43 – كيفية الزيارة الشرعية للمدينة النبوية
43 – كيفية الزيارة الشرعية للمدينة النبوية pdf
كيفية الزيارة الشرعية
للمدينة النبوية
تأليف
أ.د/ عبدالله بن محمد أحمد الطيار
المقدمـة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[سورة آل عمران، الآية: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[سورة النساء، الآية: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[سورة الأحزاب، الآيتان: 70، 71]. أما بعد:
فإنه لا شيء أفسد على الأمة دينها وضيّع كيانها وجعلها غثاءً كغثاء السيل فتكالب عليها أمم الكفر، كالبدع التي تفتك في الأمة فتك الذئب بالغنم وتنخر فيها نخر السوس في الحب وتسري في كيان الأمة سريان النار في الهشيم..
إن البدع التي يموج فيها السواد الأعظم في هذه الأمة وبخاصة في هذه الفترة أدت إلى انتشار الشرك بطريقة لا يصدقها عاقل أبدا. فكم كنت حزينا عندما سمعت بهذا الرجل الذي جاء من وطنه قاصداً أداء مناسك الحج فإذا به يذهب إلى المدينة النبوية يجلس فيها طوال أيام الحج ومعرضا عن أداء مناسك الحج، جالسا أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستغيثا به مستشفعا طالبا قضاء الحوائج منه بل أخذ ينكر على قاصدي مكة لأداء مناسك الحج قائلا: (الحج هاهنا) يعنى الجلوس أمام القبر ثم رجع إلى وطنه دون أن يؤدي مناسك الحج فيا لها من غربة للدين ويا له من شركٍ صراح.
لقد أحدث المسلمون في دينهم من البدع ما انحرف بكثير منهم عن سواء السبيل وعمّى عليهم دينهم الحق الأصيل فما يفتح لهم الشيطان بابا من الضلال إلا ولجوه ولا يزين لهم شيئا من البدع إلا تبعوه وما زال الخطر يستفحل والشر يتفاقم حتى طمَّ السيل وأليل الليل عن كثير من المسلمين. وما تزال بلادنا-ولله الحمد- سليمة من كثير من البدع التي تموج بها كثير من بلاد المسلمين وذلك بفضل الله ثم بفضل دعوة التوحيد وتكاتف الولاة والعلماء على السير بقوة حسب المنهج الشرعي وسد أبواب البدع بقدر الإمكان.
ولكن كثيرا ما يقع بعض الوافدين لبلادنا وخصوصا أثناء أداء الحج والعمرة في بعض البدع جهلا منهم بهذا الأمر وهذا من أسباب كتابة هذه الأسطر أداء للأمانة وبراءة للذمة وقياما بواجب النصيحة، وقبل أن أشرع في المقصود أحببت أن أوضح أمرا مهما وهو أن أي عمل لا بد لقبوله من تحقق شرطين أساسيين هما:
شروط قبول الأعمال:
بين الله سبحانه وتعالى في كتابه أنه لا يقبل أي عمل مما يتقرب به العباد إليه إلا إذا توفر فيه شرطان:
الشرط الأول: من شروط قبول الأعمال.
إخلاص العمل لله وحده لا شريك له لقوله صلى الله عليه وسلم :(إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)([1]).
وقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}([2])، وقوله:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ..}([3]).
وقوله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)([4])
الشرط الثاني: أن يكون هذا العمل الذي يقوم به قد شرعه الله أو شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه لا يكون بعبادة مبتدعة. لقوله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)([5])
ولهذا قال أهل العلم: إن العبادات مبناها على التوقف، وقال بعضهم: الأصل في العبادات الحظر أي المنع.
قال ابن سعدي رحمه الله: فمن أخلص أعماله لله متبعا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الذي عمله مقبول- ومن فقد الإخلاص والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدهما فعمله مردود داخل في قوله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}([6]).
ومن جمع الأمرين – أي الإخلاص والمتابعة – فقد دخل في قوله تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}([7]).
وفي قوله:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}([8]).
فحديث عمر رضي الله عنه :(إنما الأعمال بالنيات) ميزان للأعمال الباطنة، وحديث عائشة رضي الله عنها: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ميزان للأعمال الظاهرة.
فهما حديثان عظيمان يدخل فيهما الدين كله أصوله وفروعه وظاهره وباطنه أقواله وأفعاله ([9]).
أسأل الله جل وعلا أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما جهلنا وأن يجعل ما تعلمناه حجة لنا لا علينا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وكتبه أبو محمد
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
ذكر بعض فضائل المدينة النبوية
من فضائل المدينة التي يستحضرها كل مسلم عند زيارته لها أنها:
- مهبط الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم .
- أنها دار هجرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فإليها هاجر وفيها عاش آخر حياته وبها مات وفيها قبر ومنها يبعث.
- أنها ملتقى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار فهي موطن الذين تبوؤا الدار والإيمان.
- فيها عقدت رايات الجهاد في سبيل الله تعالى فانطلقت منها كتائب الحق التي تخرج الناس من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد بل قامت بإخراج الناس من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد والهداية.
- أما الأحاديث التي جاءت في فضلها فهي كثيرة، منها:
- أن الله جعلها حرماً آمناً كما جعل مكة حرماً آمناً فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن إبراهيم حرّم مكة وإني حرّمت المدينة لا يقطع عضدها ولا يصاد صيدها)([10]).
- أن الله سماها طابة وسماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة ، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سمى المدينة طابة) ([11]).
وهذان اللفظان مشتقان من الطيب وهما يدلان على الطيب فهما لفظان طيبان أطلقا على بقعة طيبة ([12]).
- ومن فضائل المدينة أن الإيمان يأرز إليها فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)([13]).
ومعنى الحديث: أن الإيمان يتجه إليها ويكون فيها والمسلون يؤموها ويقصدونها يدفعهم إلى ذلك الإيمان ومحبة هذه البقعة المباركة التي حرمها الله عز وجل.
- ومن فضائل المدينة وصفها بأنها تأكل القُرى.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت بقرية تأكل القرى يقولون لها يثرب وهي المدينة)([14]) .
ومعناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالهجرة إلى هذه القرية يعنى المدينة التي من صفاتها أنها تأكل القرى.
ومعنى تأكل القرى قيل بأنها تنتصر عليها وتكون الغلبة لها على القرى ، وقيل بأنها تُجلب إليها الغنائم التي تحصل من الجهاد في سبيل الله.
ومن فضائلها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين عظم شأنها وخطورة الإحداث فيها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المدينة حرم بين عَيْر إلى ثور ، من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً) ([15]).
ومن فضائل المدينة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لها بالبركة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا)([16]) .
ومن فضائل المدينة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصبر لأوائها فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدله الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة)([17]) .
ومن فضائلها أيضا أنه لا يدخلها الطاعون والدجال.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على أعتاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال)([18]).
وهناك فضائل أخرى كثيرة نكتفي بما ذكرنا ([19]).
ذكر بعض فضائل
أماكن مخصوصة بالمدينة
اختصت المدينة عن غيرها بأن جعل الله فيها أماكن مخصوصة يزيد أجر التعبد فيها، ومن هذه الأماكن:
أولاً: المسجد النبوي:
جاءت بعض نصوص السنة التي تدل على فضل هذا المسجد وذلك حثا للهمم على الوصول إليه والتعبد إلى الله تعالى فيه وسنذكر طرفا من هذه الأحاديث.
(1) فمن فضائل المسجد النبوي أن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)([20]).
(2) ومن فضائل هذا المسجد أنه أحد الثلاثة مساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا)([21]).
(3) ومن فضائل المسجد النبوي أن به الروضة التي هي روضة من رياض الجنة. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي)([22]).
وهنا مسألة يسأل عنها البعض وهي هل تشرع الصلاة في الروضة أم في المسجد عموما وهل تكون الروضة مكانا للذكر ويشملها (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)؟
والجواب على هذه المسألة أن يقال:
لا شك أن الروضة خصصت بما ذكرناه من أدلة وهذا يدل على فضلها وتميزها عن غيرها. أما عن الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن فيها، فإن كانت الصلاة نافلة فهنا يستحب الصلاة فيها عند الاسطوانة المخلقة وهي الواقفة في ظهر المحراب الذي هو علم على مصلى النبي صلى الله عليه وسلم مائلة إلى جهة اليمين ملاصقة له وهي المكتوب عليها (اسطوانة المخلقة) وسميت بذلك لأن الصحابة كانوا يضعون عليها الخلوق وهو نوع من الطيب.
أما دليل تحري الصلاة عند هذه الاسطوانة فما رواه البخاري ومسلم عن يزيد بن أبي عبيد قال: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلى عند الاسطوانة التي عند المصحف فقلت: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الاسطوانة قال: (فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها)([23]) .
أما صلاة الفريضة وكذا صلاة النافلة إذا كانت مع الإمام كصلاة التراويح والقيام، فإن أداءها في الصفوف الأمامية هو السنة لقوله صلى الله عليه وسلم :(خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها)([24])، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)([25]) .
أما ذكر الله وتلاوة القرآن فيها والدعاء عندها وغيره فهذا إن فعله بالروضة دون حدوث إضرار بأحد عند إرادة الوصول إليها و عدم حصول ضرر لأحد فيها فهذا حسن وإلا فلا.
ومن فضائل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء إليه ليتعلم فيه أو ليعلم فيه كان كالمجاهد في سبيل الله. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو ليعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره)([26]) .
مسجد قباء:
ورد في فضل مسجد قباء بعض الأحاديث التي تدل على شرفه، وسنذكر بعض الأحاديث التي وردت في فضله:
(1) أن الصلاة فيه تعدل أجر عمرة.
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: (من خرج حتى يأتي هذا المسجد – يعني مسجد قباء- ليصلي فيه كان كعدل عمرة)([27]).
وفي رواية: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه كان له أجر عمرة)([28]).
وفي رواية: (من أتى مسجد عمرو بن عوف- مسجد قباء- لا ينزعه إلا الصلاة كان له أجر عمرة)([29]).
(2) ومن فضائله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه كل أسبوع. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكبا وماشيا).
وفي رواية: (كان النبي يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا) وفي رواية فيصلي فيه ركعتين([30]).
مسألة:
من تطهر في بيته ثم ذهب إلى قباء فصلى هل تشمل الفريضة أم أنها ركعتان خاصتان وهل تتكرر أم أنها مرة واحدة؟ وهل يشمل من تطهر في غير بيته؟ وهل يشمل من تطهر وقت النهي وقصد قباء للصلاة فيه؟
الجواب:
الصحيح أنه تشمله صلاة الفريضة والنافلة لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن حنيف المتقدم وفيه: (… فصلى فيه صلاة)([31]). ولفظ (صلاة) يشمل الفرض والنفل.
أما كونه إذا صلى فيه ركعتين هل تتكرر أم أنها مرة واحدة؟
الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي فيه ركعتين ([32]) ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة على ذلك لكن إذا زاد الإنسان على الركعتين فلا بأس لعدم ورود النهي عن الزيادة.
وكذا يشمل هذا الفضل من تطهر في غير بيته أو تطهر وقت النهي وصلى فيه لأن من دخل المسجد وقت النهي فعليه أن يصلي ركعتين تحية المسجد وهما يتحقق بهما هذا الفضل.
ولم يرد في السنة ما يدل على فضل مساجد أخرى في المدينة غير هذين المسجدين كما بينا سابقا فجعل مساجد أخرى كله من البدع المنهي عنها.
وجوب العمل بالسنة
أدلة القرآن على وجوب العمل بالسنة.
فسير أقوال أهل العلم للآيات الواردة في ذلك.
أدلة السنة على وجوب العمل بها.
ذكر الآثار المروية عن السلف في ذلك.
التحذير من مخالفة السنة.
الآيات مع بيان تفسيرها.
تحذير السلف من مخالفة السنة.
الاعتصام بالسنة نجاة.
التعريف بالسنة.
كيف تتعرف على صاحب السنة.
