39 – شرح كتاب نظم الدرر والجواهر في النواهي والأوامر لابن سيف

الأحد 16 رجب 1445هـ 28-1-2024م

 

39 –  شرح كتاب نظم الدرر والجواهر

في النواهي والأوامر لابن سيف pdf

 

 

نظم الدرر والجواهر
في النواهي والأوامر

عقيدة سنية ومنظومة فقهية أصلية

للعلامة الشيخ

محمد بن إبراهيم بن سيف – رحمه الله –

(ت: 1268هـ)

شرحها فضيلة الشيخ

أ. د. عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار

عضو التدريس بجامعة القصيم

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور / عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

سلّمه الله تعالى  آمين:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فشكراً لكم على زيارة محافظة بقعاء في منطقة حائل، ولعل من أثمن وأغلى ما أهديه لكم :

( نظم الدرر والجواهر في النواهي والأوامر عقيدة سُنّية و منظومة فقهية أصلية )

وهذه المخطوطة للوالد العلامة  الشيخ  محمد بن إبراهيم السيف رحمه الله .

ونظراً لما تتميزون به من مكانةٍ علميةٍ وبحث علمي وتأصيل شرعي و قدرة على التأليف والتحقيق فإني ألتمس منكم ـ حفظكم الله ـ إخراج هذه المخطوطة ليستفيد منها الناس ولكم أن تخرجوها بالصورة التي ترونها نافعة لعباد الله ، وتكون من العلم النافع الذي ينفع الإنسان بعد مماته .

سدد الله خطاكم وأجزل لكم المثوبة ونفع بكم الإسلام والمسلمين وجزاكم الله عنا وعن إخوانكم طلاب العلم خير ما جزى شيخاً عن طلابه وتقبلوا تحيات ابنكم وتلميذكم .

                                                                                                                أبو عبد الرحمن

                                                                                                               فهد بن عبد الله السيف

                                                                                                           محافظة بقعاء ـ منطقة حائل

 

المقدمـة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى صراطه المستقيم، وبـعـــد:

فإن من أعظم ما ينبغي على المسلم معرفته معرفة دينه الذي ارتضاه الله لنفسه وارتضاه لخلقه هذا الدين الذي جاء به محمد ﷺ أرسله الله به لهدايتنا ولخروج البشرية من ظلمات الشك والشرك إلى نور اليقين والتوحيد، وإن من أعظم نعم الله تعالى على عباده هذا الدين الذي تكفل الله بحفظه من التبديل والتحريف وكذلك بحفظ ما جاء فيه من أحكام سواء أكانت أحكام عقدية أم أحكاماً خاصة بالحلال والحرام و الأوامر والنواهي وغير ذلك مما جاء في القرآن العظيم وكـلام سيـد المرسلـين صلـوات الله وسـلامه علـيه .

ولقد اجتهد علماء الأمة قاطبة في بيان هذا الدين أصولاً وفروعاً للناس لكي يكونوا على بصيرة من دينهم ومن هؤلاء العلماء: العلامة الشيخ/ محمد بن إبراهيم بن سليمان بن سيف المسيكي السبيعي العنزي رحمه الله([1]) فلقد مكث رحمه الله عقداً من الزمان في دعوة الناس إلى الخير وإلى التمسك بهذا الدين عقيدة وسلوكاً وأدباً وغير ذلك مما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وأعظم شاهد على ذلك هذه المنظومة التي اشتملت على (مئتين وثلاثة وسبعين بيتاً) كلها دعوة إلى الخير وسلوك طريق الأنبياء والمرسلين والتحذير من سلوك طريق أهل الغواية والضلال، ولقد أجاد وأفاد رحمه الله في هذه المنظومة التي جمعت أموراً جمة في العقيدة وذلك ببيان عقيدة سلف الأمة، ثم حرصه على المدعو باقتفاء آثار هذه العقيدة وفي جانب العبادات كفرائض الإسلام الخمس وفي جانب الأخلاق وغير ذلك مما ذكرنا مما فيه سعـادة الإنسـان في الدنيا والآخــرة . وهـذه المنظومة سماها مؤلفهـا رحمه الله :

(نظم الدرر والجواهر في النواهي والأوامر عقيدة سُنيّة ومنظومة فقهية أصلية)

فإذا أمعنت النظر إلى هذه المنظومة فسترى بلا شك أنها اسم على مسمى أي كما وصفها ناظمها رحمه الله.

ولقد وفقني الله تعالى بالحصول على هذه المنظومة من أخي الفاضل/ فهد بن عبد الله السيف حفظه الله حيث أهداني إياها ولقد سررت سروراً بالغاً بها وذلك لما فيها من أبيات ترقق القلب وتدعو إلى الثبات على دين الله تعالى ولما فيها أيضاً من بيان معتقد  الفِرْقة الناجية المنصورة فجزى الله ناظمها ومهديها إِليَّ خير الجزاء.

أما عن طريقة إخراجنا لهذه المنظومة:

فنظراً لأن المنظومة ألفاظها سهلة لا تحتاج إلى بيان بل يفهمها العامي من الناس والمتعلم وهذا بلا شك يدل على براعة الناظم رحمه الله حيث كان يتخير الألفاظَ السهلةً التي لا تحتاج إلى بيان ومعرفة ولهذا لم نتعرض كثيراً إلى معاني مفرداتها، لكن لما كانت هذه المنظومة معانيها مستمدة من القرآن والسنة فقد قمت ببيان الدليل الذي يشير إليه المؤلف رحمه الله في منظومته مع بيان مصدر الدليل وتخريجه وأقوال أهل العلم عليه من حيث الصحة والضعف وذلك إذا كان  الحديث في غير الصحيحين.

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا إنه سميع مجيب .

                                                                                                             أبو محـمـد

                                                                                             أ.د/ عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

  

ترجمة صاحب الـمنظومة

هو سماحةُ العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن سيف المسيكي السبيعي العـنزي. أصله من آل سيف من بلدة ثادق عاصمة بلدان المحمل.

الـمولد والنشأة :

أما عن سنة ولادته فلم يقف أحد على عام ولادته على ما أعلم، ولذا قال الشيخ البسام (لم أقف على سنة ولادته)([2])، وبذلك قال أيضاً علي الـهندي([3]).

أما نشأته :

فقد نشأ في بيت علم وفضل فأبوه إبراهيم بن سيف رحمه الله كان عالماً من علماء (ثادق من بلدان المحمل) فكان ماهراً في علم  الفقه والحديث ومصطلحه ومن أوعية الحفظ ولذا عَيّنَه الإمام عبد الله بن سعود قاضياً في عمان ثم في بلدان سدير ولما حصل هدم الدرعية وما حولها على يد الباشا هرب إلى رأس الخيمة تباعداً من الفتن وأمناً من الأذى ، فاستمر فيها مرشداً وواعظاً و داعية خير، ثَمَّ لما استتب الأمن في نجد عاد إليها فيمن عاد فتعين قاضياً في الرياض في عهد الإمام تركي بن عبدالله وعهـد ابنه فيصل، وكان الإمام فيصل يستشيره، لأنه كان سديد الرأي أميناً على السر. فهذه نبذة عن حياة والد صاحب المنظومة ولا شك أن لهذه الأبوة تأثيراً في حياة الابن([4]).

ولم يكن الأمر مقصوراً على والد صاحب المنظومة، بل أعمامه فقد كانوا أهل علم وفضل فعماه غنيم بن سيف وعبدالله بن سيف كانا قاضيين في عنيزة.

ومن هنا نقول بأن صلاح الأبناء في الغالب يكون بصلاح الآباء ، فكلما كان الأب صالحاً كان الابن للصلاح أقرب، وخير دليل على ذلك صاحب هذه الترجمة.

طلبه للعلم وشيوخه:

لا يخفى على القاصي والداني فضل طلب العلم وفضل أهله المشتغلين به وفضل سلوك طريق الصلة إليه، فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة لتبين ذلك كله. وكان بلا شك للعلم أثره في حياة صاحب المنظومة (الشيخ محمد بن إبراهيم السيف رحمه الله).

فقرأ في العلم على والده الشيخ  إبراهيم السيف ثم على العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهما الله  .

قال ابن بشر في عنوان المجد: ” كان الشيخ محمد بن سيف عالماً علامة محققاً فاضلاً ، له اليد الطولى في الفقه وشارك في غيره، ولـه معرفة ودراية، ثم قرأ في جملة من العلوم ، وأكثر قراءته على الشيخ عبدالرحمن بن حسن ثم قرأ على أبيه إبراهيم بن سيف، والشيخ عبدالرحمن أول مشايخه فأخذ عنه النحو والتجويد ومبادئ العلوم الشرعية، كما قرأ على أبيه التفسير والحديث”. ثم سافر إلى مصر في حدود سنةِ أربعٍ وخمسين و مائتين وألف فيما ذكر، وحصَّل جملة من فنون العلم والأكثر في معاني البيان والحساب([5]).

ومن أبرز شيوخه أيضاً عماه غنيم وعبد الله وهما كما ذكرنا آنفاً أهل علم وفضل وقد ترجم لهما سماحة الشيخ عبد الله البسام في كتابه علماء نجد. ومن شيوخه أيضاً أحمد بن حسن بن رشيد المشهور بالحنبلي([6]).

ثناء العلماء عليه :

قال العلاّمة عبد الله البسام في علماء نجد (وقد أثنى على المترجم له) (يعني الشيخ محمد بن يوسف) ثلة من المؤرخين بسعة العلم ووفور العقل والاستقامة في الدين. ولـه الباع الطويل في الأدب والتاريخ وكان يجيد الشعر بمهارة([7]) ودرس في حائل وتخرج عليه جمع من الطلبة وانتهى الإفتاء والتدريس إليه في حائل وما حولها ووفد إليه الطلبة من كل صوب واشتهر بعلومه الجمة وذاع صيته([8]).

قال عنه محمد القاضي : “ولـه حواشي مفيدة ورسائل عديدة وكان لا يخاف في الله لومة لائم قوياً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولـه مهابة، ولكلمته نفوذ، وكان محبوباً لدى الخاص والعام، كريماً سمحاً، عزيز النفس زاهداً ورعاً ومرجعاً في الأنساب وفي الفرائض وحسابها، مجالسه مجالس علم ممتعة للجالسين . وكان زميلاً للشيخ عثمان بن بشر صديقاً حميماً له بينهما مراسلات وروابط محبة  وأثنى عليه ابن بشر في مواضع من عنوان المجد وكان محمود السيرة حسن الخلق ظل في قضاء حائل مثالاً للعدالة والنزاهة ، مسدداً في أحكامه حتى وافاه أجله المحتوم مأسوفاً على فقده”. انتهى([9]).

وفاة الشيخ رحمه الله :

توفي الشيخ رحمه الله في حائل وقبره في المقبرة الشمالية واختلف في تاريخ وفاته، قيل في عام 1265هـ . قال العلامة عبد الله البسام: لكن الصواب أنه توفي بعد عام 1268هـ كما تقدم أن تعيينه للقضاء كان 1268هـ . والله أعلم([10]).

ذريته :

ذريته يقال لهم آل سيف وهم يقيمون الآن في محافظة بقعاء إحدى محافظات منطقة حائل في الجهة الشمالية الشرقية([11]). أما أولاد الشيخ محمد بن سيف فله ولد واحد وهو الشيخ سعد رحمه الله حيث كان خطيباً و مرشداً في بقعاء، وقد أرث الشيخ سعد ثلاثة أولاد وهم: عبد الله ومحمد وعبد العزيز، وقد عرفوا رحمهم الله بالصلاح والأمانة .

ولقد كان له أخ واحد وهو الشيخ عبد الرحمن وكان طالب علم رحمه الله . نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلي أن يغفر له وأن يجمعنا به في دار كرامته إنه سميع مجيب. 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

1- حمدت الذي أسدى جميع الفضائل
2- عليَّ وإني كنت من قبل  جاهــلا

***

ومن مَنَّ بالتوحيد خير الوسائل
فوفـقـني أرقـى لأعلـى المنــازل

الشـــرح:

قولـه (حمدت الذي أسدى جميع الفضائل) المراد  بالذي الرب سبحانه وتعالى فهو المستحق للحمد سبحانه وتعالى لأنه هو الذي (أسدى جميع الفضائل) الدينية والدنيوية . فأعظم فضائله الدينية هداية العبد وتوفيقه إلى إفراده جل وعلا بالتوحيد.

ولذا قال رحمه الله (من مَنَّ بالتوحيد خير الوسائل) فهو سبحانه وتعالى هو الذي يـمنَّ على العبد بالتوحيد والهداية لـه كما قال سبحانه:{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} ([12]).

وقال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }([13]).

وقول المؤلف رحمه الله (خير الوسائل) أي خير الوسائل التي يتم للعبد بها حصول المطلوب ودفع ورفع المكروب هو التوحيد.

وقوله: ( فوفقني أرقى لأعلى المنازل ).

وذلك لأن التوحيد هو أعلى شعب الإيمان فمن حققه إيماناً وعملاً وإخلاصاً ومتابعة نال أعلى المنازل في دنياه وأخراه.

3- لمعرفــة القـرآن والســــــنة التي
4- ففيهـــا وفي القرآن إدحاض حجة
5ـ مَعْ كل طاغوت بإفك مشبــــــــــه
*** يقاس عليها مشكلات المســــــائل
لمبتـدع من  كـل زور وباطــــــــــــل
على أهل جهـل بالحديث مجــــادل

الشـرح:

من أعظم توفيق الرب للعبد أن يوفقه إلى أعلى المنازل في دنياه وذلك بالعلم النافع والعمل الصالح وأعظم العلوم هو معرفة القرآن، ولذا قال رحمه الله (لمعرفة القرآن والسنة).

ثم وضح ـ رحمه الله ـ بعض مزايا السنة بقوله (والسنة التي يقاس عليها مشكلات المسائل) فالسنة نوع من التشريع الإلهي فهي إما أن تكون قد جاءت في بيان حكم ما أو يقاس عليها في بعض المسائل المشكلة التي لم يأت فيها نص .

ثم بين رحمه الله أهمية الكتاب والسنة بأن فيهما (إدحاض حجة) أي إدحاض حجج أهل الأهواء من المتكلمين والعقلانيين الذين يقحمون العقل على الدين وغيرهم من المتصوفة والمتفلسفة .

الطاغوت معناه مجاوزة الحد في كل أمر جاءت به الشريعة فمن حرف أسماء الله تعالى وصفاته عن معانيها، أو شبه الله تعالى بخلقه، أو عطل صفات الله تعالى فهو طاغوت لأنه تجاوز حده . فإن نصوص القرآن والسنة جاءت بإثبات أسماء الله وصفاته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل.

وإذا نظرت إلى معطلي صفات الرب سبحانه وتعالى فهم في الحقيقة أهل جهل وجدل . جهل بالكتاب والسنة، وجدل في الباطل، وخوض فيه ولذا قال رحمه الله: (على أهل جهل بالحديث مجادل).

 

6- وأزكى صلاة الله ثم ســلامه

***

على المصطفى أزكى جميع القبائل

الشـرح:

معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى([14]).

أما قولـه (ثم سلامه) أي السلامة من الآفات. فجمع المؤلف رحمه الله بين حصول الخيرات وذلك بثنائه عليه سبحانه في الملأ الأعلى، وأن يزيل عنه الآفات. وقوله رحمه الله ( على المصطفى أزكى جميع القبائل )

دليل ذلك ما رواه مسلم عن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله ﷺ يقول:(إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)([15]).

 

7- وبعد فهذي نبذة قد نظمتهـــا

8- جواهر في كل الأمور نظمتها

9- مواعـظ فيهـــــا للبيب منافــع

***

على الأمر والنهي المفيد لســــــائل

وفي النهي عن كل الأمور الغوائــــل

وأحكامـها تشفـي الصــدور الفواصـل

الشـرح:

بعد أن انتهى المؤلف من حمد الله تعالى وثنائه على نبيه ﷺ بين موضوع مُؤلَّفه فوضح أنها منظومة في الأمر والنهي التي جرت بها نصوص الكتاب والسنة التي تفيد السائل وعبر عنها بأنها جواهر والجوهر هو المستخلص من الشي أي خلاصة الشيء وبين أيضاً أنها أي منظومته فيها من المواعظ التي تنفع اللبيب وفيها من الأحكام ما يشفي الصدور. 

  

10-شـديداً أبياً معجزاً للمحاول

11-يشق على أهل الدنايا الأراذل

12-فكـانوا به أحـياء تحت الجنـادل

***

شـديداً أبياً معجزاً للمحاول

يشق على أهل الدنايا الأراذل

فكـانوا به أحـياء تحت الجنـادل

الشـرح:

بين رحمه الله في هذه الأبيات أن الوصول إلى المجد الذي به يمجَّد العبد عند ربه وعند خلقه طريقه صعب غير سهل، وأعلى درجات المجد هي العلم النافع والعمل الصالح ولذا كان طريقها صعب التناول ( شديداً أبياً للمحاول ) أي شديداً على من يسلكها ولذا كان هذا الطريق يعني طريق الوصول إلى المجد (بعيد مرام ) ولما كان هناك من يستطيع الوصول إلى أعلى درجات المجد قال ( نادر من يحوزه ).

ثم بين رحمه الله من الذي يشق عليه هذا الطريق  فقال ( يشق على أهل الدنايا الأراذل) أي يشق على الهمم السفلى التي تنظر تحت قدميها و تؤثر دنياها على أخراها.

أما أصحاب الهمم العالية التي آثرت أخراها على دنياها فصرفت وقتها في تحصيل العلم النافع فقال في وصفهم (وأهل العلى قد نافسوا في اكتسابه)، لما تنافسوا في تحصيل ما ينفعهم في الآخرة (فكانوا به أحياء تحت الجنادل).

 

13ـ فلا مجد إلا باهتمام ورغبة

14ـ عليك بتقوى الله في السر إنها

15ـ وتنجي الفتى يوم الجزا وتجيره

16ـ وما نال تقوى الله في الأمر كله

***

وقوة عزم في اكتساب الفضائل

تبوئ في الجنات أعلى المنازل

من النار دار الخزي ذات السلاسل

سوى تارك للنهي للأمر فاعل

الشـرح:

بعد أن وضح رحمه الله طريق المجد وأنه لا يحصل لكل الناس بين في هذه الأبيات الوسائل التي يتحقق بها المجد وهي أربعة أمور: الاهتمام بطريق المجد والرغبة فيه مع صدق العزيمة وقوتها في اكتساب هذا الطريق ولا يتم ذلك كله إلا بتقوى الله تعالى قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}([16]).

 وإذا نظرت بعين البصيرة إلى أهم المعوقات التي تحول بين الإنسان وحصول المجد لرأيت أن أهم هذه المعوقات عدم الاهتمام وعدم الرغبة ـ وفتور العزيمة ـ وعدم تقوى الله ولذا جعل المؤلف أنه بحصول الأربعة ينال الإنسان ما يتمناه في دنياه.

ثم وضح المؤلف رحمه الله أهمية التقوى فهي ترفع العبد في أعلى الدرجات وتنجيه من الموبقات ولا تكون التقوى إلا بترك المنهيات وفعل المأمورات.

 

فصل في قوله تعالى:

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}([17])

17ـ لقد ضل من لم يتبع هَدْى رَبِّهِ

18ـ فليس إلى المولى سبيل سواهما

19ـ وغيرهما بابُ الشياطين و الهوى

20ـ وما أولياء الله إلا ذووا التُّقى

21ـ أولئك لا هُم يحزنون ولاهُمُ

22ـ لهم في كلا الدارين بشرى وأنهم

***

وسنة من قد جاءنا بالدلائل

لكل ولي للولاية فاصل

يدَنَّس فيها كل غاوٍ وغافل

بإيمانهم فازوا بخير المحاصل

يخافون في الأخرى عظيم المهاول

هــم السابقون السـابقون بما تلي

الشـرح:

شرع المؤلف في هذه الأبيات في منظومته وأول ما بدأ به وضح المنهج الذي تتلقى منه العلوم وهذه نظرة صائبة للمؤلف رحمه الله حيث أولاً لابد من بيان المنهج ثم بعد ذلك يشرع في بيان ما يحتويه هذا لمنهج .

وأعظم المناهج وأوضحها وأرفعها هو منهج الكتاب والسنة ومن سلك طريقاً غيرهما فقد ضل وأضل.

ولذا قال رحمه الله: (لقد ضل من لم يتبع هَدْي رَبِّهِ  ***   وسنة من قد جاءنا بالدلائل )

ولا تتم ولاية الله للعبد إلا بسلوك منهج الكتاب والسنة، بل بهما يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ولذا قال رحمه الله ( …. لكل ولي للولاية فاصل ).

ثم بين رحمه الله عاقبة من يسلك غير سبيل الكتاب والسنة بقولـه (وغيرهما بابُ الشياطين والهوى)، أي بغير سبيل الكتاب والسنة يهلك الإنسان وذلك لسلوكه سبيل الشيطان.

ثم عرف الأولياء بقوله: (وما أولياء الله إلا ذوو التُّقى)

دليل ذلك قوله تعالى:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}([18]). أي جمعوا بين الإيمان والتقوى فهم ذوو العلم النابع من الإيمان، لأن إيمانهم عن علم وذوو تقى.

