44 – مباحث في العقيدة القسم الأول
44 – مباحث في العقيدة القسم الأول pdf
مباحث في العقيدة
(الجزء الأول)
التعريف بالعقيدة ـ التعريف بالتوحيد ـ أنواع التوحيد ـ
نواقض الإسلام العملية ـ شهادة التوحيد ـ العبادة ـ البدعة
تأليف
أ.د/ عبدالله بن محمد أحمد الطيار
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:
فإن توضيح العقيدة الصحيحة وبيانها وتجلية أمرها والدعوة إليها هو أهم المهمات وأعظم الواجبات لأنها الأساس الذي تبنى عليه أعمال الناس فلا تصح ولا تقبل إلا إذا كانت مبنية على معتقد صحيح سليم خال من الشوائب والمكدرات وهذا ما كان عليه رسل الله جميعاً – صلوات الله وسلامه عليهم – وكذلك أتباعهم بإحسان وهذا ما دعا إليه وأكد عليه خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وكذا تابعوه إلى يومنا هذا فقد أكدوا على إصلاح العقيدة والبعد عن كل ما يناقضها وهذا هو مسلك القرآن الكريم الذي جاءت معظم سوره تؤكد على هذه العقيدة وتبين معالمها وقد تنزل هذا الكتاب العظيم طيلة العهد المكي على رسولنا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التوحيد وإصلاح العقيدة وبيان ما يضادها من جميع الجوانب.
إن العقيدة الإسلامية هي التي بعث الله من أجلها رسله وأنزل بها كتبه ولا يقبل من أحد عملاً إلا بها كما أخبر عن ذلك ربنا – جل وعلا – بقوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} سورة الذاريات الآية 56)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} سورة النحل الآية : 136.
ومتى تمسك المسلم بهذه العقيدة الصحيحة فقد عصم دمه وماله في الدنيا كما أخبر عن ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)([1])، ومن تمسك بها فإنها تنجيه يوم القيامة من عذاب الله كما جاء في الحديث (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار). ([2])، وهذه العقيدة الصحيحة هي سبب قبول الأعمال ومغفرة الذنوب قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} سورة النحل، الآية : 97.
أما أصحاب المعتقد الفاسد فعملهم حابط باطل كما أخبر ربنا – جل وعلا –: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} سورة الزمر، الآية 65. وقال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} سورة المائدة الآية 72. هذه الأمور وغيرها جعلت أمر العقيدة ذا أهمية قصوى فوجب تعلمها وتعليمها ولذا اهتم بها أهل العلم سلفاً وخلفاً بينوا أصولها ووضحوا مسائلها وركزوا على ما يناقضها.
وإن التعليم في بلادنا الغالية – المملكة العربية السعودية – يتميز على غيره بالاهتمام بالعقيدة والتركيز عليها في مختلف مراحل الدراسة للبنين والبنات. ولقد شرفتني كلية التربية للبنات في محافظة الزلفي بتدريس مادة العقيدة في سنوات الكلية وأخبروني أن المقرر على الطالبات (شرح الطحاوية) ولما كان هذا الكتاب يصعب فهمه على كثير من الطالبات استخرت الله في تيسير بعض مباحثه وعرضها بأسلوب سهل وألقيت ذلك على الطالبات خلال عامي (1423، 1424هـ).
وكانت مجموعة منهن يكتبن هذه المحاضرات وقد اطلع عليها بعض أعضاء هيئة التدريس من الرجال والنساء الذين يدرسون هذه المادة في كليات مماثلة ورغبوا في طباعتها وألح علي مندوب مكتبة الرشد وذكر لي حاجة الطالبات لذلك وهاتفني أكثر من مرة ملحاً على سرعة إنجازها وهنا استخرت الله وعزمت على إخراجها بعد أن أعدت النظر فيها وأضفت لها بعض الإضافات اليسيرة.
فما كان فيها من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة وأسأل الله أن ينفع بها كاتبها والمطلع عليها كما أسأله أن يبارك في جهود المخلصين الصادقين وإني بهذه المناسبة أزجي خالص شكري وتقديري للمسئولين عن كلية التربية للبنات في محافظة الزلفي عميدة ووكيلة ورئيسات أقسام وكذا مسئولين عن إدارة تعليم البنات بالمحافظة على جهودهم المباركة كما أسأله أن يوفقنا جميعاً لخيري الدنيا والآخرة وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
وكتب أبو محمد
عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
1/ 8/ 1425هـ
المبحث الأول
التعريف بالعقيدة
(1) معنى العقيدة.
(2) وجوب معرفة العقيدة والدعوة إليها.
(3) مصادر العقيدة.
(4) خصائص العقيدة.
(5) أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.
(6) وسطية هذه الأمة.
(7) خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة.
(8) الانحرافات في فهم الكتاب والسنة في باب العقيدة.
(9) موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع.
(10) الفرق بين العقيدة والتوحيد.
(1) التعريف بالعقيدة.
العقيدة هي مجموعة من القضايا المسلمة بالعقل والسمع والفطرة يعقد عليها الإنسان قلبه ويثني صدره جازماً بصحتها قاطعاً بوجودها وثبوتها لا يرى خلافها أنه يصح أو يكون أبداً. وذلك كاعتقاد الإنسان بوجود خالقه وعلمه به وقدرته عليه ولقائه به وكاعتقاده بوجوب طاعته فيما بلغه من أوامره ونواهيه من طريق كتبه ورسله وكاعتقاده بغنى ربه تعالى عنه وافتقاره إليه وأنه لا حياة ولا سعادة إلا بلزوم أمره وأنه متى ابتعد عنه لحظة خاف على نفسه من الهلاك.
وكاعتقاده أنه الرب المستحق للعبادة ولا معبود سواه واعتقاده أن الرب سمّى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات، هذه الأسماء والصفات ينبغي أن تثبت له على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل.
قال شيخنا محمد الصالح العثيمين رحمه الله: «العقيدة هي حكم الذهن الجازم يقال اعتقدت كذا يعني: جزمت به في قلبي فهو حكم الذهن الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإن خالف الواقع ففاسد. فاعتقادنا أن الله إله واحد صحيح، واعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة باطل لأنه مخالف للواقع » ([3]).
(2) وجوب معرفة العقيدة والدعوة إليها.
يجب على كل مسلم أن يتعلم العقيدة الإسلامية ليعرف معناها وما تقوم عليه ثم يعرف ما يضادها ويبطلها أو ينقضها من الشرك الأكبر والأصغر.
قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} سورة محمد، الآية:19 قال الإمام البخاري –رحمه الله-: «باب العلم قبل القول والعمل» ثم استشهد بهذه الآية. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «قال ابن المنير: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل فلا يعتبران إلا به فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل»([4]). ونظراً لأهمية العلم بالعقيدة اتجهت همم أهل العلم إلى تعلمها وتعليمها واعتبروها من أولويات العلوم وألفوا فيها مؤلفات خاصة فصلوا فيها أحكامها وما يجب فيها وبينوا ما يفسدها أو ينقضها من الشركيات والخرافات والبدع.
ولذلك يجب أن يكون لعلم العقيدة الصدارة بين المقررات الدراسية وتكون هذه الدراسة باختيار الكتب الصحيحة السليمة التي ألفت على مذهب أهل السنة والجماعة المطابق للكتاب والسنة.
ويجب أيضاً على الدعاة إلى الله أن يركزوا على جانب العقيدة أكثر من غيرها ويقبلوا على دراستها وتفهمها أولاً ثم يعلموها لغيرهم ويدعوا إليها من انحرف عنها أو أخل بها قال الله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} سورة يوسف، الآية:108.
(3) مصادر العقيدة.
عقيدة أهل السنة والجماعة توقيفية وهي تقوم على التسليم بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم دون تحريف ولا تأويل ولا تعطيل ولا تمثيل ولها مصدران أساسيان هما:
( أ ) القرآن الكريم.
القرآن الكريم هو المصدر الأول في الشريعة أصولها وفروعها وكل أصل بعده فهو راجع إليه ومعتمد عليه، وهو أفضل الوحي المنزل على الإطلاق وكل ما تضمنه حق وصدق كما قال تعالى {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً} سورة النساء، الآية:22 وقال {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً} سورة النساء، الآية:87 وهذا الذي تعهد الله بحفظه دون غيره من الكتب السماوية الأخرى كما قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} سورة الحجر، الآية:9.
وقد نهج القرآن الكريم في إيضاح العقائد طريقين:
الأول: سياق الآيات القرآنية في مدلولاتها العقدية سياق الأخبار المسلمة التي بلغت من وضوح الدلالة ما لا يتصور معه إنكار أحد لها وذلك كالآيات التي جاءت ببيان ربوبيته وألوهيته على خلقه كقوله تعالى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} سورة البقرة، الآية:163 وكآية الكرسي وسورة الإخلاص وغيرها من السور والآيات.
وكذلك الآيات التي جاءت ببيان أسمائه وصفاته فهذه كلها تدل دلالة واضحة لا يتصور معها إنكار أحد لها إلا من انطمست عقولهم وانتكست فطرهم.
الطريق الثاني: سياق الآيات القرآنية جاريةً على موازين العقول الصحيحة كما في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} سورة الأنبياء، الآية:22 والمعنى أنه لو كان فيهما آلهة لفسدت السماوات والأرض لكنهما لم تفسدا فالنتيجة ليس فيها آلهة إلا الله.
ومن هنا نعلم أن القرآن الكريم في دلالته على العقائد الإلهية بين الخبر وموازين العقل الصحيح خلافاً لما يدعيه بعض المتكلمين من أن دلالة القرآن دلالة خبرية محضة خالصة. وليس أدل على بطلان هذا القول من مجيء نوعي الدلالة العقلية والخبرية في نصوص القرآن الكريم.
(ب) ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والإجماع المعتبر في تقرير العقيدة مبني على الكتاب والسنة أو أحدهما، والفطرة والعقل السليم يؤيدان تفصيلات في العقيدة فهما يوافقان الكتاب والسنة ولا يعارضانهما.
وإذا ورد ما يوهم التعارض بين النقل والعقل اتهمنا عقولنا فلا يقدم العقل القاصر على الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا على السنة.
وكل ما اختلف فيه من أمور العقيدة فمرده إلى الكتاب والسنة كما فهمهما سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم.
وأصول الدين كلها توقيفية بينها رسولنا صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة وكل محدثة في الدين فهي بدعة وكل بدعة فهي ضلالة قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} سورة المائدة:3.
(4) من خصائص العقيدة.
للعقيدة الإسلامية خصائص تميزها عن غيرها من الديانات والمعتقدات والمذاهب والفرق، ومن هذه الخصائص:
1-الاعتماد على الكتاب والسنة وإجماع السلف وأقوالهم دون الأخذ من أحد سواهم، وهذه الخاصية تنفرد بها العقيدة الإسلامية فغيرها يعتمد على العقل والنظر وكذا الحدس والإلهام وكل عقيدة تعتمد على هذه الأمور فهي ضلال وبدعة.
2-هذه العقيدة تقوم على التسليم المطلق لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأنها غيب والغيب يقوم على التسليم والتصديق، وهذا من صفات المؤمنين فقد مدحهم الله بهذه الصفة قال تعالى:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} سورة البقرة، الآية:2، 3.
3-هذه العقيدة موافقة للفطرة القويمة والعقل السليم لأنها تقوم على الاتباع والاقتداء والاهتداء بهدي الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة فهي تستقي من مشرب الفطرة والعقل السليم.
4-اتصال سند هذه العقيدة بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأئمة الهدى قولاً وعملاً وعلماً واعتقاداً.
فجميع أصول هذه العقيدة له سند وقدوة من الصحابة والتابعين بخلاف عقائد من خالفوا أهل السنة فكلها مبتدعة وليس لها سند من كتاب الله وسنة رسوله ولا سلف من الصحابة والتابعين.
5-الوضوح والبيان.
تمتاز العقيدة الإسلامية بالوضوح والبيان وخلوها من التعارض والتناقض والغموض والتعقيد وذلك لأنها مستمدة من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم ولا ينطق عن الهوى.
6-البقاء والثبات والاستقرار .
هذه من أهم خصائصها فهي ثابتة طيلة هذه القرون وإلى أن تقوم الساعة محفوظة في ألفاظها ومعانيها تتناقلها الأجيال جيل بعد جيل لم يتطرق إليها التبديل ولا التحريف ولا التلبيس ولا الزيادة أو النقص لأنها مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
(5) أصول عقيدة أهل السنة والجماعة.
هناك أصول واضحة تجمع عقيدة أهل السنة والجماعة أذكر بعضها بإيجاز:
1-الأصل في أسماء الله وصفاته إثبات ما أثبته تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف ولا تمثيل ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل بل يؤمنون بأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} سورة الشورى، الآية:11.
2-الإيمان بالملائكة الكرام إجمالاً و على التفصيل فيما صح به الدليل من أسمائهم وصفاتهم وأعمالهم.
3-الإيمان بالكتب المنزلة وأن القرآن ناسخ لها وأن كل ما قبله طرأ عليه التحريف وأما القرآن فهو محفوظ بحفظ الله له {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} سورة الحجر، الآية:9.
4-الإيمان بالأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام – وأنهم أفضل ممن سواهم من البشر وأن أفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
5-الإيمان بانقطاع الوحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين والمرسلين.
6-الإيمان باليوم الآخر وما يتقدمه من العلامات والأشراط.
7-الإيمان بالقدر خيره وشره وأن الله علم كل شيء وكتبه وشاءه وقدره وخلقه فهو خالق كل شيء وفعال لما يريد.
8-التصديق والإيمان بما صح به الدليل من المغيبات كالعرش والكرسي والجنة والنار ونعيم القبر وعذابه والصراط والحوض والميزان وغيرها دون تأويل أو خوض فيما لا يُعلم والوقوف عند النصوص الواردة وفهمها على ضوء فهم سلف الأمة وخيارها.
9-الإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة الأنبياء والملائكة والصالحين وغيرهم يوم القيامة لمن رضي الله عنهم وأذن في الشفاعة لهم حسب ما ورد في الأدلة.
10-رؤية المؤمنين لربهم في الجنة حق ومن أنكرها أو أولها فهو ضال مبتدع.
11-كرامات الأولياء حق وليس كل أمر خارق للعادة كرامة بل قد يكون ذلك استدراجاً وقد يكون من تأثير الجن والشياطين والضابط والمرجع هو الكتاب والسنة وموافقتهما.
12-لا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله فهو وحده المستحق للعبادة فلا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة والاستغاثة والاستعانة والنذر والذبح والتوكل والخوف والرجاء لغير الله فقد أشرك.
13-لا يعلم الغيب إلا الله وحده ويطلع الله بعض رسله على شيء من الغيب ومن ادعى علم الغيب فقد كفر.
14-لا يقطع لأحد بالجنة أو النار إلا من ثبت النص بحقه.
15-القرآن الكريم هو كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وهو معجز ومحفوظ.
16-الهداية والضلال بيد الله، فمن هداه فبفضله ومن أضله فبعدله {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} سورة البلد، الآية: 10.
17-الله خالق العباد وأفعالهم فالله خالق كل شيء والعباد فاعلون لها على الحقيقة.
18-الصحابة كلهم عدول وهم أفضل هذه الأمة وأفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم .
(6) وسطية هذه الأمة:
هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس خصها الله بخصائص كثيرة ومنها الوسطية والمراد بها هنا العدل وقبول الحق قال تعالى:{كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} سورة البقرة، الآية:143.
ووسطية هذه الأمة تتجلى في عدلها واعتدالها بين الإفراط والتفريط فهناك أمم قبل أمة الإسلام غلت في أنبيائها ورسلها حتى عبدوهم من دون الله وهناك أمم فرَّطت وكذبت الرسل وقتلت الأنبياء. وأمة الإسلام آمنت بجميع الأنبياء وأنزلتهم منزلتهم التي لهم دون إفراط أو تفريط وعلمت أن دينهم واحد وأن أولهم يبشر بآخرهم وأن آخرهم مصدق لأولهم.
ومن وسطية هذه الأمة أنها قامت بالأمر بالمعروف على عكس من قبلها من الأمم التي كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه. ومن ثمار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اضمحلال الشرك والكفر والنفاق والبدع.
ومن وسطية هذه الأمة أنهم توسطوا في مسائل الإيمان فهم وسط وعدل في توحيد الربوبية بين من أهملوا فأشركوا ومن غلوا حتى جعلوه هو الإيمان وحده.
وهكذا في توحيد الألوهية هم وسط بين من عبد الله بالشرك والوثنية ومن عبده بالضلالات والبدع والخرافة.
وهكذا في مسائل القدر والقضاء هم وسط بين الجبرية الذين قالوا العبد مجبور على أفعاله وبين القدرية الذين نفوا القدر وأهل السنة أثبتوا للعبد مشيئة لكنها تابعة لمشيئة الله وأن الله على كل شيء قدير.
وهم وسط في مسألة الصحابة فأعطوهم قدرهم وعرفوا لهم فضلهم وهم وسط بين من ألَّه بعض الصحابة ومن طعن فيهم واستحل دماءهم.
وهكذا تظهر وسطية هذه الأمة في توسط سلفها الصالح في مسائل الإيمان والأخلاق والشريعة نسأل الله أن يحشرنا مع هؤلاء وأن يجمعنا مع محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه الطيبين الطاهرين آمين.
(7) خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة.
تميز أهل السنة بخصائص وسمات يعرفون بها دون غيرهم ومنها:
1-الاهتمام بالكتاب والسنة فهماً وحفظاً وتدبراً وعلماً وعملاً.
2-الدخول في الدين كله والأخذ بالكتاب كله وعدم اتباع الهوى وأخذ المناسب فقط.
3-الاتباع ونبذ الابتداع والاجتماع ونبذ الاختلاف والفرقة.
4-التوسط في الاعتقاد بين المفرِّطين والمُفْرطين .
5-القيام بالدعوة الشاملة والعمل بالدين عقيدة وعبادة وشريعة وسلوكاً وأخلاقاً.
6-الإنصاف والعدل مع النفس ومع الغير وإعطاء كلٍ ما يستحقه دون غلو أو إجحاف.
7-التوافق في الأفهام والتشابه في المواقف رغم تباعد الأمصار والأعصار وذلك لأن مصدر التلقي لهم واحد.
(8) الانحرافات في فهم الكتاب والسنة:
في باب العقيدة:
ترجع أصول الانحرافات في فهم الكتاب والسنة في باب العقيدة إلى الأمور التالية:
أولاً: الإلحاد:
(1) تعريفه: في اللغة الميل ومنه اللحد وسمي اللحد لحداً لميله إلى يمنة القبر.
وفي الشرع: هو الميل بنصوص الكتاب والسنة عن الحق الثابت لها.
(2) أقسامه: ينقسم الإلحاد إلى قسمين:
(أ) إلحاد في الآيات الشرعية كتأويل آي الصفات.
(ب) إلحاد في الآيات الكونية وذلك بأن تنسب إلى غير خالقها سبحانه كأن ينسب نزول المطر إلى النجم الفلاني فيقال: مطرنا بنجم كذا أو تنسب الكوارث التي تحدث من زلازل وبراكين وفيضانات إلى الطبيعة وغير ذلك فكل هذا إلحاد في الآيات الكونية.
(3) أنواع الإلحاد:
أ-تسميته تعالى بما لا يليق بجلاله كتسميته أباً كما سماه النصارى أو موجباً بالذات أو علة فاعلة كما سماه الفلاسفة بذلك.
ب -وصفه بما يتنزه عنه من أوصاف كقول اليهود : الله فقير وقولهم يد الله مغلولة أو أنه استراح يوم السبت.
ج -تسمية بعض المخلوقين بأسمائه تعالى كتسمية اللات من الإله والعزى من العزيز ومناة من المنان.
د- تعطيل أسمائه وصفاته عن معانيها وجحد حقائقها كمن يجعل أسماءه أعلاماً محضة لا تدل على الكمال.
هـ – تشبيه الخالق بالمخلوق ذاتاً وصفة.
ثانياً: التعطيل:
وهو من الأصول التي أدت إلى الانحراف في فهم الكتاب والسنة.
1-تعريفه: في اللغة الخلو والفراغ، قال تعالى: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} سورة الحج، الآية:45 فالبئر المعطلة هي التي هجرها أهلها.
وفي الشرع: هو نفي دلالة نصوص الكتاب والسنة على المراد بهما.
2-أنواعه: للتعطيل ثلاثة أنواع:
أ-تعطيل الباري سبحانه عن كماله المقدس وذلك بنفي صفاته أو أسمائه أو كليهما.
ب-تعطيل معاملته بترك عبادته أو عبادة غيره معه.
ج-تعطيل المصنوع عن صانعه وذلك بنسبة بعض خلقه أو كله لغيره أو دعوى قدمها وعدم كونها مخلوقة له.
ثالثاً: التمثيل:
1-تعريفه في اللغة التمثيل تفعيل وهو الند والنظير.
وشرعاً: هو مساواة غير الله بالله ذاتاً وصفات أو العكس.
2-أنواعه.
أ-قياس تمثيل وهو أن يجعل الخالق أو المخلوق أصلاً ويجعل أحدهما فرعاً ويقاس على الآخر بصفة جامعة بينهما وهو على ضربين:
1-قياس كلي: وهو قياس الذات على الذات كأن يقال ذات الله كذات المخلوق أو العكس.
2-قياس جزئي: كقياس بعض صفات الخالق على المخلوق أو العكس.
ب -قياس شمولي:
وهو أن يدخل الخالق والمخلوق تحت قاعدة كلية يستوي أفرادها فيها كقولـه : كل موجود فهو جسم أو كل من له صفة فهو مخلوق.
رابعاً: التحريف:
1-تعريفه: في اللغة تفعيل من الحرف بمعنى الطرف ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} سورة الحج، الآية:11 أي طرف من الدين.
وفي الشرع : تغيير معاني الكتاب والسنة إلى معان أخرى لا يدلان عليها.
2-أقسامه: التحريف ينقسم إلى قسمين:
أ-تحريف لفظي : وهو تبديل اللفظ بلفظ آخر كقول بني إسرائيل حنطة بدل حطة.
ب- تحريف معنوي: كالقول بأن معنى الاستواء الاستيلاء في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} سورة طه، الآية: 5 أي استولى.
3-أنواعه:
أ-تحريف لآيات الله الشرعية كالمثال المتقدم.
ب- تحريف لآيات الله الكونية وذلك كتأويل قوله تعالى: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ} سورة الفيل، الآية:3 أي جراثيم الطاعون ونحو ذلك، وأن الملائكة هي القوى الروحية، وأن الشيطان ما هو إلا القوى الشريرة في الإنسان ونحو ذلك مما يتعلق بالخلق والإيجاد.
الفرق بين التعطيل والتحريف:
ينحصر الفرق بينهما في ثلاثة أمور:
الأول: أن التعطيل نفي للمعنى الحق والتحريف تفسير للنصوص بالمعنى الباطل.
الثاني: أن التعطيل أعم مطلقاً من التحريف، والتحريف أخص مطلقاً من التعطيل فكل محرف معطل دون العكس أي كلما وجد التحريف وجد التعطيل دون العكس.
الثالث: أنهما يوصف بهما من نفى المعنى الحق وفسر النص بالمعنى الباطل، وينفرد التعطيل بمن نفى المعنى الحق ولم يبين للنص معنى باطلاً بل فوض معنى النص إلى الله.
خامساً: التكييف:
تعريفه: في اللغة: تفعيل من كيّف يكيّف تكييفاً إذا حكى الكيفية وهي كنه الشيء وحقيقته.
وشرعاً: هو حكاية كنه ما لا يعلمه إلا الله من المعاني وذلك كأن يحكي حقيقة الذات الإلهية أو حقيقة صفاتها أو حقيقة ما هي.
مثاله: تكييف بعض صفات الأفعال الخاصة به سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} سورة طه، الآية:5 فيقول استوى هكذا ثم يكيف الاستواء، كذلك صفة الإتيان والمجيء وغيرها من صفات الأفعال.
سادساً: التأويل:
تعريفه في اللغة: الرجوع والعود.
وفي الشرع يطلق على معنيين:
أولاً: التفسير.
فالتفسير تأويل لأن المفسر يراجع نفسه عند الشرح والبيان ويدبر الكلام ويقدره ففيه معنى العود والرجوع وهذا معنى التأويل عند علماء التفسير. فإذا قال ابن جرير الطبري وتأويل الآية كذا يعنى تفسيرها. مثاله قوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ} سورة يوسف، الآية:44 أي بتفسير الكلام.
الثاني: حقيقة الكلام الخارجية وذلك بظهور مراد الكلام من اللسان إلى ما يصدقه الواقع. فحقيقة ما في اليوم الآخر ما يقع فيه من أحداث مثاله قوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} سورة الأعراف، الآية:53 أي تقع حقيقة ما فيه من الأحداث.
التأويل في اصطلاح المتأخرين:
هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح لدليل يقترن به وهو بهذا الاعتبار على ثلاثة أنواع:
الأول : تأويل صحيح.
وهو ما قام عليه الدليل من الكتاب والسنة مثاله قوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم} سورة الحديد، الآية:4 بمعية العلم والإحاطة.
الثاني : تأويل فاسد.
وهو ما لم يقم عليه دليل صحيح ، مثاله قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} سورة طه، الآية:5 وذلك بتأويل الاستواء بالاستيلاء.
وتأويل قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} سورة المائدة ، الآية:64 تأويل اليد بالقوة.
الثالث: تأويل من قبيل اللعب.
وهو ما لم يقم دليل ولو احتمالاً، مثاله قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } سورة النساء، الآية:164 تفسيرهم الآية أي جرحه بأظافر الحكمة تجريحاً.
وقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} سورة الأحزاب، الآية:40 أي حليتهم وزينتهم لا على معناه الحق وهو آخرهم.
خطورة التأويل وآثاره المدمرة:
تتمثل خطورة التأويل وآثاره المدمرة فيما يأتي:
(1) أنه أصل خراب الدين والدنيا.
قال ابن القيم -رحمه الله- «فما اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل والفتن كبيرها وصغيرها إنما وقعت بالتأويل، وأعداء الإسلام سلطوا علينا بالتأويل ودماء المسلمين إنما أريقت بالتأويل …. إلى أن قال رحمه الله، وما جرد الإمام أحمد بين العاقبين وضربه بالسياط غير التأويل وما سلط سيوف التتار على دار الإسلام إلا بالتأويل» ([5]).
(2) التأويل فتح الباب لأهل الشرك والبدع لإفساد دين الله.
قال شارح الطحاوية مخاطباً أهل التأويل: «لقد فتحتم عليكم الباب لأنواع المشركين والمبتدعين لا تقدرون على سده، فإنكم إذا سوغتم صرف آيات القرآن عن دلالته المفهومة بغير دليل شرعي فما الضابط فيما يسوغ تأويله وما لا يسوغ تأويله؟
فإن قلتم: ما دل القاطع العقلي على استحالته تأولناه، وإلا أقررناه.
قيل لكم: وبأي عقل نزن القاطع العقلي؟ فإن الباطني يزعم قيام القواطع على بطلان ظواهر الشرع. ويزعم المعتزلي قيام القواطع على رؤية الله تعالى وعلى امتناع قيام علم أو كلام أو رحمة به تعالى» ([6]).
(3) إن من خطورة التأويل أنه يوشوش القلوب.
فإن القلوب تطمئن إلى معبودها إذا عرفته بصفاته وأسمائه ووثقت بالنصوص التي تحدثنا عنه، فإذا أصبحت النصوص مجالاً للتأويل والأخذ والرد فقدت هيبتها وضعفت الثقة بها وأدى ذلك إلى الجهل بالباري.
الشروط التي يجب توافرها في التأويل عند الأصوليين.
ذكرنا فيما سبق أن التأويل منه ما هو صحيح ومنه ما هو فاسد ومنه ما هو لعب بآيات الكتاب المنـزل لكن هناك شروط لا بد من توافرها في التأويل الصحيح فما هي هذه الشروط:
الشرط الأول: أن يكون المعنى المجازي مما يراد به اللفظ.
وإلا فيمكن كل مبطل أن يفسر أي لفظ بأي معنى سنح له، وإن لم يكن له أصل في اللغة فتأويل الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} سورة طه، الآية:5 بالاستيلاء هذا ليس له معنى في اللغة ولا تقبله لغة العرب.
الشرط الثاني: أن يكون معه دليل يوجب صرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه.
الشرط الثالث: لا بد أن يسلم هذا الدليل الصارف عن العارض و إلا فإذا قام دليل قرآني وإيماني يبين أن الحقيقة مراده امتنع تركها.
ثم إن كان هذا الدليل قاطعاً لم يلتفت إلى نقيضه وإن كان ظاهراً فلا بد من الترجيح.
(9) موقف أهل السنة والجماعة
من أهل الأهواء والبدع:
من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يبغضون أهل الأهواء والبدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم بل حتى ولا يناظرونهم لأنهم يرون صون آذانهم عن سماع ترهاتهم ويجتهدون في بيان حالهم وشرهم وتحذير الأمة منهم وتنفير الناس عنهم.
وأهل السنة يفرقون بين الجاهل والعالم من أهل البدع وبين المستتر والمعلن فيعاملون كلاً حسب فعله واعتقاده وشره وأثره على الناس.
ومن علامات أهل الأهواء والبدع الجهل بمقاصد الشريعة، والفرقة والتفرق ومفارقة الجماعة، والجدل والخصومة، واتباع الهوى، وتقديم العقل على النقل، والجهل بالسنة، والخوض في المتشابه، والغلو في العبادة، والغلو في تعظيم الأشخاص، والتشبه بالكفار وبغض أهل السنة.
أصول البدع أربع فرق:
الروافض، والخوارج، والقدرية والمرجئة ثم تشعب من كل فرقة فرق كثيرة حتى بلغت اثنتين وسبعين فرقة كما أخبر بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
جهود أهل السنة في محاربة أهل البدع.
