60 – حدود سلطة ولي الأمر فيما يأمر به وينهى عنه في قضايا النكاح وفرقه
فيما يأمر به وينهى عنه في قضايا النكاح وفرقه pdf
حدود سلطة ولي الأمر
فيما يأمر به وينهى عنه
في قضايا النكاح وفرقه
تأليف
أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:1).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيماً} (الأحزاب:70،71)، أما بعد:
فإن الله تعالى أكمل لنا الدين برسالة خير الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فأعلى ببعثته دينه القويم، وهدى به من شاء من عباده إلى صراطه المستقيم، وأسس شرعه المطهر على العدل والإحسان، وإرساء معالم الحق،وشيده بالتقوى، وجمله بمحاسن الأخلاق والمكارم، وجلب به المصالح ودرء به المفاسد، وأيده بالأدلة الباهرة الموضحة للحق وأسبابه، التي ترشد المتمسكين به إلى إيصال الحق لأربابه، وحماه بحدود وقواعد تدل على سنن الحق وصوابه، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً}(المائدة:3).
إن الإسلام دين الكمال الظاهر والباطن، وبه يقوم الحق على الناس كافة، فبه يعلو الناس إلى نعمة الأمن والأمان، والسلامة في الأنفس والأبدان، وبه يسلكون درب الفضائل والريادة، والسعادة والزيادة، قال تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(لقمان:83).
لذلك فإن الإسلام يمتاز بالتشريع السياسي الذي يختلف اختلافاً كلياً عن التشريعات الوضعية بمميزات كثيرة ومتنوعة، فالإسلام وضع القواعد العامة التي يقوم عليها الحكم بين الراعي والرعية كالعدل، والشورى، والبيعة، والطاعة، والنصح، وهذا من أوجب واجبات الدين وعلى ذلك فلا يقوم لمن يتولى أمر المسلمين مقام إلا بشروط وصفات معينة تابعة للتوجيهات الشرعية التي نبه عليها ديننا الحنيف، والسلطان أو ولي الأمر لا يتم اختياره إلا عن طريق البيعة الشرعية التي يقوم بها أهل الحل والعقد من العلماء العاملين، وبذلك يقوم من يتولى أمر المسلمين بمهمة عظيمة بعد اختياره لأنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا البحث سأوضح أهمية وجود ولي أمر للمسلمين الذي يقوم على تثبيت دعائم الدين، ونشر العدل بين المسلمين، وأذكر فيه بعض المهمات المتعلقة بمسئولياته وخاصة في قضايا النكاح والطلاق وما يتعلق بهما.
أسأل الله الكريم ذا العطاء الجزيل والفضل العميم أن يمن علينا بالعون والتوفيق، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، وأن يبصرنا بما فيه خير لنا في العاجل والآجل إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.
وكتب أبو محمد
عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
1/ 7/ 1428هـ
خطة البحث
اشتمل البحث على عدة مباحث ومطالب، ويتفرع عنها بعض المسائل والفروع التي تتعلق بها:
المبحث الأول: سلطة ولي الأمر وحدودها، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: عظمة الشريعة الإسلامية ورعايتها لمصالح العباد، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: ولاية المسلمين من واجبات الدين.
المسألة الثانية: سرعة انتخاب ولي الأمر.
المسألة الثالثة: اختيار ولي الأمر الأصلح للأمة.
المطلب الثاني: سلطة ولي الأمر، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: شروطه، مسؤوليته، واجباته.
المسألة الثانية: طاعته، وحقوقه على الأمة.
المسألة الثالثة: مجال سلطة ولي الأمر وضوابطه بحسب الأحكام الشرعية.
المبحث الثاني: مشروعية تصرف ولي الأمر من خلال القواعد الشرعية فيما يأمر به وينهى عنه في مسائل النكاح وفرقه، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: سلطة ولي الأمر تنفيذية لا تشريعية.
المطلب الثاني: سلطته في الأمور الاجتهادية.
المبحث الثالث: حدود سلطة ولي الأمر في قضايا النكاح، وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: زواج المسلم بالكتابية.
المطلب الثاني: زواج غير المسلم بالمسلمة.
المطلب الثالث: الولي في عقد النكاح.
المطلب الرابع:. تعدد الزوجات واشتراط إذن القاضي بالتعدد.
المطلب الخامس: الزواج المؤقت (زواج المتعة).
المبحث الرابع: اجتهادات ولي الأمر في قضايا النكاح، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: تحديد سن الزواج.
المطلب الثاني: اشتراط تقرير طبي لصحة عقد النكاح أو تسجيله.
المطلب الثالث: تسجيل عقد النكاح في المحكمة.
المطلب الرابع: تحديد مهور الزواج.
المبحث الخامس: حدود سلطة ولي الأمر في قضايا الطلاق، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: سلطة ولي الأمر في الطلاق والرجعة منه.
المطلب الثاني: سلطة ولي الأمر في الخلع.
الخاتمة: النتائج والتوصيات.
المراجع والمصادر.
المبحث الأول:
سلطة ولي الأمر وحدودها،
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: عظمة الشريعة الإسلامية
ورعايتها لمصالح العباد، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: ولاية المسلمين من واجبات الدين.
المسألة الثانية: سرعة انتخاب ولي الأمر.
المسألة الثالثة: اختيار ولي الأمر الأصلح للأمة.
المطلب الثاني: سلطة ولي الأمر، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: شروطه، مسؤوليته، واجباته.
المسألة الثانية: طاعته، وحقوقه على الأمة.
المسألة الثالثة: مجال سلطة ولي الأمر وضوابطها
بحسب الأحكام الشرعية.
المطلب الأول: عظمة الشريعة الإسلامية
ورعايتها لمصالح العباد
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: ولاية المسلمين من واجبات الدين:
تعريف الولي لغة:
يطلق على الصديق والنصير والمحب، وهو يستعمل في معنى الفاعل، وفي معنى المفعول.
والوِلاية بالكسر: السلطان، والوَلاية بالفتح: النصرة، ويقال: تولى العمل، أي تقلده([1]).
وفي الاصطلاح: الولاية هي الكلمة العامة التي أطلقها المسلمون على سلطة الحكم، وتشمل أجزاء كثيرة ومراتب عديدة، تتم بها إدارة الدولة وسياسة الحكم، ورعاية الأمة ومصالحها، من الإمامة العظمى أو الخلافة أو رئاسة الدولة حتى أصغر الولايات أو الوظائف، كما نسميها في هذا العصر([2]).
ويطلق ولي الأمر على الولاة الذين يتولون أمور الرعية، وهم الأمراء وأصحاب السلطة، كما يطلق على العلماء أيضاً.
وسيأتي تفصيل القول في ذلك في محله إن شاء الله.
تعريف الإمامة:
الإمامة: مصدر أمَّ القوم وأم بهم. إذا تقدمهم وصار لهم إماماً([3]).
والإمام ـ وجمعه أئمة ـ: كل من ائتم به قوم سواء أكانوا على صراط مستقيم كما في قوله تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}([4])، أم كانوا ضالين كقوله تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ}([5]). ثم توسعوا في استعماله، حتى شمل كل من صار قدوة في فن من فنون العلم.
فالإمام أبو حنيفة قدوة في الفقه، والإمام البخاري قدوة في الحديث…. … إلخ، غير أنه إذا أطلق لا ينصرف إلا إلى صاحب الإمامة العظمى، ولا يطلق على الباقي إلا بالإضافة، لذلك عرّف الرازي الإمام بأنه كل شخص يقتدى به في الدين([6]).
والإمامة الكبرى في الاصطلاح: رئاسة عامة في الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسميت كبرى تمييزاً لها عن الإمامة الصغرى، وهي إمامة الصلاة([7]).
الألفاظ ذات الصلة:
(أ) الخلافة لغة: مصدر خلف يخلف خلافة، أي: بقي بعده أو قام مقامه، وكل من يخلف شخصاً آخر يسمى خليفة، لذلك سمي من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم في إجراء الأحكام الشرعية ورئاسة المسلمين في أمور الدين والدنيا خليفة، ويسمى المنصب خلافة وإمامة ([8]).
أما في الاصطلاح الشرعي: فهي ترادف الإمامة، وقد عرفها ابن خلدون بقوله: هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي، في مصالحهم الأخروية، والدنيوية الراجعة إليها، ثم فسّر هذا التعريف بقوله فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين والدنيا([9]).
ما يجوز تسمية الإمام به:
اتفق الفقهاء على جواز تسمية الإمام: خليفة، وإماماً، وأمير المؤمنين.
فأما تسميته إماماً فتشبيها بإمام الصلاة في وجوب الإتباع والاقتداء به فيما يوافق الشرع، ولهذا سمي منصبه بالإمامة الكبرى.
وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا في الأمة، فيقال خليفة بإطلاق، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومعلوم عند المسلمين أن من أعظم واجبات الدين هو ولاية أمر الناس والقيام على شؤونهم، فلا قيام للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، فلابد من وجود من يقوم على الناس حتى يقيم العدل بينهم، ويأخذ للمظلوم من الظالم، ويؤدي الحقوق إلى أهلها، وينشر الأمن والأمان في ربوع الأرض بسلطانه وولايته.
ومن الأدلة على وجوب الإمامة قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}([10])، أورد الطبري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أولي الأمر هم الأمراء([11])، ثم قال الطبري: أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: هم الأمراء والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة([12]). وقال ابن كثير: الظاهر والله أعلم أن الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء ([13]).
ووجه الاستدلال من هذه الآية: أن الله سبحانه أوجب على المسلمين طاعة أولي الأمر منهم وهم الأئمة، والأمر بالطاعة دليل على وجوب نصب ولي الأمر، لأن الله تعالى لا يأمر بطاعة من لا وجود له، ولا يفرض طاعة من وجوده مندوب، فالأمر بطاعته يقتضي الأمر بإيجاده فدل على أن إيجاد إمام للمسلمين واجب عليهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَرَجَ ثَلاَثَةٌ فِى سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) ([14])، فهذا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في السفر الذي هو عارض طارئ حرصاً على الاجتماع وتوحيد الصف، وبعداً عن الشقاق وتفرق الكلمة، فكيف في حال إقامة الناس ومعاشهم، وحاجتهم إلى ذلك فالأمر أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، ذلك أن وجود من يتولى أمر الناس فيه خير للجميع، فبه ينتشر الأمن والأمان، والعدل والإحسان، وبه تقوم حجة الله على خلقه، ويحكم بينهم بشرعه.
قال الشهرستاني: ولما قربت وفاة أبي بكر فقال: تشاوروا في هذا الأمر، ثم وصف عمر بصفاته وعهد إليه واستقر الأمر عليه، وما دار في قلبه ولا في قلب أحد أنه يجوز خلو الأرض من إمام، ولما قربت وفاة عمر جعل الأمر شورى بين ستة، وكان الاتفاق على عثمان رضي الله عنه، وبعد ذلك الاتفاق على علي رضي الله عنه، فدل ذلك كله على أن الصحابة رضوان الله عليهم وهم الصدر الأول كانوا عن بكرة أبيهم متفقين على أنه لابد من إمام، ثم يقول: فذلك الإجماع على هذا الوجه دليل قاطع على وجوب الإمامة([15]).
ويقول الهيتمي: اعلم أيضاً أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب، بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ([16]).
قال الماوردي: وهذا الوجوب وجوب كفاية كالجهاد ونحوه، فإذا قام بها من هو أهل لها سقط الحرج عن الكافة، وإن لم يقم بها أحد أثم من الأمة فريقان:
أ ـ أهل الاختيار وهم: أهل الحل والعقد من العلماء ووجوه الناس، حتى يختاروا إماماً للأمة.