وقوله رحمه الله :(أولئك لا هم يحزنون ولاهم  ***   يخافون في الأخرى عظيم المهاول )

هذه هي ثمرة الإيمان والتقوى التي بها تتحقق ولاية الله للعبد فمن ثمرات ذلك أنهم لا يحزنون ولا يخافون يوم الفزع الأكبر كما قال تعالى:{ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}([19]).

وقوله رحمه الله :(لهم في كلا الدارين بشرى وأنهم ***  هم السابقون السابقون بما تلي )

أي بشرهم الله تعالى في دار الدنيا والآخرة بالنعيم المقيم كما قال تعالى: {لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}([20]).

أما قوله (هم السابقون السابقون بما تلي )

أي هم السابقون في الدنيا بفعل الخيرات وهم السابقون في الآخرة بدخول الجنات كما قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}([21]).

  أي المقربون عند الله في جنات النعيم في أعلى عليين إلى المنازل العالية التي لا منزلة فوقها.

 

فصل في بيان الـمتقين الأولياء

23ـ وأقسم ما نال الولاية في الورى

24- ومصداقه في المؤمنون وهل أتى

25- بها افتتح الله العظيم كتابــــــــــه

*** سوى تابع للشرع من كل عامـــــــل

وفي آخر التطفيف شاهدهما جـلي

فـقـال هـدى للمتقين العوامــــــــــل

الشـرح:

بعد أن ذكر رحمه الله سبيل أولياء الرحمن ووضح أن سبيلهم هو الكتاب والسُنة بين صفات المتقين الأولياء فأقسم أنهم ما نالوا ولاية الله لهم إلا باتباعهم الشرع المطهر. ثم استدل على ما أقسم به بما جاء في وصفهم في الكتاب العزيز بما في سورة المؤمنون والإنسان والمطففين ففيها وصف من الله تعالى للأولياء فقال تعالى في وصفهم في سورة المؤمنون:

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ }([22]).

وقال أيضاً في وصفهم في نفس السورة: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}([23]).

أما في سورة الإنسـان فقد ورد وصفهــم في قولـــه تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}([24]).

أما وصفهم في سورة المطففين فقد بين الله تعالى حالهم بين المجرمين بقولـه: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ([25]).

فهذا هو مراده – رحمه الله تعالى – في وصفه لأولياء الله المتقين في هذه السور.

وقولـه رحمه الله: (بها افتتح الله العظيم كتابه… إلخ) أي بيــــان صفات الأوليـــاء افتتح الله كتابه وذلك من قولـه تعالى:{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([26]).

 

26ـ فأولهم أهل الصلاة لوقتها

27- وأدوا زكاة المال طيّبة بها

28- من الرزق بل هم يؤمنون بما أتى

29- وقد عرفوا الأخرى وقد أيقنوا بها

30- وقد آمنوا بالغيب والبعث أولا

31- أولئك كانوا في اليقين على هدى

*** وجاءوا بمسنوناتها والنوافل

نفوسهُمُ بل يُنفقون بعاجل

إلينا من التنزيل أو قول مُرْسل

وحازوا جميع البر يا فوز فاعل

وما سمعوا من علم أهل الرسائل

من الله هم أهل الفــلاح بآجـــل

الشـرح:

لا يزال الناظم – رحمه الله – يبين صفات أولياء الله تعالى المتقين فمن صفاتهم أيضاً أنهم يؤدون الصلاة لوقتها باستحضار قلب، وخشوع، واستدراك لكل ما جاء فيـها ومع ذلك يأتون بمسنونات الصلاة القولية والفعلية ولم يقتصروا على الفرائض بل جاءوا بالنوافل.

ومن صفاتهم أيضاً أنهم يؤدون زكاة أموالهم بطيب نفس ولم يقتصروا على ذلك، بل ينفقون من أموالهم. ومن صفاتهم أيضاً أنهم آمنوا بكتاب ربهم الذي أنزل على نبيهم صلوات الله وسلامه عليه وكذا بما أنزل من قبله كما قال تعالى:{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}([27]).

ومن صفات أولياءه أيضاً أنهم علموا علم اليقين أن هناك لقاء بينهم وبين خالقهم عز وجل وذلك يوم العرض عليه فاجتهدوا في تحصيل جميع أنواع البر فيا سعادتهم ويا فوزهم بفعلهم.

ومن صفاتهم أيضاً أنهم قبل ما ذكرنا من هذه الصفات أي قبل كل شيء آمنوا بما جاء في كتاب الله وسُنة رسوله ﷺ من المغيبات كالإيمان بالملائكة والجنة والنار وغيرها ويدخل فيها أيضاً الإيمان بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة وأحوال الآخرة وحقائق أوصاف الله وكيفيتها ويؤمنون بصفات الله ووجودها كل ذلك على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى.

فهؤلاء هم أهل الهدى واليقين بل هم أهل الفلاح في الآخرة جعلنا الله وإياكم منهم.

 

فصل في معرفة الكتاب والسُنَّة

32ـ وبالسنَّة المحض الصحيحة فاعتقد

33ـ فتشهد أن لا يستحق عبادة

34ـ ولو كان في هاتين غير إلهنا

35ـ ولو كان غير الواحد الفرد خالق

36ـ وأن يذهبن كلٌّ بما كان خالقاً

37ـ فسبحـــــان رَبِّي عن شـريك ووالـد

*** على نهج أصحاب الحديث الكوامل

سوى فاطر السبع العلى والأسافل

لأدى إلى إفسادها والتزائل

لأدى إلى قبح المرا  والتجادل

ولا تطلب العليا بدون التقاتل

وابن وعـن ضـدٍّ وندٍّ وباطـل

الشـرح:

في هذه الأبيات ينصح الناظم ـ رحمه الله ـ المدعو بأمور مهمة في جانب الاعتقاد فمن هذه المهمات: أولاً: أن السنة وهي النوع الثاني من أنواع التشريع يجب عليك أن تعتقد وجوب العمل بها فهي كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام وليس كل ما يقال أن هذا سنة، بل السنة الصحيحة الثابتة عن النبي ﷺ وبالتالي تكون على نهج أصحاب الحديث الذين هم أكمل الناس .

ثانياً: ومن المهمات أيضاً أن تشهد أنه لا يستحق العبادة إلا الله سبحانه وتعالى الذي خلق السماوات السبع و الأرضين  السبع .

ثالثاً: أنك يجب عليك أن تعتقد أنه لو كان في السماوات السبع والأرضين السبع غير الله تعالى لأدى إلى فساد عظيم كما قال تعالى:{أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} ([28]). فالله سبحانه هو الواحد الأحد الخالق فلو كان معه شريك في ملكه لأدى إلى التنازع والجدال والمراء، فسبحان من لا شريك له ولا ند له ولا صاحب له قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}([29]). وقال تعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} ([30]).

 

فصل في إثبات الصفات وإمرارها كما جاءت

38ـ وحاذر من التشبيه إن كنت مسلماً

39ـ وأثبت صفات الله حقاً كما أتت

40ـ ولا تك مغتراً بقول مزخرف

41ـ هو الحي والباقي سميعاً ومبصراً

42ـ قدير على ما شاءه متكلماً

***

وجانب ذوي التعطيل من كل عازل

وإياك أن تصغي لتأويل جاهل

يصدك عن نهج الهدى من مجادل

عليماً مريد الكون سبحان فاعل

بما شاء قال الحق سبحان قائل

الشـرح:

انتقل المؤلف رحمه الله في هذه الأبيات وما بعدها إلى تحذير المدعو من الفرق المنحرفة الضالة التي خالفت عقيدة أهل السنة والجماعة مثل أهل التشبيه والتعطيل والتحريف والتكييف وغيرهم فإنهم قد خالفوا النصوص الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة من إثبات أسماء الله و صفاته ولذا قال المؤلف رحمه الله:

(حاذر من التشبيه إن كنت مسلماً) أي احذر أن تشبه الله تعالى بخلقه، فلا تقل يد الله كيدي وسمعه كسمعي وبصره كبصري وهذا كما قال أهل التشبيه . ولا تكن معطلاً لصفات الله كما قال أهل التعطيل سميع بلا سمع بصير بلا بصر قدير بلا قدرة فأثبتوا لله السمع وعطلوا صفاته سبحانه فاحذر هاتين الفرقتين. وكن مثبتاً لصفات الله تعالى كما أتت على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([31]).

واحذر يا مسلم أن تصغي لأهل التأويل الذين أثبتوا الصفات ولكن أوَّلوها عن ظاهرها فقالوا (استوى على العرش) أي استولى على العرش، فهم ينفون استواء الله على عرشه، وقالوا (يد الله) أي قدرة الله، إلى غير ذلك من صفاته الذاتية والفعلية كالضحك والغضب والرضى وغيرها من الصفات فإنهم يؤولونها ولا يثبتونها لله على الوجه اللائق به.

فهؤلاء الذين يريدون إضلالك أيها المسلم يأتون بالقول المزخرف لكي تغــتر بهم  وصدق ربنا حيث قال: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ *وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ }([32]).

فإياك أن تغتر بهؤلاء الذين يريدون أن يصدوك عن طريق الهدى طريق أهل السنة والجماعة في إثبات أسماء الله وصفاته فإنه سبحانه هو الحي أي الذي لـه جميع معاني الحياة الكاملة من السمع والبصر والقدرة والإرادة وغيرها، وكذلك الصفات الذاتية ومع كونه سبحانه هو الحي فكذلك هو (الباقي) وكل ما سواه فانٍ كما قال تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}([33]).

ومن صفاته أيضاً أنه (سميعاً) لجميع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات (ومبصراً)  الذي يبصر كل شيء وإن دق وصغر فيبصر سبحانه دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء .

وهو أيضاً (عليماً) الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان وبالعالم العلوي والسفلي فلا يخفى عليه شيء من الأشياء .

وهو أيضاً (مريداً) وهذا من كمال قوته ونفوذ مشيئته وقدرته فكل أمر يريده يفعله بلا مانع ومعارض فإنما أمره إذا أراد شيئاً فإنـما يقول له كن فيكون.

ومن صفاته أيضاً أنه ذو قدرة ومشيئة، فمن تـمام صفاته نفوذ قدرته ومشيئته، فبقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبرهـا، وبقدرته يحي ويـميت ومع ذلك فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .

ومن صفاته أنه متكلم وكلامه تعالى صفة من صفاته الذاتية المتعلقة بمشيئته فهو يتكلم بما شاء كيف شاء في أي وقت شاء فلم يزل متصفاً بها ولا يزال كذلك، فإياك يا مسلم أن تنفي هذه الصفة العظيمة لله صفة الكلام كما نفاها المنحرفون.

 

فصل في الإيـمان بالقرآن

كلام الله حروفه ومعناه

43ـ وآمن بأن الحق جل جلاله

44ـ وما قد حوته الدفتان كلامه

45ـ وأولـه فالحمد والناس ختمه

46ـ وقالته زوج المصطفى الطُّهر عائشٌ

47ـ وما فيه حق من يكن فيه ناقصاً

48ـ بتكفيره قال الأفاضل يا فتى

49ـ على ذلك الإجماع من كل مسلم

***

تكلم بالقرآن أشرف نازل

يقينا به جاءت صحاح الدلائل

كما قاله الأسلاف من كل فاضل

وذلك عنها صح عن نقل ناقل

وما زاد حرفاً عامداً غير عاقل

فلا تك مغتراً بقول الأجاهل

حكاه عياض والنواوي فقابل

الشـرح:

في هذه الأبيات يوضح الناظم رحمه الله عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن فهو كلامه سبحانه وتعالى منزل غير مخلوق. منه بدأ وإليه يعود وأنه لا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عن كلام الله كما قاله بعض الطوائف  المنحرفة كالأشاعرة  والكلابية .

وقوله رحمه الله ( يقيناً به جاءت صحاح الدلائل)

أي جاءت النصوص المستفيضة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة من الصحابة  وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين على أن كلام الله تعالى ثابت يتكلم متى شاء كيف شاء. فمن أدلة ذلك قولـه تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ}([34]). وقولـه:{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ}([35]).

وقد جاء عنه ﷺ أنه كان يقول في خطبة الحاجة (إن أحسن الكلام كلام الله)([36]). أما حد القرآن فهو سورة الفاتحة إلى سورة الناس وبهذا قال السلف الأفاضل رضوان الله عليهم قال في المغنى (فإنه – يعني القرآن – بين دفتي المصحف بإجماع المسلمين)([37]).

وقولـه (وقالته زوج المصطفى الطهر عائشٌ)، أي أنها قالت بأن (ما بين دفتي المصحف كلام الله)([38]).

وفي الأبيات (السابع والأربعين والثامن والأربعين والتاسع والأربعين) بيانُ حكم من زاد حرفاً أو نقص حرفاً من القرآن فهو في الحقيقة  غير عاقل بل حكم عليه بالكفر، وقد جاء الإجماع بذلك يعني كفر من زاد حرفاً أو نقص حرفاً متعمداً في كتاب الله تعالى.

 

فصل في الاستواء بلا كيف ولا تشبيه

50ـ وآمن بأن الله فوق عباده

51ـ بسورة ملك آيتان كلاهما

52ـ وفي سجدةٍ مَعْ فاطرٍ ثم فصلت

53ـ ولو لم يكن إلا عروج محمد

***

بلا جهة تحويه لا رأي عازل

تدل بأن الله فوق السما علي

وفي أول الأولى وسورةِ سائلِ

لكان به إدحاض كل مجادل

الشـرح:

من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة علو الله على خلقه بأنواعه الثلاثة علو القدر وعلو القهر وعلو الذات ولذا قال المؤلف (وآمن بأن الله فوق عباده) أي ليس حالاً في خلقه كما زعمه الزاعمون من الملاحدة وغيرهم وليس موجوداً في كل مكان كما زعمت الأشاعرة وبعض الفرق الضالة بل هو (فوق عباده) بائن من خلقه .

وقوله (بلا جهة تحويه لا رأي عازل) أي لا تحويه جهة من الجهات الست كسائر المخلوقات أما باعتبار إثبات جهة العلو فهذا ثابت بأدلة الكتاب والسنة وإجماع السلف ولذا جاء المؤلف رحمه الله بعد إثبات علوه على خلقه بقوله هذا لا يظن به بأنه تحيطه المخلوقات .

وقوله ( بسورة ملك آيتان كلاهما … )

المراد هنا قولـه تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}([39]).

وقولـه: (وفي سجدة مع فاطر ثم فصلت وفي أول الأولى([40]) وسورة سائل)، أما في سورة السجدة ففي قولـه تعالى:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ }([41]).

أما في سورة فاطر ففي قولـه تعالى:{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ}([42]).

أما في سورة فصلت ففي قولـه تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}([43]).

أما في سورة الأعلى ففي قولـه تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}([44]).

أما في سورة  المعارج ففي قولـه تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}([45]).

 

54ـ ومنها استواء الله جل جلاله

55ـ ومنها نزول الله في كل ليلة

56ـ فيأتي سماء الناس يدعو عباده

57ـ فينزل ربي كيف شاء كما استوى

58ـ فيكشف عن ساق فيسجد مؤمن

***

على عرشه في سبع آيٍ دلائل

وفي نصف شعبانٍ فياحب نازل

ألا من منيب تائب لي وسائل

ويأتي لفصل الحكم سبحان فاصل

تعوده في سالفات الأوائل

الشـرح:

وكذلك من أصول أهل السنة والجماعة التي يجب عليك الإيمان بها استواء الله على عرشه فإذا أثبت لله تعالى الفوقية فأثبت لـه أيضاً استوائه على عرشه استواء يليق به سبحانه من غير تحريف ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل. ولما خالف من خالف من الفرق الضالة المنحرفة طريقة السلف رحمهم الله في استواء الله على عرشه نبه المؤلف رحمه الله المدعو إلى هذا الأصل العظيم.

وقولـه (في سبع آي دلائل) هذه الآيات السبع واردة على النحو التالي:

أولاً: في سورة الأعراف في قولـه تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ([46]).

ثانياً: في سورة يونس في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ([47]).

ثالثاً: سورة الرعد في قولـه تعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}([48]).

رابعاً: سورة طه في قولـه تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}([49]).

خامساً: سورة الفرقان في قولـه تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ}([50]).

سادساً: سورة “الم” السجدة في قولـه تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}([51]).

سابعاً: في سورة الحديد في قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } ([52]).

وقولـه: ( وفيها نزول الله في كل ليلة  ***  وفي نصف شعبان فيا حب نازل )

أما حديث نزوله في كل ليلة فقد رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:(ينـزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخر فيقول: من يدعونـي فأستجيب لـه من يسألني فأعطيه من يستغفرنـي فأغفر لـه)([53]).

أما حديث النصف من شعبان فقد رواه ابن أبي عاصم في السنة وابن حبان والإمام أحمد وغيرهم عن النبي ﷺ قال:(يطلع الله تبارك و تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا المشرك أو مشاحن)([54]).

وقوله رحمه الله تعالى:(فينزل ربي كيف شاء كما استوى ***  ويأتي لفصل الحكم سبحان فاصل)

أي ينزل ربنا سبحانه وتعالى بكيفية لا يعلمها أحد كاستوائه على عرشه فكما أنا لا نعرف كيفية استوائه فكذلك لا نعلم كيفية نزولـه ونمر هذه الآثار التي جاءت في الاستواء والنزول وغيرها من الصفات كما جاءت لا نحرف ولا نشبه ولا نمثل ولا نعطل .

وقوله ـ رحمه الله تعالى ـ (ويأتي لفصل الحكم سبحان فاصل).

أي يأتي إتياناً يليق به سبحانه وتعالى يوم القيامة للفصل بين عباده كما قال ربنا سبحانه وتعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} ([55]).

وقولـه تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ}([56]). وقد خالف أهلُ التحريفِ والتعطيلِ أهلَ السنة والجماعة في هذه الصفة أي صفة المجيء لله سبحانه وتعالى فمنهم من ينفي هذه الصفة تماماً فيقول لا يأتي ومنهم من يحرفها عن المعنى المراد فيقول جاء أمر ربك أو أتى أمر ربك فينفي المجيء وهذا باطل و مخالف لصريح القرآن والسنة .

وقوله رحمه الله : (فيكشف عن ساق فيسجد مؤمن  ***  تعوده في سالفات الأوائل)

أي يكشف الرب سبحانه وتعالى عن ساقه يوم القيامة فيعرفه المؤمنون بذلك فحينئذٍ  يسجدون لله سبحانه وتعالى دليل ذلك ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:(يكشف ربنا عن ساقه فيسجد لـه كل مؤمن ومؤمنه ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً)([57]).

وفي الحديث إثبات صفة الساق للرب سبحانه وتعالى وأنه لا يجوز نفيها ولا تأويلها بتأويلات باطلة .

 

59ـ وكلٌّ سيفنى والبقاء لوجهه

60ـ وآدم خَلْقٌ باليدين لربنا

61ـ يدان هما مبسوطتان بجوده

62ـ وكلتاهما يمنى بذلك صَرَّحت

63ـ ويطوي السماوات العلى بيمينه

***

ففي سورة الرحمن خير الدلائل

فنال على إبليس أعلى المنازل

بإنفاق أرزاق و إغناء عائل

أحاديث لا تخفى على كل عاقل

وقبضته الأرْضِين يوم الزلازل

الشـرح:

هذه الأبيات جمعت بين أمور عدة: ففي البيت التاسع والخمسين :

أن الخلائق جميعاً ستفنى ولا يبقى إلا رب العالمين ودليل ذلك في سورة الرحمن {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ([58]).

إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى، والوجه معلوم أما كيفيته فهي مجهولة لا نعلمها كسائر صفات الباري سبحانه وتعالى، وقد خالف أهلُ التحريف والتعطيل والمعتزلة والجهمية والأشاعرة وغيرهم أهلَ السنة والجماعة في إثبات الوجه وأوّلو الوجه في الآية إلى الثواب أي ويبقى ثواب الله وهذا تحريف  للكلم عن مواضعه لأنه مخالف لظاهر القرآن ومخالف لإجماع السلف .

ـ أما في البيت الستين إلى الثالث والستين:

1- فضل آدم عليه الصلاة والسلام حين خلقه الرب سبحانه وتعالى بيديه وهذا تشريف لآدم عليه الصلاة والسلام.

2- أن آدم عليه الصلاة والسلام أعلى في المنازل من إبليس الذي ظن بنظره القاصـر أنه أفضل من آدم، وهذا زعم باطل، لأن الله أنكر عليه بعدم سجوده لآدم بقولـه: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ}([59]).

3- في هذا البيت أيضاً إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به ويقال فيها كما قلنا في إثبات الوجه، وتأويل اليد إلى القدرة ونحوه هذا من تحريف الكلم عن مواضعه و مناقض لما جاء في الكتاب والسنة .

4- إن هاتين اليدين مبسوطتان فهو يجود بهما على خلقه وذلك بالإنفاق عليهم من رزقه وإغناء من يشاء من عباده ، وفي هذا رد على اليهود ـ قبحهم الله ـ حين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }([60]).

5- أن يدي الله سبحانه وتعالى كلتاهما يمين كما جاء في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم )([61]).

6- أنه سبحانه هو القوي المتين الذي لا يعجزه شيء، ومن تمام قوته وجبروته عز وجل أنه يطوي السماء يوم القيامة بيمينه وكذا الأرضون في قبضته كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}([62]).