أهل السنة دائماً بالمرصاد لأهل البدع يردون عليهم ويكشفون عوارهم ويوضحون للناس خطورتهم قال ابن عباس رضي الله عنهما: « لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب».
وقال الفضيل بن عياض: «صاحب بدعة لا تأمنه على دينك ولا تشاوره في أمرك ولا تجلس إليه ومن جلس إلى صاحب بدعة أورثه العمى» أي عمى القلب.
وقال عبد الله بن المبارك: «اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي»
وقال سفيان الثوري: «من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه».
وقال الإمام أحمد :«احذر البدع كلها ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك».
(10) الفرق بين العقيدة والتوحيد:
ذكر العلماء فروقاً بين العقيدة والتوحيد ومن هذه الفروق:
- أنهما يجتمعان في أن كلاً منهما يثبت الحق بدليله.
- أن العقيدة أعم من التوحيد وذلك من جهة موضوعها فالعقيدة تقرر الحق بدليله وترد الشبهات وتبين ما يقدح في الأدلة الخلافية وتناقش الديانات والفرق أما التوحيد فإنه يقرر الحق بدليله فقط.
- أن الإيمان بالكتب والرسل والملائكة واليوم الآخر والإيمان بالقدر تدخل في إطار العقيدة بالمطابقة وفي التوحيد بالاستلزام.
المبحث الثاني
التعريف بالتوحيد
مع بيان فضله وأهميته وثمراته
تعريف التوحيد.
نصوص القرآن في تعظيم التوحيد.
نصوص السنة في تعظيم التوحيد.
آثار السلف في تعظيم التوحيد.
فضل التوحيد.
أهمية التوحيد وكلام بعض المحققين من العلماء في ذلك.
ثمرات التوحيد
أسباب نمو التوحيد في القلب
(1) تعريف التوحيد.
التوحيد: لغة مصدر وحّد يوحّد أي جعل الشيء واحداً وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى الموحَّد وإثباته له.
والتوحيد شرعاً: هو إفراد الله بالعبادة وإثبات اتصافه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله وتنزيهه عن النقائص والعيوب ومشابهة المخلوق ([7]).
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في تعريف التوحيد: «توحيد الله هو إفراده بالعبادة عن إيمان وصدق وعن عمل لا مجرد كلام ومع اعتقاده بأن عبادة غيره باطلة وأن عباد غيره مشركون ومع البراءة منهم» ([8]).
(2) نصوص القرآن في تعظيم التوحيد.
غالب سور القرآن بل كل سورة منه فهي متضمنة للتوحيد وشاهدة به وداعية إليه بل التوحيد هو فاتحة القرآن العظيم وخاتمته.
فهو فاتحة القرآن كما في أول سورة الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وهو في خاتمة القرآن {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وجميع آيات سورة الفاتحة تدل على التوحيد. وكثير من آيات الكتاب جاءت صريحة بالدعوة إليه.
بل إن جميع الرسل بعثوا بالتوحيد قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} سورة النحل، الآية:36. .
وسورة الكافرون دعوة إلى التوحيد ومنابذة المشركين {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}، وسورة الإخلاص {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}
قال ابن القيم – رحمه الله -: «وغالب سور القرآن بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة نوعي التوحيد. الأول: توحيد الإثبات والمعرفة أي توحيد الربوبية والأسماء والصفات، والثاني: توحيد الطلب والقصد وهو توحيد الألوهية – بل نقول قولاً كلياً إن كل آية من القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن:
- إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، أي توحيد الربوبية.
- وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي أي توحيد الألوهية.
- وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهو حقوق التوحيد ومكملاته
- وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده.
- وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم من العقبى من عذاب الله فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائه» ([9]).
قال شارح الطحاوية: «فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائه فـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} توحيد {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} توحيد {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} توحيد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} توحيد {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} توحيد المتضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد الذين أنعم الله عليهم {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} الذين فارقوا التوحيد. وكذلك شهد الله لنفسه بهذا التوحيد وشهدت به ملائكته وأنبيائه ورسله قال تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} سورة آل عمران، الآية :18، 19 فتضمنت هذه الآية الكريمة إثبات حقيقة التوحيد والرد على جميع الطوائف الضلال فتضمنت أجل شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجل شاهد بأجل مشهود به» ([10]).
(3) نصوص السنة في تعظيم التوحيد.
لقد اهتم رسولنا صلى الله عليه وسلم بالتوحيد وأعلى مكانته ورفع أعلامه ودعا إليه عشر سنوات وهو في مكة وكان يخاطب الكفار قائلاً {قولوا لا إله إلا الله تفلحون}([11]). قال شيخ الإسلام رحمه الله: «وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد لأمته ويحسم عنهم مواد الشرك إذ هذا تحقيق قولنا لا إله إلا الله فإن الإله هو الذي تألهه القلوب لكمال المحبة والتعظيم والإجلال والإكرام والرجاء والخوف» ([12]).
ومن الأحاديث التي تدل على أهمية التوحيد:
1-عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ..} ([13])
2-وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة}([14]).
3-وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال: {إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات …} ([15]).
4-وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً يا معاذ أتدري ما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم…}([16]).
5-حديث جبريل حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الإسلام أن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة …} ([17])
وغير هذه النصوص كثير يظهر منها تعظيم التوحيد وأنه أعظم ما أمر الله جل وعلا به عباده وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم وأن جزاءه الجنة.
(4) آثار السلف في تعظيم التوحيد.
سار السلف الصالح على ما كان عليه نبيهم من الحرص على التوحيد ونشره وبيان معالمه ودلالة الناس عليه وإقامة الحجة وقد رفعوا راية التوحيد خفاقة في أرجاء المعمورة.
لقد انتشر صحابة رسول الله في كل البلاد التي فتحوها ينشرون التوحيد فيها مجتهدين غاية الاجتهاد في إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ظلمات الدنيا إلى سعة الآخرة.
أ-قال ابن مسعود رضي الله عنه :«من سره أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} سورة الأنعام، الآية:151
ب- وقال أبو العالية: «تعلموا الإسلام وعليكم بالصراط المستقيم وعليكم بسنة نبيكم والذي كان عليه أصحابه وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء» ([18]).
ج- وكان ابن عباس يوصي فيقول: «عليكم بالاستقامة اتبعوا ولا تبتدعوا»([19]).
د- وقال ابن مسعود: «الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة» ([20]).
هـ -وقال الزهري: «الاعتصام بالسنة نجاة» ([21])
و- وقال الأوزاعي: «اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما يسعهم»([22]).
وقد سار على هذا المنهج الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الأئمة من أهل العلم والفضل ممن تحملوا أمانة تبليغ شرع الله ونشر التوحيد بين الخلائق في سائر الأمصار والأعصار وجهودهم في هذا الباب ظاهرة للعيان لاسيما في مجالين هامين:
أحدهما: مناظرة أصحاب الفرق الضالة والبدع المنحرفة وكشف زيغهم وفضح طرائقهم.
وثانيهما: تأليف الكتب في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة وذكر ما كان عليه السلف الصالح في هذا الباب فرحم الله الجميع رحمة واسعة وجمعنا بهم في جنات النعيم.
(5) فضائل التوحيد.
للتوحيد فضائل عظيمة وكثيرة منها:
أ. أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوباتهما.
ب. أنه يمنع دخول النار {من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار}([23]).
ج. ومنها أن صاحبه يحصل له الهدى الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة.
د. ومنها أنه السبب الوحيد لنيل رضا الرحمن وحصول ثوابه.
هـ. ومنها أن الموحد من أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم .
و. ومنها أن جميع الأعمال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها على التوحيد.
ز. ومنها أنه يسهل فعل الخير وترك الشر.
ح. ومنها أنه يحبب الإيمان ويزينه في قلب العبد ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان.
ط. ومنها أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم والخوف منهم ورجائهم ويجعله متصلاً بالخالق العظيم.
ي. ومنها أن العمل القليل معه يكون كثيراً ولذا رجحت كلمة الإخلاص بجميع الأعمال بل إن السماوات والأرض وما فيهن لا تعادلها.
ك. ومنها أن الله تكفل لأهله بالفتح والنصر والتأييد والعز في الدنيا والآخرة وأن الله يدافع عن الموحدين ويمن عليهم بالحياة الطيبة في الدنيا.([24]).
(6) أهمية التوحيد
وكلام بعض المحققين من العلماء في ذلك.
من أجل التوحيد أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وقام سوق الجنة والنار وانقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار وأبرار وفجار، ومن أجله وقعت الواقعة وحقت الحاقة وأسست الملة وجردت السيوف للجهاد وهو حق الله على جميع العباد وبه تقسم الأنوار {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} سورة النور، الآية:40.
قال ابن القيم -رحمه الله-: « اعلم أن حاجة العبد إلى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شياً أعظم من حاجة الجسد إلى روحه والعين إلى نورها بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به فإن حقيقة العبد روحه وقلبه ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو فلا تطمئن الدنيا إلا بذكره…»([25]) .
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: «فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم وأوله وآخره وأسِّه ورأسه شهادة أن لا إله إلا الله واعرفوا معناها وأحبوها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين واكفروا بالطواغيت وعادوهم وأبغضوا من أحبهم…» ([26]).
وقال ابن سعدي:«أعظم الأصول التي يقررها القرآن ويبرهن عليها توحيد الألوهية والعبادة وهذا الأصل العظيم أعظم الأصول على الإطلاق وأكملها وأفضلها وأوجبها وألزمها لصلاح الإنسانية وهو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله وخلق المخلوقات وشرع الشرائع لقيامه وبوجوده يكون الصلاح وبفقده يكون الشر والفساد.
وجميع الآيات القرآنية إما أمر به أو بحق من حقوقه أو نهي عن ضده أو إقامة حجة عليه أو بيان جزاء أهله في الدنيا والآخرة أو بيان الفرق بينهم وبين المشركين…»([27]).
قال شارح الطحاوية: «اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} سورة الأعراف، الآية: 59.
وهكذا كل الأنبياء هود وصالح وشعيب وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} سورة النحل، الآية:36.
إلى أن قال «فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة}([28]) فهو أول واجب وآخر واجب» انتهى كلامه ([29]).
ويمكن تلخيص أهمية التوحيد في النقاط التالية:
1-أن العلم به من أشرف العلوم وتعليمها للناس على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة لأنه يدل على أشرف معلوم وهو الرب سبحانه وتعالى فكلما كان المعلوم أعظم منزلة وأشرف مكانة كان العلم به أعلى وأكمل.
2-أن التوحيد هو أول دعوة الرسل – عليهم الصلاة والسلام – فلم يكن الرسل ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- يبدأون أقوامهم بغير توحيد الله مع وجود انحرافات اجتماعية وأخلاقية واقتصادية وذلك لأن التوحيد هو القاعدة الأساسية لكل شيء قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} سورة الأنبياء ، الآية: 25.
3-أن التوحيد هو أول واجب على المكلف من حيث تعلمه وفهمه ودراسته والعمل به والدعوة إليه لا كما يقول المبتدعة إن أول واجب النظر أو الشك دليل ذلك حديث معاذ المتقدم وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: {وليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله}([30]).
4-أن النطق بكلمة التوحيد لا إله إلا الله هو أول ما يدخل به الإنسان في الإسلام، فلا دخول في الإسلام إلا بالتوحيد، فلو صام الإنسان أو حج ولم ينطق بكلمة التوحيد لا يحكم بإسلامه وإيمانه قال صلى الله عليه وسلم :{أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله}([31]).
5-أن التوحيد هو الأساس لقبول أعمال العبد كلها فلو صلى العبد أو قام بالعبادات ولم يكن موحداً لله تعالى فإن أعماله كلها تكون هباءً منثوراً غير متقبلة، قال تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} سورة الزمر، الآية:65. وقال تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة الأنعام، الآية:88.
6-ومن أهمية التوحيد أن حاجة العباد إليه فوق كل حاجة وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة لأنه لا حياة للقلوب ولا نعيم ولا طمأنينة لها إلا بمعرفة ربها ومعبودها بأسمائه وصفاته وأفعاله.
7-ومن أهميته أيضاً أنه من العبادات التي لا يستغني عنها العبد طرفة عين فهو محتاج إليه في ليله ونهاره ومحياه ومماته بل هو ملازم له في أحواله كلها بخلاف العبادات الأخرى كالصلاة والصيام وغيرها حيث تؤدى في أوقات محددة.
8-ومن أهميته أنه ما شرع الجهاد في سبيل الله تعالى إلا من أجله وذلك لتبليغ الناس العقيدة الحقة والتوحيد الخالص فمن وقف في وجه الدعوة إليه أو عارضها وجب قتاله واستئصاله حتى يبلغ هذا التوحيد أرجاء المعمورة. قال صلى الله عليه وسلم:{أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها} ([32]).
9-ومن أهمية التوحيد أنه آخر ما يخرج به المسلم من هذه الدنيا، فمتى ختم للعبد به سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً قال صلى الله عليه وسلم :{من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة} ([33]).
(7) ثمرات التوحيد.
جعل الله تعالى لكل عبادة شرعها لعباده آثاراً وثماراً، ولما كان التوحيد أعظم العبادات التي أوجبها الله على خلقه كانت ثماره من أعظم الثمار، وهذه جملة من آثار التوحيد وثماره:
1-من أعظم ثمرات التوحيد انشراح الصدر فليس هناك أعظم من هذه الثمرة العظيمة قال تعالى في شأنها {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } سورة الزمر، الآية:22 . وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} سورة الأنعام، الآية:125 فالهداية للتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر فكلما قوي التوحيد وكمل في القلب كان انشراح صدر صاحبه أكمل وأقوى.
2-ومن ثمرات التوحيد أنه من أعظم الأسباب لتكفير الذنوب والسيئات دليل ذلك حديث أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال تعالى:{يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة} ([34]) فقوله سبحانه وتعالى {لا تشرك بي شيئاً} أي موحداً.
3-ومن ثمراته أنه يمنع صاحبه من الخلود في النار إذا كان في قلبه مثقال ذرة منه كما في حديث الشفاعة وقوله صلى الله عليه وسلم فيه {أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان}([35]). أما إذا كان العبد قد كمل توحيده فإنه يمنعه من دخول النار بالكلية كما جاء في حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله} ([36]).
4-ومن ثمرات التوحيد أن الموحد من أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :{..أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ونفسه} ([37]).
5-ومن ثمراته أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم فقلب الموحد معلق بربه خالق السماوات والأرض الذي بيده ملكوت كل شيء .
6-تحصيل ولاية الله وهي أعظم ما يتنافس فيه المتنافسون {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة يونس، الآية:62.
7-الفوز برضا الله ودار كرامته.
8-الدفاع عن المؤمنين الصادقين {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا} سورة الحج، الآية:38.
9-الهداية إلى الصراط المستقيم قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا} سورة يونس، الآية:9 وقال تعالى:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} سورة التغابن، الآية:11.
10-ومن ثمرات الإيمان والتوحيد أنه يورث المحبة قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً} سورة مريم، الآية: 96. أي بسبب إيمانهم يحبهم الله ويجعل لهم المحبة في قلوب المؤمنين.
11-ومن ثمراته رفعة أهله في الدنيا والآخرة {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} سورة المجادلة، الآية:11.
12-ومن ثمراته حصول البشارة بكرامة الله والأمن التام من جميع الوجوه قال تعالى: {وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الصف، الآية:13 قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} سورة الأنعام، الآية:82.
13-ومن ثمراته الانتفاع بالمواعظ قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الذاريات، الآية:55.
14-الإيمان يقطع الشكوك ويقضي على الوساوس والخطرات التي تؤثر على العبد وصدق الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} سورة الحجرات، الآية: 15، أي أن إيمانهم دفع الريب والشك وقاوم شبهات الشياطين والنفس الأمارة بالسوء فكل ذلك دواؤه الإيمان بإذن الله.
(8) أسباب نمو التوحيد في القلب.
من الأسباب التي تنمي التوحيد في القلب :
1-فعل الطاعات رغبة بما عند الله تعالى .
2-ترك المعاصي خوفاً من عقاب الله تعالى .
3-التفكر في ملكوت السماوات والأرض.
4-معرفة أسماء الله تعالى وصفاته ومقتضياتها وآثارها وما تدل عليه من الجلال والكمال.
5-التزود بالعلم النافع والعمل به.
6-التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.
7-دوام ذكر الله تعالى على كل حال باللسان والقلب.
8-إيثار ما يحبه الله عند تزاحم المحاب.
9-مجالسة أهل الخير والصلاح والاستفادة من كلامهم.
10-أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه مع سلامة القلب من الغل للمؤمنين.
11-الرضا بتدبير الله وشكر نعمه والصبر عند النقم.
المبحث الثالث
كلمات في أنواع التوحيد
أنواع التوحيد.
التوحيد المطلوب اعتقاده.
التوحيد الذي دعت إليه الرسل جميعاً.
توحيد الربوبية.
توحيد الألوهية.
توحيد الأسماء والصفات.
(1) أنواع التوحيد.
لا بد من علم العبد واعتقاده واعترافه وإيمانه بتفرد الله بكل صفة كمال وتوحده في ذلك، واعتقاده أنه لا شريك له ولا مثيل له في كماله وأنه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ثم إفراده بأنواع العبادة ، فدخل في هذا التعريف أقسام التوحيد الثلاثة وهي :
- توحيد الربوبية وهو الاعتراف بانفراد الرب بالخلق والرزق والتدبير والتربية.
- وتوحيد الأسماء والصفات وهو إثبات جميع ما أثبته الله لنفسه أو أثبته لـه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى وما دلت عليه من الصفات من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل.
- وتوحيد العبادة وهو إفراد الله وحده بأجناس العبادات وأنواعها وإفرادها وإخلاصها لله من غير إشراك في شيء منها. فهذه أقسام التوحيد التي لا يكون العبد موحداً حتى يلتزم بها كلها ويقوم بها. قال ابن سعدي رحمه الله : «توحيد الأنبياء ينقسم إلى قسمين:
أحدهما التوحيد الفعلي وهو إفراد الله بالمحبة والذل وسائر العبادات والتقربات وهو المسمَّى توحيد العبادة وتوحيد الإلهية وسمي توحيداً فعلياً لأنه متضمن لأفعال القلوب والجوارح فهو توحيد الله بأفعال العبيد ولأنه لا يُتخذ له شريك ولا نديد.
والثاني التوحيد القولي الاعتقادي وهو المشتمل على أقوال القلوب وهو اعترافها واعتقادها وعلى أقوال اللسان والثناء على الله بتوحيده، وهذا النوع هو توحيد الأسماء والصفات الذي يدخل فيه توحيد الربوبية» ([38]).
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن سورتي الإخلاص هما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تضمنتا نوعي التوحيد فقال: فأما {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، فهي متضمنة للتوحيد العملي الإرادي وهو إخلاص الدين لله بالقصد والإرادة، وأما سورة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فمتضمنة للتوحيد القولي والعملي .
وقال ابن القيم رحمه الله: «التوحيد نوعان: نوع في العلم والاعتقاد ونوع في الإرادة والقصد، ويسمى الأول التوحيد العلمي والثاني التوحيد العقدي الإرادي لتعلق الأول بالأخبار والمعرفة والثاني بالقصد والإرادة ، وهذا الثاني أيضاً نوعان توحيد في الربوبية وتوحيد في الألوهية فهذه ثلاثة أنواع» ([39]).
وقال شارح الطحاوية: «فالتوحيد يتضمن ثلاثة أنواع:
أحدها الكلام في الصفات.
والثاني : توحيد الربوبية وبيان أن الله وحده خالق كل شيء.
والثالث: توحيد الإلهية وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له»([40]) .
قال ابن سعدي في بيان معنى التوحيد: «حد التوحيد الجامع لكل أنواعه هو علم العبد واعتقاده واعترافه وإيمانه بتفرد الرب بكل صفة كمال وتوحده في ذلك واعتقاد أنه لا شريك له ولا مثيل له في كماله وأنه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ثم إفراده بأنواع العبادة، فدخل في هذا تعريف أقسام التوحيد الثلاثة:
أحدها: توحيد الربوبية وهو الاعتراف بانفراد الرب بالخلق والرزق والتدبير والتربية
الثاني: توحيد الأسماء والصفات وهو إثبات جميع ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى وما دلت عليه من الصفات من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل.
الثالث: توحيد العبادة وهو إفراد الله وحده بأجناس العبادات وأنواعها وأجزاءها وإخلاصها من غير إشراك به في شيء منها فهذه أقسام التوحيد التي لا يكون العبد موحداً حتى يلتزم بها كلها ويقوم بها» ([41]).
ومن هنا يتبين لنا أن أنواع التوحيد التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة ثلاثة أنواع:
النوع الأول: توحيد الربوبية.
النوع الثاني: توحيد الألوهية.
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات.
ونظراً لأن هذه الأنواع الثلاثة مقام توحيد العبد عليها كان ولا بد من ذكر شيء من التفصيل لبيان هذه الأنواع الثلاثة.
(2) التوحيد المطلوب اعتقاده.
التوحيد المطلوب اعتقاده هو توحيد العبادة وذلك بأن تصرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك لـه ، وهذا التوحيد هو أصل الدين ومن أجله أرسلت الرسل – عليهم الصلاة والسلام – وأنزلت الكتب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أما التوحيد الذي ذكر الله في كتابه وأنزل به كتبه وبعث به رسله واتفق عليه المسلمون من كل ملة فهو كما قال الأئمة شهادة ألا إله إلا الله وهو عبادة الله وحده لا شريك له…»
وقال: «وهذا هو الإسلام الذي لا يقبل الله لا من الأولين ولا من الآخرين ديناً غيره»([42]).
قال شارح الطحاوية([43]) «فعُلم أن التوحيد المطلوب هو توحيد الإلهية الذي يتضمن توحيد الربوبية قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} سورة الروم، الآية:30.
وقال: «القرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له وإلزامهم بعبادة الله وحده لأنهم يقرون أنه لا خالق إلا الله ومن أقرّ بذلك لزمه أن يعبد هذا الخالق…».
وقال: «وانتظام أمر العالم كله وإحكام أمره من أدل دليل أن مديره إله واحد لا إله للخلق غيره ولا رب لهم سواه».
وقال: «وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزاً والعاجز لا يصلح أن يكون إلهاً قال تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} سورة الأعراف، الآية:191 وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} سورة النحل، الآية:17.
(3) التوحيد الذي دعت إليه الرسل جميعاً.
الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك ووسائله هي القضية الأولى التي جاء ذكرها في القرآن الكريم بين الرسل وأممهم قال تعالى مخبراً عما أرسل به جميع الرسل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} سورة الأنبياء، الآية:25.
فجميع الرسل كان أول وأهم ما دعوا إليه هو التوحيد توحيد الله بالعبادة وتقواه وطاعته وطاعة رسله.
فعقيدة التوحيد والخير والصلاح هي الأصل الذي كان عليه آدم –عليه الصلاة والسلام- والأجيال الأولى من ذريته كانوا على التوحيد الخالص، أما الشرك والضلال فهي أمور طارئة لم تحدث إلا بعد آدم بأزمان وأجيال وعلى التدريج.
قال شارح الطحاوية «ثم التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه نوعان توحيد في الإثبات والمعرفة وتوحيد في الطلب والقصد. فالأول هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه ليس كمثله شيء في ذلك كله كما أخبر به عن نفسه وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وقد أفصح القرآن عن هذا النوع كل الإفصاح. والثاني توحيد الطلب والقصد مثل ما تضمنته سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} سورة الكافرون : الآية : 1
وغالب سور القرآن متضمنة لنوعي التوحيد بل كل سورة في القرآن فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته وإما خبر عن إكرامه لأهل توحيده وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده.
وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم…» ([44]).
(4) الكلام على أنواع التوحيد الثلاثة:
النوع الأول: توحيد الربوبية
أولاً: تعريفه.
ذكرنا فيما سبق أن توحيد الربوبية هو الاعتقاد الجازم بأن الله عز وجل رب كل شيء ومليكه وخالق كل شيء والمتصرف في هذا الكون وحده لا شريك له وأنه المتفرد بالخلق والرزق والتدبير وتصريف جميع الأمور لجميع المخلوقات. وهذا النوع من التوحيد هو الأساس بالنسبة لأنواع التوحيد الأخرى لأن الخالق الرازق المدبر هو الجدير وحده بالتوجه إليه بالعبادة كما هو الجدير وحده بأن يوصف بصفات الجلال والكمال وأن ينزه عن كل عيب ونقص. وقد جاءت الآيات الكثيرة تقرر هذا النوع من التوحيد بل إن الذي يستدل لإثبات هذا التوحيد هو نفسه دليل عليه لأنه مخلوق ولا بد له من خالق هو الله كما قال تعالى : {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ} سورة الطور، الآية:35-36 .
وقال تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} سورة الزمر، الآية:62 فالفطر السليمة مجبولة على الإقرار بوجود الله وربويته سبحانه فكل العوالم عند الملمات والضوائق تلجأ إلى الله لما رُكِّب فيها من فطرة ألا ترى أن البهائم ترفع رؤوسها عند الشدائد تلجأ إلى خالقها سبحانه.
قال ابن القيم -رحمه الله-: «لما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه دعاه خالقه وبارئه ومصوره وفاطره من ماء إلى التبصر والتفكر في نفسه، فإذا تفكر الإنسان في نفسه امتازت لـه آيات الربوبية وسطعت لـه أنوار اليقين واضمحلت عنه غمرات الشك والريب»([45]).
وخلاصة التعريف لتوحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والرزق والملك والتدبير والإحياء والإماتة وغير ذلك مما يختص به الباري سبحانه وتعالى .
ثانياً: هل يكفي الإقرار بتوحيد الربوبية في دخول الإسلام؟
من أقر بتوحيد الربوبية فقط لم يكن مسلماً ولم يحرم دمه ولا ماله حتى يقر بتوحيد الإلهية فلا يعبد إلا الله وبهذا يتبين بطلان ما يزعمه علماء الكلام والصوفية أن التوحيد المطلوب من العباد هو الإقرار بأن الله هو الخالق المدبر ومن أقر بذلك فقد صار مسلماً وهذا من أبطل الباطل لأن هذا التوحيد- أعني توحيد الربوبية- أقر به جمهور الأمم حتى من أنكره في الظاهر هو مقر به في الباطن بل إبليس – لعنه الله – كان مقراً بتوحيد الربوبية فقال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} سورة الحجر، الآية:39 وقال تعالى في حق المشركين {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} سورة الزخرف، الآية:87 فكان المشركون مقرين بأن لهم رباً خلقهم ورزقهم ومع ذلك لم يدخلهم ذلك في الإسلام.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- في كشف الشبهات : «فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له وأنه لا يرزق إلا هو ولا يحيي ولا يميت إلا هو ولا يدبر الأمر إلا هو وأن جميع السماوات ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره فإذا أردت الدليل أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا فاقرأ قول الله تعالى : {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ } سورة يونس، الآية:31 وقوله تعالى {قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ ﴾ سورة المؤمنون، الآية: 84-89 إلى غير ذلك من الآيات.
فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد»([46]).
وخلاصة القول هنا أن الرجل لو أقر بما يستحقه الرب تعالى من الصفات ونزهه عن كل ما ينزه عنه وأقر بأنه وحده خالق كل شيء وأقر بجميع الربوبية لم يكن موحداً حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه أي لا بد من الإتيان بتوحيد الإلهية أي توحيد العبادة فلا يصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى .
ثالثاً: الطوائف التي أشركت في توحيد الربوبية.
إن مما ينبغي أن يعلم أن الشرك الذي وقع فيه غالب الأمم السابقة إنما هو الشرك في ألوهية الله تعالى أي الشرك في عبادته سبحانه وقد ذكرنا شيئاً من ذلك لكن هل هناك أحد أشرك في ربوبيته سبحانه؟ نعم هناك بعض الطوائف التي أشركت في ربوبية الله تعالى ، من هذه الطوائف:
1-النصارى حيث يعتقدون أن عيسى – عليه الصلاة والسلام- يحيي الموتى وأن له تأثيراً في الكون والرزق.
2-والمجوس يعتقدون أن ثمة إلهين اثنين : إله النور وإله الظلمة وشابهتهم المعتزلة في ذلك إذ اعتقدوا أن العبد هو الخالق لفعله بمعزل عن الله ولهذا سموا مجوس هذه الأمة.
3-ومن ذلك الشيوعيون الذين يقولون أنه لا إله والحياة مادة وهم يشابهون الدهرية الذين قالوا: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} سورة الجاثية، الآية:24.
4-ومن ذلك ما فيه عباد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت فيقضون الحاجات ويفرجون الكربات وينصرون من دعاهم ويحفظون من التجأ إليهم ولاذ بحماهم فإن هذا من خصائص الربوبية.
النوع الثاني: توحيد الألوهية.
أولاً: تعريفه:
وهو توحيد العبادة أو توحيد القصد والطلب وحقيقته إفراد الله سبحانه بأفعال العباد التي تعبَّدهم بها من صلاة وزكاة وصيام وحج وذبح ونذر ودعاء وخوف ورجاء وتوكل ورغبة ورهبة وغير ذلك من أنواع العبادة التي عرفها أهل العلم بأنها «اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة».
وقد اشتد اهتمام علماء أهل السنة بتوحيد العبادة وضرورة الإخلاص لله -جل وعلا -وعدم الوقوع في الشرك الذي لا يغفره الله {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} سورة النساء، الآية:48.
وهذا التوحيد هو الذي من أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وبه افترق الناس إلى مؤمنين موحدين لهم السعادة والفوز والتمكين في الدنيا ولهم الجنة والنعيم المقيم في الآخرة وإلى كافرين لهم الخزي والهوان والذلة والخسران في الدنيا ولهم النار والجحيم والعذاب الدائم في الآخرة.
وكثير من آيات الكتاب جاءت تقرر هذا النوع من التوحيد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة، الآية: 21 وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} سورة الأنبياء،الآية:25.
