصان العيب دفعاً للضرر بقدر الإمكان.
وإن كان الفاسد قليلاً جاز البيع ولا رد لأن القليل يتسامح فيه عادة كفساد الواحدة والاثنتين، أما إذا كان الفاسد كثيرا لا يتسامح فيه عادة فإنه والحالة هذه يرجع على البائع بنقص الفاسد لأن السلامة مشروطة ضمنا في أصل العقد، وكذا الحال فيمن اشترى برتقالاً أو تفاحاً أو موزاً فمتى وجد الفاسد كثيراً لا تسمح فيه النفس عادة فله رده أو أخذ أرش النقص.
عيوب الكتب
إذا اشترى شخص كتابا ووجد به صفحات ساقطة فإن له رده أو أخذ ارش النقص أما لو وجد بعض الكلمات قد سقطت فليس له الرد، والمرجع في ذلك هم أهل الخبرة من أصحاب المكاتب وبائعي الكتب، أما المصحف فلمشتريه الرد إذا وجد الغلط واللحن فيه كثيراً، أما سقوط آيات يسيرة عرفاً من المصحف فلا يوجب الرد لأن مثله يتسامح فيه غالباً (قال الإمام أحمد من اشترى مصحفاً فوجده ينقص آية والآيتين ليس هذا عيبا([365]).
أقول: كلام الإمام أحمد رحمه الله يوحى بأن مثل النقص لا يسلم منه غالباً وهذا مسلم إذا تصورنا كيفية الكتابة في العصور الأولى ذلك أنهم كانوا ينسخونها بأيديهم وهذا بلا شك يعرض المصاحف وغيرها من الكتب للنقص اليسير كسقوط بعض كلمات وأما في العصور المتأخرة فأجهزة الطبع وآلاته إذا وجدت العناية التامة بها فقلما يحصل الخطأ ولذا فمجرد سقوط حرف واحد في المصحف يوجب الرد في نظري صونا لكتاب الله عن التحريف والتبديل والله أعلم.
عيوب السيارات ونحوها
إذا اشترى شخص سيارة جديدة ووجد بها أدنى عيب فله الرد أو أخذ أرش النقص وذلك كأن يجدها قد استعملت ولو كان الاستعمال يسيراً أو يجد بعض أجهزتها قد غيرت كتغير عجلة أو باب أو أحد مساميرها ذات القيمة الكثيرة ونحو ذلك، وكذلك سائر الآلات الحديثة والأسلحة وغيرها والمرجع في ذلك كله إلى أهل المعرفة فما عدوه عيبا وجب به الرد ومالم يعتبروه عيبا فإنه لا يوجب الرد.
الفصل الخامس
أحكام البراءة من العيوب
والزيادة والنقصان
وتحته ثلاثة مباحث:
الأول: البراءة من العيوب.
الثاني: فسخ المعيب بعد زيادته.
الثالث: فسخ المعيب بعد نقصانه.
المبحث الأول: البراءة من العيب
صورة بيع البراءة أن يشترط البائع على المشتري التزام كل عيب يجده في البيع على العموم.
مثاله: اشترى عمرو من زيد بغلة بألف قرش ثم قال زيد لعمرو وحين اجراء البيع قد بعتك هذه البغلة على أن أكون بريئاً من دعوى العيب فاشتراها عمرو على هذا الشرط فالبيع صحيح وأما الشرط فمختلف فيه.
خلاف العلماء في البراءة:
إذا تبرأ البائع إلى المشتري عند عقد البيع من كل عيب فهل ينفع البائع هذا الشرط أم لا.
اختلف العلماء في هذه المسألة خلافاً واسعاً وتفصيل ذلك كما يلي:
1_ ذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز البيع بالبراءة من كل عيب سواء علمه البائع أو لم يعلمه سماه أو لم يسمه أبصره أو لم يبصره وبه قال أبو ثور.
2_ وذهب مالك في الأشهر عنه إلى أن البراءة جائزة مما يعلم البائع من العيوب وذلك في الرقيق خاصة وعنه في رواية ثانية أنه يجوز في الرقيق والحيوان وعنه في رواية ثالثة أن البائع لا يبرأ ألا من عيب يريه للمشتري.
3_ وذهب الشافعية فغي أشهر قوليه وهو المنصور عند أصحابه إلى أن البائع لا يبرأ إلا من عيب يريه للمشتري وذهب في القول الثاني إلى أن البائع يبرأ من العيوب الباطنة التي لا يعلمها في الحيوان دون غيره.
4_ اختلفت الرواية عن أحمد في البراءة من العيوب فروى عنه أنه لا يبرأ إلا أن يعلم المشتري بالعيب. والروية الثانية (أنه يبرأ من كل عيب لا يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه).
الأدلة:
( أ ) احتج المجيزون لبيع البراءة على الاطلاق ـ وهم الحنفية ورواية عن الحنابلة وقول للشافعية وهو المروى عن ابن عمر ـ احتجوا بما يأتي:
1ـ حديث أم سلمة قالت (جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله ﷺ في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما، بينه فقال رسول الله ﷺ: (انكم تختصمون إلى رسول الله ﷺ وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها أسطاما([366]) في عنقه يوم القيامة فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لأخي فقال الرسول ﷺ أما إذا قليتما فاذهبا فاقتسما ثم تواخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه)([367]).
2_ حديث علي حين بعثة رسول الله ﷺ ليصالح بني جذيمة فواداهم حتى مبلغه الكلب وبقي في يديه مال فقال هذا لكم مالا تعلمونه ولا يعلمه رسول الله ﷺ فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فسر([368]).
ووجه الدلالة من الحديثين أنهما يدلان على أن البراءة من الحقوق المجهولة جائزة.
3_ ما روى أن عمر باع غلاما بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة فقال الذي ابتاعه لعبدالله بن عمر بالغلام داء لم يسمه لي فقال عبدالله بن عمر بعته بالبراءة فقضى عثمان وابن عفان على عبدالله بن عمر باليمين أن يحلف له لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه فأبى عبدالله أن يحلف به وارتجع العبد فباعه بن عمر بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم([369]).
وجه الدلالة من هذا الأثر أنهم اتفقوا على جواز البيع بهذا الشرط وإنما اختلفوا في صحة الشرط فيستدل باتفاقهم على جواز البيع وبقول النبي ﷺ (المسلمون عند شروطهم([370]) على صحة الشرط([371]).
4_ وأيضا فإن القيام بالعيب حق من حقوق المشتري قبل البائع فإذا أسقطه سقط.
( ب ) واحتج المانعون لبيع البراءة على الاطلاق ـ وهم المالكية ورواية عن الحنابلة وقول الشافعية ـ وهو المروى عن عثمان وزيد بن ثابت وإبراهيم والحكم وحماد وشريح وعطاء والحسن واسحاق([372]).
احتج هؤلاء بما يأتي:
1_ ما روى أن عمر باع غلاما بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة فقال الذي ابتاعه لعبدالله بن عمر بالغلام داء لم يسمه لي فقال عبدالله بن عمر بعته بالبراءة فقضى عثمان وابن عفان على عبدالله بن عمر باليمين أن يحلف له لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه فأبى عبدالله أن يحلف به وارتجع العبد فباعه بن عمر بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم([373]).
ووجه الدلالة من هذا الأثر لمن لم يجيز بيع البراءة على الاطلاق أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قضى بتحليف ابن عمر على أنه لا يتعلم به عيباً حين البيع أما مالا يعلمه فبراءته منه صحيحة.
والمالكية يخصون بيع البراءة بالرقيق ولذا يستدلون بهذا الأثر لأن الحيوان يشمل الرقيق وغيره من البهائم([374]).
والحنابلة يخصون بيع البراءة فيما لا يعلمه البائع من العيوب وقت البيع ويمنعونه فيما علمه وهذا صريح الأثر.
2_ واحتجوا أيضاً بنهي النبي ق عن بيع الغرر وهذا بيع غرر لأنه لا يدري أن المعقود عليه على أي صفة هو.
3_ ولأن هذا شرط يمنع موجب العقد لأن موجب المعاوضة استحقاق صفة السلامة وهذا الشرط يمنع من ذلك فهو نظير شرط يمنع الملك.
4_ ولأن البائع يلتزم تسليم المجهول لأنه يلتزم تسليمه على الصفة التي عليها البيع وذلك غير معلوم عند المتعاقدين والتزام تسليم المجهول بالبيع لا يصح كبيع ثوب من العدل أو شاه من القطيع([375]).
5_ قال في بداية المجتهد وحجة من لم يجزه على الاطلاق أن ذلك من باب الغرر فيما لم يعلمه البائع ومن باب الغبن والغش فيما علمه([376]).
الراجح:
والذي يترجح عندي ما ذهب إليه الأحناف ومن وافقهم من جواز البراءة في البيع على الاطلاق وذلك يأتي:
( أ ) لأن البراءة اسقاط حق لا تسليم فيه فصح من المجهول كالعتاق والطلاق وقد سبق ذكره ضمن أدلة الحنفية.
( ب ) ولأن تفريق المالكية بين الرقيق وغيره وتفريق الشافعية بين الحيوان وغيره لا وجه له إذ ما ثبت في أحدهما ثبت في الآخر.
( ج ) ولأن قول عثمان قد خالفه ابن عمر وقول الصحابي المخالف لا يبقى حجة على الصحيح.
الحكم إذا شرط البراءة من كل عيب عند من يبطل هذا الشرط.
للشافعية في هذه المسألة قولان:
الأول: البيع فاسد لفساد الشرط.
الثاني: البيع صحيح والشرط باطل إلا أن يكون شرط البراءة عن عيب باطن في الحيوان.
وللحنابلة فيها روايتان:
الأولى: أنه يصح العقد ويبطل الشرط لأن الصحابة قالوا بصحة بيع ابن عمر ولم ينكره منكر ممن علمه وإنما حصل الخلاف بينهم في وجود شرط البراءة أصلا، وإذا قلنا ببطلان هذا الشرط أصبح ـ وجوده كعدمه فلا يؤثر على أصل العقد.
الثانية: أنه لا يبطل العقد لأن العقد الشروط الفاسدة تبطله ولأن البائع إنما رضى بهذا الثمن عوضاً عنه بهذا الشرط فإذا فسد هذا الشرط فات التراضي به فيفسد البيع لعدم التراضي به([377]).
إذا اشترط البراءة من العيب فهل يشمل القديم والحادث والظاهر والباطن أم يختص بالعيب الحاضر فقط
قد يرضى المشتري بالعيب دون أن يعلم به وذلك إذا اشترط عليه البائع البراءة من العيب فقبل منه هذا الشرط فإذا أبرأ المشتري البائع من كل عيب أو من عيب بالذات قائم وقت العقد فإن الابراء لا يتناول العيب الذي يحدث بعد البيع وقبل القبض وإن أبرأه من كل عيب أو من عيب بالذات يحدث بعد البيع وقبل القبض فالشرط فاسد لأن الابراء لا يحتمل الاضافة إلى مستقبل ولا التعليق بالشرط قال في المبسوط (فإذا عرفنا جواز العقد لهذا الشرط ـ شرط البراء من العيب ـ قلنا تدخل فيه البراءة من كل عيب موجود به وقت العقد فإن حدث به عيب آخر بعد البيع قبل التسليم فهو داخل في هذه البراءة أيضا قي قول أبي حنيفة رضي الله عنه وهو الطاهر من قول أبي يوسف رحمه الله وقال محمد وزفر والحسن رجمهم الله لا تدخل البراءة من العيب الحادث في هذا الشرط وهو رواية عن أبي يوسف لأن ذلك مجهول لا يدري أيحدث أم لا وأى مقدار يحدث ولو صرح بالتبري من العيب الذي يحدث قبل القبض فسد به العقد)([378]).
وقال في نهاية المحتاج (وإذا شرط البراءة من العيب فالأظهر أنه يبرأ من عيب باطن في الحيوان موجود حال العقد لم يمهله البائع دون غيره فلا يبرأ من عيب في غير الحيوان ولا فيه لكن حدث بعد البيع وقبل القبض مطلقاً ولا عن عيب ظاهر في الحيوان علمه البائع أو لا لسهولة الاطلاع عليه والعلم به غالباً)([379]).
الحكم إذا باعه السلعة وشرط تلفها من جميع الوجوه
إذا باع دارا مثلا وقال بعتك هذه الدار على أنها كوم تراب وفي بيع الدابة يقول مكسرة محطمة وفي نحو الثوب يقول حراق على([380]) الزناد فإذا رضيه المشتري لا خيار له لأنه قبله بكل عيب يظهر فيه كذلك قوله بعته على أنه حاضر([381]) حلال فهذا كله عيب بمعنى البراءة من كل فيه خرق لا يرده وكذا لو وجده مرقوعاً قال في درر الحكام (من اشترى مالا وقبله بجميع العيوب لا تسمع منه دعوى العيب بعد ذلك مثلا لو اشترى حيوانا بجميع العيوب وقال قبلته مكسراً محطماً أعرج معيباً فلا صلاحية له بعد أن يدعى بعيب قديم. فمتى اشترى حيوانا وشرط فيه أن يكون مقبولاً بكل عيب فيه وتم العقد على ذلك فيكون كأنه أبرأ ذمة البائع من كل عيب فلا يحق له بعد ذلك دعوى العيب منه)([382]).
الحكم إذا تنازعا في حصول البراءة من العيب
إذا اتفقا على أن العيب كان موجوداً قبل القبض ولكن ادعى البائع البراءة من العيب وأنكر المشتري ذلك فالقول قول المشتري بيمينه إذا لم يكن للبائع بينة.
قال في درر الحكام (المعاملة التي تجرى عند ادعاء البائع البراءة من العيب إذا عالما به وقت الشراء وقبله فإن أقر المشتري بادعاء البائع أو أثبت البائع ما ادعاه بعد انكار المشتري فليس للمشتري رد المبيع وإلا يخلف المشتري بطلب البائع على أنه لم يعلم بذلك العيب وقت البيع أو لم يرض به أو أنه لم يبرئ البائع فإن حلف يرد المبيع وإلا فلا)([383]).
المبحث الثاني: أحكام الزيادة
فسخ المعيب بعد زيادته([384]).
إذا وجد العيب وقد زاد المبيع نظرت فإن كانت الزيادة لا تتميز كالسمن وتعلم العبد الحرفة والقرآن وكبر الشجرة وكثرة أغصانها فعليه رد الأصل ولا شيء على البائع بسببها ويجبر البائع على قبول العين زائدة. ولو اشترى غزلاً فنسجه ثم علم به عيبا فللشافعية فيه قولان:
أحدهما: يتخير المشتري بين الرد ولا أجرة له عن النسيج وبين الامساك وأخذ الأرش لأن النساجة أثر لا عين.
الثاني: أن البائع إن بذل الأجرة فله أن يسترده منسوجاً وإن امتنع لزمه الأرش لأن النساجة زيادة عمل في مقابلة عوض.
والصحيح أن المشتري بالخيار بين الرد ولا أجرة له وبين الامساك وأخذ الأرش فإن اختار الامساك كان للبائع دفع أجرة النسيج والرد فإن اختار ذلك أجبر المشتري، وإن لم يختر أجبر البائع على دفع الأرش.
ما سبق في الزيادة المتصلة أما المنفصلة كإكساب العبد فله أن يرد ويمسك الكسب لما روت عائشة رضي الله عنها (أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي ﷺ ورد عليه فقال الرجل يا رسول الله قد استغل غلامي فقال رسول الله ﷺ: (الخراج بالضمان)([385]).
وقد جعل بعض العلماء الزيادة على أربعة أنواع:
1_ الزيادة المتصلة المتولدة وهي لا تمنع الرد.
2_ الزيادة المتصلة غير المتولدة وهي تمنع الرد.
3_ الزيادة المنفصلة المتولدة وهي تمنع الرد إذا كانت بعد القبض وإلا فلا.
4_ الزيادة المنفصلة غير المتولدة وهي لا تمنع الرد.
وإيضاح ذلك كالتالي:
1_ الزيادة المتصلة المتولدة من المبيع قبل القبض أو بعده لا تمنع الرد فإذا كبر الحيوان المبيع وحصل فيه سمن وهو في يد البائع أو بعد تسليمه للمشتري فكبره أو سمنه غير مانع من الرد، وعليه فإذا أخرجه المشتري من ملكه بعد هذه الزيادة له الرجوع بنقصان الثمن وقد جاء في الباب ؤالثامن من (الهندية)([386]) فإن أبى المشتري وأراد الرجوع بالنقصان وقال البائع لا أعطيك نقصان الثمن ولكن رد على المبيع حتى أرد عليك جميع الثمن فليس للبائع ذلك عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله أما عند الإمام أحمد رحمه الله فله ذلك.
2_ الزيادة المتصلة غير المتولدة كالصبغة ونحوها لمانعه من الرد ولو حصلت قبل القبض لأن المشتري يكون بها كالقابض للمبيع وهي كأنها حدثت بعد القبض فتمنع الرد لأنها غير منفصلة عن الأصل فإذا فسخ العقد في القماش الذي صبغ غلا وجه في عدم الفسخ في الزيادة كما أن الزيادة لم تكن مبيعا والفسخ إنما يرد على المبيع فقط، كما أنه لا وجه لفسخ العقد في الأصل والزيادة معا وإذا ردت تلك الزيادة إلى البائع وليس لها مقابل فهي ربا أو أشبه ربا فخياطة القماش أو صبغة بأي لون كان بخيط المشتري وصبغته قبل الاطلاع على العيب كل ذلك مانع من الرد أما إذا حصلت بالزيادة بعد الاطلاع على العيب كل ذلك مانع من الرد أما إذا حصلت الزيادة بعد الاطلاع على العيب فلا رجوع بنقصان الثمن.
3_ الزيادة([387]) المنفصلة المتولدة كالولد الذي يتولد من المبيع إذا حصلت قبل القبض فليست مانعة من الرد وإلا فهي مانعة يعني تكون مانعة من رد المبيع بخيار العيب ومانعة من فسخ البيع بكل أسباب الفسخ. مثلا إذا كان المبيع بقرة فولدت عجلا أو شجرة فأثمرت ثمراً حصلت في المبيع زيادة متولدة منفصلة. فإن كانت في المبيع في يد البائع وهي ليست مانعة من الرد فللمشتري عندما يطلع على عيب فيه أن يرده بزيادته على بائعه أو يقبله بتلك الزيادة بجميع ثمنه المسمى. وإن كانت الزيادة وهو في يد المشتري (وهي مانعة للرد) فللمشتري الرجوع بنقصان العيب([388]).
4_ الزيادة المنفصلة غير المتولدة ليست مانعة من الرد حدثت قبل القبض أو بعده.
مثلا: إذا كان المبيع حيوانا فأجره المشتري قبل الاطلاع على عيبه من آخر وأخذ منه بدل الايجار ثم ظهر فيه عيب قديم فللمشتري رده يعني يفسخ البيع في الأصل ويرد المبيع على بائعه والزيادة للمشتري لأنها متولدة من المنافع وبما أن المنافع لم تكن جزءاً من المبيع فالمشتري لم يملكها بمقابل الثمن وإنما ملكها بمقابل الضمان.
الزيادة بالحمل
إذا كان المبيع بهيمة فحملت عنده وولدت أو شجرة فأثمرت عنده فللعلماء في هذه المسألة أقوال ثلاثة:
الأولى:
قال الشافعية والحنابلة يرد الأصل ويمسك الولد والثمرة لأنه منفصل حدث في ملكه فجاز أن يمسكه ويرد الأصل. واعتمد هؤلاء في جواز رد الأصل على وجود العيب وفي امساك الفوائد على حديث (الخراج بالضمان) ([389]).
الثاني:
وقال أبو حنيفة لا يكون له الرد ويأخذ الأرش واعتمد هذا على أن الفسخ رفع للعقد من أصله وقد خالفه الشافعية في هذه القاعدة وقالوا الفسخ رفع للعقد من حينه لا من أصله لأن العقد لا ينعطف حكمه على ما مضى فكذلك الفسخ.
الثالث:
وقال مالك يرد الأصل ومعه الزيادة التي هي من جنس الأصل وهي الولد ولا يرد ما كان من غير جنسه كالثمرة بل يرد الأصل وحده.
واعتمد مالك في هذا على أن الزيادة الحادثة بعد البيع مبيعه تبعا لأنه لا سبب لذلك فيها إلا سراية الملك من الأصل إليها والأصل مبيع فيسرى حكمه إليها على صفته ومع هذا الأصل لا يحتاج في رد الفوائد إلى أن العقد يرتفع من أصله بل يرد الفسخ على الولد مع الأصل.
قال الشافعية: نحن نسلم أن سراية الملك من الأصل إليها والأصل مبيع فيسرى حكمه إليه وسراية الملك حاصلة ولكن سراية العقد لا معنى لها فإن العقد لا يرجع إلى وصف المحل المعقود عليه إذ لا معنى لكونه معقوداً عليه إلا كونه مقابلا بالثمن وبحكم صيغة العقد وهذه المقابلة لم تحصل بالنسبة للزيادة([390]).
قال في الانصاف (لو حدث حمل بعد الشراء فهل هو نماء منفصل أو متصل، قيل زيادة متصلة وقيل بل هو زيادة منفصلة ثم اختلفوا هل يجبر الزوج([391]) على قبوله أم لا على قولين.
أما إذا حملت وولدت بعد الشراء فهو نماء منفصل بلا نزاع. وعلى هذا فقيل ترد أمه دونه وهو رواية عن أحمد رحمه الله.
والصحيح من المذاهب أنه إذا ردها لا يردها إلا بولدها فيتعين له الأرش، ثم قال أيضا (للحنابلة في الطلع هل هو نماء منفصل أو متصل طرق:
أحدهما: هو زيادة متصلة مطلقا لأن كل ثمرة على شجرة زيادة متصلة.
الثاني: زيادة منفصلة مطلقا.
الثالث: زيادة منفصلة وغيره زيادة متصلة.
الرابع: غير المؤبر زيادة متصلة بلا خلاف وفي المؤبر وجهان قيل زيادة متصلة وقيل زيادة منفصلة.
الخامس: المؤبر زيادة متصلة وجها واحداً وفي غير المؤبر وجهان واختار ابن حامد أنها منفصلة([392]).
وقال في الشرح الصغير (. . . لا الولد فإنه للبائع ولو حملت به عند المشتري ثم اطلع على عيب فإنه يرد مع الأم ولا الثمرة المؤبرة فإنها ترد مع الأصل للبائع حيث رد الأصل بعيب ولو جذها المشتري فإن ماتت عنده رد مثلها إن علم قدرها وقيمتها إن لم يعلم)([393]).
المبحث الثالث: أحكام النقصان
فسخ المعيب بعد النقصان:
إذا طرأ على المبيع نقص فلا يخلو أن يكون النقص في قيمته أو في البدن أو في النفس.
فأما نقصان القيمة لاختلاف الأسواق فغير مؤثر في الرد بالعيب بإجماع([394]) وأما النقصان الحادث في البدن فإن كان يسيراً غير مؤثر في القيمة فلا تأثير له في الرد بالعيب وحكمه حكم الذي لم يحدث.
وأما النقصان الحادث في البدن المؤثر في القيمة فاختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقول:
أحدهما: أنه ليس له إلا أن يرد ويرد مقدار العيب الذي حدث عنده وبه قال الثوري وهو قول الشافعي الأول.
الثاني: أنه ليس له أن يرجع إلا بقيمة العيب فقط وليس له غير ذلك إذا أبى البائع من الرد وبه قال الشافعي في قوله الجديد وأبو حنيفة.
الثالث: قول مالك إن المشتري بالخيار بين أن يمسك ويضع عنه البائع من الثمن قدر العيب أو يرده على البائع ويعطيه ثمن العيب الذي حدث عنده. وأنه إذا اختلف البائع والمشتري فقال البائع للمشتري انا أقبض المبيع وتعطي أنت قيمة العيب الذي حدث عندك، وقال المشتري بل أنا أمسك المبيع وتعطي أنت قيمة العيب الذي حدث عندك فالقول قول المشتري والخيار له وقال أبو محمد بن حزم له أن يرد ولا شيء عليه.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول ـ القائلون أنه ليس للمشتري إلا أن يرد ويرد قيمة العيب ـ بأنهم قد أجمعوا على أنه إذا لم يحدث بالمبيع عيب عند المشتري فليس له إلا الرد فوجب استصحاب حال هذا الحكم وإن حدث عند المشتري عيب مع اعطائه قيمة العيب الذي حدث عنده.
واستدل أهل القول الثاني ـ القائلون أنه لا يرد المبيع شيء وإنما له قيمة العيب الذي كان عند البائع ـ بالقياس على العتق والموت لكون هذا الأصل غير مجمع عليه وقد خالف فيه عطاء([395]).
واستدل مالك بقول الرسول ﷺ: (من ابتاع شاة مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إم شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر)([396]).
وجه الدليل من هذا الحديث تخيير الرسول ﷺ للمشتري بين أن يدفع صاعا من التمر مقابل ما أتلفه من اللبن وبين أن يمسك ولا شيء له.
قال المالكية وأيضا فانا نستدل من جهة المعنى والقياس إذ هذان عيبان حدث أحدهما عند البائع والثاني عند المبتاع وكل واحد منهما غير راض بالتزام ما حدث عند صاحبه بقيمته فلما تعارض الحقان كان أولاهما بالتغليب حق المبتاع لأنه لم يدلس ولا أخطأ على صاحبه والبائع لا يخلو من أن يكون دلس على المبتاع أو أخطأ على صاحبه والبائع لا يخلو من أن يكون دلس على المبتاع أو أخطأ عليه بأن باع منه معيباً على أنه صحيح ولم يبينه في ذلك([397]).