وجاء في صحيح البخاري عن ابن عمر و أبي هريرة رضي الله عنه قال: (يطوي الله تعالى يوم القيامة السماوات بيمينه والأرضون بيده … ) الحديث([63]).

 

64ـ وأن قلوب الخلق بين أصابعٍ

65ـ وما جاء في العينين مَعْ قَدمٍ له

66ـ وما جاء في حبٍ وبغضٍ ومن رضا

67ـ عن النفي والتعطيل جلت صفاته

68ـ فليست صفات الله تدركْ كذاته

69ـ فآمن بلا كيف بها مثل ما أتت

***

يقلبها ربي  فسبحان فاعل

وما جاء في معناهما من مشاكل

وسخط وما قد صح من نقل ناقل

ومن كل تخييل ببالك جائل

تعالت وجلت عن شبيهٍ مماثل

فهذا سبيل الراسخين الأفاضل

الشـرح:   

ما زال المؤلف رحمه الله يرشد المسلم إلى اعتقاد أهل السنة والجماعة ويدل عليه ويبين له الطريق الموصل إليه، فبعد أن ذكر بعض صفات الباري سبحانه وتعالى كصفة الوجه واليدين وغير ذلك هنا في هذه الأبيات يذكر أيضاً بعض الصفات التي تثبت لله سبحانه ومن هذه الصفات:

في البيت الرابع والستين :

1- إثبات صفة الأصابع لله سبحانه وتعالى وقد جاءت السنة المطهرة بذلك ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف شاء) ثم يقول رسول الله ﷺ: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك )([64]).

2- وفي البيت الخامسِ والستين إثبات العينين لله سبحانه وتعالى وكذلك القدم وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بإثبات ذلك ففي إثبات العينين.

قال الله تعالى:{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}([65]). {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ }([66]){وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي }([67]).

وقد خالف أهلُ التحريفِ والتعطيل معتقدَ أهلِ السنة والجماعة في ذلك ففسروا العين بالرؤية فقالوا في قولـه تعــالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي بروية منا ولكن لا عين.

وهذا تفسير باطل من جميع الوجوه فإن دلالة القرآن و السنة تثبت للباري جل وعلا هذه الصفة ولكن أَبَى أهلُ التعطيل والتحريف إلا الضلال – نعوذ بالله من ذلك -.

ومن صفات الله تعالى صفة القدم أو الرجل وهذا أيضاً ثابت لله تعالى أيضاً على الوجه اللائق به ففي صحيحي البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:(لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها رجله) ـ وفي رواية (عليها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض فتقول قط قط)([68]).

فهذا دليل واضح بين في إثبات صفة القدم لله سبحانه وتعالى وخالف الأشاعرة وأهل التحريف أيضاً في إثبات هذه الصفة وأوَّلوها عن المعنى المراد. فقالوا في قولـه ﷺ: (يضع عليها رجله) يعني طائفة من عباده مستحقين للدخول وقالوا في قولـه (عليها قدمه) أي من يقدمهم إلى النار وهذا بلا شك تأويل باطل وتحريف للكلم عن مواضعه.

فالأصل أنه يجب علينا أن نؤمن بهذه الصفات يعني صفة القدم أو الرجل لله تعالى بلا تكييف ولا تـمثيل فإنه سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([69]).

وقولـه رحمه الله (وما جاء في معناهما من مشاكل) أي ما جاء في معنى العين والقدم كالبصر والرجل والساق .

3- في البيت السادس والستين:

بعد أن انتهى المؤلف رحمه الله من بيان بعض صفات الرب سبحانه وتعالى الذاتية انتقل إلى بيان بعض صفاته الفعلية أي المتعلقة بمشيئته سبحانه وتعالى، فمن هذه الصفات:

صفة الحب والبغض والرضا والسخط فقد جاءت بها نصوص القرآن الكريم:

فقال في صفة الـمحبة:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}([70]). {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ([71]). {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ([72]). {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}([73]).

أما أدلة إثبات صفة البغض لله سبحانه ففي قولـه تعـالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ}([74]). فمعنى آسفونا أي أغضبونا وقولـه صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى إذا أبغض عبداً نادى جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه)([75]).

أما صفة الرضى ففي قولـه تعالى:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ([76]).

وفي صفة السخط قولـه تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ}([77]).

فهذه بعض الأدلة في إثبات هذه الصفات الفعلية التي أثبتها الله تعالى لنفسه .

وقد نبه المؤلف على ذلك لأن هناك من لم يكتف بنفي الصفات الذاتية لله تعالى بل نفوا كذلك الصفات الفعلية وأولوها عن المراد فقالوا في صفة الرضا إرادة الإنعام وفي السخط إرادة الانتقام وهكذا في باقي صفات الأفعال.

ولذلك حذر المؤلف وأراد أن يبين مسلك أهل السنة في ذلك وهو إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى.

4- وفي الأبيات ( السابع والستين والثامن والستين والتاسع والستين) :

أراد الناظم ـ رحمه الله ـ أن يحذر المدعو من معتقد أهل التحريف والتعطيل من النفاة والمعطلة وأهل التخييل وغيرهم .

فكأنه يقول احذر يا من سلكت مسلك أهل السنة أن تكون من هؤلاء لأن صفات الله كذاته فالقول في الصفات كالقول في الذات فآمن بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله بلا كيف، فهذا منهج الراسخين الأفاضل من سلف الأمة ومن سار على نهجهم .

 

فصل في رؤية الله تعالى

70ـ و أن جميع المؤمنين يرونه

71ـ وجوه نضيرات و تنظر ربها

72ـ و يحجب عنها الكافرون ومن لها

73ـ بها نُزِّلَ القرآن والسنة التي

***

كرؤية بدر التّمِّ من غير حائل

بجنته في محكمات الدلائل

غدا منكراً يا ويله من معاضل

رواها ثقات الراسخين الأوائل

الشرح:

1- بيَّن المؤلف رحمه الله تعالى في هذه الأبيات معتقد أهل السنة والجماعة في رؤية الباري جل وعلا في الآخرة وأنها ثابتة للمؤمنين بنص الكتاب والسنة والنصوص فيها قطعية الثبوت والدلالة ولذا قال ابن القيم رحمه الله :

مما تـواتر حــديث مـن كـــذب

ورؤية شـفــاعــــة الحــوض

***

ومـن بنى لله بيتـا واحتـســب

ومســح خـفـيـن وهـذى بعـض

فأحاديث الرؤية متواترة ولا ينكرها إلا ضال مضل جاحد لثبوتها.

2- ففي الكتاب العزيز قال تعالى في إثباتها: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ([78]). وقال:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} ([79]).

ففي هذه الآية دليل على ثبوت رؤية المؤمنين لربهم بدليل تفسير النبي ﷺ فقد روى مسلم في صحيحه عن صهيب قال قرأ رسول الله ﷺ {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}، قال:(إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ وأهلُ النارِ النارَ نادى مناد: يا أهل الجنة: إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة)([80]).

وهذا تأييد لما ذكره المؤلف رحمه الله في البيت (الحادي والسبعين) .

3- أما في البيت (الثاني والسبعين):

دليل ما ذكره قوله سبحانه وتعالـى في عقابه للفجار {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ([81]). فقد احتج الإمام الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة بهذه الآية على الرؤية لأهل الجنة ولذا قال الشافعي رحمه الله: “لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا”([82]).

4- وفي البيت (السبعين) دليل ما قاله المؤلف رحمه الله ما رواه البخاري ومسلم  عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أناساً قالوا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله ﷺ : هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك)([83]). ومنها حديث جرير بن عبدالله البجلي حيث قال: كنا جلوساً مع رسول الله ﷺ: فنظر إلى القمر ليلة أربع عشر، فقال: إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا لا تضارون في رؤيته)([84]). والحاصل أن الأحاديث في ثبوت رؤية المؤمنين ربهم كثيرة وقد بلغت عن نحو ثلاثين صحابياً ومع كثرة هذه الأدلة، إلا إن أهل الزيغ والانحراف من الجهمية والمعتزلة وغيرهم أنكروا ثبوت رؤية المؤمنين لربهم بأدلة عارية من الاستدلال لبس عليهم الشيطان فيها فأغواهم نعوذ بالله من الكفر والضلال.

5- ولما كانت أدلة ثبوت الرؤية ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة وسلف الأمة حكم بعض أهل العلم منهم الإمام أحمد رحمه الله على تكفير من أنكر رؤية الله تعالى وذلك لأن أدلتها قطعية الثبوت كما بينا ذلك ([85]).

 

فصل في الإيـمان بالقــدر

74ـ وآمن بأقدار الإله جميعها

75ـ فما أخطأ الإنسان ليس يصيبه

76ـ وما شاءه الرحمن لابد كائن

77ـ وقدَّر أفعال العباد بأسرها

78ـ وقَدَّرَهَا تجري على وفق علمه

79ـ وأفعالهم خلق لـه وهي كسبهم

80 ـ ولـم يَكُ للعصيان والكفر راضياً

81 ـ ولاتك محتجاً بأقداره على

82 ـ فحجته قامت بإنزال كُتْبِه

83 ـ و لم يأمر العاصي ولم يك مجبراً

***

وسلم لها واحذر تكون المجادل

وما صابه قطعاً فليس بزائل

وما لم يشأ من أمره غير حاصل

وأحصى لها كُتْباً فسبحان فاعل

من الكفر و الإيمان من حكم عادل

لأن بها يلقى الجزا كل عامل

ولكنه يرضى جميل الفعائل

معاصيه مثل الجاهل المتكاسل

وبعثته رسلاً أتوا بالرسائل

لعبد على فعل الذنوب القواتل

الشـرح:

انتقل المؤلف ـ رحمه الله ـ إلى بيان الركن السادس من أركان الإيمان وهو الإيمان  بالقضاء والقدر ففي هذه الأبيات يقدم النصيحة لمن كان على مذهب أهلِ السنةِ والجماعةِ في وجوب الإيمان بالقضاء والقدر وكيفية الإيمان والتحذير من سلوك أهل الزيغ و الضلال فيه .

ففي البيت ( الرابع والسبعين ) :

يحث الناظم ـ رحمه الله ـ المدعَو إلى الإيمانِ بأقدار الإله سبحانه وتعالى كلها أي خيرها وشرها مع التسليم لهذه الأقدار دون اعتراض على ما يصيبه منها كما فعلت الجبرية والقدرية وغيرهم من الفرق الضالة .

وفي البيت ( الخامس والسبعين ):

فيه حثُّ المدعو على عدم الجزع فإن ما يصيب الإنسان بقضاء الله وقدره كما قال ﷺ لابن عمه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما:(واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)([86]). أي ما قدر للإنسان أن يصيبه فإنه لن يخطئه أو ما أصابه بالفعل لا يمكن أن يخطئه وهذا كله فيه اطمئنان للإنسان حتى يقبل أقدار الله بالرضا والتسليم.

وفي البيت ( السادس والسبعين ) :

فيه إثبات مشيئة الرب سبحانه و تعالى وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن فما في الأرض  من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى دليل ذلك قولـه تعالى:{فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}([87]). وقولـه:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}([88]). وقولـه:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا}([89]). ففي هذه الآيات وغيرها من الآيات الأخرى دليل على أن أفعال العباد متعلقة بمشيئته وقدرته، بل هي تحت مشيئة الله وتابعة لها لا تخرج عنها قدر أنملة قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ([90]).

وفي البيت ( السابع والسبعين ) :

يوضح المؤلف أن الله تعالى قدَّر أفعال العباد من خير وشر بأسرها كما قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}([91])، وقوله:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}([92]). فالله جل وعلا خالق العبد وخالق عمله.

فالمهم أنه يجب على كل مسلم أن يؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء حتى أفعال العباد والآيات الدالة على هذا كثيرة لا تحصى.

وقد جاءت نصوص السنة أيضاً بإثبات ذلك كما جاء في حديث أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حيث قال حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك إلى قولـه ثُم يرسل إليه ملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد..) الحديث([93]).

وقولـه رحمه الله (وأحصى لها كتباً فسبحان فاعل) أي أحصى لأفعال العباد كتباً هذه الكتب مليئة بكل ما جناه العبد في دنياه كما قال تعالى:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } ([94]).

وقولـه ﷺ:(أول ما خلق الله القلم، قال اكتب قال وما اكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)([95]).

وفي البيت ( الثامن والسبعين ) :

يبين المؤلف رحمه الله أن أفعال العباد أي ما يقوم به العبد من إيمان وكفر وطاعة ومعصية وسنة وبدعة وصلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها من أعمال بني آدم كلها بتقدير الله تعالى وهي تجري وفق علمه فهو علمها وقدرها بخلاف ما يدعيه الجبرية (القدرية) الذين نفوا علم الله بالأشياء قبل وقوعها فقد قالت القدرية إن الله لا يعلم بهذه الأمور الصادرة من بني آدم إلا بعد وقوعها منهم وهذا كفر وضلال ولهذا نبه المؤلف رحمه الله إلى هذا الأمر. 

وفي البيت (التاسع والسبعين) :

يوضح المؤلف رحمه الله ما ذكرناه آنفاً وهو أن أفعال العباد من خلقه سبحانه وتعالى ولكنه يضيف في هذا البيت أمراً مهماً وهو أن هذه الأفعال الصادرة من بني آدم هي من كسبهم وعليها سيحاسبون ولا يجوز لأحد منهم أن يحتج بأن الله كتب هذه الأشياء عليهم فيحتجون بالقدر على المعاصي والكفر كما احتج إبليس بذلك .

فالطاعات هي من كسب الإنسان والمعاصي كذلك هي من كسبه والله تعالى سيحاسب العباد على كسبهم لا على كتابته وعلمه ولذلك قال لأهل الجنة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ([96]).  أي بكسبكم لا بعلمنا وكتابتنا.

وفي البيت ( الثمانين ) :

يبين المؤلف رحمه الله أمراً مهماً قد يقذفه الشيطان في قلوب بعض الناس وهو أن الله تعالى خالق الإيمان والكفر والخير والشر فهل يعني ذلك أنه خلق الكفر والفسوق والعصيان وغيرها من الأمور التي نهى عنها هل يعني ذلك خلقها ورضيها . فوضح الإجابة بأن الله تعالى خلق هذه الأشياء التي يبغضها مع عدم رضاه عنها كل ذلك ابتلاء وامتحان كما قال تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}([97]). وقد قال في معرض عدم رضاه عن ذلك {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ }([98]). فلم يرض بالكفر ورضي بالشكر .  

وفي البيت ( الحادي والثمانين ) :

بيَّن فيه المؤلف للمدعو أمراً مهماً وهو أنه إذا وقع بمعصية ما لا يحتج بأقدار الله على معاصيه ويقول بأن الله قدرها عليّ ثم يستمر على معصيته وهذا أجهل الجهل بل هو ما قالت به الجبرية فقد قالوا بأن العبد لا يلام على ما قدر عليه . فالحاصل أن العبد إذا وقع في المعصية يعلم أنها بتقدير الله تعالى عليه لكن لا يحتج بالقدر على لزومه للمعصية بل عليه أن يستغفر ربه ويتوب إليه ولا يسلم للمعاصي محتجاً بقدر الله عليه .

وفي البيت ( الثاني والثمانين ) :

يوضح فيه أن الله تعالى قد أقام الحجة على خلقه بإنزال الكتب وإرسال الرسل إذ لو كان الإنسان مجبوراً على الكفر مجبوراً على المعصية وغيرها من الأمور الشريرة لما كان هناك حاجة لإرسال الرسل وإنزال الكتب فالله تعالى أنزل الكتب وأرسل الرسل {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}([99]).

وفي البيت ( الثالث والثمانين ) :

يبين فيه المؤلف رحمه الله أن الله تعالى حينما عصاه العاصي لم يكن آمراً بهذه المعصية التي جنتها يده ولم يكن أجبره عليها كما ادّعته القدرية والجبرية بل للعبد مشيئته وجعل الله تعالى لـه اختيار فهو الذي يختار المعصية وهو الذي يختار الوقوع في الذنب قال تعالى:{ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } ([100]).

 

فصل في الإيمان يزيد وينقص وهو قول وفعل

84 ـ وإيماننا قول وفعل ونية

85 ـ يزيد مع الطاعات والعلم والتقى

86 ـ ويجمعه بضع وسبعون شعبة

87 ـ ورفع الأذى في الطُرْق أدنى شعابه

88 ـ وفي اللغة الإيمان تصديق جازم

89 ـ وإسلامنا استسلام تابع أمرنا

90 ـ كما قالت الأعراب في الحُجُرات من

***

تضمنه الوحيان عند التفاضل

وينقص بالعصيان فعل الأراذل

وأعلاه فالتوحيد خير الوسائل

ومنه الحيا والصبر عند التحامل

ومصداقه قد جاء في نص ما ُتلي

لأحكامنا ينقاد شاهدها جلي

دواعي ذوي البدو الغواة الأجاهل

الشـرح:

في هذه الأبيات ذكر الناظم ـ رحمه الله ـ تعالى عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان فبين أنه يزيد وينقص يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وهو يعنى الإيمان قول وفعل ونية وهو اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة .

ففي البيت ( الرابع والثمانين ) :

ذكر المؤلف أن الإيمان قول وفعل ونية جاء ذلك مصرحاً به في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ وهذا هو مراده بالوحيين والمراد بالقول هنا قول اللسان والقلب والعمل به عمل القلب واللسان والجوارح فقول اللسان المراد به النطق بالشهادتين وقول القلب اعترافه وتصديقه أما عمله فالمراد به الأعمال القلبية مثل الإخلاص والرجاء والتوكل والخوف والصبر وغيرها من الأعمال القلبية، أما الجوارح فهي كالركوع والسجود والقيام وغير ذلك من العبادات التي تقوم بها الجوارح .

دليل ما ذكرناه حديث جبريل عليه والسلام المشهور وفيه قال أخبرني عن الإيمان قال:(الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)([101]). فهذا هو قول القلب .  

أما عمل القلب فدليله قوله ﷺ :(الإيمان بضع وسبعون شعبة وفي رواية وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان)([102]). فهذا هو قول اللسان وعمله وعمل الجوارح، أما الحياء فهو عمل قلبي فهو تعبير عن انكسار يصيب الإنسان ويعتريه عند وجود ما يستلزم الحياء.

وفي البيت ( الخامس والثمانين ) :

ذكر المؤلف شيئاً من لوازم الإيمان ومن مقتضياته وذلك بأنه يزيد وينقص ثم بين أسباب  زيادة الإيمان وهي الطاعات والعلم النافع والعمل الصالح النابع عن تقوى الله تعالى وبين أيضاً أسباب نقصان الإيمان المتمثلة في عصيان الرب سبحانه وتعالى بفعل المنهيات وارتكاب المحرمات وما ذكره المؤلف من زيادة الإيمان ونقصانه أصل من أصول أهل السنة والجماعة جاءت بذلك نصوص الكتاب والسنة فمن نصوص الكتاب قولـه تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}([103]).

وقولـه: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً}([104]).

وقولـه: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً}([105]).

وقولـه: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}([106]).

وقولـه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ}([107]).

وقولـه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ([108]).

أما من السنة فقد وصف النبي ﷺ  النساء بنقصان العقل والدين ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:(يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار..) وذكر الحديث وفيه (ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذي لُبٍّ منكن)([109])فأثبت ﷺ في هذا الحديث نقصان الدين.

والأحاديث في زيادة الإيمان ونقصانه كثيرة ولذا كان معتقد أهل السنة والجماعة هو القول بزيادة الإيمان ونقصانه وكان على رأس من اعتقد هذا المعتقد من سلف الأمة صحابة النبي ﷺ، فقد روى ابن أبي شيبة أن عمر رضي الله عنه كان يقول لأصحابه: (هلموا نزدد إيماناً فيذكرون الله عز وجل)([110]) وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: (اللهم زدنا علما ويقينا وفقها)([111]) ، وكان معاذ رضي الله عنه يقول لرجل: (اجلس بنا نؤمن ساعة)([112]) ، وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال:(ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: إنصاف من نفسه والإنفاق من الإقتار وبذل السلام للعالم)([113]).

فهل بعد ذكر هذه النصوص يحق لأحد أن ينكر زيادة الإيمان ونقصانه كما فعلت ذلك بعض الفرق المنحرفة كالمرجئة ومن اعتقد مذهبها الخبيث في هذه الفترة ممن يرجئون الأعمال عن مسمى الإيمان ويقولون بأنه يكفر الإقرار بالشهادة، بل ويجعلون إيمان العصاة وغيرهم كإيمان جبريل عليه السلام  وسائر الملائكة .     

وفي البيتين (السادس والثمانين والسابع والثمانين ):

يوضح الناظم رحمه الله أن الإيمان جمع في بضع وسبعين شعبة وأعلى هذه الشعب هو التوحيد وأدنى شعب الإيمان هو إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعبه بل كذلك الصبر عند التحامل .

دليل ذلك ما ذكرناه آنفاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:(الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)([114]). وهذا لفظ مسلم وللبخاري بلفظ (الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان)([115]).

وفي البيت ( الثامن والثمانين ):

ذكر المؤلف تعريف الإيمان في اللغة بأنه التصديق الجازم مصداق ذلك ما جاء في القرآن العظيم وذلك في قوله تعالى في سورة يوسف {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}([116]).