وجاء في حديث معاذ {أتدري ما حق الله على العباد ؟ قلت: لا، قال : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم} ([47]).
وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية لأن من عبد الله وحده ولم يشرك به شيئاً لا بد أن يكون قد اعتقد في قرارة نفسه أنه إنما يعبد إلهه الذي خلقه وأوجده من العدم ورباه بالنعم وأنه هو الذي يملك ضره ونفعه وحياته وموته ورزقه.
وهو متضمن لتوحيد الأسماء والصفات لأن من أخلص لله في عبادته لا بد أن يثبت لله جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف أو تعطيل ومن غير تكييف أو تمثيل كما قال تعالى: {فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنْ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } سورة الشورى، الآية:11.
ثانياً: أهمية توحيد الألوهية.
يعد توحيد الألوهية أهم أنواع التوحيد لأن الله تعالى ما أرسل الرسل وأنزل الكتب إلا من أجله بل ما سلت السيوف ونادى منادي الجهاد وانقسم الناس إلى مؤمنين وكافرين إلا من أجل هذا النوع من أنواع التوحيد.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله :«وهذا النوع زبدة رسالة الله لرسله فكل نبي يبعثه الله يدعو قومه بقوله {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} سورة المؤمنون، الآية:32 {لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} سورة النحل، الآية:36.
وهو الذي خلق الخلق لأجله وشرع الجهاد لإقامته وجعل الثواب الدنيوي والأخروي لمن قام به حقيقة والعقاب لمن تركه وبه يحصل الفرق بين أهل السعادة القائمين به وأهل الشقاوة التاركين لـه فعلى العبد أن يبذل جهده في معرفته وتحقيقه والتحقق به ويعرف حده وتفسيره ويعرف حكمه ومرتبته …» ([48]).
ثالثاً: أسس توحيد الألوهية وقوامه.
أسس هذا التوحيد وقوامه ثلاثة أشياء:
أولاً: توحيد الإخلاص لله وحده.
فلا يكون للعبد مراد غير مراد واحد وهو العمل لله وحده دليل ذلك قوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} سورة البينة، الآية:5.
ثانياً: توحيد الصدق.
وهو توحد إرادة العبد في إرادته وقوة إنابته لربه وكمال عبوديته، دليل ذلك قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة، الآية:119.
ثالثاً: توحيد الطريق.
وهو متابعة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعبد الله إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم دليل ذلك {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ} سورة آل عمران، الآية:31.
رابعاً: أدلة توحيد الألوهية.
جاءت نصوص الكتاب والسنة المستفيضة لوجوب إفراد الله تعالى بالعبادة فمن ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة، الآية: 21 .
وقوله تعالى لنبيه {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}سورة هود، الآية:123 وقوله تعالى:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} سورة قريش، الآية:3 وقوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} سورة الإسراء، الآية:23.
وقوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} سورة الذاريات، الآية:56.
ومن السنة حديث معاذ رضي الله عنه المتقدم وقوله صلى الله عليه وسلم فيه {حق العباد على الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً} ([49]).
خامساً: أساليب القرآن في الدعوة إلى توحيد الإلهية.
ذكرنا سابقاً أن توحيد الربوبية كان يقر به المشركون وذلك بموجب ما أودعه الله في فطرهم ونظرهم في الكون وكان الإقرار بهذا التوحيد غير كاف في الإيمان بالله ولا ينجي صاحبه من العذاب.
من أجل ذلك جاءت دعوة الرسل مركزة على توحيد الإلهية لأن الخصومة فيه ومن هنا ركز رب العزة سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على هذا النوع من التوحيد وتعددت أساليب القرآن في الدعوة إليه وهذه جملة من ذلك:
1-أمره سبحانه وتعالى بعبادته وترك عبادة ما سواه، قال تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} سورة النساء، الآية:36، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، إلى قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة، الآية: 21-22.
2-إخباره سبحانه وتعالى أنه خلق الخلق لعبادته كما في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} سورة الذاريات، الآية:56.
3-إخباره أنه أرسل جميع الرسل بالدعوة إلى عبادته والنهي عن عبادة ما سواه كقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} سورة النحل، الآية:36.
4-الاستدلال على توحيد الإلهية بانفراده بالربوبية كما في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ سورة البقرة، الآية: 21وقوله: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} سورة فصلت، الآية:37 وقوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ } سورة النحل، الآية:17.
سادساً: علاقة توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية والعكس.
وعلاقة أحد النوعين بالآخر أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الإلهية بمعنى أن الإقرار بتوحيد الربوبية يوجب الإقرار بتوحيد الإلهية والقيام به، فمن عرف أن الله ربه وخالقه ومدبر أموره وجب عليه أن يعبده وحده لا شريك له.
وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية بمعنى أن توحيد الربوبية يدخل ضمن توحيد الإلهية، فمن عبد الله وحده ولم يشرك به شيئاً فلا بد أن يكون قد اعتقد أنه هو ربه وخالقه.
والربوبية والألوهية تارة يذكران معاً فيفترقان في المعنى ويكون أحدهما قسيماً للآخر كما في قوله تعالى : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ} سورة الناس، الآية:1-3 فيكون معنى الرب هو المالك المتصرف في الخلق ويكون معنى الإله أنه المعبود بحق المستحق للعبادة وحده.
وتارة بذكر أحدهما مفرداً عن الآخر فيجتمعان في المعنى كما في قول الملكين للميت في القبر: «من ربك» ومعناه : من إلهك وخالقك ؟ وكما في قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} سورة الحج، الآية:40
وقوله {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} سورة فصلت، الآية:30 فالربوبية في هذه الآيات هي الإلهية ([50]).
سابعاً: الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية.
ذكر أهل العلم أن هناك فروقاً بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، من هذه الفروق:
(1) الاختلاف في الاشتقاق.
فالربوبية مشتقة من اسم الله «الربّ» والألوهية مشتقة من لفظ الجلالة «الإله» .
(2) أن متعلق الربوبية الأمور الكونية كالخلق والرزق والإحياء والإماتة ونحوها.
ومتعلق الألوهية : الأوامر والنواهي من الواجب والمحرم والمكروه.
(3) أن توحيد الربوبية قد أقر به المشركون أما توحيد الألوهية فقد رفضوه كما قال تعالى في كتابه عنهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} سورة الزمر، الآية:3 وقوله تعالى {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} سورة ص، الآية:5 وقوله تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ *وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} سورة الصافات، الآيتان:35، 36.
(4) أن توحيد الربوبية مدلوله علمي، أما توحيد الألوهية فمدلوله عملي .
(5) أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، أما توحيد الألوهية فهو متضمن لتوحيد الربوبية على ما ذكرنا سابقاً.
(6) أن توحيد الربوبية لا يدخل من آمن به في الإسلام بعكس توحيد الألوهية، فإن الإيمان به يدخل في الإسلام.
(7) أن توحيد الربوبية توحيد الله بأفعاله هو كالخلق ونحوه، أما توحيد الألوهية توحيد الله بأفعال عباده من الصلاة والزكاة والصوم والخشية والرغبة والرهبة وغير ذلك من أنواع العبادة.
ثامناً: ما يضاد توحيد الألوهية.
يضاد توحيد الألوهية ثلاثة أشياء:
(1) الشرك وهو يذهب توحيد الألوهية كلية وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
(2) البدع التي تذهب بكماله وسوف نتحدث عنها إن شاء الله.
(3) المعاصي التي تقدح فيه وتعكر صفوه وتنقص ثوابه.
تاسعاً: الفرق التي أشركت في توحيد الألوهية.
الفرق التي أشركت في توحيد الألوهية كثيرة منها:
(1) اليهود، الذين عبدوا العجل ولا يزالون يعبدون الدرهم والدينار.
(2) النصارى، وذلك بادعائهم ألوهية المسيح عليه السلام وعبادتهم له.
(3) الرافضة الذين يؤلهون علياً ويدعونه من دون الله ويتوجهون إليه بالسؤال في كشف الكربات وغير ذلك مما هو من خصائص الرب سبحانه وتعالى .
(4) الصوفية وعباد القبور الذين غلوا في الأولياء فصرفوا لهم أنواع العبادة كدعائهم من دون الله وكذا بصرف أنواع العبادة لهم من ذبح ونذر وطواف حول قبورهم وغير ذلك مما لا يجوز صرفه إلا لله تعالى .
النوع الثالث
(1) توحيد الأسماء والصفات
تعريفه.
نشأته.
الأسس التي قام عليها.
أدلته.
طريقة القرآن في عرضه.
كيفية تحقيقه.
أهمية العلم بأسماء الله وصفاته.
توحيد الأسماء والصفات
أولاً: تعريفه.
هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات النقص على حد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} سورة الشورى، الآية:11.
ثانياً: نشأته.
هذا النوع من التوحيد لم يكن معروفاً عند السلف بهذا الاسم بل كانوا لا يرونه منفصلاً عن توحيد الربوبية إنما هو نوع منه إذ يرون أن التوحيد نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات، وتوحيد في الطلب والقصد وهو توحيد الألوهية والعبادة.
لكن لما كثر الكلام وظهرت الفرق وكثر التأويل والتعطيل وقيل بالتشبيه والتمثيل اضطر علماء السنة والجماعة إلى إفراد الأسماء والصفات وجعلها نوعاً مستقلاً من أنواع التوحيد.
قال الشيخ صالح الفوزان –حفظه الله-: «وهذا القسم –توحيد الأسماء والصفات- قد جحده الجهمية وتلاميذهم من المعتزلة والأشاعرة وهو في الحقيقة داخل في توحيد الربوبية لكن لما كثر منكروه وروجوا الشبه حوله أفرد بالبحث وجعل قسماً مستقلاً وألفت فيه المؤلفات…» ([51]).
ثالثاً: الأسس التي قام عليها توحيد الأسماء والصفات.
قد أقام أهل السنة والجماعة هذا النوع من التوحيد على مرتكزات ثلاثة:
الأول: الإثبات لجميع الأسماء والصفات.
التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على ما يليق به سبحانه مع اعتقادهم أنها دالة على معان ثابتة كاملة في نفس الأمر.
الثاني: التنزيه.
يعتقد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى لا يشبهه شيء لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته ولا في أفعاله وأن إثبات ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يقتضي تشبيهاً ولا تمثيلاً.
الثالث: قطع النظر عن إدراك الكيفية.
لما كانت الإحاطة بذات الباري سبحانه مستحيلة كما أخبر بذلك عز وجل: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} سورة طه، الآية:110 كانت معرفة صفاته عز وجل مستحيلة أيضاً ولا سبيل إلى إدراكها لأن معرفة كيفية الصفة تتوقف على معرفة كيفية الذات وما دمنا لا نقدر على معرفة كيفية الذات الإلهية فكذلك نحن عاجزون عن إدراك كيفية الصفات ولذا لما سئل الإمام مالك عن الاستواء قال: «الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة» ([52]).
رابعاً: أدلة إثبات توحيد الأسماء والصفات.
جاءت نصوص الكتاب السنة تدل دلالة واضحة على إثبات توحيد الأسماء والصفات والنصوص في ذلك كثيرة منها:
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} سورة الأعراف، الآية:180
وقوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} سورة طه، الآية:8.
وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} سورة الشورى، الآية: 11.
وقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْ} سورة الحشر، الآية:23-24.
أما دلالة السنة فمنها قولـه صلى الله عليه وسلم:{إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة}([53]).
خامساً: طريقة القرآن الكريم في عرض توحيد الأسماء والصفات.
جاءت نصوص القرآن الكريم في إثبات أسماء الله وصفاته بطريقتين:
الطريقة الأولى: وهي الطريقة العامة وذلك باستغراق أفراد الكمال كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقوله {اللَّهُ الصَّمَدُ } أي السيد الذي انتهى سؤدده لما له من صفات الكمال، وقوله سبحانه وتعالى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون } سورة الصافات، الآية: 180 فنـزه نفسه عما لا يليق بكماله المقدس.
الطريقة الثانية: الطريقة الخاصة وذلك بأن تأتي الآيات لتنص على أفراد الكمال واحداً واحداً كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} سورة طه، الآية:5 وقوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} سورة الفتح، الآية:10 {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} سورة الحديد، الآية:4 وغير ذلك من الآيات وهي كثيرة جداً في كتاب الله.
سادساً: كيفية تحقيق توحيد الأسماء والصفات.
يتحقق هذا التوحيد بإثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} سورة الأعراف، الآية:180 وقال تعالى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} سورة الإسراء، الآية:110 وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} سورة الشورى، الآية: 11.
سابعاً: أهمية العلم بأسماء الله وصفاته.
ذكرنا فيما سبق أهمية التوحيد إجمالاً أي بأنواعه الثلاثة لكن لما كان توحيد الأسماء والصفات كان له النصيب الأعظم والأوفر في كتاب الله تعالى حيث معظم آيات الكتاب الكريم نراها إما أن تبدأ بالتنويه عليه كقوله تعالى في سورة الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وهكذا في غالب سور القرآن وإما أن تختم الآيات به كقوله تعالى:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} , {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وغير ذلك من الآيات التي تختم به، ولهذا كان ولا بد من بيان أهمية هذا النوع من التوحيد فنقول -وبالله التوفيق-:
من أهمية العلم بتوحيد الأسماء والصفات:
(1)أن العلم بأسماء الله وصفاته هو الطريق إلى معرفة الله، فلا طريق للعباد في التعرف على خالقهم إلا من خلال المعرفة بأسماء الله وصفاته عبر النصوص الموضحة له والمعرفة بأفعاله وصفاته وذلك لأن الرب سبحانه وتعالى غيب لا يرى في الحياة الدنيا.
ولا يستطيع العباد إدراك حقيقة العبودية وتحقيقها قولاً وعملاً إذا لم يعرفوا صفات الباري –جل وعلا-.
(2)تزكية النفوس وإقامتها على منهج العبودية لله تعالى.
إن العلم بأسماء الله وصفاته هو العاصم من الزلل والمقيل من العثرة والفاتح لباب الأمل والمعين على الصبر والواقي من الخمول والكسل.
إن النفوس قد تهفوا إلى مقارنة الفواحش والذنوب فتذكر أن الله يراها ويبصرها وتذكر وقوفها بين يديه .. فتجانب المعصية وتخاف من سخطه وعقابه وحينما يقع الإنسان في الذنوب والمعصية يتذكر سعة رحمة الله التي هي صفة من صفاته فلا يتمادى في الخطيئة ولا يوغل في طريق الهاوية بل يعود إلى الله ربه التواب الرحيم.
قال ابن القيم –رحمه الله-: «فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضرر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً.
وعلمنا بسمعه وبصره وعلمه يقضي بأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وأنه يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور يثمر للعبد حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضى الله ويجعل تعليق هذه الأعضاء بما يحبه ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطناً ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح إلى أن قال رحمه الله. وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلى يوجب له محبة خاصة بمنـزلة أنواع العبودية فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات» ([54]).
(3)ومن أهمية العلم بأسماء الله وصفاته أنه أشرف العلوم.
إذا كانت علوم الدين أفضل العلوم والعالم بها أفضل الناس، فإن العلم الذي يعرفنا بالله أفضل من غيره من العلوم وأعرف الناس بربهم هم أهل المعرفة بأسماء الله وصفاته، قال الله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فأهل الخشية هم أهل المعرفة به وبأسمائه وصفاته.
(4)ومن أهمية العلم بأسمائه وصفاته –جل وعلا- أنها تزيد الإيمان.
فمتى كان العبد عالماً بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وكلما كان غير عالم بها نقص إيمانه.
إن العلم بأسماء الله وصفاته والفقه لمعناها والعمل بمقتضاها وسؤال الله بها يوجد في قلوب العابدين تعظيم الباري وتقديسه ومحبته ورجاءه وخوفه والتوكل عليه والإنابة إليه.
ثامناً: عظم ثواب من أحصى أسماء الله تعالى.
ينال الحافظ لأسماء الله –تبارك وتعالى- العارف بمعناها العامل بمقتضاها من الأجر ما لا يعلمه إلا الله روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة} ([55]) .
تاسعاً: معنى الإحصاء لأسماء الله تعالى كما جاء في حديث أبي هريرة.
اختلف أهل العلم في المراد بالإحصاء الوارد في حديث أبي هريرة قوله e {إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة}
فقيل المراد به: الإحاطة بمعانيها.
وقيل المراد به: العمل بمقتضاها مع فقه معناها
وقيل المراد بالإحصاء هو عدّها حتى يستوفيها حفظاً وهذا هو الصواب.
يدل على صحة ذلك أنه جاءت رواية أخرى في صحيح البخاري بلفظ {لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر}([56]).
قال ابن حجر – رحمه الله -: «قال النووي قال البخاري وغيره من المحققين: معنى أحصاها حفظها وهذا هو الأظهر لثبوته نصاً في الخبر».
وقال ابن الجوزي –رحمه الله-: «لما ثبت في بعض طرق الحديث {من حفظها} بدل {من أحصاها} اخترنا أن المراد العدّ أي من عدّها ليستوفيها حفظاً» ([57]).
(2) الصفات الواجبة لله إجمالاً
مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات.
الطوائف التي ضلت في الصفات والتعريف بهم.
الجهمية
المعتزلة
الأشعرية
الرد على المخالفين لأهل السنة.
ذكر بعض الشبهات التي اعتمد عليها المخالفون مع الرد عليهم
(1) مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات.
يرى أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الخالق لنفسه مما نطق به وحيه أو شهد له به رسوله صلى الله عليه وسلم على ما وردت به الأخبار الصحاح ونقلته العدول الثقات ويثبتون لله ما أثبته لنفسه دون تشبيه لصفاته بصفات خلقه ودون تحريف بها عن معانيها الحقيقية كما فعل المعتزلة والجهمية والقاعدة عندهم ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ سورة الشورى، الآية:11 .
وهم يعتمدون في الإثبات على قاعدتين هامتين ذكرهما شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين:
الأولى: أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر فإن من أثبت بعض الصفات كالحياة والقدرة والإرادة والكلام ويجعل ذلك كله حقيقة ثم ينكر المحبة والرضا والغضب ويجعل ذلك مجازاً يقال له: ما الفرق بين ما أثبته وما نفيته بل القول في أحدهما كالقول في الآخر.
الثانية: القول في الصفات كالقول في الذات فالله له ذات لا تشبه ذوات المخلوقين وكذلك صفاته وأفعاله لا تشبه صفات المخلوقين وأفعالهم ([58]).
وبهاتين القاعدتين نرد على من قال إن مذهب السلف هو التفويض وليس الإثبات.
فمنهج أهل السنة والجماعة في كل ذلك الإيمان الكامل بما أخبر به الله وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم والتسليم به كما قال الإمام الزهري «من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم»
وكما قال الشافعي :«آمنت بالله وبما جاء عن الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله».
وما قال الإمام مالك «أهل البدع هم الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان» ([59]).
وينبغي لكل مسلم أن يسلك مسلك السلف في عدم الخوض في الكيفية والاقتصار على ما جاءت به النصوص فهذا أسلم وأحكم وأعلم وأبرأ للذمة.
(2) مخالفو أهل السنة والجماعة
في باب أسماء الله وصفاته:
(1) الجهمية.
أولاً: التعريف بهم:
هم أتباع الجهم بن صفوان المعروف الذي جاء ببدعة النفي في الإسلام، هذه البدعة الشنعاء الجامعة لشرور كثيرة أعظمها نفي صفات الله تعالى التي تواترت في الكتاب والسنة واتفق عليها جميع الأمة ولكن هؤلاء أعني الجهم بن صفوان وشيعته أتوا بأمور عظيمة في باب أسماء الله وصفاته: مجمل هذه الأمور ما يلي:
ثانياً: مذهب الجهمية في أسماء الله وصفاته.
1-زعموا أن الله معطل عن صفات الكمال.
2-وأنه ليس على العرش رب يعبد وأن حظ العرش منه كحظ الأرض السابعة السفلى.
3-وقالوا أيضاً أن الله ليس لـه سمع ولا بصر ولا قدرة ولا علم ولا إرادة ولا رحمة ولا وجه ولا يدان وليس له صفة تقوم به فهو ذات مجردة عن الأوصاف خالية من المعاني والنعوت.
4-وزعموا أيضاً أنه تعالى ليس له خليل من خلقه فنفوا محبة الله وخلته عمن اصطفاه من عباده.
5-وزعموا أنه سبحانه لم يكلم موسى تكليماً ولم يتخذ إبراهيم خليلاً فأنكروا صريح الكتاب والسنة وفسروا معنى الخليل الفقير إلى الله.
6-قالوا بأن القرآن مخلوق ولم يتكلم الله به.
ولا شك أن أصحاب هذه المقالات المذكورة آنفاً أي المقالات المنحرفة في أسماء الله وصفاته قد فتحوا باب شرٍ على هذه الأمة وأفسدوا بمقالاتهم هذه كثيراً من النفوس والقلوب.
ومن هنا شكك كثير من أهل العلم في ولاء أصحاب هذه المقالات للإسلام وأهله وأشاروا إشارة واضحة إلى أن مقصد هؤلاء كان إفساد هذا الدين ولذلك نرى أن الكثير من أهل العلم يرمون الجهم بالزندقة وأنه ضال مبتدع.
قال الإمام الذهبي رحمه الله : «الجهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع رأس الجهمية هلك في زمن صغار التابعين» ([60]).
ثالثاً: أثر الجهمية على من جاء بعدهم:
قد يظن بعض أهل العلم أن مقالة الجهمية في نفي الصفات قد غاضت وزالت بزوال قائلها ودعاتها ولكن العالم بالفرق ومقالاتهم يعلم أن كثيراً من الأصول التي أصلها الجهمية والتأويلات التي ابتدعوها لم يزل لها وجود على مر التاريخ الإسلامي وقد تبناها وذهب إليها من يدعي أنه من أهل الحق وحسبنا أن نعلم أن المعتزلة كانت امتداداً للجهمية وفرعاً من فروعها ([61]).
فقد يظن أن الجهمية أمست أثراً بعد عين مع أن المعتزلة فرع منها وهي في الكثرة تعد بالملايين، على أن المتكلمين المتأخرين المنسوبين للأشعري يرجع كثير من مسائلهم إلى مذهب الجهمية كما يدريه المتبحر في فن الكلام ([62]).
وبناء على ما ذكرناه يتضح لنا أن كل من انحرف عن مذهب السلف فنفى صفة من صفاته أو أولها بغرض نفيها وعدم وصف الله بها ولم يكن لتأويله دليل يعرف فإنه يكون قد سلك مسلك الجهمية في نفيه لأسماء الله وصفاته.
وخلاصة القول في الجهمية أنهم مبتدعة شبهوا الله بخلقه والله منزه عن ذلك كما قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ سورة الشورى، الآية:11 فصفات الله كلها خلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا.
قال نعيم بن حماد: «من شبَّه الله بشيء من خلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه» ([63]).
وعلامة الجهمية كما قال أهل العلم دعواهم على أهل السنة والجماعة ما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة بل هم المعطلة، قال كثير من أئمة السلف: علامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة فإنه ما من أحد من نفاة شيء من الأسماء والصفات إلا يسمي المثبت لها مشبهاً.
والجهمية هم أهل التعطيل الذين عطلوا مدلولات الأشياء فجردوا الخالق عن صفات الكمال.
(2) المعتزلة:
اعتمدت هذه الفرقة في فهم العقيدة على العقل المجرد وسبب التسمية اعتزال واصل ابن عطاء رأسهم لحلقة شيخه الحسن البصري حينما قال واصل: إن صاحب الكبيرة ليس مؤمناً ولا كافراً بل هو في منزلة بين المنزلتين فقال الحسن اعتزلنا واصل.
وهم الذين قالوا بخلق القرآن وأحدثوا في المسلمين فتنة عظيمة رفعها المتوكل رحمه الله. وأصولهم خمسة:
1-التوحيد ومعناه عندهم نفي الصفات واستحالة رؤية الله عز وجل .
2-العدل ويعني في نظرهم أن الله لا يخلق أفعال العباد بل هم الذين يخلقونها.
3-الوعد والوعيد أي أن الله يجزي المحسن إحساناً والمسيء إساءة ولا يغفر لمرتكب الكبيرة بل هو مخلد في النار.
4-المنزلة بين المنزلتين بمعنى أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر بل هو بمنزلة بين المنزلتين.
5-والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومعناه عندهم وجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق دون تفصيل وضوابط لذا طعنوا في الأئمة وخلفاء الصحابة وأحدثوا فتناً عظيمة جرت الويلات على المسلمين.
خلاصة مذهب المعتزلة في صفات الله
تقول المعتزلة «إن الله عليم بذاته بصير بذاته سميع بذاته لا بعلم وسمع وبصر وهكذا يقولون في بقية صفات الله تعالى فهو عندهم سميع بلا سمع بصير بلا بصر قدير بلا قدرة عليم بلا علم فقد أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات التي تدل عليها هذه الأسماء وتشتق منها.
والذي دعاهم إلى ذلك أنهم زعموا أن إثبات الصفات يؤدي إلى تعدد القدماء وهذا ينافي التوحيد.
وقالوا هذه الصفات أعراض، والعرض لا يقوم إلا بجوهر متحيز وكل متحيز فجسم مركب أو جوهر فرد ومن قال بذلك فهو مشبه لأن الأجسام متماثلة هذا هو قولهم في صفات الله تعالى.
(3) الأشاعرة.
نسبتهم : تنسب إلى أبي الحسن الأشعري الذي استقربه الحال على مذهب أهل السنة والجماعة.
وأهم أفكار الأشاعرة:
أ- مصدر التلقي عندهم الكتاب والسنة لكن لا على منهج السلف وفهمهم ولكن حسب قواعد علم الكلام ولذا يقدمون العقل على النقل عند التعارض.
ب – عدم الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة لأنها حسب زعمهم لا تفيد العلم اليقيني وهذا مخالف لمنهج السلف ويترتب عليه ضياع أحكام وإهمال عقائد الإسلام وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يرسل الرسل فرادى لتبليغ دين الله كإرساله لمعاذ رضي الله عنه إلى اليمن.
ج – يؤلون الصفات الذاتية كالوجه واليدين والعين والقدم والأصابع وهذا باطل والحق إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات من غير تأويل ولا تعطيل أو تشبيه أو تمثيل مع قطع النظر عن إدراك الكيفية.
(3) الرد على المخالفين في باب الصفات.
سمّى الله – جل وعلا – صفاته علماً وقدرة وقوة وكذلك رسوله سمّى هذه الصفات كذلك والمخلوق موصوف بهذه الصفات ولكن ليس العلم كالعلم والقوة كالقوة فمن نفى صفة من صفاته التي وصف بها نفسه كالرضى والغضب والمحبة والبغض ونحو ذلك وزعم أن ذلك يستلزم التشبيه والتجسيم قيل له فأنت تثبت لـه الإرادة والكلام والسمع والبصر مع أن ما تثبته لـه ليس مثل صفات المخلوقين فقل فيما نفيته وأثبته الله ورسوله مثل قولك فيما أثبتَّه إذ لا فرق بينهما.
فإن قال: أنا لا أثبت شيئاً من الصفات، قيل له: فأنت تثبت له الأسماء الحسنى مثل حي عليم قدير والعبد يسمَّى بهذه الأسماء وليس ما يثبت للرب من هذه الأسماء مماثلاً لما يثبت للعبد فقل في صفاته نظير قولك في مسمىَّ أسمائه.
فإن قال: وأنا لا أثبت له الأسماء الحسنى بل أقول هي مجاز وهي أسماء لبعض مبتدعاته كقول بعض الغلاة من الباطنية والمتفلسفة.
قيل له: فلا بد أن تعتقد أنه موجود حق قائم بنفسه والجسم موجود قائم بنفسه وليس هو مماثلاً له.
فإن قال: أنا لا أثبت شيئاً بل أُنكر وجود الواجب.
قيل له: معلوم بصريح العقل أن الموجود إما واجب بنفسه وإما غير واجب بنفسه وإما قديم أزلي وإما حادث كائن بعد أن لم يكن، وإما مخلوق مفتقر إلى خالق وإما غير مخلوق ولا مفتقر إلى خالق وإما فقير إلى ما سواه وإما غني عما سواه.
وغير الواجب بنفسه لا يكون إلا بالواجب بنفسه والحادث لا يكون إلا بقديم والمخلوق لا يكون إلا بخالق والفقير لا يكون إلا بغني عنه فقد لزم على تقدير النقيضين وجود موجود واجب بنفسه قديم أزلي خالق غني عما سواه وما سواه بخلاف ذلك.
ولذا فمنهج السلف الإثبات المفصل للصفات والنفي المجمل وهذه طريقة القرآن. ولذا أهل السنة يجعلون ما قاله الله ورسوله هو الحق الذي يجب اعتقاده واعتماده.
(4) ذكر بعض الشبه
التي اعتمد عليها نفاة الصفات والرد عليها.
الشبهة الأولى:
زعم نفاة الصفات أن نفيهم للصفات إنما يراد به تنزيه الباري لأن إثبات الصفات بمعنى تشبيه الباري بخلقه ومن هنا رموا أهل السنة والجماعة الذي يثبتون ما أثبته الله لنفسه وما أثبته لـه رسوله صلى الله عليه وسلم رموهم بأنهم المشبهة كما ذكرنا ذلك من قبل.
الشبهة الثانية:
زعم هؤلاء أيضاً أن إثبات الصفات يؤدي إلى خلع الصفات البشرية على الذات الإلهية فهو يؤدي عندهم إلى التجسيم والتركيب والتحيز وغير ذلك من الألفاظ التي أطلقوها.
الشبهة الثالثة:
يقولون إن الجسم محدود متناهي، فلو كان لله صفات لكان محدوداً متناهياً وذلك لابد أن يكون له مخصص خصصه بقدر دون قدر وما افتقر إلى مخصص لم يكن غنياً قديماً واجب الوجوب بنفسه.