أولاً: وجوب العمل بالسنة:
أمر الله عباده المؤمنين عند التنازع في أمر من أمور الدين أن يحيلوه إلى كتابه سبحانه وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال جل في علاه:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ..}([33]). وانظر إلى قوله:{وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فكأنه سبحانه وتعالى جعل ذلك شرطاً من شروط الإيمان به سبحانه وتعالى بل بين سبحانه وتعالى أتم البيان أنه لا تتم طاعته سبحانه وتعالى إلا بتمام طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فقال:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}([34]).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: ((يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله وما ذاك إلا لأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إلى أن قال رحمه الله وقوله تعالى: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}، أي ما عليك منه إن عليك إلا البلاغ فمن اتبعك سعد ونجا وكان لك من الأجر نظير ما تحصل له، ومن تولى عنك خاب وخسر وليس عليك من أمره شيء)) ([35]).
ومن زعم أنه محب لله سبحانه وتعالى فقد جعل الله سبحانه وتعالى محبته مقرونة باتباع واقتفاء آثار النبي صلى الله عليه وسلم، فمن زعم أنه محب لله ثم لم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم فزعمه باطل، قال الله تعالى:{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([36]).
قال الحسن البصري رحمه الله: زعم قوم محبتهم لله تعالى فابتلاهم الله تعالى بهذه الآية.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذه الآية حاكمة لكل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فمن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)([37])
بل أمر الله بالأخذ بسنته وما يأمر به والانتهاء عما ينهى عنه والأمر في ذلك يقتضي الوجوب قال الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}([38]). أي مهما أمركم به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر.
والأدلة من القرآن مستفيضة في وجوب العمل بسنته صلى الله عليه وسلم ، أما دلالة السنة على وجوب العمل بها فهي كثيرة أيضا منها:
1-عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم)([39]).
2-عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصانا فقال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)([40]).
3-ومن أدلة وجوب العمل بالسنة ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)([41]).
وأدلة السنة أيضا مستفيضة في وجوب العمل بها.
الآثار المروية عن السلف في وجوب العمل بالسنة:
وهكذا فهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أن السنة واجب العمل بها وأنه لا غنى عنها بل كانوا يعظمون العمل بها وهذه بعض الآثار التي جاءت عنهم:
ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله.
قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فقالت: يا أبا عبد الرحمن بلغني أنك لعنت كيت وكيت فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله، قالت: إني لأقرأ ما بين اللوحين فما أجده، قال: إن كنت قارئة لقد وجدتيه أما قرأت:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا..} قالت بلى، قال: فإنه قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: إني لأظن أهلك يفعلون ذلك، فإذا هي فانظري، قال: فدخلت فلم تر شيئاً قال: فقال عبد الله: لو كانت كذلك لم نجامعها ([42]).
وعن عبد الرحمن بن يزيد: أنه رأى محرما عليه ثيابه، فنهى المحرم فقال ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي قال فقرأ عليه:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا..}([43]).
عن هشام بن حجير قال: كان طاووس يصلي ركعتين بعد العصر فقال ابن عباس: اتركها، فقال: إنما نهي عنهما أن تتخذ سنة، فقال ابن عباس: قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة بعد العصر، فلا أدري أتعذب عنها أم تؤجر لأن الله تبارك وتعالى قال:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..}([44]).
ثانياً: التحذير من مخالفة السنة:
حذر الله تعلى عباده المؤمنين من مخالفة نبيه صلى الله عليه وسلم وبين خطورة هذا الفعل في كثير من آياته سبحانه وتعالى قال الله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}([45]).
قال الإمام أحمد رحمه الله:
عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك([46]).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله فما وافق ذلك قُبل وما خالف فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا وظاهرا {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} أي في قلوبه من كفر ونفاق وبدعة {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك… انتهى ([47]).
ففي هذه الآية تهديد ووعيد لمن خالف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم سواء أكان ذلك بزيادة أم نقص، وقد استدل بهذه الآية كثير من أهل العلم على أنه لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يزيد أو ينقص عما جاءت به نصوص السنة.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام:
حكى عياض عن سفيان بن عيينة أنه قال سألت مالكا عمن أحرم من المدينة وراء الميقات، فقال: هذا مخالف لله ورسوله وأخشى عليه الفتنة في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة أما سمعت قول الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقد أمر النبي أن يهل من المواقيت.
وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال: سمعت مالك بن أنس وأثاره رجل فقال يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة فقال: وأي فتنة في هذه إنما هي أميال أريدها، قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ومن الآيات الدالة على التحذير من مخالفة السنة ووجوب الرجوع إليها قوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}([48]). فمن خالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرض بحكمه صلى الله عليه وسلم فقد نفى الله عنه الإيمان.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ..}، يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرا وباطنا وبهذا قال: {لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن يسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا منازعة ([49]).
ومن الآيات أيضا:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}([50]).
وقوله تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}([51]).
والآيات في التحذير من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة:
فالحذر الحذر من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فإن من خالف النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة الذين كانوا متمسكين بهديه ولاه الله ما تولى كما قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}([52]).
ولما جاءت نصوص الكتاب والسنة بالوعيد الدنيوي والأخروي لمن خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم كان السلف أخوف الناس على أنفسهم من هذه المخالفة بل كانوا يحذرون الناس من التلبس بهذه المعصية أشد التحذير. وسنذكر طرفا من أقوالهم وتأدبهم مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
1-عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد، فلا يمنعها قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا شديدا- ما سمعته سب مثله قط- وقال: أخبرك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقول والله لنمنعهن) ([53]).
2-وعن أيوب قال: قال عروة لابن عباس: ألا تتقي الله؟ ترخص في المتعة فقال ابن عباس: سل أمك يا عرية؟ فقال عروة: أما أبو بكر وعمر فلا يفعلا، فقال ابن عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله نحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وتحدثونا عن أبي بكر وعمر، وفي رواية: أنه قال: أراهم سيهلكون، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: قال أبو بكر وعمر ([54]).
3-وقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية أحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني برأيه، لا أساكنك بأرض أنت بها ([55]).
وهكذا فهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أنه لا يجوز لأحد أن يخالف أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بل حذر أئمة الهدى من الأخذ بآرائهم وترك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ولذا قالوا جميعا: إذا رأيتم حديث النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما نقول فاضربوا بأقوالنا عرض الحائط وخذوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وكم كان الواحد منهم يقول القول ثم يبلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيترك ما يقول ويأخذ بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يسعه قول النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء عن سلف الأمة لا وسع الله عليه.
ثالثاً: الاعتصام بالسنة نجاة:
ما أحسن هذه العبارة التي قال الإمام الزهري رحمه الله عن مشايخه حيث قال: كان علماؤنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة.
فالاعتصام بالسنة نجاة من الانزلاق في ظلمات الجهل التي تؤول بصاحبها إلى الكفر أحيانا. ولذا كانت السنة كسفينة نوح من تمسك بها نجا ومن أعرض عنها هلك.
والسنة هي الحصن الحصين الذي من دخله كان من الآمنين، أمن على نفسه من الكفر والفسوق والعصيان بل أمن على نفسه عذاب الله وسخطه.
والسنة هي الحياة والنور اللذان بهما سعادة العبد وهداه وفوزه، قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}([56]).
والسنة هي حياة للقلوب وسعادة للأبدان فصاحب السنة أشد فرحا بها لأنها تدله على خالقه سبحانه فمن عرف السنة حق المعرفة عرف معبوده حق المعرفة ولذا سمي أحمد رحمه الله إمام أهل السنة وذلك لأنه كانت حركاته وسكناته وفق السنة فكان لا يقوم إلا بسنة ولا يمشي إلا بسنة ولا يأكل إلا بسنة ولا يشرب إلا بسنة ولا ينام إلا بسنة أحب السنة فأحبته وملئ قلبه بها فملئ قلوب الخلق محبته. نسأل الله أن يجعلنا من أهلها إنه سميع قريب.
رابعًا: التعريف بالسنة:
لقد بينا فيما سبق أهمية السنة وقلنا بأنها المصدر الثاني من مصادر التشريع عند أهل السنة والجماعة.
ولما كانت منزلته عالية أحببنا أن نعرفها لأهلها حتى لا ينخرطوا في أمور تبعدهم عنها فبمعرفة الشيء يظهر لصاحبه.
تعريف السنة في اللغة: السنة في اللغة هي الطريقة والسيرة حسنة كانت أم قبيحة([57]).
أما تعريفها في الاصطلاح: هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه علما وعملا واعتقادا أو قولا وهي السنة التي يجب اتباعها ويحمد أهلها ويذم من خالفها، وبهذا قيل: فلان من أهل السنة أي من أهل الطريقة الصحيحة المستقيمة المحمودة [58].
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: والسنة هي الطريقة المسلوكة فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون: من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة العامة ([59]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله سواء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعل في زمانه أو لم يفعله في زمانه لعدم المقتضي حينئذ لفعله أو وجود المانع منه ([60]).
يتبين لنا من أقوال الأئمة السابقين أن السنة هي اتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي جاءت إما عن قول وإما عن فعل أو تقرير منه صلى الله عليه وسلم فيدخل في ذلك ما كان منها واجبا أو مستحباً وكذلك اتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كما قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)([61]).
كيف تتعرف على صاحب السنة؟
من خلال ما ذكر يمكنك أن تعرف من هم أهل السنة ونوجز لك هذا الأمر بأمور تتعرف من خلالها على صاحب السنة ومن ليس من أهلها.
من هذه الأمور:
1-إذا رأيت الرجل متمسكا بالكتاب والسنة متعبدا لله بهما عاضًا على ذلك بالنواجذ فاعلم أنه صاحب سنة.
2-إذا رأيت الرجل عند التحاكم في شيء ينظر إلى ما جاء في الكتاب والسنة ويرضى بحكمهما فاعلم أنه من أهل السنة.
3-إذا رأيت الرجل محبا للسنة ومحبا للمتمسكين بها مبغضا لأهل البدع محاربا لهم فاعلم أنه من أهل السنة.
4-إذا رأيت الرجل صادقا في الأقوال والأفعال بالتطبيق الصحيح للكتاب والسنة فاعلم أنه صاحب سنة.
5-وبالجملة إذا رأيت الرجل مهتديا بالكتاب والسنة ظاهرا وباطنا فاعلم أنه من أهل السنة. نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
البدعة وآثارها السيئة
تمهيد :
نصوص الكتاب في التحذير من البدعة
دلالة السنة على التحذير من البدعة
ذكر أقوال السلف في التحذير من البدعة
أسباب البدع
التعريف بالبدعة
وسائل الوقاية من البدع
البدعة وآثارها السيئة
تمهيد :
بينت فيما سبق أهمية السنة ووجوب العمل بها وأنها الأصل الثاني من أصول التشريع وغير ذلك مما هو متعلق بها. لكن لما كان الصراع بين الحق والباطل قائما بل أخذ الباطل يصد عن الحق بكل ما يملك من قوة ولكن هيهات هيهات قال الله تعالى:{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}([62]). وقال:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}([63]). وانظر إلى قوله تعالى:{ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}([64]). فالزبد هو الباطل وكل ما يحمله والنافع للناس هو الحق، فالمراد بالحق في قولنا هو السنة وما تحمله من خير وصلاح للعبد بل للأمة بأسرها في الدنيا والآخرة، والمراد بالباطل هو البدعة وما تحمله في طياتها من شر وفساد على الأمة بأسرها.
وسنتكلم في هذا المبحث على ما هو مختص بالبدعة ليحيى من حي عن بينة ويهلك كذلك من هلك عن بينة فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: ما جاءت به نصوص الشريعة في النهي عن البدعة والإحداث في الدين.
لقد حذر الله عباده من الإحداث في الدين بعد أن أكمله لهم فقال في بيان كمال دينه سبحانه:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}([65]).
قال ابن كثير – رحمه الله – هذه أكبر نعمة لله على هذه الأمة حيث أكمل الله تعالى دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبي غير نبيهم ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن فلا حلال إلا ما أحل الله ولا حرام إلا ما حرمه ولا دين إلا ما شرعه وكل شيء أخبر به فهو حق لا كذب فيه ولا خلف([66]).
وقال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}([67]).