فجعل الإيمان هنا هو التصديق. ولاشك أن القول بأن الإيمان هو مجرد التصديق خطأ بل الإيمان يكون تصديقاً وموافقة وموالاة وانقياداً وغيرها من معاني الإيمان التي تستلزم العمل لا مجرد التصديق.

وفي البيتين ( التاسع والثمانين والتسعين):

يفرق فيهما المؤلف بين الإسلام والإيمان فبعد أن بين الإيمان ولوازمه بين أن الإسلام هو الاستسلام التابع لأحكام وأوامر الله تعالى فإن من آمن بتصديق جازم يلزمه الانقياد لهذا الإيمان وهو الإسلام لأن الإسلام جزء من مسمى الإيمان .

ولما ادعت الأعراب الإيمان أنكر الله تعالى عليهم ذلك فقال :{ قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ([117]).

ففرق الله تعالى بين الإيمان والإسلام فإن الإيمان هو الأعمال الباطنة والإسلام الأعمال الظاهرة فكون الإنسان يأتي بالأعمال الظاهرة كالصلاة والحج والزكاة وغيرها من أعمال الإسلام ليست دليلاً على ثبوت الإيمان له.

  

فصل في أركان الإسـلام

وأن الصلاة ثانية الأركان

91ـ وأركان دين الله بالنص خمسة

92- رواه البخاري في الصحيح ومسلم

93- فمن بعد توحيد الإله فريضة

94- وفي ليلة الإسراء قد كان فرضها

95- وحُدّت بأوقات لها ليس تختفي

***

أتت في صحاح النقل عن كل ناقل

وكل إمام عمدة للأماثل

هي الصلوات الخمس أعلى الفضائل

على خير خلق الله ختم الرسائل

على كل ذي لب من الله واجل

الشـرح:

بعد أن انتهى الناظم رحمه الله من بيان عقيدة أهل السُنة والجماعة انتقل إلى بيان أركان الإسلام فبدأ بما بدأ به النبي ﷺ يعني بالصلاة فإن النبي ﷺ في جل أحاديثه عند بيان شيئاً من الإسلام تراه يبدأ بها.

ففي البيتين (الحادي والتسعين والثاني والتسعين):

ذكر المؤلف أن أركان الإسلام خمسة جاءت بذلك نصوص السنة ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)([118]). وكذلك في حديث جبريل المشهور وفيه أخبرني عن الإسلام قال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)([119]).

وفي البيت (الثالث والتسعين):

بيَّـن المؤلف رحمه الله تعالى عظم الصلوات الخمس فإنها جاءت بعد التوحيد يعني شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبذلك أصبحت ثاني أركان الإسلام ولذا حق لها أن تعتبر أعلى الفضائل والآيات والأحاديث التي وردت في فضلها كثيرة جداً فمن ذلك قوله تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}([120]).

ومن الأحاديث ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء) قالوا: لا يبقى من درنه شيء قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا)([121]).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي ﷺ فأخبره فأنزل الله تعالى:{وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}([122]). فقال الرجل ألي هذا؟ قال لجميع أمتي كلهم)([123]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر)([124]).

ومن ذلك أيضاً ما رواه مسلم من حديث عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  ﷺ يقول:(ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله)([125]). فحري فبمن قرأ هذه النصوص أو علم بها أن يهتم بشأن ثاني أركان الإسلام يعني الصلاة.

وفي البيت (الرابع والتسعين):

ذكر المؤلف مكان ووقت فريضة الصلوات الخمس فقد فرضت ليلة الإسراء يوم أن أسري بالنبي ﷺ وعرج به إلى السماء الدنيا بعد عشر من البعثة ففرضت الصلاة عليه خمسون صلاة ثم خففها الله عز وجل إلى خمس كما تواترت النصوص بذلك. ففي البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث المعراج قال النبي ﷺ ففرض الله على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال لي موسى: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجعت وراجعت ربي فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى قلت وضع شطرها فقال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فوضع شطرها. فرجعت إليه فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فرجعت فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك، فقلت: قد استحيت من ربي) الحديث([126]).

وفي البيت (الخامس والتسعين):

يوضح الناظم رحمه الله أن الصلوات الخمس حددت بأوقات هذه الأوقات لا تخفى على كل ذي لب أي عقل مسلم كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} ([127]).

 

96ـ فحافظ عليها في أداء شروطها

97ـ ومن يسرق الأركان بئست فعاله

98ـ أقام لدين الله من قد أقامها

99ـ فواظب عليها في الجماعات إنها

100ـ وآخر مفقود من الدين فعلها

***

وأركانها والواجبات الكوامل

وأعطي من وفّى كريم المنازل

وهادمها مهدوم دين فقاتل

عماد لهذا الدين فاسمع لما تلي

فـمـا بعـدها ديــن لساه وغافـل

الشـرح:

في البيت (السادس والتسعين):

ينبه المؤلف رحمه الله تعالى المدعو على أمر مهم وهو المحافظة على الصلوات وذلك لا يتم  إلا بأداء شروطها وأركانها وواجباتها فمن شروطها دخول وقتها والطهارة من الحدث والنجس ومن أركانها القيام فيها والتحريمة يعني تكبيرة الإحرام والفاتحة والركوع والاعتدال عنه والسجود على الأعضاء السبعة والاعتدال من السجود والجلوس بين السجدتين والطمأنينة والتشهد الأخير وجلسته والصلاة على النبي ﷺ والترتيب والتسليم فهذه أركانها. أما واجباتها فهي التكبير في غير تكبيرة الإحرام وقول سمع الله لمن حمده وتسبيح الركوع والسجود وسؤال الله المغفرة مرة والتشهد الأول.

فهذه شروط الصلاة وأركانها وواجباتها التي ينبغي على المصلي مراعاتها.

وفي البيت (السابع والتسعين):

ذكر المؤلف أن هناك سرقة تحصل من المصلي في صلاته وهذه السرقة تتمثل في عدم أداءها على الوجه المطلوب شرعاً فلا يتم ركوعها ولا سجودها، دليل ما ذكره المؤلف ما رواه أحمد عن أبي قتادة قال: قال رسول الله ﷺ (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته). قالوا: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته قال: (لا يتم ركوعها ولا سجودها)([128]).

وفي البيت (الثامن والتسعين):

من أقام هذه الصلاة فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ولذا كان حقاً على الإمام أن يقتل من لم يؤدها وذلك لأنها أحد أركان الإسلام الخمس ومبانيه العظام كما قال ﷺ: (بني الإسلام على خمس)([129]). وذكر منها الصلاة أما كون من لم يقم بأدائها يقاتل فقد جاء عن النبي ﷺ ما يدل على ذلك ففي البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)([130]).

وفي البيت (التاسع والتسعين):

دعوة من الناظم بأن يحافظ على الصلوات في جماعة وذلك لأنها عماد الدين وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بوجوب أداء الصلوات الخمس مع الجماعة من ذلك قولـه تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}([131])، {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}([132]). وكون الرب سبحانه وتعالى أمر أن تؤدي في جماعة في حال الخوف دليل على وجوبها وأدلة القرآن الكثيرة. 

أما من السنة فقولـه ﷺ:(.. ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)([133]).

وفي البيت (المائة):

يذكر المؤلف أن الصلاة هي آخر مفقود من الدين وهذا لا شك إيذان بخراب العالم دليل ما قاله المؤلف قوله ﷺ: (لتنقضنّ عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة)([134]). وفي رواية من طريق آخر (أول ما يرفع من الناس الأمانة وآخر ما يبقى الصلاة ورب مصل لا خير فيه)([135]).

 

101ـ جماعتها مشروطة للتوادد

102ـ تضاعف فيها الأجر وهي جماعة

103ـ وجاحدها بالإتفاق  فكافر

104ـ  ولا قتل من قبل الدعاية فيهما

***

وإفشا سلام بيننا والتواصل

فزادت عن العشرين من خير مجزل

وعن أحمد التكفير للمتكاسل

به قال أهل العلم من كل عامل

الشرح:

في البيت (الواحد بعد المائة):

ذكر المؤلف بعض الحِكم التي من أجلها شرعت صلاة الجماعة ففيها تودد وإفشاء السلام وتواصل بين الأفراد والمجتمعات فمن خلال صلاة الجماعة تتعرف على المفقود من إخوانك فإن كان مريضاً زرته، وإن كان في ضيقة وهم فرجت عنه، وهكذا فهذه بعض الحكم التي من أجلها شرعت صلاة الجماعة.

في البيت (الثاني بعد المائة):

فيه بيان أجر صلاة الجماعة وذلك بأنها تفضل عن صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة ورد في ذلك نصوص منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله ﷺ: (صلاة الرجل في جماعة تضاعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً..)([136]). وفي رواية عند مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)([137]).

في البيت (الثالث بعد المائة):

فيه بيان حكم تارك الصلاة وأنه لا يخلو من حالتين:

الأولى: أن يتركها جاحداً لفرضيتها فهو كافر بالاتفاق وإجماع أهل العلم لإنكاره ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

الثاني: من لم يجحدها ولكنه تركها تكاسلاً مع إيمانه بفرضيتها وهذا محل خلاف بين الفقهاء فالإمام أحمد يرى كفره، وجمهور أهل العلم يرون عدم كفره، والمسألة فيها كلام طويل، من أراد الزيادة فيها فليرجع إلى كتب أهل العلم التي أُلفت في ذلك وقد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الصلاة فليراجع.

في البيت (الرابع بعد المائة):

إذا قلنا بكفر وردة من ترك الصلاة جحوداً وتكاسلاً فإنه يقتل بتركها، لكن قبل أن يقتل فإنه يدعى إلى أداءها فلا يقتل ابتداءً وإنما لابد من دعوته وتحذيره من سخط الله وعقابه وأنه إن لم يقم بفعلها سيقتل فإن أصر على ذلك قتل، وإن استجاب وقام بفعلها لا يقتل قال بذلك أهل العلم من كل عامل.

 

فصل في الزكاة المفروضـة

105ـ وأدِّ زكاة المال فرضاً فإنها

106ـ فكم ذكرت مقرونة بصلاتنا

107ـ وكم أتلفت للمال يوماً بمنعها

108ـ ولا تحسبن الباخلين بمنعها

109ـ يُطوقهم في الحشر ما بخلو به

110ـ وكم من يجئ يوم القيامة حاملاً

111ـ ومن بعد أن تحمى ستكوى جبينه

112ـ وجاحدها بعد الدعاية كافر

113ـ ومانعها إن كان صاحب شوكة

114ـ إلى أن يؤدي طائعاً أمر ربه

*** لثالثة الأركان حقاً لعامل

و قال بها خلوا سبيلاً لفاعل

كما كان حصناً دفعها من غوائل

لهم ذاك خير بل لهم شر حاصل

شجاعاً من الحيَّات بالسم قاتل

بعيراً وذا شاة فيا ويل حامل

وجنب وظهر ذا جزا كل باخل

له فاقتلن بالسيف والجمع قاتل

وإن لم يكن يجحدْ فبالسيف عامل

كفعل أبي بكر إمام الأفاضل

الشـرح:

بعد أن انتقل المؤلف رحمه الله في هذه الأبيات إلى الركن الثالث من أركان الإسلام وهو الزكاة بين مكانتها في الإسلام وعقوبة من بخل بها فلم يؤديها.

ففي البيت (الخامس بعد المائة):

يشير إلى كون الزكاة فرضاً فرضه الله تعالى وهي ثالث أركان الإسلام فيجب أن تؤدى وفق ما أمر الله به.

وفي البيت (السادس بعد المائة):

ذكر أن الزكاة جاءت مقرونة بالصلاة التي هي أعظم العبادات وهذا دليل على فضلها وفضل من أداها طيبة به نفسه، وإذا نظرت إلى القرآن وهو يتحدث عنها تجده قد جمع بينها وبين الصلاة في ثمانية وعشرين موضعاً وهذا دليل على الاتصال بين هاتين العبادتين المهمتين.

أما قوله رحمه الله (وقال بها خلـوا سبيلاً لفاعل) يشير إلى آية سورة التوبة في قولـه تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} ([138]).

وفي البيت ( السابع بعد المائة ) :

بين رحمه الله شؤم المعصية في منعها والضد بالضد وذلك لكونها حصناً لمال من أداها وهذا حق فقد قال ﷺ:(ما نقصت صدقة من مال)([139]). وقولـه ﷺ:(من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره )([140]).

وفي البيت ( الثامن والتاسع بعد المائة ) :

يشير إلى قولـه تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}([141]).

أما قول الناظم (شجاعاً من الحيّات بالسم قاتل):

يشير إلى قولـه ﷺ:(من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع لـه زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه ثم يقول أنا مالك أنا كنـزك) ثم تلا هذه الآية: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ..} الآية([142]).

وفي البيت (العاشر بعد المائة ) :

ينبه المؤلف إلى أمر خطير على مانع الزكاة وهو أنه بسبب بخله عن أداء صدقة الأنعام سيأتي وهو حاملها على كتفه يوم القيامة فياله  من عذاب أليم، ثم بعد ذلك لا ترحمه هذه الأنعام، قال ﷺ: (ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة  أكثر ما كانت قط وأقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها) الحديث([143]).

فأي عذاب وأي نكال أعظم من هذا العذاب هذا كله بسبب بخله عن أداء الأمر اليسير الذي طلب منه وهو أداء الزكاة التي فرضت عليه فعلى العاقل الذي سمع بهذا الحديث أن يبادر بأداء زكاة ماله قبل ألا ينفع دينار ولا درهم ولا شاة ولا بعير بل يتمنى ألا يكون له شيء من ذلك نسأل الله السلامة والعافية.

وفي البيت ( الحادي عشر بعد المائة ) :

فيه إشارة إلى قولـه تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}([144]). وقولـه ﷺ:(ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار..) الحديث([145]).

وفي الأبيات ( الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر بعد المائة):

بين في هذه الأبيات حكم تارك الزكاة فلا يخلو من حالتين:

الأولى أن يتركها جحوداً لفرضها وبلا عذر فإنه يدعى إليها مع بيان أمر الله بها فإن أصر على ذلك كفر ويقتل بجحوده إياها.

الحالة الثانية أن يمنعها مع عدم جحودها فإن كان صاحب شوكة فإنه يقاتل حتى يؤديها كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أن يؤديها طائعاً أمر الله تعالى.

 

فصل في الحج والصوم

115ـ ورابعها فالصوم والحج خامس

116ـ بذكرهما تمت قواعد ديننا

117ـ وَصُنْ لهما عن كثرة الفحش والأذى

118ـ ولا شك من يجحدهما فهو كافر

119ـ فمن شهد الشهر المُعظَّم فليكن

120ـ ومن شهر شوال فأتبعه ستة

121ـ ويوم وقوف الناس صمه فإنه

122ـ وصم يوم عاشورا احتساباً فإنه

123ـ وإن تستطع حج التطوع فافعلن

124ـ فمن حج بيت الله حطت ذنوبه

***

أداؤهما فرض على كل عاقل

بفعلهما بادر دواماً وعاجل

ولاتك ترفث فيهما أو تجادل

به صح عن كل الهداة الأماثل

من الصائمين القائمين العوامل

تكون كصوم للدهور الأكامل

يكفر عامين بإثبات ناقل

يكفر عاماً في صحاح الدلائل

ولا تك عن أجر الحجيج بغافل

ويرجع كالمولود من بطن حامل

الشـرح:

انتقل الناظم رحمه الله تعالى إلى بيان شيء من الركن الرابع والخامس من أركان الإسلام .

ففي البيتين ( الخامس عشر والسادس عشر بعد المائة ):

يبين الناظم أن الصوم والحج من فرائض الإسلام وأن هذا الفرض ليس على كل أحد ، وإنما هو فرض على كل عاقل وهذان الفرضان بالإتيان بهما تكون قد تمت قواعدُ هذا الدين فعلى المسلم  أن يبادر بفعلهما وليتعجل في ذلك .

وفي البيت ( السابع عشر بعد المائة ):

بين شيئاً من آداب الصوم والحج وهو أن يصون الإنسان لسانه عن كثرة الفحش والأذى والجدال والرفث فيهما .

فقد قال تعالى في الصوم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}([146]). ولا تحصل التقوى إلا باجتناب ما ذكر  المؤلف وقولـه ﷺ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب وإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنـي صائم)([147]). وعنه أيضاً قال: قال رسول الله ﷺ: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامـه وشرابه)([148]).

أما عن الحج فقد قال تبارك وتعالى في شأنه:{ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}([149]). وقال ﷺ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (من حج فلم يرفث  ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)([150]).

وفي البيت ( الثامن عشر بعد المائة ):

فيه بيان لحكم جاحد الحج والصوم ولا شك كما قال الناظم في كفره لأنه جحد ما جاءت نصوص الشريعة بفرضيته فقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}([151]).

وقال تعالى في الصوم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}([152]).

وفي البيت (التاسع عشر بعد المائة ):

فيه بيان لحكم من يجب عليه الصوم فإنه يجب على مَنْ شهد الشهر وليكن من الصائمين العاملين بحقوق صومهم فيجتنب ما نهى الله عنه وليتزود فيه من الأعمال الصالحة ولا يكن يوم صومه كيوم فطره سواء.

وفي الأبيات (العشرين والحادي والعشرين والثاني والعشرين بعد المائة ):

بين المؤلف رحمه الله جملة من صيام التطوع فبدأ بأعظمها أجراً وأكثرها مثوبة وهو صيام ستة من شوال فقد جاء عن النبي ﷺ بأن من صام هذه الأيام فكأنما صام الدهر ففي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)([153]).

ومن صيام التطوع صيام يوم عرفة فقد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث  أبي قتادة رضي الله عنه قال سئل رسول الله ﷺ عن صوم يوم عرفة؟ قال 🙁يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)([154]). يلي هذين في الفضل صيام يوم عاشوراء فقد جاء بأنه يكفر ذنوب عام روى ذلك أيضاً مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال سئل رسول الله ﷺ عن يوم عاشوراء فقال: (يكفر السنة الماضية)([155]).

وفي البيتين ( الثالث والعشرين والرابع والعشرين بعد المائة ) :

فيه دعوة من المؤلف إلى التزود من أعمال الخير وخاصة الحج فإن أجره عظيم كما جاءت نصوص السنة بذلك فمن أعظم ثمراته أن من حج رجع من حجه كيوم ولدته أمه ففي صحيح البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)([156]).

 

فصل في حقوق الوالدين على الأولاد

125ـ وقم بحقوق الوالدين فإنها

126ـ رِضا الله ما يرضيهما من مسرة

127ـ فلا تكسلن يوماً وباشر حقوقهم

128ـ وقل لهما قولاً كريماً تَنَلْ به

129ـ وحافظ على بذل الدعا لكليهما

130ـ وعدَّ عقوق الوالدين نبينا

131ـ وقد جاء في لقمان مَعْ سورة النسا

***

تلي لحقوق الله من غير فاصل

وشكرهما شكر لـه بالتماثـــل

ولا تك يوماً يا أخي بالمماطــل

جزاءً من المولى، ودع قول باطل

مجيباً فيا نعم المجيب لسائـــل

من الموبقات السبع يا ويل غافل

وفي سورة الإسرا عظيم الدلائـل

الشــرح:

في الأبيات (الخامس والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين بعد المائة):

انتقل رحمه الله إلى بيان حقوق الوالدين وذلك لأن الله تعالى جعلهم في الترتيب بعد حقه تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}([157]). فلم يجعل بين حقه سبحانه وتعالى وحق الوالدين فاصل. ومن ذلك أيضاً قولـه تعالى: {أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}([158]). فإذا كان هذا حقهم عليك فلا تستكره بذل الجهد والمال وغيره لهما، بل إذا طلبا منك أمراً فبادر إليه ولا تكن مماطلاً.

وفي البيت (الثامن والعشرين بعد المائة):

فيه إشارة إلى قولـه تعالى:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} ([159]).

وفي البيت (التاسع والعشرين  بعد المائة) :

فيه إشارة إلى قولـه تعالى:{وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}([160]).

وفي البيت (الثلاثين بعد المائة):

يشير إلى قولـه ﷺ من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) ثلاثاً قلنا بلى يا رسول الله قال: ( الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس، فقال: (ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت)([161]).

وفي البيت (الحادي والثلاثين بعد المائة):

يشير فيه إلى قولـه تعالى في سورة لقمان :{ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} ([162]).

وفي سورة النساء في قولـه تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}([163]).

وفي سورة الإسراء في قولـه تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}([164]).

 

فصل في حقوق الأولاد على الوالدين

132ـ كذاك وللأولاد حق فلا تكن

133- فقد جاء في الشرع الشريف على أب

134- وتحسين اسم عند وضع ولادة

135- وتعليمه ما فيه إصلاح دينه

136- وتزويجه عند البلوغ بكاعب

137- تحصن منه الخائنات من الخنا

***

عن الحق أعمى أو بضد تقابل

نجابة أم من كرام القبائل

وتعليمه القرآن خير المحاصل

ودنياه بالآداب فانهض وعامل

تقية دين ذات حسن مقابل

وتزجره عن شبه فعل الأجاهل

الشـرح:

بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله ما للآباء على أبنائهم من حقوق ذكر أمراً مهماً هنا يغفل عنه الكثير من الناس وهو حقوق الأبناء على والديهم.