الشبهة الرابعة:
قالوا لو أثبتنا له الصفات لكان جسماً ولو كان جسماً لكان مماثلاً لسائر الأجسام فيجوز عليه ما يجوز عليها ويمتنع عليه ما يمتنع عليها وذلك ممتنع على الله تعالى.
الشبهة الخامسة:
أن إثبات الصفات القديمة للباري يعني أننا جعلنا لله نداً ومثلاً والله تعالى نهانا عن ذلك وعدَّ هذا شركاً.
الرد على شبه نفاة الصفات.
أولاً: ليس لنفاة الصفات دليل من الكتاب والسنة ولا من كلام سلف الأمة.
فلو كان قولهم صواباً لأتت به نصوص الكتاب والسنة مؤيدة له آمرة به فإن القضية الكبرى التي جاء بها الوحي الإلهي هي تعريف العباد بربهم فكيف يكون طريق معرفة الله وتوحيده هو نفي الصفات ثم لا يأمرنا الله به لا أمر إيجاب ولا أمر استحباب.
ثانياً: إثبات الصفات ليس تشبيهاً.
ما زعمه نفاة الصفات من أن إثبات الصفات يقتضي التشبيه زعم باطل لأن إثبات الصفة يقتضي تشبيه الخالق بالمخلوق فإن أسماء الله تعالى وصفاته خاصة به دون خلقه ولا يقتضي الاتفاق في الاسم العام عند الإطلاق تماثل صفات الخالق والمخلوق في مسمى ذلك الاسم عند إضافته إلى الباري أو تخصيصه أو تقييده به.
فقول الله تعالى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ سورة الشورى، الآية:11 فيه نفي المثلية والتشبيه مع إثبات صفة السمع والبصر له فلو كان إثبات الصفات تشبيهاً لما ختم الله تعالى هذا النص بذكر هاتين الصفتين له سبحانه وتعالى ، فخاتمة الآية تدل دلالة واضحة في الرد عليهم.
ومن هنا كان المذهب الحق هو إثبات صفات الباري سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به فله سمع وبصر ليس كسمعنا وبصرنا ولـه يد وقدم ووجه وغير ذلك وليست يده كيدنا ولا قدمه كقدمنا.
ثالثاً: دعواهم أن نفي الصفات تمجيد للرب سبحانه وتقديس له.
نقول إن هذه الدعوى من الذين ينفون صفات الله تعالى من أبطل الباطل بل فيها من السفه ما فيها لأن تجريد الرب عما وصف به نفسه تكذيب له أولاً ثم في الحقيقة إغلاق باب المعرفة به سبحانه وتعالى ووصفه بالعدم. فبالصفات يتعرف العباد على ربهم ونفيها هو قطع للخلق عن ربهم.
رابعاً: دعواهم أن الله لا يدرك بالحواس.
نفى هؤلاء رؤية الله وكلامه بدعوى أن الله لا يدرك بالحواس لأن المخلوقات هي التي تدرك بالحواس، وقد كذبوا بدعواهم تلك لأنهم بذلك كذبوا النصوص القرآنية ونصوص السنة المصرحة بسماع العباد لكلام الله، والمقررة لرؤية العباد لربهم يوم القيامة كما ذكرناه في بحث الرؤية ([64]).
قال ابن القيم رحمه الله: «حَمِدَ الرب نفسه بأنه لا تدركه الأبصار لكمال عظمته، يُرى ولا يدرك، كما أنه يعلم ولا يحاط به علماً، وإلا فمجرد الرؤية ليس بكمال البتة وإنما الكمال في كونه لا يحاط به رؤية ولا إدراكاً لعظمته في نفسه، وتعاليه عن إدراك المخلوقين، وكذلك حَمِدَ نفسه بعدم الغفلة والنسيان لكمال علمه» ([65]).
(5) أسباب الاختلاف في أسماء الله وصفاته
(1) الإعراض عن كتاب الله والسنة وتحكيم العقل في مسائل الشرك.
هذا من أعظم أسباب الاختلاف في أسماء الله وصفاته وهو استعمال الأقيسة الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقدرية ومن شابههم حيث استعملوا أقيستهم الفاسدة وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصريحة من الكتاب والسنة التي جاءت بإثبات أسماء الله وصفاته بتأويلها أو تحريفها أو تعطيلها وغير ذلك متبعين في ذلك العقل الفاسد الذي كان سبباً في فساد العالم وخرابه.
قال ابن القيم «وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي والهوى على العقل» ([66])
(2) رد المحكم واتباع المتشابه.
المنحرفون عن الصراط السوي يعارضون السنن بظاهر القرآن ويستمسكون بالمتشابه في رد المحكم فإن لم يجدوا لفظاً متشابهاً غير المحكم يردونه به استخرجوا من المحكم وضعاً متشابهاً وردوه به.
(3) تأثير الفلسفات والعقائد الضالة الوافدة.
حينما فتح المسلمون الكثير من البلاد وأصبحت لهم دولة عظمى وخالط المسلمون أهل الديار التي فتحوها وبعض من دخل في الإسلام لم تخلص نفوسهم للإسلام وعقيدة الإسلام فجاؤوا ومعهم معتقداتهم الفاسدة أو بعضاً منها واطلع المسلمون على الكتب المدونة في عقائد اليهود والنصارى والفلاسفة على اختلاف طرقهم.
هذه الأشياء وغيرها اختلطت بعقائد المسلمين فعكرت صفوها واندس بين المسلمين من يريد فساد عقائدهم.
هذه الفلسفات والعقائد الضالة كان لها سبب في الاختلاف بين المسلمين في أسماء الله وصفاته ونشأ بينهم المنازعات بسبب هذه الأشياء الدخيلة عليهم.
(4) الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
لقد عملت هذه الأحاديث الباطلة عملها في إفساد عقيدة المسلمين وبخاصة في باب العقيدة سواء في الدعوة إلى الشرك بجميع صوره أو دعوى إثبات أشياء للرب سبحانه هو منـزه عنها.
مثال ذلك من الأحاديث المكذوبة قولـه صلى الله عليه وسلم {اسألوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم}
فهو حديث منكر لا يصح بل فيه الدعوة إلى الشرك بالله تعالى وحاشا لله أن يدعوا نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك.
ومن هذه الأحاديث أيضاً المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم {رأيت ربي يوم عرفات بعرفات على جمل أحمر عليه إزاران وهو يقول: قد سمعت قد غفرت إلا الظالم}.
وغير ذلك من الأحاديث التي لا تقرها شريعتنا بل كلها مكذوبة موضوعة كان لها تأثير على الخلافات في باب الأسماء والصفات.
(3) قواعد في الأسماء والصفات.
أولاً: أسماء الله توقيفية: لا مجال للعقل فيها ولذا يجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص والعقل هنا لا مجال له فيما يستحقه الله من الأسماء وصدق الله العظيم ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾ سورة الإسراء، الآية:36.
ثانياً: للإيمان بالأسماء الحسنى لله أركان هي:
أ- الإيمان بالاسم.
ب- الإيمان بما دل عليه الاسم من المعنى.
ج- الإيمان بما يتعلق به من الآثار فنؤمن بأن الله رحيم ذو رحمة وسعت كل شيء ويرحم عباده. قدير ذو قدرة ويقدر على كل شيء، غفور ذو مغفرة ويغفر لعباده .
ثالثاً: ما يوصف به الله تعالى أقسام أشار إليها العلامة ابن القيم:
أ- أحدها ما يرجع إلى نفس الذات كقولك ذات وموجود.
ب- الثاني ما يرجع إلى صفات معنوية كالعليم والقدير والسميع.
ج- الثالث ما يرجع إلى أفعاله نحو الخالق والرازق.
د- الرابع ما يرجع إلى التنزيه المحض ولا بد من تضمنه ثبوتاً فلا كمال في العدم المحض كالقدوس السلام.
هـ – الخامس الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة مثل المجيد، العظيم، الصمد.
و – السادس صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو الغني، الحميد، العفو القدير، الحميد المجيد.
رابعاً: دلالة الأسماء الحسنى ثلاثة أنواع.
أسماء الله كلها حسنى وكلها تدل على الكمال المطلق ودلالتها ثلاثة أنواع:
- دلالة مطابقة: إذا فسرنا الاسم بجميع مدلوله.
- ودلالة تضمن: غذا فسرنا ببعض مدلوله.
- ودلالة التزام: إذا استدللنا به على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها.
فمثلاً الرحمن دلالته على الرحمة والذات دلالة مطابقة وعلى أحدهما دلالة تضمن لأنها داخلة في الضمن.
ودلالته على الأسماء التي لا توجد الرحمة إلا بثبوتها كالحياة والعلم والإرادة والقدرة ونحوها دلالة التزام.
خامساً: حقيقة الإلحاد في أسماء الله:
هو الميل بها عن الاستقامة إما بإثبات المشاركة فيها لأحد من الخلق كإلحاد المشركين الذين اشتقوا لآلهتهم من صفات الله ما لا يصلح إلا لله كتسميتهم اللات من الإله والعزّى من العزيز ومناة من المنان.
وأعظم الخلق إلحاداً طائفة الاتحادية الذين من قولهم إن الرب عين المربوب وقد يكون الإلحاد بنفي صفات الله كما فعل الجهمية.
وإما بإنكارها وجحدها لأنهم ينكرون وجود الله كما فعل بعض الملحدين والفلاسفة.
قال ابن القيم ([67]) – رحمه الله- تعليقاً على قوله تعالى ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ سورة الأعراف، الآية:180 والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها وهو مأخوذ من الميل.
والإلحاد في أسمائه أنواع:
أحدها: أن تسمي الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإله والعزى من العزيز.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أباً.
الثالث: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص كقول أخبث اليهود إنه فقير وقولهم يد الله مغلولة.
الرابع: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها كقول بعض الجهمية: إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيقول: الحي بلا حياة، السميع بلا سمع، القدير بلا قدرة، المتكلم بلا كلام وهكذا.
الخامس: تشبيه صفاته بصفات خلقه وهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة فأولئك نفوا صفات كماله وجحدوها، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه وبرَّأ الله أتباع نبيه الثابتين على السنة من هذا الزيغ فثبتوا على المنهج الحق إذ وصفوا الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم .
سادساً: إحصاء الأسماء الحسنى أصل للعلم، فالعلم بأسماء الله وإحصاؤها أصل لسائر العلوم فمن أحصى أسماءه كما ينبغي أحصى جميع العلوم لأن جميع المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها .
سابعاً: أسماء الله كلها حسنى ليس فيها اسم غير ذلك وأفعاله كله خيرات لا شرّ فيها فالشرّ ليس إليه لا يضاف إلى الله فعلاً ولا وصفاً وإنما يدخل في مفعولاته وفرق بين الفعل والمفعول.
ثامناً: الأسماء الحسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات جمعتها سورة الفاتحة وهي الله والرب والرحمن. قال ابن القيم – رحمه الله-: «اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال وتضمنتها أكمل تضمن، فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها عليها وهي الله، والرب، والرحمن» ([68]).
تاسعاً: مراتب إحصاء أسماء الله الحسنى التي جاء الحديث بأن من أحصاها دخل الجنة ثلاث:
الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها.
الثانية: فهم معانيها ومدلولها.
الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} سورة الأعراف، الآية:180.
عاشراً: الأسماء الحسنى لا تحد بعدد ولا تدخل تحت حصر فلله أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل كما جاء في الحديث {أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك}([69]).
قال شيخ الإسلام رحمه الله «جمهور العلماء وسلف الأمة وأئمتها متفقون على أن أسماء الله عز وجل غير محصورة في تسعة وتسعين اسماً ثم قال وهو الصواب لثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن التسعة والتسعين اسماً لم يرو في تعيينها حديث صحيح.
الوجه الثاني: أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:{إن الله وتر يحب الوتر}([70]) وليس هذا الاسم في هذه التسعة والتسعين وثبت في الصحيح أنه قال {إن الله جميل يحب الجمال}([71]) وليس هذا منها وفي الصحيح أيضاً أنه قال {إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً}([72]) وليس هذا منها .
الوجه الثالث: ما احتج به الخطابي وغيره وهو حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {ما أصاب عبداً قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاءك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك …. – إلى قوله- أو استأثرت به في علم الغيب عندك}([73]) إلى أن قال رحمه الله «والله في القرآن قال ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ سورة الأعراف، الآية:180 فأمر أن يدعو بأسمائه الحسنى مطلقاً ولم يقل : ليست أسماؤه الحسنى إلا تسعة وتسعين اسماً والحديث عند مسلم معناه»([74])
أحد عشر: صفات الله كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه كالحياة والقدرة والسمع والبصر والرحمة والعزة والعلو والعظمة وغيرها.
وقد نزه نفسه سبحانه عما يصفه به بعض الخلق من النقائص فقال:﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ سورة الصافات، الآية:180-182
اثنا عشر: باب الصفات أوسع من باب الأسماء وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى وأفعاله لا منتهى لها كما أن أقواله لا منتهى لها.
ثلاثة عشر: صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية، فالثبوتية ما أثبته الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وكلها صفات كمال يجب إثباتها لله على الوجه اللائق به.
والسلبية ما نفاه الله سبحانه عن نفسه في كتابه أو على لسانه رسوله صلى الله عليه وسلم وكلها صفات نقص في حقه كالموت والنوم والجهل والنسيان والعجز والتعب، فيجب نفيها عن الله وإثبات ضدها من صفات الكمال لله جل وعلا.
أربعة عشر: الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر، ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية التي لم تذكر إلا في أحوال معينة منها:
أ-بيان عموم كماله كما في قوله تعالى ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ الشورى، الآية:11 وقوله ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ سورة الإخلاص، الآية:4.
ب -نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون كما في قوله تعالى ﴿ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً ﴾ سورة مريم، الآية:91، 92.
ج- دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين كما في قوله تعالى ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ﴾ سورة الأنبياء، الآية:16 وقوله ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ سورة ق، الآية:38.
خمسة عشر: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية، فالذاتية هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعزة والحكمة والعلو والعظمة ومنها الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعينين.
والفعلية هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا وسيأتي بيان جملة من الصفات الذاتية والفعلية مع بيان عقيدة أهل السنة فيها.
ستة عشر: يلزم في الصفات التخلي عن محذورين عظيمين:
أحدهما: التمثيل.
والثاني: التكييف.
فالتمثيل هو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين وهذا اعتقاد باطل.
والتكييف هو اعتقاد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا من غير أن يقيدها بمماثل وهذا أيضاً اعتقاد باطل.
سبعة عشر: صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته. قال الإمام أحمد: «لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث» ([75]).
قال الإمام الأصبهاني -رحمه الله-: «فلا يسمى أي الله تعالى إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمعت عليه الأمة أو أجمعت الأمة على تسميته به ولا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم أو أجمع عليه المسلمون فمن وصفه بغير ذلك فهو ضال» ([76]) .
(4) دراسة لبعض الأسماء والصفات
الثابتة لله تعالى جل وعلا
أهل السنة والجماعة يثبتون الصفات إثباتاً مفصلاً وينفون بعض الصفات عن الله نفياً مجملاً عكس طريقة أهل الكلام المذموم فإنهم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المجمل يقولون ليس بجسم ولا لحم ولا صورة ولا يتحرك ولا يسكن وليس بذي جوارح وليس بذي جهة وهذا ليس بمدح بل فيه إساءة أدب مع الله جل وعلا.
وأهل السنة والجماعة يجعلون ما قاله الله ورسوله هو الحق الذي يجب اعتقاده واعتماده والذي لا يحيد عنه المسلم في اعتقاده.
وسنبين في هذه الصفحات بعض الأسماء والصفات ومعانيها:
أولاً: الأسماء
1-الحميد.
حميد من وجهين: أحدهما أن جميع المخلوقات ناطقة بحمده فكل حمد وقع وكل حمد لم يقع فهو سبحانه مستحق له. وثانيها: أنه يحمد على ما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا فله الحمد لذاته وله الحمد لصفاته وله الحمد لأفعاله وله الحمد على خلقه وعلى شرعه وعلى كل شيء صادر منه سبحانه.
2-الغني.
الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه فإن غناه من لوازم ذاته والمخلوقات لا تستغني عنه بل هي مفتقرة إليه في كل شيء فهو الغني الذي كمل بنعوته وأوصافه المغني لجميع مخلوقاته.
3-الحكيم.
الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات فهو الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره.
وحكمته نوعان: أحدهما الحكمة في خلقه حيث خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام ورتبها أكمل ترتيب وأعطى كلاً ما يناسبه.
وثانيها: الحكمة في شرعه وأمره، أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعرفه العباد ويعبدوه وهذه العبادة هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والنعيم الدائم.
4-الحليم.
الذي له الحلم الكامل وسع حلمه أهل الكفر والفسوق والعصيان ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجلاً فهو يمهلهم ليتوبوا ولا يهملهم إذا أصروا واستمروا في طغيانهم ولم ينيبوا.
5-العفوّ.
الذي له العفو الشامل فهو يعفو عن أهل الذنوب إذا ندموا وتابوا وأتوا بأسباب المغفرة فهو عفو يحب العفو عن عباده ومن تمام عفوه أنه جعل الإسلام يجبّ ما قبله من الكفر فما دونه من الذنوب.
6-الصبور.
على ما يقول عباده وما يفعلون يتتابعون في الشرور وهو يتابع عليهم النعم وصبره أكمل صبر لأنه عن كمال قدرة وكمال غنى عن الخلق وكمال رحمة وإحسان، الصبور الذي يحب الصابرين ويعينهم في كل أمورهم وقد ادخر لهم أعظم الجزاء قال تعالى ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ سورة الزمر، الآية:10
7-الرقيب.
8-الشهيد.
هذان مترادفان وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات وبصره بالمبصرات وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية. وهو الرقيب على ما دار في الخواطر وما تحركت به اللواحظ ومن باب الأولى الأفعال الظاهرة بالأركان. ومتى علم العبد أن الله رقيب عليه وشاهد عليه أوجب ذلك له حراسة باطنة عن كل فكر وهاجس لا يرضى به الله وحجزه ذلك عن كل معصية صغيرة وكبيرة.
9-الحفيظ.
الذي حفظ على عباده ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية وهو الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون.
وهذا الحفظ نوعان: خاص وعام.
فالعام: حفظه لجميع المخلوقات بهدايتها لما يصلحها وينفعها كالسعي في الرزق وتوقي المضار والمكاره وحفظ السماوات والأرض وما فيه عمارة الكون.
والخاص: حفظه لأوليائه عما يضر إيمانهم من الشبه والفتن والشهوات وحفظهم من أعدائهم من شياطين الإنس والجن.
10-اللطيف.
الذي يلطف بعبده في أموره الداخلية والمتعلقة بنفسه ويلطف بعبده في الأمور الخارجية عنه فيسوقه ويسوق إليه ما به صلاحه من حيث لا يشعر.
11-الخبير.
الذي أحاط علمه بالأسرار والبواطن والخبايا والخفايا ومكنونات الصدور ومغيبات الأمور وما لطف ودق من كل شيء في هذا الوجود.
12-الرفيق.
في أفعاله خلق المخلوقات كلها بالتدرج شيئاً فشيئاً بحسب حكمته ورفقه مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة.
وهو سبحانه رفيق بعباده لم يكلفهم ما لا يطيقون بل رفق بهم في كل شئونهم عباداتهم وتعاملهم وعلاقاتهم وسائر متطلباتهم.
13-القريب.
وقربه نوعان: قرب عام وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد.
وقرب خاص بالداعين والعابدين المحبين وهو قرب يقتضي النصرة والمحبة والتأييد في الحركات والسكنات وإجابة دعائهم وقبول أعمالهم وإثابتهم على ذلك.
14-المجيب.
لدعوة الداعين وسؤال السائلين وعبادة المستجيـبين. وإجابته نوعان:
أ-إجابة عامة لكل من دعاه دعاء عبادة أو دعاء مسألة قال تعالى
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ سورة غافر، الآية:60 فدعاء المسألة أن يقول العبد: اللهم أعطني كذا أو اللهم ادفع عني كذا وهذا يقع من البر والفاجر وإجابة الله حسب حكمته لكل أحد.
ب. إجابة خاصة ولها أسباب منها دعوة المضطر ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ سورة النمل، الآية:62 ومن أسباب الإجابة اختيار الوقت والوسيلة وحال الداعي كالمريض والمسافر وفي الأوقات الفاضلة قال تعالى:﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ سورة هود، الآية:61.
15-الودود.
قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ سورة هود، الآية:90 والودود المحب المحبوب فهو الواد لأنبيائه وأوليائه أي المحب لهم وهم الوادون له أي المحبون له.
ومن أعظم أسباب محبة الله لعبده الإكثار من ذكره والثناء عليه والتقرب إليه بالفرائض والنوافل وتحقيق الإخلاص له في الأقوال والأفعال قال تعالى ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ ﴾ سورة آل عمران، الآية:31.
ثانياً:
الصفات الذاتية والفعلية
أولاً: الصفات الذاتية.
الصفات الذاتية هي المتعلقة بذات الباري سبحانه ولا تتعلق بالمشيئة والاختيار بل لا تنفك عن الباري عز وجل بحال من الأحوال بل هي من لوازم الذات ومنها:
1- اليدان.
فأهل السنة والجماعة يثبتون اليدين لله جل وعلا بناء على منهجهم الثابت وهو وجوب إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات إثباتاً بلا تكييف ولا تمثيل وتنزيهاً بلا تحريف ولا تعطيل، أما غير أهل السنة فقد أولوا اليدين بالنعمة أو القدرة.
قال الإمام أحمد: «من زعم أن يديه نعمتاه كيف يصنع بقوله تعالى:﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ سورة ص، الآية:75 مشددة» ([77]) .
قال ابن القيم : «إن لفظ اليد جاء في القرآن على ثلاثة أنواع مفرداً أو مثنى أو مجموعاً، فالمفرد كقوله تعالى: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ سورة الملك، الآية:1 والمثنى كقوله ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ سورة ص، الآية:75 والمجموع ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً﴾ سورة يس، الآية: 71.
ففي التثنية أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد وعدَّى الفعل بالباء فهذا دليل على مباشرة اليد للخلق ولهذا قال عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -: «إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثاً خلق آدم بيده وغرس جنة الفردوس بيده وكتب التوراة بيده»([78]) فلو كانت اليد هي القدرة كما يؤولها نفاة الصفات لم يكن لها اختصاص بذلك ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على كل شيء بالقدرة» ([79]).
2- صفة القدم.
من الصفات الذاتية التي وردت بها الأدلة الصحيحة صفة القدم لله وهذه الصفة ثابتة على ما يليق به سبحانه، ومن الأدلة على ذلك:
أ- عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العزة تبارك وتعالى قدمه فتقول قطٍ قطٍ وعزتك ويزوي بعضها إلى بعض}([80]).
ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {تحاجت النار والجنة فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم فقال الله للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة ملؤها فأما النار فلا تمتلئ فيضع قدمه عليها فتقول قطٍ قطٍ فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض}([81]).
وقد تلقى علماء أهل السنة والجماعة هذه الأحاديث بالقبول وأمرُّوها كما جاءت ولم يخوضوا في الكيفية.
فقد سئل الإمام أحمد عن هذه الأحاديث التي تثبت القدم فقال: «نمرها كما جاءت»([82]). وهذا هو المنهج السليم الذي ارتضاه أهل السنة والجماعة يمرون هذه الصفات كما جاءت دون تكييف لها فلا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف بل تمر كما رويت على حسب القاعدة: نثبت ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم .
3- صفة الأصابع.
هذه الصفة ثابتة لله وقد جاء النص الصحيح الصريح بها فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك}([83])، وعلى هذا المنهج وهو إثبات مثل هذه الصفة مشى علماء أهل السنة والجماعة حسب قاعدتهم في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف ولا تمثيل.
يقول الإمام الدارمي في رده على بشر المريسي: «ورويت أيها المريسي عن رسول الله أنه قال: {القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء} فأقررت أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ثم رددته بأقبح محال وأوحش ضلال ولو دفعت الحديث أصلاً كان أعذر لك من أن تقرَّ به ثم ترده بمحال من الحجج وبالتي هي أعوج فزعمت أن أصبعي الله قدرتاه وكذلك قوله ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ سورة الزمر، الآية:67 أي في ملكه فيقال لك أيها المعجب بجهالته في أي لغات العرب وجدت أن أصبعيه قدرتيه فأنبئنا بها فإنا قد وجدناها خارجة من جميع اللغات إنما هي قدرة واحدة قد كفت الأشياء كلها وملأتها… الخ» ([84]).
4- صفة العلو.
من صفات الكمال للذات الإلهية صفة العلو وهي فرع من توحيد الأسماء والصفات والله متصف بصفات العلو المطلق من جميع الوجوه علو الذات وعلو القدر وعلو القهر وهذا هو الحق الذي مشى عليه سلف الأمة ومن بعدهم إلى يومنا هذا، فإنهم يثبتون لله علوه بذاته على جميع خلقه على ما يليق بجلاله بلا تشبيه ولا تكييف.
وقد جاءت النصوص صريحة بالدلالة على هذه الصفة ورغم ذلك خالف فيها طوائف من المبتدعة ولكن هذه النصوص ترد ضلالهم وباطلهم، وقد تنوعت هذه الأدلة في دلالتها على علو الله وفوقيته على خلقه، ومن هذه الدلالات:
1-التصريح بالعلو المطلق ذاتاً وقدراً وقهراً قال تعالى ﴿ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾ سورة الأعلى، الآية:1 وقال تعالى ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ سورة البقرة، الآية:255 وقال تعالى ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾ سورة الإسراء، الآية:43.
2-التصريح بأنه في السماء لقوله تعالى:﴿أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ سورة الملك، الآية:16 فقوله في السماء أي العلو فهو سبحانه العلي الأعلى.
3-إخباره سبحانه وتعالى بعروج الأشياء وصعودها إليه كقوله تعالى ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ سورة فاطر، الآية:10 وقال تعالى ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ سورة آل عمران، الآية:55
4-التصريح بالفوقية قال تعالى:﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ سورة النحل، الآية:50.
5-التصريح بنزوله سبحانه كل ليلة إلى السماء الدنيا ففي الحديث {ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ويقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له} ([85]).
6-الإشارة إليه سبحانه في جهة العلو فقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يخطب في عرفة في حجة الوداع فقال {وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت ثم قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد}([86]). فهذه أدلة صريحة على علو الله على خلقه واستوائه على عرشه وهذا ما فهمه سلف الأمة ونطقوا به صراحة.
فهذا أبو بكر لما دخل على رسول الله بعد أن قبضه الله قبَّله وقال: «بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً ثم قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت» ([87]).
وها هو عمر عندما لقي خولة بنت ثعلبة قال: «هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات» ([88]) .
ولما دخل ابن عباس على عائشة رضي الله عنهما وهي تحتضر قال لها: «لقد أنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات» ([89]).
وقال الأوزاعي: «كنا والتابعون متوافرون نقول إن الله جل ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته» ([90]).
وقال ابن عبد البر: «لم يزل المسلمون في كل مكان إذا دهمهم أمر وكربهم غم يرفعون وجوههم وأيديهم إلى السماء رغبة إلى الله عز وجل في الكف عنهم» ([91]).
5- الساق.
وهي صفة من صفات الذات الثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة.
فمن الكتاب: قوله تعالى:﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ سورة القلم، الآية:42.
ومن السنة حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه {فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة…} ([92]) الحديث.
وأهل السنة يثبتون هذه الصفة لله على ما يليق بجلاله سبحانه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لم يتنازع الصحابة والتابعون فيما يذكر من آيات الصفات إلا في هذه الآية ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ ولم يقل عن ساق الله ولا قال يكشف الرب عن ساقه وإنما ذكر ساقاً نكرة غير معرفة ولا مضافة، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله تعالى أثبتوه بالحديث الصحيح المفسر للقرآن وهو حديث أبي سعيد الخدري المخرج في الصحيحين الذي قال فيه { فيكشف عن ساقه}» ([93]).
6- العين.
وهي من الصفات الذاتية الخبرية التي ثبتت بالكتاب والسنة.
فمن الكتاب قوله تعالى:﴿وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾ سورة هود، الآية:37 وقال تعالى:﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ سورة طه، الآية:39 وقال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ سورة الطور، الآية:48.
ومن السنة ما رواه أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور وأشار إلى عينيه وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية} ([94]).
فأهل السنة والجماعة يثبتون لله عينين تليقان بجلاله. قال اللالكائي باب (سياق ما دل من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن من صفات الله عز وجل الوجه والعينين واليدين)([95]).
7- الوجه.
من الصفات الذاتية الثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة.
فمن الكتاب قوله تعالى ﴿ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ﴾ سورة البقرة، الآية:272 وقال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ﴾ سورة الرعد، الآية:22 وقال تعالى ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ﴾ سورة الرحمن، الآية:27.
ومن السنة حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه {إنك إن تخلَّف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة}([96]).
وهكذا يثبت أهل السنة والجماعة لله وجهاً يليق بجلاله حسب ما دلت عليه النصوص، قال ابن خزيمة: «مذهبنا أنا نثبت لله وجهاً من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين» ([97]).
ثانياً: الصفات الفعلية.
وهي التي تتعلق بمشيئة الله وإرادته سبحانه بحيث إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها ومن أمثلة ذلك:
1- الاستواء.
وهو من الصفات الثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة الذين كانوا يعتقدون بأن الله مستوٍ على عرشه استواء يليق بجلاله سبحانه.
سئل الإمام مالك – رحمه الله- : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ سورة طه، الآية:5 كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه الرحضاء –العرق- ثم قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعاً ثم أمر به فأخرج» ([98]).
وهكذا أئمة الهدى يرون رأي الإمام مالك ولذا بعد أن ذكر شيخ الإسلام عدداً منهم قال: «إن العلم بكيفية الصفات ليس بحاصل لنا لأن العلم بكيفية الصفة فرع على العلم بكيفية الموصوف فإذا كان الموصوف لا تعلم كيفيته امتنع أن تعلم كيفية الصفة ومتى جنب المؤمن طريق التحريف والتعطيل وطريق التمثيل سلك سواء السبيل» ([99]).