أما حجة أبي محمد:
فلانه أمر حدث من عند الله كما لو حدث في ملك البائع فإن الرد بالعيب دال على أن البيع لم ينعقد في نفسه وإنما انعقد في الظاهر وأيضا فلا كتاب ولا سنة يوجب على مكلف غرم مالم يكن له تأثير في نقصه.
والذي يظهر رجحان ما ذهب إليه المالكية لقوة مأخذهم إذ يعصدهم الحديث.
ما سبق تقريره خاص بعيوب البدن أما العيوب التي في النفس كالاباق والسرقة فقد قيل إنها تفيت الرد كعيوب الأبدان وقيل بل يثبت معها الرد، ولا خلاف أن العيب الحادث عند المشتري إذا ارتفع بعد حدوثه أنه لا تأثير له في الرد إلا أن لا نؤمن عاقبته.
قال في البحر الزخار (إذا نقص بآفة سماوية أو نحوها خير المشتري بين أخذه وأرش القديم أو رده وأرش الحديث إذا عليه رده كما أخذه وعلى البائع تسليمه صحيحا بدليل ضمانه ما تلف منه)([398]).
ولمزيد الايضاح في مسألة الزيادة والنقصان أذكر هنا نقولا([399]) من أمهات كتب المذاهب.
1_ الحنفية:
قال([400]) في المبسوط (والأصل أن الزيادة نوعان متصلة ومنفصلة والمتصلة نوعان زيادة غير متولدة من العين كالصبغ في الثوب والسمن والعسل في السويق وهي تمنع الرد بالعيب بالاتفاق لمراعاة حق المشتري في مالية الزيادة والزيادة المتصلة التي هي متولدة من الأصل كالسمن وانجلاء البياض من العين وثياب اللبس لا يمنع الرد بالعيب في ظاهر الرواية لأنه لا معتبر بها في عقود المعاوضات.
وقيل على قول أبي حنفية وأبي يوسف رحمهما الله هذه الزيادة تمنع الرد بالعيب وعند محمد لا تمنع.
وأما الزيادة المنفصلة بهى نوعان عين متولدة من الاصل كالكسب والغلة فلا تمنع الرد بالعيب ولكن الزيادة تسلم للمشتري.
وأما الزيادة المنفصلة التي هي متولدة من الأصل كاللبن والثمار والولد والعقد إذا وطنت الجارية بالشبهة والأرش إذا جنى عليها بعد ما قبضها المشتري فهو يمنع رد الأصل بالعيب) انتهى.
2_ المالكية:
قال في المقدمات المهدات([401]) (. . . الزيادة لا تخلو من خمسة أوجه).
أحدهما: زيادة بحوالة الأسواق.
الثاني: زيادة في حال البيع.
الثالث: زيادة في عين المبيع بنماء حادث أو بشيء من جنسه مضاف إليه.
الرابع: زيادة من غير جنس المبيع مضاف إليه.
الخامس: ما أحدثه المشتري في المبيع من صنعة مضافة إليه كالصبغ والخياطة وما أشبه ذلك الزيادة في حال المبيع مثل أن يكون عبداً فيتعلم الصناعات ويتخرج فتزيد قيمته لذلك.
وأما الزيادة في عين المبيع لنماء حادث فيه كالدابة تسمن أو الصغير يكبر أو بشيء من جنسه مضاف إليه كالولد يحدث فاختلف أصحابنا في ذلك([402]).
فلهم في الدابة تسمن والولد يحدث قولا:
أحدهما: أن ذلك ليس بفوت وهو مخير بين أن يرد الدابة بحالها أو يردها بولدها إن حدث لها ولد أو يمسك ولا شيء له.
الثاني: أن ذلك فوت وهو مخير بين أن يرد الدابة بحالها أو يردها بولدها إن حدث لها ولد وبين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب.
ولهم في الصغير يكبر هذا ن القولان وقول ثالث في المدونة إن ذلك فوت وله قيمة العيب ولا خيار له في الرد.
ثم قال: (وأما الزيادة المضافة إلى المبيع من غير جنسه فذلك مثل أن يشتري العبد ولا مال له فيفيد عنده ما لا بهبة أو صدقة أو كسب من تجارة أو يشتري النخلة ولا ثمرة فيها فتثمر عنده ثم يجد عيبا فإن هذا لا اختلاف فيه أن ذلك لا يوجب له خياراً ويكون مخبرا بين أن يرد العبد وماله والنخل وثمرها مالم تطب ويرجع بالسقيا والعلاج على مذهب ابن القاسم رحمه الله أو يمسك ولا شيء له في الوجهين جميعاً).
ثم قال: (وأما الزيادة بما أحدثه المشتري في البيع من صنعة مضافة إليه كالصبغ والخياطة وما أشبه ذلك مما لا ينفصل عنه إلا بفساد فلا اختلاف أن ذلك يوجب له الخيار بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب أو يرد ويكون شريكاً بما زاد مما أحدثه من الصبغ وشبهه لأنه أخرج ماله فيه فلا يذهب هدرا) انتهى.
2_ الشافعية:
قال في روضة الطالبين([403]) (زيادة المبيع ضربان متصلة ومنفصلة أما المتصلة كالسمن والتعليم وكبر الشجرة فهي تابعة للأصل في الرد ولا شيء على البائع بسببها. وأما المنفصلة كالأجرة والولد والثمرة وكسب الرقيق ومهر الجارية الموطوءة بشبهة فلا تمنع الرد بالعيب وتسلم للمشتري سواء الزوائد الحادثة قبل القبض وبعده). انتهى.
4_ الحنابلة:
قال في المغني([404]) لا يخلو المبيع من أن يكون بحاله فإنه يرده ويأخذ رأس ماله أو يكون قد زاد بعد العقد أو جعلت له فائدة فذلك قسمان.
أحدهما: أن تكون الزيادة متصلة كالسمن والكبر والتعلم والحمل قبل الوضع والثمرة قبل التأبير فإنه يردها بنمائها لأنه يتبع في العقود والفسوخ.
القسم الثاني: أن تكون الزيادة منفصلة وهي نوعان:
أحدهما: أن تكون الزيادة من غير عين المبيع كالخدمة والأجرة والكسب وكذلك ما يوهب أو يوصى له به فكل ذلك للمشتري في مقابلة ضمانه لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري.
النوع الثاني: أن تكون الزيادة من عين المبيع كالولد والثمرة واللبن فهي للمشتري أيضاً ويرد الأصل دونها) انتهى.
5_ الزيدية:
قال في البحر الزخار([405]) (فصل في فسخ المعيب بعد زيادته. أما الأصلية المتصلة كالولد والصوف واللبن والسمن والكبر وتعلم الصنعة فتدخل في الرد اجماعاً إذ هي بعضه. وكذا المنفصلة إن شملها العقد) انتهى.
الفصل السادس
أقسام العيب
وتحته ثلاثة مباحث:
الأول: أقسام العيب.
الثاني: الرد بالعيب القديم.
الثالث: فوات الوصف المرغوب فيه.
المبحث الأول:أقسام العيب
أولاً: ينقسم العيب إلى ما حدث قبل القبض وما حدث بعده.
القسم الأول: الحادث قبل القبض فحكمه حكم المقارن للعقد لأن المبيع مضمون قبل القبض على البائع بجملته فكذا أجزاؤه وضمان الجزء الذي لا يقابله قسط من الثمن لا يقتضي الانفساخ فأثبت الخيار.
القسم الثاني: إذا حدث العيب بعد القبض ولم يستند إلى سبب قبل القبض فإنه لا يثبت به الرد.
القسم الثالث: إذا حدث العيب بعد القبض واستند إلى سبب قبل القبض وفيه صور.
أحدهما: يصح بيع من وجب قطعة بقصاص أو سرقة فلو قطع في يد المشتري نظر فإن كان جاهلا بحاله حتى قطع فقيل ليس له الرد لكون القطع من ضمانه لكن يرجع على البائع بالأرش ـ وهو ما بين قيمته مستحق القطع وغير مستحقه من الثمن وقيل له الرد واسترجاع جميع الثمن كما لو قطع في يد البائع وإن كان المشتري عالماً فليس له الرد ولا الأرش.
الثانية: إذا اشترى مزوجة لم يعلم حالها حتى وطئها الزوج بعد القبض فإن كانت ثيباً فله الرد وإن كانت بكراً فقيل يكون نقص الافتضاض من ضمان البائع وهنا للمشتري الرد بكونها مزوجة فإن تعذر الرد رجع بالأرش وهو ما بين قيمتها بكراً غير مزوجة ومزوجة مفتضة من الثمن.
وقيل يكون نقص الافتضاض من ضمان المشتري وهنا لا رد له وله الأرش وهو ما بين قيمتها بكراً غير مزوجة وبكرا مزوجة من الثمن.
الثالثة: لو اشترى عبداً مريضاً واستمر مرضه إلى أن مات في يد المشتري فقيل يكون من ضمان البائع لأن المرض حدث عنده وامتد وقيل يكون من ضمان المشتري لأن المرض يتزايد وعلى هذا إن كان المشتري جاهلاً رجع بالأرش وهو ما بين قيمته صحيحاً ومريضاً([406]).
ثانياً: ينقسم العيب إلى ثلاثة أقسام:
أ_ عيب قديم يعلم قدمه عند البائع بينه تقوم على ذلك أو بإقرار البائع به أو بدليل العيان.
ب_ وعيب يعلم حدوثه عند المشتري بيمينه تعلم ذلك أو بإقرار المشتري بحدوثه عنده أو بدليل العيان على ذلك.
ج_ وعيب مشكوك فيه يحتمل أن يكون قديماً عند البائع ويحتمل أن يكون حدث عند المشتري.
فأما العيب القديم فيجب الرد به في القيام والرجوع بقيمته في الفوات
وأما الحادث عند المشتري فلا حجة له فيه على البائع.
وأما المشكوك فيه فليس على البائع فيه إلا اليمين.
قال ابن حزم في المحلى([407]) (فإن لم يعرف أهل العيب حادث أم كان قبل البيع فليس على المردود عليه إلا اليمين بالله ما بعته اياه وأنا أدري فيه هذا العيب ويبرأ إلا أن تقوم بينة عدل بأن هذا العيب أقدم من أمد التبايع فيرد لأن الصفقة بيع وقد أحل الله البيع فلا يجوز نقضه بالدعاوى ولا بالظنون)انتهى.
ثالثاً: ينقسم العيب إلا ظاهر وباطن:
فالظاهر ما كان مشاهداً يقف عليه كل واحد كالأصابع الزائدة والناقصة والسن الشاغية والساقطة وبياض العين والعور والقروح والشجاج ونحوها وهذا العيب ثابت لا محالة ليس بحاجة إلى بينة.
وأما الباطن فهو مالا يظهر للمشتري إلا بإحداث نقص في ذات المبيع من كسر أو شق وذلك كالبطيخ واللوز والجوز والبيض ونحو ذلك وهذا العيب سنفصل القول فيه كالتالي:
الحنفية:
قالوا المبيع الذي لا يعرف عيبه إلا بإحداث تغيير في ذاته من كسر أو شق أو غيرهما كالبيض والبطيخ والجوز واللوز لا يخلو حاله إما أن يكون جميعه فاسداً لا ينتفع به أصلا كما إذا اشترى بيضا فوجده منتناً أو قتاء فوجده مراً، أو جوازا فوجده خاوياً، ففي هذه الحالة يقع بيعه باطلا. ويلزم البائع برد جميع الثمن ولا شيء على المشتري وكذلك إذا اشترى جوزا فوجده خاوياً لا لب فيه فإن بيعه على هذه الحالة يكون باطلا ولا اعتبار بالانتفاع بقشرة لأنه لا يعد مالا مقوما إلا باعتبار لبه بخلاف بيض النعام فإن القشرة فيمه، فإذا وجد باطنه فاسداً لم يكن بيعه باطلا للانتفاع بقشرة فليس للمشتري رده، وإنما الرجوع بنقصان العيب، أما إذا كان ينتفع به من بعض الوجوه ولو يجعله علفا للدواب فإنه لا يكون للمشتري في هذه الحالة الحق في رده ولكن يكون له الحق في الرجوع على البائع بعوض النقصان بحيث يقوم صحيحه وفاسده ويأخذ فرق ثمنه ولكن بشرط أن لا يتناول منه بعد العلم بالعيب فإن ذاقه ووجده فاسداً ثم أكل منه بعد ذلك لا يكون له الحق في العرض، وكذا إذا علم العيب قبل كسره ثم كسره سقط حقه في الرد وفي العوض لأن كسره بعد العلم بالعيب دليل على رضاه به.
وإذا اشترى شيئا فوجد بعضه صحيحا وبعضه فاسداً كان له الحق في الرجوع على البائع بحصة الفاسد من الثمن إلا إذا كان الفاسد قليلا لا يمكن الاحتراز عنه أو لا يخلو المبيع عنه في العادة كالجوز واللوز وكذلك التراب القليل الذي لا يخلو عنه القمح في العادة فإنه يقبض فيه ذلك قال المبسوط([408]) (وإذا اشترى جوز أو بيضا فوجده فاسداً كله وقد كسره فله أن يرده ويأخذ الثمن كله أما البيض فالفاسد منه ليس بمال متقوم إذ هو غير منتفع به ولا قيمة لقشرة فتبين أن أصل البيع كان باطلا وأما الجوز فالمقصود منه اللب دون القشر ولا قيمة لقشره). انتهى.
وقال في البدائع([409]) (ولو اشترى مأكولا في جوفه كالبطيخ والجوز والقثاء والخيار والرمان والبيض ونحوها فكسره فوجده فاسداً فهذا في الأصل لا يخلو عن أحد وجهين إما إن وجده كله فاسداً وإما أن وجد البعض فاسداً والبعض صحيحا فإن وجده كله فاسداً فإن كان مما لا ينتفع به أصلا فالمشتري يرجع على البائع بجميع الثمن لأنه تبين أن المبيع وقع باطلا لأنه بيع ما ليس بمال وبيع ما ليس بمال لا ينعقد كما إذا اشترى عبدا ثم تبين أنه حر و إن كان مما يمكن الانتفاع به في الجملة ليس له أن يرده بالعيب وإن وجد بعضه فاسدا دون البعض ينظر إن كان الفاسد كثيراً يرجع على البائع بجميع الثمن لأنه ظهر أن البيع وقع في القدر الفاسد باطلا لأنه تبين أنه ليس بمال وإذا بطل في ذلك القدر يفسد الباقي كما إذا جمع بين حر وعبد وباعهما صفقة واحدة، وإن كان قليلاً فكذلك في القياس وفي الاستحسان صح البيع في الكل وليس له أن يرد ولا أن يرجع فيه بشيء لأن قليل الفساد فيه مما لا يمكن التحرز عنه إذ هذه الأشياء في العادات لا تخلو عن قليل فساد فكان فيه ضرورة فيلتحق ذلك القدر بالعدم) انتهى.
المالكية:
قالوا إذا اشترى شيئا لا يعرف عيبه إلا بإحداث تغيير في ذات المبيع كالبطيخ والجوز والخشب والمسوس إذا كان السوس غير ظاهر فإنه لا يعرف إلا بشفه أو كسره فليس للمشتري أن يرده بعد أن يحدث فيه التغيير إلا إذا اشترط رده بذلك أو جرى العرف على رد المبيع بمثل هذا العيب لأن العرف كالشرط في هذا وكما أن المشتري ليس له الحق في رده كذلك ليس له الحق في المطالبة بتعويض عما نقص بسبب العيب قال في الشرح الصغير([410]) (ولا رد بما لا يطلع عليه إلا بتغير للمبيع من كسر أو نشر أو ذبح كسوس خشب وفساد جوز ولوز وبندق ومرقثاء وبطيخ ووجود فساد باطن شاه بعد ذبحها إلا لشرط فيعمل به وترد ولا قيمة ـ للمشتري على البائع عند عدم الرد إذا لم يشترط وكذا لا قيمة للبائع على المشتري إذا ردها بالشرط إذا كسرها في نظير الكسر فيما يظهر.
وقال في بلغة السالك([411]) إذا رد البيض لفساده بعد كسره فلا شيء عليه في كسره دلس البائع أم لا إن كان لا يجوز أكله كالمنتن وكذا إن جاز أكله كالممروق إن إد دلس بائعه أو لم يدلس ولم يكسره المشتري فإن كسره فله رده وما نقصه مالم يفت بنحو قلى وإلا فلا رد ورجع المشتري بما بين قيمته سليماً ومعيباً فيقوم على أنه صحيح غير معيب وصحيح معيب فإذا قيل قيمته صحيحاً غير معيب عشرة وصحيحا معيبا ثمانية رجع بنسبة ذلك من الثمن وهو الخمس وهذا إذا كسره بحضرة البيع فإن كان بعد أيام فلا رد له لأنه لا يدري أفسد عند البائع أو المشتري) انتهى.
الشافعية:
قالوا إن كان بعض المبيع فاسدا لا ينتفع به وبعضه غير فاسد ينتفع به كان للمشتري الحق في رده وأخذ ثمنه كاملا بدون أن يلزم بشيء عما أحدثه فيه من التغير، لأن له العذر في ذلك حيث لا يمكنه معرفته إلا بكسره. وكذا إذا اشترى حيوانا فذبحه فوجد لحمه منتنا فإن له الحق في رده إذا كان لا يمكنه معرفته قبل ذبحه أما إذا كان يمكنه ذلك بأن كان الحيوان مما يأكل النجاسة ويسمى ـ جلال فإنه يسقط حقه في الرد حينئذ.
وإذا كانت معرفة ما في باطن المبيع لا تتوقف على كسره فكسره أو كانت تتوقف على كسر يسير فكسره كسراً كبيرا فإنه في هذه الحالة لا يكون له حق في الرد لأنه أحدث فيه عيبا يمكن اختبار المبيع بدونه وإذا اشترى شيئا لبه فاسد وقشره ينتفع به كبيض النعام فإن على المشتري أن يرده على بائعه ويأخذ ثمنه بخلاف ما إذا اشترى شيئاً لا ينتفع بقشرة فوجده فاسدا جميعه كبيض الدجاج والبطيخ فإنه لا يلزم برده لكونه لا قيمة له وعلى البائع أن يدفع له كل الثمن قال في أسنى([412]) المطالب (وما مأكوله في جوفه كالرمان والبطيخ والجوز واللوز إذا كسره المشتري كسراً يعرف العيب بدونه فهو عيب حادث يمنع الرد لانتقاء عذره وما خرج من المبيع فاسدا لا قيمة له كبيض غير النعام والبطيخ الشديد التغير بأن فساد البيع فيه لو روده على غير متقوم فيختص البائع بالقشور كما يختص المشتري بجميع الثمن) انتهى.
وقال في روضة الطالبين([413]) (إذا اشترى ما مأكوله في جوفه كالبطيخ والرمان والجوز واللوز والبيض فكسره فوجده فاسدا نظرا إن لم يكن لفاسده قيمة كالبيضة التي لا تصلح لشيء والبطيخة الشديدة التغير رجع بجميع الثمن.
أما إذا كان لفاسده قيمة كبيض النعام والبطيخ إذا وجده حامضا فللكسر حالان.
أحدهما: أن لا يوقف على ذلك الفساد إلا بمثله فهنالك للشافعية قولان أظهرهما له رده قهراً كالمصراة والثاني ليس له رده كما لو قطع الثوب.
الحال الثاني: أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد بأقل من ذلك الكسر فلا رد كسائر العيوب. انتهى.
الحنابلة:
قالوا إذا اشترى مالا يطلع على عيبه إلا بكسره كالبطيخ والرمان والجوز والبيض وكسره فبان عيبه ففيه روايتان:
أحدهما: لا يرجع على البائع بشيء لأنه ليس من البائع تدليس ولا تفريط لعدم معرفته بعيبه وكونه لا يمكنه الوقوف عليه إلا بكسره فجرى مجرى البراءة من العيوب.
الثانية: يرجع عليه وهي ظاهر المذهب لأن عقد البيع اقتضى السلامة من عيب لم يطلع عليه المشتري فإذا بان معيباً ثبت له الخيار.
قالوا: وإذا كان البيع مما لا قيمة له مكسوراً كبيض الدجاج الفاسد والرمان الأسود والجوز الخرب والبطيخ التالف رجع بالثمن كله لأن هذا تبين به فساد العقد من أصله لكونه وقع على مالا نفع فيه ولا يصح بيع مالا نفع فيه كالحشرات والميتات وليس عليه أن يرد المبيع إلى البائع لأنه لا فائدة فيه. وإن كان لمعيبه قيمة كجوز الهند وبيض النعام والبطيخ الذي فيه نفع ونحوه فإذا كسره نظر فإن كان كسراً لا يمكن استعلام المبيع بدونه فالمشتري مخير بين رده ورد أرش الكسر وأخذ الثمن وبين أحذ أرش عيبه وهو قسط ما بين صحيحه ومعيبه.
وإن كان كسراً يمكن استعلام المبيع بدونه إلا أنه لا يتلف المبيع بالكلية فالمشتري مخير بين رده ورد أرش الكسر وأخذ الثمن وبين أخذ أرش العيب.
وإن كسره كسرا لا يبقى له قيمة فله أرش العيب لا غير لأنه أتلفه وقدر أرش العيب قسط ما بين الصحيح والمعيب من الثمن فيقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا غير مكسور فيكون للمشتري قدر ما بينهما من الثمن([414]).
قال الانصاف([415]) (وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسدا فإن لم يكن له مكسوراً قيمه كبيض الدجاج رجع بالثمن كله وإن كان له مكسوراً قيمه كبيض النعام وجوز الهند وكذا البطيخ الذي فيه ونحوه فله أرشه) انتهى.
الظاهرية:
قال ابن حزم في المحلى([416]) (ومن اشترى شيئا فوجد في عمقه عيبا كبيض أو قثاء أو قرع أو خشب أو غير ذلك فله الرد أو الامساك سواء كان مما يمكن التوصل إلى معرفته أو مما لا يمكن إلا بكسره أو شقه لأن الغبن لا يجوز ولا يحل إلا برضا المغبون ومعرفته بقدر الغبن وطيب نفسه به وإلا فهو أكل مال بالباطل والبائع إن كان لم يقصد الغش فقد حصل بيده مال أخيه بغير رضا منه والله تعالى قد حرم ذلك بقوله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]([417]).ولا يمكن وجود الرضا إلا عبد المعرفة بما يرضى به.
المبحث الثاني: الرد بالعيب القديم
تعريف العيب القديم:
هو ما حدث عند البائع قبل العقد فيثبت به الرد سواء كان خفياً أو ظاهراً ولم يعلم به المشتري فإذا ظهر المشتري على عيب قديم في السلعة وكان العقد مطلقاً من البراءة وذكر العيوب أو ذكرت عيوب ولكن ليس منها ما وجده المشتري فهو مخير بين الرد وأخذ ثمنه وبين الامساك أما إذا تعذر الرد فيرجع على البائع بأرش العيب.
الوجوه التي يتحقق بها قدم العيب:
يجب للحكم بالرد بالعيب تحقق قدمه ويتحقق ذلك بأحد الوجوه الأربعة:
الأول: بإقرار البائع فإذا ادعى المشتري أن في المبيع عيبا يوجب فسخ العقد أو الرجوع بنقصان الثمن قبل قبض أو بعده يسأل البائع فإذا أقر يحكم برد المبيع إليه أو نقصان الثمن وحينئذ تنتهي الدعوى والمحاكمة.
الثاني: أن يكون العيب المشاهد غير ممكن حدوثه في المدة التي تسلم فيها المشتري المبيع كأن يكون العيب عضوا زائداً كان في أصل الخلقة أو كان ليس محتملا حدوثه في تلك المدة فيحكم بفسخ البيع أو بالرجوع بنقصان الثمن لأن وجود العيب في الحال قد علم بالمشاهدة كما أنه قد تبين عدم امكان حدوثه بعد تسليم المبيع إلا إذا ادعى إلى أن المشتري رضى بالعيب وأنه أسقط حق رده بأحد الأسباب وحينئذ إن ثبت هذا فيها وإلا فالقول للمشتري مع يمينه ويكون اليمين أنه لم يسقط حقه في رد المبيع نصا ولا دلالة كما يدعى البائع.
الثالث: بإثبات المشتري فإذا كان العيب محتملا وقوعه فيما بين البيع والتسليم وبين الخصومة وبين أنه حاصل قبل وقت البيع كالجروح أي كان الجزم بإمكان حدوثه في تلك المدة وعدم امكانه متعذر فإذا أثبت المدعى بالبينة أن العيب قديم وأنه كان حينما كان المبيع في يد البائع يحكم بالرد.
الرابع: بنكول البائع عن اليمين فإذا لم يستطع المشتري اثبات قدم العيب بالبينة يحلف البائع بطلب المشتري أنه ليس للمشتري حق الرد بسبب هذا العيب الذي بدعيه فإذا نكل عن اليمين حكم بالرد ليتحقق قدم العيب.
أنواع العيوب التي تحدث قبل التسليم وبعده
أ_ أنواع العيوب التي تحدث في المبيع قبل التسليم:
العيوب التي تحدث في المبيع وهو في يد البائع على خمسة وجوه.
1_ بفعل البائع وفي هذه الصورة يخير المشتري بين أن يتركه وبين أن يقلبه على أن يترك من الثمن مقدار النقصان لأن للأوصاف إذا كانت مقصودة بالإتلاف حصة من الثمن ويثبت ذلك الخيار للمشتري سواء وجد في المبيع عيب قديم آخر أولا.
2_ بفعل المشتري وفي هذه الصورة يلزم المشتري أن يدفع جميع الثمن وليس له أن يرجع على البائع بشيء إلا إذا حبس البائع المبيع بعد جناية المشتري لأجل استيفاء الثمن وكان فيه عيب قديم فللمشتري رد المبيع بالعيب القديم. ويسقط عنه الثمن المسمى غير أنه يضمن للبائع النقصان الذي حصل في المبيع بفعله.