ففي البيت (الثالث والثلاثين بعد المائة):

بدأ بأول هذه الحقوق وهو اختيار أم الولد يعني أن الإنسان إذا أراد أن يتزوج فالواجب عليه أن ينظر إلى من ستكون أم أولاده يختار لنفسه النجيبة من كرام القبائل يشير إلى قولـه ﷺ :(إياكم وخضراء الدمن) قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: (المرأة الحسناء في المنبت السوء)([165]).

ومن ذلك أيضاً قولـه ﷺ :(تخيروا لنطفكم فأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم)([166]).

وفي الأبيات (الرابع والثلاثين والخامس والثلاثين):

يدعو المؤلف رحمه الله الأبوين إلى أمرين مهمين:

الأول: هو تحسين اسم الولد أو البنت وذلك عند الولادة والاهتمام به عند نضوج عقله وذلك بتعليمه القرآن وذلك لأن القرآن هو خير العلوم وأنفعها ويعلمه أيضاً ما ينفعه في دينه ودنياه وذلك ليجتمع في الولد صلاح الدنيا والآخرة ولعل الناظم – رحمه الله – يشير في هذه الأبيات إلى القصة المشهورة التي جاءت عن عمر رضي الله عنه وخلاصتها أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه:

فأحضر عمر رضي الله عنه ابنه وأنبه على عقوق أبيه فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال فما هي يا أمير المؤمنين قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه ويعلمه القرآن.

فقال الابن: يا أمير المؤمنين: إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي وقد سماني جعلاً (جعراناً) ولم يعلمني من القرآن حرفاً واحداً.

فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل وقال له: أجئت إلي تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.

وفي البيت (السادس والثلاثين والسابع والثلاثين بعد المائة):

يشير المؤلف رحمه الله إلى أمر آخر من الحقوق التي يجب مراعاتها للأبناء وهذا الحق يتمثل في تزويج الابن عند بلوغه فإن في ذلك حصناً له إن شاء الله من الوقوع في المعاصي والزلات وهذا أمر في الحقيقة مشاهد ومعروف لدى الجميع.

 

فصل في صلة الأرحام

138ـ ووصل ذوي الأرحام أسمى خليقة

139ـ ففي قطعها إثم كبير لقاطع

140ـ ولو لم يكن فيها سوى المجد كافياً

141ـ فقد أمر الله العباد و حثهم

142ـ على أن يكونوا بينهم في تواصل

143ـ وإن لم تصل بالمال صل بزيارة

144ـ فلا ينزل الرحمن رحمته على

145ـ وفي الرعد لعن القاطعين وفي التي

146ـ فقد جاء وعد الواصلين لرحمهم

***

لأهل النهى والأكرمين الأماثل

وفي وصلها أمر جزيل لواصل

فكيف وفي القرآن أزكى الدلائل

فيا ويل من للأمر ليس بفاعل

وإيتاء حق الأقربين بعاجل

وإن لم تصل فابعث سلاماً و أرسل

ذوي مجلس فيهم قطوع فعازل

محمد مذكور بها في التقاتل

بجنات عدن طيبات المنازل

الشــرح:

بعد أن بين المؤلف رحمه الله حقوق الأبوين على أبنائهم والعكس انتقل إلى أمر متعلق بهذا الأمر وهو صلة الأرحام .

ففي البيت ( الثامن والثلاثين بعد المائة ) :

أشار المؤلف رحمه الله إلى أن صلة الرحم عنوان على فاعلها، بل هي من أسمى الأخلاق وأرفعها بل ودليل على صدق المسلم في إسلامه .

وفي الأبيات ( التاسع والثلاثين إلى الثاني والأربعين بعد المائة ) :

وضح الناظم رحمه الله الآثار المترتبة على صلة الرحم وقطعها ففي قطعها إثم كبير على القاطع دليل ذلك قوله تعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} ([167]).

وقال أيضاً: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} ([168]).

وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (لا يدخل الجنة قاطع) قال: سفيان في روايته يعني: قاطع رحم([169])  والأحاديث الواردة في التحذير من قطيعة الرحم كثيرة.

أما أجر وصلها فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة في بيان فضل ذلك فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ([170]).

فقولـه: {الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} يعني يصلون رحمهم. وقولـه تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} ([171]). يعني يسأل بعضكم به بعضاً فيقول أسألك بالله والأرحام أي اتقوا الأرحام وذلك بعدم قطعها.

أما من السنة فقد جاء في المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ  قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كـان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)([172]).

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:(من أحب أن يبسط له في رزقه و ينسأ لـه في أثره فليصل رحمه)([173]).

والأحاديث في فضل صلة الرحم كثيرة .

وفي البيت ( الثالث والأربعين بعد المائة ) :

فيه بيان بعض الطرق التي من خلالها يمكنك أن تصل رحمك فمن هذه الطرق الزيارة يعني زيارة من تربطك بهم رحم أو إيصالهم بالمال وهذا أبلغ ما يكون في الصلة أو السؤال عنهم أو إبلاغ السلام لهم أو إرسال الرسالة المتضمنة بالسؤال عنهم وأحوالهم والسلام عليهم وهكذا كل ما كان فيه ود للرحم فإنه يعد صلة، فالأمر ليس مقصوراً على صفة معينة بل الأمر واسع في ذلك .

وفي البيت ( الرابع والأربعين بعد المائة ) :

يشير المؤلف رحمه الله إلى أن رحمة الله تعالى حجبت عن مجلس فيه قاطع رحم ومنعزل عنهم وهذا كله فيه وعيد شديد لمن قطع رحمه فإنه بشؤم معصيته لله حجبت الرحمة عن المجلس نسأل الله الهداية والرشد .

وفي البيت ( الخامس والأربعين والسادس والأربعين بعد المائة ) :

سبقت الإشارة إلى الآيات في سورة الرعد وسورة محمد المتضمنة صلة الرحم والتحذير من قطعها فلتراجع .

 

فصل في الإحسان إلى الأيتام

والتحذير من أكل أموالهم

147ـ وأحسن إلى الأيتام وامسح رؤوسهم

148- يلين قلباً قاسياً منك لو يكن

149- وقال رسول الله إني وكافل

150- ولا تك يوماً لليتيم بقاهر

151- فآكله يصلى جهنم في غد

152- فنابت لحم بالحرام غذي به

153- ونابت لحم بالحلال غذي به

***

وأطعمهم من طيبات المآكل

فؤادك أقسى من أصم الجنادل

يتيماً كهاتين فطوبى لكافل

وتأكل منه المال يا ويل آكل

ويطعم في الأمعاء طين الخبائل

به النار أولى من خليل مخالل

إلى جنة الفردوس أول داخل

الشـرح:

انتقل المؤلف رحمه الله إلى خصلة من الخصال الحميدة التي ينبغي على المسلم أن يحرص عليها ويربي نفسه وأولاده عليها، وهي الإحسان إلى الأيتام، والحذر كل الحذر من أذيتهم وأكل أموالهم.

ففي البيتين (السابع والأربعين والثامن والأربعين بعد المائة):

وضح فيها الناظم فضل الإحسان إلى الأيتام وطرقه والآثار المترتبة على ذلك. فمن الأمور التي يتم بها الإحسان إلى اليتيم يكون بمسح رأسه وإطعامه من طيبات المآكل وغير ذلك من طرق الإحسان سواء كان بالقول أو بالفعل وذلك بحفظ ماله إن كان له مال وبطيب الكلام والنظر إلى ما فيه صلاح له ولذا جاء القرآن بالحث على عدم قهره في ماله أو عدم أكل ماله بالباطل قال تعالى لنبيه ﷺ:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}([174])  أي لا تغلبه على ماله وذلك لضعفه. وقال تعالى أيضاً:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}([175]). وقال:{إِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}([176]).

وقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}([177]). كل هذه الآيات تدل على عظم حق اليتامى والتحذير من كل ما فيه ضرر عليهم ففي الإحسان إليهم تلين قلوب القاسين.

وفي البيت (التاسع والأربعين بعد المائة):

يشير المؤلف إلى قولـه ﷺ : (كافل اليتيم لـه أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة) وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى([178]).

وفي البيتين (الخمسين والحادي والخمسين بعد المائة):

يـحذر الـمؤلف من قهــر اليتيم بأكل ماله كما قال تعالى:{ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}، أي يأكلون أموالهم بلا سبب فعاقبهم الله بأنهم سيأكلون يوم القيامة ناراً تأجج في بطونهم.

ولذا جعل النبي ﷺ أكل مال اليتيم من السبع الموبقات ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منهن آكل مال اليتيم)([179]).

ولذا قال السدي رحمه الله: يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه يعرفه كل من رآه يأكل مال اليتيم.

وفي البيتين (الثاني والخمسين والثالث والخمسين بعد المائة):

يشير المؤلف رحمه الله فيهما إلى أن آكل الحرام الذي نبت جسده من حرام وغذي عليه النار أولى به وفي هذا إشارة لما رواه أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله  ﷺ :(لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت وكل لحم نبت من السحت كانت النار أولى به)([180]). وعن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:(لا يدخل الجنة جسد غذي من الحرام)([181]).

 

فصل في  قتل النفس التي حرم الله

154ـ ومن قتل النفس الحرام تعمداً

155ـ ويجعل سلطاناً لآخذ ثاره

156ـ ويلقى عليه الله في الحشر غاضباً

157ـ ويجزى عذاباً دائماً متضاعفاً

*** فلا بد ما تصلاه نار المشاعل

من الأوليا نصر على قهر قاتل

ويلقنه قد جاء في نص ما تلي

دواماً ويلقى بعده كل هائل

الشرح:

انتقل المؤلف رحمه الله إلى شيء آخر من المنهيات الشرعية التي نهى الله تعالى عباده عن اقترافها وهو قتل النفس التي حرم الله تعالى قتلها. فقد بين في هذه الأبيات عظم هذا الذنب وأن من فعل ذلك فإن نار جهنم تصلاه كما قال تعالى: {مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}([182]).

فهذه عقوبته الأخروية فيها تهديد ووعيد أكيد لمن فعل هذا الجرم العظيم وقد جاء النهي عن هذا الذنب العظيم في القرآن الكريم في أكثر من موضع ففي سورة الأنعام قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ([183])، وقال تعالى في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} الآية:([184])

أما الأحاديث التي جاءت بالنهي عن هذا الفعل العظيم فهي كثيرة منها قوله ﷺ فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ 🙁أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء)([185]).

ولهما أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:(اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا يا رسول الله وما هي قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)([186]).

وهذا ما ذكرناه من عقوبته في الدار الآخرة من غضب الله عليه ولعنه وإعداده له عذاباً عظيماً.

أما في دار الدنيا فقد وضح المؤلف عقوبة ذلك في البيت الخامس والخمسين بعد المائة وكأنه يشير رحمه الله إلى قولـه تعالى: {لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً } ([187]).

 

فصل في اللواط وفي الزنـا

158ـ ولا تك لواطاً ولا تك زانياً

159- وإثمهما إثم كبير لأنه

160- وأعظم ذا زان بحرمة جاره

161- وما ثم عند الله ذنب كذنبه

162- سيخزيهما الرحمن بين عباده

***

فذلك للشيطان شر الحبائل

من الموبقات المهلكات الجلائل

فيا ويل من للجار بالشر باذل

يضع نطفة في غير رحم الحلائل

فيا ويل مفعول ويا ويل فاعل

الشـرح:

في هذه الأبيات ينصح المؤلف أخاه المدعو بأن لا يكون من أهل اللواط والزنا هذا الفعل القبيح الذي من خلاله يورث صاحبه الذلة والمهانة في الدنيا والآخرة.

ففي البيتين (الثامن والخمسين والتاسع والخمسين بعد المائة):

يشير إلى قولـه تعالى: {لا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} ([188]).

وفي قول لوط لقومه: {لُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} ([189]). ففي هذه الآيات وغيرها دليل على حرمة هذا الفعل العظيم. فينبغي أيها المسلم أن تحذر ذلك وتخاف على نفسك من الوقوع فيه. وذلك لأنها من المهلكات الموبقات التي تهلك صاحبها في الدار الآخرة.

بل في الدنيا تهلك فاعلها وذلك بالأمراض الفتاكة كالإيدز والزهري والسيلان وغيرها من الأمراض الفتاكة فيحصل لـه بذلك هلاك دنيوي وأخروي.

وفي الأبيات (الستين والحادي والستين بعد المائة):

يشير إلى ما رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قلنا يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك) قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: (ثم أن تزني بحليلة جارك)([190]).

فهذا من أعظم الذنوب عند الله تعالى لوضعه نطفة في غير ما أحله الله له.

أما في البيت (الثاني والستين بعد المائة):

بين عقوبة مرتكبي جريمة اللواط وذلك بأن الله سيخزيهم بين عباده وذلك بقتل الفاعل والمفعول به في الدنيا، والويل لهم في الآخرة.

 

فصل في ظلم المتكبريـن

163ـ ولاتك جباراً ولا متكبراً

164ـ ولاتك يوماً للرعية ظالماً

165ـ سيدفع للمظلوم ما قد فعلته

166ـ و إن لم يكافي حُط من سيئاته

167ـ و حاذر دعا المظلوم إن كنت حازماً

168ـ فإنَّ دعا المظلوم لا يحجبنَّه

169ـ تنام عيون الظالمين و لم تنم

*** فويل لجبار عن الحق مائل

ولاتك يوماً للحرام بآكل

من الخير والإحسان ما كنت تعمل

عليك فَتُمْسي في قيود السلاسل

سينصر قطعاً لو يكن غير عاجل

سحاب و لا باب إلى الله واصل

عيون لمظلوم بها الدمع سائل

الشـرح:

هذه الأبيات ذكرها المؤلف رحمه الله ليحذر المدعو من ظلم أحدٍ من البشر فإن عاقبة الظلم وخيمة على صاحبها .

ففي البيت ( الثالث والستين بعد المائة ) :

فيه تحذير المدعو من أن يكون جباراً متسلطاً متكبراً وذلك لكونه دافعاً للحق محتقراً للناس فإن هذين الصنفين يعني الكبر والتسلط على الناس صفتان قرينتان مذمومتان في كتـاب الله وسنة رسوله ﷺ. قال تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}([191]) . 

وقال أيضاً: {لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}([192]). ومعنى تصعر خدك للناس أي تميله وتعرض به عن الناس تكبراً عليهم . والمرح التبختر.

أما من السنة فقد جاءت النصوص كثيرة في التحذير من هذه الصفات منها ما رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:(لا يدخل الجنــة من كـان في قلبه مثقال ذرة من كبر..) الحديث([193]).

وفي المتفق عليه من حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ألا أخبركم بأهل النار: كل عُتل جواظ مستكبر)([194]).

والعتل: هو الغليظ الجافي، والجواظ: قيل في معناه هو الضخم المختال في مشيته. وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (احتجت الجنة والنار فقالت النار فِيّ الجبارون والمتكبرون..) الحديث([195]).

وفي البيت ( الرابع والستين بعد المائة ):

فيه تنبيه للمدعو من أن تكون فيه هاتان الخصلتان وهما الظلم لعباد الله وأكل الحرام فإن الظلم في الحقيقة يدعو صاحبه إلى أكل أموال الناس بالباطل ولذا جمع بينهما المـؤلف والظلم منه ما يكون في الرعية ومنه ما يكون في غير ذلك فالرعاية نوعان:

رعاية كبرى وهي التي تكون في رعاية إمام المسلمين للناس يعني رعاية الحاكم للمحكوم وهذا الظلم فيها أشد وأعظم عند الله .

والرعاية الصغرى وهي تكون برعاية الأب على أولاده فلا يظلمهم والظلم فيهم يكون بأشياء عديدة كأن لا يعدل بينهم في العطية وكأن يرى منهم المنكر ولا ينكره عليهم أو يأتي إليهم بالمنكرات ويدعوهم إليها كمن يأتي لأولاده بالدش وغيره فهذا في الحقيقة ظلم لـهؤلاء الرعية .   

وفي البيتين ( الخامس والستين والسادس والستين بعد المائة ):

بيان لعاقبة الظلم وهي نوعان:

الأول : أنه سيؤخذ من حسنات الظالم إن كانت لـه حسنات وتعطى لمن ظلمه.

الثاني: أنه إذا لم يكن له حسنات أو كانت له حسنات وانتهت فإنه يؤخذ من سيئات من ظلمه ثم تطرح على الظالم نعوذ بالله من ذلك.

دليل ذلك: ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:(من كان عنده مظلمة لأخيه، من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)([196]).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:(أتدرون من المفلس؟).  قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال:(إِن المفلس مِنْ أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)([197]).

وفي الأبيات ( السابع والستين والثامن والستين والتاسع والستين بعد المائة):

فيها إشارة إلى: التحذير من دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب كما جـاء ذلك في المتفق من حديث معاذ رضي الله عنه حينما بعثه النبي ﷺ إلى اليمن فيما قال له فيه: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) ([198]).

 

فصل في شرب الخمر والربـــا

170ـ ولا تك يوماً للخمور بشارب

171 فسحقاً لها أم الخبائث كلها

172- وكن سامعاً نصحي وحاذر من الربا

173- زيادته نقص كذلك ربحه

174- فإن الربا سبعون باباً أقلها

175- وقـد جـاء في القرآن في آكل الربا

*** فشاربها يلقى غداً طين خابل

فكم أنتجت منها قبيح الفعائل

وعن كل ما يدني له في التعامل

خسار فجانب فاعليه وعازل

كنكحك أنثى الوالدين فقابل

فإن لم يتب فأذن بحرب وقاتل

الشـرح:

ما زال المؤلف رحمه الله ينقل المدعو من تحذير إلى تحذير لكي ينجو من سخط الله وعذابه وهنا في هذه الأبيات تحذير للمدعو من ذنبين عظيمين أحدهما أم الخبائث وهو شرب الخمر والثاني التعامل بالربا.

ففي البيتين (السبعين والحادي والسبعين بعد المائة):

فيهما التحذير الشديد من شرب الخمر وذلك لأنها في الحقيقة هي أم الخبائث فمن شربها وقع في كل خبث. وفي هذه الأبيات يشير الناظم رحمه الله إلى قوله ﷺ  فيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:(كل مسكر حرام: إنّ على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)، قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: (عرقُ أهل النار أو عصارة أهل النار)([199]). أما كونها أم الخبائث ذلك لأنها مفتاح كل شر كما ذكرنا ذلك، دليل ذلك ما رواه الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :(اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر)([200]).

وفي الأبيات (الثاني والسبعين والثالث والسبعين والرابع والسبعين بعد المائة):

تحذير من الناظم – رحمه الله – للمدعو من ارتكاب الذنب العظيم وهو الربا في البيع والشراء والإقراض ونحو ذلك مما يجري فيه الربا.

وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة للتحذير منه وإعلان الحرب من الله تعالى على أهله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآيات([201]).

وقال تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ([202]).

أما الأحاديث التي يشير إليها المؤلف رحمه الله فهي ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (الربا سبعون حُوباً أهونها وقوع الرجل على أمه وأربـى الربا وقوع الرجل في عرض أخيه)([203]). ومعنى الحوب الإثم.

وعن أنس رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله ﷺ فذكر الربا وعظم شأنه فقال: (الدرهم يصيبه الرجل من الربا أشد عند الله عز وجل من ستة وثلاثين زنية)([204]).

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعاً: (الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه)([205]).

أما قولـه رحمه الله في البيت الثالث والسبعين بعد المائة (زيادته نقص… إلخ) يشير إلى ما رواه بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قُل)([206]) . أي إلى قلة.

  

فصل في التحذير من الرياء

والحسد والغيبة والنميمة

176ـ ولاتك في الأعمال يوماً مرائياً

177ـ فويل لمن قد كان يعمل للريا

178ـ ولاتك حساداً لصاحب نعمة

179ـ ولاتك يوماً بالنميمة ماشياً

180ـ ولاتك همازاً ولاتك لامزاً

181ـ ومن يكتسب إثماً و يرمي مُبَرَّءا

*** فإن الريا شرك بنص الدلائل

بطاعته لله ليس بعامل

فأول ذنب حَسْدُ أهل الفضائل

ولاتك يوماً للحديث بناقل

فإن قلت بالبهتان فارجع و حالل

فقد حمل الآثام أكبر حامل

الشـرح:

ما زال المؤلف ـ رحمه الله ـ ينقلنا من تحذير لآخر وفي هذه الأبيات يحذر من أمور أربعة وهي الريا والحسد والغيبة والنميمة، وإذا نظرت إلى ضياع الأفراد والمجتمعات تجد أن هذه الأمور الأربعة هي الأصل في خراب وضياع المجتمعات .

ففي البيتين ( السادس والسبعين والسابع والسبعين بعد المائة ) :

يحذرنا من الرياء الذي هو نوع من الشرك سماه الرسول ﷺ الشرك الخفي فقال:(أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر . فسئل عنه فقال الريا)([207]).

فالريا أعظم ما يكون خطراً على الإنسان في دينه لأنه هو نقطة البداية في الانسلاخ من الدين فمتى أصبح الإنسان مرائياً في أعماله من صلاة وحج وزكاة وصدقة وصوم وغيرها من الأعمال فإنه لابد وأن يكون قد وقع في الشرك ، وهذا الشرك بحسب صاحبه فقد يكون شركاً أكبر وقد يكون شركاً أصغر .