ب ـ أهل الإمامة وهم: من تتوفر فيهم شروط الإمامة، إلى أن ينصب أحدهم إماماً ([17]).
ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه الله من الجهاد والعدل،وإقامة الجمع والجماعات، والحج والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، فكل هذه الأمور لا تتم إلا بالقوة والإمارة، لذلك أوجبها الله تعالى في كتابه، وقد نوه بها سبحانه في كتابه تنبيها على أهميتها وضرورتها للناس، قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}([18])، فهذا نبيه داود يأمره بالعدل بعد أن جعله حاكماً عليهم، فبدون الخليفة الذي يقوم على حقوق الناس وأمورهم لا يكون للعدل مكان، بل يعم الظلم جميع النواحي والأركان، ولنا في كثير من البلدان حالياً ما يوضح ذلك توضيحاً جلياً لمن كان له أدنى بصيرة، ورجاحة عقل وفكر.
ولقد روي أن السلطان ظلُّ الله في أرضه، وقيل: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، وما نعيشه الآن يبين هذا الكلام، ولهذا كان سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ يحرصون كل الحرص على وجود الحاكم القائم بأمور المسلمين، وهذا ما تبين لنا في مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم .
وهكذا ينبغي أن يعلم أن من أوجب واجبات الدين وجود من يقوم على الناس ليرعى مصالحهم، وينشر القسط والعدل في صفوفهم، قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله يَرضى لَكُم ثَلاثاً ويَسخَطُ لَكم ثَلاثاً، يَرضَى لَكم أَن تَعبُدوه ولا تُشرِكُوا بِه شيئاً،وأَن تَعتَصمُوا بِحبل الله جميعاً وأَن تُناصِحُوا مَن ولاهُ الله أَمرَكُم..)([19])، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ )([20]).
قال الإمام البربهاري رحمه الله: إذ رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله تعالى. يقول الفضيل بن عياض: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا؛ لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين. ا.هـ([21]). فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرب بها إلى الله تعالى، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات.
المسألة الثانية: سرعة انتخاب ولي الأمر:
قد ذكرنا سابقاً أهمية وجوب تولي فردٍ من الأفراد ولاية المسلمين، والقيام على شؤونهم، وهذا من أوجب الواجبات في دين الإسلام لأن به قيام الدين، ونصرته، وعزته، وانتشاره، وحفظاً للأنفس والأعراض والأموال، وتعميماً للعدل والرحمة بين الرعية جميعاً.
ومن أجل ذلك وجب على المسلمين إذا خلت الساحة من وجود من يقوم على أمر المسلمين أن يبادروا إلى سرعة اختيار من يقوم بهذه المهمة العظيمة الجليلة التي هي في ميزان الشرع الحنيف عمود من أعمدة الدين.
قال ابن خلدون: إن نصب الإمام واجب، قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه، وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك، واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام([22]).
حيث أن المسلمين عند موت نبيهم بدأ الشيطان يوقع في قلوبهم الشك والحيرة في أمر دينهم، وأنه بموت النبي صلى الله عليه وسلم فلن يكون للإسلام قائمة، فشاء الله تعالى أن يحدث اجتماع للأنصار في سقيفة بني ساعدة لينظروا فيمن يتولى الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما إن علم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك إلا وأسرع إلى أبي بكر رضي الله عنه يخبره بذلك، فذهبا إلى سقيفة بني ساعدة فوجدوا القوم يتكلمون فيمن يتولى الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم قال كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا يريد بذلك أَن يكون آخرهم فإن يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات فإن الله تعالى قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم وإن أَبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين فإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر. قال الزهري عن أَنس بن مالك سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة([23]).
قال ابن كثير رحمه الله: ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموِّني. الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ([24]).
وبهذا تم التعجيل بتولي أبي بكر الصديق أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم خلافة الأمة،وبذلك سكنت الفتنة التي كانت ستشتعل لولا فضل الله تعالى ثم حنكة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولعلم الصحابة رضي الله عنهم أن وجود من يقوم على شؤون المسلمين وتوحيد صفهم فيه الخير للإسلام وللمسلمين.
قال ابن كثير رحمه الله: لقد وقع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الردة في أحياء كثيرة من العرب، وما كان من أمر مسيلمة بن حبيب المتنبئ باليمامة، والأسود العنسي باليمن، وما كان من أمر الناس، حتى فاءوا ورجعوا إلى الله تائبين نازعين عما كانوا عليه في حال ردتهم من السفاهة والجهل العظيم الذي استفزهم الشيطان به، حتى نصرهم الله وثبتهم وردهم إلى دينه الحق على يدي الخليفة الصديق أبى بكر رضي الله عنه وأرضاه ([25]).
وهكذا تتابعت الخلافة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم من التابعين وغيرهم من المسلمين حينما تكون الساحة فارغة من وجود الخليفة القائم على شؤون المسلمين درءاً للفتن، وإغلاقاً لأبواب الشر التي تأتي ممن في قلوبهم مرض الشبهات والشهوات، ليقوموا بنصرة الدين وأهله، ونشر الدعوة إلى الله، وإقامة العدل بين الناس كافة.
المسألة الثالثة: اختيار ولي الأمر الأصلح للأمة:
إن اختيار ولي أمر المسلمين ليست مهمة سهلة، حيث أن اختيار شخص يقوم مقام الخلافة يحتاج إلى تدقيق قوي، وإعادة نظر فيمن يستحق هذه المكانة العظيمة، ولقد مر بنا كيف وقع الاختيار على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يرغب في هذه الخلافة لولا حرص المسلمين على جمع الشمل، ودرء الفتن التي بدأت تدب بين أفراد أمة الإسلام.
لذلك فاختيار ولي أمر المسلمين لا يتم إلا بعد مشورة أهل الحل والعقد، وهم فئة من الناس على درجة من الدين والخلق والعلم بأحوال الناس وتدبيرهم الأمور، ويسمون أهل الاختيار، وأهل الشورى، وأهل الرأي والتدبير، كما حددهم بعض العلماء بأنهم العلماء والرؤساء ووجهاء الناس الذين يتيسر اجتماعهم ([26]) .
وهذه الفئة يوكل إليها النظر في مصالح الأمة الدينية والدنيوية ومنها اختيار الإمام للمسلمين، فهي المسؤولة عن تصفح أحوال الذين يمكن صلاحيتهم لتولي هذا المنصب المهم والاجتهاد في ذلك، فمن رأوه صالحاً لتولي هذا المنصب بايعوه على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولزوم طاعته فيما ليس فيه معصية،وهذه الفئة تقوم باختيار الإمام نيابة عن الأمة جميعاً فهم بمباشرتهم هذا الاختيار لا يمثلون أنفسهم فقط، بل يمثلون الأمة جميعاً، ولهذا فإنه عند مبايعة أهل الحل والعقد الإمام تجب مبايعته والانقياد له على سائر أفراد الأمة([27]).
وهذا الأمر لم يتم غالباً إلا في العصور المفضلة من الصحابة والتابعين لهم، وقد ذكرنا كيف قام أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بتعيين الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي تم اختياره بعد المشورة بين المهاجرين والأنصار لعلمهم بفضله وسبقه في الصحبة والهجرة وبذل ماله من أجل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وتم أيضاً استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد المشورة بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وهذا إنما تم عن قناعة باستحقاق هؤلاء الأشخاص للخلافة العظمى، وهكذا تتابعت الخلافة بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حصلت الفتنة العظمى بعد وفاة عثمان رضي الله عنه.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: وقد طبق هذه القاعدة عمر بن الخطاب؛ ففي الخلافة خاف من معرة التبعة بعد موته فلم يعين شخصاً معيناً، إلا أنه قال: لو كان أبو عبيدة حياً لجعلت الأمر إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح)([28])، ولكنه كان قد توفي، ولم يكن موجوداً، واستند عمر في قوله (أمين هذه الأمة) وهذه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمينها، فلم يعين شخصاً، ولم يجعل لأحد من أقاربه فيها شيئاً حتى عبد الله بن عمر مع دينه وأمانته لم يجعل له شيئاً من ذلك إنما أرضاه بأن يجعله مراقباً فقط، وهذا هو مقتضى الأمانة لأن الإنسان سيطالب في ولايته ورعايته حياً وميتاً ([29]).
قال ابن تيمية رحمه الله: فيجب على من ولي شيئاً من أمر المسلمين من هؤلاء وغيرهم أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه، ولا يقدم الرجل لكونه طلب الولاية أو سبق في الطلب، بل يكون ذلك سبب المنع، جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن قوماً دخلوا عليه فسألوه ولاية! فقال: إِنَّا وَاللَّهِ لاَ نُوَلِّى هَذَا الْعَمَلَ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلاَ أَحَدًا عَلَيْهِ )([30])، وقال لعبد الرحمن بن سمرة:(يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) ([31]). وهذا الكلام فيمن يقوم بتوليته ولي أمر المسلمين، فكيف باختيار ولي أمر المسلمين نفسه الذي يحتاج إلى أكثر من هذا من حيث اختيار الأصلح والأفضل.
يقول ابن تيمية رحمه الله: فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذيِ متى فاتهم خسروا خسرانا مبيناً، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا؛ وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم ([32]).
قال شيخنا ابن عثيمين تعليقاً على كلام ابن تيمية رحمه الله: فلسنا منهيين عن إصلاح الدنيا، فالإسلام ليس رهبانية، الإسلام دين حق، دين عدل، يعطي النفوس ما تستحق ويعطي الخالق ما يستحق؛ فنحن مأمورون بإصلاح الدين.
والثاني: إصلاح ما لا يقوم الدين إلا به، والوسائل لها أحكام المقاصد، أما من يهدف في ولايته إلى إصلاح الدنيا فقط، وإلى الترف واللهو، وما أشبه ذلك فإن ولايته ناقصة، فالولاية الحقة هي التي يريد الوالي فيها أن يستقيم الناس على دين الله([33]).
المطلب الثاني: سلطة ولي الأمر
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: شروطه، ومسؤوليته، وواجباته:
أولاً: شروطه:
يشترط الفقهاء للإمام شروطاً، منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه:
فالمتفق عليه من شروط الإمامة:
(أ) الإسلام: لأنه شرط في جواز الشهادة. وصحة الولاية على ما هو دون الإمامة في الأهمية، قال تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}([34])، والإمامة كما قال ابن حزم: أعظم (السبيل)، وليراعى مصلحة المسلمين.
(ب) التكليف: ويشمل العقل، والبلوغ، فلا تصح إمامة صبي أو مجنون، لأنهما في ولاية غيرهما، فلا يليان أمر المسلمين، وجاء في الأثر: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ) ([35]).
(ج) الذكورة: فلا تصح إمارة النساء، لخبر:(لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً)([36])، ولأن هذا المنصب تناط به أعمال خطيرة وأعباء جسيمة تتنافى مع طبيعة المرأة، وفوق طاقتها. فيتولى الإمام قيادة الجيوش ويشترك في القتال بنفسه أحياناً.
(د) الكفاية ولو بغيره: والكفاية هي الجرأة والشجاعة والنجدة، بحيث يكون قائماً بأمر الحرب والسياسة وإقامة الحدود والذب عن الأمة.
(هـ) الحرية: فلا يصح عقد الإمامة لمن فيه رق لأنه مشغول في خدمة سيده.
(و) سلامة الحواس والأعضاء: مما يمنع استيفاء الحركة للنهوض بمهام الإمامة. وهذا القدر من الشروط متفق عليه([37]).