3_ بفعل الأجنبي: وفي هذه الصورة يكون الخيار للمشتري بين أخذ المبيع بجميع الثمن وتضمين الجاني النقصان وبين تركه ويسقط عنه الثمن المسمى.
4_ بفعل المبيع نفسه وفي هذه الصورة إما أن يتركه المشتري وإما أن يقبله وينزل من الثمن مقدار النقصان.
5_ بآفة سماوية وفي هذه الصورة إذا وكان النقص في الوصف فالمشتري مخير بين تركه وبين أخذه بكل الثمن وليس له تنزيل النقصان من الثمن وإذا كان النقص في القدر فللمشتري أن ينزل من الثمن مقدار ذلك النقصان ويخير في الباقي بين أن يتركه وبين أن يقبله.
ب_ أنواع العيوب التي تحدث في المبيع بعد التسليم:
العيوب التي تحدث في المبيع وهو في يد المشتري على خمسة أنواع.
1_ بفعل البائع ففي هذه الصورة ليس للمشتري رد المبيع لبائعه ولو كان في المبيع عيب آخر قديم وإنما له أن يرجع على البائع بنقصان الثمن الحاصل في المبيع بفعله كما أن له الرجوع بنقصان الثمن بالعيب.
2_ بفعل المشتري وعليه فليس للمشتري أن يرجع على البائع بنقصان الثمن الذي حصل بفعله إلا أنه إذا وجد في المبيع عيب قديم فله استرداد نقصان الثمن الحاصل بذلك العيب.
3_ بفعل الأجنبي وفي هذه الصورة يضمن الأجنبي نقصان القيمة وليس للمشتري رد المبيع إلى بائعه إلا أن له استرداد نقصان الثمن إذا ظهر فيه عيب قديم.
4_ يفعل المبيع نفسه ـ المعقود عليه.
5_ بآفة سماوية وفي هاتين الصورتين ليس للمشتري أن يرجع على أحد بشيء إلا إذا وجد فيه عيب قديم آخر فيرجع على البائع بنقصان الثمن مالم يقبله البائع بغيبه.
ج _ العيوب التي تحدث في المبيع إذا كان رقيقاً:
كوهي الاباق والسرقة والبول في الفراش والجنون وهذه العيوب الأربعة حصل فيها خلاف بين العلماء.
فرأى يذهب إلى أن ثبوت هذه العيوب عند البائع كاف ولا يشترط ظهورها عند المشتري.
ويستند هذا الرأي إلى أن هذه العيوب عيوب لازمة لا زوال لها فثبوتها عند البائع يدل على بقائها عند المشتري وإن لم تظهر إذا تبقى منتفية ثم تنكشف.
ورأى يذهب إلى أن الجنون وحده دون العيوب الثلاثة الأخرى هو الذي ينطبق عليه هذا الوصف إذا الجنون في الرقيق فساد في محل العقد وهو الدماغ وهذا مما لا زوال له عادة إذا ثبت فيقتصر إذن في الجنون وحده وفقا لهذا الرأي على ضرورة ثبوته عند البائع ولا يشترط ثبوته عند المشتري فهو ثابت بطبيعته ثم يظهر.
على أن الرأي الذي عليه عامة الفقهاء أن هذه العيوب جميعاً كغيرها قد تزول فيشترط ثبوتها في يد البائع وبقاؤها في يد المشتري.
ولكن العيوب الثلاثة الأخرى غير الجنون ـ الاباق والسرقة والبول في الفراش ـ تتميز بأنها يشترط فيها العقل واتحاد الحال فإن أبق الصبي أو سرق أو بال في الفراش في يد البائع وهو صغير لا يعقل ثم كان ذلك في يد المشتري وهو لا يزال صغيراً ولا يعقل لم يثبت حق الرد لأن هذه الأمور ليست عيباً في الصغير الذي يعقل وحتى لو بقي الصغير بأبق أو يسرق أو يبول في الفراش بعد أن عقل وكان ذلك بعد انتقاله إلى يد المشتري لم يكن للمشتري حق الرد لأن الذي كان موجوداً في يد البائع ليس بعيب والموجود في يد المشتري عيب ولكنه حادث.
كذلك أن اختلف الحال لم يثبت حق الرد بأن أبق الصبي أو سرق أو بال في الفراش في يد البائع وهو صغير عاقل ثم كان ذلك في يد المشتري بعد البلوغ لأن اختلاف الحال دليل اختلاف سبب العيب واختلاف السبب يوجب اختلاف العيب. فكان الموجود بعد البلوغ عيباً حادثاً لا يوجب الرد([418]).
حكم الرد بالعيب القديم
إذا اشترى شخص من آخر سلعة وبعد أيام حدث بها عيب عنده وتبين له أن فيها عيباً قديماً لم يعلمه وقت البيع فهل له رد السلعة على البائع أو يأخذ أرش العيب القديم، للإجابة على هذا التساؤل يحسن عرض المذاهب الفقهية بالتفصيل.
الحنفية:
قالوا إذا اشترى شيئاً فوجد به عيباً ينقص به قيمته ولم يعلم به وقت الشراء أو قبلهفليس له أن يمسكه ويطالب بالعوض عن النقص الحاصل بسبب العيب وإنما له أن يرده كله ويأخذ الثمن كاملا إلا إذا تعذر الرد بحدوث عيب جديد ومن ذلك ما إذا اشترى ثوباً ثم قطعه ليخيطه ثم اطلع على عيب ينقص قيمته بعد ذلك فله في هذه الحالة أن يأخذ العوض عن العيب لتعذر رد الثوب بعد تقطيعه وكذلك إذا اشترى جملا فنحره فوجد أمعاءه فاسدة فإنه يتعذر رده بعد نحره وللمشتري أن يرجع بعوض العيب الذي به. وهكذا كل ما تنقص قيمته بحدوث عيب جدي زيادة على العيب القديم فإنه يمتنع رده وفيه العوض عن العيب.
المالكية:
نقال في المقدمات والممهدات (الرد بالعيوب القديمة قبل العقد واجب علم البائع بها أو لم يعلم إذا كان مما يمكن معرفته إلا أن يبيع بالبراءة فيما يجوز فيه البيع بالبراءة برئ مما لم يعلم من العيوب على مذهب مالك رحمه الله تعالى ولا يبرأ مما علم فدلس به، وأما ما حدث بالمبيع من العيوب بعد عقد البيع فلا يجب به الرجوع إلا أن يكون الحادث من العيوب في الرقيق في عهدة الثلاث أو جنونا أو جذاما أو برصا في عهدة السنة)([419]).
ويمتنع الرد عند المالكية بأمور:
1_ تلف المبيع بعد العقد سواء كان تحت يد البائع أو تحت يد المشتري قبل أن يعلم بالعيب وسواء كان التلف باختيار المشتري كما إذا اشترى حيوانا فذبحه أو بغير اختياره كما إذا أماته غيره أو مات حتف أنفه فإنه إذا اطلع على عيب فيه بعد ذلك لا يصح له رده لتعذر الرد حينئذ وفي هذه الحالة يكون للمشتري تعويض ما أحدثه العيب في المبيع من النقص.
2_ أن يظهر من المشتري ما يدل على رضائه بالمبيع بعد الاطلاع على العيب.
3_ أن يكون المبيع رقيقاً فقط وأن يكون البائع حاكما أو وارثا ويبيعه بالبراءة من كل عيب.
4_ أن يزول العيب قبل الرد إلا أن يكون محتمل العود إذا قال أهل الطب أنه يحتمل عوده فإن له رده بذلك العيب.
الشافعية:
إذا حدث بالمبيع عند المشتري عيب بآفة “أو جنابة وعلم به عيباً قديماً لم يملك الرد قهرا لإضراره بالبائع ولا يكلف المشتري ارضاء به فإن اتفقا على الفسخ والرجوع على المشتري بأرش العيب الحادث أو على الإجازة والرجوع على البائع بأرش القديم قبل منهم ذلك وإن لم يتفقا على ذلك وطلب أحدهما الفسخ من الرجوع بالأرش وطلب الإجازة والرجوع ب<أرش العيب القديم أجيب طالب الإجازة سواء أكان البائع أم المشتري لتقريره العقد ولأن الرجوع بأرش القديم يستند إلى أصل العقد لأن العقد قضيته أن لا يستقر الثمن بكماله إلا في مقابلة السليم وضم أرش الحادث ادخال شيء جديد لم يكن في العقد فكان الأول أولى([420]).
الحنابلة:
قالوا كل مبيع كان معيبا ثم حدث به عند المشتري عيب أخر قبل علمه بالأول فعن أحمد رحمه الله فيه روايتان: إحداهما: ليس له الرد وله أرش العيب القديم لأن الرد ثبت لإزالة الضرر وفي الرد على البائع اضرار به ولا يزال الضرر بالضرر.
الثانية:
له الرد ويرد أرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن وإن شاء أمسكه وله الأرش. قال في المغني (ولنا حديث المصراة([421]) فإن النبي ﷺ أمر بردها بعد حلبها ورد عوض لبنها واحتج أحمد بأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قضى في الثوب إذا كان به عوار برده وإن كان قد لبسه. وبهذا العرض لمذاهب العلماء يتبين لنا أن في رد المبيع بالعيب القديم رأيين للفقهاء هما:
الأول: مذهب الحنفية والشافعية وهؤلاء قالوا ليس له الرد إذا به ضرر على البائع ولا يزال الضرر بالضرر.
الثاني: مذهب المالكية والحنابلة وهؤلاء قالوا هو مخير بين الرد وبين أخذ أرش العيب القديم لأن المبيع معيب قبل شرائه ثم حصل به عيب جديد فهو الخيار بين رده وبين أخذ أرش العيب القديم.
والذي يظهر رجحان الرأي الثاني لما يأتي:
1_ لأن العيبين قد استويا والبائع قد دلس بالعيب والمشتري لم يدلس فكان رعاية جانبه أولى.
2_ ولأن الرد كان جائزاً قبل حدوث العيب الثاني فلا يزول بدليل.
تفريق الصفقة
إذا اشترى شيئين أو أشياء صفقة واحدة فوجد ببعضها عيبا
لا يخلو الحال من خمسة أمور:
1_ إذا كانت الصفقة مما ينقصها التفريق أو لا يطلب بعضها إلا مع البعض الأخر كالنعلين ومصراعي الباب فلا يجوز التفريق بينهما فيكون له قبول الجميع أو الرد وأخذ الثمن.
2_ إذا كانت الصفقة لا تضرر بالتفريق ولم يسم لكل نوع قيمته فهل يرجع بالجميع أو بالذي وجد فيه العيب. فقال قوم ليس له إلا أن يرد الجميع أو يمسك وبه قال أبو ثور والأوزاعي.
وقال قوم يرد المعيب بحصته من الثمن وذلك بالتقدير وممن قال بهذا القول سفيان الثوري وغيره.
وروى الشافعي القولان معا.
وفريق مالك فقال: ينظر في المعيب فإن كان ذلك وجه الصفقة والمقصود بالشراء رد الجميع، وإن لم يكن وجه الصفقة رده بقيمته.
وفرق أبو حنيفة تفريقاً آخر وقال إن وجد العيب قبل القبض رد الجميع وإن وجده بعد القبض رد المعيب بحصته من الثمن.
ففي هذه المسألة أربعة أقوال حججهم كالتالي:
أ_ احتج من منع التبعيض في الرد أن المردود يرجع فيه بقيمة لم يتفق عليها المشتري والبائع وكذلك الذي يبقى إنما يبقى بقيمة لم يتفقا عليها ويمكن أنه لو بعضت السلعة لم يشتر البعض بالقيمة التي أقيم بها.
ب_ واحتج من رأى الرد في البعض المعيب ولا بد بأنه موضع ضرورة فأقيم فيه التقويم والتقدير مقام الرضا قياسا على أن ما فات في البيع فليس فيه إلا القيمة.
ج_ وأما تفريق مالك بين ما هو وجه الصفقة أو غير وجهها فاستحسان منه لأنه رأى أن ذلك المعيب إذا لم يكن مقصوداً في المبيع فليس هناك كبير ضرر في أن يوافق الثمن الذي أقيم به أراده المشتري أو البائع وأما عند ما يكون مقصوداً أو جل المبيع فيعظم الضرر في ذلك.
د_ وأما تفريق أبي حنيفة بين أن يقبض أو لا يقبض فإن القبض عنده شرط من شروط تمام البيع ومالم يقبض المبيع فضمانه عنده من البائع.
3_ إذا اشترى رجلان شيئاً واحداً في صفقة واحدة فوجدا به عيباً فما الحكم.
1_ الحنفية قالوا ليس لأحدهما الرد لأن المبيع خرج من البائع دفعة واحدة فإذا رد عليه مقسما حصل له الضرر.
ب_ للمالكية في هذه المسألة روايتان:
1_ لمن أراد الرد أن يرد.
2_ وقيل ليس له أن يرد.
فمن أوجب الرد شبهه بالصفقتين المتفرقتين لأنه قد اجتمع فيها عاقدان.
ومن لم يوجبه شبهه بالصفقة الواحدة إذا أراد المشتري فيها التبعيض رد المبيع المعيب([422]).
ج _ وعند الشافعية فيها روايتان:
1_ لأحدهما أن ينفرد بالرد لأنه رد جميع ما ملك.
2_ ليس لأحدهما الانفراد بالرد لأن فيه ضرراً على البائع والضرر لا يزال بالضرر.
وقد رجح النووي في روضة الطالبين الرواية الأولى([423]).
د_ وللحنابلة في المسألة روايتان:
1_ لمن لم يرض الفسخ ووجه هذه الرواية أنه رد جميع ما ملكه بالعقد فجاز كما لو انفرد بشرائه والشركة إنما حصلت بإيجاب البائع لأنه باع كل واحد منهما نصفها فخرجت من ملك البائع مشقصة بخلاف العيب الحادث.
2_ لا يجوز له رده لأن المبيع خرج عن ملكه دفعة واحدة غير متشقص فإذا رده مشتركاً رده ناقصا أشبه مالو تعيب عنده.
4_ إذا اشترى رجل من رجلين شيئا فوجده معيباً رده عليهما فإن كان أحدهما غائباً رد على الحاضر حصته بقسطها من الثمن ويبقى نصيب الغائب في يده حتى يقدم ولو كان أحدهما باع العين كلها بوكالة الآخر فالحكم كذلك سواء أكان الحاضر الوكيل أو الموكل قال في الانصاف (لو اشترى واحد من اثنين شيئا وظهر به عيب فله رده عليهما ورد نصيب أحدهما وامساك نصيب الآخر لأنه يرد على البائع جميع ما باعه ولم يحصل برده تشقيص لأنه كان مشقصا قبل البيع)([424]).
وقال في روضة الطالبين (أما إذا اشترى رجل من رجلين عبداً معيبا فله أن يفرد نصيب أحدهما بالرد لأن تعدد البائع يوجب تعدد العقد) ([425]).
وقال في الشرح الصغير (وجاز لمشتر من بائعين الرد على أحد البائعين نصيبه دون الآخر) ([426]).
5_ ولو اشترى رجلان عبدا من رجلين كان كل منهما مشتريا ربع العبد من كل واحد من البائعين فلكل واحد رد الربع إلى أحدهما.
ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة كان كل واحد مشتريا تسع العبد من كل واحد من البائعين.
ولو اشترى رجلان عبدين من رجلين فقد اشترى كل واحد من كل واحد ربع كل عبد فلكل واحد رد جميع ما اشترى من واحد عليه.
العهدة ([427])
تعريفها:
العهدة في الأصل العهد وهو الالزام ـ أي الزام الشخص غيره شيئاً كالزام الحاكم غيره شيئاً ـ والالتزام ـ أي التزام الشخص لغيره شيئاً.
وفي العرف:
تعلق ضمان المبيع بالبائع في زمن معين فالبيع في تلك المدة لازم لا خيار فيه لكن إن سلم في مدة العهدة علم لزومه المتبايعين وإن أصابه نقص ثبت خيار المبتاع كالعيب القديم.
أقسامها:
العهدة قسمان:
1_ عامة وهي عهدة الإسلام من درك المبيع عن عيب أو استحقاق وهي على متولى العقد إلا الوكيل فلا عهدة عليه في صورتين وإنما هي على الموكل والصورتان هما:ـ
الأولى: أن يصرح بالوكالة.
الثانية: أو يعلم العاقد معه أنه وكيل وهذا في غير المفوض وأما هو فالعهدة عليه لأنه أحل نفسه محل البائع وكذا المقارض والشريك المفوض في الشركة.
ب_ خاصة وهي عهدة الرقيق وهذه على قسمين:
الأولى: عهدة ثلاث أي ثلاثة أيام وهي قليلة الزمان كثيرة الضمان لأنه يرد فيها بكل حادث.
الثانية: عهدة سنة وهي طويلة الزمان قليلة الضمان إذ فيها بعيوب ثلاثة فقط.
فعهدة الثلاث يرد فيها بكل عيب حادث في دينه كزنا وسرقة أو بدنه كعمى أو وصفه كجنون وصرع واباق.
وعلى البائع زمنها النفقة على الرقيق من طعام ولباس وغيره، وله الأرش إن جنى عليه زمنها وكذا ما وهب للرقيق زمنها إلا أن يستثنى ماله عند البيع فإن استثناه المشتري كان له ما وهب زمنها([428]). وعهدة السنة يرد فيها بثلاثة أدواء خاصة وهي الجذام والبرص والجنون واختصت عهدة السنة بهذه الأدوار الثلاثة لأنها تتقدم أسبابها ويظهر منها ما يظهر في فصل من فصول السنة دون فصل بحسب ما أجر الله العادة من حصول ذلك الداء في فصل دون فصل.
ابتداء مدة العهدة:
وابتداء العهدتين أول النهار وهو طلوع الفجر من اليوم المستقبل لا من يوم العقد.
شروط العهدة:
1) أن يشترط العمل بها عند البيع أو يعتاده الناس أو يحملهم السلطان عليها.
2) وهي تختص بالرقيق ذكراً كان أو أنثى.
3) ألا يستثنى الرد بعيب معين فيها كاباق أو سرقة فإن استثنى فلا رد به.
مسقطات العهدة:
1) يبطل حكم العهدة عمن باع بالبراءة.
2) كذلك يسقط حكمها فيما إذا باع السلطان لغريم أو من مال يتيم.
3) ويسقط حكمها إن شرط سقوطها ابتداء.
4) وتسقط العهدة بالعتق وما ألحق به كالا يلاد والتدبير([429]).
حكم العهدة
إذا حصل بالمبيع عيب حادث بعد القبض ولم يستند إلى سبب متقدم فلا يرد بهذا العيب.
وهذا مذهب جمهور العلماء وبه قال مالك إلا في الرقيق فإنه قال ما أصاب الرقيق في ثلاثة أيام بعد البيع من اباق أو عيب أو موت أو غير ذلك فمن ضمان البائع فإذا انقضت الثلاثة الأيام برئ البائع إلا من الجنون والجذام والبرص فإن هذه الأدواء الثلاثة إن أصاب شيء منها المبيع قبل انقضاء سنة من حين البيع كان له الرد بذلك.
قال في بداية المجتهد (انفرد مالك بالقول بالعهدة دون سائر فقهاء الأمصار وسلفه في ذلك أهل المدينة الفقهاء السبعة وغيرهم)([430]).
أدلة مالك:
1) ما رواه الحسن البصري عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله ﷺ قال (عهدة الرقيق ثلاث ليالي) وفي رواية أخرى أربع ليال وفي رواية أربعة أيام([431]).
2) وعن الحسن عن سمرة أن النبي ﷺ قال (عهدة الرقيق ثلاث)([432]).
وقال هؤلاء إنما قضى بعهدة الثلاث لأجل حمى الربع فإنها لا تظهر في أقل من ثلاثة أيام.
3) وذكروا أيضاً أن عمر بن الخطاب وابن الزبير رضي الله عنهما سئلا عن العهدة فقالا لا نجد أمثل من حديث حبان بن منقذ كان يخدع في البيوع فجعل النبي ﷺ له الخيار ثلاثاً إن شاء أخذ وإن شاء رد([433]).
4) وعن عمر بن عبد العزيز أنه قضى في عبد اشترى فمات في الثلاثة الأيام فجعله عمر من الذي باعه.
5) وعن ابن شهاب قال القضاة منذ أدركنا يقضون في الجنون والجذام والبرص سنه. قال ابن شهاب وسمعت سعيد بن المسيب يقول العهدة من كل داء عضال نحو الجذام والجنون والبرص.
وعن يحي بن سعيد الأنصاري رضي الله عنه قال لم تزل الولاة بالمدينة في الزمان الأول يقضون في الرقيق بعهده السنة من الجنون والجذام والبرص إن ظهر بالمملوك شيء من ذلك قبل أن يحول عليه رد عليه ويقضون في عهدة الرقيق بثلاث ليال([434]).
6) واحتج مالك أيضا بعمل أهل المدينة الذي تؤيده الأثار السابقة.
7) ولأن الحيوان يكون فيه العيب ثم يظهر.
أدلة الجمهور:
1) قالوا هي مخالفة للأصول وذلك أن المسلمين مجموعون على أن كل مصيبة تنزل بالمبيع بعد([435]) قبضه من المشتري فالتخصيص لمثل هذا الأصل المتقرر إنما يكون بسماع ثابت ولهذا ضعف عند مالك في أحد الروايتين عنه أن يقضي بها في كل بلد إلا أن يكون ذلك عرفاً في البلد أو يشترط.
2) وروى الشافعي عن ابن جريج قال سألت ابن شهاب عن عهدة السنة والثلاث فقال ما علمت فيها أمراً سالفا([436]).
3) وأيضاً فالعيب ظهر في يد المشتري ويجوز أن يكون حادثاً فلم يثبت فيه الخيار كسائر المبيع أو ما بعد الثلاثة والسنة.
مناقشة الجمهور لأدلة المالكية:
أجاب الجمهور عن الحديثين بأن الحسن لم يسمع من عقبة شيئا ولا سمع من سمرة إلا حديث العقيقة عند أكثر الحفاظ فروايته في هذا منقطعة لا يحتج بها، قال علي بن المديني لم يسمع الحسن من عقبة شيئاً وكذلك قال أبو حاتم وقال البيهقي في روايته عن سمرة في ذلك أنه غير محفوظ. والرواية عن عمر بن عبدالعزيز في قضائه بذلك ضعيفة، وكذلك الرواية المذكورة عن يحي بن سعيد الأنصاري.
وما ذكروه عن عمرو بن الزبير لا حجة لهم فيه لأن في حديث حبان (إن شاء أخذ وإن شاء رد) ولم يقيد ذلك بعيب ولا في الرقيق دون غيره قال الشافعي رضي الله عنه والخبر في أن رسول الله ﷺ جعل لحبان بن منقذ عهدة بثلاث خاص([437]).
قال في المغني ردا على أدلة المالكية (وحديثهم لا يثبت قال الامام أحمد ليس في العهدة حديث صحيح والحسن لم يلق عقبة واجماع أهل المدينة ليس بحجة والبراء الكامن لا عبرة وإنما النقص بما ظهر لا بما كمن)([438]).
المبحث الثالث: حكم فوات الوصف المرغوب فيه وغير المرغوب فيه
الأوصاف في السلعة منها ما هو مرغوب فيه يدفع المشتري إلى زيادة ثمن السلعة والمزاحمة في شرائها.
ومنها ما هو غير مرغوب فيه، فإذا اشترى رجل سلعة لوصف مرغوب فيه فبانت خاليه من ذلك الوصف فقد اتفق الفقهاء على أنه بالخيار إن شاء الله أمسك ولا شيء له وإن شاء ردها وأخذ الثمن.
فلو اشترى بقرة على أنها حلوب فبانت بخلاف ما أراده فله الخيار حينئذ بين الرد وأخذ الثمن وبين الإمساك ولا شيء له.
وكما لو اشترى ساعة على أنها تدق عند نهاية كل ساعة فبانت بخلاف ذلك فله الخيار وكما لو اشترى كتابا على أنه مطبوع فبان تصويراً فله الخيار وإذا اشترى شيئاً على أنه صفة غير مرغوبة فبان أنه على صفة أفضل منها مالو اشترى بغلا فبانت بغله أو اشترى بعيراً فبانت ناقه أو اشترى رجل كتابا على أنه تصوير فبان طباعه لم يكن له الخيار وصح البيع.
قال في المغني (وإذا اشترط المشتري في المبيع صفة مقصودة مما لا يعد فقده عيبا صح اشتراطه وصارت مستحقه يثبت له خيار الفسخ عند عدمها مثل أن يشترط العبد مسلماً فيبين كافراً أو يشترط الأمة بكراً أو طباخة أو ذات صنعه أو لبن أو أنها تحيض أو يشترط في الفهد أنه صبور وما أشبه هذا فمتى بان خلاف ما اشترطه فله الخيار في الفسخ والرجوع بالثمن أو الرضاء به ولا شيء له. لا نعلم بينهم في هذا خلافا لأنه شرط وصفا مرغوباً فيه نصار بالشرط مستحقا).
ثم قال (وإن شرط صفة غير مقصودة فبانت بخلافها مثل أن يشترط الأمة جاهله فبانت عالمه فلا خيار له لأنه زاده خيراً وإن شرطها كافره فبانت مسلمه أو ثيباً فبانت بكراً فله الخيار لأن فيه قصداً صحيحا وهو أن طالب الكافرة أكثر لصلاحيتها للمسلمين وغيرهم أو ليستريح من تكليفها العبادات. وقد يشترط الثيب لعجزه عن البكر أو لبيعها لعاجز عن البكر فقد فات قصده، وقيل لا خيار له لأن هذين زيادة وهو قول الشافعي في البكر واختيار القاضي واستبعد كونه يقصد الثيوبة لعجزه عن البكر وليس هذا ببعيد فإنه ممكن والاشتراط يدل عليه فيصير بالدليل قريباً([439]).