قال الشاطبي- رحمه الله – فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه وهو السنة، والسبل هي سبيل أهل الاختلاف الجائرين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع ([68]). وقال أيضا: فهذه الآية تشمل النهي عن جميع طرق أهل البدع ([69]).
وقال سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}([70]).
قال الإمام الشاطبي: هؤلاء هم أصحاب الأهواء والضلالات والبدع من هذه الأمة([71]).
والآيات التي جاء في التحذير من البدع والنهي عن سلوك طريق أهل البدع كثيرة جداً.
أما السنة فقد جاءت نصوصها صريحة في ذلك نذكر طرفاً منها.
دلالة السنة على النهي عن البدع:
1) حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)([72])، وفي رواية لمسلم:(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)([73]).
قال النووي-رحمه الله- في شرح صحيح مسلم: قال أهل العربية: إن الرد هنا بمعنى المردود ومعناه باطل غير معتد به.
وقال: وهذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات.
وقال أيضا: وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به ([74]).
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: هذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه([75]).
2) وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته:(أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)([76]).
وفي رواية النسائي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: (من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) ([77]).
3) وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)([78]).
قال صاحب تحفة الأحوذي: (من سن في الإسلام سنة حسنة) أي أتى بطريقة مرضية يشهد لها أصل من أصول الدين، (ومن سن سنة سيئة)، وفي رواية:(ومن سن في الإسلام سنة سيئة) أي طريقة غير مرضية لا يشهد لها أصل من أصول الدين([79]). انتهى.
والأحاديث كثيرة جدا في النهي عن البدع وما ذكرناه فيه كفاية ولله الحمد. أما ما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم في النهي عن الإحداث في الدين والأمر باتباع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فما جاء عنهم كثير، من ذلك.
ذكر أقوال السلف في التحذير من البدع:
1) ما قاله أبو بكر رضي الله عنه ، فقد قال: أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني ([80]).
2) وقال عمر رضي الله عنه :إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا ([81]).
3) وعن ابن مسعود رضي الله عنه : حدث أن ناساً يسبحون بالحصى في المسجد فأتاهم وقد كوّم كل رجل منهم كومة من حصى فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد وهو يقول:
“لقد أحدثتم بدعة ظلماء أو لقد فضلتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، كل بدعة ضلالة” ([82]).
وما ذكر عنه في مقام شدته على أهل البدع فهو كثير.
4) وقال عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-:” أما بعد أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته”([83]).
وها هم أئمة الهدى -رحمهم الله- بعد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يحثون على التمسك بالسنة ويحذرون من الركون إلى البدعة.
ما قاله الإمام أحمد-رحمه الله-:
قال: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء وترك البدع، وكل بدعة ضلالة، وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدل والخصومات في الدين([84]) .
وقال الإمام الشافعي-رحمه الله-: حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام ([85]).
وقال الإمام مالك-رحمه الله-: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}([86]).فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا([87]).
فهذه نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ومن بعدهم مليئة بالنهي عن الابتداع في دين الله والنهي عن سلوك أهل الأهواء الذين جاءوا ببدع من تلقاء أنفسهم فتعبدوا إلى الله بها ودعوا الناس إلى التعبد بها وكل هذا ضلال وكفر.
وليعلم هؤلاء المبتدعون أنهم أعظموا على الله الفرية بعملهم هذا فالمبتدع مشرع والتشريع حق لله تعالى. قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ..}([88]).
أسباب البدع.
ذكر الإمام الشاطبي أسبابا كثيرة كانت سببا في البدع، سنذكرها مجملة مخافة الإطالة، فمن هذه الأسباب:
- الجهل فهو أعظم آفة.
- اتباع الهوى.
- التعلق بالشبهات.
- الاعتماد على الفعل المجرد دون الرجوع إلى نصوص الكتاب والسنة.
- التقليد والتعصب، فإن أكثر أهل البدع يقلدون آباءهم ومشايخهم ويتعصبون لمذهبهم.
- مخالطة أهل الشر ومجالستهم، ولذا حذر السلف من مجالسة أهل الشر من أصحاب الأهواء.
- سكوت العلماء وكتم العلم.
- الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
- الغلو وهذا من أعظم أسباب انتشار البدع فبه قام الشرك منذ عهد نوح عليه السلام إلى وقتنا هذا.
تعريف البدعة
بعد أن ذكرنا ما جاءت به نصوص الشريعة في التحذير من البدع والإحداث في الدين نريد أن نوضح معنى البدعة التي جاءت نصوص الشرع بالنهي عنها.
معناها في اللغة:
معنى البدعة في اللغة: الحدث في الدين بعد الإكمال؛ أو ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال.
أما في الاصطلاح: فقد عرفها أهل العلم بعدة تعريفات، منها: قال شيخ الإسلام- رحمه الله -:
البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم : وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب أو استحباب ([89]).
وقال أيضا: والبدعة ما خالف الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات ([90]).
وقال الشاطبي – رحمه الله -: البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى .
فتبين من تعريف البدعة أنها شيء اخترع في الدين لم تأت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة بوجوده ولكن قام به المبتدع ويجعله ديناً يتعبد إلى الله تعالى به.
وسائل الوقاية من البدع
كيف نقي مجتمعاتنا من الوقوع في مستنقعات البدع المذمومة؟ سؤال لا بد من طرحه والإجابة عليه.
فنقول من أهم الوسائل التي نقي بها مجتمعنا من هذه البدع:
1-نشر السنة والتعريف بها وبيان فضلها والتمسك بها.
2-التطبيق العملي للسنة في سلوك الفرد وسلوك المجتمع، فإذا قام الناس جميعا بذلك أصبح أهل البدعة نشازا في المجتمع بارزين للناس فعندئذ يجتنبهم الناس ، وبمعرفتهم يمكن القضاء عليهم.
3-القضاء على البدع التي ذكرناها سابقا.
العلاقة بين التعريف
بالسنة والبدعة وموضوع الرسالة
العلاقة الأولى
العلاقة الثانية
العلاقة الثالثة
العلاقة بين التعريف
بالسنة والبدعة وموضوع الرسالة
العلاقة الأولى:
قال عمر رضي الله عنه : لا يعرف الإسلام من لا يعرف من الجاهلية شيئا، فالجاهلية بما تحمله من بدع كفرية وشركية جاء الإسلام وهدمها وبين مساويها، فلذا عرف الصحابة الإسلام حق المعرفة وعرفوا ما كانوا عليه من جاهلية ظلماء عمياء فكانوا يتحدثون عن ذلك ويتعجبون مما كانوا عليه، ولذا يقول بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخبر.
فمعرفة الناس بالسنة وفضلها والبدعة ومساويها هو في الحقيقة معرفة بالإسلام وما حمله من فضائل والجاهلية وما تحمله من رذائل، فالإسلام جاء بكل معاني الخير الجميلة، فكان من الخير الذي به الاستمساك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وعدم الإحداث بعده…
وإذا نظرنا إلى واقع السواد الأعظم من المسلمين اليوم لوجدنا أنه قد استحكم فيهم الجهل وأصبح عنواناً لهم (إلا من رحم ربك) جهل بأصول الدين فضلاً عن فروعه فقادهم جهلهم بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، فأنكروا السنة والاحتجاج بها وأولوا نصوص الكتاب وصرفوها عن ظاهرها، وبذلك اندرست السنة حتى أصبح المتمسكون بها في أوطانهم وعشائرهم معادين محاربين مع إفساح المجال لأهل البدع والضلال.
فكان ولا بد من بيان فضل السنة وبيان حجية الاحتجاج بها وأن إنكارها كفر بالله تعالى، وكان لا بد من بيان البدعة وخطورتها وخطورة العمل بها لكي يتعرف كل مسلم أين هو من دينه وهل هو قائم على سنة أو بدعة؟.
العلاقة الثانية:
لو نظرنا إلى منهج السلف -رضوان الله عليهم- حينما يتكلمون عن موضوع البدعة التي يقع فيها بعض الناس يبينون أهمية التمسك بالسنة وفضل العمل بها ويحذرون من البدع وخطورة العمل بها، وهذا أسلوب جيد حيث إذا دخلنا في موضوع البدعة مباشرة قد يكون جانب التأثير فيه ضعف ولكن تحبيب الناس في السنة وتحذيرهم من البدعة ثم الدخول في البدع التي يفعلونها هو أسلوب مهم جدا لكل داعية لأنه بهذا الأسلوب يستطيع الإنسان معرفة البدع سواء منها ما سنتكلم عنها بالنسبة للرسالة أو غيرها من البدع الأخرى، لأنه بتعريف السنة والبدعة يستطيع الإنسان التمييز بين كون هذا العمل سنة أم بدعة.
العلاقة الثالثة:
حينما يتعرف المسلم على شروط العبادة ويتعرف أيضا على القاعدة المعروفة (أن العبادات مبناها على التوقف) فإنه يقف عند كل أمر يريد أن يفعله ويفكر فيه هل هو من الدين في شيء أم لا؟ فإن كان من الدين فبها ونعمت وإلا فلا يجوز الإقدام عليه إطلاقا.
ولذلك كان ولا بد من التعريف بالسنة والبدعة لكي يكون المسلم على بصيرة من دينه ويتعرف على خطورة ما يقوم به المبتدعون فينجوا بنفسه ويدعو إخوانه للنجاة.
ذكر بعض الشبهات
التي قذفها الشيطان في قلوب أوليائه
مضاهاة للحق وأهله.
الشبهة الأولى والجواب عليها
الشبهة الثانية والجواب عليها
الشبهة الثالثة والجواب عليها
الشبهة الرابعة والجواب عليها
الشبهة الخامسة والجواب عليها
بعض الشبهات
التي قذفها الشيطان في قلوب أوليائه
مضاهاة للحق وأهله.
هناك بعض الشبه من الأدلة يستخدمها المروجون للبدع في الدعوة لبدعهم المذمومة سنذكر بعضا منها ثم نجيب عليها بما تيسر:
الشبهة الأولى:
يقول المبتدعون: أما دليلنا على جواز التوسل إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءت به نصوص الكتاب والسنة ثم يذكرون دليلهم على ذلك وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}([91]). والمعنى عندهم أي يا أيها الذين آمنوا حققوا التقوى وإذا أردتم دعائي اطلبوا إليّ وسيلة لكي أستجيب لكم ولا وسيلة أفضل من النبي عندنا.
الشبهة الثانية:
قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}([92]).
ثم يذكرون قصة ذكرها ابن كثير عند تفسيرها لهذه الآية.
الشبهة الثالثة:
من السنة: ما رواه الترمذي في جامعه أنه قال: حدثنا محمود بن غيلان، ثنا عثمان بن عمرو، ثنا شعبة بن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: (إن شئت دعوته وإن شئت صبرت فهو خير لك) قال: فادعه، فأمره أن يتوضأ ويحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة إني توجهت إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه فيّ”.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه.
وفي بعض الروايات: (يا محمد إني أتوجه) إلى آخره ([93]).
الشبهة الرابعة:
ما رواه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي أمامة سهل بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي ابن حنيف فشكا له ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد أتوجه بك إلى ربك ليقضي لي حاجتي …(الحديث)
الشبهة الخامسة:
يروي بعض المبتدعين حديثا وفيه: (إذا توسلتم إلى الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم)، فهذا عام في حياته وبعد مماته فيجوز على قولهم واحتجاجهم بهذا المدعى التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم .
الجواب على الشبهة الأولى:
في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}([94]).
أولاً: من الأمور المسلم بها عند أهل السنة والجماعة أن تفسير كلام رب العالمين له ثلاث طرق:
الأولى: إما أن يفسر القرآن بالقرآن.
الثانية: وإما أن يفسر القرآن بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الثالثة: وإما أن يفسر بما فهمه سلف الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان فهم أعلم الناس بمراد الله بعد نبيه صلى الله عليه وسلم ، فمن عدل عن قولهم وخاض في تفسير كلام رب العالمين دون الرجوع إلى هذه الأصول الثلاثة فقد ضل، وكذا قال السلف: كل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. فالذي يريد النجاة في الدنيا من الوقوع في الزيغ وفي الآخرة من عذاب رب العالمين عليه أن لا يتجاوز ما ذكر.