ثانياً: مسؤوليته، وواجباته:
مسؤولية الإمامة عظيمة جداً، وتحتاج إلى من يقوم بها حق القيام، ولا يقوم بها إلا أولوا العزم من الرجال، ولذلك كانت من أعظم القربات عند الله لمن احتسب القيام بها، وقصد التقرب إليه تعالى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ؛ الإِمَامُ الْعَادِلُ..) ([38]). ومما يدل على ثقل هذه المهمة العظيمة ما روي عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في الإمارة:(إِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا) ([39]).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَمِيرُ رَاعٍ عَلَى النَّاسِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَامْرَأَةُ الرَّجُلِ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ بَعْلِهَا وَرَعِيَّتِهَا وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ أَلاَ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)([40]).
وأما واجبات الإمام فهي كما يلي:
(أ) حفظ الدين على أصوله الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وإقامة شعائر الدين.
(ب) رعاية مصالح المسلمين بأنواعها.
كما أنهم ـ في معرض الاستدلال لفرضية نصب الإمام بالحاجة إليه ـ يذكرون أموراً لابد للأمة ممن يقوم بها وهي:
تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وسد الثغور، وتجهيز الجيوش، وأخذ الصدقات وقبول الشهادات، وتزويج الصغار الذين لا أولياء لهم، وقسمة الغنائم([41]).
وعدّها أصحاب كتب الأحكام السلطانية عشرة.
ولا تخرج في عمومها عما ذكره الفقهاء فيما مرّ، على أن ذلك يزيد وينقص بحسب تجدد الحاجات الزمنية، وما تقضي المصالح بأن لا يتولاه الأفراد والهيئات، بل يتولاه الإمام.
المسألة الثانية: طاعته، وحقوقه على الأمة:
اتفق أهل السنة والجماعة على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين بالمعروف، ثم إن طاعتهم في غير معصية الله عز وجل، وإن طاعتهم بالمعروف ديانة لله عز وجل، نبتغي بها الأجر والثواب من الله تعالى، وتكون طاعتهم في المنشط والمكره، والعسر واليسر وفي الأثرة علينا، وإن السمع والطاعة لولاة الأمر بالمعروف من السمع والطاعة لله عز وجل، وإن معصيتهم معصية لله عز وجل، وإن السمع والطاعة كما تكون في السر تكون في العلن.
وإن من موجبات السمع والطاعة الاجتماع على ولاة الأمر، ووحدة الصف، وإعانتهم على الخير، وجمع الكلمة، وعدم التنازع والاختلاف عليهم، ويشرع لهم الدعاء بالصلاح والتوفيق، ونصرتهم للدين، ولا يجوز الدعاء عليهم، أو سبهم، أو غشهم، أو بغضهم ونحوه.
ويجب الصبر عليهم، وعدم جواز الخروج عليهم، وإن بلغوا في الظلم مبلغاً عظيماً، ما لم يظهر منهم كفر بواح عندنا من الله فيه برهان يقيني([42]).
أما طاعتهم في معصية الله عز وجل فلا تجوز طاعتهم في تلك المعصية بذاتها، ولكن لا يعني ذلك الخروج عليهم وشق عصا الطاعة، أو مقاتلتهم، أو منابذتهم، أو إثارة الناس عليهم، أو التشهير بهم، أو الدعاء عليهم، والدليل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ([43]).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ) ([44]).
ومن السمع والطاعة لولاة الأمر النصيحة بأن تكون سراً بين الناصح وبينهم، وبعلم وحكمة ورفق ولين وموعظة حسنة، وأن يكون الدافع الحرص على نفعهم ونفع المسلمين بهم. قال ابن حجر رحمه الله: والنصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حُمِّلوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم ([45]).
الأدلة من الكتاب على وجوب طاعة ولاة الأمر بالمعروف:
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}([46]).
الأدلة من السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي)([47]).
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ) ([48]).
وعن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه أن النبيصلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ) ([49]).
وعن ابن عباس يرويه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ) ([50]).
وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أَلا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ) ([51]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(سَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ)([52]).
أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم:
الثابت عن الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم هو طاعة أولياء أمورهم في المعروف، وعدم الخروج عليهم، وتوجيه النصح لهم، وإرشادهم لما فيه خير للإسلام والمسلمين.
ومن أقوالهم العظيمة المنقولة عنهم:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ([53]).
وعن أنس رضي الله عنه نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب([54]).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حق على الإمام أن يحكم بالعدل، ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يطيعوه، لأن الله أمرنا بأداء الأمانة والعدل ثم أمر بطاعته ([55]). وقال أيضاً: لا يصلح الناس إلا أمير، بر أو فاجر، قالوا هذا البر، فكيف بالفاجر؟ قال: إن الفاجر يؤمِّن الله به السبل، ويجاهد به العدو، ويجبي به الفيء، ويقام به الحدود، ويحج به البيت، ويعبد الله فيه المسلم آمنا حتى يأتيه أجله ([56]).
عن جنادة قال: قال لي عبادة بن الصامت: عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك أو أثرة عليك، ولا تنازع الأمر أهله، إلا أن يأمرك بمعصية الله بواحاً([57]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي مع ابن الزبير ـ والحجاج محاصره ـ فإذا فاتته مع ابن الزبير فسمع مؤذن الحجاج صلى مع الحجاج، فقيل له: أتصلي مع ابن الزبير ومع الحجاج؟! فقال: إذا دعونا إلى الله عز وجل أجبنا، وإذا دعونا إلى الشيطان تركناهم ([58]).
وعن عبد الله بن دينار رحمه الله قال: شهدت ابن عمر رضي الله عنهما حيث اجتمع الناس على عبد الملك قال: كتب إِني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت وإِن بني قد أقروا بمثل ذلك ([59]).
وقال الحسن البصري رحمه الله: هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وإن فرقتهم لكفر([60]).
وعن سهل التستري رحمه الله أنه قال: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم وإن استخفوا بهذين الأمرين أفسدوا دنياهم وأخراهم ([61]).
أقوال بعض العلماء:
روي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: لا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، انظروا عاقبة أمركم، ولا تعجلوا([62]).
وعن علي بن المديني رحمه الله قال: ثم السمع والطاعة للأئمة وأمراء المؤمنين البرِّ والفاجر، ومن ولي الخلافة بإجماع الناس ورضاهم لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ليلة إلا وعليه إمام، براً كان أو فاجراً، فهو أمير المؤمنين، والغزو مع الأمراء ماض إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك..([63]).
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فمعاونتهم على الحق وطاعتهم وأمرهم بها، وتنبيههم، وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه، وتبليغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم بالسيف، وتأليف قلوب الناس لطاعتهم، والصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأن يدعو لهم بالصلاح ([64]).
وقال ابن تيمية رحمه الله: وقل من خرج على إِمام ذي سلطان؛ إِلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير([65]).
وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والعطف إلى العدل ، ولا يرون الخروج بالسيف عليهم ولا قتال الفتنة ، ويرون قتال الفئة الباغية مع الإمام العدل ، إذا كان وجد على شرطهم في ذلك ([66]) . إلى غير ذلك من أقوال علماء أهل السنة والجماعة التي لا نستطيع حصرها جميعاً لكثرتها واشتهارها.
المسألة الثالثة: مجال سلطة ولي الأمر وضوابطها بحسب الأحكام الشرعية:
جاء الإسلام مبيناً أن الأمر لله تعالى وحده، الذي لا يقوم هذا الكون ولا تسير شؤونه إلا بأمره، وأن الله له الحكم المطلق على جميع الناس من غير مشارك ولا منازع، وذلك ما بينه القرآن الكريم وأبدى في ذكره وأعاد، قال تعالى:{إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}([67])، وقال:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}([68])، وعلى ذلك يتضح أن الإسلام هو التسليم والإذعان لله جل وعلا.
فإقامة الدين الإسلامي وتنفيذ أحكامه، والقيام بسياسة الدولة التي رسمها الإسلام هي وظيفة ولي الأمر المسلم، وعلى ذلك فمجال سلطة ولي الأمر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأحكام الشرعية التي أمر بها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يخرج عنها مطلقاً إلا ما كان باجتهاد منه في عدم وجود النص الذي يدله على الحق، فله حق الاجتهاد وهذا سيأتي في مكانه إن شاء الله تعالى.
وأما مجال سلطة ولي الأمر فقد تكلم عنها العلماء ومنهم القاضي أبو يعلى الذي فصل الكلام في ذلك فقال رحمه الله: ويلزم الإمام من أمور الأمة عشرة أشياء:
أحدها: حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة، فإن زاغ ذو شبهة عنه بين له الحجة وأوضح له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل والأمة ممنوعة من الزلل.
الثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بينهم، حتى تظهر النصفة، فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم.
الثالث: حماية البيضة والذب عن الحوزة ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين.
الرابع: إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.
الخامس: تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة، حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون بها محرماً ويسفكون بها دماً لمسلم أو معاهد.
السادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة.
السابع: جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصاً واجتهاداً من غير عسف.
الثامن: تقدير العطاء وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقصير فيه، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.
التاسع: استكفاء الأمناء، وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم من الأعمال، ويكله إليهم مع الأموال، لتكون الأعمال مضبوطة والأموال محفوظة.
العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال ليهتم بسياسة الأمة، وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلاً بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغش الناصح. وقد قال الله تعالى:{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى}([69])، فلم يقتصر سبحانه عل التفويض دون المباشرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)([70]) ا.هـ([71]).
فما ذكره القاضي أبو يعلى رحمه الله قد جمع فيه مسؤولية الإمام، وسلطته التي يقوم بها، وما يجب عليه في الحرص على الإتيان بها، وما ذاك إلا لعظمة هذا الدين الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ووجه إليها التوجيه السديد لتحفظ الأمة من إرجاف المرجفين وإبطال المبطلين.
المبحث الثاني:
مشروعية تصرف ولي الأمر
من خلال القواعد الشرعية
فيما يأمر به وينهى عنه
في مسائل النكاح وفرقه،
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: سلطة ولي الأمر تنفيذية لا تشريعية.
المطلب الثاني: سلطته في الأمور الاجتهادية.
المطلب الأول:
سلطة ولي الأمر تنفيذية لا تشريعية:
إن سلطة ولي الأمر في الشريعة الإسلامية كما ذكرنا سابقاً لا تتعدى الحدود التي أمر بها الشارع الحكيم من قيام الدين وحفظه، والقيام على حقوق الناس وشؤونهم ومصالحهم، فولي الأمر هو الذي يقوم بتطبيق شرع الله تعالى، وإقامة فرائض الله، والعدل بين الرعية، وإقامة الحدود، والجهاد، والجمع والجماعات، والقضاء بين الناس فيما يستطيعه أو يقوم به من ينوب عنه في ذلك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من الأمور التي أمر بها الشرع الحنيف، والإمام هو المسؤول عن الأمة كلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)([72]) لذلك فسلطته هي تنفيذ أوامر الله ونواهيه، وهو الذي يقوم بتعيين من ينوب عنه في الولايات العامة والخاصة.
فمن وظائف ولي الأمر التنفيذية التي يجب عليه القيام بها حفظاً للدين والدنيا:
أولاً: إقامة الإمامة نفسها لحفظ الدين وإقامته بين الناس، لأنه بدون وجود من يقوم على الناس يضيع الأمن والأمان، ويقع الضرر على الضروريات الخمس التي أمر الشرع بحفظها وهي الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، لذلك فمن أهم واجبات ولي الأمر التنفيذية هي حماية الدين ونشر العقيدة الصافية التي تحرر البشر من الوثنية والعبودية لغير الله تعالى بكل صورها.
وإلى هذه الوظيفة أشار الماوردي رحمه الله بقوله عن الواجب الأول للإمام: حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة ([73]).