ومما يدل أيضاً على أن الرياء من الشرك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:(قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )([208]).

وفي البيت ( الثامِن والسبعين بعد المائة ):

فيه تحذير من الحسد الذي هو أول ذنب عُصِي الله تعالى به حيث أمر إبليس بالسجود لآدم فأبى وأستكبر حسداً منه لآدم عليه السلام .

والحسد هو تمني زوال النعمة من صاحبها: سواء أكانت نعمة دين أم دنيا قال الله تعالى في معرض بيان ذلك {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}([209]).

وقد جاءت السنة بالنهي عن الحسد وقد جاء في حديث أنس رضي الله عنه المتفق عليه أن النبي ﷺ قال:(لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)([210]).

وفي البيت (التاسع والسبعين بعد المائة) :

فيه التحذير من النميمة التي هي في الحقيقة أصل في ضياع المجتمعات والأسر فكم كانت هي والغيبة سبباً في تقطيع الصلات بين الأسر والعائلات ولذا جاء التحذير الشديد منها قال تعالى لنبيه ﷺ: {لا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}([211]). فالهماز هو المغتاب والنمام هو الذي ينقل كلام الناس على جهة الإفساد كما عرفه الناظم رحمه الله ولما كانت النميمة ذنباً عظيماً فقد توعد صاحبها بعدم دخول الجنة كما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :(لا يدخل الجنة نمام)([212]).

بل جاءت السنة ببيان عذابه في قبره فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر النبي ﷺ بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله )([213]).

ومعنى قولـه ﷺ: (وما يعذبان في كبير) يعني كبير في زعمهما، وصدق الله حين قال: {تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } ([214]).

وفي البيت ( الثمانين بعد المائة ) :

فيه نهي عن الغيبة التي جاءت النصوص القرآنية والأحــاديث النبوية بالنهــــي عنها والتحــذير منها قال تعالى:{لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} ([215]).

وقد عرف النبي ﷺ الغيبة بقولـه لأصحابه (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا الله ورسوله أعلم قال: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بـهته )([216]).

فأعظم مصيبة أن يطلق الإنسان لسانه بلا ضابط يضبطه ولا وازع ديني يربطه قال ﷺ: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم )([217]).

فحري بالمسلم إذا سمع هذه النصوص أن يتقي الله في نفسه وليحذر عاقبة ذنبه.

وفي البيت ( الحادي والثمانين بعد المائة ) :

يشير إلى أمر مهم وهو أن بعض الناس قد يرتكب أمراً ما من المعاصي من شتم أو ضرب أو قتل ونحوه فإذا به يرمي بما فعله غيره ويدعي أن فلان من الناس فعل كذا أو هو الذي فعل كذا وهذا إثم عظيم توعــد الله تعالى من ارتكب هذا الإثم بقولــه:{مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدْ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}([218]).

 

فصل في اليمن الغموس ورمي الـمحصنات

الغافلات الـمؤمنات وشهادة الزور

182ـ ولاتك يوماً للغموس بحالف

183ـ وإياك من حَلْفٍ لتغليَ سلعة

184ـ وإياك من زور الشهادة إنها

185ـ وإياك ترمي المحصنات من النسا

186ـ فتلعن في الدنيا وتلعن آخرا

187ـ لدى موقف فيه اللسان وأرجل

188ـ ويختمْ على الأفواه مع حسن نطقها

*** ستردى وترمى في حبال الغوائل

فما أفلح الحلاف عند التعامل

لمن مهلكات العبد عند المسائل

ولا سيما من مؤمنات غوافل

وتجزى عذاباً في القيامة هائل

ستشهد والأيدي بما أنت قائل

ولا تَستَطعْ تخفي لبعض الفعائل

الشـرح:

ذكر المؤلف رحمه الله في هذه الأبيات جملة أخرى من المنهيات الشرعية التي أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالبعد عنها وذلك لما فيها من الخسارة الدينية والدنيوية والأخروية .

ففي البيت ( الثاني والثمانين بعد المائة ) :

 تحذير من اليمن الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم وبالتالي ترمي به في نار جهنم نعوذ بالله منها ، والمؤلف يستدل بما رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال:(الكبائرُ: الإشراكُ بالله وعقوقُ الوالدين وقتلُ النفس ، واليمينُ الغموس)([219]). وقد بين النبي ﷺ اليمن الغموس لمن سأل عنها فقال: (الذي يقتطع مال امرئ مسلم ) يعني بيمين هو فيها كاذب. وجاء في البخاري أيضاً من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ  قال: ( من حلف على مال امرئ  مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان). قال: ثم قرأ علينا رسول الله ﷺ مصداقه من كتاب الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} (آل عمران: من الآية: 77).  إلى آخر الآية([220]).

وفي البيت ( الثالث والثمانين بعد المائة ) :

تحذير من الحلف في البيع والشراء لما ورد النهي عنه، ففي المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:(الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة)([221]). ومعنى قولـه هذا أن الحلف هو رواج السلعة ولكنه في المقابل مذهب للبركة والزيادة. وروى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمع النبي ﷺ يقول: (إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق)([222]).

وفي البيت ( الرابع والثمانين بعد المائة ) :

 تحذير من شهادة الزور وقول الزور التي حذر منها ربنا سبحانه وتعالى وكذلك  نبيه ﷺ، قال تعالى في وصف المؤمنين {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}([223]). {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} ([224]).

أما النبي ﷺ فقد عدَّها من الكبائر ففي المتفق عليه عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قلنا بلى يا رسول الله قال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس، فقال ألا وقول الزور)، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت([225]).

وفي الأبيات (الخامس والثمانين إلى الثامن والثمانين بعد المائة) :

هذه الأبيات جاءت في التحذير من قذف المحصنات الغافلات المؤمنات فقد لعن الله تعالى فاعل ذلك بقولـه:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} ([226]).

وعدَّ النبي ﷺ قذف المحصنات الغافلات المؤمنات من الكبائر فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:(اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال:(الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)([227]).

فينبغي على المسلم أن ينتبه لهذا ولا يعرض نفسه لموجبات سخط الله وأليم عقابه نعوذ بالله من ذلك.

 

فصل في القرآن حجة لك أو عليك

189ـ ومن يحفظ القرآن غيباً فإنه

190- ولو حمل القرآن في جلد أهبة

191- فبادر إلى ما كان يأمر به ائتمر

192- به إن تكن تعمل يكن لك حجة

193- وإن لم تكن تعمل به فهو حجة

*** ينال لما يرجو على كل آمل

لما مسه نار فكيف بحامل

وما كان ينهى عنه جانب وعازل

وترقى من الجنات أعلى المنازل

عليك فحاذر أن تكُن غير عامل

الشـرح:

اشتملت هذه الأبيات على أمر يرفع به المسلم عزة في الدنيا والآخرة ألا وهو حفظ كلام رب العالمين فقد حث فيها المؤلف المدعو بحفظ القرآن والاعتناء به وبما جاء فيه من أحكام ولا يتم ذلك إلا بالعمل بما جاء فيه فيحلل حلاله ويحرم حرامه وبهذا ينفعه القرآن ويكون حجة له لا عليه.

أما الإعراض عنه بعدم تطبيقه وعدم الالتزام بأوامره ونواهيه فإنه لا ينفع صاحبه وإن كان حافظاً له بل سيكون عليه حجة يوم القيامة.

قال تعالى في ثنائه ومدحه لحافظي هذا الكتاب: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ} ([228]).

ولا شك أن هذه الفضيلة لا تحصل إلا لمن عمل به فلا تكفي الدعاوى الكاذبة مع هجران تحكيمه في شؤون الحياة ولذا قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}([229]). ومن أعظم هجرانه تنحيته عن جوانب الحياة واستبدال حكم غيره وترك حكمه، وهذا – والله – من أعظم الخذلان.

روى مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ: يقول: (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما)([230]).

فانظر إلى قولـه الذين يعملون به في الدنيا فهذا تقييد في الانتفاع به في الآخرة فليس كل أحد سينفعه القرآن وإن كان من أكثر التالين له أو الحافظين له فالعبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني. قال ﷺ: (والقرآن حجة لك أو عليك..)([231]).

وفي البيت (الثاني والتسعين بعد المائة):

يشير المؤلف رحمه الله إلى ما رواه ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: كنت جالساً عند النبي ﷺ فقال: (إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين يشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول: أنا صاحبك القرآن أظمأتك في الهواجر فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حُلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن)([232]).

نسأل الله العظيم الكريم من فضله.

 

فصل في العلم وإكرام العلماء

194ـ وبادر إلى حفظ العلوم مجاهداً

195ـ فإن طلاب العلم بالنص واجب

196ـ وإن طلاب العلم أفضل رتبة

197ـ سيطلب ولو بالصين إن غاب أصله

198ـ سيرفع ربي قدر طالب علمه

*** وواظب عليها بالضحى والأصايل

عنيت الذي يحتاجه كل عاقل

لها في كتاب الله في الحكم نازل

فسافر له جاهد وَسَلْ كُلَّ فاضل

وهل يستوي ذي العلم مَعْ كل جاهل

الشرح:

هذه الأبيات جاءت في بيان فضل العلم وأهله، والحث على اغتنام الأوقات فيه كيف وفيه يتعرف الإنسان على خالقه، كيف لا تبذل الأوقات والأنفس في تحصيله وهو الذي يرفع به العبد درجات بل وتحط في الذهاب إلى تحصيله الخطايا وترضى عنه ملائكة الرحمن.  قال تعالى في معرض ثنائه على أهل العلم : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ}([233]).

فهذه من أعظم المنازلِ وأرفعها، حيث جعلهم الله تعالى ممن شهد لـه بالوحدانية، وأنه هو الذي يستحق أن تصرف العبادة لـه. وقال تعالى أيضاً في بيان رفعتهم في الدنيا والآخرة:  {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ([234]).

وقد جاءت نصوصٌ لتقرير هذا الأمر وتُبَيّنُ هي الأخرى فضله فقد قال ﷺ (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )([235]).

وجاء في سنن أبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة)([236]).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:(إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، وإنه  يستغفر للعالم مَنْ في السماوات والأرض حتى الحوت في جوف البحر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ولكنهم ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)([237]).

فيا سعادة من اغبرت قدماه في تحصيله.

وفي البيت ( الرابع والتسعين بعد المائة ):

يحث المؤلف ـ رحمه الله ـ المدعو على حفظ العلوم الشرعية وبخاصة التي تشتمل على القواعد الكلية في أصول الشريعة .

قال ابن سعدي ـ رحمه الله ـ  في القواعد الفقهية المنظومة:

اعلم هديت أن أفضل المنن

ويكشف الحق لذي القلوب

فاحرص على فهمك للقواعد

فترتـقـي في العـلـم خـير ومرتقى

*** علم يزيل الشك عنك والدرن

ويوصل العبد إلى المطلوب

جامعة المسائل لشوارد

وتقتـفي سبل الذي قد وفقا

وفي البيت ( الخامس والتسعين بعد المائة ) :

بين المؤلف أن هناك نوعاً من طلب العلم واجب على كل مسلم ومسلمة ولا شك أن هذا العلم الواجب يتمثل في معرفة العبد ربه ودينه ونبيه ﷺ كما قرر ذلك شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ في الأصول الثلاثة.

 وفي البيت ( السادس والتسعين بعد المائة ):

يشير إلى فضل طلب العلم وقد ذكرنا طرفاً من فضائله كما سبق.

وفي البيت ( السابع والتسعين بعد المائة ) :

يحث الناظم رحمه الله المدعو على الرحلة في طلب العلم وهذا كان دأب سلف الأمة رضوان الله عنهم .

فهذا جابر بن عبد الله سافر مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس من أجل حديث واحد سمعه أنيس من النبي ﷺ ولم يسمعه جابر .

أما حديث (اطلبوا العلم ولو في الصين) لم يثبت عن النبي ﷺ ، وفي الصحيح غنى عنه.

وفي البيت ( الثامن والتسعين بعد المائة) :

يشير إلى قولـه تعالى:{يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}([238]).

وإلى قولـه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} ([239]).

 

199ـ وإكرامُ أهل العلم لا شك واجب

200ـ وهم عندنا كالأنبيا في احترامهم

201ـ لأنهمُ حراس شرع نبينا

202ـ ومن لم يعظمهمْ جحوداً لحقهم

203ـ ومن يؤذهم قد حارب الله جهرة

*** فهم أمناء الله من كل عامل

كما قاله المختار أصدق قائل

حماة لـه عن زيف أهل الأباطل

حكمنا به في الأسفلين  الأراذل

وهذا كلام الصالحين الأفاضل

الشرح:

في هذه الأبيات تنبيه من المؤلف للمدعو على أنه إذا كان فضل العلم عظيماً وفضل سالكيه عظيماً فينبغي أن تكرم أهله بكل معاني الإكرام من الدعاء لهم واحترامهم وتقديرهم والثناء عليهم وأن هذا واجبهم .

وفي الأبيات (من التاسع والتسعين بعد المائة إلى المائتين وواحد):

 يعلل سبب وجوب إكرام أهل العلم بعلل منها:

1- أنهم أمناء الله على وحيه بعد أنبيائه ورسله.

2- أنهم كالأنبياء فيجب احترامهم يشير إلى قولـه ﷺ :(والعلماء ورثة الأنبياء).

3- أنهم حراس العقيدة والذين يذبون عنها أقوال الجاهليين العابثين المنحرفين وهذا قد حصل يوم أن خرجت الفرق الضالة كالجهمية والمعتزلة والقدرية وغيرها من الفرق  المنحرفة فقيض الله تعالى لهذه الأمة العلماء الربانيين السائرين على نهج السلف الصالح من صحابة النبي ﷺ وأتباعهم الكرام فردوا هؤلاء على وجوههم خاسرين  والحمد لله رب العالمين.

وفي البيتين ( الثاني والثالث بعد المائتين ):

فيها بيان حكم من لم يعظم العلماء بل جحد حقهم وآذاهم وحاربهم فهو في الأسفلين الأرذلين وذلك لأنه في الحقيقة غير معظم لربه ورسوله ﷺ فهؤلاء العلماء الذين أثنى الله عليهم وبين فضلهم ومناقبهم هم في الحقيقة حماة لدينه سبحانه  وشرعه ومبلغون عن الله وعن رسوله فمن آذاهم واحتقرهم فقد خاب وخسر .

ثم من جهة أخرى هم أولياء الله وأحباؤه ومن عاداهم فقد عادى الله قال ﷺ  فيما رواه عنه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب.. )([240]).

وهذه جملة من الأحاديث والآثار التي جاءت ببيان توقير العلماء وأهل الفضل والدين ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم لكي يعلم كل مدعو هذا الأمر فإنا نجد في البعض خلاف ما كان عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم فإنهم كانوا أحرص الناس على إنزال الناس منازلهم فيعرفون لأهل العلم فضلهم .

فمن هذه الأحاديث :

تقديم النبي ﷺ أهل العلم على غيرهم في الإمامة للصلاة وهذا دليل على إكرامهم وفضلهم.

فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ..) الحديث([241]).  فبدأ بأهل العلم والفضل .

ومن ذلك أيضاً كون النبي ﷺ رغب بأن يجعلهم خلفه في الصلاة ليكونوا أقرب الناس منه.

ففي مسلم أيضاً عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري أن النبي ﷺ قال: (..لِيَلِني أولوا الأحلام والنُهى ثم الذين يلونهم)([242]).

قيل في معنى ( أولوا الأحلام والنُهى ) هم أهل الحلم والفضل.

أمر النبي ﷺ بإكرامهم فمن ذلك :

ما رواه أبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إن من إجلالِ الله تعالى  إكرامَ ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ،وإكرام ذي سلطان مقسط)([243]).

معرفة أصحاب النبي فضلهم :

فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( كان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً أو شباباً….)([244]).

وعن أبي سعيد سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (لقد كنت على عهد رسول الله غلاماً فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن مني)([245]).

فهذه جملة وردت في بيان فضلهم وإكرامهم نسأل الله تعالى أن يصلح نياتنا وسائر أعمالنا.

 

فصل في إكرام الضيف

204- وإكرام ضيف الله إن عرجت به

205- يبث لما يلقى من الكرم الذي

206- فوجب به في الشرع يوماً وليلة

207- وإن زدت زاد الله في الأجر يا فتى

208- وقد مدح الله الكريم خليله

209- وما جاء في القرآن من أنه أتى

210- ولم يأكل إبراهيم مذ عاش وحده

211- وكان إماماً في المكارم والندى

***

صروف القضايا فوق متن الرواحل

يكون به نيل العلا والفضائل

ويندب ثلاثاً جاء عن كل ناقل

فبادر بإطعام الضيوف بما يلي

بإكرامه الأضياف من كل نازل

إلى الضيف بالعجل الحنيذ بعاجل

وليس ينال القوت إلا بآكل

فمن أجل ذا قد خص باسم التخالل

الشـرح:

انتقل المؤلف رحمه الله إلى بيان نوع آخر من الفضائل فبعد ذكره فضل طلب العلم وفضل أهله، انتقل بنا إلى بيان فضل إكرام الضيف.

ففي البيتين (الرابع والخامس بعد المائتين):

حث منه رحمه الله إلى إكرام الضيف وبيان فضل ذلك لأن هذه الخصلة يعني إكرام الضيف خصلة حميدة دعت إليها الشريعة ورغبت فيها.

قال تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}([246]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه  عن النبي  ﷺ قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)([247]).

ولذلك لما كان إكرامُ الضيف خصلةً من خصال الإيمان بالله واليوم الآخر سارع المؤمنون في بذل ما في الوسع لإكرام ضيفهم ولذا ذكر المؤلف في الأبيات:

الرابع والخامس بعد المائتين ما يلقاه الضيف من الحفاوة والتقدير عند من نزل عليهم.

وفي البيتين (السادس والسابع بعد المائتين):

تحديد المدة التي يجب على المضيف إكرام ضيفه فيها وهي يوم وليلة ودليل ذلك ما جاء في المتفق عليه من حديث أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته) قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومه وليلته، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه)([248]).

أما في الأبيات (السابع إلى الحادي عشر بعد المائتين):

كلها جاءت في معرض ذكر حال إبراهيم مع ضيفه وقد جاءت نصوص القرآن مليئة بالثناء عليه في هذه الخصلة الحميدة، وقد ذكرنا بعض الآيات الدالة على ذلك.

 

فصل في  حقوق الجار على الجار

212ـ وقم بحقوق الجار واعلم بأنها

213ـ ومن كان يؤمن بالإله وبعثه

214ـ لجيراننا حق علينا ثلاثة

215ـ فجار لـه حق وجار ثلاثة

216ـ وقال رسول الله ما زال موصياً

217ـ ظننت بأن الجار يورث جاره

*** حقوق على الإيجاب عند الأفاضل

يَقُم بحقوق الجار خير الخصائل

فلا تك عن إيجابهم ذا تغافل

وجار لـه حقان طوبى لفاعل

 أخي جَبْرئيلٌ في جوار المنازل

فكيف بهذا الفضل أو بالتفاضل

الشـرح:

في هذه الأبيات يحث المؤلف رحمه الله المدعو بالإحسان إلى الجار والاعتراف لـه بحقوقه التي جاءت نصوص الكتاب والسنة بالحث عليها والتحذير من أذية الجار لجاره قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}([249]).

وذكرنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذلك (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره.)([250]).

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:(خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره )([251]).

وفي البيتين (الثالث عشر والرابع عشر بعد المائتين):

بين المؤلف أن الجيران يختلفون في الحقوق فمنهم من له حق ومنهم من له حقان ومنهم من له ثلاثة حقوق . وكأنه يشير إلى ما جاء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (الجيران ثلاثة: جار له حق واحد وهو أدنى الجيران حقاً، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران حقاً ، فأما الذي له حق فجار مشرك لا رحم له. له حق الجوار، وأما الذي له حقان: فجار مسلم لا رحم له، له حق الإسلام وحق الجوار، وأما الذي له ثلاثة حقوق، فجار مسلم ذو رحم له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم، وأدنى حق الجار أن لا تؤذي جارك بقتار قدرك إلا أن تقدح له منها)([252]). ومعنى قتار القدر رائحة القدر، وقوله إلا أن تقدح له منها يعني إلا أن تغرف له منها .

وفي البيتين ( السادس عشر والسابع عشر بعد المائتين ) :

يشير إلى حديث ابن عمر رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها قالا : قال رسول الله ﷺ:(مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)([253]).

 

فصل في حسن الخُلق وكظم الغيظ

218ـ وكن آخذاً للعفو بالعرف آمراً

219ـ وللغيظ فاكظم واعف عن كل مجرم

220ـ وليس شديدَ البطش صارِعُ غيره

221ـ وأوصى رسول الله من قال أوصني

*** وكن معرضاً بالحلم عن كل جاهل

وذا السوء بالإحسان جاوز وعامل

ولكنّ مَنْ يَصْرَعْ هواه بعاجل

فكرر لا تغضب ثلاثاً لسائل

الشـرح:

ذكر المؤلف هذه الأبيات ليبين عظيم من حسن خلقه وكظم غيظه فقد نطق الوحي المبين بفضله في ثنائه على من كان هذا طبعه وسمته. قال تعالى في وصفه للمؤمنين: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ}([254])، وقال تعالى في معرض ثنائه على نبيه ﷺ: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}([255]).