ثانياً: للإجابة عن هذه الآية نذكر كلام شيخ الإسلام –رحمه الله- فيها، فإن تفسيره لمعنى الوسيلة والتوسل فريد من نوعه لم يسبقه أحد إليه
قال رحمه الله:
إذا عرف هذا فقد تبين أن لفظ (الوسيلة) و(التوسل) فيه إجمال واشتباه يجب أن يعرف معانيه، ويعطي كل ذي حق حقه فيعرف ما ورد به الكتاب والسنة من ذلك ومعناه وما كان يتكلم به الصحابة ويفعلونه ومعنى ذلك.
فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}([95]). وقوله:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}([96]).
فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغى وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه هي ما يتقرب به إليه من الواجبات والمستحبات فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك سواء أكان محرماً أم مكروهاً أو مباحاً، فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب أو استحباب، وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول، لا وسيلة لأحد إلى الله إلا بذلك.
والثاني: لفظ الوسيلة في الأحاديث الصحيحة لقوله صلى الله عليه وسلم : (سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد)([97]).
فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة. وقوله ومن قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته (إنك لا تخلف الميعاد)([98]). حلت له الشفاعة فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة، وأخبر أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله وهو يرجو أن يكون ذلك العبد، وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول وأخبرنا أن من سأل له الوسيلة فقد حلت له الشفاعة يوم القيامة، فلما دعوا للنبي صلى الله عليه وسلم استحقوا أن يدعو هو لهم لأن الجزاء من جنس العمل فإن الشفاعة من جنس الدعاء كما قال: (من صلى عليّ مرة صلى الله عليه بها عشراً)([99]).
ثم قال – رحمه الله -:
وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته، والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقد فيهم الصلاح.
وحينئذ فلفظ التوسل له معنيان صحيحان باتفاق المسلمين ويراد به معنى ثالث لم ترد به السنة.
فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء:
فأحدهما: هو أصل الإيمان والإسلام وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته.
والثاني: دعاؤه وشفاعته كما تقدم.
فهذان جائزان بإجماع المسلمين ومن هذا قول عمر بن الخطاب: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فأسقنا، أي بدعائه وشفاعته.
وقوله تعالى:{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أي القربة إليه بطاعته، وطاعة رسوله طاعته، قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}([100]).
فهذا التوسل الأول هو أصل الدين وهذا لا ينكره أحد من المسلمين.
وأما التوسل بدعائه وشفاعته-كما قال عمر-فإنه توسل بدعائه لا بذاته ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس، فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة فإنه مشروع دائما.
الخلاصة: فلفظ التوسل يراد به ثلاث معان:
أحدها: التوسل بطاعته فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.
والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته فهذا هو الذي لم يكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عمن من ليس قوله حجة. انتهى المراد([101]). فما أجمل كلامه وما أحسنه ففيه شفاء للعليل من علله أسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين.
الجواب على الشبهة الثانية:
وهو قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}([102]).
هذه الآية احتج بها المبتدعون على جواز بدعتهم في طلب الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فتراهم يأتون إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون يا رسول الله استغفر لنا أو ادعوا الله أن يغفر لنا ونحو ذلك، بل زعموا أن هذه الآية باقية في الحكم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته بل جعلوها من قبيل الناسخ والمنسوخ أي لم يأت ناسخ لها فينسخها، وهذا جهل مركب بنصوص الكتاب العظيم.
وكما أسلفنا الذكر يجب الرجوع عندما يختلط علينا فهم الآيات ولا نفهم مراد الله منها إلى فهم سلف الأمة لها.
وسنذكر بعض أقوال أهل العلم ممن فسروا هذه الآية لنبين لأهل الأهواء أنه لم يأت في تفسير واحد منهم جواز الذهاب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الاستغفار منه.
قال ابن جرير الطبري -رحمه الله- في تفسيره:
يعنى بذلك جل ثناؤه: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصف الله صفتهم في هاتين الآيتين، الذين إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدوا صدودا {إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} باكتسابهم إياها العظيم من الإثم في احتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسنة رسوله إذا دعوا إليها {جَاءُوكَ} جاؤوك تائبين منيبين، فسألوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم ويسأل لهم رسوله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وذلك هو معنى قوله:{فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ}.
وأما قوله:{لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} فإنه يقول: لو كانوا فعلوا ذلك فتابوا من ذنوبهم {لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} يقول: راجعا لهم ما يكرهون إلى ما يحبون {رَحِيمًا} بهم في تركه عقوبتهم على ذنبهم الذي تابوا منه. انتهى كلامه رحمه الله([103]).
قال العلامة ابن سعدي-رحمه الله-:
وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ..}، أي معترفين بذنوبهم باخعين بها{فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، أي لتاب عليهم بمغفرته ظلمهم ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها والثواب عليها، وهذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته، لأن السياق يدل على ذلك لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته ، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء بل ذلك شرك ([104]).
وممن أجاب على هذه الآية إجابة مستفيضة العلامة الحافظ المحقق أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي الحنبلي المقدسي في كتابه الصارم المنكي في الرد على السبكي، وسنذكر فيما يلي جانبا من رده على السبكي في هذه الآية.
قال السبكي: الباب الخامس في تقرير كون الزيارة قربة وذلك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}([105]).
قال السبكي: دلت الآية على الحث على المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم وذلك وإن كان ورد في حال الحياة فهي رتبة له صلى الله عليه وسلم لا تنقطع بموته تعظيما له.
(فإن قلت) المجيء إليه في حال الحياة ليستغفر لهم وبعد الموت ليس كذلك (قلت) دلت الآية على تعليق وجدانهم أن الله توابا رحيما بثلاثة أمور: المجيء و استغفارهم واستغفار الرسول، فأما استغفار الرسول فإنه حاصل لجميع المؤمنين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لجميع المؤمنين والمؤمنات لقوله تعالى:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}([106])، إلى آخر ما قاله السبكي.
فأجاب ابن عبد الهادي رحمه الله عليه فقال:
الجواب أن يقال: قوله وهي قربة بالكتاب والسنة والإجماع والقياس الكلام عليه من وجوه:
الأول: مطالبته بتصحيح دعواه وإلا كانت مجردة عما يثبتها.
الثاني: القربة هي ما جعله الله ورسوله قربة، إما بأمره أو بإخباره أنها قربة وإما بالثناء على فاعلها وإما بجعل الفعل سببا لثواب يتعلق عليه أو تكفير سيئة ونحو ذلك من الوجوه التي يستدل بها على كون الفعل محبوبا لله.
الثالث: أنه لا يكفي أن يكون الفعل محبوبا له في كونه قربة وإنما يكون قربة إذا لم يستلزم أمرا مبغوضاً مكروهاً له أو تفويت أمر هو أحب إليه من ذلك الفعل، وأما إذا استلزم ذلك فلا يكون قربة.
الرابع: أنه يتقرب إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه بعين ما نهى عنه وحذر منه الأمة بقوله: (لا تتخذوا قبري عيدا)، ومعلوم أن جعل الزيارة من أفضل القرب متلزم لجعل القبر من أجل الأعياد.
الخامس: أما استدلاله بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الآية فالكلام فيها في مقامين:
أحدهما: عدم دلالته على مطلوبه.
الثاني: بيان دلالتها على نقيضه وإنما يتبين الأمر بفهم الآية ما أريد بها وسيقت له وما فهمه منها أعلم الأمة بالقرآن ومعانيه وهم سلف الأمة ومن سلك سبيلهم، ولم يفهم أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته يستغفر لهم ، وقد ذم الله تعالى من تخلف عن هذا المجيء إذ ظلم نفسه وأخبر أنه من المنافقين فقال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}([107]).
وكذلك هذه الآية إنما هي في المنافق الذي رضي بحكم كعب بن الأشرف وغيره من الطواغيت دون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فظلم نفسه بهذا أعظم الظلم ثم لم يجئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له … إلى أن قال رحمه الله.
وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأول عليه المعترض هذه الآية تأويل باطل قطعا ولو كان حقا لسبقونا إليه (يعنى السلف) علما وعملا وإرشادا ونصيحة، ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو في سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه واهتدى إليه هذا المعترض المتأخر إلى أن قال رحمه الله.
أما دلالة الآية على خلاف تأويله فهو أنه سبحانه وتعالى صورها بقوله:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ..}([108]) وهذا يدل على أن مجيئهم إليه ليستغفر لهم إذ ظلموا أنفسهم طاعة له، ولهذا ذم من تخلف عن هذه الطاعة ولم يقل مسلم إن على من ظلم نفسه بعد موته أن يذهب إلى قبره ويسأله أن يستغفر له ولو كان هذا طاعة لكان خير القرون قد عصوا هذه الطاعة وعطلوها ووفق لها هؤلاء الغلاة العصاة إلى آخر كلامه رحمه الله.
أما قوله أي السبكي (وكذلك فهم العلماء العموم من الحالتين) فيقال: من فهم هذا من سلف الأمة وأئمة الإسلام فاذكر لنا عن رجل واحد من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين أو الأئمة الأربعة أو غيرهم من الأئمة وأهل الحديث والتفسير أنه فهم العموم بالمعنى الذي ذكرته أو عمل به وأرشد إليه. فدعواك على العلماء بطريق العموم وهذا الفهم دعوى باطلة ([109]).
ومما استدل به السبكي عند تأويله هذه الآية القصة المشهورة التي يدندن عليها المبتدعون لترويج بدعهم ما رواه أبو الحسن بن علي بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي قال حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهبل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه ترابه وقال يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله عز وجل فما وعينا وكان فيما أنزل الله عز وجل عليك {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}، وقد ظلمت نفسي جئتك تستغفر لي، فنودي من القبر أنه غفر لك ([110]).
الجواب على هذه القصة : قال ابن عبد الهادي-رحمه الله-:إن هذا خبر منكم موضوع وأثر مختلف مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ولا يحسن المصير إليه وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض.
والهيثم جد أحمد بن محمد بن الهيثم أظنه ابن عدي فإن يكن هو فهو متروك كذاب وإلا فهو مجهول ([111]).
الشبهة الثالثة:
حديث الأعمى الذي رواه الترمذي وفيه (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم …) ([112]).
الجواب على هذا الحديث:
هذا الحديث مما تعلق فيه المبتدعون المشركون ممن أجاز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته، فقالو: فلو كان دعاء غير الله شركاً لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى هذا الدعاء الذي فيه توسل ونداء غير الله.
فنقول: الجواب عليه من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: هذا الحديث مختلف فيه بين الصحة والضعف. وممن ضعفه صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد فقال: ووجه عدم ثبوته أنه قد نص أن أبا جعفر الذي عليه مدار هذا الحديث هو غير الخطمي وإذا كان غيره فهو لا يعرف ([113]).
أما الذين صححوه فهم شيخ الإسلام – رحمه الله – في رسالته التوسل والوسيلة، حيث أفاض فيه إفاضة تامة وبين طرفه الصحيح منها والضعيف فليراجع([114]).
وممن صححه أيضاً العلامة الألباني في مشكاة المصابيح حيث قال وإسناده صحيح ، ومن ضعفه من المتأخرين فما أصاب كما لم يصب من استدل به على التوسل بالأشخاص، وإنما هو دليل على التوسل بدعاء الرجل الصالح كما شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ([115]).
الوجه الثاني:
أنه على افتراض صحة الحديث فإنه لا يدل على سؤال الغائب ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ، ولذا فالحديث فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى الله في الدعاء. أي بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه إياه. فهذا الصحابي لم يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يقدر عليه وهو طلب الدعاء له فهذا لا إنكار فيه وإن كان هذا الصحابي توجه إلى الله من غير سؤال منه نفسه فهو لم يسأل منه، وإنما سأل من الله به.
فالخلاصة أنه توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ([116]).
الشبهة الرابعة:
الجواب عليها من جنس سابقتها إلا أن هذه الشبهة قد تكون دليلاً لمن قال بجواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، والجواب عليها أن يقال:
أولاً: أنها رواية مختلف فيها بين الصحة والضعف.