وقد أول المبتدعة الاستواء بمعنى الاستيلاء وهذا تأويل باطل وتحريف للنصوص عن ظاهرها. وقد استدل علماء أهل السنة والجماعة على إثبات صفة الاستواء بالكتاب والسنة.
فمن الكتاب قوله تعالى ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ سورة طه، الآية:5 وقال تعالى ﴿ إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ﴾ سورة الأعراف، الآية:54. ومن السنة ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من قوله {لما فرغ من خلقه استوى على عرشه} ([100]).
2- صفة النـزول.
وهي من الصفات الثابتة لله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل بل على وجه يليق بجلاله لا يعلمه إلا هو قال تعالى ﴿ فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنْ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ سورة الشورى، الآية:11.
فأهل السنة يثبتون هذه الصفة قال الإمام أحمد: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف يشاء ثم استدل بالآية ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ ([101]).
قال ابن عبد البر: «والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون ينزل ربنا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدقونه بهذا الحديث ولا يكيفون والقول في الكيفية كالقول في كيفية الاستواء والمجيء والحجة في ذلك واحدة» ([102]) .
وقد استدل علماء السنة بأحاديث منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له} ([103]) .
3- صفة الإتيان والمجيء.
وهما صفتان فعليتان يثبتهما أهل السنة والجماعة على ما يليق بجلال الله وعظمته.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره: «اختُلف في صفة إتيان الرب تبارك وتعالى الذي ذكره في قوله ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ﴾ سورة البقرة، الآية: 210 فقال بعضهم لا صفة لذلك غير الذي وصف به نفسه عز وجل من المجيء والإتيان والنزول وغير جائز تكلف القول في ذلك لأحد إلا بخبر من الله عز وجل أو من رسول مرسل فأما القول في صفات الله وأسمائه فغير جائز لأحد من جهة الاستخراج إلا بما ذكرنا…» ([104]).
وقال أبو الحسن الأشعري ([105]): «وأجمعوا على أن الله عز وجل يجيء يوم القيامة ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾ سورة الفجر، الآية:22.
وقد استدل أهل السنة والجماعة على ذلك بما يأتي:
من الكتاب قوله تعالى:﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ سورة البقرة، الآية:210 وقال تعالى ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ﴾ سورة الفجر، الآية:22.
ومن السنة حديث أبي هريرة وفيه {وإن تقرب إليَّ عبدي ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة} ([106]).
وحديث أبي سعيد الخدري في الرؤية وفيه {فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم} ([107]).
4- صفة الكلام.
صفة الكلام صفة ذات باعتبار نوع الكلام وصفة فعل باعتبار تعلقها بإرادة الله عز وجل ومشيئته فهو سبحانه لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء يتكلم بصوت يُسمع يُسمعه من شاء من خلقه، سمعه موسى –عليه الصلاة والسلام- من غير واسطة وسمعه من أذن الله له من ملائكته ورسله وسيسمعه المؤمنون في الآخرة ممن سبقت لهم من الله الحسنى.
وأهل السنة يثبتون الكلام لله -جل وعلا- ويرون أنه يتكلم متى شاء وكيف شاء قال الإمام أحمد: «الله –جل وعلا- يقضي بين العباد ويكلم عبده ويسأله، الله متكلم لم يزل الله متكلماً يأمر بما شاء ويحكم بما يشاء وليس له عدل ولا مثل كيف شاء وأين يشاء» ([108]).
وقد استدل أهل السنة على ذلك بما يأتي:
من الكتاب قوله تعالى:﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾ سورة النساء، الآية:164 وقال تعالى:﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ سورة التوبة، الآية:6.
ومن السنة حديث احتجاج آدم وموسى وفيه {قال آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه} ([109]) .
وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفيه يقول الله تعالى {يا آدم فيقول: لبيك وسعديك فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار} ([110]).
المبحث الرابع
ذكر بعض نواقض التوحيد
(1) الشرك
(2) الطيرة
(3) الرقى
(4) التمائم
(5) التبرك
(6) التوسل
(7) السحر
ما يناقض التوحيد
أولاً: الشرك.
تعريفه:
الحديث عن التوحيد يتطلب الحديث عن الشرك لأنه ضده وقد قيل وبضدها تتميز الأشياء.
وقد عرف العلماء الشرك فقالو هو أن يجعل المرء لله نداً أو شريكاً في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته وهو المبطل للأعمال والمانع من قبولها قال تعالى ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ سورة الأنعام، الآية:88 .
قال ابن سعدي «وحدُّه أن يصرف العبد نوعاً من أنواع العبادة لغير الله فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص وصرفه لغير الله شرك وكفر» ([111]).
أقسام الشرك:
ينقسم الشرك إلى قسمين أكبر وأصغر
الأول : الشرك الأكبر
أولاً: تعريفــه.
باعتبار أقسام التوحيد السابقة أعني توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات يمكن تعريف الشرك بما يأتي:
(1) الشرك في ربوبية الله: ومعناه تسوية غير الله بما يختص به في الربوبية أو نسبتها إلى غيره كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير وحق الملك والتشريع. فمتى اعتقد العبد أن غير الله تعالى يملك الخلق والرزق والإحياء والإماتة والتشريع وغير ذلك مما يختص به الباري من الأفعال أو ساوى بين الله والخلق في ذلك صار مشركاً شركاً أكبر.
(2) الشرك في الألوهية: وهو أن يصرف العبد نوعاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى كالصلاة والصيام والذبح والنذر ونحو ذلك مما لا يجوز صرفه لغير الله تعالى.
(3) الشرك في الأسماء والصفات: وهو أن يجعل الإنسان نداً لله تعالى إما في أسمائه وصفاته فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته قال تعالى ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة الأعراف، الآية:180 ومن الإلحاد في أسمائه تسمية غيره باسمه المختص به أو وصفه بصفته كذلك.
وخلاصة القول في تعريف الشرك الأكبر:
«هو أن تجعل لله نداً في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه أو صفاته»
ثانياً: خطر الشرك الأكبر على صاحبه.
الشرك الأكبر يخرج صاحبه من ملة الإسلام ويوجب له الخلود في النار ويحرم عليه الجنة هذا إذا مات على الشرك قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ سورة النساء، الآية:116 وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ سورة المائدة، الآية: 72.
وغالب من يقع في هذا الشرك سببه إعراضهم عن تعلم أصل الدين وتساهلهم في جانب التوحيد وعدم الوقوف على حقيقته وما يرشد إليه ويدل عليه وإعراضهم عن تعلم نواقض الإسلام مفسداته التي متى دخلت عليه أفسدته وأحبطت عمل صاحبه.
ثالثاً: أنواع الشرك الأكبر.
الشرك الأكبر أنواع منها:
1-شرك الدعاء.
وهو اللجوء إلى غير الله بدعائه وقصده قال تعالى عن المشركين ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ سورة العنكبوت، الآية:65 فهم يوحدون الله في حال الضيق والشدة فإذا نجاهم أشركوا ودعوا غيره.
2-شرك النية والإرادة والقصد.
وهو أن يعمل العبد مما يراد به وجه الله عز وجل بعمله لغير الله ويقصد به مراداً آخر فهذا شرك أكبر قال تعالى ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ سورة هود، الآية:15، 16. وهكذا جاء تفسير هذه الآية عن سلف الأمة فقد قال ابن عباس –رضي الله عنهما- كما نقله عنه ابن كثير في تفسيره «من عمل صالحاً التماس الدنيا صوماً أو صلاة أو تهجداً بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا يقول تعالى أو فيه الذي التمس في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمله وهو في الآخرة من الخاسرين». وكذا قال قتادة كما نقله عنه ابن كثير في تفسيره «من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة» ([112])
3-شرك الطاعة.
وهو طاعة الأحبار والرهبان وغيرهم في تحريم ما أحل الله أو إباحة ما حرمه الله ودليل ذلك قوله تعالى ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ سورة التوبة، الآية:31. وقد جاء ذلك واضحاً في قصة إسلام عدي بن حاتم حينما قدم على المدينة وتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال عدي: إنهم لم يعبدوهم فقال الرسول: {بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم}.
ومن شرك الطاعة أيضاً طاعة الحكام والرؤساء في تحكيم القوانين الوضعية المخالفة للأحكام الشرعية في تحليل الحرام كإباحة الربا والزنا وشرب الخمر ومساواة المرأة بالرجل في الميراث وإباحة السفور والاختلاط أو تحريم الحلال كمنع تعدد الزوجات وما أشبه ذلك من تغيير أحكام الله واستبدالها بالقوانين الشيطانية، فمن وافقهم على ذلك ورضي به واستحسنه فهو مشرك كافر والعياذ بالله.
ومن ذلك – أي ومن الشرك الأكبر- تقليد الفقهاء باتباع أقوالهم المخالفة للأدلة إذا كانت توافق أهواء بعض الناس وما يشتهونه كما يفعل بعض أنصاف المتعلمين من تلمس الرخص. والواجب أن يؤخذ من قول المجتهد ما وافق الدليل ونطرح ما خالفه، قال الأئمة –رحمهم الله :«كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم » ([113]).
4-شرك المحبة.
وهو محبة غير الله عز وجل وتقديم ذلك على محبة الله وأمره ونهيه قال تعالى:﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ سورة البقرة، الآية:165.
والمحبة هي أصل الدين الذي تدور عليه رحاه فبكمال محبة الله يكمل دين الإسلام وبنقصها ينقص توحيد الإنسان.
والمحبة هنا المراد بها محبة العبودية فمتى ذل العبد وخضع لغير مولاه سبحانه وآثر محبوبه على محبة خالقه سبحانه فإنه يصير مشركاً، والمحبة منها ما يكون شركاً ومنها ما لا يكون شركاً.
فمحبة العبودية التي تستلزم كمال الذل والطاعة للمحبوب هذه خاصة لله سبحانه وتعالى لا يجوز صرفها لغيره.
أما محبة الأنس والألفة كمحبة الشريك لشريكه والصديق لصديقه وكذا محبة الإشفاق كمحبة الوالد لولده. وكذا المحبة الطبيعية كمحبة الجائع للطعام فهذه لا تستلزم التعظيم والذل ولا يؤاخذ أحد بها.
5-شرك التوكل.
التوكل في اللغة: الاعتماد والتفويض.
وهو من عمل القلب، يقال: توكل في الأمر إذا ضمن القيام به ووكلت أمري لفلان إذا اعتمدت عليه.
حكمـه:
التوكل من أعظم أنواع العبادة التي يجب إخلاصها لله قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ سورة المائدة، الآية:23.
فالتوكل على الله تعالى في دفع المضار وتحصيل الأرزاق وما لا يقدر عليه إلا هو من أعظم أنواع العبادة والتوكل على غيره في ذلك شرك أكبر قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ أي على الله وحده توكلوا ولا تتوكلوا على غيره لأن تقديم المعمول يفيد الحصر وجعل الله تعالى التوكل شرطاً في صحة الإيمان كما جعله شرطاً في صحة الإسلام فقال:﴿فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ سورة يونس، الآية:84.
أقسام التوكل:
1-توكل عبادة وهو التوكل الواجب الذي يكون باعتماد القلب على الله وتفويض الأمور لله جل شأنه.
2-التوكل الشركي وهو نوعان:
النوع الأول: ما يكون فيه التوكل شركاً أكبر، وهذا يكون باعتماد القلب على غير الله في جلب المنافع ودفع المضار كالتوكل على الأموات والغائبين ونحوهم في تحقيق المطالب من النصر والحفظ والرزق والشفاعة.
النوع الثاني: ما يكون فيه التوكل شركاً أصغر.
كما يتوكل على الأسباب الظاهرة كمن يتوكل على سلطان أو أمير أو أي شخص حتى قادر فيما أقدره الله عليه من عطاء أو دفع أذى ونحوه فذلك شرك أصغر لأنه اعتماد على أشخاص أو أسباب.
النوع الثالث: التوكل الذي هو تصريف بعض الأمور الدنيوية كأن ينيب الإنسان من يقوم بعمل عنه فيما يقدر عليه كبيع وشراء فهذا جائز.
لكن بشرط: أن لا يعتمد عليه في حصول ما وكل به بل يتوكل على الله في تيسير أموره التي يطلبها بنفسه أو نائبه، لأن توكيل الشخص في تحصيل الأمور الجائزة من جملة الأسباب لا يعتمد عليها وإنما يعتمد على الله الذي هو مسبب الأسباب وموجد السبب و المسبب.
6- شرك الخوف.
تعريفه: الخوف هو توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة.
والخوف من أعظم العبادات التي يجب إخلاصها لله تعالى، قال الله تعالى: ﴿ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ سورة آل عمران، الآية:175.
فنهى الله المؤمنين من أن يخافوا غيره وأمرهم أن يقصروا خوفهم عليه، فإذا أخلصوا الخوف في جميع أنواع العبادة أعطاهم ما يريدون وأمنهم مما يخافون.
أقسام الخوف:
الأول: خوف تأله وعبادة.
وهو الخوف من الله تعالى من أن يغضب عليه أو يدخله في ناره أو أن يحول بينه وبين التوبة أو ينقلب من حال الإيمان إلى حال الكفر – نعوذ بالله من ذلك- أو أن يخاف أن لا يدخله الجنة وهكذا، فهذه أنواع من خوف التأله.
القسم الثاني: خوف السر.
وهو أن يخاف من غير الله من وثن أو طاغوت أو ميت أو غائب من جن أو إنس أن يصيبه بمكروه.
وهذا النوع من الخوف هو الذي وقع فيه عباد القبور حيث أنهم يخافون من أصحاب القبور ممن يسمونهم أولياء أو أقطاب يخافون منهم أشد من خوفهم من الله تعالى بل يخوفون بهم أهل التوحيد إذا أنكروا عليهم عبادة هذه الأوثان. فهذا شرك أكبر يخرج صاحبه عن الإسلام.
القسم الثالث: الخوف الطبيعي.
وهو الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك فهذا ليس بشرك ولا مذموم كما قال تعالى عن موسى –عليه الصلاة والسلام ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ سورة القصص، الآية: 21 لكن هذا النوع من الخوف يذهبه التوكل فمتى توكل العبد على الله كفاه شر عدوه قال تعالى لموسى – عليه الصلاة والسلام- ﴿قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى﴾ سورة طه، الآية:68.
القسم الرابع: الخوف الذي هو شرك أصغر.
وهو أن يترك الإنسان ما يجب عليه خوفاً من بعض الناس كأن يحلق لحيته خوفاً من حاكم ظالم أو يسبل ثوبه مخافة من كلام الناس عليه أو أن يفعل محرماً ونحو ذلك فهذا شرك أصغر.
الثاني: الشرك الأصغر.
(1) حكمه:
هذا القسم لا يخرج صاحبه من الملة ولكنه أعظم من الكبائر وهو من أخطر الذنوب وأشدها ضرراً على المرء.
(2) أنواعه:
الشرك الأصغر نوعان: ظاهر وخفي.
(أ) فالظاهر يشمل أقوالاً وأفعالاً، فمن الألفاظ القولية: الحلف بغير الله وقول المرء: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت وهذا مساواة للمخلوق بالخالق وهو غير صحيح لكن الصواب ألا يحلف إلا بالله وأن يقول: لولا الله ثم أنت، ما شاء الله ثم شئت وهكذا.
ومن الأفعال العملية لبس الحلقة والخيط وتعليق التمائم خشية العين أو الجن فمن فعل معتقداً أنها سبب يستدفع به البلاء فقد أشرك شركاً أصغر فإن اعتقد أنها تدفع البلاء قبل نزوله أو ترفعه بعد حلوله فقد أشرك شركاً أكبر والعياذ بالله.
لأن هذا اعتقد شريكاً مع الله في خلقه وتدبيره أما الأول فقد جعلها سبباً بنفسها مع الله تعالى.
(ب) والخفي هو شرك الإرادات والمقاصد والنيات وهو من أخطر الأشياء على الناس ويتعلق بالرياء والسمعة وإظهار العبادة رغبة في مدح الناس وثنائهم كما أنه يتعلق بإرادة الدنيا ومطامعها وهو ينافي كمال التوحيد.
فالشرك الأكبر ينافي التوحيد بالكلية والشرك الأصغر ينافي كمال التوحيد.
(3) خطر الشرك الأصغر على فاعله.
صاحب الشرك الأصغر لا يخلد في النار لكنه معرض للوعيد وصاحبه على خطر عظيم فلا يستهان به فما أكثر الواقعين فيه ممن يدعي العلم فضلاً عن غيرهم من العامة وأشبهاهم وقد يترقى بصاحبه إلى الشرك الأكبر فيجب التحرز منه.
(4) الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر
فرق العلماء بينهما بفروق كثيرة منها:
1-الشرك الأكبر يخرج صاحبه من الإسلام بخلاف الشرك الأصغر.
2-الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال أما الشرك الأصغر فهو يحبط العمل الذي خالطه فقط.
3-الشرك الأكبر يبيح الدم والمال بخلاف الشرك الأصغر.
4-الشرك الأكبر يخلد صاحبه في النار أما الشرك الأصغر فقد يدخل صاحبه في النار ولا يخلد فيها.
5-الشرك الأكبر يوجب المعاداة وقطع الموالاة فلا تجوز موالاة المشرك مهما كانت قرابته، أما الشرك الأصغر فلا يقطع الموالاة لكن يوالى بقدر ما عنده من التوحيد ويعادى بحسب ما فيه من الشرك الأصغر.
الوسائل القولية والفعلية
التي نهى عنها صلى الله عليه وسلم لأنها تفضي إلى الشرك.
(1) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التلفظ بالألفاظ التي فيها التسوية بين الله تعالى وبين خلقه مثل: ما شاء الله وشئت، لولا الله وأنت، وأمر بأن يقال بدل منها: ما شاء الله ثم شئت، لولا الله ثم أنت لأن الواو تقتضي التسوية وثم تقتضي الترتيب وهذه التسوية في اللفظ شرك أصغر وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر.
(2) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلو في تعظيم القبور بالبناء عليها وإسراجها وتخصيصها بالكتابة عليها.
(3) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد بالصلاة عندها ولو لم يبن مسجد لأن ذلك وسيلة إلى عبادتها.
(4) نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لما في ذلك من التشبه بالذين يسجدون لها عند هذه الأوقات.
(5) نهى عن السفر إلى أي مكان من الأمكنة بقصد التقرب إلى الله فيه بالعبادة إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.
(6) نهى عن الغلو في مدحه فقال {لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله} والإطراء هو المبالغة في المدح.
(7) نهى عن الوفاء بالنذر إذا كان في مكان يعبد فيه صنم أو يقام فيه عيد من أعياد الجاهلية.
(8) نهى صلى الله عليه وسلم عن الغلو في حقه وكذا الغلو في الصالحين لما في ذلك من حصول الشرك برفع منزلة المخلوق التي أنزله الله إياها وذلك بالاستغاثة به وسؤاله من دون الله وتعظيمه كتعظيم الله أو أشد وكذا بحصول العبادة عند قبورهم والتبرك بتربته وذبح القرابين لأضرحتهم كل هذا من الغلو نهى عنه صلى الله عليه وسلم لما فيه من حصول الشرك.
ثانياً: الطيرة.
الطيرة: بكسر الطاء وفتح الياء لغة: التشاؤم بالشيء ومصدره تطير.
أصل الطيرة: أن العرب كانت تتشاءم من السوانح والبوارح فما أخذ ذات اليمين من الطير سموه سانحاً وتبركوا به وما أخذ ذات الشمال سموه بارحاً وتشاءموا به لكن الشرع أبطل ذلك وأخبر أنه لا يؤثر في جلب نفع أو دفع ضر.
فالتطير مناقض للتوحيد لما فيه من نسبة أفعال الله إلى شيء من خلقه وقد سماه الرسول صلى الله عليه وسلم شركاً فقال {الطيرة شرك} ([114]) وفي الحديث الآخر {من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: يا رسول الله ما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول أحدهم اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك} ([115]).
وعلى هذا فالطيرة منتفية وليس لها أي تأثير والله هو وحده هو المتفرد بالتقدير والتدبير و لهذا نفاها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {لا عدوى ولا طيرة}([116]).
قال ابن القيم –رحمه الله- حول هذا الحديث «يحتمل أن يكون نفياً وأن يكون نهياً أي لا تتطيروا والنفي يدل على إبطالها والنفي أبلغ من النهي لأن النفي يدل على بطلان ذلك وعدم تأثيره والنهي يدل على المنع» ([117]).
حكم الطيرة:
الطيرة محرمة شرعاً وهي من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد إن كانت بالأقوال والأفعال، أما إن اعتقد أن هذه الأشياء فاعلة أو سبب مؤثر في جلب نفع أو دفع ضر فهي شرك أكبر مناف للتوحيد.
لماذا حرمت الطيرة؟
حرم الشرع الحكيم الطيرة لعدة أمور منها:
(1) أن فيها نسبة النفع والضر والقدرة عليها لغير الله.
(2) أن فيها الاعتماد والتوكل على غير الله.
(3) أن فيها تعلق القلب بغير الله.
(4) أنها طريق لنشر الخرافات في المجتمعات.
ثالثاً: الرقى.
تعريف الرقية:
الرقية هي التي يُرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات، وتنقسم إلى قسمين:
الأول: الرقى الممنوعة.
وهي التي تكون بالاستعاذة بغير الله والاستغاثة بالجن والاستعانة بالروحانيات مما يضاد العقيدة وينافيها وهي التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم في قولـه{إن الرقى والتمائم والتولة من الشرك}([118]).
الثاني: الرقى المشروعة.
وهي التي توفرت فيها الشروط التالية:
أ-ألا تكون الرقية شركية كما قال صلى الله عليه وسلم {اعرضوا عليَّ رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك} ([119]).
ب -ألا تكون رقية سحرية فلا يحل للمسلم أن يذهب إلى السحرة ليطلب منهم الرقية للوعيد الشديد والنهي الأكيد عن إتيان العرافين والسحرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {من أتى عرافاً أو كاهناً –وفي رواية- أو ساحراً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم }([120]).
ج – أن يكون بعبارات واضحة ومفهومة المعنى فإن ما لم يفهم معناه لا يؤمن أن يكون فيه شرك، قال ابن حجر –رحمه الله-: «أجمع أهل العلم على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
1-أن تكون بكلام الله أو بأسمائه أو بصفاته.
2-أن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره.
3-أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى.
هل تنافي الرقية المشروعة التوكل على الله؟
الصواب من كلام أهل العلم أن الرقية بكتاب الله رعز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا تنافي التوكل بل هي من صميم الإيمان والاعتماد على الله واللجوء إليه في كشف الضرر ودفع البلاء لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لها بنفسه وبغيره وإقراره لأصحابه على ذلك كما جاء في قصة اللديغ ولكن بالشروط السابقة.
وأما حديث السبعين ألف فمعنى نفي الكي والاسترقاء أنه يتوكل على الله في دفع الداء والرضا بالقضاء لثبوت ذلك بالنصوص الشرعية
واقع الرقية في وقتنا الحاضر.
توسع الناس في هذا الباب وفتحوا على أنفسهم أبواباً من الشر وتساهلوا فيها وقد تصدر للرقية غير المؤهلين ووقعوا في محاذير شرعية كثيرة منها المبالغة في أخذ المال من الناس وبيع الرقية وكذا لمس النساء أثناء الرقية، وأيضاً ظلم الآخرين باتهامهم بالسحر وهم يزعمون أنهم يخاطبون الجن ويسمعون منهم وفي غالب الأحيان أن ذلك من مداخل الشيطان وأن المريض هو الذي يتكلم ليتخلص من واقعه الذي يعيشه.
وقد بالغ بعض المتصدرين للرقية ففتحوا محلات لها ووضعوا إعلانات بل أصبح البعض يرقي عبر الهاتف والميكرفون وكل ذلك مخالفات شرعية ينبغي الحذر منها.
ووصيتي لمن يبتلى بالمرض أن يقرأ على نفسه أو يبحث عن أحد من أقاربه ومحارمه ممن يقرأ عليه فهم أصدق وأقرب إلى نفعه ممن يتكسب بالرقية حمانا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
رابعاً: التمائم.
تعريف التمائم:
هي خرزات كان العرب يعلقونها على أولادهم ينفون بها العين في زعمهم فأبطلها الإسلام.
حكمها:
لا خلاف بين أهل العلم في تحريم اتخاذ التمائم وتعليقها إذا كانت بألفاظ شركية أو بسبب اعتقادات فاسدة وإنما وقع الخلاف بينهم فيما إذا كانت هذه التمائم من القرآن أو من أسماء الله وصفاته، فهل يجوز تعليقها أو لا؟ في المسألة، قولان:
أحدهما: قالوا يجوز ذلك، وهي لا تعدو أن تكون رقية.
الثاني: قالت طائفة لا يجوز ذلك لأنها داخلة في التمائم ولا علاقة لها بالرقية وهذا هو الراجح سداً لذريعة الاعتقاد المحظور ولاسيما في زماننا الذي كثرت فيه الفتن وأصبحوا يكتبون آية وتحتها طلاسم وتعاويذ ما أنزل الله بها من سلطان ولذا تعلقوا بها وأصبحوا يركنون إليها فتحريمها سداً للذريعة أحوط وأبرأ للذمة ولئلا يمتهن القرآن ولاسيما أن في ذلك صرفاً لقلوب العامة عن التوكل على الله بل يتوكلون على ما كتبوه لهم وهنا يدخل هؤلاء الدجالون عليهم من أبواب شيطانية كثيرة ويوسوسون لهم أنهم يعرفون من أحوالهم ويشفقون عليهم وهم في الحقيقة يريدون سرقة أموالهم ونهبها عن طريق هذه التمائم الشركية فليحذر المسلم من حيل شياطين الإنس والجن وليتكل على الله الذي بيده النفع والضر من قبل ومن بعد.
الأدلة على تحريم التمائم:
جاءت نصوص الكتاب والسنة تدل دلالة واضحة على تحريم التمائم:
أولاً: الأدلة من الكتاب:
قوله تعالى ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ سورة الأنعام، الآية: 17.
وقال سبحانه ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ سورة يونس، الآية:107.
وقوله سبحانه ﴿ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ سورة النحل، الآيتان:53، 54.
وجه الدلالة من الآيات:
أن الآيات جاءت لبيان أن الكاشف للضر هو الله سبحانه وأنه لا يقدر على ذلك إلا هو.
وربنا –جل وعلا- جعل أسباباً لجلب النفع أو لدفع الضر وهذه الأسباب إما شرعية وهي التي جاءت نصوص الشريعة ببيانها بنص آية أو حديث كالدعاء والرقية الشرعية وشرب العسل والحجامة وغير ذلك مما جاءت به نصوص السنة، فهذه أسباب لجلب النفع ودفع الضر.
وإما أسباب طبيعية يدركها الناس في الواقع المحسوس أو المعقول مثل الأدوية الطبية أو الشعبية وغير ذلك.
فهذه الأسباب وغيرها المباشر لها إنما لجأ إلى الله الذي أمر بها وبين أنها أسباب وهو القادر على تعطيل تأثيرها فيكون الاعتماد عليه سبحانه.
فأما التمائم فليس بينها وبين تأثيرها على متعاطيها مناسبة ولا فائدة تذكر فيها بل فيها من الشر ما سنذكره في أدلة السنة فما علاقة الخرزة بدفع الشر أو إزالته وهي جماد لا تأثير لها ولم يجعلها الله سبباً شرعياً ولا يدرك الناس أنها سبب طبيعي لدفع الشرور والأخطار.
ومن هنا جاءت الآيات لبيان أن الذي بيده كشف الضر أو جلب النفع هو الله وحده.
ثانياً: أدلة السنة:
1-عن عمران بن حصين رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة، قال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً فإنك لو مت عليه ما أفلحت أبداً} ([121]).
2-عن أبي بشر الأنصاري أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره –فأرسل رسولاً- {أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت}([122]) .
3-وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الرقى والتمائم والتولة شرك} ([123]).
4-وعن عقبة بن عامر مرفوعاً {من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له} ([124]).
فهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على تحريم تعليق التمائم وأنها من الشرك.
تعليق التمائم من أي أنواع الشرك؟
التمائم منها ما هو شرك أكبر ومنها ما يكون شركاً أصغر. فإذا اشتملت هذه التمائم على استغاثة بالشياطين أو غيرهم من المخلوقين أو اعتقد واضعها أنها تكشف عنه بلواه وتدفع عنه الضرر دون إذن الله ومشيئته فهنا يكون قد تأله لها لأنه توكل عليها ورجا النفع من قبلها.
وتكون شركاً أصغر إذا جعلها سبباً فقط ولم يعتقد فيها نفعاً ولا ضرراً بل يعتقد أن الله هو النافع وحده وأنه هو الدافع الرافع وحده فهنا نوع من الشرك الأصغر لأنه جعل ما ليس سبباً شرعياً ولا قدرياً سبباً فهذا محرم وكذب على الشرع وعلى القدر.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- عن التمائم: «إذا كانت من أسماء الشياطين أو العظام أو الخرز أو المسامير أو الطلاسم وهي الحروف المقطعة وأشباه ذلك فهي من الشرك الأصغر وقد تكون شركاً أكبر إذا اعتقد متعلق التميمة أنها تحفظه أو تكشف عنه المرض أو تدفع عنه الضرر دون إذن الله ومشيئته» ([125]) .
خامساً: التبرك.
تعريف التبرك :
هو طلب البركة من الزيادة في الخير والأجر وكل ما يحتاجه العبد في دينه ودنياه بسبب ذات مباركة أو زمان مبارك.
وينقسم التبرك إلى قسمين:
الأول: التبرك المشروع وهو أنواع:
1-التبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره وقد جاءت النصوص بذلك لما جعل الله فيه من بركة خاصة. عن عائشة –رضي الله عنها-: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات فلما ثقل كنت أنفث عنه بهن وأمسح بيده نفسه لبركتها}([126]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيه فربما جاءه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها، قال أنس : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل}([127]).