الفصل السابع
أحكام الأرش والاختلاف في المبيع
وتحته ثلاثة مباحث
الأول: الأرش.
الثاني: اختلاف المتبايعين.
الثالث: الخصومة والشهادة والصلح.
المبحث الأول: أحكام الأرش
تعريفه:
قسط مالي يؤخذ من ثمن المبيع المعيب نسبته إليه نسبة نقصان العيب من القيمة لو كان سليما.
ومعنى الأرش في اللغة: الديه، وهذا المعنى هو الأصل لقول الفقهاء الأرش هو المال المأخوذ عوضا عن نقص مضمون مادياً فمن اشترى شيئا فوجده غير تام وأخذ عوض النقص الفائت فهذا العوض يسمى أرشا.
مثاله:
أن يقوم المبيع صحيحا بعشرة ومبيعاً بتسعة والثمن خمسة عشر فقد نقصه العيب عشر قيمته فيرجع على البائع بعشر الثمن وهو ريال ونصف.
قال في المغني([440]) (وعلة ذلك أن المبيع مضمون على المشتري بثمنه ففوات جزء منه يسقط عنه ضمان ما قابله من الثمن أيضا ولأننا لو ضمناه نقص القيمة أفضى إلى اجتماع الثمن والمثمن للمشتري فيما إذا اشترى شيئا بنصف قيمته فوجد به عيباً ينقص نصف قيمته مثل أن يشتريه بعشرة وقيمته عشرون فوجد به عيبا ينقصه عشرة فأخذها حصل له المبيع ورجع بثمنه) انتهى.
كيفية التقويم:
الذين يحسبون الأرش لهم أهل الخبرة الخالين عن الغرض فلهم القول الفصل في ذلك فإذا اختار المشتري امساك المعيب بالأرش فيحسب الأرش هكذا ـ يقوم المبيع صحيحا ثم يقوم معيبا وينظر إلى النسبة بين القيمتين ويدفع البائع للمشتري عوضاً عن الوصف الفائت مبلغاً يعادل النسبة بين قيمة الصحيح وقيمة المعيب مع صرف النظر عن القيمة السوقية للوصف الفائت فإذا كانت قيمة المبيع صحيحاً مائة وقيمته معيباً ثمانين تكون نسبة التفاوت الخمس فيرجع المشتري بخمس الثمن المسمى، فإن كان هذا الثمن مساوياً للقيمة السوقية رجع عليه بعشرين وإن كان أقل كما لو اشترى المبيع بخمسين رجع عليه بعشرة وإن كان أكثر كما لو اشترى بمائة وخمسين رجع بثلاثين فليس المعيار لتقدير الأرش القيمة الحقيقة للوصف الفائت بالغة ما بلغت وإنما المعيار هو النسبة إلى الثمن المسمى لأن كلا من المتعاقدين أقدم على التعاقد بالثمن المسمى والتزم به لا بالقيمة السوقية([441]).
اختلاف المقومين في التقويم:
إذا اختلف الخبراء في تقويم المبيع أخذت قيمة واحدة متساوية النسبة إلى الجميع أي منتزعة منه نسبتها إليه بالسوية فمن القيمتين يؤخذ نصفهما ومن الثلاث ثلثها ومن الأربع ربعها ومن الخمس خمسها وهكذا.
وضابطه: أحد قيمة منتزعة من المجموع نسبتها إليه نسبة الواحد إلى عدد تلك القيم وذلك لانتفاء الترجيح.
وطريقة: أن تجمع القيم الصحيحة على حده والمعيبة كذلك وتنسب إحداهما إلى الأخرى ويؤخذ بتلك النسبة ولا فرق بين اختلاف المقومين في قيمته صحيحاً ومعيباً وفي أحدهما وأمثلة ذلك كالتالي:
1) اختلاف المقومين في قيمته صحيحا أو معيباً
قوم أحد المقومين صحيحة بـ(15) ومعيبة بـ (10) والثاني قوم الصحيح بـ (20) والمعيب بـ (15) والثالث قوم الصحيح بـ (25) والمعيب بـ (20) فهنا نجمع الصحيحة في عمود والمعيبة في همود ونلاحظ النسبة بين مجموع هذه مع مجموع تلك ونأخذ النسبة من أصل الثمن هكذا:
عدد القيم | الصحيحة | المعيـبة | التـفاوت | النسبـة |
1
2 3
المجموع |
15
20 25 ـــ 60 |
10
15 20 ـــ 45 |
5
5 5 ـــ 15 |
ثلث
ربع خمس |
فنسبة المعيبة إلى الصحيحة هي نسبة الثلاثة إلى أربعة:
4/3 = 60/45 والتفاوت بينهما بالربع: فإذا كان أصل الثمن (12) ريالاً
استرجع منه ربعه وهو (3) ريالات.
اختلاف المقومين في قيمته صحيحا فقط:
إذا قوم الأول الصحيح بـ(15) والمعيب بـ(10) وقوم الثاني الصحيح بـ(20) والمعيب بـ(10) وقوم الثالث الصحيح بـ(25) والمعيب بـ(10) وصورته هكذا.
عدد القيم | الصحيحة | المعيـبة | التـفاوت | النـسبة |
1
2 3
المجموع |
15
20 25 ــ 60 |
10
10 10 ــ 30 |
5
10 15 ــ 30 |
ثلث
نص ثلاث أخماس
|
فالتفاوت هنا بالنصف 2/1 = 60/30.
فإذا كان أصل الثمن (12) يرد منه نصفه وهو (6) ريالات.
3_ اختلاف المقومين في قيمته معيباً فقط:
إذا قوم الأول الصحيح بـ(25) والمعيب بـ(20) وقوم الثاني الصحيح بـ(25) والمعيب بـ(10) وقوم الثالث الصحيح بـ(251) والمعيب بـ(15) وصورته هكذا.
عدد القيم | الصحيحة | المعيـبة | التـفاوت | النـسبة |
1
2 3
المجموع |
25
25 25 ــ 75 |
20
10 15 ــ 45 |
5
15 10 ــ 30 |
أربعة أخماس
خمسين ثلاثة أخماس |
فالتفاوت هنا بخمسين 5/2.
فإذا كان أصل الثمن (12) يرد منه ثلاثة أخماس وهو أربعة صحاح وأربعة أخماس 4 ريال. هذا وقد ذكر فقهاء المذهب الجعفري طرقاً كثيرة لتقويم الصحيح والمعيب أذكر منها ثلاثاً تعميماً للفائدة:
الأول:
أن يجمع كل من قيم الصحيح وقيم المعيب على حدة ثم تؤخذ قيمة للصحيح تكون نسبتها إلى مجموع قيم الصحيح كنسبة الواحد إلى عدد تلك القيم فيؤخذ من مجموع قيمتي الصحيح نصفها ومن الثلاث ثلثهما ومن الأربع ربعها ـ وهكذا وكذلك العمل في طرف المعيب تؤخذ قيمة للمعيب تكون نسبتها إلى المجموع كنسبة الواحد إلى عدد القيم ثم تلاحظ النسبة بين هذه القيمة المأخوذة للصحيح والقيمة المأخوذة للمعيب فتلك النسبة تعين مقدار الأرش من أصل الثمن فيسترجع منه على قدر تلك النسبة.
مثاله: الثمن المدفوع فرضا(12)
القيمة الأولى (10) صحيحا و(8) عيباً.
القيمة الثانية (8) صحيحا و(4) معيبا.
مجموع قيمتي الصحيح =10+ 8= 18
مجموع قيمتي المعيب = 8+ 4= 12
المأخوذ للصحيح = 18÷ 2= 9
المأخوذ للمعيب= 12÷ 2= 6
نسبة المعيب إلى الصحيح = ثلثان.
فالتفاوت بينهما بثلث وهي النسبة التي تعين مقدار الأرش من أصل الثمن فيسترجع من أصل الثمن ثلثه أي (4) من (12).
الثانية:
أن يؤخذ من كل قيمة([442]) نصفها إذا كانت اثنتين أو ثلثها إذا كانت ثلاثا أو ربعها إذا كانت أربعاً. . وهكذا.
مثاله: القيمة الأولى (10) فنصفها (5).
القيمة الثانية (8) فنصفها (4).
ومجموع النصفين = 5 + 4= 9
فإذا كان أصل الثمن المدفوع (12) فيجب إبقاء (9) واسترجاع (3).
الثالثة:
أخذ تفاوت ما بين كل صحيح ومعيب وجمعه ثم تنصيفه أو أخذ ثلثه أو ربعه وهكذا حسب عدد المقومين.
مثاله: الثمن المدفوع فرضا(12)
القيمة الأولى(10) صحيحا و(8) معيبا.
القيمة الثانية (8) صحيحا و(4) معيبا.
التفاوت بين الصحيح والمعيب على الأول بخمس وهو من أصل الثمن يساوي (5/22).
والتفاوت بين الصحيح والمعيب على الثانية بنصف وهو من أصل الثمن يساوي(6).
مجموع التفاوتين = اثنان صحيح وخمسان + ستة = ثمانية صحيح وخمسين
نصفهما = ثمانية صحيح وخمسان ÷ 2 = أربعة وخمس وهو الأرش
المبحث الثاني: اختلاف المتبايعين
أولاً: الاختلاف في وجود العيب:
إذا تم البيع واستلم المشتري العين وتصرف بها تصرفاً مغيراً أو تلفت في يده بحيث يتعذر ملاحظتها والتعرف على أنها صحيحة أو معيبة ثم اختلف البائع والمشتري في وجود العيب في المبيع فقال المشتري كان فيه عيب قديم وعليك الأرش والتعويض وقال البائع كلا لقد كان سليماً من كل عيب.
هنا لا بد من النظر والتفصيل فإن علمنا بالبينة أو بالإقرار أو بالعيان أن المبيع كان معيبا عند البائع وادعى زواله قبل القبض فنستصحب بقاء العيب ويكون المدعى هو البائع يكلف بالبينة على ذهاب العيب قبل القبض ويكون المنكر هو المشتري تلزمه اليمين.
وإن علمنا أن المبيع سليماً من العيب فنستصحب بقاء السلامة وعلى المشتري البينة على حدوث العيب قبل القبض فإن عجز عنها حلف البائع وردت دعوى المشتري([443]).
ثانياً: الاختلاف في حصول البراءة من العيب:
إذا اتفقا على أن العيب كان موجوداً قبل القبض ولكن ادعى البائع البراءة من العيب وأنكر المشتري ذلك فالقول قول المشتري بيمينه إذا لم يكن للبائع بينه.
ثالثاً: الاختلاف في عدد المقبوض أو صفته:
إذا أراد المشتري بعد التقابض رد المبيع بخيار العيب فاختلف المتبايعان في عدد المبيع أو في المقبوض فالقول للمشتري لأن المشتري قابض والقول للقابض في قدر المقبوض هل هو واحد أو اثنان وفي الوصف وتعينه وهل هذا هو المقبوض أو غيره إلا أنه تقبل البينة من المشتري لإسقاطه اليمين مثال ذلك إذا اشترى شخص من آخر بغلة بألفي قرش واستلمها ثم أراد ردها واسترجاع الثمن لوجود عيب قديم فيها فأقر البائع بالعيب القديم إلا أنه ادعى أنه باع البغلة مع بغلة أخرى بذلك المبلغ وأنه يرد حصتها من الثمن فقط وادعى المشتري أن البائع لم يبيعه إلا بغلة واحدة بالمبلغ المذكور أو ادعى أنه أخذ بغلتين بألفي قرش إلا أنه لم يستلم منهما إلا هذه البغلة التي وجدت فيها العيب وأنه يرد له من ثمن المبيع حصة هذه البغلة فقط فالقول للمشتري مع اليمين لأنه قابض ينكر الزيادة التي يدعيها البائع([444]).
رابعاً: الاختلاف في قدم العيب:
إذا كان العيب موجوداً بالفعل وظاهراً للعيان وقال المشتري حدث هذا العيب عند البائع وقال البائع بل حدث عند المشتري.
هنا لا بد أن ينظر فإن شهدت الحال شهادة تفيد القطع والجزم بأن العيب قديم ولا يمكن أن يحدث عند المشتري كمن اشترى دارا ثم تبين أنها قائمة على غير أساسها المعتاد إن كان كذلك ترد دعوى البائع ويحكم للمشتري بحق الخيار من غير يمين.
وإن شهدت الحال شهادة قطعية بأن العيب حادث وابن يومه ولا يمكن بحال أن يكون حادثاً قبل القبض كالجرح في الدابة الذي لا يزال طرياً إن كان كذلك يرد قول المشتري من غير أن يحلف البائع لأن اليمين إنما نحتاج إليها من عدم العلم بالواقع والواقع هنا معلوم فلا داعي لليمين وإن كان من العيوب التي يمكن حدوثها عند البائع وعند المشتري أي قبل القبض وبعده فالقول قول البائع مع يمينه إذا لم يكن للمشتري بينه لأن الأصل سلامة العين من العيوب حتى يثبت العكس ولم يثبت العيب قبل القبض فيكون الأصل مع البائع وضد المشتري.
قال في روضة الطالبين([445]) (إذا وجد المبيع عيب فقال البائع حدث عند المشتري وقال المشتري بل كان عندك نظر إن كان العيب مما لا يمكن حدوثه كالأصبع الزائدة وقد جرى البيع أمس فالقول قول المشتري وإن لم يحتمل تقدمه كجراحة طرية وقد جرى كالمرض فالقول قول البائع لأن الأصل لزوم العقد واستمراره) انتهى.
وقال في المغني([446])(وجملة ذلك أن المتبايعين إذا اختلفا في العيب هل كان في المبيع قبل العقد أو حدث عند المشتري لم يخل من قسمين).
أحدهما: أن لا يحتمل إلا قول أحدهما كالأصبع الزائدة والشجة المندملة التي لا يمكن حدوث مثلها والجرح الطري الذي لا يحتمل كونه قديما فالقول قول من يدعى ذلك بغير يمين لأننا نعلم صدقه وكذب خصمه فلا حاجة إلى استحلافه.
الثاني: أن يحتمل قول كل واحد منهما كالخرق في الثوب ففيه روايتان:
الأول: القول قول المشتري مع يمينه.
الثاني: القول قول البائع مع يمينه. انتهى
المبحث الثالث: الخصومة والشهادة والصلح عند الاختلاف
أولا: الخصومة:
1) دعوى العيب والخصومة فيه واقامة البينة.
يجب أن يعلم أن العيب نوعان ظاهر يعرفه القاضي بالمشاهدة والعيان كالقروح والعمى والأصبع الزائدة وأشباهها، وباطن لا يعرفه القاضي بالمشاهدة والعيان.
والظاهر أنواع قديم كالأصبع الزائدة ونحوها وحديث لا يحتمل الحدوث من وقت البيع إلى وقت الخصومة كأثر الجدري وما أشبه ذلك. وحادث لا يحتمل التقدم على مدة البيع.
وأما الباطن فنوعان نوع يعرف بآثار قائمة كالثيابة والحبل والداء في موضع لا يطلع عليه الرجال، ونوع لا يعرف بآثار كالسرقة والاباق والجنون.
فإن كان الدعوى في عيب ظاهر يعرفه القاضي بالمشاهدة ينظر إليه فإن وجده سمع الخصومة وإن لم يجده لم يسمعها.
وإن كان العيب قديماً أو حديثاً لا يحدث من وقت البيع إلى وقت الخصومة كان للمشتري أن يرده لأنا عرفنا قيامه بالمبيع عند البائع، وإن كان عيباً يحتمل الحدوث في مثل هذه المدة ويحتمل التقدم عليها وكان مشكلا فالقاضي يسأل البائع سقوط حق المشتري في الرد ويثبت ذلك بنكوله أو بالبينة فإن أنكر فالقول قوله مع يمينه إن لم يكن للمشتري بينة على كون هذا العيب عند البائع.
وإن كان عيباً لا يحتمل التقدم على مدة البيع فالقاضي لا يرده على البائع وإن كان العيب باطنا فإن كان يعرف بآثار قائمة في البدن وكان في وضع يطلع عليه الرجال، فإن كان للقاضي بصارة بمعرفة الأمراض بنفسه، وإن لم يكن له بصارة يسأل عمن له بصارة ويعتمد على قول عدلين وهذا أحوط والواحد يكفى فإذا اخبره العدل توجهت الخصومة وحلف البائع.
وإن كان عيباً لا يطلع عليه إلا النساء كالحبل وما أشبه ذلك فالقاضي يعتمد على النساء والواحدة تكفى والاثنتان أحوط فإذا ثبت العيب من قبل النساء توجهت الخصومة وحلف البائع.
وإن كان العيب باطنا لا يعرف بآثار قائمة بالبدن نحو الاباق والجنون والسرقة والبول في الفراش. فعلى القاضي أن يتأكد من صحة دعوى المشتري فإذا ثبت لديه سأل البائع عن هذا العيب حتى يثبت حدوثه عنده أو عدم حدوثه ثم يبني حكمه على ذلك([447]).
2_ من تلزمه الخصومة:
الخصومة في البيع تلزم البائع سواء كان حكم العقد له أو لغيره بعد أن كان أهلا لأن تلزمه الخصومة إلا القاضي أو أمينة كالوكيل والمضارب والشريك والمكاتب والمأذون والأب والوصي لأن الخصومة في العيب من حقوق العقد في هذا الباب راجعة إلى العاقد إذا كان أهلا فإن لم يكن بأن كان صبياً أو محجوراً فالخصومة لا تلزمه وإنما تلزم الموكل وأما القاضي أو أمينه فالخصومة لا تلزمه لأن الولاية للقاضي إنما يثبت شرعاً نظراً لمن وقع له العقد فلو لزمة العهدة لامتنع عن النظر خوفاً من لزوم العهدة، وما يلزم الوكيل من العهدة يرجع به على الموكل([448]).
ثانياً: الشهادة:
العيوب التي يحتاج لإثباتها عند اختلاف المتبايعان أنواع أربعة.
أحدهما: ما كان ظاهراً في موضع يراه القاضي وغيره فهنا تكفى رؤية العيب عند الخصومة لأن قيام العيب بعند الخصومة شرط لتوجيه وحقيقة معرفة ذلك ممكنة للقاضي.
الثاني: عيب لا يعرفه إلا الأطباء فعلى القاضي أن يريه مسلمين عدلين من الأطباء لأن علم ذلك عندهم وإنما يرجع في معرفة كل شيء إلى من له بصر في ذلك الباب.
الثالث:
عيب لا يعرفه النساء بأن يكون في موضع لا يطلع عليه الرجال فالقاضي يعتمد في معرفة العيب على النساء والمرأة الواحدة تكفى لذلك والاثنتان أحوط.
الرابع: عيب حكمي كالأباق والسرقة والبول في الفراش فالقاضي هنا لا يسمع خصومة المشتري في ذلك مالم تقم البينة على وجود العيب عنده لأن قيام العيب شرط لتوجه الخصومة ولا طريق لمعرفة ذلك إلا بالبنية([449]).
ثالثاً الصلح:
إذا اشترى السلعة وقبضها ثم نقد الثمن وبعد مدة اطلع فيها على عيب فأنكر البائع أن يكون بها ذلك العيب حين كانت عنده، ثم عرض عليه المشتري الصلح على قدر معين من القيمة فوافق البائع فلهما ذلك مثاله.
اشترى زيد من خالد سيارة بمبلغ عشرة آلاف ريال وبعد مدة من قبض السيارة والثمن اطلع زيد على عيب السيارة فأتى إلى خالد وطلب منه رد الثمن لحدوث هذا العيب عنده فأنكر خالد ذلك ثم عرض زيد عليه الصلح بأن يرد عليه ألفي ريال عوضا عن الضرر الذي لحقه بوجود هذا العيب فهنا إذا وافق خالد على ذلك فلا مانع منه لأن الصلح أمر مشروع تلافياً لما يحصل من المخاصمة والشقاق.
الفصل الثامن
الانتفاع بالمبيع ووضع الحوائج
ويشتمل على مبحثين:
الأول: الانتفاع بالمبيع.
الثاني: أحكام وضع الحوائج.
المبحث الأول: الانتفاع بالمبيع
إذا استغل المشتري المبيع أو عرضه على البيع أو تصرف فيه تصرفاً دالا على الرضاء به قبل علمه بالعيب لم يسقط خياره لأن ذلك لا يدل على الرضاء به معيباً.
وإن فعله بعد علمه بعينه بطل خياره…. فلو ركب الدابة لينظر سيرها أو ليسقيها أو ليردها على بائعها أو استخدم الأمة ليختبرها أو لبس القميص ليعرف قدره لم يسقط خياره لأن ذلك ليس رضا بالمبيع.
قال في المبسوط([450]) ولو استخدم المبيع بعد العلم بالعيب كان هذا في القياس رضا لأنه يستخدمه لملكه فيه فالإقدام عليه دليل الرضا ويتقرر ملكه وفي الاستحسان هذا لا يكون رضا بالعيب لأن الناس قد يتوسعون في الاستخدام فقد يستخدم الإنسان ملك غيره، بأمره وبغير أمره وإنما يستخدمها للاختبار أنها على هذا العيب هل تصلح لخدمته أم لا فكان ذلك اختباراً.
ولو كان ثوباً فلبسه فهو رضا منه تصرف بحكم الملك وقلما يفعله الإنسان في ملك غيره فيكون ذلك دليل الرضا فيتقرر ملكه وكذلك إن كانت دابة فركبها غير أنى أستحسن إذا ركب الدابة ليعلفها أو ليسقيها أو ليردها أن لا يكون هذا رضا منه لأنه يحتاج في ردها إلى سوقها وربما لا تنقاد له مالم يركبها وكذلك في سقيها وعلفها فالركوب لأجله لا يكون دليل الرضا منه وإنما دليل الرضا أن يركبها في حاجة نفسه أو يسافر عليها) انتهى.
وقال في المحلى([451]) ومن اشترى جارية أو دابة أو ثوباً أو داراً أو غير ذلك فوطئ الجارية أو افتضها إن كانت بكراً أو زوجها فحملت أو لم تحمل أو لبس الثوب وأنضى([452]) الدابة وسكن الدار واستعمل ما اشترى واستغله وطال استعماله المذكور أو قل ثم وجد عيبا فله الرد أو الامساك ولا يرد مع ذلك شيئا من أجل استعماله لذلك لأنه تصرف في مال نفسه وفي متاعه بما أباح الله تعالى له قال الله تعالى: [وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ]([453]).
فمن لم يلمه الله تعالى وأباح له فعله ذلك بضرورة العقل محسن. انتهى.
المبحث الثاني: وضع الجوائح([454])
تعريف الجوائح:
الجائحة لغة مشتقة من الجوح وهو الاستئصال.
قال في مختار الصحاح([455]) (جاح الشيء استأصله وبابه قال ومنه الجائحة وهي الشدة التي تحتاج المال من سنة أو فتنة يقال جاحتهم الجائحة واجتاحتهم وجاح الله ماله من باب قال أيضاً وأجاحه بمعنى أهلكه بالجائحة).
واصطلاحاً: هي الآفة السماوية التي تصيب الثمار فتهلكها ولا يمكن معها تضمين أحد كالريح والبرد والحر والمطر والجليد والصاعقة ونحو ذلك.
خلاف العلماء في وضع الجوائح:
اختلف أهل العلم في وضع الجوائح إذا بيعت الثمرة بعد بدو صلاحها وسلمها البائع للمشتري بالتخلية ثم تلف بالجائحة قبل أوان الجذاذ. . .
فقال الحنفية والشافعي في قوله الجديد إن الجائحة من ضمان المشتري فليس له الرجوع على البائع بشيء.
قال الشافعي لم يثبت عندي أن رسول الله ﷺ أمر بوضع الجوائح ولو ثبت لم اعده ولو كنت قائلا بوضعها لوضعتها في القليل والكثير.
وقال المالكية والحنابلة وهو قول الشافعي في القديم إن الجائحة من ضمان البائع فيرجع المشتري عليه بما دفعه من الثمن غير أن مالكاً قيد ذلك بالثلث فأكثر فقال إن أذهبت الجائحة دون الثلث لم يجب الوضع وإن كان الثلث فأكثر وجب.
سبب الخلاف:
قال في بداية المجتهد([456]) سبب الخلاف في هذه المسألة هو تعارض الآثار فيها. وتعارض مقاييس الشبه وقد رام كل واحد من الفريقين صرف الحديث المعارض للحديث الذي هو الأصل عنده بالتأويل. انتهى.
الأدلة:
استدل الفريق الأول الذين جعلوا الجائحة من ضمان المشتري بما يأتي”
1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أصيب رجل في عهد رسول الله ﷺ في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله ﷺ تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله ﷺ لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك([457]).
وجه الدلالة أن النبي ﷺ أمر بالصدقة عليه ودفع هذا المال إلى غرمائه ولو كانت الجائحة توضع لم يفتقر إلى ذلك.
2) ما ثبت أن امرأة أتت النبي ﷺ فقالت إن ابني اشترى ثمرة من فلان فأذهبتها الجائحة فسأله أن يضع عنه، فتألى أن لا يفعل، فقال النبي ﷺ: (تألى([458]) أن يفعل خيراً)([459]).
وجه الدلالة: أن وضع الجوائح لو كان واجبا لأجبره الرسول ﷺ ولكنه قال تألى أن لا يفعل خيراً وهذا يدل على أو وضعها مندوب إليه.
3) ثم هم شبهوا هذا البيع بسائر المبيعات فقالوا إن التخلية فيه تعنى جواز التصرف فيه يبنى عليه ضمانه وقد اتفق العلماء على أن ضمان المبيع بعد القبض على المشتري. قال ابن تيمية([460]) في معرض سوقه لحجج المانعين من وضع الجوائح (إنهم يقولون هذا تلف بعد قبضه لأن قبضه حصل بالتخلية بين المشتري وبينه فإن هذا قبض العقار وما يتصل به بالاتفاق ولأن المشتري يجوز تصرفه فيه بالبيع وغيره وجواز التصرف يدل على حصول القبض لأن التصرف في المبيع قبل القبض لا يجوز فهذا سر قولهم) انتهى.