ثانياً: القيام بإزالة المنكرات التي تفسد الأخلاق، والتي حرمتها شريعة الله عز وجل،وتهيئة الجو الصالح الخالي منها لحفظ أخلاق الناس وتهذيب نفوسهم، وهذه الوظيفة فرع من الأصل العظيم الذي أمر به رب العالمين في كتابه العزيز في آيات كثيرة صريحة في الدعوة إليه، فقال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}([74]). وقوله تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ}([75]). وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ)([76]).
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}([77])، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)([78]).
قال ابن خلدون عن ولاية الحسبة: هي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين، يعين لذلك من يراه أهلاً له، فيتعين فرضه عليه، ويتخذ الأعوان على ذلك، ويبحث عن المنكرات، ويعزر ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة ([79]).
ثالثاً: القيام بتنظيم علاقات الدولة بغيرها من الدول، وذلك بإيفاد السفارات واستقبال السفراء، وعقد المعاهدات.
رابعاً: إيجاد الوسائل التي تساعد على تحقق العمران، وتوفر أسباب المعيشة للناس، لتكثير الثروة ونمو الإنتاج، وذلك عن طريق الاهتمام بجميع الأعمال والصنائع التي تهيأ للمجتمع حياة طيبة كريمة.
خامساً: تهيئة أسباب التعليم والثقافة، وتربيتهم على المبادئ الإسلامية، ومن هنا أوجب علماء الإسلام القيام بكثير من فروض الكفاية فيما يتعلق بالجانب التربوي والتعليمي.
قال الغزالي رحمه الله: أما فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب، إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات، وكذلك أصول الصناعات ([80]).
وفي (تبيين المحارم) من كتب الحنفية يقول: وأما فرض الكفاية من العلم: فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا، كالطب والحساب والنحو واللغة والقراءات، وأسانيد الحديث، وقسمة المواريث، والكتابة والمعاني والبيان والبديع، والأصول ومعرفة الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، وأصول الصناعات، الفلاحة والحياكة والسياسة والحجامة([81]).
سادساً: القيام بالدفاع عن الدين والبلاد، وتحرير الناس من كل عبودية لغير الله تعالى وذلك عن طريق القتال المشروع وهو الجهاد في سبيل الله، ومقصوده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل ـ باتفاق المسلمين ـ وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير، وغيرهم من أصحاب الأعذار فلا يقتل عند الجمهور من العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله. وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشاً قال:(انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلاَ طِفْلاً وَلاَ صَغِيرًا وَلاَ امْرَأَةً)([82])، وقال لخالد بن الوليد رضي الله عنه: (لاَ تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلاَ عَسِيفًا)([83]).
سابعاً: إقامة العدل بين الرعية، وقد أوجب الله تعالى على من يتولى أمور المسلمين الحكم بين رعاياهم بالعدل والقسط، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}([84]).
فولي الأمر هو الذي يتولى هذا الأمر، أو من ينيب عنه من القضاة، والغرض من ذلك هو إقامة العدل، ورفع الخصومات، وتنفيذ أحكام الشريعة على الجميع، والأخذ على أيدي أهل الفساد، وإعطاء كل ذي حق حقه ليستتب الأمن وتصان مصالح المجتمع. قال ابن خلدون: وأما القضاء فهو من الوظائف الداخلة تحت الخلافة لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسماً للتداعي وقطعاً للنزاع([85]).
وغير ذلك من الأعمال التي ترتبط ارتباطاً كلياً بشؤون الأمة وأفرادها.
يقول القاضي أبو يعلى رحمه الله: وما يصدر عن الإمام من ولايات خلفائه أربعة أقسام:
أحدها: من تكون ولايته عامة في الأعمال العامة وهم الوزراء لأنهم مستنابون في جميع النظرات من غير تخصص.
الثاني: من تكون ولايته عامة في أعمال خاصة، وهم الأمراء للأقاليم والبلدان.
الثالث: من تكون ولايته خاصة في الأعمال العامة، وهم مثل قاضي القضاة، ونقيب الجيوش، وحامي الثغور، ومستوفي الخراج، وجابي الصدقات، لأن كل واحد منهم مقصور على نظر خاص في جميع الأعمال.
الرابع: من تكون ولايته خاصة في أعمال خاصة، وهم مثل قاضي البلد، أو إقليم، أو مستوفي خراجه، أو جابي صدقاته، أو حامي ثغره، أو نقيب جنده، لأن كل واحد منهم خاص النظر مخصوص العمل.ا.هـ([86]).
فوظائف الإمام تقوم على حفظ الدين على أصوله المستقرة وذلك ببيان الحق للناس، وتوجيههم إليه، والأخذ على يد من تسول له نفسه بمخالفته، ليكون دين الله محروساً. قال صلى الله عليه وسلم:(أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)([87]).
وتنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بين المتنازعين، وإنصاف المظلوم برد حقه، وصد الظالم عن التمادي في ظلمه، حتى يعم العدل بين الرعية.
وإقامة الحدود لصيانة المحارم من أن تنتهك، ولحفظ حقوق العباد من الإتلاف.
وتعيين الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال، والأموال لتكون محفوظة بهم.
وحماية بيضة المسلمين والذب عن أعراضهم، ليتصرف الناس في معاشهم، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.
وتحصين الثغور بالقوة الدافعة والعدة المانعة حتى لا يظفر الأعداء بدماء المسلمين أو أرضهم.
وجباية الفيء والصدقات بما أوجبه الشرع نصاً أو اجتهاداً من غير خوف أو تعسف.
وتقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير، ودفعه في وقته لا تقديم فيه ولا تأخير.
ومباشرة الأمور بنفسه، وتصفح الأحوال ليقوم بمهام الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على كثرة التفويض إلا ما احتاج إليه إذا كثرت عليه أعمال الأمة.
المطلب الثاني:
سلطته في الأمور الاجتهادية
لولي الأمر الحق في الاجتهاد في حدود سلطته الشرعية، بحيث أن غالب أعماله معاقبة الواقعين في حدود الله، وفض المنازعات التي تقوم بين الناس، فينظر بعين الاجتهاد عند عدم وجود النص الذي يقف عليه في حكمه، وهذا يحتاج منه إلى قوة بصيرة وحكمة بالغة، وهذا لا يتأتى لكل أحد، فكلما كان ولي الأمر عالماً بالسياسة الشرعية كان أقرب إلى الصواب في أموره، وكلما كان مستعيناً بعد الله بالعلماء المخلصين كان اجتهاده مسوغاً ومعمولاً به.
فإذا حكم ولي الأمر في مسألة باجتهاده لخلوها عن نص أو لم يكن مجمعاً على حكمها، جاز له ذلك، إلا إذا كان هذا الاجتهاد خلاف نص الكتاب، أو السنة المتواترة، أو الإجماع، أو القياس الجلي.
ودليل ذلك من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)([88]) فردَّده بين أجر وأجرين، وإن هذا الأمر تقرُّ به من القضاة كل عين.
ولقد ضرب الخلفاء الراشدون ومن بعدهم صوراً عديدة في الاجتهاد على الرغم من اعتمادهم على النصوص الشرعية، إلا أنهم يجتهدون في بعض الأمور التي فيها مصلحة عامة للمسلمين. كفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في منع الاشتغال بحديث النبي صلى الله عليه وسلم خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن، وكتحريقه لحانوت الخمّار، وتحريقه قرية تباع فيها الخمر، وتحريقه دار سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيها عن الرعية، وكذلك حلقه رأس نصر بن حجاج ونفيه، وكذلك مصادرته عماله، ومن ذلك اختياره للناس الإفراد بالحج ليعتمروا في غير أشهره فلا يزال البيت مقصوداً ومعموراً بالحجاج والمعتمرين، ومن ذلك منعه بيع أمهات الأولاد وقد باعوهنَّ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر، ومن ذلك إلزامه بالطلاق الثلاث لمن أوقعه بفمٍ واحدٍ عقوبة له كما صرح هو، وإلا فقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من أمارته يجعله واحدة، إلى غير ذلك من السياسة التي ساس بها الأمة.
ولقد أخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا بمجرد الحبل، وفي الخمر بالرائحة والقيء.
ومن ذلك إلقاء علي رضي الله عنه اللوطي من شاهقٍ على رأسه، ومن ذلك تحريق عثمان الصحف المخالفة للمصحف الذي جمع الناس عليه وهو بلسان قريش.
فكل ما سبق، وقبله حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أجر الإمام المجتهد يدل على حرص شريعة الإسلام على كل ما يعود عليهم بالمصلحة الدينية والدنيوية، ويدل أيضاً على أن لكل إمام الحق في الاجتهاد بما لا يخالف شريعة الإسلام العظيمة التي جاءت كاملة مكملة، تشمل كل شيء في حياة الناس.
قال الإمام الشوكاني: وعندي أن من استكثر من تتبع الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية وجعل ذلك دأبه ووجَّه إليه همته، واستعان بالله عز وجل واستمد منه التوفيق، وكان معظم همه ومرمى قصده الوقوف على الحق والعثور على الصواب من دون تعصب لمذهب من المذاهب، وجد فيهما ما يطلبه، فإنهما الكثير الطيب، والبحر الذي لا ينزف، والنهر الذي يشرب منه كل واردٍ عليه، والمعتصم الذي يأوي إليه كل خائف، فاشدد يديك على هذا فإنك إن قبلته بصدرٍ منشرحٍ وقلبٍ موفق وعقلٍ قد حلَّت به الهداية، وجدت فيهما كل ما تطلبه من أدلة الأحكام التي تريد الوقوف على دلائلها كائناً ما كان. فإن استبعدت هذا المقال واستعظمت هذا الكلام فمن نفسك أُتيت ومن قبل تقصيرك أصبت، وعلى نفسها براقش تجني، وإنما تنشرح لمثل هذا الكلام صدور قومٍ مؤمنين، وقلوب رجال مستعدين لهذه المرتبة العلية.
فإذا عرفت هذا فاعلم أن الحاكم الموثوق بدينه وعلمه ربما عمل في حكم من الأحكام بعموم الكتاب والسنة مما يخفى على كثير ممن يطلع على ذلك فيظن به أنه عمل بالرأي عند عدم الدليل، أو عدل إلى نوعٍ من أنواع المناسب المعمول به عند البعض والملغاة عند آخرين، وربما يظن أنه خالف نصاً يعرفه، ولو علم بما عند القاضي من الوجه المسوغ للعدول لتبين له أنه لم يعدل إلا إلى ما حقيق بالعدول إليه، بدلالة بينةٍ يكون العدول إليها أجلب لمصالح الشريعة وأدفع للمفاسد عنها.. ([89])
المبحث الثالث:
حدود سلطة ولي الأمر
في قضايا النكاح
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: زواج المسلم بالكتابية.
المطلب الثاني: زواج غير المسلم بالمسلمة.
المطلب الثالث: الولي في عقد النكاح.
المطلب الرابع:. تعدد الزوجات واشتراط إذن القاضي بالتعدد.
المطلب الخامس: الزواج المؤقت (زواج المتعة).
المطلب الأول:
زواج المسلم بالكتابية
تعريف النكاح:
لغةً: النكاح مصدر نكح، يقال: نكح ينكح الرجل والمرأة نكاحاً: من باب ضرب، قال ابن فارس وغيره: يطلق على الوطء، وعلى العقد دون الوطء، ويقال: نكحت المرأة: تزوجت، ونكح فلان امرأة: تزوجها، قال تعالى:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}([90])، ونكح المرأة: باضعها([91]).
واصطلاحاً: اختلف الفقهاء في تعريف النكاح:
فقال الحنفية: النكاح عقد يفيد ملك المتعة بالأنثى قصداً، أي يفيد حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي.
وقال المالكية: النكاح عقد لحل تمتع بأنثى غير محرم، ومجوسية، وأمة كتابية بصيغة.