ثانياً: على افتراض صحتها فإنها ليس فيها دليل على دعاء الميت والغائب غاية فيها أنه توجه إلى الله بنبيه صلى الله عليه وسلم بدعائه.
ثالثاً: أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعيا له ولا شفيعا فيه فقد علمنا أن أكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد موته كما كان يشرع في حياته فتراهم عند حالة الجدب إذا كانوا في الاستسقاء لا يأتون قبره ولا يتوسلون إلى الله به بل كانوا يعدلون إلى غيره ممن هو حي بينهم كما فعل عمر ومعاوية بن أبي سفيان.
رابعاً: حديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته، وقال في الدعاء (قل اللهم فشفعه فيّ)، وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعض وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته كان ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الموافق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان المخالف لعمر محجوجاً بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكان الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له ([117]).
الشبهة الخامسة:
في التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب عليها ما قاله شيخ الإسلام- رحمه الله – حيث قال:
وروى بعض الجهال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وذكر الحديث ثم قال وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث مع أن جاهه عند الله أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين إلى أن قال رحمه الله.
ولكن جاه المخلوق عند الخالق تعالى ليس كجاه المخلوق عند المخلوق فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ([118]).
فالحاصل أن هذا الحديث موضوع وكذب وافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم .
فسؤال الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف عن السلف وأنكره العلماء المحققون وعدوه من الأمور البدعية في الدين ولا ينبغي لأحد أن يسأل الله إلا بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديث سؤال الله بالمخلوقين أو بجاههم ومنزلتهم واهية وموضوعة ولا يوجد في أئمة الإسلام من احتج بها أو اعتمد عليها إذ أن سؤال الله بسبب لا يناسب إجابة الدعاء فلا يحلف على الله بمخلوق ولا يسأله بجاه مخلوق أو بذاته أو بمنزلته وإنما يسأل الله بالأسباب التي تناسب إجابة الدعاء كسؤال الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}([119])، وبالعمل الصالح قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}([120]) ([121]).
البدع التي أحدثها المحدثون
عند زيارتهم المدينة النبوية
أولاً: مفاهيم يجب أن تصحح:
ثانياً: البدع التي أحدثها الناس:
(1) البدع الشركية.
(2) بدع الشرك الأكبر.
(3) بدع الشرك الأصغر.
(4) البدع المحرمة
(5) البدع المكانية (بدع المساجد)
(6) البدع المكانية في غير المساجد)
أولاً: مفاهيم يجب أن تصحح
قبل الشروع في بيان ما أحدثه الناس من بدع عند زيارتهم المدينة النبوية هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي يجب أن تصحح وهي:
أولاً: بعض الناس يعتقد أن زيارة المسجد النبوي لها علاقة شرعية بالحج وهذا الاعتقاد خطأ لأن زيارة المسجد النبوي لا علاقة لها بالحج إطلاقاً فلا هي شرط من شروط الحج ولا ركن من أركانه ولا واجب من واجباته بل الحج ينتهي بطواف الوداع ولكن إن تيسر للإنسان الذهاب إلى المدينة بنية الصلاة في المسجد النبوي فلا بأس بذلك بل فعله حسن.
ثانياً: بعض الناس يذهب يمكث في المدينة النبوية غالب وقته، فإذا صلى بالحرم المكي مثلاً تراه يصلي فرائض معدودة ثم يرجع إلى المسجد النبوي فيمكث فيه ما شاء الله، والأولى أن يمكث في المسجد الحرام أكثر أيامه لأن الصلاة فيه أعظم أجراً مادام ذلك في استطاعته وإمكانه.
ثالثاً: ما جاء من أحاديث تربط بين الحج وزيارة المسجد النبوي أو طلب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها أحاديث ضعيفة جدا بل أكثرها موضوع فهي لا تخلو من ضعف شديد أو وضع (أي) كذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ذلك أئمة الحفاظ.
رابعاً: من المفاهيم الخاطئة أن النساء يعتقدن حقهن في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهن في ظنهن شقائق الرجال حتى في زيارته وهذا خطأ إذ ليس لهن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم إطلاقاً.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) ([122]).
خامساً: الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الروضة (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)([123]) . هذا الحديث رواه البخاري ومسلم.
أما الرواية الثانية:(ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة) فهي رواية معلولة غير صحيحة، لا يجوز الاحتجاج بها لأنها منكرة بهذا اللفظ([124]).
سادساً: جميع الأحاديث التي يروج لها المبتدعون في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وفضل زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كلها أحاديث غير صحيحة ولم يروها أحد من أهل الكتب المعتبرة كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن وأصحاب المسانيد كلهم لم يرووها بل أشاروا إلى ضعفها وإلى وضعها، فمن هذه الأحاديث مثلاً:
(من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي).
من حج فلم يزرني فقد جفاني) (من حج فلم يزرني فقد جفاني ومن زارني فقد وجبت له شفاعتي)(من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني).
كل هذه الأحاديث وغيرها ضعيفة أو موضوع.
فلينتبه المسلم مما يروج له أهل البدع من القبوريين ومن على شاكلتهم.
ثانياً: البدع التي أحدثها الناس
عند زيارتهم المدينة النبوية
تمهيد:
إذا تأمل المرء فيما أحدثه المحدثون ووقع فيه المنحرفون عن منهاج النبوة والرسالة في البدع التي أحدثت عند زيارة المدينة النبوية وجد أن هذه البدع تحمل في طياتها الشرك الأكبر بعينه الذي يخرج صاحبه من الملة ويجعله خالدا مخلدا في النار، فكم تسكب العبارات والزفرات عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وعند قبور شهداء أحد ويطلب منهم كشف الكربات ودفع الضرر ورفع الملمات.
وإذا تأمل المرء أيضا هذه البدع وجدها تحمل في طياتها الشرك الأصغر وخلاصة الأمر أن يقال إن المخالفات التي وقع فيها المبتدعون عند زيارتهم المدينة النبوية تنقسم إلى قسمين:
1-بدع شركية. 2. بدع محرمة.
أولاً: بدع الشرك الأكبر:
قبل أن نبدأ في بيان بدع الشرك الأكبر نريد أن نوضح معنى الشرك الأكبر:
تعريف الشرك الأكبر:
الشرك الأكبر هو صرف أي شيء من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، كأن يدعو غير الله أو يذبح لغير الله أو ينذر لغير الله، أو يتقرب لأصحاب القبور أو الجن أو الشياطين بشيء من أنواع العبادات، أو يخاف الموتى أن يضروه، أو يرجو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات وغير ذلك من أنواع العبادة التي تصرف لله تعالى ([125]).
من خلال هذا التعريف يظهر لنا أن البدع التي وقع فيها المنحرفون عند زيارتهم قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره كقبر شهداء أحد هو من جنس الشرك الأكبر، فمن هذه البدع:
1-يقصد الكثير من الناس زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الحاجات وتفريج الكربات ودفع المضرات ورفع الملمات فيقول: يا رسول الله أسألك أن ترد عليَّ حاجتي أو تشفي لي مريضي أو ترفع عني ما أصابني من ضر أو يقول: يا رسول الله انصرني أو أغثني أو ارزقني أو أنا في حسبك وغيرها من الأقوال التي هي حق محض لله تعالى كلها شرك أكبر مخرج من الملة.
2-بعض الناس يذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الوسيلة وجعله واسطة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى في قبول دعائه، وهذا هو عين شرك أهل الجاهلية أي الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لصاحبه إن مات قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}([126]).
3-وكذلك يحدث عند قبور شهداء أحد مثل ما يحدث عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعض الناس يستغيث بهم ويطلب منهم الحاجات كما يقول بعضهم عند زيارته لقبر حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم (نعوذ بك من النار) وغيرها من الأقوال الكفرية كمن يقول (مدد يا حمزة) أو (مدد يا عباس) أو أنا في حسبك يا حمزة وما شابه ذلك، وكل هذا من الشرك الأكبر.
ثانياً: بدع الشرك الأصغر:
ما هو الشرك الأصغر؟
التعريف بالشرك الأصغر:
الشرك الأصغر عرفه العلامة ابن سعدي-رحمه الله- تعريفا جامعا فقال: الشرك الأصغر هو: كل وسيلة وذريعة يتوسل بها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة([127]).
وبهذا التعريف ينضبط حد الشرك الأكبر فإن الوسائل إذا كانت تؤدي إلى الشرك الأكبر صارت شركا أصغر وإن لم يأت تسميتها في نصوص الشارع شركا بخلاف قول جمهور أهل العلم فإنهم يرون أن الشرك الأصغر ما جاءت نصوص الشرع تسميته شركاً ولم يبلغ حد الشرك الأكبر.
والذي يظهر والله أعلم أن تفسير ابن سعدي للشرك الأصغر هو الأضبط.
من أنواع بدع الشرك الأصغر:
بعض الناس يقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك توسلا إلى الله به في دعائه فيقول عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم أو أتوسل إليك بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم أو بحمزة وغيرهم من شهداء أحد فهذا شرك أصغر) ([128]).
بعض الناس يتوجه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول يا رسول الله ادعوا الله لي أن يشفيني أو يرد عليّ عافيتي وما شابه ذلك فهذا من الشرك الأصغر.
وبناء على ما ذكرناه فإن ما يظنه الناس أن الدعاء عند القبور مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد فيقصد القبر لذلك، فإن هذا من المنكرات إجماعا ولم ينازع في ذلك أحد من أهل العلم. فهذا أمر لم يشرعه الله ولا رسوله ولا أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين بل جاءت النصوص تنهى عن ذلك أشد النهي.
فهذا عليّ بن الحسين رضي الله عنهما رأى رجلا يجيء إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فيها فقال لا تفعل ثم قال ألا أحدثك حديثا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تجعلوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا وسلموا عليّ حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم).
ومن بدع الشرك الأصغر قراءة القرآن عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قصد الصلاة عند قبره.
ومنه أيضاً ما يقوم به البعض من الطواف حول قبره وهذا من البدع المحدثة التي لم يشرعها الله لعباده بل هي وسيلة للشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لصاحبه إذا مات عليه.
وبالجملة فعل أي طاعة عند قبره صلى الله عليه وسلم هي في الحقيقة وسيلة إلى الشرك الأكبر.
البدع المحرمة:
البدع المحرمة هي التي لم تصل إلى درجة الشرك الأصغر ولكنها محرمة لكونها ابتداعا في دين الله. ولما كان كل بدعة في دين الله ضلالة كانت جميع البدع محرمة سواء ما كان منها شركا أو لم يكن شركاً، وهي كثيرة جداً، ومنها:
- بعض الزائرين يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويترك استقبال القبلة وهذه بدعة مذمومة محرمة، فإن كان استقباله مصحوباً بعبادة ما فإنه يصير شركاً أصغر، أما مجرد الاستقبال ظناً منه أن استقبال القبر أفضل فهذا بدعة محرمة.
- بعض الزائرين لقبر النبي صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم وهذا فيه شيء من سوء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قد يكون فيه إحباط للعمل فرفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم منهي عنه في حياته وبعد مماته. قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ..} ([129]).
- بعض الزائرين يقف طويلا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويأتي بأدعية غير مشروعة مما يؤدي إلى التزاحم وأذية الآخرين وهذا أيضاً من البدع المحرمة.
- بعض الزائرين يقوم بأداء الركعتين بعد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أيضا من البدع
- ما تقوم به النساء من زغاريد عند الروضة أو إرادة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم
- التماس الدعاء بعد الذهاب إلى قبره صلى الله عليه وسلم والسلام عليه.
- كتابة الرسائل ثم رميها على القبر، إرسال العرائض مع الحجاج والزوار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويحملهم السلام إليه.
- بعض الناس يتمسحون على أبواب المسجد النبوي وكذا شبابيكه بغية حصول البركة بل يحلف بعضهم فيقول (وحق الذي وضعت يدي على شباكه) فجمع بين الشرك وذلك بالحلف بغير الله والبدعة المحرمة وهي التمسح بالجدران والشبابيك.
- ربط الخيوط ونحوها على شبابيك المسجد النبوي تبركاً.