فهذا يدل على أن ذات النبي صلى الله عليه وسلم مباركة وكذلك ما انفصل من شعره أو عرقه وآنيته وملابسه مما جعل الله فيه بركة وخيراً كثيراً.
2-التبرك بذكر الله ومجالسة الصالحين جاء في الحديث الصحيح {إن لله ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا قال فسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: كيف لو رأوني؟ قال يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً … إلى أن قال فأشهدكم أني قد غفرت لهم قال فيقول ملك من الملائكة فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم} ([128]).
فدل هذا الحديث على بركة مجالس الذكر وأنها من أسباب نيل المغفرة بل إن بركتها تتعدى إلى من جلس فيها وإن لم يكن من أهلها.
3-التبرك بالصلاة والتعبد في المساجد كلها وخصوصاً المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى وذلك لما جاء في فضلها والصلاة فيها ثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام}([129]).
وجاء في الحديث {أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وأن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة}([130]).
ومع ذلك نقول لا يجوز التمسح بشيء من هذه المساجد على وجه التبرك بل ولا الكعبة المشرفة لعدم ورود دليل على ذلك فالتمسح بالجدران والأبواب والأعمدة كل ذلك لا يجوز لعدم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم له وكذلك صحابته من بعده وسلف الأمة رضوان الله عليهم.
4-التبرك بتناول بعض الأطعمة والأشربة والأدوية التي وردت الأدلة بثبوت البركة فيها ومن ذلك:
*زيت الزيتون، قال تعالى ﴿ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ سورة النور، الآية:35 وجاء في الحديث {كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة} ([131])
*اللبن وشربه والاستزادة منه جاء في الحديث {ومن سقاه الله لبناً فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإني لا أعلم ما يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن}([132]).
*العسل وشربه والاستشفاء به فقد ورد الدليل بذلك قال تعالى ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ سورة النحل، الآية:69 وجاء في الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال: {اسقه عسلاً فسقاه ثم جاء الرجل ثانية وثالثة فأمره بذلك وقال صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلاً فسقاه ثم برأ} ([133]).
*ماء زمزم: وقد ثبت النص فيها قال صلى الله عليه وسلم {إنها مباركة طعام طعم وشفاء سقم}([134]) .
الثاني: التبرك الممنوع وهو أنواع:
1-التبرك بزيارة الآثار وبعض المواقع كدار الأرقم وغار ثور وغار حراء وتقبيل جدران وأبواب المسجد النبوي والمسجد الحرام وغير ذلك وهذا أمر محرم لأن التبرك عبادة والعبادة تحتاج إلى دليل وقد توسع المسلمون في هذا الباب وحصل من البدع ما الله به عليم.
وقد أفاض العلماء في بيان ذلك والتحذير منه، ومنهم شيخ الإسلام فقد ذكر بعض المواقع كغار جبل ثور وموضع المولد ومحل بيعة العقبة ثم قال «ومعلوم أنه لو كان هذا معلوماً مستحباً يثيب الله عليه لكان النبي أعلم الناس بذلك وأسرعهم إليه ولكان علَّم أصحابه ذلك وكان أصحابه أعلم بذلك وأرغب فيه ممن بعدهم فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك عُلم أنه من البدع المحدثة التي لم يكونوا يعدونها عبادة وقربة وطاعة، فمن جعلها عبادة وقربة وطاعة فقد اتبع غير سبيلهم وشرع من الدين ما لم يأذن له الله» ([135]).
2-التبرك ببعض الأزمنة التي لم يرد بشأنها دليل يقتضي ذلك كالاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج ويوم الهجرة ويوم بدر وغيرهما مما لم يكن معروفاً ومشهوراً عند خيار الأمة من السلف الصالح فمن بعدهم وإنما أحدثه أهل البدع والأهواء.
3-التبرك بذوات بعض الصالحين وآثارهم وهذا أمر عم وطم في معظم البلاد الإسلامية وأصبح مصدر ارتزاق لبعض ضعاف النفوس. والتبرك بالذات البشرية مما اختص الله الرسول صلى الله عليه وسلم به ولذا لم يثبت عن سلف الأمة أنهم يتبركون بأفضل هذه الأمة أبي بكر وعمر ولا عثمان ولا علي فدل ذلك على أنه ممنوع لأن التبرك عبادة تحتاج إلى دليل ومن فعله فقد وقع في البدعة التي قد تجره إلى الشرك.
سادساً: التوسل.
تعريفه :
هو اتخاذ وسيلة إلى الله تعالى لإجابة الدعاء وتحقيق المطلوب، وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول : التوسل المشروع.
وهو ما كان بوسيلة ثبتت بها الأدلة ومنه:
1-التوسل إلى الله بأسمائه سبحانه على وجه العموم قال تعالى ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ سورة الأعراف، الآية:180 ومنه ما جاء في الحديث {اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك …} ([136]). أو على وجه الخصوص كدعائه – جل وعلا – باسم من أسمائه خاص مثل الرحمن الرحيم العزيز اللهم يا رحيم ارحمني ويا غفور اغفر لي ويا تواب تب علي وهكذا.
2-التوسل إلى الله تعالى بصفاته على وجه العموم مثل: اللهم إني أسألك بصفاتك العلى أن تغفر لي، أو على سبيل الخصوص مثل: أعوذ بعزة الله من شر ما أجد.
3-التوسل إلى الله بأفعاله سبحانه مثل: “اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم” فصلاة الله على إبراهيم فعل من أفعاله فالعبد يتوسل بها للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
4-التوسل إلى الله بالإيمان به وبرسوله مثل: اللهم إني أسألك بإيماني بك وبرسولك أن تغفر لي.
5-التوسل إلى الله بالعمل الصالح مثل حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار حيث توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة ففرج الله عنهم.
القسم الثاني: التوسل الممنوع.
وهو التوسل إلى الله بما ليس عليه دليل شرعي من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو أنواع:
1-التوسل إلى الله بجاه شخص له مكانة ومنزلة وجاه عند الله فهذا غير مشروع لعدم ورود الدليل عليه حتى ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرق بين أن يتوسل العبد بإيمانه برسول الله أو يتوسل بجاه رسول الله فالأول مشروع والثاني ممنوع.
2-التوسل إلى الله بدعاء ميت لا يمكن أن ينفع نفسه فكيف ينفع غيره وهذا من الحمق والسفه فإذا كان رسول الله لا يمكن أن ينفع أحداً بعد موته فكيف بغيره ثم إن الميت حيل بينه وبين العمل فلا يمكن أن يعمل حسنة واحدة فكيف يدعو لغيره أو ينفع غيره.
3-التوسل بدعاء الأصنام والأولياء والقبور وهذا توسل شركي مخرج من الملة وهو ما كان عليه عمل أهل الجاهلية قال تعالى ﴿ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ سورة الزمر، الآية:3.
سابعاً: السحر.
1) تعريف السحر:
السحر في اللغة ما خفي ولطف سببه ومنه قوله تعالى: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ سورة الأعراف، الآية:116 وتطلق العرب السحر على الخديعة لأنه يخفى سببها.
وفي الاصطلاح عزائم ورقى وعقد تؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه قال تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ سورة البقرة، الآية:102.
2) وقوع السحر:
وقوع السحر ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى:﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ سورة البقرة، الآية:102. وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ﴾ سورة الأعراف، الآية:116. وقد جاء في كتاب الله عشرات الآيات في إثبات وقوع السحر.
ومن السنة عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: {سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى كان ذات يوم دعا ودعا ثم قال: أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل قال: مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم قال فبماذا؟ قال في مشط ومشاطه وجف طلعة ذكر قال فأين هو؟ قال في بئر ذروان فخرج إليها النبي ثم رجع فقال لعائشة حين رجع نخلها كأنه رؤوس الشياطين فقلت: استخرجته فقال: لا أما أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك على الناس شراً ثم دفنت البئر}([137]).
ومن الإجماع فقد أجمع أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم على وقوعه للنصوص الصريحة في ذلك.
3) هل للسحر حقيقة ؟
وقوع السحر حق وله حقيقة مؤثرة ويدل على ذلك قوله تعالى ﴿وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ سورة الأعراف، الآية:116 ولما ثبت من سحره صلى الله عليه وسلم وقوله {أما أنا فقد شفاني الله} والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض فدل ذلك أن له حقيقة.
قال النووي «والصحيح أن له حقيقة وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة» ([138]).
4) حكم تعلم السحر.
تعلم السحر كفر لأنه لا يتم إلا بالاستعانة بالشياطين والعبودية لها وتناول المحرمات واستخدام طرائق بدعية قد لا يعقلها الإنسان، فلا يجوز لمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن يتعلمه بل هو يناقض التوحيد قال تعالى ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ﴾ سورة البقرة، الآية:102 وقال صلى الله عليه وسلم {اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها السحر}([139]).
قال ابن قدامة في المغني: «تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم»([140]).
وقال الذهبي: «الكبيرة الثالثة في السحر لأن الساحر لا بد وأن يكفر» ([141]).
5) حد الساحر.
حكم الساحر قطع عنقه لما روي {حد الساحر ضربة بالسيف}([142]) وقد كتب عمر قبل وفاته بشهرين: «اقتلوا كل ساحر وساحرة» ([143]) .
وقال ابن قدامة في المقنع: «والساحر الذي يركب المكنسة وتسير به في الهواء ونحوه يكفر ويقتل» ([144]).
6) توبة الساحر.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة خلافاً مشهوراً فقال بعضهم : يقتل من غير استتابة، وقال بعضهم بل يستتاب فإن تاب قبلت توبته وخليِّ سبيله قالوا لأن ذنبه دون الشرك والمشرك تقبل توبته.
وهذا الخلاف إنما هو في إسقاط الحد عنه عند توبته أما فيما بينه وبين ربه فلا أحد يحول بينه وبين التوبة، فإذا صدقت توبته فربنا أرحم بنا من أنفسنا فلعل الله أن يتوب علينا وعلى المسلمين.
7) سبل الوقاية من السحر.
جاء الإسلام بكل وسيلة جالبة للخير رافعة للشر ومن ذلك الأذكار التي تعين على صلاح القلب واستقامته وخضوعه لله.
ولذا فالأذكار والأدعية في الصباح والمساء مما يقي العبد من السحر وإذا كان الإنسان شاكي السلاح دائماً متسلحاً بالأذكار فهذا لا يضره شيء بإذن الله.
ومما يقي من السحر أن يتصبح بسبع تمرات من عجوة المدينة جاء في حديث سعيد بن أبي وقاص {من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر}([145]).
وهل هذا خاص بعجوة المدينة أم عام؟ وهل هو خاص بتمر العجوة أم
يشمل تمر المدينة كله؟ وهل هو خاص بزمان الرسول صلى الله عليه وسلم أو عام؟ الصواب أنه عام.
8) علاج السحر.
علاج السحر يكون بأحد طريقين:
1-طريق محرم كالذهاب إلى السحرة والمشعوذين وطلب المسحور منهم حل السحر وهذا لا شك في حرمته وقد جاءت النصوص بذلك.
2-طريق مشروع ومنه الطرق التالية:
أ-استخراج السحر وإبطاله وهذا أفضل أنواع العلاج وأبلغه.
ب-إخراج الجني الموكل بالسحر من جسم المريض.
ج-الاستفراغ ومنه الحجامة.
د-الرقى الشرعية.
أولاً: استخراج السحر.
على المسلم الذي يصاب بهذا الأمر أن يتوجه إلى الله بالدعاء ليستدل على مكان السحر وهنا إذا استدل على مكانه أزاله وهذا أفضل وأبلغ ما يزيل هذا الداء.
وإذا كان هذا حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي فقد يكرم الله المسحور فيرى ذلك في المنام وقد يستدل على السحر أثناء بحثه في البيت أو طرحه للأسئلة على من لهم علاقة به.
وقد يستدل به عن طريق خبر الجن إذا قرأ على شخص مصاب فقد يخبره عن فلان وعن مكان السحر ولكن ينبغي أن يعلم أن خبر الجن الأصل فيه ألا يصدق لأن غالب أخبارهم الكذب وقد أحدث مثل هذا الأمر مشاكل في البيوت واتهم بعض الأبرياء والنساء البريئات بسبب كلام بعض المرضى وقد يكون ذلك من التوهم أو الخيال الذي يعيشه المريض فلا نصدق كل ما يقال بل نتثبت ونبحث ونتأكد ونعالج ولا نظلم أحداً.
ثانياً: الاجتهاد في إخراج الجن الذي قد يكون محبوساً في المريض من قبل الساحر فالاستمرار بالقراءة ومتابعة ذلك والصدق والإقبال على الله والبعد عن المعاصي كفيل بإذن الله بطرده وإخراجه من جسم المريض.
ثالثاً: الاستفراغ وذلك بإزالة أثر السحر وهذا يحصل بالقيء والحجامة فقد يظهر أثر السحر على أحد أعضاء المريض وهنا نحاول أن نزيله بكل وسيلة متاحة وهذا أمر مجرب معروف.
رابعاً: حل السحر بالرقية الشرعية.
وذلك بأن يجتهد المريض أو من حوله فيقرؤون عليه ما تيسر من القرآن الفاتحة والمعوذات وآية الكرسي وما تيسر وليس هناك شيء محدد لكن لو ركز القارئ على آيات السحر وآيات الشفاء لكان في ذلك خير إن شاء الله.
وقراءة الشخص على نفسه وكذا قراءة من حوله عليه أولى من الذهاب للمتصدرين للرقية لأن علاج الشخص لنفسه وإحساسه بمعاناته تدفعه للصدق والإخلاص والتخلص من الذنوب، وصدق اللجوء إلى الله والله –جل وعلا- يشفيه ويعافيه بفضله وكرمه.
المبحث الخامس
شهادة التوحيد
« لا إله إلا الله » « محمد رسول الله »
أولاً: التعريف بالشق الأول من كلمة التوحيد “لا إله إلا الله”
1-المراد بشهادة التوحيد.
2-معنى شهادة التوحيد « لا إله إلا الله ».
3-مخالفو أهل السنة والجماعة في تفسير شهادة التوحيد.
4-حكم شهادة التوحيد.
5-كيفية تحقيق شهادة التوحيد.
6-شروط كلمة التوحيد.
7-متى ينتفع بكلمة التوحيد.
8-نواقض كلمة التوحيد.
ثانياً: التعريف بالشق الثاني من كلمة التوحيد «محمد رسول الله»
1-تمهيد.
2-معنى شهادة أن محمداً رسول الله.
3-كيفية تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله.
4-أمور تتحقق بها أداء هذه الشهادة والانتفاع بها.
5-واجب الأمة نحوه صلى الله عليه وسلم.
أولاً:
التعريف بالشق الأول من كلمة التوحيد «لا إله إلا الله»
(1) المراد بشهادة التوحيد:
المراد بشهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وتعتبر هذه الشهادة هي أول واجب على العبد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه إلى اليمن {فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله}([146]).
وإنما سميناها شهادة التوحيد لظاهر الرواية الأخرى لحديث معاذ – حيث قال فيه {فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله} ([147]).
(2) معنى شهادة التوحيد:
ذكرنا فيما سبق أن شهادة التوحيد المراد بها لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ومعنى الشق الأول منها «لا إله إلا الله» معناه لا معبود بحق إلا إله واحد وهو وحده سبحانه لا شريك له كما قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) سورة الأنبياء، الآية:25.
فمعناها الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة هو عبادة الله وترك عبادة ما سواه وهو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. فتضمنت هذه الكلمة العظيمة أن ما سوى الله ليس بإله وأن إلهية ما سواه أبطل الباطل وإثباتها أظلم الظلم فلا يستحق العبادة سوى الله كما لا يستحق الإلهية غيره.
دليل ما ذكرناه قوله تعالى:(إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) سورة الزخرف، الآية:86 والمراد من شهادة الحق هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
وقوله تعالى:(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) سورة الأعراف، الآية:59
وقوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) سورة النساء، الآية:36.
وقوله تعالى:(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) سورة الإسراء، الآية:23.
وقوله تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ سورة الذاريات، الآية:56.
ومن السنة قولـه صلى الله عليه وسلم {من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله }([148]) وكذا حديث معاذ المتقدم.
كل هذه الأدلة وغيرها تدل دلالة واضحة على أن معنى شهادة التوحيد «لا إله إلا الله» أنه لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى فلا تصرف أي عبادة لغيره سبحانه وتعالى لأنه هو المستحق لهذه العبادة.
(3) مخالفو أهل السنة في تفسير كلمة التوحيد:
لقد ضل المتكلمون في تفسير معنى لا إله إلا الله ففسروا الإله بالقادر على الاختراع، وبناء على تفسير معنى الإله عندهم قالوا بأن معنى لا إله إلا الله القدرة على الاختراع والإبداع والخلق، وبناء على هذا التفسير عند هؤلاء أدى هذا الخطأ في تفسيرها إلى إجازتهم لكثير من نواقض الشهادة والوقوع في هذه النواقض كما أدى بكثير من المنتسبين إلى التصوف إلى القول بوحدة الوجود والحلول والاتحاد لعدم تفريقهم بين الحقيقة الشرعية التي يدل عليها لفظ الإله وبين الحقيقة الكونية فجعلوا طاعة الله وعبادته هي موافقة قضائه وقدره فاستباحوا المحرمات وتركوا الطاعات.
ومن هنا كان ولا بد من تعريف (الإله) بالمعنى الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح –رضوان الله عليهم- حيث فسروا (الإله) بأنه المعبود المطاع لا بمعنى الرب الذي من مدلولاته الخلق والاختراع والإبداع.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب ــ رحمه الله ــ : في تيسير العزيز الحميد : قال شيخ الإسلام: «الإله هو المعبود المطاع » وقال أيضاً: «الإله هو المألوه الذي يستحق أن يعبد» . وقال ابن القيم: « الإله هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وإنابة وإكراماً وتعظيماً وذلاً وخضوعاً وخوفاً ورجاء وتوكلاً» .
إلى أن قال الشيخ سليمان رحمه الله:
«وهذا كثير جداً في كلام العلماء وهو إجماع منهم أن الإله هو المعبود خلافاً لما يعتقده عباد القبور وأشباههم في معنى الإله أنه الخالق أو القادر على الاختراع أو نحو هذه العبارات ويظنون أنهم إذا قالوها لهذا المعنى فقد أتوا من التوحيد بالغاية القصوى ولو فعلوا ما فعلوا من عبادة غير الله كدعاء الأموات والاستغاثة بهم في الكربات وسؤالهم قضاء الحاجات والنذر لهم في الملمات وسؤالهم الشفاعة عند رب السماوات والأرض إلى غير ذلك من أنواع العبادات وما شعروا أن إخوانهم من كفار العرب يشاركونهم في هذا الإقرار ويعرفون أن الله هو الخالق القادر على الاختراع ويعبدونه من أنواع العبادات…إلى أن قال رحمه الله
ولو كان معناها ما زعمه هؤلاء الجهال لم يكن بين الرسل وبينهم نزاع بل كانوا يبادرون إلى إجابته ويلبون دعوته.
إلى أن قال: وبالجملة فلا إله إلا الله أي: لا يعبد إلا هو فمن قال هذه الكلمة عارفاً لمعناها عاملاً لمقتضاها من نفي الشك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل فهذا هو المسلم حقاً فإن عمل به ظاهراً من غير اعتقاد فهو منافق وإن عمل بخلافها من الشرك فهو الكافر ولو قالها…» ([149]).
(4) حكم شهادة التوحيد (لا إله إلا الله)
حكم شهادة التوحيد هو وجوب النطق بها مرة في العمر وإن كان المشروع فيها الإكثار من ذكرها لقولـه صلى الله عليه وسلم {أفضل الذكر لا إله إلا الله}([150]) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً {أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله} ([151]).
وكذلك يجب اعتقاد ما تدل عليه والعمل بذلك لقوله تعالى : (إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) سورة الزخرف، الآية:86. وقوله صلى الله عليه وسلم {من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة}([152]) .
وكذلك يجب إخلاصها لله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم {من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة}([153]) وفي حديث آخر {من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرمه الله على النار}([154]).
(5) كيفية تحقيق شهادة التوحيد (لا إله إلا الله)
لتحقيق هذه الكلمة العظيمة كلمة التوحيد لا بد من الإتيان بمدلولها علماً وعملاً وإرادة وقصداً ونية وتخليص القلب مما يضاد هذا المعنى كما قال تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة البقرة ، الآية:256.
والطاغوت: اسم جامع لكل ما عبد من دون الله وهو راض، أما الكفر به : هو البراءة مما يضاد التوحيد وأهله فلا يمكن تحقيق شهادة التوحيد إلا باجتماع أمرين:
الأول : القيام بشروطها.
الثاني : انتفاء الموانع التي تنقضها.
(6) شروط كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)
قال الشيخ حافظ الحكمي ــ رحمه الله ـ في بيان شروط كلمة التوحيد:
وبشروط سبعة قد قيـدت *** وفي نصوص الوحي حقاً وردت
فإنه لم ينتفع قائلهــــــا *** بالنطق إلا حيث يستكملهــــــا
العلم واليقين والقبــــــول *** والانقيــــاد فادر ما أقـــــــــــول
والصدق والإخلاص والمحبة *** وفقـك الله لما أحبــــــــــه ([155])
فهذه سبعة شروط لكلمة التوحيد وهذه الشروط لا تصح الشهادة إلا بوجودها.
الأول: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً وضده الجهل بمعناها.
فهي تنفي جميع ما يعبد من دون الله وتثبت الألوهية لله وحده قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) سورة محمد، الآية:19.
الثاني: اليقين وضده الشك والتردد.
ومعنى اليقين هو العلم الكامل بمعناها بحيث لا يرد عليه شك ولا ريب ولا تردد في الإيمان بمدلولها قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) سورة الحجرات، الآية:15.
الثالث: الإخلاص وضده الشرك.
ومعنى الإخلاص تخليص القلب من كل ما يضاد معنى هذه الشهادة قال تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) سورة البينة، الآية:5.
الرابع: الصدق وضده الكذب.
ومعنى الصدق بهذه الشهادة أن لا يخالف ظاهره باطنه بل يتواطؤ الظاهر والباطن فلا يظهر عليه ما يناقض ما في القلب من الاعتقاد بالمدلول واليقين به قال تعالى:(الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) سورة العنكبوت، الآية:1-3.
الخامس: المحبة:
أي المحبة لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض من نقض ذلك والمراد بها هنا محبة الله ورسوله ومحبة ما جاء به الله ورسوله من العلم والعمل ومحبة المؤمنين وبغض ما يناقضه من كل علم وعمل يخالفها وبغض أهل ذلك والبراءة منهم ومما هم عليه من العلم والعمل، قال الله تعالى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) سورة البقرة، الآية:165 وقال: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) سورة المائدة، الآية:54، وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ ) سورة آل عمران، الآية:31.
وقال صلى الله عليه وسلم :{أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله}([156]).
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان في قلبه: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار}([157]).
السادس: من شروط كلمة التوحيد الانقياد لما دلت عليه المنافي لترك ذلك.
ومعنى الانقياد لهذه الكلمة هو الاستسلام لله ورسوله ظاهراً وباطناً وذلك بالعمل بالمأمور وترك المحظور.
دليل هذا الشرط قوله تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) سورة الزمر، الآية:54 وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ سورة النساء، الآية:125.
ومعنى يسلم وجهه لله أي ينقاد، ومعنى وهو محسن أي هو موحد، ومن لم يسلم وجهه لله ولم يكن مسلماً فإنه لم يكن منقاداً لكلمة التوحيد.
السابع: القبول لما تقتضيه هذه الكلمة.
والمراد به انصياع القلب وذله وانكساره وخضوعه لما جاء عن الله ورسوله خضوعاً مستلزماً لطاعته وعبادته وأن يوقن أنه لا طريق ينجيه ويهديه إلا ما جاءت به شريعة الإسلام.
فمتى أعرض العبد عن هذه الكلمة بقلبه فلم يقبلها ورد ما جاء به الرسول من الهدى ودين الحق فلم يقبله فقد أصبح من الكافرين قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ سورة طه، الآية: 124-126.
ثانياً : الشق الثاني من كلمة التوحيد
(شهادة أن محمداً رسول الله):
(1) تمهيد.
لما كانت كلمة التوحيد علماً على النطق بالشهادتين معاً وكانتا متلازمتين لا تنفك إحداهما عن الأخرى كان من الواجب على من أتى بكل منهما أن يعرف ما تدل عليه الكلمة ويعتقد ذلك المعنى ويطبقه في سيرته ونهجه فبعد أن عرف المسلم المراد من لا إله إلا الله أنه ليس بمجرد التلفظ بها فكذلك يقال في الشق الثاني منها وهو شهادة أن محمداً رسول الله بل لا بد من التصديق بها والتزام معناها ومقتضاها.
(2) معنى شهادة أن محمداً رسول الله.
هو الاعتقاد الجازم بأنه صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه عز وجل قد حمله الله هذه الشريعة وكلفه بتبليغها إلى الأمة وفرض على جميع الأمة تقبل رسالته والسير على نهجه.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
«ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهى وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ([158]).
(3) كيفية تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
«وأما تحقيق الثانية: وهي شهادة أن محمداً رسول الله، فبالإيمان به صلى الله عليه وسلم وأنه عبد الله أرسله الله إلى الناس كافة الجن والإنس، يدعوهم إلى توحيد الله والإيمان به واتباع ما جاء به رسول الله ــ عليه الصلاة والسلام- مع الإيمان بجميع الماضين من الرسل والأنبياء.
ثم بعد ذلك الإيمان بشرائع الله التي شرعها لعباده على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم والأخذ بها والاستمساك بها من صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وغير ذلك» ([159]) .
(4) أمور تتحقق بها أداء هذه الشهادة والانتفاع بها.
هناك أمور يحصل بها التأثر والتحقق لأداء هذه الشهادة والانتفاع بها من هذه الأمور:
الأمر الأول: أهلية النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الرسالة.
قال تعالى:﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ سورة الأنعام، الآية: 124، وقال تعالى:﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ سورة ص، الآية:47.
فهذه الآيات وغيرها تفيدنا أن رسل الله من البشر اصطفاهم الله تعالى واجتباهم وطهرهم ليحملوا رسالته فهم أمناء على شرعه ودينه ووسطاء بينه وبين خلقه.
ولما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وأفضلهم فإنه بلا شك على جانب كبير من هذا الاصطفاء والاختيار الذي أصبح به مرسلاً إلى جميع الخلق من الجن والإنس.
الأمر الثاني: عصمته من الخطايا.
اتفقت الأمة على عصمة الأنبياء من كبائر الذنوب لمنافاتها جانب الاجتباء والاصطفاء ولأن الله حملهم رسالته إلى البشر فلا بد من أن يكونوا قدوة لأممهم كافة وكلفهم أن يحذروا الناس من الكفر والذنوب والفسوق والعصيان فلو وقع منهم ذلك ظاهراً لتسلط عليهم أعداؤهم بالقدح والطعن في شريعتهم وذلك ينافي حكمة الله تعالى فكان من رحمته أن حفظهم من فعل شيء من هذه المخالفات.
ولقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يكلؤه ربه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ومعانيها لما يريد به من كرامته ورسالته وهو على دين قومه حتى بلغ أنه كان أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقاً وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جواراً وأعظمهم خلقاً وأصدقهم أمانة وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال وقد جاء عنه ما يفيد ذلك حيث قال صلى الله عليه وسلم {ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به… وما هممت بسوء حتى أكرمني الله برسالته } ([160]).
وقد قال الله تعالى:﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾ سورة الإسراء، الآية:73، 74.
الأمر الثالث: عموم رسالته.
اختص الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء بخصائص كثيرة منها عموم رسالته للناس كافة إنسهم وجنهم قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ سورة سبأ، الآية:28 وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾ سورة الأعراف، الآية :158.
وقال صلى الله عليه وسلم {أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي … إلى ان قال وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة} ([161]) وقال أيضاً {بعثت إلى الأسود والأحمر} ([162]).
فهذه النصوص وغيرها تبين أن جميع البشر مكلفون باتباع رسالته ويلزمون بطاعته؟
الأمر الرابع: تبليغه الرسالة.
قال الله تعالى﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ 4﴾ سورة المائدة، الآية:67. فهذا تكليف من ربه فلا بد من حصوله مع أن هذا هو وظيفة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
وقد قام رسولنا صلى الله عليه وسلم بهذا البلاغ على أتم وجه وأكمله شهد له صحابته بذلك قال أبو ذر: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علماً»([163])، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال {إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم} ([164]).
الأمر الخامس: خاتم النبوة.
ختم الله رسالته وشرائعه بمحمد صلى الله عليه وسلم وشريعته قال الله تعالى ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ سورة الأحزاب، الآية:40 أي أنه آخر الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى الخلق فيلزم من ذلك أن يكون خاتم الرسل ويجب الإيمان بذلك وأن من ادعى النبوة من بعده كاذب كافر، ويلزم من ذلك الإيمان أن عيسى – عليه الصلاة والسلام- حين نزوله فى آخر الزمان يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو فرد من أفراد هذه الأمة وإن كان ينزل عليه الوحي لكنه لا يخرج عن هذا الشرع الشريف.
(5) واجب الأمة نحوه صلى الله عليه وسلم
هناك أمور يجب أن نلتزم بها بعد أن عرفنا صدق نبينا فيما جاء به وصحة رسالته فمن هذه الأمور:
(1) الإيمان به صلى الله عليه وسلم :
كما أمر بذلك قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ﴾ سورة النساء، الآية:136 وكيفية الإيمان به قد أوردناها سابقاً في تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله.
(2) طاعته صلى الله عليه وسلم والتحذير من معصيته.