وقال الشافعية: النكاح عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمته([92]).
والخلاصة: أن معنى النكاح أن يعقد على امرأة بقصد الاستمتاع وحصول الولد.
مشروعية النكاح وحكمته:
ثبتت مشروعية النكاح بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب: قول الله عز وجل: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}([93])، وقوله سبحانه وتعالى:{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} ([94]).
ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم:(يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ)([95]).
وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع، ونص بعض الفقهاء على أن النكاح شرع من عهد آدم عليه السلام، واستمرت مشروعيته، بل هو مستمر في الجنة.
وأما حكمة مشروعية النكاح فهي متعددة الجوانب، منها: حفظ النسل، وإخراج الماء الذي يضر احتباسه بالبدن، ونيل اللذة، وهذه الأخيرة هي التي في الجنة، إذ لا تناسل هناك ولا احتباس.
زواج المسلم بالكتابية (الحرة ـ المستأمنة ـ الذمية):
الكتابية: هي المرأة والمقصود بها اليهودية والنصرانية، فأهل الكتاب يقصد بهم أصلاً أصحاب الإنجيل والتوراة لأنهم وحدهم الذين ينتسبون إلى كتاب سماوي، ولأنهم كذلك يعترفون بالله ربا.
اختلف العلماء في هذه المسالة على قولين، فمنهم من يرى جواز الزواج من الكتابية للنصوص الواردة، ومنهم من يرى عدم الجواز وهذا القول منقول عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
والراجح صحة زواج المسلم من الكتابية للأدلة التالية:
الأول: قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}([96]).
الثاني: فعل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ حيث أنهم تزوجوا من أهل الذمة، فتزوج عثمان رضي الله عنه نائلة بنت الغرامضة الكلبية وهي نصرانية وأسلمت عنده، وتزوج حذيفة رضي الله عنه بيهودية من أهل المدائن.
الثالث: لما سئل جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية، فقال: تزوجنا بهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص([97]).
واشترط العلماء للزواج من الكتابية شرط الإحصان،أي تكون عفيفة ليس لها خادن، ولا هي من البغايا التي تتلاعب بعرضها، وأن تكون مائلة إلى الإسلام بحيث يرجى إسلامها.
المضار المترتبة على الزواج من الكتابية:
الشارع الحكيم حين أباح الزواج يهدف إلى إصلاح المجتمع، وتطهير الأخلاق من الرذائل، وتحصين الفروج، ليكون المجتمع مجتمعاً إسلامياً خالياً من المكدرات والشوائب، وليخرج جيل مسلم يرفع راية التوحيد، ولتقوم أمة الإسلام على قاعدة صلبة تحميها من الزوال، وعلى ذلك فزواج المسلم من الكتابية يترتب عليه أضرار متنوعة، منها ما هو داخل الأسرة، ومنها ما هو خارجها، ومن هذه الأضرار ما يلي:
الأضرار داخل الأسرة:
إذا كان الزوج المسلم ضعيف الشخصية أمام زوجته الكتابية، بحيث أنه لا يستطيع دعوتها إلى دين الإسلام، وإبعادها عن دينها الأصلي الباطل فهو يؤثر تأثيراً سلبياً أولاً على دينه، وثانياً على ذريته إن رزقه الله تعالى أولاداً من هذه المرأة، وبهذا يحصل التفكك للأسرة، وتتزعزع أركانها، وقد يزيد الأمر سوءًا إذا تعمدت الزوجة المتعصبة لدينها الباطل إلى اصطحاب أولادها إلى بلدها، أو إذا كانت في بلدها فتصحبهم إلى الكنيسة لتربيهم على دينها الأصلي، وتعلقهم بما يسبب حبهم لهذا الدين، وهذه من أخطر الأسباب التي تعود على المسلم وذريته بضرر بالغ.
وهذا يعود أيضاً بأضرار بالغة على المجتمع المسلم، حيث تكثر فيه هذه النوعية التي تربت على الفساد العقدي، والانحلال الأخلاقي، والعادات التي تنافي المجتمع المسلم كالاختلاط بين الرجال والنساء، وممارسة العادات النصرانية المخالفة لدين الإسلام، فيسبب وجودهن تأثيراً سلبياً على من يخالطهن، وخاصة نساء المسلمين لما يرون فيهن من التقدم المادي دون النظر إلى ضلالهن. وبهذا يتأثر المجتمع المسلم من وجود هذا الصنف من الكتابيات، ويعود بالضرر البالغ على المحيط الذي يعشن فيه.
مسألة: هل يجوز لولي الأمر منع نكاح المسلم من الكتابيات؟
جواب ذلك أنه قد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه نهى عن زواج الكتابيات بأكثر من رواية وذلك كله لمناسبة زواج حذيفة باليهودية، فقيل إن عمر رضي الله عنه قال: والمسلمة؟، وقيل إن عمر رضي الله عنه قال: ولكني أخاف أن تواقعوا المومسات منهن([98]).
وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال تعليقاً على زواج الكتابية: إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئاً أكبر من أن تقول المرأة ربها عيسى.
وقيل: إنه يكره زواج الكتابية.
وذكر البعض في تحريم زواج الكتابية أن آية البقرة ناسخة لآية المائدة كما ذكر أن الكتابية مشركة كما ذهب إلى ذلك ابن عمر رضي الله عنهما([99]).
وعلى ذلك فيجوز لولي الأمر تقييد الزواج من الكتابية، بناءًا على تقدير المصالح والمفاسد واستناداً إلى رأي عمر بن الخطاب([100])، وابن عمر رضي الله عنهما، وهذا محل اجتهاد لولي الأمر من حيث جلب المصلحة أو دفع الضرر المترتبين على الزواج من الكتابية.
مسألة: هل يحق لولي الأمر أن يحرِّم الزواج من الكتابية؟
لا يحق لولي الأمر تحريم حكم أحله الله للمسلمين، لوجود النص الشرعي الوارد بتحليل هذا الزواج في قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}([101])، ولإجماع سلف الأمة وخلفها على حله، لكن له تقييده كما سبق.
المطلب الثاني:
زواج غير المسلم بالمسلمة:
أولاً: حرمة زواج غير المسلم بالمسلمة وأدلة ذلك:
أجمع المسلمون على أنه لا يحل للمسلمة أن تتزوج من رجل فاجر لا يصلي ولا يصوم ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يدين دين الحق، وتبقى معه كحالة الزنا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)([102])، ومفهوم الحديث أنه إذا خطب إليكم من لا ترضون دينه ولا أمانته ولا خلقه فلا تزوجوه، ممن عرف بترك الصلاة واستباحة المسكرات أو الإلحاد والنفاق، فهذا لا يجوز تزوبجه بمسلمة، فكيف بزواج المسلمة من الكافر أيَّاً كان، وثنياً أو يهودياً أو نصرانياً، للنص القاطع في حرمة ذلك من كتاب الله، قال تعالى:{وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ}([103])، وقوله تعالى:{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}([104]).
فهذا أشد خطراً وأشد ضرراً عليها، لأن الزوج يدعوها عادة إلى دينه والنساء في العادة يتَّبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال، ويقلدونهم في الدين، بدليل الإشارة إليه في آخر الآية {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}([105]) أي يدعون المؤمنات إلى الكفر، والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار؛ لأن الكفر يوجب النار. فكان زواج الكافر بالمسلمة سبباً داعياً إلى الحرام، فكان حراماً. والنص وإن ورد في المشركين لكن العلة وهي الدعاء إلى النار يعم الكفرة أجمع، فيعمم الحكم بعموم العلة.
وعليه فلا يجوز زواج الكتابي أو غيره كما ذكرنا بالمسلمة لأن الشرع قطع ولاية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}([106]). فلو جاز تزويج الكافر بالمؤمنة لثبت له عليها سبيل، وهذا لايجوز.
وإذا وقع الزواج بين مسلمة وكافر فيتم التفريق بينهما عن طريق ولي الأمر الشرعي، وهو حاكم المسلمين، أو من ينوب عنه.
ثانياً: هل يحق لولي الأمر إباحة هذا الزواج:
بالنظر إلى أدلة الكتاب، وإجماع علماء الأمة على تحريم زواج المسلمة من الكافر، يتبين أنه لا يجوز لولي الأمر إباحة هذا الزواج، وإذا أحل ولي الأمر هذا الزواج لاجتهاد منه فلا يجوز فعله ولا الإقدام عليه وينبغي أن يوجه الناس ويبين لهم أن هذا الزواج محرم، وأنه مخالف لما أمر به الشارع الحكيم.
المطلب الثالث:
الولي في عقد النكاح
معنى الولاية:
لغةً: إما بمعنى المحبة والنصرة، كما في قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ}([107])، وقوله سبحانه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ([108]).
وإما بمعنى السلطة والقدرة، يقال: (الوالي) أي صاحب السلطة.
وفي اصطلاح الفقهاء: القدرة على مباشرة التصرف من غير توقف على إجازة أحد، ويسمى متولي العقد (الولي) ومنه قوله تعالى:{وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ}([109]).
فالولي: كل من ولي أمراً، أو قام به، ذكراً كان أو أنثى([110]).
وولي المرأة: الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبدّ بعقد النكاح دونه([111]).
واختلف الفقهاء في كون الولي ركناً من أركان النكاح أو شرطاً في صحته أو شرطاً في جوازه ونفاذه:
فقال المالكية والشافعية: الولي ركن من أركان عقد النكاح.
ولا يصح عند المالكية والشافعية تولي عقد النكاح من أنثى([112]).
فلا تصح عبارة المرأة في النكاح إيجاباً وقبولاً، فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا بغير إذنه، ولا غيرها لا بولاية ولا بوكالة، ولا تقبل النكاح لا بولاية ولا بوكالة.
وقال الحنفية: الولاية شرط في الركن وهي من شروط الجواز والنفاذ، فلا ينعقد إنكاح من لا ولاية له.
والولاية في النكاح نوعان:
الأول: ولاية ندب واستحباب، وهي الولاية على البالغة العاقلة بكراً كانت أو ثيباً.
والثاني: ولاية إجبار، وهي الولاية على الصغيرة بكراً كانت أو ثيباً، وكذا الكبيرة المعتوهة والمرقوقة.
وقال الحنابلة: الولي شرط في صحة النكاح، فلا يصح نكاح إلا بولي، وعلى المذهب عندهم لو زوجت امرأة نفسها، أو زوجت غيرها كبنتها وأختها، أو وكلت غير وليها في تزويجها ولو بإذن وليها، لم يصح النكاح في الصور الثلاث لحديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ) ([113]).
وقالوا: إن النكاح لا يصح بدون ولي لعدم وجود شرطه، ولأن المرأة غير مأمونة على البضع لنقص عقلها وسرعة انخداعها فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر في المال.
وروي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم.
وقالوا: إن حكم بصحة عقد النكاح بدون ولي حاكم لم ينقض حكمه،أو كان متولي العقد حاكماً يراه لم ينقض،وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة إذا حكم بها من يراها لم ينقض لأنه يسوغ فيها الاجتهاد فلم يجز نقض الحكم بها([114]).
شروط الولي:
ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط في الولي في النكاح شروط، اتفقوا على بعضها،
واختلفوا في بعضها:
الأول: العقل والبلوغ.
الثاني: الحرية.
الثالث: الإسلام.
الرابع: العدالة:
وقد اختلف الفقهاء في اشتراط العدالة في الولي على قولين:
الأول: ذهب الحنفية والمالكية على المشهور، ووجه عند الشافعية، ورواية عند أحمد إلى عدم اشتراط العدالة واستدلوا بعموم قوله{وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ}([115])، وقوله صلى الله عليه وسلم: (تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ)([116]).