- أخذ بعض الحصى من أمام المسجد النبوي وحملها إلى بلده وذلك للتبرك بها.
- أن بعض الزائرين يقصدون القبر كلما دخلوا المسجد أو خرجوا منه فلا يدخل إلا بالتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخرج إلا بالتسليم عليه.
- بعض الناس يقصدون قبر النبي صلى الله عليه وسلم للسلام عليه دبر كل صلاة.
- بعض الناس يحرص على صلاة الفريضة في الروضة ويترك الصفوف الأولى مع وجود المتسع فيها ومن المعلوم أن أجر الصلاة في الصفوف الأولى أفضل من الصلاة في الروضة.
- بعض الناس يحرص على الصلاة في المسجد القديم ويعرض عن الصفوف الأولى وهذا أيضاً مخالف للسنة وبدعة في دين الله، إذ الأفضل كما ذكرنا الصلاة في الصفوف الأولى.
- بعض الناس يقطع من شعره ثم يرمي به في اتجاه القبر.
- بعض الناس يقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة في مسجده.
- قصد الاغتسال عند إرادة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومنها تقسيم الزيارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالزيارة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وإلى غير ذلك مع إيراد دعاء خاص في كل زيارة. والمراد بالزيارة الأولى عندهم إلقاء السلام على النبي صلى الله عليه وسلم من قرب والزيارة الثانية أن يقف عند الجانب الأيمن من القبر أي عند الرأس ثم يسلم مرة أخرى، ولهم في ذلك أدعية مبتدعة. أما الزيارة الثالثة أن يستقبل القبر ويجعل القبلة خلفه، ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يثني عليه ويدعو، كل هذا من البدع والخرافات. أما الزيارة الرابعة فهي السلام على النبي صلى الله عليه وسلم من البعد.
- تخصيص الصلاة عند اسطوانة التوبة حيث يزعمون أن الصلاة عندها مقبولة.
- استحباب الصيام يوم الأربعاء والخميس والجمعة في المدينة حيث لم يرد فيها نص صريح صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
- استحباب الصلاة يوم الأربعاء عند اسطوانة التوبة (أي اسطوانة أبي لبابة)، وليلة الخميس ونهاره عند الاسطوانة التي تقع أمام اسطوانة التوبة، وليلة الجمعة ونهارها عند الاسطوانة التي تقع بجانب محراب النبي صلى الله عليه وسلم .
- استحباب الصلاة عند مقام جبريل وهو المقام الذي كان استأذن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بالدخول.
- استحباب صلاة الركعتين للزيارة أي عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم.
- وضع بعض الناس يده على صدره حال وقوفه أمام قبره صلى الله عليه وسلم كهيئة المصلي. فهذا لم يفعله صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أو بعد موته. ولو شرع لكانوا أسبق الناس إليه.
ما أحدثه المحدثون
عند زيارتهم مسجد قباء.
من المعروف لدى المسلمين أن مسجد قباء شرعت زيارته للصلاة فيه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضله بأن الصلاة فيه كأجر عمرة، فعن أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(صلاة في مسجد قباء كعمرة)([130]).
غير أنه لا يجوز إحداث بدع أخرى غير الصلاة فيه لنيل أجر العمرة ولكن أبى المبتدعون إلا الخروج ببدعهم في هذا المسجد ومنها:
- التمسح بجدران المسجد رجاء البركة.
- التصوير التذكاري عنده.
- بعض الناس يكتب بأصبعه على الجدران بعض الكلمات رجاء الرجوع إليه مرة أخرى.
ما أحدثه المحدثون
عند زيارتهم بقيع الغرقد
لا شك أن زيارة البقيع أمر مشروع ولكن بصفة معينة حددها الشارع الحكيم.
فالقاصد للبقيع لا يخرج إلا بنية التذكر للآخرة والموت وما هو وسيلة لزهده في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة).
وكذلك يقصد بزيارته الدعاء لأهل البقيع والترحم عليهم والاستغفار لهم. أما كون الإنسان يذهب فيأتي بأشياء غير مشروعة بل هي ممنوعة فهذا لا ينبغي.
ومما يحصل عند البقيع من هذه البدع:
- الصلاة داخل المقبرة فهو بدعة محرمة، بل ورد النهي عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها).
- أخذ الأتربة منها تبركا.
- رمي الرسائل عليها وطلب الحاجات من أصحاب القبور.
- رمي الحبوب والنقود ورش العطور على القبور.
- رسم الخطوط على أرض المقبرة مع الاعتقاد أن بكل خط قبر لنفسه أو من يحبه أو لأحد من أقربائه.
- بعض الناس يجمع التراب على شكل قبر صغير ويقصد به أنه يكون لنفسه أو لمن يريد.
- بيع الحبوب عندها.
- تزوير الناس من قبل أشخاص مقيمين بالمدينة مع تعريفهم كل قبر وتوزيع الخرائط عندها مع قراءة الكتب المليئة بالشركيات والكفريات.
- التكبير، وقراءة القرآن عندها.
- دفن الأموال عندها مع قراءة القرآن عند الدفن.
- الجلوس عندها مع البكاء والصريخ والدعاء بالويل والثبور.
ولعل من ذهب إليها يجد الكثير من البدع التي تحصل عندها. فقد جمعت البدع عندها من كل شر أعلاه.
فجمعت الشرك الأكبر من الاستغاثة بأهل البقيع وسؤالهم ودعائهم وطلب الحوائج منهم.
والشرك الأصغر من قراءة القرآن عندهم والصلاة وتحري الدعاء عندها وغير ذلك من الشرك الأصغر الذي بيناه سابقاً، والله المستعان.
البدع المكانية
لم يكتف المنحرفون من أهل البدع بما أحدثوه في المسجد النبوي من بدع بل اخترعوا أماكن أخرى قصدوها للتعبد عندها، فالذي ينبغي معرفته أن بعض الزائرين إلى المدينة يحرص على زيارة أماكن لا تشرع زيارتها، فإن الله تعالى لم يأذن لنا إلا بزيارة المسجد النبوي فقط، أما مسجد قباء وبقيع الغرقد فهما تبع للمسجد النبوي بمعنى أنه لا تشد لهما الرحال ، ولكن إذا ذهب الإنسان إلى المدينة جاز له الصلاة في قباء والذهاب إلى بقيع الغرقد وذلك للاستغفار والدعاء لأهله من الصحابة وغيرهم. أما كون الإنسان يقصد بزيارته المصحوبة بشد الرحال قباء أو البقيع فهذا منهي عنه.
وعلى ذلك فالأماكن التي تشرع زيارتها هي: المسجد النبوي، أما مسجد قباء، وبقيع الغرقد فهما تبع لها.
فمن زاد على ذلك فقد تعدى وأساء وظلم.
وهذه جملة من البدع المكانية وما يحدث بها من البدع:
1- مسجد الجمعة:
(ويسمى مسجد الوادي) أو باسم (مسجد عاتكة) (أو مسجد القبيب)
وهذا المسجد يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما وصل قباء مهاجرا أقام فيه عدة أيام ثم خرج فيها ضحى يوم الجمعة إلى المدينة فأدركته صلاة الجمعة، هو ومن معه فصلى فيه الجمعة فكانت أول جمعة يصليها النبي صلى الله عليه وسلم .
فخصصه الناس بالزيارة إليه تبركاً أو للصلاة فيه وهذا لم يشرعه الله ولا رسوله ولا سلف الأمة إذ لو كان خيراً لسبقونا إليه.
ومن البدع التي أحدثت لهذا المسجد أن الناس يذهبون للصلاة فيه.
أن الناس يحضرون إليه ليلة الجمعة ويصلون فيه الجمعة ويعتقدون أن الصلاة فيه أفضل من غيره.
أن بعض الناس يأخذ الصور التذكارية عنده.
2- مسجد ذي الحليفة أو الميقات:
ويسميه بعض الناس مسجد الشجرة.
وهذا المسجد يعتقد زائروه أن النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه إلى مكة المكرمة للعمرة أو الحج كان ينزل تحت شجرة في ناحية المسجد يصلي ثم يهل للعمرة أو الحج.
فاختيار هذا المسجد للتعبد بدعة.
ومن البدع المقامة عنده أن بعض الناس يطوف بالساحة الداخلية ثم يأخذ عندها الصور.
3- مسجد بني معاوية:
وهذا المسجد ينسب إلى بني معاوية بن عوف ويسمى باسمهم ويسمى أيضا باسم (مسجد الإجابة).
وسبب تسميته بذلك أنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه الركعتين ثم سأل الله تعالى أمورا معينة فاستجاب الله له ولذا يتحرى بعض المنحرفين المبتدعين الصلاة فيه ثم الدعاء عنده لأن الدعاء عنده على زعمهم مستجاب وهذا لا شك ضلال مبين.
4- المساجد السبعة:
هي عبارة عن سبعة مساجد صغيرة تقع في الجهة الغربية من جبل سلع عند جزء من الخندق الذي حفره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة الخندق.
هذه المساجد يعتقد الناس أنها مواقع مرابطة الجيش في تلك الغزوة وقد سمي كل مسجد باسم من رابط في هذه الغزوة.
وهذه المساجد على النحو التالي هي:
- مسجد الفتح، وهذا المسجد يقول المبتدعون إن النبي صلى الله عليه وسلم ضربت له فيه قبة.
- مسجد سلمان الفارسي حيث يعتقدون أن سلمان كان يصلي فيه في غزوة الأحزاب.
- مسجد أبي بكر الصديق.
- مسجد عمر بن الخطاب.
- مسجد علي بن أبي طالب.
- مسجد فاطمة.
- مسجد عثمان رضي الله عنه.
وهذه المساجد يحضر إليها الناس ويصلون بكل مسجد ركعتين اعتقادا منهم أن الصلاة في هذه المساجد أفضل من غيرها.
فإذا أتموا الصلاة فيها قاموا بأخذ الأتربة تبركا بها ثم يأخذون الصور التذكارية بل ويعتقدون أن الحج والعمرة والزيارة لا تتم إلا بذلك.
5- مسجد الغمامة ويسمى (مسجد المصلى):
الموقع: يقع هذا المسجد في الجهة الغربية الجنوبية لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معتقد زواره: يعتقد زواره من أهل البدع المخالفين لنبي الهدى صلى الله عليه وسلم أن هذا المكان آخر المواضع التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد، ويسمى بالغمامة لما يقال من أن غمامة حجبت الشمس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند صلاته. ومن ثم يقوم الزوار بالصلاة فيه اعتقاداً منهم بأفضلية الصلاة فيه ثم يتبركون بجدرانه ويتمسحون بها.
وبجوار هذا المسجد مساجد أخرى وهذه المساجد هي مسجد عمر ومسجد علي ومسجد فاطمة ويقوم الزوار بالصلاة في كل مسجد منها ركعتين ويتمسحون بها ويعتقدون أيضا أن الصلاة فيها أفضل من غيرها.
6- مسجد القبلتين:
الموقع: يقع هذا المسجد في الجهة الغربية من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبعد عنه خمسة كيلو مترات تقريبا.
سبب التسمية: ينسب هذا المسجد لبني حرام من بني سلمة. ويزعم المبتدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد صلى فيه ستة أو سبعة أشهر ينتظر أمر ربه في القبلة فنزلت آية تحويل القبلة فتحول النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة واستقبل القبلة.
ويعتقد البعض في هذا المسجد أن سبب تسميته بهذا أن الصحابة صلوا فيه صلاة واحدة إلى القبلتين، وذلك أنه لما كانت القبلة إلى بيت المقدس وكان الصحابة يصلون آنذاك صلاة العصر جاءهم الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة إلى البيت الحرام فتحولوا وهم يصلون من أجل ذلك سمي بمسجد القبلتين.
أهم البدع عنده:
أولاً: قصد الناس زيارته بغرض التعبد فيه وهذا لا شك بدعة لا تجوز.
ثانياً: أن البعض من الناس بداخله يصلي متجها تجاه بيت المقدس ركعتين ثم يصلي ركعتين أخريين تجاه البيت الحرام، فانظر إلى تلاعب الشيطان بهؤلاء وصدق ربنا {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} ([131]).