أما نصوص السنة التي جاءت في معرض بيان حسن الخلق فهي كثيرة نذكر طرفاً منها:

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ: ( البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)([256]).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله ﷺ فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول: (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً)([257]).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يبغض الفاحش البذي )([258]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله ﷺ عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: (تقوى الله وحسن الخلق)([259]).

وعنه أيضاً قال رسول الله ﷺ: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم)([260]).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول:(إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)([261])  والأحاديث في ذلك الباب كثيرة .

وفي البيت ( الثامن عشر بعد المائتين ) :

يشير المؤلف رحمه الله إلى قوله تعالى لنبيه ﷺ: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ}([262]). وإلى قولـه ﷺ لأشج عبد قيس:(إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة)([263]).

وفي البيت ( العشرين بعد المائتين ):

يشير إلى قولـه ﷺ:(ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)([264]).

وفي البيت ( الحادي والعشرين بعد المائتين ) :

يشير رحمه الله إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله أوصني قال: (لا تغضب)، فردد مراراً قال: (لا تغضب)([265]).

  

فصل في إنفاق المال في موضعه

والحث على الجـود

222ـ وكن باذلاَ  للمال لا تَمنعنَّهُ

223ـ بإنفاقه لله في كل موضع

224ـ فمن جاد بذلاً حاز مجداً وسؤدداً

225ـ وكم من قليل الجند عز ببذله

*** عن الخلق لا تعبأ بقول العواذل

له من أدا غرم وإغناء عائل

وليس يُنال المجد إلا لباذل

ونال به ملك الأعادي الأباخل

الشـرح:

ذكر المؤلف رحمه الله في هذه الأبيات فضل الإنفاق في وجوه الخير وحث المدعو على الجود والبذل في ذلك. فكل ذلك لبيان عظيم الإنفاق وعظيم فضل المنفقين قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ } الآية([266]). وقال أيضاً:{ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}([267]). وقال: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}([268]).

أما الأحاديث فهي كثيرة منها :

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : قال الله تعالى (انفق يا ابن آدم ينفق عليك)([269]).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ: (يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك و إن تمسكه شر لك ولا تلام على نفاق، وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى)([270]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  قال رسول الله ﷺ :(ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينـزلان ، فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً)([271]).

في البيت ( الثاني والعشرين بعد المائتين ):                 

حث من المؤلف رحمه الله للمدعو ببذل المال على الخلق وعدم النظر إلى أموال الناس فلا يعبأ بقولهم .

وفي البيت ( الثالث والعشرين بعد المائتين ) :

بين بعض الأمور التي ينفق فيها المال وذلك بأن يبذل على غريم أو فقير عائل وهـذا من أعظم ما ينفق فيه المال .

وفي البيت ( الرابع والعشرين بعد المائتين ):

ينبه المؤلف إلى أنه بالإنفاق ينال الإنسان المجد والسيادة، لا ينال ذلك إلا الباذل من مالـه، وهذا صحيح ومشاهد، فالباذلون يحبهم الناس ويوقرونهم ويثنون عليهم فهل هناك شرف أعظم من ذلك ولذلك قال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}([272]).

وفي البيت ( الخامس والعشرين بعد المائتين):

فيه إشارة إلى أن الإنسان ببذلـه للمال وإنفاقه على المحتاجين فإنه يكسب قلوبهم وبالتالي يكونون جنوداً لـه مدافعين عنه لكونه قد أصبح عزيزاً عندهم.

أما البخيل فإنه يكسب عداوة الناس وبخاصة الفقراء ولا يسلم من تسلط أهل الشر والفساد على ماله وهذا بلا شك جزاءً وفاقا.

 

فصل في الصدقات والرفق بالفقير

226ـ ومن يتصدق يخفها عن شماله

227ـ ومن يبدها لو أنها شق تمرة

228ـ ويقبلها الرحمن من متصدق

229ـ وعن دافع تطفى الخطيئة كلها

230ـ وللمال حفظاً والمريضِ دواؤه

231ـ وكن خافضاً منك الجناح لمؤمن

232ـ وإياك والمن الخبيث فإنه

*** يُظَلَّلْ بظل العرش يوم المهاول

فيا نَعمها من تُقْيَةٍ للمناول

بيمناه قبل الآخذ المتناول

كما الماء يطفىء النار ذات المشاعل

بإخراجها قد صح عن نقل ناقل

فقير ولا تهزأ بقول لسائل

سيحبط ما أنفقته بالتكاسل

الشــرح:

هذه الأبيات ساقها المؤلف لبيان عظم شأن التصدق والرفق على من تصدق عليهم  من الفقراء وغيرهم .

في البيت (السادس والعشرين بعد المائتين):

فيه إشارة إلى قولـه ﷺ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم ﷺ: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)([273]).

وفي البيت ( السابع والعشرين بعد المائتين ) :

يشير رحمه الله إلى قوله ﷺ: (اتقوا النار ولو بشق تمرة )([274]).

وفي البيت (الثامن والعشرين بعد المائتين):

فيه إشارة إلى الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل )([275]).

وفي البيت ( التاسع والعشرين بعد المائتين ):

فيه إشارة إلى قولـه ﷺ:(.والصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)([276]).

وفي البيت ( الثلاثين بعد المائتين ) :

يعدد فضائل الصدقة فمن فضائلها أنها تقي مصارع السوء فهي حفظ للمال من الشرور وقد مر بنا ذكر ذلك سابقاً، وهي أيضاً دواء للمريض، كما ورد:(داووا مرضاكم بالصدقة)([277]).

وفي البيت ( الحادي والثلاثين بعد المائتين ) :

ينتقل المؤلف رحمه الله إلى حث المدعو إلى خفض الجناح للفقير المسلم وعدم نهره بقول أو فعل. قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}([278]).

وقال أيضاً : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}([279]).

وقال تعالى: {وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}([280]).

وقد روى مسلم في سبب نزول هذه الآية عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا مع  النبي ﷺ ستة نفر، فقال المشركون للنبي ﷺ: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما ، فوقع في نفس رسول الله ﷺ ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله تعالى: {وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }([281]) .

وفي البيت ( الثاني والثلاثين بعد المائتين ) :

تحذير من المؤلف رحمه الله بعدم المن في العطية فإنه يحبطها وذلك لكونه صفة خبيثة لا يرضاها الله .

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}([282]).

وقال أيضاً: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} ([283]).

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب )([284]).

  

فصل في الأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر

233ـ وأَمْرٌ بمعروف و تغيير منكر

234ـ فأعلاه فِعْلٌ ثم بالقول بعده

235ـ وإن لم تزالوا تأمروا سفهاءكم

236ـ وإلا فسلطان يسلطه ربكم

237ـ وفي ظلمه هذا فليس براحم

238ـ وأخياركم يدعون بالنصر ربهم

*** ففرض علينا حكمه بالتفاضل

وأدناه بالقلب الضعيف المنازل

وتنهونهم عن كل قبح الفعائل

عليكم ظلوماً جائراً غير عادل

صغيراً ولا يرثى لشيبة عاقل

فلا يستجيب الله منهم لسائل

الشـرح:

انتقل بنا المؤلف رحمه الله إلى بيان عصب الأمة والتي لا يتم خيرتها إلا به وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ} ([285]).

قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } ([286]).

وقال تعالى أيضاً: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ}([287]).

وقال أيضاً في بيان وصف نبينا محمد ﷺ: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ} ([288]).

وقال : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ([289]).

والآيات في هذا الباب كثيرة .

في البيت ( الثالث والثلاثين والرابع والثلاثين بعد المائتين ):

يشير إلى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)([290]).

وفي الأبيات من ( الخامس والثلاثين إلى الثامن والثلاثين بعد المائتين ):

كلها تشير إلى ما رواه الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم )([291]).

وروى الأصبهاني في الترغيب والترهيب (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عدواً من غيركم ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )([292]).

وروى الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ (..والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطراً ، ولتقصرنه على الحق قصراً ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم)([293]).

 

239ـ بذا قاله من ليس ينطقْ عن الهوى

240ـ وقد جاء في القرآن في لعن أمة

241ـ ولم يَكُ ينهى البعض بعضاً عن الهوى

242ـ وفي مدحكم قد كنتمُ خير أمة

243ـ فلا الدين إلا الأمر والنهي أصله

*** يشاهده في عصرنا كل ناقل

خلت أهل كفر في زمان الأوائل

 ولم يك موجوداً بهم عدل عادل

بأمر ونهي تزجرون لجاهل

فدين بلا أمر ونهي فعاطل

الشـرح:

ما زال المؤلف يبين هذه الفريضة العظيمة يعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذه الأبيات تابعة لما قبلها.

ففي البيت ( التاسع والثلاثين بعد المائتين ):

أشرنا إلى ما جاءت به نصوص السنة المطهرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وفي الأبيات ( الأربعين والحادي والأربعين والثاني والأربعين بعد المائتين ) :

ذكرنا الأدلة من القرآن الكريم على ذلك في أول الكلام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي البيت ( الثالث والأربعين بعد المائتين ) :

يذكر المؤلف رحمه الله أن الدين بني على الأمر والنهي فهو أصل الدين ودعامته، فدين بلا أمر ولا نهي فهو في الحقيقة لا يسمى ديناً ، لأن النفس جبلت على محبة الشر والتكاسل عن المعروف، فإن لم يكن هناك أمر ولا نهي عمَّ الأرضَ الفسادُ وهذا هو الملاحظ في هذه الفترة ، نسأل الله تعالى أن يعصمنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن .  

 

فصل في الإمام ونائبه

244ـ وإن كنت يا هذا إماماً ولم تُجَبْ

245ـ وصادم بصبر في الحروب وضيقها

246ـ وقنية بيض ذي شطوب وحِدَّةٍ

247ـ وقنية لدن ذي حراب فوارياً

248ـ وإعداد آلات الحروب بأسرها

249ـ وإعداد خيل صافنات عوادياً

250ـ من الهجن أبكار حراير عُوِّدَتْ

*** إلى طاعة الرحمن فانهض وقاتل

ولو كان فيها جرع لب الحناظل

تُجَزِّلُ أعناق العدا والكواهل

من السمهريات الرماح الذوايل

دروعاً وبيضاً واقتناء الرواحل

من العربيات الجياد القوافل

بقطع مسافات وطيَّ المراحل

الشـرح:

في هذه الأبيات ينقلنا المؤلف إلى ما فيه عزُّ الأمة ألا وهو الجهاد في سبيل الله فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة في فضل جهاد أهل الكفر والنفاق والعناد قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} ([294]).

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}الآية([295]).

والآيات التي جاءت في فضائله كثيرة معلومة.

أما الأحاديث :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله ﷺ أي الأعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله)، قيل: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)، قيل: ثم أي؟ قال:(الجهاد في سبيل الله)([296]).

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:(لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)([297]).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ النبي ﷺ فقال: أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قال ثم من؟ قال: (مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره )([298]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض)([299]). والأحاديث أيضاً في فضل الجهاد في سبيل الله كثيرة.

ولما كان فضل الجهاد كما ذكرنا عظيم جداً نبه المؤلف على بيان فضائله وكيفيته.

ففي البيت ( الرابع والأربعين والخامس والأربعين بعد المائتين ):

يشير المؤلف إلى أن الإمام إذا دعا الناس إلى الجهاد ومقاتلة أعداء الدين فلم يُجبْ فإن الواجب عليه أن يستجيب هو لطاعة الرحمن فيقاتل وإن كان وحده وذلك لتقديم العذر أمام الله تعالى، وعليه بالصبر في الحروب وإن ضاقـت عليه بل ولو كان  فيها مرارة الحنظل .

وفي الأبيات ( السادس والأربعين والسابع والأربعين بعد المائتين ):

فيها دعوة إلى الشدة في قطع رقاب أعداء الدين وقولـه (قنية بيض ) المراد بها السيوف ووصفها بأنها ذات شطوب وحدة، وهذا يدل على قوتها وشدتها في قطع الرقاب ولذا قال  ( تجزِّل أعناق العدا والكواهل ) وهذه السيوف لدى أناس أصحاب شجاعة وقوة عند  الحروب وذلك عند غضبهم من أعدائهم .

وفي الأبيات ( الثامن والأربعين والتاسع والأربعين والخمسين بعد المائتين ) :

بين المؤلف رحمه الله كيفيَّة إعداد القوة التي يرهب بها أعداء الله تعالى، فمن ذلك:

إعداد آلات الحروب بأسرها من دروع وسيوف وخيول، هذه الخيول ليست بأي خيول بل هي عربية لأن لها صفات مخصوصة اختصها الله بها فإن الله فضلها بأن لها قوة تستطيع أن تقطع بها مسافات طويلة وبسرعة فائقة ويمكن أيضاً حمل الأشياء عليها وبخاصة المحاربين في حروبهم، فكأن الله اختصها بذلك لتكون عوناً للمسلمين على قتال أعدائهم .

 

244ـ وإن كنت يا هذا إماماً ولم تُجَبْ

251ـ وغاراتها صبحاً على كل معتد

252ـ وتثويرها نقعاً من الأرض عالياً

253ـ توسطن جمعاً للعدا فتشعشعت

254ـ عليها رجال كالأسود فوارس

255ـ وعند اْلتِقَا الصفين في الحرب جربوا

256ـ وجَعْلهُمُ صَرْعَى جُذاذًً تخالهم

257ـ فهذاَ جزاء المفسدين من العدا

*** إلى طاعة الرحمن فانهض وقاتل

وإيراؤها قدحاً بصم الجنادل

حجاباً لعين الشمس عن عين كاحل

بصوت رفيع للجموع الجحافل

جريئون لا يخطون ضرب المقاتل

بتفليق هامات العدا بالمناصل

كأعجاز نخل فُلِّقَتْ بالمناجل

عدا الدين لا أعداء حِمْيَةِ جاهل

الشـرح:

 في هذه الأبيات يصف لنا المؤلف حال المجاهدين في سبيل الله حينما ينقضون على عدوهم.

ففي الأبيات (الحادي والخمسين إلى الثالث والخمسين بعد المائتين):

يشير إلى قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} ([300]). فقول الله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} أي الخيل حينما تعدوا عدواً بليغاً قوياً ويصدر من هذا العدو الضبح، وهو صوت نفس الخيل في صدرها عند اشتداد عدوها .

وقوله تعالى:{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً} أي تنقدح النار من صلابة حوافرهن وقوتهن إذا عدون.

وقوله تعالى: { فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } أي التي تغير على عدوها صباحاً وهذا أمر أغلبي فإن الغارة تكون صباحاً .

وقولـه تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً} أي بهذا العدو القوي الشديد صار هناك غبار. وقوله تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} أي توسطن به جموع الأعداء الذين أغار عليهم.

وفي الأبيات (الرابع والخمسين إلى السابع والخمسين بعد المائتين):

يصف فيها المؤلف رحمه الله حال الفريقين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فيصف أولياء الرحمن يعني حزب الله المقاتلين بأنهم كالأسود ووصفهم بالأسود لقوة بَطْشِهَا على عدوها، ووصفهم بأنهم لا يخطئون عدوهم عند المبارزة والقتال، وهذا دليل على أنهم مجربون لهذه الحروب، وأنهم على علم ودراية بما يحصل فيها وهذا أمر مشاهد عند التقاء الصفوف فهم صابرون محتسبون .

أما أولياء الشيطان فقد وصفهم بأنهم كأعجاز النخل التي قد فلقت بالمنجل وأعجاز النخل هي جذوع النخل التي قطعت رؤوسها الخاوية الساقطة بعضها على بعض فهذا جـزاء من عادى هذا الدين وعادى أهله .

          

258ـ وهذا هو المجد المؤثَّل أصله

259ـ وصادم بعزم واتكال وهمة

260ـ ولاتك هياباً جزوعاً مُخَوِّراً

261ـ بلى كن صبوراً في الأمور مصادماً

262ـ ولا تك يوماً للجبان مصاحباً

263ـ فيلقيك في الحالات عند ورودها

*** ذكرت ولم أذكر فروع المسائل

ورأي سديد عند قطع المفاصل

إذا اشْتُدَّ خَطْبٌ بالْوَنَى متثاقل

بعزمك والقلب الشجاع المماحل

فيرديك إذ مَالَتْ عليك المحافل

وتزداد جبناً عند فعل الجمائل

الشـرح :

في هذه الأبيات يوصي فيها المؤلف المدعو بعدة أمور :

الأول: بأن يكون ذا عزم واتكال، وذا همة عالية، وذا رأي سديد.

وهذه في الحقيقة أمور لابد منها، فصاحب الهمة العالية، والرأي السديد، والعزم الأكيد تراه قوياً في دينه ودنياه، حريصاً على كل ما ينفعه في أخراه، نشيطاً في طاعة مولاه، أما من كان بخلاف ذلك فتراه عالة على غيره، لا فائدة منه، فهذا ممقوت عند الناس وعند خالقه، فهو لا للآخرة يعمل ولا هو لدنياه يعمل.

الثاني: بأن يكون صبوراً عند المصائب فلا جزع ولا خور ولا  كل ما فيه منافاة للصبر عند حصول المكروه، بل هنالك صبر، ورضى، وتسليم، وعزم قلب، وشجاعة.

الثالث: بأن يكون ذا رأي صائب عند اختيار من يخاللـه، فلا يختار الجبان ليكون صاحباً له، لأن في صحبته ضرراً عظيماً عليه، فهو يرديه إذا أَلَمَّتْ به المحافل والأقدار، فلا يغرك حين يلقاك في حالات طيب العيش ولذته وغير ذلك، مما أنت فيه من سعادة فلا يغرك بكلامه الطيب، والورود الجميلة لأنه جبان مخوار لا يهمه إلا مصلحة نفسه فعليك بأن تجتنبه.

 

264ـ وكن واثقاً بالله في كل حالة

265ـ فكم من قضا يجري عليك بكرهه

266ـ وسلم له الاقدار وارض بأمره

267ـ ونفسك هنها لا تعنها على الهوى

268ـ وخالف هواها لا يغرك مكرها

*** ولا تتكرَّهْ عند أمر النوازل

عواقبه خير مع الكره حاصل

وإياك أن تصغي لقول العواذل

فتهويك في أدراك شر الحبائل

وشهوتها فاقمع لها بالتثاقل

الشـرح:

في هذه الأبيات دعوة من المؤلف ـ رحمه الله ـ للمدعو بأن يكون واثقاً بربه سبحانه وتعالى، وأن يسلم الأقدار إليه لأنه سبحانه وتعالى لا يحدث في ملكه إلا ما يريده سبحانه وتعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}، فيجب عليك أن تصبر على قضائه وقدره وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فلا تجزع من هذا كله، بل عليك بالثبات والصبر والاحتساب. ثم اعلم أيها المدعو أن {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، فعاقبة ما تلقاه في دنياك إلى خير ولكن مع الصبر وعدم الجزع.

وفي الأبيات ( السابع والستين والثامن والستين بعد المائتين) :

يرشد المؤلف ـ رحمه الله ـ المدعو بأن يخالف هواه ونفسه فإنهما من ألدِّ أعداء الإنسان قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه}([301]). وقال تعالى عن النفس:{إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}([302]). فإذا أطاع الإنسان نفسه وهواه أردته في شر الحبائل أي الوقوع فيما هو شر. ثم يجب أن تعرف أيها المدعو أن النفس والهوى قد يغرانك وذلك منهما مكر وخديعة لكي يوقعانك في المنكر  فاحذر ذلك وأقمع هذين العدوين لكي تنجو من سخط الرحمن.

 

269ـ وجاهد لها حتى تكن مطمئنة

270ـ وصل عليها ميتة قبل دفنها

271ـ بصبر يسعها تطمئن بطاعة

272ـ وأزكى صلاة الله ثم سلامه

273ـ وتممتها والحمد لله  ختمها

*** بتطهيرها عن شبه فعل الأراذل

بحسن العزا واصبر وكن خير فاعل

بترك هواها آجلاً بعد عاجل

على المصطفى ما هل وَبْلُ المخائل

على كل حال للهداية سائل

الشـرح:

 ما زال المؤلف يركز على أمر النفس وكيفية الأخذ بها إلى نواحي الحق فمن ذلك  مجاهدة النفس على طاعة الله سبحانه وتعالى والأخذ بها إلى ما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة .

ففي البيت ( التاسع والستين بعد المائتين ) :

يشير إلى قولـه تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}([303]). ومعنى زكاها أي طهرها من كل شائبة .

وفي البيت ( السبعين بعد المائتين ) :

كأن المؤلف يعزي المدعو إذا انتقلت عنه نفسه فلا يستطيع أن يتحكم فيها فإنه حينئذٍ ما عليه إلا أن يصلي عليها صلاة الميت قبل دفنه لأنه في الحقيقة صاحب هذه النفس مات قلبه وجوارحه، وإن كان يصير بين الأحياء، لأن النفس  الصحيحة هي التي تعلق صاحبها بربه سبحانه وتعالى فإن كانت غير ذلك أودت بصاحبها في المهلكات وبالتالي جعلته ميتاً للقلب نعوذ بالله منها .