والثاني: أن العدالة شرط في ولاية النكاح، وهو رأي الشافعية في المذهب والحنابلة كذلك وغير المشهور عند المالكية، وأضاف الشافعية أنه لا ولاية لفاسق غير الإمام الأعظم، مجبراً كان أو لا.
الخامس: الذكورة: اختلف الفقهاء في اشتراط كون الولي في عقد النكاح ذكراً على قولين: فمنهم من ذهب إلى اشتراط الذكورة، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة، ومنهم من ذهب إلى عدم اشتراطه وهم أبو حنيفة وزفر والحسن وأبو يوسف([117]).
السادس: الرشد: اختلف الفقهاء في اشتراط كون الولي في عقد النكاح رشيداً على رأيين:
الأول: ذهب الحنفية والمالكية والشافعية في وجه والحنابلة أنه لا يشترط الرشد في ولاية النكاح.
وأضاف المالكية أن السفيه يزوج مجبرته وغيرها بإذن وليه استحباباً لا شرطاً.
الثاني: يرى الشافعية أنه لا ولاية لمحجور عليه بسفه بأن بلغ غير رشيد أو بذر في ماله بعد رشده ثم حجر عليه على المذهب، لأنه لا يلي أمر نفسه فغيره أولى([118]).
السابع: ألا يكون محرماً بحج أو عمرة: اختلف الفقهاء في اشتراط خلو ولي النكاح من الإحرام بحج أو عمرة على قولين:
الأول: يرى أنه يشترط خلوه من الإحرام بحج أو عمرة، وهو رأي المالكية، والشافعية والحنابلة.
الثاني: يرى أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أنه لا بأس بالمحرم أن ينكح ويُنكح، ويخطب ولكنه إن تزوج فلا ينبغي له أن يدخل حتى يحل، واستدلوا لذلك بما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما:(تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) ([119]).
وقالوا: إذا كانت حرمة الصيام لا تمنع عقد النكاح فكذلك حرمة الإحرام لا تمنع عقد النكاح أيضاً، وروى الطحاوي عن ابن مسعود وابن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهم أنه لا يرون بأساً بتزوج المحرم([120]).
الثامن: ألا يكون الوليّ مكرهاً:
اختلف الفقهاء في اشتراط أن يكون ولي النكاح غير مكره على عقده على قولين:
الأول: يرى أنه لا يصح نكاح الولي الذي أكره على عقد النكاح، وهو رأي المالكية والشافعية.
الثاني: يرى أنه يصح نكاح الولي إذا أكره على تزويج موليته وهو رأي الحنفية([121]).
أسباب الولاية في النكاح:
- القرابة.
- الملك.
- الولاء.
- الإمامة.
- الوصاية.
أنواع الولاية في النكاح:
ذكر الفقهاء أن الولاية في النكاح بحسب المولى عليه نوعان:
الأول: ولاية إجبار: وهي تنفيذ القول بالإنكاح على الغير، أي يباشر الولي العقد فينفذ على المولى عليه شاء أو أبى.
الثاني: ولاية اختيار: أو ولاية ندب واستحباب، أو ولاية شركة، على اختلاف بين الفقهاء في تسميتها. وليس في هذه الولاية تنفيذ القول على الغير أو إجباره، ومقتضاها أن نكاح المولى عليه يصح بعد أخذ إذنه أو اختياره.
ترتيب الأولياء:
ذهب الفقهاء إلى أن الولي في النكاح إذا كان مجبراً فإنه يكون المقدم، لا ينازعه أحد في تلك الولاية.
وذهبوا ـ في الجملة ـ إلى أنه إذا تعددت أسباب ولاية النكاح فإنه يقدم من كان سبب ولايته الملك، ثم من كان سبب ولايته القرابة، ثم من كان سبب ولايته الإمامة، ثم من كان سبب ولايته الولاء([122]).
انتقال الولاية بالعضل:
ذهب الفقهاء إلى أنه إذا تحقق العضل من الولي وثبت ذلك عند الحاكم، أمر الحاكم الولي بالتزويج إن لم يكن العضل بسبب معقول، فإن امتنع انتقلت الولاية إلى غيره.
واختلف الفقهاء فيمن تنتقل إليه الولاية حينئذٍ:
فذهب الجمهور إلى أنها تنتقل إلى السلطان.
وذهب الحنابلة وابن عبد السلام من المالكية إلى أنها تنتقل إلى الولي الأبعد، فإن لم يكن أو عضل انتقلت إلى السلطان.
غيبة الولي:
اختلف الفقهاء في بقاء ولاية النكاح عند غيبة الولي هل تكون للحاكم أم للولي الأبعد؟.
فقال الحنفية: إنما يتقدم الأقرب على الأبعد إذا كان الأقرب حاضراً أو غائباً غيبة غير منقطعة، فأما إذا كان غائباً غيبة منقطعة فللأبعد أن يزوج في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وعند زفر لا ولاية للأبعد بعد قيام الأقرب بحال.
واختلف الحنفية في زوال ولاية الأقرب بالغيبة أو عدم زوالها، فقال بعضهم: إنها باقية إلا إن حدثت للأبعد ولاية لغيبة الأقرب، فيصير كأن لها وليين مستويين في الدرجة، كالأخوين والعمين، وقال بعضهم: تزول ولايته وتنتقل إلى الأبعد، وهو الأصح.
وقال المالكية: إن فقد الولي المجبر أو أسر فَكَمَوْته ينقل الحق للولي الأقرب فالأقرب دون الحاكم، فلا كلام للحاكم مع وجود غيره من الأولياء. وإن غاب الولي المجبر غيبة بعيدة ـ ولم يرج قدومه عن قرب ـ فالحاكم هو الذي يزوجها بإذنها، وإذنها صماتها، دون غيره من الأولياء ـ إذا كانت بالغاً أو خيف عليها الفساد ـ، وعليه فمن خرج لتجارة ونحوها ونيته العود فلا يزوج الحاكم ابنته ولو طالت إقامته، إلا إذا خيف فسادها، أو قصد بغيبته الإضرار بها، فإن تبين ذلك كتب له الحاكم إما أن تحضر وتزوجها أو توكل وكيلاً يزوجها عنك وإلا زوجناها عليك، فإن لم يجب بشيء زوجها الحاكم ولا فسخ([123]).
وقال الشافعية: لو غاب الولي الأقرب نسباً أو ولاءً إلى مرحلتين ولا وكيل بالبلد أو دون مسافة القصر زوج المرأة سلطان بلدها أو نائبه، لا سلطان غير بلدها، ولا الولي الأبعد على الأصح، لأن الغائب ولي والتزويج حق له، فإذا تعذر استيفاؤه ناب عنه الحاكم. وإذا غاب الولي الأقرب دون مرحلتين لا يزوج إلا بإذنه في الأصح لقصر المسافة فيراجع فيحضر أو يوكل كما لو كان مقيماً، والثاني: يزوج لئلا تتضرر بفوات الكفء الراغب كالمسافة الطويلة.
وقال الحنابلة: إن غاب الولي غيبة منقطعة ـ وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة ـ ولم يوكل من يزوج زوج الولي الأبعد دون السلطان لقوله صلى الله عليه وسلم: (السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ)([124])، وهذه لها ولي.
المطلب الرابع: تعدد الزوجات
واشتراط إذن القاضي بالتعدد:
حكمة تعدد الزوجات:
عندما وضع الشارع الحكم الشرعي لتعدد الزوجات وضعه لمصالح عديدة، ربما يظهر منها بعضها، ويخفى علينا أكثرها، ولو تمعن الناس في هذا الحكم لعلموا فوائده العظيمة على الأسرة والمجتمع، فهو يساعد أولاً وآخراً على حفظ المجتمع من الانحرافات، وما قد يتخذه بعض الرجال من عشيقات أو خدينات أو وصيفات.
وأيضاً لخوف الوقوع في الزنا من الرجال والنساء، ولتكثير نسل المسلمين، ولحفظ نساء المسلمين من قلة الأزواج، وغير ذلك كثير.
وقد أحله الله لعباده من أجل مصلحتهم، والعمل على حفظ الأسرة والمجتمع من السير وراء عادات الجاهلية المقيتة التي كانت تبيح الزنا، وغيره من الفواحش.
والسبب في الاقتصار على أربع نسوة ـ والله أعلم ـ قدرة الرجال من حيث رغباتهم وقدراتهم، وضعف المرأة وحصول القصور عندها تجاه زوجها لما يعتريها من الحيض والنفاس وغير ذلك.
فبدلاً من أن يقع الزوج فيما حرم الله أحل الله له الزواج بأربع كي يحفظ نفسه وأسرته، ثم إن في الزيادة على الأربع خوف الجور عليهن بالعجز عن القيام بحقوقهن؛ لأن الظاهر أن الرجل لا يقدر على الوفاء بحقوقهن، وإلى هذا أشار القرآن الكريم بقول الله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}([125])، أي لا تعدلوا في القسم والجماع والنفقة في زواج المثنى والثلاث والرباع فواحدة، فهو أقرب إلى عدم الوقوع في الظلم([126]).
وهذه الإباحة أضحت أمراً استثنائياً نادراً، فلا تعني أن كل مسلم يتزوج أكثر من واحدة،بل أصبح مبدأ وحدة الزوجة هو الغالب الأعظم.
ولقد وضعت الشريعة لإباحة التعدد شرطين جوهريين هما:
الأول: توفير العدل بين الزوجات: أي العدل الذي يستطيعه الإنسان، ويقدر عليه، وهو التسوية بين الزوجات في النواحي المادية من نفقة وحسن معاشرة ومبيت، لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا}([127])، فإنه تعالى أمر بالاقتصار على واحدة إذا خاف الإنسان الجور وعدم العدل بين الزوجات.
الثاني: القدرة على الإنفاق: فلا يحل شرعاً الإقدام على الزواج سواء من واحدة أو من أكثر إلا بتوافر القدرة على مؤن الزواج وتكاليفه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ([128]) فَلْيَتَزَوَّجْ..)([129]).
مسألة: هل يحق لولي الأمر أن يمنع تعدد الزوجات؟
لقد ظهرت في الآونة الأخيرة دعوات كثيرة تؤيد منع تعدد الزوجات، وإرجاع الإذن به إلى القاضي ليتأكد من تحقق ما شرطه الشارع لإباحة التعدد، وهو العدل بين الزوجات والقدرة على الإنفاق، لكن بفضل الله قام العلماء العاملون بدحض مثل هذه الدعوات الباطلة، وبيان فضائل تعدد الزوجات المستفادة من النصوص الشرعية في إباحة التعدد، ومن ذلك:
(1) أن الله تعالى أناط بالراغب في الزواج وحده تحقيق شرطي التعدد فالذي يقدر الخوف من عدم العدل أو التقصير في الإنفاق هو الناكح نفسه فهو منوط به بأمر الشارع الحكيم في قوله:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}([130])، فهذا الخطاب للراغب في الزواج، لا لأحد سواه من قاض أو حاكم أو غيره، فيكون تقدير عدم العدل أو التقصير في النفقة من قبل غير الزوج مخالفاً للنص الشرعي.
(2) إن إشراف ولي الأمر أو من ينوب عنه من قاض وغيره على الأمور الشخصية القائمة بين الزوجين أمر غير مناسب، ويسبب الضرر للزوجين، إذ قد لا يطلع على السبب الحقيقي، ويخفي الناس عادة عليه ذلك السبب، فإن اطلع على الحقائق كان إطلاعه فضحاً لأسرار الحياة الزوجية، وتدخلاً في حريات الناس، وإهداراً لإرادة الإنسان، وخوضاً في قضايا ينبغي توفير الوقت لغيرها، ومنعاً وأمراً في غير محله، فالزواج معلوم أنه أمر شخصي بحت، يتفق فيه الزوجان مع أولياء المرأة، لا يستطيع أحد تغيير وجهته، وتبديل قيمه، وإن أسرار البيت المغلقة لا يعلم بها أحد غير الزوجين.