ثالثاً: بعد الفراغ من الصلاة يقومون بأخذ الصور التذكارية التي حرمها الله تعالى فجمعوا بين المحرم والشرك الأصغر وهو الرياء والبدعة بتخصيص الصلاة فيه والدعاء عنده ونحوه.
7- مسجد أبي ذر الغفاري:
الموقع: يقع في الجهة الشمالية من المسجد النبوي.
القاصدون له: أغلبهم ليسوا من مبتدعي أهل السنة بل من الروافض وذلك لأن أبا ذر ناصر علياًّ وأيده ضد من عادوه ولذا يقصدون قبره ويدعون عنده.
8- مسجد الراية:
القاصدون له: أغلب من يزوره من البرلوية.
المعتقد: يعتقدوه من يزوره أن هذا المكان هو الذي رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
9- مسجد الفضيخ (مسجد النخل)
تنبيه: هذا في الحقيقة ليس بمسجد حيث لا تقام الصلاة فيها ولا يرفع منه آذان ولكن جعله المبتدعون مسجدا يقصدونه للصلاة فيه.
الموقع: يقع في الجهة الشرقية من مسجد قباء.
المعتقد: يعتقد زواره أن هذا موضع رد الشمس لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فصلى صلاة العصر حينما فاته الوقت بسبب نوم النبي صلى الله عليه وسلم في حجره فلما فرغ علي من الصلاة انقضت الشمس انقضاض الكوكب.
ولذا يقول المبتدعون فإذا دخلت مسجد الفضيخ فصل فيه ركعتين اطلب حوائجك من الله تعالى فإن الدعاء به مستجاب.
10- مسجد العريض:
تنبيه: في الحقيقة أنه ليس بمسجد بل هو ضريح حيث وضع بجانب القبة المهدومة منارة مسجد، وذلك لأن بناء الأضرحة محرم في شريعتنا فقام المسؤولون وفقهم الله بهدمه وبناء منارة مسجد مكانه وذلك قطعاً لدابر الشرك، ولكن أبى المنحرفون إلا الشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله .
التعريف به: هو مشهور بهذا الاسم (مسجد العريض) ونسبه المبتدعون إلى علي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
القاصدون: يقصده المبتدعون من الصوفية وعباد القبور ويتوافدون إليه للاستغاثة وسؤاله من دون الله وطلب الشفاعة منه مع رمي الرسائل المكتوب فيها حوائجهم المرشوشة بالعطور.
11- مسجد العريش:
الموقع: يقع المسجد بجانب مقبرة شهداء بدر.
المعتقد: يعتقد قاصدوه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه أي في هذا الموضع في أثناء معركة بدر، ولذا يعتقدون أن الصلاة فيه لها فضل عند الله بل والدعاء فيه مستجاب ولهم في ذلك دعاء خاص به.
12- مسجد المباهلة:
المعتقد: يعتقد زواره أن هذا المكان الذي حضر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين ليتباهل مع نصارى نجران.
ولذا يقصدونه بالصلاة فيه والدعاء عنده فإن الصلاة عنده مقبولة ولها فضل وكذا الدعاء.
13- مسجد الشهداء:
الموقع: يقع بجانب مقبرة الشهداء
ويعتقد زواره أن لهذا المسجد فضلاً ولذا تراهم يصلون فيه ويتبركون به.
البدع المكانية في غير المساجد
لم يكتف المبتدعون المنحرفون في الاقتصار على ما ابتدعوه سابقا بل قاموا فزادوا على ذلك من البدع المكانية بغية الزيادة في الأجر وما لهم بذلك من أجر إذ الأجر مقرون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم فمن خالف هديه فلا أجر له بل عليه من السيئات بقدر بدعته، فمن هذه البدع:
1– جبل أحد :
لا شك أن جبل أحد يحبه الله ويحبه النبي صلى الله عليه وسلم ونحبه نحن لمحبة الله ورسوله ولكن هل يقصده المسلم بالزيارة والتبرك فهذا لا يجوز وليس من هدي سلفنا الصالح.
البدعة المقامة عنده: يوجد بهذا الجبل غار يصعد إليه الزوار ثم يقومون بفعل الآتي:
(1) التبرك بهذا الغار إذ يلتمسون به البركة حيث كان مأوى للنبي صلى الله عليه وسلم في أحد.
(2) يعتقد زواره أن النبي دخل به في معركة أحد ولذا يقومون بقراءة الفاتحة عنده ويطيبونه بالعطور.
(3) أسفله حجر كبير يسميه زواره الطاقية إذ يعتقدون أن هذا الحجر هو طاقية النبي صلى الله عليه وسلم .
(4) يقوم زواره بقطع غصون الأشجار وورقها وأخذه تبركا.
2- جبل الرماة:
هذا الجبل هو الذي جعل عليه النبي صلى الله عليه وسلم الرماة في غزوة أحد والقاصدون له من الزوار يقومون بعمل الآتي:
- يتبركون به
- يقومون بأخذ الأتربة منه تبركاً.
- يقومون بكتابة الأسماء عليه.
- يقومون بوضع الصور تحت الحجر.
- يقومون بجمع الحجر والتراب على شكل جبل صغير اعتقاداً منهم بعودة من يفعل ذلك مرة أخرى.
- يقومون برسم الخطوط فوق الجبل ورفع الأيادي بالدعاء.
- يقومون حال دعائهم متجهين إلى القبور لا باتجاه القبلة.
- يقومون بقراءة القرآن والصلاة فوق الجبل.
- يقومون بترديد التواشيح والأناشيد عنده.
فما أكثر البدع وما أكثر أهلها وقانا الله وإياكم من شر ذلك.
ومن المزارات الأخرى:
- زيارة شهداء بدر وبخاصة يوم (27/9) من كل عام.
- إحداث البدع عند زيارة شهداء أحد.
- زيارة قبر عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم .
- زيارة قبر حمزة رضي الله عنه
- زيارة الحسن والحسين.
- زيارة بئر عثمان حيث يعتقد زوارها أن بها البركة وهي منسوبة لعثمان بن عفان رضي الله عنه.
وكل هذه المزارات عندهم لها أفضلية خاصة من حيث الزيارة والدعاء عندها والصلاة كذلك.
3- مشربية أم إبراهيم:
المبتدعون من زواره يعتقدون أنها حجارة أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم أي مارية القبطية رضي الله عنها، وهذه المشربية أيضا يقولون بأنها كانت مسكنا للنبي صلى الله عليه وسلم ومصلاه.
ولذلك تراهم يصلون فيها ركعتين تبركا بها ثم يدعون بدعاء خاص بهذا المكان.
الطريقة الشرعية
لزيارة المدينة النبوية
تمهيد:
بيان الطريقة الصحيحة لقاصدي المدينة النبوية.
الطريقة الشرعية
لزيارة المدينة النبوية
تمهيد:
نختم هذه الرسالة ببيان الطريقة المرضية لقاصدي المدينة النبوية وكيف يقوم المسلم بتأدية هذه الزيارة بطريقة شرعية خالية من البدع المحدثة التي أحدثها المحدثون. فنقول وبالله التوفيق.
ذكرنا فيما سبق شروط قبول العبادة وذكرنا أن الله لا يقبل الأعمال إلا إذا توفر فيها شرطان:
الأول: الإخلاص لله. والثاني: أن يكون العمل وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى آخر أي أن يكون العمل مشروعا أي جاءت به نصوص الكتاب والسنة.
فطرق الوصول إلى الله تعالى ومرضاته كثيرة لكن أفضلها وأصحها هو ما توفر فيه الشرطان، فمتى اجتمع الشرطان صحت العبادة ومتى فقد الشرطان بطلت العبادة.
وسنذكر فيما يلي الطريقة الشرعية التي رضيها الله لعباده عند قصدهم المدينة النبوية.
بيان الطريقة الصحيحة
لقاصدي المدينة النبوية
أولاً: إذا أردت زيارة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فاقصد بزيارتك وجه الله تعالى والدار الآخرة وليكن الإخلاص في زيارتك هو الأساس ودعك من الرياء والسمعة فإنهما محبطان للعمل.
ثانياً: أن تكون زيارتك لقصد المسجد النبوي
وذلك للصلاة فيه والتعبد لله تعالى بسائر الطاعات فيه، ولا يكن قصدك زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً: إذا عزمت على الرحيل فاختر صحبة طيبة تكن لك رفقة في الطريق فإن هذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وترحاله بل جاء الأثر بذلك فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب من الليل وحده)([132]).
رابعاً: إذا أتيت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فأته بسكينة ووقار ثم قدم رجلك اليمنى قائلا دعاء دخول المسجد وهو (بسم الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك).
خامساً: إذا دخلت المسجد فيستحب لك أن تأتي الروضة الشريفة فتصلي فيها ركعتين تحية المسجد ولكن يشترط عدم المزاحمة وإيذاء الآخرين، فإن لم تتمكن من تأدية الركعتين بالروضة فصل في المسجد في أي مكان شئت.
سادساً: إذا فرغت من الصلاة فقم متجها إلى الحجرة الشريفة التي بها قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاستدبر القبلة واستقبل القبر ثم قف أمام النافذة الدائرية اليسرى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم قائلا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد أشهد أنك رسول الله حقا قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده فجزاك عن أمتك أفضل ما جزى نبيا عن أمته.
سابعاً: إذا انتهيت من السلام على النبي صلى الله عليه وسلم تأخر إلى جهة اليمين قليلاً أي قدر ذراع ثم سلم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بما تستحضره من الألفاظ من غير تكلف.
ثامناً: إذا انتهيت من السلام على أبي بكر انتقل عن يمينه قدر ذراع أيضا ثم سلم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وليكن تسليمك عليه من غير تكلف.
تاسعاً: إذا انتهيت من ذلك كله فادخل المسجد وأكثر فيه الصلوات من الفرائض والنوافل فإن الصلاة فيه عظيمة الأجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم :(صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام).
عاشراً: يمكنك التنويع في العبادة فإذا صليت ما بدا لك وأحسست بفتور فأكثر من الذكر وقراءة القرآن وحضور حلق العلم.
الحادي عشر: يسن لك زيارة مسجد قباء والصلاة فيه لما ذكرناه من أدلة في سنية الصلاة فيه ويمكن أن تأتي إليه راكبا أو ما شيا كما تحب فالأمر في ذلك واسع والحمد لله.
الثاني عشر: يسن لك أيضاً زيارة البقيع وشهداء أحد وغيرها من قبور السلف والدعاء لهم بالمغفرة وليكن قصدك نفعهم بالدعاء وتحصيل أجر الزيارة دون قصد التبرك بهم.
الثالث عشر: إذا وصلت البقيع أو شهداء أحد أو غيرها من قبور السلف فإياك والغلو ويكفيك في ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارتهم فقد كان يقول:(السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية) ثم ادع لهم بما شئت أدعية خالية من الشرك والبدع، تقول: اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم جازهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفوا منك وغفرانا، وغيرها من الأدعية الصحيحة.
الرابع عشر: احذر البدع سالفة الذكر وإياك ومحدثات الأمور.
فواقع كثير من المسلمين الآن أنهم يؤزرون بزيارتهم ولا يؤجرون لما يحدثونه من البدع العظيمة التي تصل إلى حد الشرك أحياناً وعلى كل مؤمن صادق ناصح لنفسه ولأمته أن يبتعد عن هذه المحدثات وأن يعلم الناس أمر دينهم بكل رفق وسهولة اتباعا لهديه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.