واستدل الفريق الثاني الذين يجعلون ضمان الجائحة على البائع بما يأتي:ـ
1) ما روى جابر أن رسول الله ﷺ قال:(لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق([461]).
وجه الدلالة من الحديث: أنه صريح في تضمين البائع الجائحة إذ أخذه من مال المشترى حال اصابة المبيع بجائحة يعتبر أكلا للمال بغير حق.
2) وروى جابر أن رسول الله ﷺ أمر بوضع الجوائح([462]).
وجه الدلالة من الحديث: أنه أمر صريح للبائع أن يضع الجائحة عن المشتري وذلك يقتضي أن يتحملها فيكون ضامنا لها.
قال ابن تيمية([463]) بعد ذكره للحديثين (فقد بين النبي ﷺ في هذين الحديثين الصحيحين أنه إذا باع ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل له أن يأخذ منه شيئا ثم بين سبب ذلك وعلته فقال (بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق). وهذا دلالة على ما ذكره الله في كتابه من تحريم أكل المال بالباطل إذا تلف المبيع قبل التمكن من قبضه كان أخذ شيء من الثمن أخذ ماله بغير حق بل بالباطل وقد حرم الله أكل المال بالباطل لأنه من الظلم المخالف للقسط الذي تقوم به السماء والأرض) انتهى.
3) قالوا والمبيع مازال في يد البائع لم يقبضه المشتري بدليل منا عليه من سفيه وموالاته حتى يستلمه المشتري.
4) قال المالكية والقول بوضع الجوائح هو مذهب أهل المدينة قديماً وحديثاً وعليه العمل عندهم من لدن رسول الله ﷺ إلى زمن مالك.
5) واستدل مالك رحمه الله على تقييده الوضع بالثلث فأكثر بما ثبت عنه ﷺ في حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال: (الثلث والثلث كثير)([464]).
وجه الدلالة من الحديث: قياس مالك رحمه الله الجائحة على الوصية إذا الحديث وارد في الوصية.
المناقشة:
أولاً: مناقشة أدلة من قال بوضع الجوائح.
أجاب الحنفية والشافعية عن حديثي وضع الجوائح بجوابين:ـ
أحدهما:
أنهما محمولان على بيع الثمر قبل بدو صلاحه كما في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ: (نهى عن بيع الثمار حتى تزهى)([465]) قيل وما زهوها قال تحمار([466]) وتصفار([467]) ويكون هذا من باب حمل المطلق على المقيد.
قال في بداية المجتهد([468]) (وقال من منع الجائحة يشبه أن يكون الأمر بها إنما ورد من قبيل النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها قالوا ويشهد لذلك أنه لما كثر شكواهم بالجوائح أمروا أن لا يبيعوا الثمر إلا من بعد أن يبدو صلاحه وذلك في حديث زيد([469]) ابن ثابت المشهور) انتهى.
ثانيهما:
أنهما محمولان على الندب فيكون التلف من مال المشتري ولا وضع على البائع لأجل الجائحة إلا ندبا بدليل حديث الذي تألى ألا يضع الجائحة فقال فيه الرسول ﷺ: (تألى أن لا يفعل خيراً)([470]).
ثانياً: مناقشة أدلة من منع وضع الجوائح:
أجاب المثبتون لوضع الجوائح عن أدلة المانعين بما يأتي:
( أ ) قالوا في حديث أبي سعيد([471]) الذي أمر فيه الرسول ﷺ بالصدقة على الذي أصيب في ثمرته ـ يحمل أنها تلفت بعد أو أن الجذاذ وتفريط المشتري قالوا ولهذا قال ق في آخر الحديث (ليس لكم إلا ذلك) ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم طلب بقية الدين.
قال في نيل الأوطار([472]) وأما ما احتج به الطحاوي فغير صالح للاستدلال به على محل النزاع لأنه لا تصريح فيه بأن ذهاب ثمرة ذلك الرجل كان بعاهات سماوية وأيضا عدم نقل تضمين بائع الثمرة لا يصلح للاستدلال به لأنه قد نقل ما يشعر بالتضمين على
العموم فلا ينافيه عدم النقل في قضية خاصة) انتهى كلامه.
وقال في بداية المجتهد([473]) (وقال من اجازوها في حديث أبي سعيد يمكن أن يكون البائع عديماً فلم يقض عليه بجائحه أو أن يكون المقدار الذي أصيب من الثمر مقدار لا يلزم فيه جائحه أو أن يكون أصيب في غير الوقت الذي تجب فيه الجائحة مثل أن يصاب بعد الجذاذ أو بعد الطيب) انتهى كلامه.
( ب ) وقالوا في حديث المتألى([474]) أنه ليس فيه إلا قول النبي ﷺ: (تألى أن لا يفعل خيراً) والخير قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً ولم يحكم عليه لعدم مطالبه الخصم وحضور البينة أو الإقرار ولعل التلف كان بعد كمال الصلاح.
( ج ) وأجابوا عن الدليل الثالث من أدلة تقاة وضع الجوائح بما يأتي:
قالوا دليلكم ينحصر بالآتي:
(أ) أن التلف بعد القبض.
(ب) أن القبض هو التخلية.
(ج) أنه يجوز للمشتري التصرف بالمبيع.
وجوابنا عنه كالتالي:
أ_ أما قولكم إن تلف المبيع كان بعد القبض فممنوع لأن التلف الحاصل كان قبل تمام القبض وكماله وقبل التمكن من القبض لأن البائع عليه تمام التربية من سقى الثمر وموالاته حتى يتم صلاحه ولو ترك ذلك لكان مفرطاً وما على المشتري إلا قبضه على الوجه المعروف والمعتاد وذلك بأن يقبضه سليماً في الوقت المناسب.
ب_ وأما قولكم إن القبض هو التخلية فهذا لا نوافقكم عليه والصحيح أن القبض مرجعه إلى عرف الناس وقبض ثمر الشجر في العرف لابد فيه من الخدمة والتخلية المستمرة إلى كمال الصلاح.
ج_ وأما قولكم أنه يجوز التصرف في المبيع من قبل المشتري فنحن نقول إن جواز التصرف آت من حصول الإقباض الممكن لكن الضمان لا يدخل لانتفاء كمال الإقباض وتمامه الذي به يقدر المشتري على الاستيفاء.
ثالثاً: مناقشة المتبين لردود النافين على أدلة أثبات وضع الجوائح:
(أ) أما اعتراضهم على حديث الجوائح بأنه محمول على بيع الثمر قبل بدو صلاحه كما في حديث([475]) أنس فالجواب عنه كالتالي:
1_ أن النبي ﷺ قال (إذا بعت([476]) من أخيك ثمرة فأصابتها جائحة. . . الحديث والبيع المطلق لا ينصرف إلا إلى البيع الصحيح.
2_ أنه أطلق بيع الثمرة ولم يقل قبل بدو صلاحها فأما تقييده ببيعها قبل بدو صرحها فلا وجه له.
3_ أنه قيد ذلك بحال الجائمة وبيع الثمر قبل بدو صلاحها لا يجب فيه ثمن بحال([477]).
قال في نيل الأوطار([478]) (وما احتجوا به من حديث أنس يجاب عنه بأن التنصيص على الوضع مع البيع قبل الصلاح لا ينافي الوضع مع البيع بعده ولا يصلح مثله لتخصيص ما دل على وضع الجوائح ولا لتقييده) انتهى كلامه.
(ب) وأما قولهم إن حديثي([479]) وضع الجوائح محمولان على الندب فجوابه كالتالي:
الأصل في الأمر أن يدل على الوجوب وهو كذلك في حديثي الباب لقوله ﷺ: (لا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً) (وقوله مال أخيك) إذ يدل على أنه لم يستحق منه الثمن وأنه مال أخيه لا ماله.
وحديث التصدق([480]) محمول على الاستحباب بقرينة قوله (لا يحل لك) وفائدة الأمر بالتصديق الإرشاد إلى الوفاء بغرضين جبر البائع وتعريض المشتري لمكارم الأخلاق([481]).
الترجيح:
الذي يظهر لي رجحان المذهب القائل بوضع الحوائج وذلك لقوة مأخذه وأيضاً فهناك آيات قرآنية تعضد هذا المذهب كقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]([482]).
وقال تعالى: [وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ]([483]).
وقد ذم الله بني اسرائيل فقال [فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]([484]).
ومن أكل أموال الناس بالباطل أخذ أحد العوضين بدون تسليم العوض الآخر لأن المقصود بالعهود والعقود المالية هو التقابض فكل من العاقدين يطلب من الآخر تسليم ما عقد عليه وهذا هو موجب العقود ومقتضاها لأن كلاً من المتعاقدين أوجب على نفسه بالعقد ما طلبه الآخر وسأله عنه والعقود لا تتم إلا بالتقابض من الطرفين ولا يكون التقابض هنا إلا بكمال الصلاح ولست مع مالك في تحديده وضع الجائحة بالثلث فأكثر بل الراجح عندي الوضع مطلقاً من غير فرق بين القليل([485]) والكثير وبي البيع قبل بدو الصلاح وبعده. فحديث (الثلث والثلث كثير) في الصداقة وقياس وضع الجائحة على الصدقة قياس مع الفارق.
الأسباب الفاعلة للجوائح
الجائحة هي الآفات المساوية التي لا يمكن معها تضمين أحد مثل الريح والبرد والحر والمطر والجليد والصاعقة ونحو ذلك.
وإن أتلفها آدمي يمكن تضمينه أو غصبها غاصب فهي بمنزلة اتلاف المبيع قبل التمكن من قبضة يخير المشتري بين الإمضاء والفسخ.
وإن أتلفها من الآدميين من لا يمكن ضمانه كالجيوش التي تنهبها واللصوص الذين يخربونها ففيه قولان.
(أ) قيل ليست جائحة لأنها من فعل الآدمي وهو قول لمالك وقول لأحمد.
(ب) وقيل هي جائحة لأن المأخذ واحد وهو عدم إمكان الضمان وهو قول لمالك وقول لأحمد([486]).
قال في بداية المجتهد([487]) (فمن جعلها([488]) في الأمور السماوية فقط اعتمد ظاهر قوله ﷺ (أرأيت([489]) أن منع الله الثمرة) ومن جعلها في أفعال الآدميين شبهها بالأمور السماوية) انتهى.
حل الجوائح من المبيعات:
الجوائح موضوعه في جميع الشجر عند المالكية والحنابلة وقد نقل عن أحمد أنه قال (إنما الجوائح في النخل) وقد تأوله بعض أصحابه على أنه أراد إخراج الخضر من ذلك ويمكن أنه أراد أن لفظ الجوائح الذي جاء به الحديث هو في النخل وباقي الشجر ثابته بالقياس لا بالنص فإن شجر المدينة كان النخل.
وأما الجوائح في الزرع ففيها وجهان عند الحنابلة.
الأول:
لا جائحة فيها لأنها لا تباع إلا بعد تكامل صلاحها وأوان جذاذها بخلاف الثمرة فإن بيعها جائز بمجرد بدو الصلاح ومدته تطول.
الثاني:
فيها الجائحة كالثمرة ولا فرق بينهما لأن النبي ﷺ (نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حت يشتد)([490]) فبيع هذا بعد اسوداده كبيع هذا بعد اشتداده ومن حين يشتد إلى حين يحصده مدة قد تصيبه فيها جائحة.
زمان القضاء بالجائحة:
يقضي بها إذا تلفت الثمرة قبل كمال صلاحها ووقت جذاذها أما إذا تركها إلى حين الجذاذ فتلفت فالذي يظهر أنها تكون من ضمان المشتري كما هو رأي المالكية إذ لم يبق على البائع شيء من التسليم أما الحنابلة فقالوا إن الضمان على البائع إذ المشتري لم يحصل منه تفريط لا خاص ولا عام وتأخيرها إلى هذا الحين من موجب العقد.
المقدار الذي تجب فيه الجائحة:
حدد المالكية مقدار ما توضع فيه الجائحة بالثلث فأكثر كما سبق أن ذكرنا وأما الحنابلة فأطلقوا ذلك في القليل والكثير وهذا هو الأظهر لعموم الحديث.
الفصل التاسع
الأحكام المتعلقة بالمبيع
إذا كان عبد أو أمة
ومسقطات خيار العيب وأمثلته
ويشتمل على المباحث التالية:
الأول: الأحكام المتعلقة بالمبيع إذا كان عبداً أو أمة.
الثاني: ما يمتنع به الرد ويسقط الخيار.
الثالث: أمثلة عامة لخيار العيب.
المبحث الأول: الأحكام المتعلقة بالمبيع إذا كان عبداً أو أمة
أولاً: ما يترتب على وطء الأمة المعيبة:
اختلف العلماء رحمهم الله في الجارية المعيبة يطأها المشتري ثم يعلم بها عيبا لم يتبرأ منه البائع هل يردها أم يأخذ الأرش أم هناك فرق بين البكر والثيب على النحو التالي:
(أ) إذا كان المبيع جارية ثيبا فوطئها المشتري قبل علمه بالعيب فليس له الرد عند الحنفية ورواية لأحمد وهو قول علي ابن طالب رضي الله عنه وبه قال الزهري والثوري واسحاق. قال هؤلاء أن الوطء يجري مجرى الجنابة لأنه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال فوجب أن يمنع الرد.
الرأي الثاني:
وقال المالكية والشافعية وهو رواية عن أحمد أن له ردها وليس معها شيء وروى ذلك عن زيد بن ثابت.
قال هؤلاء إن وطء الثيب معنى لا ينقص عينها ولا قيمتها ولا يتضمن الرضا بالعيب فلا يمنع الرد كالاستخدام.
الرأي الثالث:
وقال شريح والشعبي والنخعي وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى يردها ومعها أرش واختلفوا فيه فقال شريح والنخعي نصف عشر ثمنها.
وقال الشعبي حكومة. وقال ابن المسيب عشرة دنانير. وقال ابن أبي ليلى مهر مثلها.
قال في المبسوط([491]) (وحجتنا في ذلك إجماع الصحابة رضوان الله عليهم فقد قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما لا يردها بعد الوطء وقال عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما يردها ويرد معها نصف عشر قيمتها فقد اتفقوا على أن الوطء لا يسلم للمشتري مجاناً.
فمن قال يردها ولا يرد معها شيئا فقد خالف أقاويل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكفى بإجماعهم عليه) انتهى كلامه.
والذي يظهر لي رجحان الرأي الثالث القائل بردها ومعها أرش وذلك لأن للوطء أثراً لا ينكر عند تقدير الثمن حتى ولو كانت الأمة ثيباً، والقول بعدم الرد اطلاقاً فيه ضرر على المشتري الذي اشترها سليمة ثم اطلع على عيب فيها ولعل الحل الأمثل أن يرد معها عوضا عما أحدثه فيها من النقص وهو الوطء.. والله أعلم.
(ب) وإن كان المبيع جارية بكراً فوطئها المشتري قبل علمه بالعيب فله الرد ولكن عليه أن يرد معها أرش النقص وهذا ما ذهب إليه مالك وأحمد في رواية عنه وبه قال شريح وسعيد ابن المسيب والنخعي والشعبي وابن ليلى وأبو ثور.
قال مالك وأبو ثور والواجب رد ما نقص قيمتها بالوطء فإذا كانت قيمتها بكراً عشرة دنانير وثيباً ثمانية رد دينارين لأنه بفسخ العقد يصير مضمونا عليه بقيمته.
وقال شريح والنخعي يرد عشر ثمنها. وقال سعيد بن المسيب يرد عشرة دنانير.
الرأي الثاني:
وقال الحنفية والشافعية وهو رواية عن أحمد وبه قال ابن سيرين والزهري والثوري واسحاق ليس له ردها وإنما له أخذ أرش العيب.
قالوا لأن الوطء نقص عينها وقيمتها فلم يملك ردها كما لو اشترى عبداً فخصاه فنقصت قيمته.
والذي يظهر لي رجحان المذهب الأول لأن الوطء عيب حدث عند أحد المتبايعين وليس من أجل استعلام المبيع فأثبت الخيار كالعيب الحادث عند البائع قبل القبض([492]).
ثانياً:
إذا كان المبيع جارية فحملت عنده وولدت ثم اطلع على العيب فهل له ردها أم عليه امساكها وأخذ الأرش.
قولان عند الشافعية فمنهم من قال يرد الأم ويمسك الولد. ومنهم من قال لا يرد الأم بل يرجع بالأرش لأن التفريق بين الأم والولد فيما دون سبع سنين لا يجوز ولكن هذا فيه نظر إذ يجوز التفريق بين الأم وولدها عند الضرورة ولو لم يبلغ سبع سنوات كما هو مقرر عند الشافعية([493]).
قال في نهاية المحتاج([494]) ولو باع الجارية أو البهيمة حاملا وهي معيبة مثلا فانفصل الحمل رده معها إن لم تنقص بالولادة أو نقصت بها وكان جاهلا به([495]) واستمر جهله إلى الوضع لأن الأمر الحادث بسبب متقدم كالأمر المتقدم) انتهى كلامه.
ثالثاً: الحكم إذا باع العبد وله مال أو الجارية ولها حلي:
إذا باع السيد عبده أو جاريته وفي يد المبيع مال ملكه اياه مولاه أو خصه به فهو للبائع لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال:(من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع([496])) ولأن العبد وماله للبائع فإذا باع العبد اختص البيع به دون غيره كما لو كان له عبدان فباع أحدهما.
لكن لو اشترطه المبتاع فهو له للحديث السابق، هذا إذا كان قصد المشتري هو العبد لا المال فإذا كان لا يقصد بالبيع شراء مال العبد إنما يقصد بقاء المال لعبده واقراره في يده فمتى كان كذلك صح اشتراطه ودخل في البيع سواء كان المال معلوما أو مجهول من جنس الثمن أو من غيره عينا كان أو دينار وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر فلو باع عبداً بألف درهم ومعه ألف درهم فالمبيع جائز إذا كان رغبة المبتاع في العبد لا في الدراهم وذلك لأنه دخل في البيع تبعاً غير مقصود.
رابعاً: التصرف بالمبيع ـ إذا كان مملوكاً ـ ببيع أو استخدام أو عتق أو تدبير.
إذا تسلط المشتري على المبيع فتصرف فيه بعد علمه بالعيب أي نوع من التصرفات الشرعية التي تدل على الرضاء كالبيع والاستخدام والعتق والتدبير فإنه والحالة هذه يتعذر الرد على البائع وبالتالي ليس له الرجوع عليه بنقصان العيب إذ من المحتمل أن يقول للبائع أنا أقبل المبيع بعيبه وهنا ليس في مقدور المشتري رده على البائع فكان تعذر الرد بسببه فأوجب هذا حرمانه من نقص العيب الحادث عند البائع.
المبحث الثاني: ما يمتنع به الرد ويسقط الخيار
يمتنع الرد ويسقط الخيار بما يأتي:ـ
1) هلاك المبيع.
2) إذا تصرف المشتري بالمبيع ببيع أو غيره.
3) زوال العيب من المبيع.
4) الرضا بالعيب واسقاط الخيار.
5) زيادة المبيع أو نقصانه.
وسنتحدث عن كل مانع من هذه الموانع بالتفصيل فيما يأتي:ـ
(1) هلاك المبيع:
يسقط خيار العيب بهلاك المبيع لفوات محل الرد سواء كان الهلاك تحت يد البائع أو تحت يد المشتري قبل أن يعلم بالعيب فإن هلك المبيع وهو في يد البائع انفسخ البيع ولا يرجع البائع على المشتري بشيء من الثمن لأنه يحمل تبعة الهلاك قبل القبض وإن هلك المبيع وهو في يد المشتري فهلاكه عليه لأنه قد قبضه ولكنه يرجع على البائع بنقصان الثمن بسبب العيب.
وسواء كان التلف باختيار المشتري كما إذا اشترى حيوانا فذبحه أو بغير اختياره كما إذا أماته غيره أو أمات حتف أنفه إذا اطلع على عيب فيه بعد ذلك لا يصح له رده لتعذر الرد حينئذ.
ومثل ذلك ما إذا كان في حكم التالف كما إذا اشترى شيئا ثم تصدق به واطلع على عيب فيه بعد ذلك فإنه ليس له أن يرده. بذلك العيب لأنه وإن لم يتلف بالفعل لكنه في حكم التالف وكذا إذا وهبه، وفي هذه الحالة يكون للمشتري تعويض ما أحدثه العيب في المبيع من النقص وذلك بأن يقوم المبيع سالما ومعيبا ويؤخذ من الثمن نسبة نقص قيمته معيباً إلى قيمته سليماً.
فإذا اشترى عينا سليمة من العيوب بمائة ثم ظهر بها عيب أنقص قيمة العين إلى ثمانين استحق المشتري الرجوع على البائع بعشرين وهو خمس المائة([497]).
قال في روضة الطالبين([498]) إذا هلك المبيع في يد المشتري بأن مات العبد أو قتل أو تلف الثوب أو أكل الطعام ثم علم كونه معيبا فقد تعذر الرد لفوات المردود لكن يرجع على البائع بالأرش والأرش جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب من قيمته المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة وإنما كان الرجوع بجزء من الثمن لأنه لو بقى كل المبيع عند البائع كان مضمونا عليه بالثمن فإذا احتبس جزء منه كان مضمونا بجزء من الثمن.
مثاله:
كانت القيمة مائة دون العيب وتسعين مع العيب فالتفاوت بالعشرة فيكون الرجوع بعشر الثمن فإن كان مائتين فبعشرين وإن كان خمسين فبخمسة) انتهى كلامه.
(2) إذا تصرف المشتري بالمبيع ببيع أو غيره:
إذا اطلع المشتري على عيب بالمبيع ثم تصرف فيه تصرف الملاك بطل الرد وسقط خياره.
وأنواع التصرفات كثيرة منها:
1) العرض للبيع.
2) المساومة.
3) البيع.
4) الاستعمال كالركوب والتحميل والمداومة واللبس.
5) الايجار والرهن أو السكنى في الدار وطلب الكراء والتعمير والهدم وقص الصوف والزراعة والصبغ وجمع الثمر وما إلى ذلك…
6) الهبة وأداء باقي الثمن والإرضاع وحلب اللبن وقص الثوب.
فمتى تصرف المشتري بالمبيع بأي نوع من التصرفات الشرعية السابقة فهذا يدل على رضاه وبالتالي يسقط خياره ويمتنع الرد على البائع ولكن يستثنى من التصرفات ما يأتي:
1) إذا اطلع المشتري على العيب في المبيع وهو في البرية أثناء السفر فحمل عليه ماله خوفا من ضياعه في البرية فلا يكون ذلك مانعاً من الرد لأنه معذور في هذه الحال.
2) إذا ركب المشتري المبيع بعد أن أطلع على عيبه بقصد رده إلى البائع.
3) إذا ركبه لجلب علف أو تبن أو حشيش له أو بقصد اسقائه الماء ووجدت ضرورة للركوب كأن كان غير قادر على المشي فلا يسقط خياره، أما إذا لم تكن هناك ضرورة وركبه المشتري لجلب علف أو تبن أو حشيش له ولحيوان آخر معه فيسقط خياره.
فهذه التصرفات مستثناه من التصرفات المسقطة للخيار لأن المشتري لا يجد منها بداً فحصل التخفيف عنه وجاز له الرد مع هذه التصرفات الضرورية. . والله أعلم([499]).
3_ زوال العيب:
يسقط الخيار ويبطل الرد ولا أرش للمشتري إذا حدث العيب بعد العقد ثم زوال كلية قبل القبض.
أو كان حدوث العيب بعد القبض إذ لا علاقة للبائع فيه لكن لو حدث العيب بعد القبض ثم تبين أن في العين عيباً سابقاً على القبض ثبت الأرش دون الرد لأن العيب الحادث عند المتملك يمنع من رد العين إلى المالك فينحصر تلافي الضرر بالأرش.
قال في([500]) قوانين الأحكام الشرعية المسقط الثاني أن يزول العيب إلا إذا بقيت علامته ولم تؤمن عودته) انتهى.
وقال في تكملة المجموع([501]) (وإن قال البائع أنا أزيل العيب مثل أن يبيع أرضا فيها حجارة مدفونة يضر تركها بالأرض فقال البائع أنا أقلع ذلك في مدة لا أجرة لمثلها سقط حق المشتري من الرد لأن ضرر العيب يزول من غير إضرار) انتهى.
4_ الرضا بالعيب واسقاط الخيار:
يسقط خيار العيب برضاء المشتري بالعيب بعد أن علم به لأن حق الرد إنما هو لفوات السلامة المشروطة دلالة في العقد وإذا رضى المشتري بالعيب بعد العلم به فقد دل على أنه نزل عن هذا الشرط أو أنه لم يشترطه ابتداء.
الرضاء قد يكون صريحاً كأن يقول المشتري رضيت بالعيب أو أجزت هذا البيع وما يجري هذا المجرى وقد يكون الرضاء دلالة كأن يصدر من المشتري بعد العلم بالعيب فعل يدل على الرضاء به كما إذا كان المبيع ثوباً فصبغه أو قطعه أو أرضا فبنى عليها أو حنطه فطحنها أو لحما فشواه ويعتبر تصرف المشتري بالمبيع بعد العلم بالعيب رضاء به دلالة يسقط أيضاً خيار العيب بإسقاط المشتري له اسقاطا مقصوداً صريحاً أو ما هو في معنى الصريح نحو أن يقول أسقطت الخيار أو أبطلته أو ألزمته البيع أو أوجبته أو ما يجري هذا المجرى لأن خيار العيب حقه فله أن ينزل عنه وكإسقاط الخيار ابراء المشتري البائع من العيب لأن الابراء اسقاط وله ولاية الاسقاط والخيار حقه والمحل قابل للسقوط([502]).