(3) إن تعدد الزوجات ليس بهذه الكثرة التي يشيعها هؤلاء المبطلون، وإنما هو على العكس محدود ونادر حسب الحاجة والطاقة.
(4) معلوم أن تعدد الزوجات ليس هو السبب الرئيسي في تشريد الأطفال كما يدعي هؤلاء، وإنما السبب يكمن في إهمال الأب تربية النشء، وإدمان الخمر، وتعاطي المخدرات، والانصراف في إرواء اللذات، وإهمال شأن الأسرة، وغير ذلك من الأسباب التي يقع فيها بعض الرجال وإن لم يكن عندهم إلا واحدة أحياناً.
ويمكن وضع تحصينات لتعدد الزوجات ليكون سائراً على ما أراده الله تعالى، ومن ذلك:
أولاً: التوجيه السديد للزوجين في الحرص على أسرتهما، بحيث يعرفان قيمة هذا الرباط الأسري، وأن العلاقة الزوجية علاقة راسخة، وأنها مرتكزة على أساس المودة والرحمة، كما قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}([131]). بحيث يقدران على تربية أولادهما تربية صالحة، محصنة دينياً وخلقياً، بحيث يحفظان على الأسرة ترابطها.
ثانياً: القيام بمعاقبة الأزواج الذين يظلمون زوجاتهم، أو الذين يقصرون في حقوقهن، أو من يهملون تربية أولادهم، فمن فرط في واجبه يؤاخذ في الدنيا بالعقاب عن طريق الحاكم الشرعي، وفي الآخرة حسابه على الله فهو مجازيه ومحاسبه عما استرعاه من الأمانة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)([132]).
المطلب الخامس:
الزواج المؤقت (نكاح المتعة)
قبل أن نتكلم عن حكم النكاح المؤقت نبين نكاح المتعة وحكمه لكي يتبين للقارئ مدى قوة الشبه بينهما.
معنى المتعة:
المتعة: مشتقة من المتاع، وهو ما يستمتع به، وتطلق على أربعة معان:
أحدها: متعة الحج.
الثاني: النكاح إلى أجل.
الثالث: متعة المطلقات.
الرابع: إمتاع المرأة زوجها في مالها على ما جرت به العادة في بعض البلاد.
نكاح المتعة:
هو قول الرجل للمرأة: أعطيك كذا على أن أتمتع بك يوماً أو شهراً أو سنة أو نحو ذلك، سواء قدر المتعة بمدة معلومة، أو قدرها بمدة مجهولة، كقوله: أعطيك كذا على أن أتمتع بك موسم الحج أو ما أقمت في البلد أو حتى يقدم زيد، فإذا انقضى الأجل المحدد وقعت الفرقة بغير طلاق.
ونكاح المتعة من أنكحة الجاهلية، وكان مباحاً في أول الإسلام ثم حرِّم([133]) لحديث علي رضي الله عنه قال:(إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ)([134])، ثم رخّص فيه عام الفتح، لحديث الربيع ابن سبرة الجهني رضي الله عنهما: (أَنَّ أَبَاهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتْحَ مَكَّةَ قَالَ فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ)([135])، ثم حرم فيه.
وروي أنه رخص فيها في حجة الوداع، ثم حرم أبداً لحديث سبرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح نكاح المتعة في حجة الوداع، ثم حرم أبداً)([136]).
قال الشافعي: لا أعلم شيئاً حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة ([137]).
وقد اختلف الفقهاء في نكاح المتعة على قولين:
الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى حرمة نكاح المتعة وبطلان عقده، مستدلين بأدلة منها حديث الربيع بن سبرة الجهني رضي الله عنهما: أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ النِّسَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ وَلا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا)([138]).
وحديث علي رضي الله عنه قال:(نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُتْعَةِ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلَمَّا أُنْزِلَ النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ نُسِخَتْ)([139]).
ومن أدلتهم قول الله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}([140]) فالتي استمتع بها ليست زوجة ولا ملك يمين، فوجب أن يكون في المتعة لوم.
وبما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شأنه حتى نزلت الآية:{إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}، قال ابن عباس: فكل فرج سوى هذين فهو حرام ([141]).
ولأن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة، بل شرع لأغراض ومقاصد يتوسل به إليها، واقتضاء الشهوة بالمتعة لا يقع وسيلة إلى المقاصد فلا يشرع.
وإلى هذا ذهب أبو بكر وعمر وعلي وعبد الله بن الزبير وأبو هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والسلف الصالح ([142]).
القول الثاني: حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها جائزة، وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاووس، وبه قال ابن جريج، وحكى ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر رضي الله عنهما([143]). واحتجوا بظاهر قوله تعالى:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}([144]).
واستدلوا بها من ثلاثة وجوه:
أحدها: أنه ذكر الاستمتاع ولم يذكر النكاح، والاستمتاع والتمتع واحد.
الثاني: أنه تعالى أمر بإيتاء الأجر والمتعة عقد الإجارة على منفعة البضع.
الثالث: أنه تعالى أمر بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع وذلك يكون في عقد الإجارة والمتعــة، فأما المهـر فإنما يجب في النكـاح بنفس العقد ويؤخذ الزوج بالمهر أولاً ثم يمكن من الاستمتاع فدلت الآية الكريمة على جواز عقد المتعة([145]).
كما استدلوا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:(متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج)([146]).
قالوا: فأخبرنا بإباحتهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ثبت إباحته بالشرع لم يكن به تحريم بالاجتهاد.
واستدلوا كذلك بما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}([147]) ([148]).
وبما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ([149]).
ولأن نكاح المتعة عقد على منفعة، فصح تقديره بمدة كالإجارة، ولأنه قد ثبتت إباحته بالإجماع فلم ينتقل عنه إلى التحريم إلا بإجماع آخر ([150]).
قال جمهور الفقهاء وقد صحّ التحريم المؤبد للمتعة عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث سبرة الجهني أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمس عشرة ثلاثين بين ليلة ويوم فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء وذكر الحديث إلى أن قال: (فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ([151]).
ومخالفة بعض من الصحابة غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به، والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به حتى قال عمر رضي الله عنه:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة) ([152]).
وغير ذلك من الأدلة الصحيحة الصريحة في تحريمه.
قال الجصاص: قد علم أن المتعة قد كانت مباحة في وقت فلو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضاً متواتراً لعموم الحاجة إليه، ولعرفتها الكافة ولما اجتمعت الصحابة على تحريمها لو كانت الإباحة باقية، فلما وجدنا الصحابة منكرين لإباحتها موجبين لحظرها مع علمهم بدياً بإباحتها دل ذلك على حظرها بعد الإباحة، ولا نعلم أحداً من الصحابة روي عنه تجريد القول في إباحة المتعة غير ابن عباس وقد رجع عنه حين استقر عنده تحريمها بتواتر الأخبار من جهة الصحابة([153]).
النكاح المؤقت:
صرح الحنفية بأن المؤقت هو أن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام أو شهراً أو سنة أو نحو ذلك. والفرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت بذكر لفظ التزوج في المؤقت دون المتعة، وكذا بالشهادة فيه دون المتعة. وفرق في الحكم بين أن يكون مؤجلاً إلى أجل لا يبلغانه، أو يكون إلى أجل يبلغانه.
فإن كان مؤجلاً إلى أجل لا يبلغانه فقد اختلف في حكمه:
فقد ذهب الحنفية والحنابلة وبعض المتأخرين من الشافعية إلى أنه لو أجل النكاح بأجل لا يبلغانه صح النكاح كأنه ذكر الأبد، لأن النكاح المطلق لا يزيد على ذلك، والتصريح بمقتضى الإطلاق لا يضر([154]).
وذهب المالكية في المذهب والشافعية:إلى أن النكاح المؤقت إلى أجل لا يبلغانه باطل، فإن أجل إلى أجل يبلغانه كما لو قال: أتزوجك عشرة أيام أو نحو ذلك فإنه نكاح فاسد عند فقهاء الحنفية وكذا المالكية، والشافعية، والحنابلة باعتباره عندهم من صور نكاح المتعة، واحتج الحنفية على ما ذهبوا إليه بأنه لو جاز هذا العقد لكان لا يخلو: إما أن يجوز مؤقتاً بالمدة المذكورة، وإما أن يجوز مؤبداً، ولا سبيل إلى الأول لأن هذا معنى المتعة إلا أنه عبر عنها بلفظ النكاح والتزوج، والمعتبر في العقود معانيها لا الألفاظ كالكفالة بشرط براءة الأصيل إنها حوالة معنى لوجود الحوالة، وإن لم يوجد لفظها والمتعة منسوخة، ولا وجه للثاني لأن فيه استحقاق البضع عليها من غير رضاها وهذا لا يجوز.
وقال زفر وبعض الحنفية: النكاح جائز وهو مؤبد والشرط باطل، لأنه ذكر النكاح وشرط فيه شرطاً فاسداً، والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة، فبطل الشرط وبقي النكاح صحيحاً، كما إذا قال: تزوجتك إلى أن أطلقك إلى عشرة أيام ([155]).
مسألة: هل يحق لولي المرأة إذا علم بنية الزوج في الزواج من موليته وقتاً معيناً على أن يصدقها مهراً أن يوافق على هذا الزواج؟
الراجح أنه لا يجوز له ذلك، لأنه يعلم بالتوقيت، وقد أجمع العلماء على تحريمه، ولأن ذلك يترتب عليه مفاسد عظيمة على المرأة لقيام الزوج بتطليقها بعد مضي المدة التي حددها، وهذا هو التمتع المنهي عنه.
وللمرأة أن تمتنع عن هذا الزواج لحرمته شرعاً، ولضرره عليها، وإذا أصر وليها على تزويجها فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي ليمنع وليها من تزويجها.
مسألة: هل يحق لولي الأمر أو من ينيب عنه أن يبيح هذا الزواج لكونه يملك الاجتهاد إذا رأى المصلحة في ذلك؟
الراجح أنه لا يجوز له تحليل هذا الزواج لورود النصوص الشرعية الموجبة لتحريمه، فلا يحل له تحليل ما حرم الله، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأ لعدي ابن حاتم قول الله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}([156])، قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ. قَالَ (أَجَلْ وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَسْتَحِلُّونَهُ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَيُحَرِّمُونَهُ فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ) ([157]).
وإذا فعل ذلك فلا تجوز طاعته، بل ينكر عليه ويوجه إلى الرجوع عن ذلك لكونه مخالفاً للنصوص الشرعية، وللإجماع على تحريمه، ولأنه يترتب على إباحته مفاسد كثيرة للمسلمين.
المبحث الرابع:
اجتهادات ولي الأمر
في قضايا النكاح
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: تحديد سن الزواج.
المطلب الثاني: اشتراط تقرير طبي
لصحة عقد النكاح أو تسجيله.
المطلب الثالث:
تسجيل عقد النكاح في المحكمة.
المطلب الرابع: تحديد مهور الزواج.
المطلب الأول:
تحديد سن الزواج
لم يرد في الشرع الحنيف نصٌ يقيد الزواج بسن معينة، وقد أجمع الفقهاء على أن الزواج ليس له سن محددة معلومة، ولكن الأولى أن ينظر المسلم إلى المصلحة في زواجه، فإن كان صغير السن زوّج على قدر سنه، وإن كان شاباً بحث له عمن تناسبه، وإن كان كبيراً فينظر أيضاً لمن تناسبه في سنه، وهكذا.
والأولى للمسلم أن يبحث عن المرأة البكر لما ورد في السنة من الحث على الزواج من البكر.