فهذا من علامة الإيمان به فإن التصديق الجازم بصدقه يستلزم طاعته فيما بلغه عن الله تعالى فمن خالفه في ذلك في شيء منه عناداً أو تهاوناً لم يكن صادقاً قال الله تعالى ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ سورة المائدة، الآية:92.
والآيات في الأمر بطاعته كثيرة وقال صلى الله عليه وسلم {من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى}([165]).
(3) اتباعه والاقتداء بسنته.
فهذا علامة على صدق المحبة لله تعالى قال تعالى ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ سورة آل عمران، الآيتان:31، 32.
وعلامة اتباعه تكون في السير على نهجه والاقتداء به في سيرته وأعماله وقرباته وتجنب كل ما نهى عنه والحذر من مخالفته التي نهايتها الخروج عن التأسي به.
(4) محبته الصادقة بالقلب والقالب وتقديم هذه المحبة على ما سواها.
قال الله تعالى:﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ سورة النوبة، الآية:24.
وقال صلى الله عليه وسلم {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين} ([166]).
(5) احترامه وتوقيره وتعزيره صلى الله عليه وسلم .
كما قال تعالى:﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ سورة الفتح، الآية:9 وفي تعزيره وتوقيره صلى الله عليه وسلم تعظيم لسنته ورفعة لقدرها في نفوس أتباعه.
(6) وجوب التحاكم إليه والرضا بحكمه ومنع الاعتراض عليه.
قال تعالى ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ سورة النساء، الآية: 59 وقال تعالى ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ سورة النساء، الآية:65.
وأجمعت الأمة أن الرد والتحاكم بعده يكون إلى سنته. ففي هذه الآيات وغيرها أعظم برهان على تحريم مخالفته ومنع الاستبدال بسنته.
(7) الاقتصاد والتوسط في حقه صلى الله عليه وسلم.
جرت سنة الله تعالى في خلقه الوقوع في الإفراط والتفريط وأن كل أمة يقع منهم في الغالب الغلو أو التقصير في حق أنبياء الله ورسله وأوليائه الله الصالحين ولذلك لابد من التحذير من ذلك ويتبين ذلك فيما يأتي:
1-أنه صلى الله عليه وسلم لم يخرج عن كونه بشراً قال تعالى ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ سورة الكهف، الآية:110 فبينت الآية أنه اختصه الله تعالى بالوحي فقط وكونه بشراً صلى الله عليه وسلم يقع في حقه ما يقع في حق البشر من التكسب وطلب الرزق والمرض وغير ذلك مما ينتاب البشر قال صلى الله عليه وسلم {إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإن نسيت فذكروني} ([167]) .
2-أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وإنما يخبر بما أخبره الله به وأوحاه إليه قال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ﴾ سورة الأعراف، الآية:188 فالغيب لا يعلمه إلا الله وإنما يظهر بعض خلقه على شيء من ذلك معجزة وبرهاناً على صدقه.
3-أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك الضر ولا النفع لنفسه فضلاً عن غيره قال تعالى ﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ سورة الأعراف، الآية:188 وما ذاك إلا لأن الملك لله وحده فهو الذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع. فهذه الآية وغيرها دليل على أنه لا يملك لغيره نفعاً ولا ضراً ولو دعاه ورجاه وهتف باسمه ولو زعم أنه يحبه حباً شديداً كما يزعم عباد القبور ومن يغالي في حقه صلى الله عليه وسلم فيقوم بدعائه ورجائه وطلب الحوائج منه.
المبحث السادس
العبادة وما يتعلق بها
معنى العبودية.
أقسام العبادة.
الإخلاص وأثره وقبول العبادة.
الأصول التي تقوم عليها العبادة.
أهمية العبادة.
أركان العبادة.
شروط العبادة.
تمهيد
لما كان توحيد الألوهية هو في الحقيقة معناه توحيد العبادة كان من المناسب بيان معنى العبادة وما يختص بها من أركان وأقسام وغيره لأن هذا هو المقصود الأعظم الذي من أجله خلق الله الخلق كما ذكرنا ذلك سابقاً.
فما هي العبادة وما هي أقسامها وما هي أركانها وما هي الأصول التي تبني عليها هذا ما سيتناوله هذا البحث.
(1) معنى العبودية:
في اللغة هي الطاعة، يقال طريق معبد إذا كان مذللاً بكثرة السالكين له. فالعبادة الانقياد والخضوع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والعبادة أصل معناها الذل يقال طريق معبد إذا كان مذللاً قد وطئته الأقدام».
وفي الشرع عرفها شيخ الإسلام بقولـه «اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة كالخوف والخشية والتوكل والصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام» ([168]).
(2) أقسام العبادة.
أولاً: العبادة القولية:
المقصود بها العبادات التي تتعلق باللسان وأهمها الذكر وهو أفضلها وجميع الشرائع شرعت لتعين على ذكر الله قال تعالى: ﴿ وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ﴾ سورة طه، الآية:14 وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ سورة البقرة، الآية:152.
ثانياً: العبادة القلبية:
وهي التي مدارها على القلب ومن هذه العبادات:
1-الخوف من الله عز وجل: قال الله تعالى: ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ سورة آل عمران، الآية:175، وقال سبحانه: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ سورة الرحمن، الآية:46.
2-التوكل: وهو أيضاً من أنواع العبادات القلبية وحقيقته اعتماد القلب عليه سبحانه وتعالى وثقته به وأنه كافيه قال الله تعالى:﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ سورة المائدة، الآية:23.
3-الرجاء: وهو أيضاً من أنواع العبادات القلبية قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ سورة الكهف، الآية:110، وقال تعالى:﴿مَنْ كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ﴾ سورة العنكبوت، الآية:5.
4-الرغبة والرهبة والخشية والخشوع: كل هذه عبادات قلبية جاءت نصوص الكتاب العزيز بالدعوة إليها وبيان فضل أهلها.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله .فقال معاذ بن جبل: ما شيء أنجى من ذكر الله}([169]).
ثالثاً: العبادة البدنية:
المقصود بها العبادات التي تؤدى بالجوارح وهي كثيرة ومنها الصلاة والصيام والحج والعمرة.
فكل عبادة أنيطت بالبدن أو بعضو من أعضائه فهي داخلة في هذا النوع من العبادة.
وهناك عبادات قلبية مناطها القلب وهناك عبادات مالية تتعلق بالأموال كالصدقات والكفارات والذبائح ومن ذلك الزكاة.
(3) الإخلاص وأثره في قبول العبادة.
جعل الله الإخلاص شرطاً لقبول الأعمال، فكل عمل لا يكون خالصاً لله فهو مردود على صاحبه فإذا دخل الشرك العمل أحبطه ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ سورة النساء، الآية:48 ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ سورة الزمر، الآية:65.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «بل إخلاص الدين لله هو الدين الذي لا يقبل الله سواه وهو الذي بعث به الأولين والآخرين والرسل» ([170]).
وقال ابن القيم: «ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الإخلاص قال تعالى:﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ([171]).
والإخلاص سرّ بين العبد وربه لا يعلمه أحد وهو تصفية العمل من الشوائب والنية هي الخطوة الأولى لكل عمل وهي ركن الشعائر التعبدية وهي محور صلاح العمل ومنطلق السعي للقبول عند الله وقاعدة الأجر والثواب.
فالتوحيد يصحح النية ويلجم الهوى ويجعل السعي ينطلق إلى الخير والصلاح وعلى قدر إخلاص العبادة لله بقدر ما تكون مقبولة عنده سبحانه ([172]).
(4) الأصول التي تقوم عليها العبادة.
الأصول التي تقوم عليها العبادة ثلاثة:
الأصل الأول: المحبة.
المراد بها محبة الله ورسوله المتضمنة تقديم مراد الله ورسوله على ما سواهما وهي على ثلاث مقامات:
المقام الأول: مقام التكميل.
والمراد به أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فلا يكفي فيه أصل الحب ومبتدؤه بل لا بد من غاية الحب وكماله.
المقام الثاني: مقام التفريق.
والمراد به أن يحب المرء لا يحبه إلا لله فيفرق بين ما يحبه من الأعمال والأقوال والأشخاص وبين ما يكرهه سبحانه.
المقام الثالث: مقام دفع الضد.
وذلك بأن يكره ما يضاد الإيمان أعظم من كراهة الإلقاء في النار.
علامة المحبة.
1-اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم،
كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ﴾ سورة آل عمران، الآية:31.
2-الجهاد في سبيل الله.
لأن حقيقة الجهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح ومن دفع ما يبغضه من الكفر والفسوق والعصيان ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ سورة التوبة، الآية:24
وفي الحديث: {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين}([173]).
الأصل الثاني: الخوف.
والمراد به في العبادة غايته ومنتهاه بحيث لا يخاف من شيء كائناً من كان أعظم من خوفه من ربه سبحانه قال تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} سورة آل عمران، الآية:175.
والخوف عبادة قلبية لا تصلح إلا لله وهي شرط في تحقيق الإيمان فمتى نقص الخوف من قلب العبد فإن ذلك دليل على نقص معرفته بربه سبحانه وتعالى فإن أعرف الناس بخالقه أخشاهم له.
منشأ الخوف من الرب سبحانه وتعالى:
ينشأ الخوف من ثلاثة أمور:
الأمر الأول: معرفة العبد بجنايته وقبحها.
الأمر الثاني: تصديقه بوعيد الله وأن الله رتب على المعاصي عقوبتها.
الأمر الثالث: أن يعلم أنه ربما حيل بينه وبين التوبة.
الفرق بين المحبة والخوف
أن تعلق المحبة هو الذات والصفات. أما الخوف فمتعلقه هو الأفعال، فمتعلق الخوف هو ذنب العبد وعاقبته وهي مفعولات الله أي مخلوقاته. فليس الخوف مرجعه إلى الذات، والمحبة سببها الكمال والخوف سببه توقع المكروه.
الأصل الثالث: الرجاء:
والمراد به طلب ما عند الله فلا يأس ولا قنوط والمطلوب كماله وغايته فيرجو ما عند الله من كمال الرجاء قال تعالى:﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ سورة الكهف، الآية:110، وقال تعالى:﴿مَنْ كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ سورة العنكبوت، الآية:5 .
وفي الحديث {أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء} ([174]).
ولا يحصل الرجاء إلا بأمور منها:
1-شهود كرمه سبحانه وتعالى وإنعامه وإحسانه على العباد.
2-صدق الرغبة فيما عند الله من الثواب والنعيم.
3-التسلح بصالح الأعمال والمسابقة في الخيرات.
فلا يكون راجياً من قصر في العمل ولا من لم تصدق رغبته في الثواب.
قال الشيخ حافظ الحكمي – رحمه الله-:
«ثم اعلم أنها لا تقبل الأعمال الظاهرة ما لم يساعدها عمل القلب ومناط العبادة هي غاية الحب وغاية الذل ولا تنفع عبادة بواحد من هذين دون الآخر، ولذا قال من قال من السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ومن عبده بالخوف وحده حروري ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد. قلت وبيان كلامهم هذا أن دعوى الحب بلا تذلل ولا خوف ولا رجاء ولا خشية ولا رغبة ولا خضوع دعوى كاذبة.
إلى أن قال – رحمه الله -: فالأمن من مكر الله خسران واليأس من روحه كفران والقنوط من رحمته ضلال وطغيان وعبادة الله عز وجل بالحب والخوف والرجاء توحيد وإيمان» ([175]).
(5) أهمية العبادة.
تتبين أهمية العبادة بالأمور الآتية:
1-أنها الغاية المحبوبة لله تعالى والمرضية له التي خلق الخلق من أجلها قال تعالى:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ سورة الذاريات، الآية:56 فهي الغاية من خلق الخلق.
2-أنه أرسل الرسل بها فما من رسول إلا دعا قومه إليها فقد قال أنبياء الله لقومهم ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ سورة الأعراف، الآية:59 وقال تعالى ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ سورة النحل، الآية:36.
3-أنه سبحانه وصف ملائكته بها فقال ﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ سورة الأنبياء، الآية:19.
4-أنه سبحانه ذم المستكبرين عن عبادته وتوعدهم بما يستحقونه من العذاب فقال تعالى ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ سورة غافر، الآية:60.
(6) أركان العبادة
للعبادة ركنــــان:
الركن الأول: كمال الحب الذي هو غايته ومنتهاه وهذا لا يكون إلا لله وحده فإنه وحده سبحانه هو المحبوب لذاته، وأما ما سواه فإنه يحب لعلل وأغراض.
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾ سورة البقرة، الآية:165.
وقال صلى الله عليه وسلم {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان في قلبه أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار}([176]).
الركن الثاني: الذل والخضوع.
والمراد به غايته ومنتهاه فلا يكون ذله وخضوعه التامين إلا لله تعالى فيتضمن ذلك تقديم ما شرعه الله على ما سواه.
فمتى تعارض مراد الله ورسوله على مراد نفسه أو هواه قدم مراد الله ورسوله على ذلك قال الله تعالى ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ سورة النساء، الآية:65 وقال ﴿ فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ سورة النور، الآية:63.
(7) شروط العبادة.
للعبادة شرطان:
الأول: الإخلاص وقد ذكرنا أثره في قبول العبادة
الثاني: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ([177]) ــ رحمه الله ــ: «وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع لا نعبد بالبدع كما قال تعالى ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ سورة الكهف، الآية:110 وذلك تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله:
ففي الأولى: أن لا نعبد إلا إياه.
وفي الثانية: أن محمداً هو رسول الله المبلغ عنه.
فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره وقد بين صلى الله عليه وسلم لنا ما تعبد الله به ونهانا عن محدثات الأمور وأخبر أنها ضلالة قال تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ سورة البقرة، الآية:112.
قال ابن القيم -رحمه الله-:«فلا يكون العبد محققاً ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ إلا بأصلين عظيمين:
أحدهما: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم
والثاني: الإخلاص للمعبود فهذا تحقيق ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ » ([178]).
المبحث السابع
البدعة
(1) تعريف البدعة.
(2) تمام الدين وكماله.
(3) ذم البدع والتحذير منها.
(4) شبهات أهل البدع.
(5) لوازم الابتداع.
(6) أمثلة لبعض البدع :
أولاً: بدعة المولد.
ثانياً: بدع القبور.
ثالثاً: تخصيص رجب ببعض العبادات.
رابعاً: بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج.
البدعة.
تعريفها:
البدعة في اللغة: تطلق على الشيء المخترع على غير مثال سابق فمن أتى بأمر لم يُسبق إليه فهو مبتدع ([179]).
وفي الاصطلاح: «ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه» ([180]).
فالبدعة هي الطريقة المخترعة في الدين التي يقصد بها التعبد لله على وجه لم يكن معروفاً([181]).
تمام الدين وكماله.
من نعم الله على عباده أنه أكمل لهم الدين وأتم عليهم النعمة فأكمل الشريعة لهم فلم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة وأنزل الله عليه وهو واقف بعرفة في حجة الوداع. قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً﴾ سورة المائدة، الآية:3.
جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: آية في كتابكم تقرؤونها لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال وأي آية هي قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً ﴾([182]).
قال ابن عباس – رضي الله عنهما- موضحاً هذه الآية «أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً وقد أتمه الله فلا ينقصه أبداً وقد رضيه فلا يسخطه أبداً» ([183]).
ذم البدع والتحذير منها.
أهل السنة والجماعة يحذرون من البدع ويبينون خطورتها ويرون وجوب العمل بالكتاب والسنة ومن أقوالهم في ذلك:
قال ابن مسعود رضي الله عنه : «الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة» ([184]).
وقال ابن عباس: «اتبع ولا تبتدع»
وقال حذيفة بن اليمان :رضي الله عنه «اتبعوا ولا تبتدعوا» ([185]).
وقال الإمام مالك: «من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً﴾ سورة المائدة، الآية:3 فمالم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً» ([186]).
وقال الإمام أحمد: «أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة ضلالة»([187]).
ومن أدلة أهل السنة على ذم البدع وأهلها قول الرسول صلى الله عليه وسلم {فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة} ([188]).
وما ثبت عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد} وفي رواية {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} ([189]).
شبهات أهل البدع.
كثيراً ما يورد أهل البدع شبهاً يبررون بها بدعهم ويروجون بضاعتهم ومن ذلك:
1-يقولون الصحابة فعلوا أشياء كثيرة لها علاقة بالدين ولم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل جمع القرآن قالوا وهذه بدعة حسنة.
وهذا القول ساقط مردود لأن جمع القرآن لا ينطبق عليه تعريف البدعة الذي أشرنا إليه سابقاً، ثم إن القرآن كتاب فهو مصحف ولا يكون كذلك إلا إذا جمع بين دفتي كتاب واحد، أما عدم جمعه في عهد رسول الله فلعدم المقتضي لذلك حيث كان القرآن يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات وانقطع الوحي جمع الصحابة القرآن فليس ذلك بدعة بل هو عمل جليل من أرجى الأعمال الصالحة وأعظمها التي قدمها أبو بكر لأمة الإسلام.
2-يستدلون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها} ([190]).
وسبب هذا الحديث كاف في الرد على أهل البدع، وسبب هذا الحديث في وفد مضر الفقراء الذين جاءوا ثم خطب الرسول في أصحابه وجمع لهم المال فكان أول من بدأ رجل من الأنصار حتى جمع الرسول صلى الله عليه وسلم لهم كومين من الطعام وثياب وشيء من النقود فسر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك وقال {من سن في الإسلام سنة حسنة} الحديث والمعنى أن من يبدأ بفعل مشروع في دين الله كالصدقة فيتبعه الناس على ذلك فهنا يكون سن لهم سنة حسنة له أجر عمله وأجور من تبعه ولا ينقص من أجورهم شيء.
3-كما أنهم يستدلون بأن المسلمين في تاريخهم الطويل أحدثوا أموراً لها علاقة بالدين كدواوين الجند والمدارس وبعض التنظيمات الخاصة وهذا لا دليل لهم فيه لأنه من باب المصالح المرسلة التي تقتضيها مصالح المسلمين ولا علاقة له بالعبادة فليس الناس يفعلونه من باب القرب والطاعة بل لأنهم محتاجون إليه ففعل هذا الأمر الأصل فيه الجواز مالم يقم دليل على المنع عكس العبادة فالأصل المنع ما لم يقم دليل على الجواز.
لوازم الابتداع.
الابتداع في الدين يؤدي إلى لوازم خطيرة ذات أثر سيئ على عقيدة أهل البدع منها:
1-الابتداع يعني نقصان الدين وعدم كماله وهذا يعارض قوله تعالى
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً﴾ سورة المائدة، الآية:3 فلا حاجة إلى إضافة أو زيادة لأن هذا الدين كمل عند الله العليم الخبير.
2-الابتداع يؤدي إلى ضياع معالم الدين وفتح الباب للإحداث والاستحسان وبالتالي لا يردع الناس شيء ولا يقفون عند حد معين.
3-الابتداع يؤدي إلى تنقص جناب النبي صلى الله عليه وسلم واتهامه بأنه لم يبلغ الرسالة ولم يؤد الأمانة.
4-من لوازم الابتداع وآثاره بغض السنة وأهلها وكراهيتهم ومعاداتهم وهذا أمر معروف متقرر على مدى تاريخ الأمة الطويل.
أمثلة لبعض البدع.
هناك بدع كثيرة منتشرة في أنحاء العالم الإسلامي وهي تتفاوت من بلد إلى بلد حسب جهد أهل البلد في نشر السنة وقمع البدعة ومما يؤسف له أن هناك كثيراً من البدع حظيت بانتشار واسع في أطراف البلاد الإسلامية ومنها:
أولاً: بدعة المولد النبوي.
مما لا شك فيه أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أكرم خلق الله وأعظم الناس منزلة عند ربه وأن محبته جزء من عقيدة المؤمنين لا يتم إيمانهم إلا بها، ولذا فذكراه حية في قلوبهم في صلواتهم وخلواتهم يصلون عليه ويجددون محبتهم له في كل أوقاتهم.
أ-أما الذين يحتفلون بمولده فهم يقصرون ذكره ومحبته على مناسبة واحدة فقط في العام كله فكأنهم ينقصون من قدره ويعطونه أقل من منزلته.
ب -ثم إن هذه الذكرى تتم عن طريق طقوس رتيبة لا تليق بجانب الحبيب صلى الله عليه وسلم . أما أهل الحق المتبعون لهديه صلى الله عليه وسلم فهم مأمورون بالصلاة عليه في جميع الصلوات نفلها وفرضها وعند أذان المؤذن وإقامته وفي أطراف النهار والليل وعند كل طاعة وعبادة وعند كل دعاء وعند دخول المسجد والخروج منه وهكذا يتجدد ذكره بمتابعته وهذه هي المحبة الحقيقية له ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ سورة آل عمران، الآية:31.
ج -ثم إن هذا الاحتفال قام سببه في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد موته ومع ذلك لم يفعله وهو صاحب الشأن ولم يفعله خيرة أصحابه من بعده ولا أحد من سلف هذه الأمة في القرون المفضلة ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
د- وهو الذي أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن كل عمل ليس عليه أمره فهو رد، وهذا من هذا القبيل.
هـ -ثم إن العبادات توقيفية فالأصل فيها المنع والحظر إلا ما ثبت بالكتاب والسنة وهذا لم يثبت به كتاب ولا سنة.
و -ثم إن المحبة الحقيقية بالمتابعة الصادقة واقتفاء أثره والتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم علاوة على أن الاحتفال على الصفة الموجودة في كثير من بلاد المسلمين تشبه بالنصارى ونحن مأمورون بمخالفتهم والبعد عن طرائقهم.
ز- وغير خاف علينا ما وقع في الاحتفال بمولده من عظائم الأمور: ومنها الشرك بالله وسؤال المدد من رسول الله وطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما لا يقدر عليه إلا الله.
ح- وفي هذه الاحتفالات من المنكرات ومظاهر الإسراف ما لا يخفى على العقلاء، كل هذه الأسباب والحيثيات موجبة لتحريم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم وقد صرح بذلك أهل العلم المعتبرون جاء في فتوى اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية رقم (4755) ما نصه «الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله لنفسه ولا أمر بفعله ولم يفعله أحد من الصحابة y وهم أحرص الناس على تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع سنته والخير كله في اتباع هديه وقد قال صلى الله عليه وسلم {من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد} ([191]) .
ثانياً: بدع القبور، وهي على أنواع:
1-التوجه إلى صاحب القبر بالدعاء وطلب قضاء الحاجات أو إزالة الكربات كقول بعضهم: مدد يا نبي أو مدد يا ولي أو أغثني أو غير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله ولا يطلب إلا من الله وهذه بدعة شركية وفاعلها من جنس عباد القبور. فكل من دعا نبياً أو ولياً حياً أو ميتاً وسأله شيئاً لا يُسأل إلا من الله كغفران الذنوب وتفريج الكروب وستر العيوب فقد وقع في الشرك الأكبر عياذاً بالله.
2-أن يسأل الله بصاحب القبر كقولهم أسألك بصاحب هذا القبر أو بالنبي أو بالشيخ الفلاني فهذا من التوسل الممنوع ومن البدع المنكرة التي أحدثها الناس.
3-أن يعتقد أن دعاء الله عند القبر مستجاب أو أنه أفضل من دعائه في المسجد يتوجه إلى القبر ثم يدعو الله وهذا من أعظم البدع والمنكرات التي أحدثها الناس في هذا الأمر كما حصل من بعض ضعاف النفوس ممن يستقبلون الحجرة النبوية ويدعون ولا يستقبلون القبلة وهذا من الجهل والغلط الذي ينبغي أن ينهى الناس عنه ويوضح لهم ويردون إلى الحق.
ثالثاً: تخصيص شهر رجب ببعض العبادات.
يخص أهل الأهواء والبدع شهر رجب ببعض العبادات التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلها أصحابه ولم تعرف في القرون المفضلة وإنما أحدثها الناس لما غلب عليهم الجهل وبعدوا عن السنة ولا زالت تقع منهم حتى يومنا هذا كالعمرة الرجبية وصلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب وصيام بعض أيام رجب اعتماداً على أحاديث موضوعة مكذوبة على رسول الله e.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة ويقول وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها فلا تستحب لا جماعة ولا فرادى وهي بدعة باتفاق الأئمة لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا استحبها أحد من أئمة الدين» ([192]).
رابعاً: بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج.
في السنة العاشرة من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت خديجة التي كان لها الأثر الكبير في تثبيت الرسول والدفاع عنه وفيها مات عمه الذي كان يدافع عنه في المحافل وأمام قريش ولذا سمى المؤرخون هذا العام بعام الحزن.
في هذا الوقت العصيب أكرم الله رسوله بمعجزة خارقة تثبيتاً لفؤاده وطمأنينة لقلبه حيث أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ومن هناك عُرج به إلى السماوات العلى حتى بلغ سدرة المنتهى وفي هذه الرحلة فرضت عليه الصلوات الخمس وهذا ثابت بالأدلة الصحيحة الصريحة ولا مجال للخلاف فيه ولم يثبت عن رسول الله ولا عن خلفائه ولا أئمة السلف ومن بعدهم إحياء هذه الليلة ولا تحديدها في رجب ولا غيره لكن أهل البدع اجتهدوا في تحديدها وتخصيصها ببعض العبادات التي لم يشرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهؤلاء أنفسهم من أكثر الناس تهاوناً وتكاسلاً في الصلوات المفروضات التي هي أحد أركان الإسلام فإلى الله المشتكى.
نماذج من الأسئلة على المبحث الأول
التعريف بالعقيدة
(1) ما معنى العقيدة ؟ وما حكم تعلمها؟
(2) اذكر مصادر العقيدة مع توضيح تميزها!
(3) اذكر أربعاً من خصائص العقيدة!
(4) اذكر خمساً من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة!
(5) هذه الأمة وسط في كل شيء بين ذلك في مسائل الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!
(6) تميز منهج أهل السنة والجماعة ببعض الخصائص والسمات اذكر خمساً منها!
(7) ترجع أصول الانحرافات في فهم الكتاب والسنة في باب العقيدة إلى عدة أمور اذكرها على سبيل الإجمال!
(8) عرف الإلحاد في اللغة والشرع مع بيان أقسامه وأنواعه!
(9) ما معنى التعطيل في اللغة والشرع؟ وما هي أنواعه؟
(10) ما معنى التحريف في اللغة والشرع مع بيان أقسامه وأنواعه؟
(11) ما الفرق بين التعطيل والتحريف؟
(12) ما معنى التأويل في اصطلاح المتأخرين مع ذكر أنواعه؟
(13) للتأويل خطره وآثاره المدمرة وضح ذلك!
(14) ما هي الشروط التي يجب توفرها في التأويل عند الأصوليين؟
(15) أصول البدع أربعة اذكرها!
(16) وقف أهل السنة والجماعة كالطود الشامخ في وجه أهل الأهواء والبدع اذكر كيف يتعامل أهل السنة والجماعة مع أهل الأهواء والبدع!
نماذج من الأسئلة على المبحث الثاني
التعريف بالتوحيد مع بيان فضله وأهميته وثمراته
(1) اذكر معنى التوحيد في اللغة والاصطلاح!
(2) استدل على تعظيم التوحيد من كتاب الله !
(3) النصوص من الكتاب كثيرة في فضل التوحيد اذكر اثنين منها!
(4) أكد سلف الأمة على التوحيد في آثار رويت عنهم كثيرة اذكر ثلاثة منها!
(5) للتوحيد فضائل عظيمة وعديدة اذكر خمساً منها!
(6) ذكر بعض أهل العلم المحققين كلاماً في أهمية التوحيد اذكر ما قاله ابن القيم –رحمه الله- وما قاله ابن سعدي في بيان أهمية التوحيد!
(7) تتلخص أهمية التوحيد في عدة نقاط اذكر خمساً منها!
(8) للتوحيد ثمرات كثيرة اذكر خمساً منها مع ذكر الدليل لاثنين منها!
(9) للتوحيد أسباب ينمو بها في القلب اذكر خمساً منها!
نماذج من الأسئلة على المبحث الثالث
كلمات في أنواع التوحيد
(1) كم أنواع التوحيد وما هي؟
(2) ما معنى توحيد الربوبية مع الاستدلال له؟
(3) ما معنى توحيد الألوهية مع الاستدلال له؟
(4) ما معنى توحيد الأسماء والصفات ؟
(5) ما هو التوحيد المطلوب اعتقاده؟
(6) ما هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل جميعاً مع الاستدلال على ذلك من القرآن؟
(7) غالب سور القرآن متضمنة لأنواع التوحيد بين ذلك؟
(8) هل يكفي الإقرار بتوحيد الربوبية في دخول الإسلام بين ذلك مع ذكر الدليل؟
(9) هناك بعض الطوائف التي أشركت في توحيد الربوبية اذكر ثلاثاً منها مع بيان وجه الإشراك في الربوبية عندهم؟
(10) ما هي أهمية توحيد الربوبية؟
(11) ما هي الأسس التي قام عليها توحيد الألوهية؟
(12) تعددت أساليب القرآن في الدعوة إلى توحيد الألوهية اذكر ثلاثاُ من هذه الأساليب!
(13) اذكر العلاقة بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية!
(14) هناك فروق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية اذكر خمساً من هذه الفروق!
(15) هناك أمور تعكر صفو توحيد الألوهية وتضاده فما هي هذه الأمور؟
(16) اذكر بعضاً من الفرق التي أشركت في توحيد الألوهية مع بيان نوع الإشراك عندهم فيه!
(17) ما معنى توحيد الأسماء والصفات مع بيان نشأته؟
(18) ما هي الأسس التي قام عليها توحيد الأسماء والصفات؟
(19) اذكر دليلين من أدلة إثبات توحيد الأسماء والصفات!
(20) كيف تحققين توحيد الأسماء والصفات؟
(21) للعلم بأسماء الله وصفاته أهمية عظيمة اذكر ثلاثاً من ذلك!
(22) ما معنى الإحصاء لأسماء الله وصفاته مع بيان عظم ثواب من أحصاها؟
(23) وضح منهج أهل السنة والجماعة في الصفات إجمالاً!