قال في قوانين([503]) الأحكام الشرعية (المسقط الأول أن يظهر من المشتري ما يدل على الرضى بالعيب من قول أو سكوت بعد الاطلاع على العيب أو تصرف في المبيع بعد الاطلاع على العيب كوطء الجارية أو ركوب الدابة ولبس الثوب وحرث الفدان وبنيان الدار) انتهى.
5_ زيادة المبيع ونقصه:
(أ) الزيادة:
لا تخلو الزيادة إما أن تحدث قبل القبض أو بعده فإذا حدثت الزيادة قبل القبض فلا يخلو.
إن كانت متصلة متولده من الأصل كالكبر والسمن فإنها لا تمنع الرد بالعيب لأن هذه الزيادة تابعة للأصل فكانت مبيعة تبعاً وما كان تبعاً في العقد يكون تبعاً في الفسخ.
وإن كانت الزيادة متصلة غير متولده من الأصل كالصبغ في الثوب والبناء على الأرض فإنها تمنع الرد بالعيب لأن هذه الزيادة ليست بتابعة بل هي أصل بنفسها فتعذر رد المبيع إذ لا يمكن رده بدون الزيادة لتعذر الفصل ولا يمكن رده مع الزيادة لأنها ليست بتابعة في العقد فلا تكون تابعة في الفسخ ويكون للمشتري الرجوع بنقصان الثمن.
وإن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الأصل كالولد والثمر واللبن فإنها لا تمنع الرد بالعيب فإن شاء المشتري ردهما جميعاً وإن شاء رضى بهما بجميع الثمن.
وإن كانت الزيادة منفصلة غير متولدة من الأصل كالغلة والكسب فإنها لا تمنع الرد بالعيب لأن هذه الزيادة ليست بمبيعة وإنما هي مملوكة بملك الأصل فبالرد يفسخ العقد في الأصل وتبقى الزيادة مملوكة للمشتري.
وإن وحدثت الزيادة بعد القبض فلا يخلو. وإن كانت متصلة متولدة من الأصل فإنها لا تمنع الرد بالعيب بل يردها المشتري مع الأصل ويأخذ الثمن وإن كانت الزيادة متصلة غير متولدة من الأصل فإنها لا تمنع الرد بالعيب ويرجع المشتري على البائع بنقصان الثمن وإن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الأصل فإنها تمنع الرد بالعيب ويرجع المشتري بنقصان الثمن لأن الزيادة حصلت في ضمان المشتري.
وإن كانت الزيادة منفصلة غير متولده من الأصل فإنها لا تمنع الرد بالعيب ويرد الأصل على البائع والزيادة تكون للمشتري.
(ب) النقصان:
إذا نقص المبيع فلا يخلو النقص. إما أن تكون قبل القبض ويكون النقصان بغير فعل المشتري أو فعل أجنبي أي بفعل البائع أو بفعل المبيع أو بآفة سماوية فهذا ومالم يكن به عيب سواء فيكون للمشتري الخيار بين رد المبيع وبين أخذ المبيع وطرح قدر النقصان.
وإن كان النقصان بفعل المشتري فليس له رد المبيع وإنما له أخذ قدر نقصان العيب.
وإن كان النقصان بفعل أجنبي فالمشتري بالخيار بين رد المبيع وأخذ جميع الثمن وبين أخذ المبيع وعليه أن يتبع الجاني بالأرش.
وإما أن يكون النقصان بعد القبض. فمتى نقص والحالة هذه وهو في يد المشتري بأي سبب من أسباب النقص ثم اطلع المشتري على عيب فيه لم يكن له رده ذلك أن شرط الرد أن يكون المردود على صفته التي كان عيلها عند القبض وهنا المبيع خرج من البائع وهو معيب بعيب واحد وعند رد عليه صار معيبا بعيبين فلا يمكن رده إلا إذا رضى بأخذه ورد جميع الثمن([504]).
قال في قوانين الأحكام([505]) الشرعية (المسقط الرابع حدوث عيب آخر عند المشتري فهو بالخيار إن شاء رده ورد أرش العيب الحادث عنده وإن شاء تمسك به وأخذ أرش العيب القديم والأرش قيمة العيب) انتهى كلامه.
الحكم عند وجود مانع للرد:
متى وجد مانع للرد فليس للبائع استرجاع المبيع المعيب من المشتري ولو رضى بذلك البائع والمشتري ويكون البائع مجبراً على اعطاء نقصان الثمن وعلى ذلك فلو رد المشتري المبيع وقبل البائع الرد فلا يحكم بارد به بل يحكم لدى الطلب بنقصان الثمن حتى ولو أن المشتري باع ذلك المال قبل الاطلاع على عيبه القديم أو بعد الاطلاع أو أخرجه من ملكه بأية صورة كانت أو عرضه على البيع فله أن يأخذ من البائع نقصان الثمن لأن المشتري بتصرفه التصرفات المذكورة لا يكون قد حبس المبيع أي لا يكون ازال حق استرداد البائع للمبيع لأنه تقرر حق المشتري بالرجوع على البائع بنقصان الثمن قبل البيع وقبل العرض للبيع لا تعد التصرفات المذكورة رضاء بالعيب.
المبحث الثالث: أمثلة متنوعة لخيار العيب
بعد أن انتهيت من عرض أحكام خيار العيب آن أن أختمها بأمثلة عامة لهذا النوع من الخيار لتكون صورته في ذهن القارئ واضحة تماماً.
1) اشترى محمد من أحد الباعة ثوبا وذهب به إلى البيت فوجده بعد أن أمعن النظر فيه معيباً فحينئذ يثبت له الخيار بين الرد والامساك مع الأرش.
2) اشترى زيد فرساً ثم ظهر له أنه حرون فهنا له الرجوع على البائع بالثمن أو أخذ الفرس ومعه أرش العيب.
3) اشترى بكر وخالد سيارة من زيد فوجداها معيبة فأراد بكر الرد وأراد خالد الامساك فالحكم هنا أن لبكر الرد لدفع الضرر عن نفسه وقيل ليس لبكر الرد لأن السيارة خرجت من ملك ويد دفعه واحده وتشقيصها فيه ضرر عليه.
4) اشترى محمد زوجي خف فوجد بأحداهما عيبا فليس له الرجوع بالمعيب خاصة بل له امساك الكل أو رد الكل لأنه لا ينتفع بأحداهما دون الآخر.
5) إذا اشترى سعيد من خالد وبكر صفقة فوجد بها عيباً فأراد ردها لبكر وامساك لخالد فله ذلك لأنه رد جميع ما ملكه من المردود عليه.
6) اشترى عبدالله قماشاً فاطلع على عيب في ذلك القماش بعد أن قصه وخاطه قميصا فليس للبائع أن يسترد المبيع ولو رضى البائع والمشتري بذلك بل يكون البائع مجبراً على اعطاء نقصان الثمن، وإذا باع المشتري ذلك القميص قبل العلم بالعيب أو أخرجه من ملكه بأية صوره فله أن يأخذ من البائع نقصان ثمن ذلك القماش لأنه بهذه الصورة قد انضم مال المشتري وهو الخيط إلى المبيع أي حصل في المبيع زياده متصلة غير متولده مما يعد مانعاً للرد.
الخاتمة
في نهاية هذا البحث أحمد الله الذي بنعمه تتم الصالحات أحمده سبحانه أن وفقني لإتمام هذا البحث وخروجه بهذه الصورة المرضية عندي..
وأدعوه وأسأله وهو المسؤول وحده أن يجعل خير عملي آخره وخير أيامي يوم لقاه، وأن يثيبني على ما وفقت فيه للصواب في بحثي ويغفر لي ما زللت فيه وجانبت الصواب.
فقد فرغت من بحث موضوع ـ خيارا المجلس والعيب في الفقه الإسلامي ـ وتبين لي أهميته الكبيرة إذ هو واحد من المواضيع التي تحتاجها الأمة الإسلامية وتتطلب الحكم فيها ولا تستغني عنه إذ فهو جزء مهم مما تدور عليه أحكام التعامل في الشريعة الإسلامية، وتبين لي من خلال بحثه نتائج هامة أسجل أبرزها فيما يأتي:ـ
1) الشريعة الإسلامية شريعة الكمال والخلود ولذا نراها وفت بحاجات البشر ومتطلباتهم ولم تغفل جانباً من جوانب حياتهم.
2) الفقه الإسلامي هو الثروة التشريعية الهائلة التي خلفها أسلافنا ومنها نستمد كثيراً من الأحكام التي لم يرد بها كتاب ولا سنة.
3) جانب المعاملات في الفقه واسع وهام لأن الناس يحتاجون إلى معرفة أحكامه إذ هم يتعاملون في غدوهم ورواحهم وفي جميع أوقاتهم. .
4) الخيار في الفقه الإسلامي مادة خصبة لم تتناولها الأقلام بالبحث والتفصيل على الوجه المرضي ولذا فإني أدعوا اخواني الباحثين أن يولوا هذا الجانب مزيداً من العناية والتقدير.
5) خيار المجلس يثبت للمتعاقدين بطريق الشرع ولو لم يشترطاه عند العقد فكل واحد منهما بالخيار ما داما في مجلس العقد إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه شريطة ألا يقطعاه بالتخاير.
6) خيار المجلس اثبته الشارع لمصلحة العاقدين إذ من عادة المتبايعين الإقدام على البيع دون روية واتزان وتلافيا لما عساه يطرأ على أحد المتعاقدين من ندم وحسرة على تفريطه في ابرام العقد جعل الشارع مهلة لهما يفكران في العقد هل من المصلحة الإقدام عليه أم ر.
7) خيار المجلس يثبت في عقد البيع المطلق والسلم والهبة بشرط العوض وبيع الطعام بالطعام والصلح على مال والاجارة على عين ولا يثبت في عقد النكاح والخلع والهبة بلا عوض والشفعة والمساقاة والشركة والقراض والرهن.
8) خيار المجلس ثابت شرعاً وقد توافرت النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على ثبوته وهذا ما انتهينا إليه في بحثنا لخيار المجلس محتجين بقوله ﷺ: (البيعان بالخيار مالم يتفرقا)([506]) وحمل التفرق المذكور في الحديث على تفرق الأقوال لا وجه له لذكر مكانهما في بعض طرق الحديث قال ابن عبد البر (وإذا ثبت لفظ مكانهما لم يبق للتأويل مجال).
ثم اننا نلحظ أن الحاجة داعية لخيار المجلس إذ كثيراً ما يبرم الناس عقودهم من غير تروي ولا تفكير وحسما لباب الندم والحسرة أثبت الشارع لهم هذا الخيار ليكونوا على بصيرة من أمرهم عند التعاقد في كل شؤونهم.
9) تصرف أحد المتعاقدين بالبيع في مدة الخيار يلغي خياره لأن تصرفه دليل على رضاه التام بإبرام العقد ولكن سقوط خياره لا يعني سقوط خيار المتعاقد الآخر بل يبقى خياره حتى ينتهي المجلس أو يقطعه بالتخاير.
10) إذا تبايع الناس ولم يضمهم مجلس واحد فإن خيار المجلس يثبت لهم ويكون المرجع في التفرق حينئذ هو العرف تفرقاً اعتبرناه كذلك فإذا تبايع شخصان وهما متباعدان فإن تفرقهما يعتبر بابتعاد كل منهما عن مكانه الذي هو فيه حال (العقد) وإذا تبايعا عن طريق المكاتبة فإن التفرق يعتبر بقيام المشتري عن مكانه الذي قرأ فيه الرسالة. وإذا تبايعا عن طريق الهاتف فإن تفرقهما يعتبر بانقطاع الكلام بينهما برضاهما.
11) ملك البيع ونماؤه مدة خيار المجلس لمن له الخيار من المتعاقدين فإن كان الخيار لهما معاً حتى تنتهي معه الخيار وبعدها يتبين مالكه.
12) إذا تلف المبيع في مدة خيار المجلس وقد قبضه المشتري فإن ضمانه عليه لأن نماءه له هذا إذا أتلفه المشتري، أما إذا أتلفه البائع فإن ضمانه عليه، أما أن أتلفه أجنبي فعليه القيمة وتكون لمن يعود له المبيع بعد انتهاء مدة الخيار.
13) إذا خرس أحد المتعاقدين في مدة خيار المجلس قامت اشارته المفهومة مقام نطقه لدلالتها على ما يدل عليه نطقه.
14) إذا جن أحد المتعاقدين في مدة خيار المجلس لم ينقطع خياره على الصحيح من أقوال العلماء وقوم الوصي أو الحاكم مقامه فيختار ما فيه الحظ له من الفسخ والإجازة.
15) إذا مات أحد المتعاقدين في مدة خيار المجلس انتقل خياره إلى ورثته وبقي خيار الآخر حتى يجتمع بالورثة ولو في مجلس آخر ويكون مجلس العقد ما اجتمعوا فيه فمتى تفرقوا عنه انقطع خيارهم.
16) حد التفرق بالأبدان هو ابتعاد أحدهما عن الآخر ولو بأن يمشي خطوات يغيب بها عن صاحبه ثم يعود إليه، ولكن لو بقيا في مكانهما مدة طويلة فخيارهما باق حتى يتفرقا على الصحيح من أقوال العلماء.
17) إذا أكره أحد المتعاقدين على التفرق فإن خياره يبقى ويعتبر مجلس العقد هو ما اجتمع فيه مع التعاقد الآخر مرة ثانية إذ لا سلطة له في هذا التفرق وخيار المجلس شرع للحاجة الماسة التي تدعو إليه والتفرق مع الاكراه لا تأتي معه حكمه التشريع لخيار المجلس.
18) إذا هرب أحد المتعاقدين عن مجلس العقد بطل خياره وأما خيار الآخر فإنه يبقى شريطة ألا يتمكن من منع المتعاقد الهارب.
19) إذا اختلف المتعاقدان هل حصل التفرق أم لا فالقول لمن ينفيه لأن الأصل في البيع عدم التفرق.
20) ينقطع خيار المجلس بواحد من أمور الثلاثة:
الأول: التخاير فمتى قال أحدهما للأخر أخر امضاء البيع أو فسخه فقال الآخر اخترت انقطع خيارهما.
الثاني: التفرق بالأبدان فمتى تفرق المتعاقدان عن مجلس العقد لزم البيع.
الثالث: التصرف بالسلعة البيعة فمن تصرف بها من المتعاقدين في مدة خيار المجلس بطل خياره.
21) يثبت خيار المجلس للوكيل دون الموكل لأنه متعلق بالعاقد لكن لو مات الوكيل لم يسقط الخيار بل ينتقل إلى الموكل.
22) خيار العيب ثابت بالشرع دون اشتراط فمتى وجد المشتري بالسلعة عيبا توفرت فيه شروط معينة فله ردها على البائع ولو لم يرض لأن الأصل في المبيع السلامة من العيوب وعلى هذا يتعاقد الناس في العادة إلا إذا حصل شرط البراءة من العيوب فهذا له حكم خاص.
23) خيار العيب يثبت دون شرط لأن الأصل في السلعة المبيعة السلامة من كل عيب وهو ثابت للمشتري مال يكن العيب حدث بسببه.
24) الحق أن الإخبار بالعيب يشمل المسلم والكافر لأن العلة واحدة إذ قصد المشتري الكافر من السلعة هو قصد المشتري المسلم تماماً وأيضا يشمل البائع وغيره ممن يعلم العيب لعموم الأدلة.
25) المرجع في تحديد العيب هو العرف إذ ليس له حد محدود في الشرع فإذا أثبت العرف العيب وجب الرد على الفور إلا إذا كان هناك عذر من صلاة أو سفر أو غير ذلك.
26) إذا اطلع المشتري على عيب افي السلعة المبيعة فله رده إلا إذا كان البائع شرط البراءة من كل عيب فهنا ليس للمشتري رد السلعة بالعيب.
27) إذا اطلع المشتري على السلعة المبيعة ووجد أن بعض الأوصاف التي يرغبها ليست موجوده في السلعة فله ردها شريطة أن يكون الرد فورياً أو أخذ أرش النقص بسبب فوات الوصف المرغوب.
28) الانتفاع بالمبيع في مدة الخيار جائز شريطة أن يكون بحدود ضيقة وألا يكون تصرفاً دالا على الرضا بالعيب.
29) تبين رجحان المذهب القائل بوضع الجوائح وذلك ارتكاب لأخف الضررين ومراعاة للمصلحة العامة التي تعود على المتعاقدين فمتى أصيبت الثمرة بجائحة وهي عند البائع قبل تمام اصلاحها فإنه يجب وضعها ويتحملها البائع لأن عليه سقيها وموالاتها حتى تمام صلاحها.
30) هناك أمور تمنع المشتري من رد السلعة المبيعة وتسقط خياره منها زيادة المبيع أو نقصه، والرضا بالعيب، واسقاط الخيار صراحة إلى غير ذلك من موانع الرد التي عرفناها مفصلة فيما مضى.
وأخيراً لا يفوتني وأنا اسطر الصفحات الأخيرة من البحث أن أسجل بعض الاقتراحات التي أراها ذات جدوى لصالح المسلمين عموماً ولطلبة العلم منهم على وجه الخصوص فأقول.
1_ حبذا لو تعاونت الجامعات الإسلامية فيما بينها مع رئاسة البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد في هذه البلاد وقام الجميع بتحضير مواضيع متنوعة في كل فن من الفنون الإسلامية وتخرج هذه المواضيع على شكل نشرات سنوية تصدر تباعاً ويلزم الباحثون لتحضير الماجستير والدكتوراه بطرق هذه المواضيع التي تهم العالم الإسلامي في حاله ومآله.
ومتى حصل هذا فإنا نستفيد منه فائدتين كبيرتين:
الأولى:
توفير الوقت على الطلبة إذ نرى الكثير منهم يمكث عدة أشهر وهو يبحث عن الموضوع الذي يتناسب مع ميوله ومداركه.
الثانية:
نستطيع علاج كل مشكلة أو قضية تجد في محيط عالمنا الإسلامي وهذا أمر له أهميته الكبرى إذ تتجلى عظمة الفقه الإسلامي وقدرته على التجدد والتطور ومسايرته الأحداث من غير خروج عن الحدود العامة لاطار الشريعة الإسلامية.
2_ أقترح أيضا من جهة المقارنة بين الشريعة والقانون التي يقوم بها بعض الطلبة أن يوضع لها شروط محدودة بحيث لا يقدم عليها إلا نخبة من الطلبة تختارهم الكليات والمعاهد العليا ويكون هؤلاء ممن لهم باع طويل في الثقافة الإسلامية ليستطيعوا من خلال المقارنة اظهار جوانب العظمة وسر الاعجاب في التشريع الإسلامي ومن ثم يضعوا النقاط على الحروف فيما يتعلق بعقم التشريعات الوضعية وعدم مسايرتهم للتطور السريع الذي تمر به البشرية يوماً يعد يوم.
والذي حداني لهذا الاقتراح هو أنني اطلعت على كثير من الرسائل العلمية المقارنة الوضعية ووجدت الطلبة الباحثين لا جهد لهم في المقارنة اللهم إلا مجرد النقل الحرفي من مصادر القوانين وهذا يجعل بعض من يطلع على رسائلهم يأخذ فكرة طبية عن القوانين وأنها استطاعت أن تكون نداً للشريعة الإسلامية وهذا ناتج عن سوء عرض المقارنة وغياب جهد الباحث في نقد القوانين وبيان عيوبها.
3_ أقترح أن تقوم الجامعات الإسلامية بمساعدة الطلبة وذلك بطبع رسائلهم وذلك تشجيعاً لهم وشحذاً للهمم ولاسيما بعد أن وجدت المطابع الضخمة في كل جامعة وهذا وإن كان عملا بسيطاً إلا أنه في جانب الطلبة كبير ومهم ولعل من يطلع على رسائل الطلبة يجد البون الشاسع والفرق الواضح بين هذه الرسائل وذلك بسبب تعدد المطابع واختلاف من يتولى الطباعة هذا من الناحية الفنية ومن الناحية المادية تعرف أن هناك بعض الطلبة ـ ولاسيما من اخواننا الوافدين لا يستطيعون دفع أجور الطبع لأنها تكلف الشيء الكثير وذلك ليس بمقدورهم.
4_ اقترح أن تهتم الجامعات الإسلامية بالرسائل العلمية التي يتقدم بها الطلاب لأنها انجاز علمي لا يستهان به، ثم هي تعتبر مادة علمية جاهزة للذين يحاولون تيسير الفقه الإسلامي وتبسيط أحكامه إذ قلما أن يجمع موضوع ويعتني به عناية تامة كعناية أصحاب الرسائل في رسائلهم.
5_ أقترح أن تقوم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مشكورة بمساعدة الطلبة الباحثين وذلك بالسماح لهم ليقوموا بتصوير بعض المراجع العلمية التي لا توجد إلا في المكتبة المركزية ويكون التصوير في نفس عمادة المكتبات وبأجر رمزي أسوة بجامعة الرياض وذلك لأن بعض الباحثين لا يتمكنون من الاستقرار في المدن الكبيرة وبعضهم الآخر لا تتهيأ لهم وسائل النقل يومياً صباحاً ومساءا وذهاباً واياباً.
وفي الختام أرجو أن توضع هذه الاقتراحات موضع العناية وأن يتجاوب المعنيون بها.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يرزقنا النية الصالحة وأن يجعلنا من الذين يعملون بما علموا إنه سميع مجيب. كما أسأله أن يثيبني على ما سطرته في هذا البحث وأن يجزل الأجر ويعفو عن الزلل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
فهرس موضوعات الرسالة
الموضــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع | الصفحة |
تقديم | |
المقدمة | |
التمهيد | |
نبذة عن العقود | |
نبذة عن البيوع | |
نبذة عن الخيارات | |
خيار المجلس | |
خيار الشرط | |
خيار العيب | |
خيار الرؤية | |
خيار الغبن | |
خيار التدليس | |
الباب الأول: خيار المجلس | |
الفصل الأول | |
المبحث الأول: تعريف خيار المجلس | |
حكمة تشريع خيار المجلس | |
المبحث الثاني: العقود التي يثبت فيها خيار المجلس والتي لا يثبت فيها | |
الفصل الثاني: خلاف العلماء في خيار المجلس وأثر هذا الخيار | |
المبحث الأول: خلاف العلماء في خيار المجلس | |
منشأ الخلاف في خيار المجلس | |
أدلة المتثبتين لخيار المجلس | |
أدلة النافين لخيار المجلس | |
مناقشة المتثبتين لأدلة النافين | |
مناقشة نفاة خيار المجلس لأدلة مثبتيه ورد المثبتين عليهم | |
الترجيح | |
المبحث الثاني: أثر خيار المجلس | |
الفصل الثالث في أحكام التفريق | |
المبحث الأول: حد التفرق بالأبدان | |
المبحث الثاني: التفرق بالإكراه وأثره على خيار المجلس | |
المبحث الثالث: التفرق بالهرب وأثره على خيار المجلس | |
المبحث الرابع: إذا اختلف المتعاقدان في التفرق | |
الفصل الرابع: الأحكام المتعلقة بالمبيع والعاقدين في مدة خيار المجلس | |
المبحث الأول: ملك المبيع ونماؤه مدة خيار المجلس | |
نماء المبيع في مدة خيار المجلس | |
المبحث الثاني: ضمان المبيع إذا تلف في مدة خيار المجلس | |
المبحث الثالث: حكم خرس أحد المتعاقدين في مجلس الخيار | |
المبحث الرابع: حكم جنون أحد المتعاقدين في مجلس الخيار | |
المبحث الخامس: موت أحد المتعاقدين أو كليهما في مجلس الخيار وأثره | |
على الخيار | |
الفصل الخامس: إذا تبايعا ولم يضمهما مجلس واحد | |
وأحكام الفسخ والاجازة | |
المبحث الأول: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق المناداة | |
المبحث الثاني: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق الكتابة | |
المبحث الثالث: حكم خيار المجلس إذا كان البيع عن طريق الهاتف | |
المبحث الرابع: أحكام الفسخ والاجازة في مدة خيار المجلس | |
الفصل السادس: فيما ينقطع به خيار المجلس | |
المبحث الأول: التخاير | |
التخاير بعد العقد | |
المبحث الثاني: التفرق بالأبدان | |
المبحث الثالث: التصرف في السلعة المبيعة في مدة خيار المجلس | |
الفصل السابع: الآثار الواردة في خيار المجلس وأحكام الوكيل فيه | |
المبحث الأول: الآثار الواردة في اثبات خيار المجلس عن الصحابة والتابعين | |
المبحث الثاني: انتقال الخيار من الوكيل إلى الموكل حالة الموت | |
الباب الثاني: خيار العيب | |
الفصل الأول في التعريف والأدلة والشروط | |
المبحث الأول: تعريف خيار العيب في اللغة | |
تعريف خيار العيب اصطلاحاً | |
خيار العيب ينبثق من روح الشريعة الإسلامية ومبادئها | |
المبحث الثاني: الأدلة على ثبوت خيار العيب | |
المبحث الثالث: الشروط الواجب توافرها في العيب ليثبت به الخيار | |
الفصل الثاني: أحكام ثبوت خيار العيب والإخبار بالمعيب | |
المبحث الأول: متى يثبت خيار العيب | |
المبحث الثاني: ما يثبت فيه خيار العيب | |
من يثبت له خيار العيب | |
المبحث الثالث: هل يشمل الإخبار بالعيب المسلم والكافر | |
المبحث الرابع: إذا علم غير المالك بالعيب | |
الفصل الثالث: العيب طريقه وتحديده وحكم العقد معه | |
المبحث الأول: الطريق لإثبات العيب | |
المبحث الثاني: المرجع في تحديد العيب | |
المبحث الثالث: حكم العقد حال قيام خيار العيب | |
المبحث الرابع: تمييز العيب في عقد البيع عما قد يختلط به | |
العيب والرداءة | |
العيب والغلط في المبيع | |
العيب والتدليس | |
الفصل الرابع: الرد بالعيب كيفيته وهل هو على الفور وأقسام العيوب | |
المبحث الأول: كيف يكون الرد بالعيب | |
المبحث الثاني: الرد بالعيب هل هو على الفور أم على التراخي | |
المبحث الثالث: أنواع العيوب المثبتة للخيار | |
ضابط العيب | |
أمثلة العيوب المثبتة للخيار | |
عيوب الرقيق المختلف فيها في اثبات الخيار وعدمه | |
العيوب التي لا يرد بها الرقيق | |
عيوب البهائم | |
عيوب الخيل | |
عيوب الإبل | |
عيوب البقر | |
عيوب الغنم | |
هل التصرية عيب ترد به الدابة أم لا | |
عيوب الدور | |
عيوب البساتين والماء | |
عيوب المأكولات | |
عيوب الكتب | |
الفصل الخامس: أحكام البراءة من العيوب والزيادة والنقصان | |
المبحث الأول: البراءة من العيب | |
الحكم إذا شرط البراءة من كل عيب عند من يبطل هذا الشرط | |
إذا شرط البراءة من العيب فهل يشمل القديم | |
الحكم إذا باعه السلعة وشرط تلفها من جميع الوجوه | |
الحكم إذا تنازعا في حصول البراءة من العيب | |
المبحث الثاني: أحكام الزيادة | |
الزيادة بالجمل | |
المبحث الثالث: أحكام النقصان | |
الفصل السادس: أقسام العيب | |
المبحث الأول: أقسام العيب | |
المبحث الثاني: الرد بالعيب القديم | |
أنواع العيوب التي تحدث قبل التسليم وبعده | |
العيوب التي تحدث في المبيع بعد التسليم | |
العيوب التي تحدث في المبيع إذا كان رقيقاً | |
حكم الرد بالعيب القديم | |
تفريق الصفقة | |
العهدة | |
حكم العهدة | |
المبحث الثالث: حكم فوات الوصف المرغوب فيه وغير المرغوب فيه | |
الفصل السابع: أحكام الأرش والاختلاف في المبيع | |
المبحث الأول: أحكام الأرش | |
المبحث الثاني: اختلاف المتبايعين | |
المبحث الثالث: الخصومة والشهادة والصلح عند الاختلاف | |
العيوب التي يحتاج لإثباتها عند اختلاف المتبايعين أنواع أربعة | |
الفصل الثامن: الانتفاع بالمبيع ووضع الجوائح | |
المبحث الأول: الانتفاع بالمبيع | |
المبحث الثاني: وضع الجوائح | |
الأسباب الفاعلة للجوائح | |
الفصل التاسع: الأحكام المتعلقة بالمبيع إذا كان عبداً أو أمة | |
ومسقطات خيار العيب وأمثلته | |
المبحث الأول: الأحكام المتعلقة بالمبيع إذا كان عبداً أو أمة | |
المبحث الثاني: ما يمتنع به الرد ويسقط الخيار | |
المبحث الثالث: أمثلة متنوعة لخيار العيب | |
الخاتمة |
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ( [4] المقصود البائع والمشتري.