وفي البيت ( الحادي والسبعين بعد المائتين ) :

فيه الدعوة بالصبر على نفسه وملاطفتها كي تصبر على طاعة الله تعالى ويطمئنها بذلك أي بطاعة الله ويترك الهوى في العاجل أو الآجل . نسأل الله تعالى أن يطهر نفوسنا مما علق بها إنه سميع قريب .

وفي الأبيات ( الثاني والسبعين والثالث والسبعين بعد المائتين ) :

يختم المؤلف رحمه الله منظومته بالصلاة والسلام على النبي ﷺ. وقولـه:(ما هل وبل المخائل)، يعني السحاب أي ما نزل المطر من السحاب.

وقد ختم المؤلف هذه المنظومة بما يختم به المؤلفون والباحثون عادة بالصلاة والسلام على الحبيب ﷺ وهو ختام مناسب جداً .   

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين  وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

 

فهرس الـموضوعات

الموضوع الصفحة
المقدمة:
التعريف الإجمالي بالمنظومة
ترجمة صاحب المنظومة:
فصل: في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} 
فصل : في بيان المتقين الأولياء
فصل : في معرفة الكتاب والسنة
فصل : في إثبات الصفات وإمرارها كما جاءت
فصل : في الإيمان بالقرآن كلام الله حرفه ومعناه 
فصل : في الاستواء بلا كيف ولا تشبيه
فصل : في رؤية الله تعالى 
فصل : في الإيمان بالقدر
فصل : في الإيمان يزيد وينقص
فصل : في أركان الإسلام وأن الصلاة ثانية أركان الإسلام
فصل : في الزكاة المفروضة
فصل :في الحج والصوم
فصل : في حقوق الوالدين على الأولاد
فصل : في حقوق الأولاد على الوالدين
فصل : في صلة الأرحام
فصل : في الإحسان إلى الأيتام و التحذير من أكل أموالهم..
فصل : في قتل النفس التي حرم الله
فصل : في اللواط وفي الزنا
فصل : في الظلمة والمتكبرين
فصل : في شرب الخمر والربا
فصل : في التحذير من الرياء والحسد والغيبة والنميمة 
فصل : في اليمين الغموس ورمي المؤمنات الغافلات وشهادة الزور
فصل : في القرآن حجة لك أو عليك
فصل: في العلم وإكرام العلماء
فصل : في إكرام الضيف 
فصل : في حقوق الجار على الجار
فصل : في حسن الخلق وكظم الغيظ 
فصل : في إنفاق المال في مواضعه والحث على الجود
فصل : في الصدقات والرفق بالفقير
فصل : في الأمر بالمعروف والنهي عن بالمنكر
فصل : في الإمام ونائبه
فهرس الموضوعات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) ستأتي ترجمة الشيخ رحمه الله بعد هذه المقدمة.

([2])  علماء نجد خلال ثمانية قرون  5/451 .

([3])  روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد ـ محمد القاضي 2/196.

([4]) انظر ترجمة الشيخ إبراهيم بن سيف رحمه الله في روضة الناظرين 1/35.  علماء نجد خلال ثمانية قرون (عبدالله البسام ) 1/311  .

([5]) علماء نجد ـ عبد الله البسام 1/451

([6])  انظر ترجمته في علماء نجد 1/457.

([7]) وخير شاهد على ذلك هذه المنظومة.

([8])  علماء نجد (1/451).

([9]) روضة الناضرين ـ محمد القاضي  3/197 ـ  198 .

([10])  علماء نجد 5/453.

([11])  المرجع السابق.

([12]) سورة الحجرات، الآية: (17).

([13]) سورة القصص، الآية: (56).

([14]) رواه البخاري عن أبي العالية – كتاب التفسير – سورة الأحزاب – باب (إن الله وملائكته يصلون على النبي) فتح الباري 8/532.

([15]) رواه مسلم 7/58.

([16])  سورة البقرة، الآية: 282.

([17]) سورة الأنعام، الآية: 153.

([18]) سورة يونس، الآيتان: 62، 63.

([19]) سورة يونس، الآية: 62.

([20]) سورة يونس، الآية: 64.

([21]) سورة الواقعة، الآيتان: 10، 11.

([22]) سورة المؤمنون، الآيات من (1 إلى 10).

([23]) سورة المؤمنون، الآيات من (57 إلى 61).

([24]) سورة الإنسان، الآيات من (7 إلى 10).

([25]) سورة المطففين ، الآيات من (29 – 36).

([26])  سورة البقرة، الآيات: من (3 إلى 5).

([27]) سورة البقرة، الآية: 4.

([28])  سورة الأنبياء، الآيتان: 21، 22.

([29]) سورة الإخلاص.

([30]) سورة المؤمنون، الآية: 91.

([31])  سورة الشورى، الآية: 11.

([32]) سورة الأنعام، الآيتان: 112، 113.

([33]) سورة الرحمن، الآية: 27.

([34])  سورة التوبة، الآية: 6.

([35])  سورة الفتح ، الآية: 15.

([36])  فتح الباري 13/5.

([37])  المغني لابن قدامة 9/399.

([38]) العين والأثر في عقائد أهل الأثر رشيد النجدي الحنبلي 1/67.

([39])  سورة الملك، الآيتان: 16، 17.

([40])  الموجود في كلام المؤلف (الأولى) ولعل الصواب ( الأعلى ) .

([41])  سورة السجدة، الآية: 5.

([42]) سورة فاطر، الآية: 10.

([43])  سورة فصلت، الآية: 11.

([44])  سورة الأعلى، الآية: 1.

([45])  سورة المعارج ، الآية: 4.

([46]) سورة الأعراف، الآية: 54.

([47])  سورة يونس، الآية: 3.

([48])  سورة الرعد ، الآية: 2.

([49])  سورة طه، الآية: 5.

([50])  سورة الفرقان، الآية: 59.

([51]) سورة السجدة، الآية: 4.

([52])  سورة الحديد، الآية: 4.

([53])  رواه البخاري برقم (7494) – ومسلم برقم (758).

([54])  رواه بن أبي عاصم في السنة (512) وابن حبان (1980) – وأحمد برقم (1642) والحديث صححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 1144.

([55])  سورة الفجر، الآية: 22.

([56])  سورة البقرة، الآية: 210.

([57]) رواه البخاري (8/538) في الفتح ، ومسلم في كتاب الإيمان (1/114).

([58])  سورة الرحمن، الآيتان: 26، 27.

([59])  سورة ص، الآية: 75.

([60])  سورة المائدة، الآية: 64.

([61])  رواه مسلم برقم 1827.

([62])  سورة الزمر، الآية: 67.

([63])  البخاري برقم 4812 و 7412 – ومسلم برقم 2787 و 2788.

([64])  رواه مسلم 8/51.

([65])  سورة الطور، الآية: 48.

([66])  سورة القمر، الآية: 14.

([67])  سورة طه، الآية: 39.

([68])  رواه البخاري 7384 – ومسلم 2948.

([69])  سورة الشورى، الآية: 11.

([70])  سورة البقرة، الآية: 195.

([71])  سورة الحجرات، الآية: 9.

([72])  سورة التوبة ، الآية: 7.

([73])  سورة البقرة، الآية: 222.

([74])  سورة الزخرف، الآية: 55.

([75])  رواه مسلم برقم 2638.

([76])  سورة المائدة، الآية: 119.

([77])  سورة محمد، الآية: 28.

([78])  سورة القيامة، الآيتان: 22، 23.

([79])  سورة يونس ، الآية: 26.

([80])  رواه مسلم برقم 181 كتاب الإيمان باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى.

([81])  سورة المطففين ، الآية: 15.

([82])  رواه البيهقي 1/419 في مناقب الشافعي رحمه الله.

([83])  رواه البخاري برقم 7437 – ومسلم برقم 182.

([84])  رواه البخاري برقم 554 ـ و مسلم برقم 183.

([85]) انظر حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم ص (242) فقد نقل كلام الإمام أحمد  وغيره في كفر من أنكر رؤية الله تعالى .

([86])  رواه الترمذي برقم 2518.

([87])  سورة الأنعام، الآية: 149.

([88])  سورة هود، الآية: 118.

([89])  سورة البقرة، الآية: 253.

([90])  سورة الإنسان ، الآية: 30.

([91])  سورة القمر، الآية: 49.

([92])  سورة الصافات، الآية: 96.

([93])  رواه البخاري  6/220 ومسلم برقم 2643.

([94])  سورة الكهف، الآية: 49.

([95])  رواه أحمد 5/317 وأبو داود برقم 4700 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 133.

([96])  سورة النحل ، الآية: 32.

([97]) سورة الملك، الآية: 2.

([98])  سورة الزمر ، الآية: 7.

([99])  سورة النساء، الآية: 165.

([100]) سورة الأعراف، الآية: 28.

([101])  رواه مسلم برقم 8.

([102])  رواه مسلم برقم 35.

([103]) سورة التوبة، الآية: 124.

([104])  سورة المدثر، الآية: 31.

([105])  سورة الأنفال، الآية: 2.

([106])  سورة مريم ، الآية: 76.

([107])  سورة الفتح ، الآية: 4.

([108])  سورة آل عمران، الآية: 173.

([109])  رواه مسلم برقم 79.

([110]) خرجه بن أبي شيبة في الإيمان : 108.

([111])  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم 8549.

([112])  رواه البخاري معلقاً 1/45.

([113])  رواه البخاري – باب إفشاء السلام من الإيمان 1/82.

([114]) رواه مسلم برقم 35.

([115])  رواه البخاري برقم 9.

([116])  سورة يوسف، الآية: 17.

([117])  سورة الحجرات، الآية: 14.

([118])  رواه البخاري 1/46 – ومسلم برقم16.

([119])  سبق تخريجه.

([120]) سورة العنكبوت، الآية: 45.

([121])  رواه البخاري 2/9 – ومسلم برقم 667.

([122])  سورة هود، الآية: 114.

([123])  رواه البخاري 2/7 – ومسلم 2763.

([124])  رواه مسلم 233.

([125])  رواه مسلم 228.

([126])  رواه البخاري كتاب الصلاة باب (كيف فرضت الصلاة في المعراج) برقم 192 مختصر صحيح البخاري للألباني.

([127])  سورة النساء، الآية: 103.

([128]) رواه أحمد في المسند 5/310 وصححه الألباني مشكاة المصابيح 1/279 برقم 885.

([129]) سبق تخريجه.

([130])  رواه البخاري 1/70 – ومسلم برقم 22.

([131])  سورة البقرة، الآية: 43.

([132])  سورة البقرة، الآية: 238.

([133]) رواه البخاري 2/107، 108 – ومسلم 651.

([134])  رواه أحمد 5/251 وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/229.

([135])  ذكره الألباني في صحيح الجامع وحسنه 2/353.

([136]) رواه البخاري – كتاب الأذن – باب فضل صلاة الجماعة 1/158.

([137])  رواه مسلم 1/453 برقم 654.

([138])  سورة التوبة، الآية: 5.

([139])  رواه مسلم (كتاب البر) باب استحباب العفو والتواضع برقم 2588.

([140])  صحيح الترغيب والترهيب للألباني 1/312 برقم 743.

([141])  سورة آل عمران، الآية: 180.

([142])  رواه البخاري (كتاب الزكاة ) باب إثم مانع الزكاة حديث رقم 701 مختصر البخاري للألباني.

([143])  رواه مسلم 1/284.

([144])  سورة التوبة ، الآيات: 34 – 35.

([145])  رواه البخاري 3/52 – ومسلم برقم 987.

([146])  سورة البقرة، الآية: 183.

([147])  رواه البخاري 4/88 – ومسلم برقم 1151.

([148])  رواه البخاري 4/99.

([149])  سورة البقرة، الآية: 197.

([150])  رواه البخاري 3/302.

([151])  سورة آل عمران ، الآية: 97.

([152])  سورة البقرة ، الآية: 183.

([153]) رواه مسلم برقم 1164.

([154])  رواه مسلم برقم 1162.

([155])  رواه مسلم برقم 1162.

([156])  سبق تخريجه ص104.

([157])  سورة الإسراء، الآية: 23.

([158])  سورة لقمان، الآية: 14.

([159])  سورة الإسراء، الآية: 23.

([160])  سورة الإسراء، الآية: 24.

([161])  رواه البخاري 1/342، 345 – ومسلم برقم 87.

([162])  سورة لقمان ، الآية: 14.

([163]) سورة النساء، الآية: 36.

([164])  سورة الإسراء، الآية: 23.

([165]) الحديث ضعيف جداً ضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم 14 وضعفه الحافظ العراقي في إحياء علوم الدين 2/38.

([166])  رواه بن ماجة 1/607 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 3/56 برقم 1067.

([167])  سورة محمد، الآيتان: 22، 23.

([168])  سورة الرعد، الآية: 25.

([169])  رواه البخاري 1/347 – ومسلم برقم 2556.

([170])  سورة الرعد ، الآيات: 21 – 24.

([171])  سورة النساء، الآية: 1.

([172])  رواه البخاري 1/373 – ومسلم برقم 47.

([173])  رواه البخاري 1/348 – ومسلم 998.

([174])  سورة الضحى، الآية: 9.

([175])  سورة النساء، الآية: 2.

([176])  سورة النساء، الآية: 3.

([177])  سورة النساء، الآية: 10.

([178])  رواه مسلم برقم 2983.

([179])  البخاري 5/294 – ومسلم برقم 89.

([180])  انظره في مشكاة المصابيح 2/845 برقم 2772 بتحقيق الألباني.

([181])  المرجع السابق 2/848 برقم 2787.

([182])  سورة النساء، الآية: 93.

([183])  سورة الأنعام ، الآية: 151.

([184])  سورة الفرقان، الآية: 68.

([185]) رواه مسلم برقم 1678.

([186])  سبق تخريجه.

([187])  سورة الإسراء، الآية: 33.

([188])  سورة الإسراء، الآية: 32.

([189])  سورة الأعراف، الآيتان: 80، 81.

([190]) رواه البخاري 6/22 – ومسلم 1/90.

([191])  سورة القصص، الآية: 83.

([192])  سورة لقمان ، الآية: 18.

([193])  رواه مسلم برقم 91.

([194])  رواه البخاري 8/507 – ومسلم برقم 2853.

([195])  رواه مسلم برقم 2847.

([196]) رواه البخاري 5/73.

([197])  رواه مسلم برقم 2581.

([198])  رواه البخاري 3/383 – ومسلم برقم 19.

([199])  رواه مسلم في 3/1587.

([200])  رواه الحاكم عن ابن عباس وقال صحيح الإسناد والبيهقي في شعب الإيمان جمع الجوامع 1/184 والحديث ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم 1812.

([201]) سورة البقرة، الآيتان: 278، 279.

([202])  سورة البقرة ، الآية: 275.

([203]) رواه ابن ماجة في التجارات برقم 226.

([204])  رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب برقم 1383.

([205])  الصحيحة برقم 1871.

([206])  مشكاة المصابيح 2/8059 برقم 2827 تحقيق الألباني وصححه في صحيح الجامع برقم 3536.

([207])  رواه أحمد برقم 22523.

([208])  رواه مسلم برقم 2985.

([209])  سورة النساء، الآية: 54.

([210])  رواه البخاري 10/401 – ومسلم برقم 2559.

([211]) سورة القلم، الآيتان: 10، 11.

([212])  رواه البخاري 10/394 – ومسلم برقم 105.

([213])  رواه البخاري 1/273 – ومسلم 292.

([214])  سورة النور، الآية: 15.

([215]) سورة الحجرات، الآية: 12.

([216])  رواه مسلم برقم 2589.

([217])  رواه البخاري 11/266، 267.

([218])  سورة النساء، الآية: 112.

([219])  رواه البخاري 11 /482 ، 483.

([220])  رواه البخاري 11/485 – ومسلم برقم 128.

([221]) رواه البخاري 4/266.

([222])  رواه مسلم 1606.

([223])  سورة الفرقان، الآية: 72.

([224])  سورة الحج، الآية: 30.

([225])  رواه البخاري 5/193 – ومسلم 87.

([226])  سورة النور، الآيات: 23 – 25.

([227])  سبق تـخريـجه.

([228])  سورة العنكبوت ـ الآيتان: 48، 49.

([229])  سورة الفرقان ، الآية: 30.

([230])  رواه مسلم 805.

([231])  رواه مسلم كتاب الطهارة / باب فضل الوضوء برقم 223.

([232])  أخرجه ابن ماجة برقم 3781 وقال البوصيري عنه إسناده صحيح ورجاله ثقات.

([233])  سورة آل عمران، الآية: 18.

([234])  سورة المجادلة ، الآية: 11.

([235])  رواه البخاري 1/150 – 6/152 – ومسلم برقم 1037.

([236])  رواه مسلم برقم 2699.

([237]) صحيح الترغيب والترهيب برقم 616.

([238])  سورة المجادلة، الآية: 11.

([239])  سورة الزمر، الآية: 9.

([240])  رواه البخاري / كتاب الرقاق – باب التواضع برقم 2117.

([241])  رواه مسلم برقم 673.

([242])  رواه مسلم برقم 123 في 1/323.

([243])  رواه أبو داود برقم 4843.

([244])  رواه البخاري 8/229.

([245])  رواه مسلم برقم 964.

([246])  سورة  الذاريات، الآيات: 24 إلى 27.

([247]) رواه البخاري 10 / 373 – ومسلم برقم 47. 

([248])  رواه البخاري 10/441 – ومسلم 2/1352 برقم (14) و (15).

([249])  سورة النساءـ الآية: 36.

([250])  سبق تـخريجــه.

([251]) رواه الترمذي برقم 1945  قال شعيب الأرنؤوط في رياض الصالحين إسناده صحيح.

([252]) الحديث رواه البزار برقم 1896، والبيهقي في مجمع الزوائد 8/164، والترغيب و الترهيب للأصفهاني برقم 843 . قال البيهقي رواه البزار عن شيخه عبدالله بن محمد المثنى و هو وضاع .

([253])  رواه البخاري 10/369  ـ و مسلم برقم 2624  و 2625.

([254]) سورة آل عمران، الآية: 134.

([255])  سورة القلم ، الآية: 4.

([256]) رواه مسلم برقم 2553.

([257])  البخاري 10/378  ـ ومسلم 2321.

([258])  رواه الترمذي برقم 2003 و 2004 وقال حديث حسن صحيح.

([259])  رواه الترمذي برقم 2005 وقال حسن صحيح.

([260])  رواه الترمذي برقم 1162 وقال حسن صحيح.

([261])  رواه أبو داود برقم 4798.

([262])  سورة الأعراف، الآية: 199.

([263])  رواه مسلم عن ابن عباس برقم 17 و 18.

([264]) رواه البخاري 10/431 – ومسلم برقم 2609.

([265])  رواه البخاري 10/431.

([266])  سورة آل عمران، الآيتان: 133، 134.

([267])  سورة سبأ، الآية: 39.

([268])  سورة البقرة، الآية: 272.

([269])  رواه البخاري 8/265 – ومسلم برقم 993.

([270])  رواه مسلم برقم 1036.

([271])  رواه البخاري 3/241 – ومسلم 1010.

([272])  سورة آل عمران، الآية: 92.

([273])  رواه البخاري 2/119 – ومسلم برقم 1031.

([274])  رواه البخاري 3/ 225 – ومسلم برقم 1016.

([275])  رواه البخاري 3/220 – ومسلم برقم 1014.

([276])  رواه الترمذي عن معاذ رضي الله عنه (صحيح سنن الترمذي للألباني برقم 2762).

([277])  ضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم 2956.

([278]) سورة الحجر ، الآية: 88.

([279])  سورة الكهف، الآية: 28.

([280])  سورة الأنعام، الآية: 52.

([281]) رواه مسلم 2413.

([282])  سورة البقرة ، الآية: 264.

([283])  سورة البقرة ، الآية: 263.

([284])  رواه مسلم برقم 106.

([285])  سورة آل عمران ، الآية: 104.

([286])  سورة آل عمران ، الآية: 110.

([287])  سورة التوبة ، الآية: 71.

([288])  سورة الأعراف ، الآية: 157.

([289]) سورة المائدة، الآيتان: 78، 79.

([290])  رواه مسلم برقم 49.

([291])   رواه الترمذي برقم 2175  قال شعيب الأرنؤوط  في إسناده عبدالله بن عبدالرحمن الأنصاري الراوي عن حذيفة لم يوثقه ابن حبان لكن له شاهد من حديث ابن عمر عند الطبراني في الأوسط وآخر  عند الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة (رياض الصالحين ) تحقيق  شعيب الأرنؤوط .

([292])  رواه الأصبهاني في الترغيب و الترهيب برقم 285.

([293]) رواه أبو داود برقم 4336  ـ و الترمذي برقم 3050.

([294])  سورة التحريم ، الآية: 9.

([295])  سورة الصف ، الآيتان: 10 ، 11.

([296])  رواه البخاري 2/7 – ومسلم برقم 85.

([297])  رواه البخاري 6/11 – ومسلم برقم 1880.

([298])  رواه البخاري 6/4 – ومسلم 1888.

([299])  رواه البخاري 6/9 – 10.

([300])  سورة العاديات ، الآيات : من 1 إلى 5.

([301])  سورة ص ، الآية: 26.

([302])  سورة يوسف ، الآية: 53.

([303])  سورة الشمس، الآيات: من 7 إلى 10.