فهرس الموضوعات
الموضوع | الصفحة |
ذكر بعض فضائل المدينة | |
تمهيد: | |
أنها حرم | |
تسمية الله لها طيبة | |
أن الإيمان يأرز إليها | |
أنها تأكل القرى | |
خطورة الإحداث فيها | |
الدعاء لها بالبركة | |
الصبر على أذاها | |
لا يدخلها الطاعون | |
ذكر بعض فضائل مخصوصة في المدينة | |
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم | |
مسجد قباء | |
وجوب العمل بالسنة | |
أدلة القرآن على وجوب العمل بالسنة | |
دلالة السنة على وجوب العمل بالسنة | |
موقف الصحابة والتابعين من السنة | |
التحذير من مخالفة السنة | |
الآيات الدالة على ذلك وبيان أهل التفسير لها | |
ذكر ما جاء عن الصحابة والتابعين في التحذير من مخالفة السنة | |
الاعتصام بالسنة نجاة | |
التعريف بالسنة | |
تعريف السنة في اللغة | |
تعريف السنة في الاصطلاح | |
كيف تتعرف على صاحب السنة | |
البدعة وآثارها | |
تمهيد: | |
نصوص الكتاب في النهي عن البدع | |
تفسير الآيات الدالة على ذلك | |
دلالة السنة على النهي عن الابتداع | |
حديث عائشة وشرح العلامة ابن حجر له | |
حديث جابر رضي الله عنه | |
حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه | |
ذكر أقوال الصحابة والتابعين في النهي عن البدع | |
كلام أبي بكر رضي الله عنه | |
كلام عمر رضي الله عنه | |
كلام ابن مسعود رضي الله عنه | |
كلام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه | |
ما قاله الإمام أحمد رحمه الله | |
ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله | |
ما قاله الإمام مالك رحمه الله | |
أسباب البدع | |
تعريف البدعة | |
معناها في اللغة | |
معناها في الاصطلاح | |
وسائل الوقاية من البدع | |
العلاقة بين التعريف بالسنة والبدعة | |
وموضوع الرسالة | |
العلاقة الأولى | |
العلاقة الثانية | |
العلاقة الثالثة | |
ذكر بعض الشبهات التي قذفها الشيطان في قلوب أوليائه | |
مضاهاة للحق وأهله | |
الشبهة الأولى: آية سورة المائدة | |
الشبهة الثانية: آية سورة النساء | |
الشبهة الثالثة: حديث عثمان بن حنيف | |
الشبهة الرابعة: حديث أبي أمامة سهل بن حنيف | |
الشبهة الخامسة: حديث توسلوا إلي بجاهي. | |
الجواب على الشبهة الأولى | |
الجواب على الشبهة الثانية | |
الجواب على الشبهة الثالثة | |
الجواب على الشبهة الرابعة | |
الجواب على الشبهة الخامسة | |
مفاهيم يجب أن تصحح | |
البدع التي أحدثها الناس عند زيارتهم المدينة النبوية | |
تمهيد: | |
أولاً: البدع الشركية | |
(1) التعريف بالشرك الأكبر | |
قصد الناس زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الحاجات | |
قصد الناس زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الوسيلة | |
قصد الناس زيارة قبور شهداء أحد لطلب الحاجات | |
(2) بدع الشرك الأصغر | |
أولاً: التعريف بالشرك الأصغر | |
– قصد القبر توسلا إلى الله ودعائه | |
– طلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم | |
– قراءة القرآن عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم | |
– الطواف حول قبره صلى الله عليه وسلم | |
ثانياً: البدع المحرمة | |
– استقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم وترك القبلة | |
– رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم | |
– الوقوف طويلا عند القبر | |
– القيام بأداء ركعتين بعد السلام على النبي صلى الله عليه وسلم | |
– زيارة النساء لقبره صلى الله عليه وسلم | |
– كتابة الرسائل ثم رميها على القبر | |
– التمسح بأبواب المسجد النبوي | |
– ربط الخيوط على الشبابيك | |
– أخذ الحصى من أمام المسجد | |
– قصد القبر كلما دخل المسجد | |
– قصد القبر للسلام عليه دبر كل صلاة | |
– الحرص على صلاة الفريضة في الروضة وترك الصلوات الأولى | |
– الحرص على الصلاة في المسجد القديم | |
– قطع الشعر ورميه تجاه القبر | |
– قصد السلام على النبي قبل تأدية ركعتي دخول المسجد | |
– قصد الاغتسال عند إرادة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم | |
– تقسيم الزيارة إلى الزيارة الأولى والثانية والثالثة وغيرها | |
– تخصيص الصلاة عند اسطوانة التوبة | |
– استحباب الصلاة يوم الأربعاء عند الاسطوانة | |
– استحباب الصلاة عند مقام جبريل | |
– استحباب صلاة ركعتين للزيارة عند قبره صلى الله عليه وسلم | |
– وضع بعض الناس يده على صدره حال وقوفه أمام قبره صلى الله عليه وسلم | |
– ما أحدثه المحدثون عند زيارتهم مسجد قباء | |
– ما أحدثه المحدثون عند زيارتهم بقيع الغرقد | |
البدع المكانية في المساجد | |
تمهيد: | |
مسجد الجمعة | |
مسجد ذي الحليفة | |
مسجد بني معاوية | |
المساجد السبعة | |
مسجد اليمامة | |
مسجد القبلتين | |
مسجد أبي ذر الغفاري | |
مسجد الراية | |
مسجد الفضيخ | |
مسجد العريض | |
مسجد العريش | |
مسجد المباهلة | |
مسجد الشهداء | |
البدع المكانية في غير المساجد | |
بدع جبل أحد | |
بدع جبل الرماة | |
بدع المزارات الأخرى | |
مشربية أم إبراهيم | |
الطريقة الشرعية لزيارة المدينة النبوية | |
تمهيد: | |
الإخلاص عند قصد الزيارة | |
قصد المسجد النبوي دون القبر | |
اختيار الصحبة | |
الإتيان إليها بسكينة | |
إتيان الروضة | |
السلام على النبي صلى الله عليه وسلم | |
السلام على أبي بكر رضي الله عنه | |
السلام على عمر رضي الله عنه | |
الإكثار من الصلاة | |
زيارة مسجد قباء | |
زيارة البقيع | |
فهرس الموضوعات |
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) رواه البخاري –كتاب بدء الوحي- باب كيف كان بدء الوحي (1/13)، ومسلم-كتاب الإمارة- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات (3/1515)
([4]) رواه مسلم-كتاب الزهد-باب من أشرك في ملة غير الله (4/2289)
([9]) بهجة قلوب الأبرار – لابن سعدي ص 10 .
([12]) انظر رسالة فضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها لشيخنا عبد المحسن العباد البدر.
([13]) رواه البخاري (4/93) برقم (1876)، ومسلم برقم (147).
([14]) رواه البخاري (4/78) برقم (1871)، ومسلم برقم (1382)
([16]) صحيح البخاري (6/83) برقم (2889)
([17]) رواه مسلم –كتاب الحج- باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة رقم الحديث (1363)
([18]) البخاري (4/95) مسلم رقم (1379)
([19]) من أراد المزيد من فضائل المدينة فعليه بكتاب الأحاديث الواردة في فضائل المدينة، الشيخ صالح بن حامد ابن سعيد الرفاعي.
([20]) صحيح البخاري (3/63)، ومسلم برقم (1394)
([21]) البخاري (3/63)، مسلم (2/976)
([22]) البخاري (3/70)، مسلم برقم (1391)
([23]) صحيح البخاري (1/577)، ومسلم برقم ( 509)
([25]) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (البخاري 2/79، 80) ومسلم (437)
([26]) صحيح سنن ابن ماجه (1/44)، صحيح الترغيب والترهيب (1/39) ، صحيح الجامع الصغير (6060)
([27]) رواه أحمد (3/487)، سنن ابن ماجه (1412)، سنن النسائي (2/37).
([28]) تاريخ المدينة (1/40)، سنن ابن ماجه (1412).
([29]) البخاري في تاريخه (6/443)، ابن حبان في الثقات (5/229)، صحيح بن ماجة (1/37)
([30]) صحيح البخاري (3/69)، مسلم (1399)، سنن أبي داود (2040)
([33]) سورة النساء، الآية : 59
([36]) سورة آل عمران، الآية: 31
([37]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/358)
([40]) رواه أبو داود (4207) والترمذي (2678) وأحمد (4/126-127) وابن ماجه (42) وصححه ابن حبان (102)
([42]) مختصر جامع بيان العلم وفضله ص (382)
([44]) مختصر جامع بيان العلم وفضله ص(383)
([46]) انظر القول المفيد في شرح كتاب التوحيد، ص (1/258-259)
([47]) تفسير القرآن العظيم –لابن كثير (3/306-307)
([50]) سورة الأحزاب، الآية: 36
([52]) سورة النساء، الآية: 115
([53]) متفق عليه (البخاري برقم 873)، ومسلم برقم (442)
([54]) مختصر جامع بيان العلم وفضله ص (391)
([56]) سورة الأنعام، الآية: 122
([57]) لسان العرب لابن منظور، باب النون، فصل السين (13/225)
([58]) مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة للدكتور ناصر العقل (ص13)
([59]) جامع العلوم والحكم (1/120)
([61]) رواه أبو داود (4/201) والترمذي (5/44) وابن ماجه (1/15-16)
([63]) سورة الإسراء، الآية: 81
([65]) سورة المائدة ، الآية: 3
([67]) سورة الأنعام، الآية:153
([70]) سورة الأنعام، الآية:159
([72]) رواه البخاري برقم (2697)، ومسلم برقم (1718)
([74]) شرح النووي لمسلم (14/257)
([77]) رواه النسائي (3/188) برقم 1578 .
([80]) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/136)
([81]) أخرجه اللاكائي في شرح أصول السنة (1/139)، والدارمي (1/47)
([82]) أخرجه ابن وضاح في ما جاء في البدع (ص43) رقم (14،12)
([83]) سنن أبي داود-كتاب السنة –باب لزوم السنة (4/203)، وصححه الألباني (3/873)
([84]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للاكائي (1/176)
([85]) أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/116)
([86]) سورة المائدة ، الآية: 3
([87]) الاعتصام للشاطبي (1/65)
([89]) مجموع الفتاوى (4/107-108)
([91]) سورة المائدة، الآية: 35.
([92]) سورة النساء، الآية: 64.
([93]) سيأتي تخريجه عند الجواب على هذه الشبهة إن شاء الله.
([94]) سورة المائدة، الآية: 35.
([95]) سورة المائدة، الآية: 35.
([96]) سورة الإسراء، الآية: 56
([97]) رواه البخاري (1/152)، ومسلم (1/288)
([98]) رواه البخاري (1/152)، وزيادة إنك لا تخلف الميعاد، رواها البيهقي (1/410) وصححها ابن باز رحمه الله في تحفة الأخيار ص 38.
([101]) التوسل والوسيلة (ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام 1/199-202)
([102]) سورة النساء، الآية: 64.
([103]) تفسير ابن جرير الطبري (1/517)
([104]) تفسير ابن سعدي تيسير الكريم الرحمن، سورة النساء، الآية:64 جـ2 ص 93- المجموعة الكاملة لمؤلفات ابن سعدي.
([105]) سورة النساء، الآية: 64.
([107]) سورة المنافقون، الآية:5
([109]) الصارم المنكي في الرد على السبكي ص 427-429 .
([110]) انظر تفسير ابن كثير (1/519-520)، الصارم المنكي ص 430
([111]) الصارم المنكي في الرد على السبكي، ص 423-431
([113]) تيسير العزيز الحميد ص 244
([114]) التوسل والوسيلة ص 92-100
([116]) انظر كلام شيخ الإسلام عليه في رسالته-قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 92-100، وكذا كلام صاحب كتاب الصارم المنكي فإن فيهما كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
([117]) انظر التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ص 95-100
([118]) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 129-130
([119]) سورة الأعراف، الآية: 180
([120]) سورة آل عمران، الآية:16
([121]) تنبيه زائر المدينة على المشروع والممنوع من الزيارة للشيخ صالح السدلان ص 50
([122]) رواه النسائي (4/94)، وأبو داود (3/218)، وابن ماجه (1/502)
([124]) انظر قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 72
([125]) انظر كتاب التوحيد للشيخ صالح الفوزان ص11
([126]) سورة النساء ، الآية:48
([127]) انظر تعريف ابن سعدي للشرك الأصغر في القول السديد ص 24، وص45 ، وانظر فتاوى اللجنة الدائمة (1/517)
([128]) انظر في ذلك: حقيقة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم (شبهات وردود) للمؤلف.
([130]) رواه ابن ماجة (1411)، والترمذي (2/145-146)، وابن أبي شيبة رقم (12570)
([132]) رواه البخاري (6/96) وأخرجه الترمذي برقم (1673) ومعنى الوحدة أي الانفراد في السفر.