( ( [5] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص9.
( ( [6] رواه البخاري انظر: صحيح البخاري ج3 ص76.
( ( [7] التشريع الإسلامي وحاجتنا إليه لمحمد الصباغ ص19.
( ( [8] الدعوة إلى الإسلام للشيخ مناع القطان، ص5ـ 6.
( ( [9] الإشارة تعود إلى كلام سابق خلاصته حاجة الأمة إلى ضوابط علمية بعد عصر الصحابة.
( ( [10] الفقه الإسلامي لمحمد يوسف موسى ص4.
( ( [11] كشف الأسرار للبردوي ج1 ص4.
( ( [13] مختار الصحاح لمحمد الرازي ج1 ص445.
( ( [14] المدخل لدراسة الفقه الإسلامي لمحمد الحسيني حنفي ص357.
( ( [15] انظر: فتح القدير للكمال بن الهمام ج5 ص74 وتاريخ التشريع الإسلامي عبد العظيم شرف الدين ج1 ص488.
( ( [16] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج40 ص228.
( ( [18] المغني والشرح الكبير لابن قدامة المقدسي ج4 ص3.
( ( [19] والضرب الثاني ذكره بعد تمام الضرب الأول وهو المعاطاة.
( ( [20] انظر: هذه الشروط مبسوطة في تاريخ الإسلامي لعبد العظيم شرف الدين ج1 ص492 والفقه الإسلامي لمحمد يوسف موسى ج1 ص356 والمدخل الفقهي العام لمصطفى الزرقا ج1 ص340.
( ( [21] هذا المتفق عليه وأما قيام الفعل مقام القول من كتابه أو إشارة أو معاطاه فهو مختلف فيه.
( ( [22] الأهلية تأتي من كونه مميزاً غير مجنون ولا معتوه ولا صبي.
( ( [23] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص92 وصحيح مسلم ج5 ص6.
( ( [24] متفق عليه واللفظ للبخاري انظر: صحيح البخاري ج3 ص95. وصحيح مسلم ج5 ص6.
( ([25] ذكر هذه الأقسام بإفاضة الدكتور عبد العظيم شرف الدين في كتابه تاريخ التشريع الإسلامي ص625.
( ([26] للحنفية اصطلاح خاص في الصحيح وغير الصحيح فالصحيح عندهم هو الذي توفرت فيه صيغة واضحة الدلالة على ارادة انشائه وكان العاقد ذا أهلية تجعله صالحاً لإنشاء العقد وكان المحلى قابلاً للحكم المقصود منه ولم ينه عنه الشارع لوصف ملازم له.
وغير الصحيح عندهم قسمان فاسد وباطل. فالفاسد عندهم: هو الذي نهى عنه الشارع لصفة لأزمة له كالبيع بثمن مؤجل إلى وقت الميسرة فالفساد أتى لهذا العقد من وجود وصف ملازم وهو التأجيل إلى أجل مجهول يفضي إلى النزاع.
العقد الباطل: هو الذي أصابه خلل في محله أو ركن من أركانه كبيع الميتة وبيع المجنون وبيع مال بما ليس بمال.
( ( [27] شروط الانعقاد هي: 1) دلالة الإيجاب والقبول على إرادة انشاء العقد. 2) موافقة القبول والإيجاب. 3) اتحاد مجلس القبول والايجاب. 4) تمييز العاقدين. 5) وجود المحل وكونه مالاً متقوما. 6) كون المحل مملوكاً للعاقد.
( ( [28] شروط الصحة هي: 1) خلو العقد من الربا. 2) خلو العقد من شرط مفسد. 3) القدرة على تسليم المحل. 4) علم المحل علماً نافياً للجهالة 5) الرضا التام من المتعاقدين.
( ( [29] شروط النفاذ هي: 1) ولاية العاقدين. 2) عدم تعلق حق الغير بالمحل.
( ( [30] شروط اللزوم هي: 1) خلو العقد من الخيارات. 2) ألا يقل العقد الفسخ بإرادة منفردة ـ انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج3 ص406 وتاريخ التشريع الإسلامي لعبد العظيم شرف الدين ج1 ص492 والمدخل الفقهي العام ج1 ص340 والفقه الإسلامي لمحمد يوسف موسى ج1 ص356.
( ( [38] البيعة ـ بفتح الباء ـ العهد. والبيعة ـ بكسر الباء ـ كنيسة النصارى ومنه قوله تعالى [وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ] .
( ( [39] هذا الاطلاق للتغليب لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة، والواقع أن المبيع إن كان بيعاً بالنسبة للبائع فهو شراء بالنسبة للمشتري الا أنه غلب النظر في هذا العقد إلى جانب البائع نظراً لأنه باذل السلعة وهي المعقود عليه الأساس في العقد أما المشتري فهو دافع الثمن والثمن عوض للبيع.
( ( [40] انظر: مختار الصحاح ج1 ص71.
( ( [41] انظر: المغني ج3 ص480. فائدة لفظ البيع يتعدى بنفسه وبحرف من، واللام، وعلى، تقول بعتك الشيء بعت من زيد، بعت لك الشيء واللام هنا زائدة وباع عليه القاضي فيتعدى بعلى في مقام الإجبار والالزام (انظر: حاشية ابن عابدين ج4 ص402.
( ( [42] شروط الانعقاد والصحة واللزوم مضت عند الكلام على العقود. وقد راعيت تقسم الحنفية لما فيه من مزيد تفصيل بخلاف الجمهور الذين لا يفرقون بين الفاسد والباطل.
(([43] بحوث في البيوع في الشريعة الإسلامية والتشريعات العربية لعبد الناصر توفيق العطار ص24_ 25.
( ( [44] انظر: القاموس للفيروز أبادي ج2 ص26.
( ( [45] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [46] ذكر البخاري في صحيحه تعليقاً انظر: صحيح البخاري ج3 ص120، ورواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، وقد نوقش الترمذي في تصحيحه لأن في اسناد كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف عن أبيه وهو ضعيف جداً ولكن الحافظ ابن حجر اعتذر عن الترمذي بقوله وكأنه اعتبر بكثرة طرقه. انظر: نيل الأوطار لمحمد بن علي الشوكاني ج5 ص287.
( ( [47] سيأتي تفصيل الكلام عن هذا النوع من الخيار في الباب الأول إن شاء الله.
( ( [48] المعاملات الشرعية المالية لأحمد إبراهيم بك ج2 ص1023.
( ( [49] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص85 وصحيح مسلم ج5 ص11.
( ( [50] ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً انظر: صحيح البخاري ج3 ص120 ورواه أبو داود في سنته انظر: السنن ج2 ص273. ورواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح انظر: نيل الأوطار للشوكاني ج5 ص287 وقد سبق الكلام في هذا الحديث.
( ( [51] المعاملات الشرعية المالية لأحمد إبراهيم بك (بتصرف) ص107.
( ( [52] رواه مسلم في باب الإيمان انظر: صحيح مسلم ج1 ص69.
( ( [53] سيأتي تفصيل الكلام على هذا النوع من الخيار في الباب الثاني إن شاء الله.
( ( [54] رواه مسلم انظر: صحيح مسلم ج5 ص3.
( ( [56] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ج29 ص222.
( ( [57] تشدد ابن حزم رحمه الله في هذ المسألة فحرم كثير الغبن وقليله وأوجب القيمة المساوية دون زيادة أو نقصان ومتى حصل خلاف ذلك فإنه يثبت الخيار للمغبون انظر: المحلى ج8 ص439.
( ( [58] تفسير القرطبي ج5 ص152.
( ( [59] بتعرف من المعاملات الشرعية المالية لأحمد إبراهيم بك ص89.
( ( [60] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص92. وصحيح مسلم ج5 ص6.
( ( [61] قال في النهاية الخيار الاسم من الاختيار وهو طلب خير الأمرين من أمضاء البيع وفسخه.
( ( [62] انظر: لسان العرب ج1 ص926 والصحاح ج1 ص780 وكذلك متن اللغة ج2 ص352 والقاموس ج2 ص26 ومختار الصحاح ج1 ص195 والمعجم الوسيط ج1 ص263.
( ( [63] اتفقت معظم مصادر الفقه الإسلامي على هذا التعريف.
( ( [66] الأسئلة والأجوبة الفقهية لابن سلمان ج4 ص110.
( ( [68] المغني لابن قدامة ج4 ص62.
( ( [69] إذا كان الولد صغيراً لم يبلغ.
( ( [70] أي المذهب السائد عند الشافعية.
( ( [72] المقصود الشيء المتجمد الذي يذوب في شدة الحر.
( ( [73] انظر: المجموع للنووي ج9 ص75ـ178 بتصرف وانظر: المغني لابن قدامة ج4 ص62 كشاف القناع لمنصور البهوتي ج3 ص98ـ199 وروضة الطالبين ج3 ص33 إلى 436.
( ( [74] الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري ج2 ص70ـ 171.
( ( [75] الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري ج2 ص172.
( ( [76] ملخص من المغني والشرح الكبير ج4 ص62/63.
( ( [78] المدونة الكبرى لمالك بن أنس ج4 ص188.
( ( [79] المقدمات المهدات ج2 ص239.
( ( [80] مصادر الحق في الفقه الإسلامي لبعد الرزاق السنهوري ج2 ص20/21.
( ( [81] المغني لابن قدامة ج4 ص61.
( ( [82] نيل الأوطار للشوكاني ج5 ص210، والمقصود بالبحر كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد المرتضي من علماء الزيدية.
( ( [83] المهذب في فقه الشافعية للشيرازي ج2 ص57ـ 258.
( ( [84] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [85] روضة الطالبين ج3 ص433.
( ( [87] هو أبو القاسم عمر بن حسين الخرقى الحنبلي.
( ( [89] الصحيح فلا يلزم لأن ثبوت الخيار يجعل العقد غير لازم فأما الصحة فلا غبار عليها والله أعلم.
( ( [90] سبل السلام للصنعاني ج3 ص44.
( ( [91] قوانين الأحكام الشرعية لابن جزى ج1 ص287.
( ( [92] نيل الأوطار ج5 ص210 المجموع ج9 ص184 والنووي على مسلم ج5 ص173 وبداية المجتهد ج2 ص189.
( ( [97] سيأتي ـ إن شاء الله ـ تفصيل الأدلة والمناقشة في الصفحات التالية.
( ( [98] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [99] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [100] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [101] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [102] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [103] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص83 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [104] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [105] العدة للصنعاني على الأحكام لابن دقيق العيد ج4 ص3.
( ( [106] المقصود بأبي محمد ابن حزم الظاهري صاحب المحلى.
( ( [107] بداية المجتهد لابن رشد ج2 ص89.
( ( [108] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص83 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [109] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [110] رواه أبو داود ج2 ص245، ورواه الترمذي ج2 ص360. ورواه النسائي ج7 ص252. قال في نيل الأوطار ج5 ص212 أخرجه البيهقي وحسنه الترمذي.
( ( [111] هذه إحدى روايات حديث عمرو بن شعيب الذي رواه أبو داود ج2 ص245 والنسائي ج7 ص252 والترمذي ج 2 ص360، وقال فيه نيل الأوطار ج5 ص212 أخرجه البيهقي وحسنه الترمذي.
( ( [112] انظر: سبل السلام ج3 ص4.
( ( [113] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص9.
( ( [114] رواه أبو داود ج2 ص245 والترمذي ج2 ص260. وقال فيه نيل الأوطار ج5 ص212 رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات.
( ( [115] رواه البيهقي في سننه ج5 ص270، ورواه أبو داود الطيالسي انظر: المجموع للنووي ج9 ص185.
( ( [116] رواه البيهقي في سننه ج5 ص270 ورواه عبدالرزاق في المصنف برقم 14261 ج8 ص50. ورواه الترمذي وقال حديث حسن غريب ج2 ص261.
( ( [117] رواه البخاري انظر: صحيح البخاري ج3 ص85.
( ( [121] سورة البقرة آية 282.
( ( [122] رواه أبو داود ج2 ص245، والترمذي ج2 ص360، والنسائي ج7 ص252، وقال في نيل الأوطار ج5 ص212 اخرجه البيهقي وحسنه الترمذي.
( ( [123] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص90 وصحيح مسلم ج5 ص7.
( ( [124] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص90 وصحيح مسلم ج5 ص7.
( ( [125] رواه البخاري وانظر: الصحيح دج3 ص85.
( ( [126] ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً انظر: الصحيح ج3 ص90.
( ( [127] نقلاً عن شرح معاني الأثار للطحاوي ج4 ص15.
( ( [128] رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص88.
( ( [129] رواه البخاري ضمن حديث شراء ابن عمر من عثمان انظر: الصحيح ج3 ص85.
( ( [130] بداية المجتهد ج2 ص189.
( ( [131] انظر: شرح الزرقاني على موطأ مالك ج3 ص321.
( ( [132] رواه أحمد وأبو داود والنسائي من طريق عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعت بن قيس عن أبيه عن جده عن ابن مسعود، وقد صححه الحاكم وحسنه البيهقي قال الحافظ ابن حجر رجاله ثقات إلا أن عبدالرحمن اختلف في سماعه من أبيه انظر: نيل الأوطار ج5 ص253، وانظر: سنن النسائي ج7 ص303، وانظر: سنن أبي داود ج2 ص255، وسنن الترمذي ج2 ص371. قال منصور ناصف في جامع الأصول وسنده حسن.
( ( [133] قال في فتح الباري وأغرب ابن رشد في المقدمات فزعم أن عثمان قال لابن عمر (ليست السنة بافتراق الأبدان، قد انتسخ ذلك) وهذه الزيادة لم أجدلها اسناداً ولو صحت لم تخرج المسألة على الخلاف لأن أكثر الصحابة قد نقل عنهم القول بأن الافتراق بالأبدان) انظر: فتح الباري ج4 ص336.
( ( [134] رواه مسلم انظر: الصحيح ج5 ص3.
( ( [135] رواه عبدالرزاق في المصنف برقم (14273) ج8 ص52.
( ( [136] سورة النساء آية 130.
( ( [137] شرح معاني الآثار ج4 ص13.
( ( [138] شرح معاني الآثار ج4 ص18.
( ( [140] فتح الباري شرح صحيح البخاري ج4 ص332.
( ( [143] سورة البقرة آية 282.
( ( [149] سورة البقرة آية 282.
( ( [151] سورة البقرة آية 282.
( ( [153] أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي انظر: سنن أبي داود ج2 ص245، وسنن الترمذي ج2 ص360 وسنن النسائي ج7 ص252 وقال في نيل الأوطار ج5 ص212 أخرجه البيهقي وحسنه الترمذي.
( ( [156] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص90 وصحيح مسلم ج5 ص7.
( ( [157] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص90 وصحيح مسلم ج5 ص7.
( ( [158] رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص85.
( ( [160] ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً ج3 ص90.
( ( [162] رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص88.
( ( [163] رواه البخاري انظر: صحيح البخاري ج3 ص85.
( ( [164] رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص85.
( ( [165] انظر: المجموع شرح المهذب ج9 ص86ـ 187 وفتح الباري ج4 ص331.
( ( [167] أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وقد سبق كلام العلماء فيه.
( ( [168] شرح الزرقاني على موطأ مالك ج3 ص322.
( ( [169] ذكره صاحب فتح الباري نقلاً عن ابن رشد وأبطل الاستدلال به انظر: فتح الباري ج4 ص336.
( ( [170] انظر: فتح الباري ج4 ص336.
( ( [171] رواه مسلم انظر: صحيح مسلم ج5 ص3.
( ( [173] رواه عبدالرزاق في المصنف برقم(4273) ج8 ص52.
( ( [176] نيل الأوطار ج5 ص210.
( ( [182] ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً ج3 ص120، ورواه أبو داود انظر: السنن ج2 ص273. ورواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، وقد نوقش الترمذي في تصحيحه لأن في اسناده كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف عن أبيه وهو ضعيف جداً ولكن الحافظ ابن حجر اعتذر عن الترمذي بقوله وكأنه اعتبر بكثرة طرقه انظر: نيل الأوطار ج5 ص287.
( ( [184] رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص93.
( ( [186] سورة النساء آية 130.
( ( [188] رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. انظر: سنن أبي داود ج2 ص503
وصحيح الترمذي ج4 ص134.
( ( [189] هذه احدى ألفاظ حديث عمرو بن شعيب قال فيه الشوكاني أخرجه البيهقي وحسنه الترمذي نيل الأوطار ج5 ص212.
( ( [190] أحكام الأحكام لابن دقيق العيد ج4 ص20.
( ( [192] المغني لابن قدامة ج4 ص61ـ 62 بتصرف.
( ( [193] أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ج3 ص8.
( ( [194] بتصرف من فتح الباري ج4 ص331.
( ( [195] شرح معاني الآثار ج4 ص15.
( ( [200] أحكام الأحكام ج3 ص116.
( ( [201] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج3 ص10.
( ( [202] حديث حبان هذا رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص85 وصحيح مسلم ج5 ص11.
( ( [203] حديث المصراه رواه البخاري ومسلم انظر: البخاري ج3 ص92 وصحيح مسلم ج5 ص6.
( ( [204] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص6.
( ( [206] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص9.
( ( [207] هم البخاري، مسلم، أبو داود، النسائي، الترمذي، ابن ماجه.
( ( [208] وجه استثناء العتق هنا أن التسارع ندب إليه في كل وقت وفتح الأبواب لتحرير الارقاء بأقل التصرفات والألفاظ.
( ( [209] المغني والشرح الكبير ج4 ص47.
( ( [210] رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص85.
( ( [211] سيأتي ـ إن شاء الله ـ تفصيل كثير من هذه الأحكام في الفصل المتعلق بأحكام المبيع والعاقدين في مدة الخيار.
( ( [212] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص83 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [213] رواه أبو داود في سننه ج2 ص245 والترمذي في صحيحه ج2 ص260 قال في نيل الأوطار ج5 ص212 رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد ورجاله ثقات.
( ( [214] انظر: روضة الطالبين ج3 ص438.
( ( [215] انظر: المغني والشرح الكبير ج4 ص8.
( ( [216] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص9.
( ( [217] مطالب أولى النهي في شرح غاية المنتهي للعلامة مصطفى السيوطي ج3 ص85 وتصحيح الفروع لعلاء الدين المقدسي ج2 ص499.
( ( [218] انظر:روضة الطالبين ج3 ص441 وكشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة منصور البهوتي ج3 ص200.
( ( [219] ورد هذا في حديث أخرجه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص83 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [220] رواه الأثرم والنسائي والترمذي وحسنه وقد سبق كلام العلماء فيه.
( ( [221] انظر: مغني المحتاج ج2 ص46.
( ( [222] انظر: كلا من المجموع ج9 ص193 وروضة الطالبين ج3 ص442 والمحلى ج8 ص367.
( ( [223] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص102 وصحيح مسلم ج5 ص17.
( ( [224] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص102 وصحيح مسلم ج5 ص17.
( ( [225] المغني والشرح ج4 ص28/29.
( ( [226] روضة الطالبين ج3 ص448.
( ( [227] المغني والشرح ج4 ص36.
( ( [228] رواه الخمسة ـ أبو داود، النسائي، الترمذي، ابن ماجه، أحمد ـ وصححه الترمذي وابن حبان وابن الجارود الحاكم وابن القطان ومن جملة من صححه ابن خزيمة وضعفه البخاري. ولهذا الحديث في سنن أبي داود وثلاث طرق اثنتان رجالهما رجال الصحيح والثالثة قال أبو داود اسنادها ليس بذاك ولعل سبب ذلك أن فيه مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي وقد وثقه يحي بن معين وتابعه عمر بن علي المقدمي وهو متفق على الاحتجاج به. انظر: نيل الأوطار
ج5 ص241، وانظر: الترمذي ج2 ص377 قال هذا ـ حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أهل العلم، أنظر: النسائي ج7 ص254.
( ( [229] الفقه على المذاهب الأربعة ج2 ص181.
( ( [230] روضة الطالبين ج3 ص52ـ 453.
( ( [231] الفقه على المذاهب الأربعة ج2 ص181.
( ( [232] كشاف القناع ج3 ص201 ومطالب أولى النهي: ج3 ص86.
( ( [233] روضة الطالبين ج3 ص442.
( ( [234] كشاف القناع ج3 ص200.
( ( [235] المغني والشرح ج4 ص69.
( ( [236] روضة الطالبين ج3 ص440
( ( [237] روضة الطالبين ج3 ص438 ومطالب أولى النهي ج3 ص88..
( ( [238] مطالب أولى النهى ج3 ص88.
( ( [240] الفقه على المذاهب الأربعة ج2 ص171.
( ( [241] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص9.
( ( [242] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [243] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [244] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [245] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [246] المغني والشرح الكبير ج4 ص11.
( ( [249] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص83 وصحيح مسلم ج5 ص10.
( ( [250] رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص85.
( ( [251] ذكره في فتح الباري ج4 ص329 ولم أقف على درجته.
( ( [252] أصل الحديث في البخاري انظر: الصحيح ج3 ص247، وذكره البيهقي في السنن الكبرى ج5 ص271.
( ( [253] رواه مسلم في باب الصرف انظر: الصحيح ج5 ص43 وقد ذكره بهذا الطريق صاحب المحلى ج8 ص364.
( ( [254] رواه أبو داود في سننه ج2 ص245، والترمذي في صحيحه ج2 ص260. قال في نيل الأوطار ج5 ص212 رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات.
( ( [255] رواه أبو داود في سننه ج2 ص245، والترمذي في صحيحه ج2 ص361والبيهقي في سننه ج5 ص271 وعبد الرزاق في مصنفه ج8 ص51 برقم 14267.
( ( [256] هذه الآثار الثلاثة انظر: فيها المحلى ج8 ص354 وفتح الباري ج4 ص329 ولم أقف على درجاتها بعد طول البحث. وأثر ابن سيرين ذكره عبدالرزاق في المنصف برقم (14263) ج8 ص52.
( ( [257] المجموع ج9 ص196ـ 222.
( ( [258] روضة الطالبين ج3 ص447.
( ( [259] القاموس المحيط ج2 ص25.
( ( [260] المعجم الوسيط ج1 ص263.
( ( [261] معجم مقاييس اللغة ج2 ص232.
( ( [262] المعجم الوسيط ج2 ص645.
( ( [263] القاموس المحيط ج1 ص109.
( ( [264] معجم مقاييس اللغة ج4 ص189.
( ( [267] لسان العرب ج1 ص33ـ 634.
( ( [268] كشاف القناع ج3 ص215.