(24) اعتمد أهل السنة والجماعة على قاعدتين في إثبات الصفات اذكرهما!
(25) بين مذهب الجهمية في أسماء الله وصفاته!
(26) للجهمية أثر على من جاء بعدهم من الفرق وضح ذلك!
(27) أصول المعتزلة خمسة اذكرها!
(28) وضح خلاصة مذهب المعتزلة في صفات الله !
(29) من هم الأشاعرة؟
(30) هناك شبه اعتمد عليها نفاة الصفات اذكر اثنين منها مع بيان الرد عليهم!
(31) ما هي الأسباب التي أدت إلى الوقوع في الخلاف في أسماء الله وصفاته؟
(32) إذا قال المبتدع أنا لا أثبت الأسماء والصفات فكيف ترد عليه؟
(33) إذا قال المبتدع أنا لا أثبت شيئاً من الصفات فكيف ترد عليه؟
(34) الإيمان بالأسماء الحسنى له أركان ثلاثة اذكرها!
(35) هل أسماء الله محصورة في تسعة وتسعين اسماً؟ بين ذلك مع الاستدلال!
(36) هناك بعض المرتكزات ذكرها أهل السنة والجماعة عند كلامهم على توحيد الأسماء والصفات اذكرها بإيجاز!
(37) ما يوصف الله به أقسام اذكرها!
(38) ما نوع الدلالة في أسماء الله؟
(39) هناك أسماء حسنى ترجع إليها جميع الأسماء فما هي؟
(40) اذكر أقسام الصفات الثبوتية !
(41) هناك محذوران خطيران يلزم التخلي عنهما في صفات الله فما هما؟
(42) يقول بعص العلماء: «باب الصفات أوسع من باب الأسماء» اشرح هذه العبارة بما لا يزيد عن ثلاثة أسطر!
(43) هل للعقل مجال فيما يستحقه الله من الأسماء والصفات؟ وضح ذلك مع الدليل!
(44) من أسمائه تعالى : (العفو – الشهيد – القريب- الودود) بين معاني هذه الأسماء مع بيان كيفية الإيمان بكل منها!
(45) ما معنى الصفات الذاتية؟
(46) من صفات الرب سبحانه وتعالى الذاتية : (اليد – القدم – العلو- العين – الساق) ما هو مذهب أهل السنة في هذه الصفات المذكورة مع بيان الأدلة على ثبوتها واعتقاد المخالفين لأهل السنة فيها؟
(47) ما معنى الصفات الفعلية؟
(48) من صفاته سبحانه وتعالى الفعلية : (الاستواء – النـزول- الإتيان والمجيء- الكلام) اذكر الأدلة على ذلك مع بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه الصفات المذكورة وبيان عقيدة المخالفين لأهل السنة!
نماذج من الأسئلة على المبحث الرابع
نواقض التوحيد العملية
(1) ما هو حد الشرك؟ بين ما قاله ابن سعدي في حد الشرك!
(2) ينقسم الشرك إلى فسمين: أكبر وأصغر اذكر تعريف كل قسم!
(3) ما هو خطر الشرك الأكبر على صاحبه؟
(4) للشرك الأكبر أنواع اذكر أربعاً منها!
(5) من أنواع الشرك الأكبر شرك التوكل وشرك الخوف.
أ- بين معناهما!
ب -حكم التوكل والخوف!
ج -أقسامها!
(6) اذكر خطر الشرك الأصغر على فاعله!
(7) ما الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر؟
(8) هناك مسائل قولية وفعلية نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها تفضي إلى الشرك، اذكر خمساً منها!
(9) عرف الطيرة مع بيان حكمها!
(10) حرم الشرع الحكيم الطيرة لعدة أمور اذكرها!
(11) عرف الرقية مع بيان أقسامها!
(12) أجمع أهل العلم على أن الرقى جائزة إذا اجتمعت فيها ثلاثة شروط، فما هي هذه الشروط؟
(13) هل تنافي الرقية المشروعة التوكل على الله؟
(14) واقع الرقية في وقتنا الحاضر واقع أليم وضح ذلك مع بيان نصيحة تبديها لإخوانك المسلمين في جانب الرقية!
(15) عرف التمائم مع ذكر حكمها!
(16) اذكر الأدلة على تحريم التمائم من الكتاب والسنة!
(17) تعليق التمائم من أي أنواع الشرك؟
(18) عرف التبرك مع بيان أقسامه!
(19) اذكر أنواع التبرك المشروع!
(20) اذكر أنواع التبرك الممنوع!
(21) عرف التوسل مع بيان أقسامه!
(22) عرف التوسل المشروع مع ذكر ثلاثة من أنواعه!
(23) عرف التوسل الممنوع مع ذكر أنواعه!
(24) عرف السحر في اللغة والاصطلاح!
(25) هل للسحر حقيقة؟
(26) وضح حكم تعلم السحر!
(27) وضح حد الساحر مع بيان حكم توبته مع ذكر الدليل!
(28) ما هي سبل الوقاية من السحر؟
(29) علاج السحر يكون بأحد طريقين اذكرهما!
نماذج من الأسئلة على المبحث الخامس
شهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)
(1) ما المراد بشهادة التوحيد ؟
(2) ما معنى شهادة التوحيد الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة مع ذكر الدليل؟
(3) وضح حكم شهادة التوحيدّ
(4) كيف تحقق شهادة التوحيد؟
(5) شروط كلمة التوحيد سبعة اذكر خمسة منها مع ذكر الدليل!
(6) ما معنى شهادة أن محمداً رسول الله؟
(7) بين كيفية تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله!
(8) هناك أمور يحصل بها التأثر والتحقق لأداء شهادة أن محمداً رسول الله اذكر هذه الأمور على سبيل الإجمال!
(9) ما هو واجب الأمة نحو نبيها صلى الله عليه وسلم ؟
نماذج من الأسئلة على المبحث السادس
(العبادة)
(1) ما معنى العبادة؟
(2) ما هي أقسام العبادة؟
(3) ما المقصود بالعبادات القولية والعبادات القلبية؟
(4) يعد الإخلاص شرطاً في قبول العبادة، وضح ذلك مع بيان الأدلة على شرط الإخلاص في قبول العبادة!
(5) ما هي الأصول التي تقوم عليها العبادة؟
(6) ما هي أهمية العبادة مع ذكر الدليل؟
(7) للعبادة ركنان اذكرهما مع ذكر الدليل!
(8) للعبادة شرطان اذكرهما مع ذكر الدليل!
نماذج من الأسئلة على المبحث السابع
(البدعة)
(1) عرف البدعة؟
(2) من نعم الله علينا أنه أكمل لنا الدين فلا يزاد فيه ولا ينقص وضح ذلك مع بيان الأدلة التي تدل على كماله!
(3) جاءت آثار عن سلف الأمة في ذم البدع والتحذير منها اذكري ثلاثة من هذه الآثار!
(4) شبهات أهل البدع كثيرة اذكر منها ثلاثاً !
(5) الابتداع في الدين يؤدي إلى لوازم خطيرة اذكر ثلاثاً منها!
(6) مثل لبعض البدع الموجودة في بعض البلدان الإسلامية!
فهرس الموضوعات
الموضوع |
الصفحة |
المقدمة: |
|
المبحث الأول: التعريف بالعقيدة: | |
1-التعريف بالعقيدة: | |
2-وجوب معرفة العقيدة والدعوة إليها | |
3-مصادر العقيدة: | |
– القرآن الكريم | |
– ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم | |
4-من خصائص العقيدة: |
|
– الاعتماد على الكتاب والسنة. | |
– التسليم المطلق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم . | |
– موافقتها للفطرة | |
– اتصال سندها | |
– البقاء والثبات والاستقرار | |
5-أصول عقيدة أهل السنة والجماعة. | |
6-وسطية هذه الأمة | |
7-خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة. | |
8-الانحرافات في فهم الكتاب والسنة في باب العقيدة. | |
أولاً: الإلحاد | |
تعريفه، أقسامه، أنواعه | |
ثانياً: التعطيل: تعريفه، أنواعه | |
ثالثاً: التمثيل: تعريفه، أنواعه | |
رابعاً: التحريف | |
خامساً: التكييف: | |
سادساً: التأويل: | |
الأول: تأويل صحيح | |
الثاني: تأويل فاسد | |
الثالث: تأويل من قبيل اللعب | |
خطورة التأويل وآثاره المدمرة | |
1-أنه أصل خراب الدين والدنيا | |
2-التأويل فتح الباب لأهل الشرك والبدع لإفساد دين الله | |
3-إن من خطورة التأويل أنه يشوش القلوب | |
9-موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع | |
أصول البدع أربعة | |
جهود أهل السنة في محاربة أهل البدع | |
10-الفرق بين العقيدة والتوحيد | |
المبحث الثاني: التعريف بالتوحيد مع بيان فضله وأهميته وثمراته | |
1-تعريف التوحيد |
|
2-نصوص القرآن في تعظيم التوحيد | |
3-نصوص السنة في تعظيم التوحيد | |
4-آثار السلف في تعظيم التوحيد | |
5-فضائل التوحيد | |
6-أهمية التوحيد وكلام بعض المحققين من العلماء في ذلك | |
7-ثمرات التوحيد | |
8-أسباب نمو التوحيد في القلب | |
المبحث الثالث: كلمات في أنواع التوحيد | |
1-أنواع التوحيد |
|
2-التوحيد المطلوب اعتقاده | |
3-التوحيد الذي دعت إليه الرسل جميعاً | |
4-خلاصة الكلام على أنواع التوحيد. | |
النوع الأول: توحيد الربوبية | |
أولاً: تعريفه | |
ثانياً: هل يكفي الإقرار بتوحيد الربوبية في الدخول في الإسلام؟ | |
ثالثاً: الطوائف التي أشركت في توحيد الربوبية. | |
النوع الثاني: توحيد الألوهية | |
أولاً: تعريفه | |
ثانياً: أهمية توحيد الألوهية | |
ثالثاً: أسس توحيد الألوهية وقوامه | |
رابعاً: أدلة توحيد الألوهية | |
خامساً: أساليب القرآن في الدعوة إلى توحيد الألوهية | |
سادساً: العلاقة بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية | |
سابعاً: الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية | |
ثامناً: ما يضاد توحيد الألوهية | |
تاسعاً: الفرق التي أشركت في توحيد الألوهية. | |
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات | |
أولاً: تعريفه | |
ثانياً: نشأته | |
ثالثاً: الأسس التي قام عليها توحيد الأسماء والصفات. | |
رابعاً: أدلة إثبات توحيد الأسماء والصفات | |
خامساً: طريقة القرآن في عرض توحيد الأسماء والصفات | |
سادساً: كيفية تحقيق توحيد الأسماء والصفات؟ | |
سابعاً: أهمية العلم بأسماء الله وصفاته | |
ثامناً: عظم ثواب من أحصى أسماء الله وصفاته | |
تاسعاً: معنى الإحصاء لأسماء الله تعالى | |
2-الصفات الواجبة لله إجمالاً | |
1- مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات | |
2-مخالفو أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته | |
أ- الجهمية: |
|
أولاً: التعريف بهم | |
ثانياً: مذهب الجهمية في أسماء الله وصفاته | |
ثالثاً: أثر الجهمية على من جاء بعدهم | |
ب- المعتزلة: |
|
خلاصة مذهب المعتزلة في صفات الله | |
ج – الأشاعرة: |
|
3-الرد على المخالفين في باب الصفات | |
4- ذكر بعض الشبه التي اعتمد عليها نفاة الصفات والرد عليها | |
الرد على شبه نفاة الصفات | |
أولاً: ليس لنفاة الصفات دليل من الكتاب والسنة ولا من كلام سلف الأمة | |
ثانياً: إثبات الصفات ليس تشبيهاً | |
ثالثاً: الرد على زعمهم أن نفي الصفات تمجيد للرب سبحانه وتقديس له | |
رابعاً: الرد على دعواهم أن الله لا يدرك بالحواس. | |
5-أسباب الاختلاف في أسماء الله وصفاته | |
1-الإعراض عن كتاب الله والسنة وتحكيم العقل في مسائل الشرك |
|
2-رد المحكم واتباع المتشابه |
|
3-تأثير الفلسفات والعقائد الضالة الوافدة |
|
4-الأحاديث الضعيفة والموضوعة |
|
3-قواعد في الأسماء والصفات |
|
أولاً: أسماء الله تعالى توقيفية | |
ثانياً: أركان الإيمان بأسماء الله الحسنى | |
ثالثاً: أقسام ما يوصف به الله تعالى | |
رابعاً: دلالة الأسماء الحسنى: | |
دلالة المطابقة | |
دلالة التضمن | |
دلالة الالتزام | |
خامساً: حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى | |
أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى | |
سادساً: إحصاء الأسماء الحسنى أصل العلم | |
سابعاً: أسماء الله كلها حسنى | |
ثامناً: الأسماء الحسنى ترجع إلى سورة الفاتحة | |
تاسعاً: مراتب إحصاء أسماء الله تعالى | |
عاشراً: الأسماء الحسنى لا تحد بعدد | |
أحد عشر: صفات الله تعالى كلها صفات كمال | |
اثنا عشر: باب الصفات أوسع من باب الأسماء | |
ثلاثة عشر: صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: | |
أربعة عشر: الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال | |
خمسة عشر: أقسام الصفات الثبوتية | |
ستة عشر: يلز م في الصفات التخلي عن التمثيل والتكييف. | |
سبعة عشر: صفات الله توقيفية لا مجال للعقل فيها | |
4- دراسة لبعض الأسماء والصفات الثابتة لله جل وعلا |
|
أولاً: الأسماء | |
(1) الحميد | |
(2) الغني | |
(3) الحكيم | |
(4) الحليم | |
(5) العفو | |
(6) الصبور | |
(7) الرقيب | |
(8) الشهيد | |
(9) الحفيظ | |
(10) اللطيف | |
(11) الخبير | |
(12) الرفيق | |
(13) القريب | |
(14) المجيب | |
(15) الودود | |
ثانياً: الصفات الذاتية والفعلية | |
أولاً: الصفات الذاتية |
|
1-اليدان | |
2-صفة القدم | |
3-صفة الأصابع | |
4-صفة العلو | |
5-الساق | |
6-العين | |
7-الوجه | |
ثانياً: الصفات الفعلية: | |
1-الاستواء | |
2-صفة النزول | |
3-صفة الإتيان والمجيء | |
4-صفة الكلام | |
المبحث الرابع: ذكر نواقض الإسلام العملية: | |
ما يناقض التوحيد أولاً: الشرك |
|
تعريفه | |
أقسام الشرك | |
الأول: الشرك الأكبر | |
تعريفه | |
1-الشرك في ربوبية الله | |
2-الشرك في ألوهيته سبحانه | |
3-الشرك في الأسماء والصفات | |
ثانياً: خطر الشرك الأكبر على صاحبه | |
ثالثاً: أنواع الشرك الأكبر | |
1-شرك الدعاء | |
2-شرك النية والإرادة والقصد | |
3-شرك الطاعة | |
4-شرك المحبة | |
5-شرك التوكل | |
حكمه | |
أقسام التوكل | |
6-شرك الخوف | |
أقسام الخوف: | |
1-خوف التأله والعبادة | |
2-خوف السر | |
3-الخوف الطبيعي | |
4-الخوف الذي هو شرك أصغر | |
الثاني: الشرك الأصغر | |
1-حكمه | |
2-أنواعه | |
3-خطر الشرك الأصغر على فاعله | |
4-الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر | |
الوسائل القولية والفعلية التي نهى عنها صلى الله عليه وسلم لأنها تفضي إلى الشرك | |
ثانياً: الطيرة | |
حكم الطيرة | |
لماذا حرمت الطيرة؟ | |
ثالثاً: الرقى | |
تعريف الرقية | |
هل تنافي الرقية المشروعة التوكل على الله؟ | |
واقع الرقية في وقتنا الحاضر | |
رابعاً: التمائم | |
تعريف التمائم | |
حكمها | |
الأدلة على تحريم التمائم | |
الأدلة من الكتاب | |
الأدلة من السنة | |
تعليق التمائم من أي أنواع الشرك ؟ | |
خامساً: التبرك: | |
الأول: التبرك المشروع وهو أنواع | |
الثاني: التبرك الممنوع وهو أنواع | |
سادساً: التوسل: | |
تعريفه | |
القسم الأول : التوسل المشروع | |
القسم الثاني: التوسل الممنوع | |
سابعاً: السحر: | |
1-تعريف السحر | |
2-وقوع السحر | |
3-هل للسحر حقيقة؟ | |
4-حكم تعلم السحر | |
5-حد الساحر | |
6-توبة الساحر | |
7-سبل الوقاية من السحر | |
8-علاج السحر | |
المبحث الخامس شهادة التوحيد «لا إله إلا الله» «محمد رسول الله» | |
أولاً: التعريف بالشق الأول «لا إله إلا الله» |
|
1-المراد بشهادة التوحيد | |
2-معنى شهادة التوحيد | |
3-مخالفو أهل السنة في شهادة التوحيد | |
4-حكم شهادة التوحيد «لا إله إلا الله» | |
5-كيفية شهادة التوحيد «لا إله إلا الله» | |
6-شروط كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» | |
ثانياً: الشق الثاني من كلمة التوحيد: «شهادة أن محمداً رسول الله» | |
1-تمهيد | |
2-معنى شهادة أن محمداً رسول الله | |
3-كيفية تحقيق هذه الشهادة | |
4-أمور تتحقق بها هذه الشهادة والانتفاع بها: | |
الأمر الأول: أهلية النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الرسالة | |
الأمر الثاني: عصمته من الخطايا | |
الأمر الثالث: عموم رسالته | |
الأمر الرابع: تبليغه الرسالة | |
الأمر الخامس: خاتم النبوة | |
5-واجب الأمة نحوه صلى الله عليه وسلم | |
1-الإيمان به صلى الله عليه وسلم | |
2- طاعته صلى الله عليه وسلم والتحذير من مخالفته | |
3-اتباعه والاقتداء بسنته | |
4-محبته الصادقة بالقلب والقالب وتقديم هذه المحبة على ما سواها | |
5-احترامه وتوقيره وتعزيره صلى الله عليه وسلم | |
6-وجوب التحاكم إليه والرضا بحكمه ومنع الاعتراض عليه | |
7-الاقتصاد والتوسط في حقه وذلك لأنه: | |
المبحث السادس العبادة وما يتعلق بها | |
تمهيد | |
1-معنى العبودية | |
2-أقسام العبادة: | |
أولاً: العبادات القولية | |
ثانياً: العبادات القلبية | |
ثالثاً: العبادات البدنية | |
3-الإخلاص وأثره في قبول العبادة | |
4-الأصول التي تقوم عليها العبادة: | |
الأصل الأول: المحبة | |
علامة المحبة: | |
الأصل الثاني: الخوف | |
منشأ الخوف من الرب سبحانه وتعالى | |
الفرق بين المحبة والخوف | |
الأصل الثالث: الرجاء | |
5-أهمية العبادة | |
6-أركان العبادة | |
7-شروط العبادة: | |
المبحث السابع: البدعة: | |
تعريفها | |
تمام الدين وكماله | |
ذم البدع والتحذير منها | |
شبهات أهل البدع | |
لوازم الابتداع | |
أمثلة لبعض البدع: | |
أولاً: بدعة المولد النبوي | |
ثانياً: بدع القبور | |
ثالثاً: تخصيص شهر رجب ببعض العبادات | |
رابعاً: بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج | |
نماذج من الأسئلة على المبحث الأول التعريف بالعقيدة | |
نماذج من الأسئلة على المبحث الثاني التعريف بالتوحيد مع بيان فضله وأهميته وثمراته | |
نماذج من الأسئلة المبحث الثالث كلمات في أنواع الوحيد | |
نماذج من الأسئلة على المبحث الرابع نواقض التوحيد العملية | |
نماذج من الأسئلة على المبحث الخامس شهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) | |
نماذج من الأسئلة على المبحث السادس (العبادة) | |
نماذج من الأسئلة على المبحث السابع (البدعة) | |
فهرس الموضوعات |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) رواه البخاري (1/70) مسلم برقم (22).
([2]) رواه مسلم في كتاب الإيمان برقم (93) با من مات لا يشرم بالله شيئاً دخل الجنة.
([5]) إعلام الموقعين (4/317-319)
([7]) أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن سليمان التميمي (ص7)
([8]) مجموع فتاوى سماحة الشيخ رحمه الله (2/20)
([9]) انظر شرح قصيدة ابن القيم (2/260).
([10]) شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (1/43-44).
([11]) أخرجه أحمد في المسند (4/63) ، (5/371)
([13]) رواه الإمام أحمد (2/50-92)، وابن أبي شيبة في مصنفه (7/150) وصححه الألباني في الإرواء (5/109) وفي صحيح الجامع رقم (83)
([14]) أخرجه البخاري (6/474- الفتح)، ومسلم (1/310- النووي)
([15]) أخرجه البخاري (13/367-الفتح)، ومسلم (1/272- النووي)
([16]) أخرجه البخاري (12/347-الفتح)، مسلم (1/3190- النووي)
([17]) أخرجه البخاري (1/114- الفتح)
([18]) الإبانة لابن بطة (1/299).
([20]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/55).
([23]) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان – باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات مشركاً دخل النار برقم (93)
([24]) انظر بيان فضائل التوحيد في القول السديد لشرح كتاب التوحيد- لابن سعدي رحمه الله – باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب.
([26]) تفسير كلمة التوحيد (ضمن مجموعة التوحيد) ص 252
([28]) رواه أبو داود (3/486) برقم (3616)
([29]) شرح العقيدة الطحاوية (1/21-23)
([31]) أخرجه البخاري (3/262) برقم (1339)، ومسلم (1/71-52) برقم (20).
([33]) رواه أبو داود (3/486) برقم (3616)
([34]) رواه الترمذي (5/548) برقم (3540) وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3/76).
([35]) رواه البخاري (1/72) برقم (22)، ومسلم (1/172) برقم (174).
([36]) رواه البخاري (1/519) برقم (425)، ومسلم (1/455) برقم (456).
([37]) رواه البخاري (1/193) برقم (99)
([38]) الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية (مجموع مؤلفات ابن سعدي) (3/212-213)
([41]) المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ (3 العقيدة/61)
([42]) التسعينية – لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 208-209)
([44]) شرح الطحاوية (1/41-42).
([45]) مدارج السالكين (3/510) .
([46] ) رسالة كشف الشبهات لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب.
([47]) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم (7373) (12/347) ، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (50) (1/319).
([48]) المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ (3 العقيدة الإسلامية /268).
([50]) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للشيخ صالح الفوزان ص (23-24)
([51]) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد ص 119
([52]) شرح أصول عقيدة أهل السنة والجماعة للالكائي برقم (664).
([53]) رواه البخاري (5/354) برقم (2736)، ومسلم (2/2062) برقم (2677).
([54]) مفتاح دار السعادة (2/90)
([55]) رواه البخاري برقم (2736) ومسلم (2677)
([56]) انظر كلام ابن حجر في الفتح (11/226)
([58]) انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (3/17، 27)
([59]) انظر في ذلك الرسالة المدنية لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص21) مع الفتوى الحموية
([61]) الأسماء والصفات لعمر سليمان الأشقر (ص167)
([62]) تاريخ الجهمية والمعتزلة (ص9)
([63]) أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة –للالكائي (3/406) – ومختصر العلو للذهبي (ص 184)
([64]) فصلت ذلك في –القسم الثاني من هذه المباحث- في مبحث رؤية المؤمنين لربهم في الجنة
([65]) التفسير القيم لابن القيم (ص27).
([67]) بدائع الفوائد (1/190-192)
([68]) انظر التفسير القيم -لابن القيم- تفسير سورة الفاتحة
([69]) أخرجه أحمد (1/391) وصححه الألباني –السلسلة الصحيحة (1/336) برقم (199)
([70]) رواه البخاري (2736) ، ومسلم (2677)
([73]) سبق تخريجه في نفس الصفحة
([75]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (5/26)
([76]) الحجة في بيان المحجة للأصبهاني (2/383)
([77]) إبطال التأويلات لأخبار الصفات لأبي يعلى (1/195)
([78]) رواه البيهقي في الأسماء والصفات مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه (318)
([79]) مختصر الصواعق المرسلة للموصلي (27-28)
([80]) رواه البخاري (7384)، ومسلم (2848)
([81]) رواه البخاري (7449)، ومسلم (2846)
([82]) انظر:إبطال التأويلات للقاضي أبي يعلى (1/195)
([84]) الرد على بشر المريسي للدارمي (59)
([85]) رواه البخاري برقم (1145)، ومسلم (758) .
([90]) الأسماء والصفات للبيهقي (480)
([91]) التمهيد لابن عبد البر (22/81)
([92]) رواه البخاري برقم (7439)، ومسلم (183)
([93]) نقض أساس التقديس لشيخ الإسلام ابن تيمية ص (261)
([95]) أصول اعتقاد أهل السنة الجماعة (3/412)
([96]) رواه البخاري برقم (2272)، ومسلم (2743)
([97]) كتاب التوحيد لابن خزيمة (1/25)
([98]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للآلكائي (3/441)
([99]) فتاوى شيخ الإسلام (6/398).
([100]) رواه الخلال في كتاب السنة بإسناد صحيح على شرط البخاري وقال الذهبي رواته ثقات (العلو للذهبي صـ 52).
([101]) طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/29)
([102]) التمهيد لابن عبد البر (7/143)
([103]) رواه البخاري برقم (1145)، ومسلم برقم (758)
([104]) جامع البيان لابن جرير (2/329)
([105]) رسالة إلى أهل الثغر للأشعري (227).
([106]) رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675)
([107]) رواه البخاري برقم (7439)، ومسلم (183)
([108]) المسائل المروية عن الإمام أحمد (1/288)
([109]) رواه البخاري برقم (6614)، ومسلم برقم (2652)
([110]) رواه البخاري برقم (7483)
([111]) القول السديد في مقاصد التوحيد لابن سعدي ص (31)
([112]) تفسير القرآن العظيم – لابن كثير (2/439)
([113]) الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للشيخ صالح الفوزان ص (69)
([114]) أخرجه أبو داود برقم (3910) الحاكم في المستدرك –كتاب الإيمان برقم (43)، وابن حبان في صحيحه برقم (6122) .
([115]) أخرجه أحمد برقم (2/7045)
([116]) أخرجه البخاري برقم (5380) (5421) (5438) ومسلم برقم (2220)
([117]) مفتاح دار السعادة –لابن القيم- (3/280)
([118]) أخرجه أبو داود (3883)، وأحمد (1/381) والحديث صحيح
([120]) رواه الحاكم في المستدرك (1/8) والبيهقي (8/135)
([121]) رواه أحمد (4/445)، والحاكم (4/216) وصححه ووافقه الذهبي والحديث مختلف في صحته.
([122]) أخرجه البخاري برقم (3005)، ومسلم (2115).
([123]) أخرجه أبو داود برقم (3883)، وأحمد (1/381)
([124]) أخرجه أحمد (4/154) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/325)
([125]) مجموع فتاوى الشيخ رحمه الله (2/384)
([129]) رواه البخاري (1190) – مسلم (1394)
([130]) رواه أحمد 14735 والطبراني في الأوسط.
([131]) رواه أحمد (2/497) وصححه الحاكم وقال صحيح الإسناد (2/398) ووافقه الذهبي .
([132]) رواه ابن ماجة برقم (3322) – وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (2/233)
([133]) رواه البخاري برقم (5684)
([135]) اقتضاء الصراط المستقيم (2/249)
([136]) رواه أحمد في المسند (1/391) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (199)
([137]) رواه البخاري برقم (5766)- مسلم (4/1719)
([139]) رواه البخاري (الفتح 10/224)
([142]) رواه الترمذي في الحدود (4/20) برقم (1460) .
([143]) رواه أبو داود (3/228) وهو صحيح
([145]) صحيح البخاري برقم (5768) – مسلم برقم (2047)
([146]) رواه البخاري برقم (1395) – مسلم (19)
([147]) رواه البخاري برقم 6937.
([149]) تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ص(77-78)
([150]) رواه الترمذي برقم (3380) وقال حديث حسن
([151]) السلسلة الصحيحة برقم (1503) (4/827)
([152]) السلسلة الصحيحة (1/131) – المشكاة برقم (37).
([153]) رواه البخاري برقم (99)
([154]) الصحيحة للألباني (3/299)
([155]) معارج القبول (1/377-378)
([156]) مصنف ابن أبي شيبة –كتاب الزهد- برقم (16185)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني برقم (998) (1728).
([157]) رواه البخاري برقم (16) في الإيمان –باب حلاوة الإيمان – ومسلم في الإيمان (43) – باب خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان.
([159]) أركان الإسلام –الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله ص 35
([160]) الشفا – للقاضي عياض (1/100)
([161]) صحيح البخاري برقم (235) ومسلم (5/3)
([163]) رواه أحمد في مسنده (5/262).
([164]) شرح صحيح مسلم – شرح النووي (12/232)
([165]) رواه البخاري برقم (7127)
([166]) البخاري برقم (15) ومسلم (2/15)
([167]) متفق عليه- البخاري برقم (401) ومسلم (5/91)
([169]) رواه الترمذي برقم (3374) وابن ماجة برقم (3790)
([173]) رواه البخاري في الإيمان (15) ومسلم في الإيمان (14)
([175]) معارج القبول (1/397-398)
([178]) التفسير القيم لابن القيم ص (73)
([179]) لسان العرب – لابن منظور (8/7)
([180]) جامع العلوم والحكم (265)
([181]) الاعتصام للشاطبي (1/50)
([185]) الإبانة الكبرى لابن بطة (1/336).
([186]) الاعتصام للشاطبي (1/64)
([187]) طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/241)
([188]) رواه أبو داود برقم (4707)، والترمذي (2676) وقال حسن صحيح.
([189]) البخاري (2697)، ومسلم (1718)