( ( [269] البحر الزخار ج3 ص355.
( ( [271] سورة البقرة آية 188.
( ( [272] رواه مسلم في صحيحه انظر: الصحيح ج5 ص108.
( ( [273] رواه أحمد بن حنبل في المسند ج5 ص72. وقال في نيل الأوطار ج5 ص356 أخرجه الدار قطني وأحمد وأخرجه الحاكم ورواه البيهقي وابن حبان ولكن أسانيده كلها لا تخلو من ضعف.
( ( [274] رواه مسلم انظر: صحيح مسلم ج1 ص69 في باب الإيمان.
( ( [275] سورة الحجرات آية 10.
( ( [276] أصله في البخاري ج3 ص168.
( ( [277] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج8 ص23 وصحيح مسلم ج8 ص8.
( ( [279] سورة البقرة آية 188.
( ( [280] أخرجه الدار قطني وأحمد والحاكم ورواه البيهقي وابن حبان ولكن أسانيده كلها لا تخلو من ضعف انظر: نيل الأوطار ج5 ص356 وانظر: بالمسند ج5 ص72.
( ( [281] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج8 ص23 وصحيح مسلم ج8 ص8.
( ( [282] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج8 ص23 وصحيح مسلم ج8 ص8.
( ( [283] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج1 ص22 وصحيح مسلم ج1 ص10.
( ( [284] رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص247.
( ( [285] رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص76.
( ( [286] رواه مسلم في صحيحه ج1 ص69 في باب الإيمان.
( ( [287] فتح العين وتشديد الدال المهملة بعدها ألف ممدودة ـ تأتي ترجمته في فهرس الأعلام.
( ( [288] المراد به المرض الباطني كوجع الكبد.
( ( [289] بكسر المعجمة وبضمها وسكون الموحدة المراد به الأخلاق الخبيثة، كالأباق، وقيل: الدنية، وقيل: الحرام، وقيل: الداء، ما كان في الخلق بفتح المعجمة. والخبثة: ما كان في الخلق بضم المعجمة.
( ( [290] قيل: المراد بالأباق، وقيل: هو من اغتالني أي سلب مالي بحيله، وقيل: هو سكوت البائع عن بيان ما يعلم من مكروه في المبيع. أنظر: نيل الأوطار ج5 ص240.
( ( [291] ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً فقال ويذكر عن العداء بن خالد ج3 ص76 قال في نيل الأوطار ج5 ص240، رواه ابن ماجه والترمذي وأخرجه النسائي وابن الجارود وعلقه البخاري.
( ( [292] أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم في المستدرك وفي اسناده أحمد أبو جعفر الرازي قيل أنه وأبو سباع الأول مختلف فيه والثاني مجهول انظر: نيل الأوطار ج5 ص239.
( ( [293] رواه النسائي في سننه ج7 ص254 والترمذي في صحيحه ج2 ص377 وقال هذا الحديث حسن صحيح وعليه العمل عند أهل العلم، وقد سبق الكلام على هذا الحديث في نماء المبيع مدة الخيار.
( ( [294] مختصر المزنى بها مش الأم للشافعي ج2 ص186.
( ( [295] تكملة المجموع ج12 ص110.
( ( [296] قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي ج1 ص290.
( ( [297] اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه الشروط فمنهم من جعلها شرطاً واحداً كا ابن رشد في بداية المجتهد ج2 ص174 ومنهم من جعلها أربعة شروط كالسنهوري في مصادر الحق ج4 ص248 ومنهم من جعلها خمسة كالحرير في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج2 ص190. ومنهم من جعلها ثمانية كعلي حيدر في دور الحكام ج1 ص285.
( ( [298] يأتي تفصيل الخلاف في هذه المسألة عند الكلام عن أحكام البراءة من العيوب.
( ( [299] رواه البيهقي والدار قطني وابن أبي شيبه واللفظ للبيهقي وهذا الحديث مرسل لأن مكحولا تابعي وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف قال ابن حزم أبو بكر بن أبي مريم مذكور بالكذب انظر: السنن الكبرى للبيهقي ج5 ص368 ونصب الراية ج4 ص9 والمجموع شرح المهذب ج9 ص302 والمحلى ج8 ص341.
( ( [300] بدائع الصنائع ج5 ص274.
( ( [301] المعاملات في الشريعة الإسلامية والقوانين المصرية لأحمد أبو الفتوح ج1 ص23.
( ( [303] بداية المجتهد ج2 ص172.
( ( [304] حاشية رد المحتار لابن عابدين ج5 ص3.
( ( [305] مغنى المحتاج ج2 ص50.
( ( [306] رواه ابن ماجه والترمذي وأخرجه النسائي وابن الجارود وعلقه البخاري انظر: نيل الأوطار ج5 ص140، وانظر: صحيح البخاري ج3 ص76.
( ( [307] رواه النسائي في سننه ج7 ص70.
( ( [308] يقصد قوله عليه السلام ـ لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.
( ( [309] انظر: تكملة المجموع للسبكي ج12 ص111.
( ( [310] أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم في المستدرك وفي اسناده أحمد أبو جعفر الرازي وأبو سباع الأول مختلف فيه والثاني مجهول انظر: نيل الأوطار ج5 ص239.
( ( [311] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج1 ص22 وصحيح مسلم ج1 ص53.
( ( [312] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج1 ص22 وصحيح مسلم ج1 ص53.
( ( [313] رواه أحمد وأخرجه ابن ماجه والحاكم في المستدرك وفي اسناده أحمد أبو جعفر الرازي أبو سباع الأول مختلف فيه والثاني قيل أنه مجهول. انظر: نيل الأوطار ج5 ص239.
( ( [314] هذا بناء على خلاف العلماء إذ يرى بعضهم أنه لا بد من اثنين بينما يرى البعض الآخر الاكتفاء بواحد عدل.
( ( [315] البحر الزخاري ج3 ص355.
( ( [316] درر الحكام شرح مجلة الأحكام ج1 ص290.
( ( [317] انظر: تفصيل هذه الشروط في الفصل الأول.
( ( [319] بدائع الصنائع ج5 ص274.
( ( [320] تكملة المجموع ج12 ص112.
( ( [321] المراد المذهب الشافعي.
( ( [322] المشار إليه داود الظاهري.
( ( [323] تكملة المجموع ج12 ص113.
( ( [324] حديث الصراة هو ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر) متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص292 وصحيح مسلم ج5 ص6.
( ( [325] شرح لعبارة صاحب الكتاب.
( ( [326] بدائع الصنائع ج5 ص281.
( ( [327] نقل صاحب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج4 ص47 اجماع الفقهاء على أن خيار العيب على الفور فقال (والرد على الفور اجماعاً بأن يرد المشتري المبيع المعين حال اطلاعه على عيبه لأن الأصل في البيع اللزوم فيبطل بالتأخير من غير عذر ولأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فكان فورياً كالشفعة، ونقل صاحب فقه الإمام جعفر الصادق ج3 ص222 اجماع الفقهاء على أن خيار العيب على التراخي فقال(أجمع الفقهاء على أن خيار العيب يثبت للتملك على سبيل التراخي لا على الفور فمن علم بالغيب وعلم أيضاً أن الحق في الخيار ومع ذلك لم يبادر إلى الفسخ أو الإمساك بالأرش فورا فلا يسقط خياره بل يبقى مهما طال الأمد. أقول لست مع من نقل اجماع الفقهاء على أن خيار العيب على الفور، ولا مع من نقل اجماعهم أنه على التراخي لأن هذه المسألة فيها خلاف قوي بين الفقهاء ومع وجود الخلاف بينهم في مسألة ـ ما يستحيل الاجماع لا سيما من هم في عصر واحد.
1_ المالكية: قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير (إذا اطلع على العيب وسكت ثم طلب الرد فإن كان سكوته لعذر رد مطلقاً طال أم لا بلا يمين وإن كان سكونه بلا عذر فإن رد بعد يوم ونحوه أجيب لذلك مع اليمين وإن طلب الرد قبل مصي يوم أجيب لذلك من غير يمين وإن طلب الرد بعد أكثر من يومين فلا يجاب ولو مع اليمين) الدسوقي ج 3 ص109..
2_ الشافعية: قال في تكملة المجموع ج12 ص134 (فإن أراد رده فخيار الرد على الفور عندنا وعند جمهور العلماء).
3_ الحنابلة: قال في المغني ج4 ص239 (خيار الرد بالعيب على التراخي وذكر القاضي أن فيه روايتين أحدهما هو على التراخي والثانية هو على الفور) ورجح ابن قدامة الأولى.
( ( [328] تكملة المجموع ج12 ص134.
( ( [329] تكملة المجموع ج12 ص145.
( ( [330] هذه المراتب موجودة بشيء من التفصيل في تكملة المجموع ج12 ص45 ــ 146.
( ( [331] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج3 ص10.
( ( [332] حكاه صاحب تكملة المجموع ج12 ص110.
( ( [333] بتصرف من قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي ج1 ص293.
( ( [334] القائلون بهذا هم الزيدية انظر: البحر الزخار ج3 ص356.
( ( [335] أخفش: نوعان أحدهما ضعيف البصر خلقه والثاني يكون بعلة حدثت وهو الذي يبصر بالليل دون النهار وفي يوم الغيم دون الصحو كلاهما عيب.
( ( [336] الأجهر: هو الذي لا يبصر بالشمس.
( ( [337] الأعشى: هو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل.
( ( [338] الأخشم هو الذي في أنفه داء لا يشتم شيئاً.
( ( [339] السن الشاغية: هي السن الزائدة المخالفة لنبات الأسنان.
( ( [340] البهق: هو بياض يعتري الجلد يخالف لونه ليس ببرص.
( ( [341] روضة الطالبين ج3 ص460.
( ( [342] الحفر في الأسنان: هو تراكم الوسخ الفاحش في أصولها.
( ( [343] الأعسر: هو من يعمل باليد اليسرى فقط بخلاف الأضبط وهو من يعمل بكل من يديه.
( ( [344] الزعر: هو عدم نبات شعر العانة لدلالته على المرضى إلا لدواء.
( ( [345] انظر: الهداية ج3 ص36 في مذهب الحنفية.
( ( [346] انظر: البحر الزخار ج3 ص36 في مذهب الزيدية.
( ( [347] انظر: بداية المجتهد ج2 ص73 في مذهب المالكية.
( ( [348] انظر: روضة الطالبين ج3 ص459 في مذهب الشافعية.
( ( [349] انظر: مطالب أولي النهي ج3 ص109 في مذهب الحنابلة.
( ( [350] البحر الزخار ج3 ص356.
( ( [351] مطالب أولى النهي ج3 ص109.
( ( [352] بداية المجتهد ج2 ص73.
( ( [353] روضة الطالبين ج3 ص461.
( ( [354] روضة الطالبين ج3 ص462 والشرح الصغير ج3 ص157.
( ( [355] هو داء في مشغرها يداوى بكي الصحيح.
( ( [356] الشرح الصغير ج3 ص56ـ 157.
( ( [357] بلغة السالك ج3 ص154.
( ( [358] روضة الطالبين ج3 ص154.
( ( [359] هي جليده تغشى العين.
( ( [360] هو ارتفاع صدر عن بطن.
( ( [361] مطالب اولى النهى ج3 ص110.
( ( [362] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص92 وصحيح مسلم ج5 ص6.
( ( [363] رواه النسائي في سنته ج7 ص254، والترمذي في صحيحه ج2 ص377. وقال هذا حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أهل العلم، وقد سبق كلام المحدثين فيه.
( ( [364] بداية المجتهد ج2 ص174.
( ( [365] مطالب أولى النهى ج3 ص110.
( ( [366] الأسطام: المراد به الحديدة المحماة بالنار.
( ( [367] أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والترمذي وفي اسناده اسامة بن زيد بن أسلم المدني مولى عمر قال النسائي وغيره ليس بالقوى وأصل هذا الحديث في الصحيحين انظر: نيل الأوطار ج5 ص285.
( ( [368] أصل هذ الحديث في البخاري ج9 ص91 وقد ذكره ابن هشام على شكل غزوة طويلة انظر: السيرة ج4 ص70.
( ( [369] السنن الكبرى للبيهقي ج5 ص318، والموطأ لمالك انظر: شرح الزرقاني ج4 ص193.
( ( [370] البخاري في باب الاجارة ذكره تعليقاً ج3 ص120 وقد سبق كلام العلماء فيه.
( ( [372] المغني والشرح الكبير ج4 ص258.
( ( [373] السنن الكبرى للبيهقي ج5 ص318، والموطأ لمالك انظر: شرح الزرقاني ج4 ص193.
( ( [374] وإنما خصوا البراءة بالعيب الباطن في الحيوان الذي لا يعلم به البائع لأن الحيوان يفارق ما سواه لأنه يغتذي بالصحة والسقم، وتحول طباعه وقلما يبرأ من عيب يظهر أو يخفى فدعت الحاجة إلى التبري من العيب الباطن فيه لأنه لا سبيل إلى معرفته وتوقيف المشتري عليه وهذا المعنى لا يوجد في العيب الظاهر ولا في العيب الباطن، غير الحيوان فلم يجز التبريء منه مع الجهالة.
( ( [375] المبسوط ج13 ـ 14 ص92.
( ( [376] بداية المجتهد ج2 ص183.
( ( [377] المغني والشرح الكبير ج4 ص198 والمبسوط ج13 ص92.
( ( [379] نهاية المحتاج ج4 ص37.
( ( [380] يريدون بذلك أنه يشتمل على جميع العيوب.
( ( [381] يراد بهذه العبارة بيع هذا الحاضر بما فيه من أي عيب كان سوى عيب الاستحقاق أي لو ظهر غير حلال أي مسروقاً أو مغصوباً يرجع عليه المشتري.
( ( [384] أتفق الزيدية على رد الزيادة المتصلة مع المبيع انظر: البحر الزخار ج3 ص365.
( ( [385] رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه وقد سبق كلام العلماء فيه. وقد نقل صاحب تكملة المجموع كلاماً للعلماء حول هذا الحديث فقال ج12 ص206 قال الترمذي.. وتفسير الخراج بالضمان. هو الرجل يشتري العبد فيستعمله ثم يجد به عيباً فيرده على البائع فالغلة للمشتري لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري ونحو=
=هذا من المسائل يكون فيه الخراج بالضمان. وقال الأزهري الخراج الغلة يقال خارجت غلامي إذا واقفته على شيء وغلة يؤديها إليك في كل شهر ويكون مخلى بينه وبين كسبه وعمله. والمراد بالخبر أن يكون ملكه مضمونا على المالك وهو أن يكون تلفه من ماله فإذا كان تلفه من ماله كان خراجه له.
( ( [386] الفتاوى الهندية ج3 ص77.
( ( [387] سيأتي تفصيل هذه الزيادة عند الحديث على الزيادة الحمل.
( ( [389] رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم ف المستدرك وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه وقد سبق كلام العلماء فيه.
( ( [390] انظر: تكملة المجموع ج12 ص206.
( ( [391] المقصود زوج الأمة المبيعة.
( ( [392] انظر: الانصاف بتصرف يسير ج4 ص13 ـ 414.
( ( [393] الشرح الصغير ج3 ص187.
( ( [394] نقل الاجماع صاحب بداية المجتهد ج2 ص180.
( ( [395] انظر: بداية المجتهد ج2 ص180.
( ( [396] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص92 وصحيح مسلم ج5 ص6.
( ( [397] انظر: المقدمات الممهدات ج2 ص249.
( ( [398] البحر الزخارى ج3 ص366.
( ( [399] لم أذكر هذه النقول بعد عرض المذاهب لأنها تشمل حالات كثيرة.
( ( [400] المبسوط ج13 ص103 وبدائع الصنائع ج5 ص284 بتصرف يسير.
( ( [401] المقدمات الممهدات ج2 ص45 ـ 246.
( ( [402] المقصود بهم المالكية.
( ( [403] روضة الطالبين ج3 ص491.
( ( [404] بداية المجتهد ج2 ص183.
( ( [405] بداية المجتهد ج2 ص183.
( ( [406] ذكر هذه الصور بإسهاب صاحب روضة الطالبين ج3 ص65 ـ 466 وصاحب تكملة المجموع ج12ص 27ـ 128.
( ( [407] المحلى بن حزم ج9 ص88.
( ( [409] بدائع الصنائع ج5 ص284.
( ( [410] الشرح الصغير للدردير ج3 ص157.
( ( [411] بلغة السالك بحاشية الدردير ج3 ص57 ـ 158.
( ( [412] شروح روضة الطالبين من أنسى المطالب ج2 ص70.
( ( [413] روضة الطالبين ج3 ص484.
( ( [414] انظر: المغني والشرح الكبير ج4 ص252.
( ( [415] الانصاف ج4 ص24 ـ 225.
( ( [419] المقدمات والممهدات ج2 ص254.
( ( [420] شرح روضة الطالب من أسنى المطالب ج2 ص68 روضة الطالبين ج3 ص480.
( ( [421] حديث المعداة متفق عليه (انظر: صحيح البخاري ج3 ص92 وصحيح مسلم ج5 ص6.
( ( [422] انظر: بداية المجتهد ج2 ص178.
( ( [423] روضة الطالبين ج3 ص487.
( ( [424] الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف ج4 ص408.
( ( [425] روضة الطالبين ج3 ص487.
( ( [426] الشرح الصغير ج3 ص186.
( ( [427] العهدة لا يقول بها إلا مالك ولذا سأتحدث عنها في مذهبه.
( ( [428] الشرح الصغير ج3 ص20 ـ 193.
( ( [429] الشرح الصغير ج3 ص192، والمجموع ج2 ص124.
( ( [430] بداية المجتهد ج2 ص175.
( ( [431] و (4) رواهما أبو داود انظر: السنن ج2 ص224 وكذا مالك في الموطأ انظر: شرح الموطأ للزرقاني ج4 ص192 قال الزرقاني بعد ذكره لحديثي العهدة (وروى ابن أبي شيبه عن الحسن البصري عن سمرة مرفوعاً (عهدة الرقيق ثلاثة أيام (ولم يسمع الحسن من عقبة، وفي سماعه من سمرة خلاف ولذا ضعف بعضهم حديث عقبة لكن اعتضد بحديث سمرة وبعمل أهل المدينة.
( ( [433] حديث حبان متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص85، وصحيح مسلم ج5 ص11.
( ( [434] تكملة المجموع ج12 ص125.
( ( [435] العبارة في بداية المجتهد ج2 ص176 (قبل قبضه) وأظنها خطأ مطبعي صوابها (بعد قبضه).
( ( [436] بداية المجتهد ج2 ص176.
( ( [438] المغني والشرح الكبير ج4 ص242.
( ( [439] المغني والشرح الكبير ج4 ص245.
( ( [440] المغني والشرح الكبير ج4 ص240.
( ( [441] انظر: بدائع الصنائع ج5 ص291 ودرر الحكام ج1 ص300.
( ( [442] المقصود من قيمة المعيب فقط.
( ( [443] روضة الطالبين ج3 ص489.
( ( [444] حاشية ابن عابدين ج5 ص36.
( ( [445] روضة الطالبين ج3 ص488 وكذا نهاية المحتاج ج4 ص14.
( ( [446] المغني والشرح الكبير ج4 ص251 بتصرف.
( ( [447] الفتاوى الهندية ج3 ص86 وما بعدها ودرر الحكام ج1 ص287.
( ( [448] بدائع الصنائع ج5 ص281 والمجموع ج12 ص147 ـ 148.
( ( [449] انظر: المبسوط ج13 ص 10ـ 11 وحاشية ابن عابدين ج5 ص31.
( ( [451] المحلى ج9 ص 88 ـ 89.
( ( [452] أنضى الدابة: أي أتعبها وهزلها قال في مختار الصحاح ج1 ص665 أنضى بعيره هزله.
( ( [454] سأتحدث عن هذه المسألة بالتفصيل عند المالكية والحنابلة لأنهم هم الذين يعتبرونها عيباً في المبيع يضمنه البائع.
( ( [455] مختار الصحاح ج1 ص116.
( ( [456] بداية المجتهد ج2 ص185.
( ( [457] رواه مسلم في صحيحه انظر: صحيح مسلم ج5 ص30.
( ( [458] الألية اليمين وتألى بمعنى حلف.
( ( [459] رواه البخاري ومسلم انظر: صحيح البخاري ج3 ص244 وصحيح مسلم ج5 ص30.
( ( [460] الجواب الصحيح الواضح في مسألة الجوائح ضمن مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ج5 ص213.
( ( [461] رواه مسلم انظر: صحيح مسلم ج5 ص29.
( ( [462] رواه مسلم انظر: صحيح مسلم ج5 ص29.
( ( [463] الجواب الصحيح الواضح في مسألة الجوائح ضمن مجموعة الرسائل والمسائل ج5 ص211.
( ( [464] متفق عليه انظر: سبل السلام ج3 ص136 والحديث بتمامه هو (عن سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول الله أنا ذو مال كثير ولا يرثني إلا ابنة واحدة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: لا، قلت: أفأتصدق بثلثه؟ قال: الثلث والثلث كثير، أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس). متفق عليه. قوله عاله: وجمع عائل وهو الفقير قوله يتكففون الناس: أي يسألون الناس بأكفهم لشدة فقرهم.
( ( [465] تزهى يقال يزهى إذا أحمر وأصفر وزها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته.
( ( [466] تحمار وتصفار: لم يرد بذلك الون الخالص من الحمرة والصفرة إنما أراد حمرة أو صفرة غير خالصة ولو أراد اللون الخالص لقال تحمر وتصفر قال ابن التين (أراد بقوله تحمار وتصفار ظهور أوائل الحمرة والصفرة قبل أن ينضج قال وإنما يقال يفعال في اللون المتغير إذا كان لا يزول ذلك).
( ( [467] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص101 وصحيح مسلم ج5 ص29.
( ( [468] بداية المجتهد ج2 ص85 ـ 86.
( ( [469] حديث زيد بن ثابت هو قوله (كان الناس في عهد رسول الله ص يتبايعون الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع أنه أصاب الثمر الدمان أصابه مرض أصابه قثام ـ عاهات يحتجون بها ـ فقال رسول الله ص لما كثرت عنده الخصومة فأما لا فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة يشير بها بكثرة خصومتهم) رواه البخاري انظر: الصحيح ج3 ص100. (أ) الدمان: فساد الطلع وتعفنه وسواده. (ب) المرض: اسم لجميع الأمراض وهو داء يقع على الثمرة فتهلك. (ج) قثام: شيء يصيب الثمرة حتى لا ترطب. (د) عاهات: جمع عاهة، وهي العيب والآفة. (هـ) فأما لا: معناها أن لا تفعل كذا فافعل كذا.
( ( [470] مضى هذا الحديث دليلا لما نعي وضع الجوائح.
( ( [471] سبق ذكر هذا الحديث دليلا لما نعي وضع الجوائح.
( ( [472] نيل الأوطار ج5 ص201.
( ( [473] بداية المجتهد ج2 ص186.
( ( [474] حديث المتألى أن لا يفعل خيراً سبق ضمن أدلة ما نعي وضع الجوائح.
( ( [475] حديث أنس سبق ذكره ضمن مناقشة النافين لأدلة المثبتين.
( ( [476] سبق ذكره ضمن أدلة مثبتي وضع الجوائح.
( ( [477] انظر: مجموعة الرسائل لابن تيمية ج5 ص15 ـ 215.
( ( [478] نيل الأوطار ج5 ص201.
( ( [479] حديثا وضع الجوائح هما رواهما جابر (إذا بعت من أخيك وكونه صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح)
وقد سبق ذكرهما ضمن أدلة القائلين بوضع الجوائح.
( ( [480] المقصود به حديث أبي سعيد الذي مضى ضمن أدلة النافين لوضع الجوائح.
( ( [481] انظر: سبل السلام ج3 ص63.
( ( [483] سورة البقرة آية 188.
( ( [484] سورة المائدة آية 13.
( ( [485] اللهم الا إذا كانت الجائحة يسيرة جداً بحيث لا يخلو منها الثمار غالبا فهذا لا شك أن الناس تعارفوا على وضعه والتسامح في مثله.
( ( [486] انظر:بداية المجتهد ج2 ص186 ومجموعة الرسائل والمسائل ج5 ص213.
( ( [487] بداية المجتهد ج2 ص186.
( ( [489] مضى هذا الحديث ضمن أدلة وضع الجوائح.
( ( [490] رواه الخمسة إلا النسائي وصححه ابن حبان والحاكم وهو من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه. أنظر: سبل السلام، ج3 ص62.
( ( [492] انظر: المبسوط ج13 ص95 ـ 96، والمغني والشرح الكبير ج4 ص241، وبداية المجتهد ج2 ص181.
( ( [497] انظر: بدائع الصنائع ج5 ص283 والشرح الصغير ج3 ص168. وقوانين الأحكام الشرعية ج1 ص293 ج3 ص227 ونهاية المحتاج ج4 ص39.
( ( [498] روضة الطالبين ج3 ص472.
( ( [499] انظر: حاشية ابن عابدين ج5 ص28 وبداية المجتهد ج2 ص178 ونهاية المحتاج ج4 ص39 المغني والشرح الكبير ج4 ص246.
( ( [500] قوانين الأحكام الشرعية ج1 ص292.
( ( [501] تكملة المجموع ج12 ص163.
( ( [502] انظر: بدائع الصنائع ج5 ص282 وحاشية ابن عابدين ج5 ص33 ـ 34.
( ( [503] قوانين الأحكام الشرعية ج1 ص292.
( ( [504] انظر: بدائع الصنائع ج5 ص282.
( ( [505] قوانين الأحكام الشرعية ج1 ص292.
( ( [506] متفق عليه انظر: صحيح البخاري ج3 ص84 وصحيح مسلم ج5 ص9.