فقد روي عن عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا) ([158]).
وروي عنها أيضاً : (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَة)([159]).
قال المازري في المعلم: رأيت لابن حنبل أنه جعل السبع سنين حداً للسن الذي يزوج فيه الأولياء البكر اليتيمة إذا رضيت، أخذاً بحديث عائشة رضي الله عنها هكذا قال، ولا معنى لهذا الأخذ إلا أن يريد ابن حنبل أنها السن التي يميز فيها ويعتد رضاها، أو أراد أن هذه السن قد تحيض فيها بعض الجواري([160]).
قال عياض رحمه الله في الإكمال: وهذا الحديث أصل في حد وقت الدخول، وهو قول أحمد وأبي عبيد، وقال مالك والشافعي: حد ذلك إلى أن تطيق الرجل([161]).
قال الشافعي: وتقارب البلوغ، وقال أبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الرجل وإن لم تبلغ التسع، ولأهلها منع الزوج منها إذ لم تطق ذلك وإن بلغت التسع، وهو نحو قول مالك([162]).
قال عياض رحمه الله: وحكم إلزام الزوج أيضاً في ضمها والنفقة عليها حكم هذا، فحيث تجبر على الدخول يجبر هو على الإنفاق([163]).
مسألة: هل يحق لولي الأمر تحديد سن معينة لزواج المرأة؟
هذا يرجع إلى المصلحة الظاهرة التي تعود على المرأة وأمثالها، بحيث لا يكون هناك ضرر يترتب على هذا التحديد، والأولى عدم التحديد لعدم وجود النص في ذلك، لكون الزواج علاقة اجتماعية تتم بناءً على موافقة الرجل والمرأة ووليها، فلا يجوز التدخل في تحديد السن لما يترتب عليه من المضار الكثيرة على النساء، بحيث لو تم تحديد السن كان ذلك عائقاً لمن بلغت أن تتزوج إلا إذا وصلت للسن الذي حدده ولي الأمر وهذا أمر محال لا يستطيع أحد التدخل فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا ضرر ولا ضرار) ([164]).
المطلب الثاني:
اشتراط تقرير طبي
لصحة عقد النكاح أو تسجيله
لقد كان المسلمون إلى عهد قريب لا ينظرون إلى هذا الموضوع بعين الاعتبار لما كانوا عليه من الصدق والأمانة في الإخبار عن معايبهم النفسية والجسدية عموماً، ونظراً لبساطة الحياة آنذاك وخلوها من الكثير من الأمراض التي ظهرت مؤخراً، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (جَاءَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَنِي فَقُلْتُ مَا مِثْلِي نُكِحَ أَمَّا أَنَا فَلا وَلَدَ فِيَّ وَأَنَا غَيُورٌ وَذَاتُ عِيَالٍ فَقَالَ أَنَا أَكْبَرُ مِنْكِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ فَيُذْهِبُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا الْعِيَالُ فَإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ([165]).
أما في هذا العصر المتأخر فقد اختلفت الأمور، وأصبح الصدق في أمور النكاح قليلاً، ومع كثرة ظهور الأمراض التي ظهرت مؤخراً على مستوى العالم فقد أصبح الأمر يحتاج إلى هذا الفحص لكونه ضرورة تترتب عليها مصالح كثيرة بين الناس، ولقد دعت كثير من الدول إلى سن قوانين لإجراء الفحص الطبي على من يريد الزواج وإلزامه به كي تأمن المجتمعات من ظهور ثمرات الزواج الذي يبنى على العديد من الأمراض الخاصة والوراثية.
ولقد أوضح الطب حديثاً السلبيات والإيجابيات المترتبة على الفحص الطبي قبل الزواج، وأنه يعود بالفائدة على المتزوجين أولاً، وعلى أولادهم ثانياً، وعلى المجتمع المسلم كله ثالثاً.
ومن إيجابيات الفحص الطبي قبل الزواج([166]):
(1) الوقاية في الحد من الأمراض الوراثية والمعدية والخطيرة.
(2) حماية المجتمع من انتشار الأمراض والحد منها، والتقليل من الآثار المترتبة عليهما من الناحية الإنسانية والمالية.
(3) وجود أولاد أصحاء عقلياً وجسدياً من تزاوج الخاطبين المعنيين بعد الكشف عليهما، والتأكد من عدم وجود ما يفسد زواجهما من هذه الأمراض.
(4) تحديد قابلية الزوجين المؤهلين للإنجاب من عدمه، بصورة عامة وإلى حد ما، لأن أسباب العقم ليست معروفة كلها، ويحقق رغبة الخطيبين لمعرفة الأسباب المحتملة للعقم، وبهذا يقدمان على الزواج وهما مطمئنان بأنهما سيكون لهما أولاد بإذن الله.
(5) التحقق من قدرة كل من الزوجين المؤهلين على ممارسة علاقة جنسية سليمة مع الطرف الآخر بما يشبع رغبات كل منهما بصورة طبيعية.
(6) التحقق من وجود أمراض مزمنة مؤثرة على مواصلة الحياة بعد الزواج، مثل السرطانات وغيرها.
(7) عدم تضرر صحة كل من الخاطبين نتيجة معاشرة الآخر جنسياً وحياتياً والتأكد من سلامتهما من الأمراض الجنسية والمعدية وغيرها من الوبائيات.
ومن سلبيات الفحص الطبي قبل الزواج([167]):
(1) وجود الضرر النفسي والاجتماعي لدى من يثبت عنده بعض الأمراض المزمنة مثل سرطان الثدي، أو العقم عند المرأة أو الرجل أو غيرها من الأمراض الأخرى.
(2) وجود القلق لدى من يثبت عنده المرض المزمن قبل الزواج فتحيل حياته إلى كآبة ويئس.
(3) عدم صدق بعض النتائج التي خرج بها الطب من هذه التحليلات.
(4) حرمان البعض من فرصة الارتباط بالزواج نتيجة فحوصات قد تكون غير أكيدة.
(5) قلما يخلو إنسان من أمراض وخاصة في وقتنا الحاضر، حيث ثبت طبياً وجود أكثر من (3000) مرض وراثي.
(6) التسرع في المشورة الصحية في الفحص قد يسبب من المشاكل نفس القدر الذي يرجى أن تستفاد منه.
(7) قد يساء استخدام نتائج الفحص لبعض الأشخاص المقدمين على الزواج بسبب نشر معلومات عن هذا الفحص واستخدامها استخداماً ضاراً.
الرأي الطبي:
وعلى الرغم من وجود هذه السلبيات إلا أن الرأي الطبي قد أوصى بضرورة إجراء الفحص الطبي للراغبين فيه، فيحق للطبيب حينها وبناء على طلب الخاطبين إبداء المشورة الطبية من خلال نوعية الفحوصات التي يرغبان القيام بها.
أما عند إلزام الناس وإجبارهم على إجراء فحص طبي فقد اتجه الرأي الطبي في مجموعه إلى ضرورة تحديد أنواع معينة من الأمراض، لأن هذا الإجبار حينها يقوم (للحد من انتشار بعض الأمراض الوراثية، ويمكن الكشف عن حاملها قبل الزواج، والتي يمكن وقاية أطفالنا منها، وهي أمراض قليلة واضحة الانتشار معروفة الوراثة طبياً، وإمكانية التوصل إلى حاملها من الأبوين معروفة علمياً وطبياً) ([168]).
يقول الأستاذ الدكتور محمد علي البار في ذلك: في كل شخص يوجد تسعمائة مرض وراثي، فهل من المعقول أن نبحث في كل هذه القوائم، فهذا يكلف الملايين، ومن المستحيل أن نبحث في كل هذا، إنما تكون هناك شواهد فهناك أمراض يمكن اختيارها وهي معروفة لدينا من حيث الانتشار والتأثير، وإمكانية تحمل الدولة أعباء هذه الفحوصات، وخاصة الأعباء المالية، أما الأمراض المعدية ففحصها سهل، ومعرفة وجودها متيسر، وبتكلفة معقولة تتحملها الدولة والفرد وتجري لها المعالجة، أما الأمراض الوراثية فهي عويصة جداً، ومن يتحمل هذه المشكلة؟ إنها عدد كبير من الأمراض، ويجب أن نأخذ عدداً محدوداً ([169]).
الرأي الشرعي:
لقد أشرنا إلى أن المسلمين سابقاً كانوا يتصفون بالأمانة في الإخبار عن العيوب، مع عدم وجود التقدم العلمي الذي يمكنهم من الفحص الطبي، أما العلماء المعاصرون فلم يكونوا في استجابتهم لإجراء الفحص الطبي أقل تحمساً من الأطباء، ويظهر ذلك واضحاً من خلال الذين تعرضوا لهذا الموضوع.
فيرى الأستاذ محمد شبير: أن الفحص الطبي لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ولا مع مقاصد الزواج، ولأن زواج الأصحاء يدوم ويستمر أكثر من زواج المرضى، ويمكن تنظيمه ـ الفحص الطبي ـ بحيث لا يترتب عليه ضرر بالرجل أو المرأة([170]).
ويقول الأستاذ الصابوني: إصابة أحد الزوجين بمرض معد ينتقل للزوج الآخر فيه من الضرر ما لا يخفى، كما أن فيه تغريراً للسليم منهما إذ ربما لو علم بمرض زوجه لما وافق على الزواج به، وإني أقترح أن يضيف المشرع إلى هذه الشهادة تقريراً يتضمن فحص فصيلة دم كل من الزوجين، فقد أثبت الطب الحديث بما توصل إليه المختبر من دقة في التحليل على أن فصيلة دم الزوجة إذا لم تكن على وفاق مع فصيلة دم الزوج فقد يحصل تشويه في الجنين أو إجهاض قبل الأوان، أو ينشأ الولد مريضاً إلى غير ذلك من الأمور التي يمكن للطب حالياً أن ينبأ عنها نتيجة زمرة دم كل من الزوجين. إن تقريراً من طبيب لا يؤخر زواجاً، ولكنه يعطي صورة واضحة لكل من راغبي الزواج عن شريك حياته المقبل، والشريعة الإسلامية تتقبل كل ما هو نافع ومفيد للفرد والأسرة في هذا المضمار ولو لم ينص عليه الفقهاء بعينه([171]).
والشيخ ابن باز رحمه الله يرى عدم جواز الكشف الطبي قبل الزواج، بل نصح المتقدمين على الزواج: بإحسان الظن بالله، فالله سبحانه يقول:(أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي)([172])، كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الكشف يعطي نتائج غير صحيحة ([173]).
وعلى الرغم من وجاهة رأي شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله إلا أن الأدلة الواردة من الكتاب والسنة تدل على أن الأخذ بالأسباب من أجل الأمور الدنيوية جائز للعباد من أجل تحصيلهم للحياة الطيبة الكريمة الخالية من المكدرات، فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:(نفر من قدر الله إلى قدر الله)([174]).
وحين يقال بجواز الفحص الطبي قبل الزواج فهذا لا يمنع بحال المقدمين على الزواج بعد معرفتهما بعيوب معينة من الاستمرار في إتمامه، فعملية الفحص لا تلغي حرية المتقدمين بالقبول بالزواج على الرغم من وجود العيوب لكن ذلك يكون عن قناعة ورضا.
ومن أدلة جواز الفحص الطبي من الناحية الشرعية([175]):
(1) دعوة الشريعة الإسلامية إلى المحافظة على النسل، باعتباره أحد الكليات الخمس، وقد وردت آيات وأحاديث تدل على حرص الأنبياء وغيرهم بأن يرزقهم الله ذرية طيبة. قال زكريا عليه السلام:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}([176])، وقوله:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} ([177])، وهذه وإن قيل أنها إشارة إلى صلاح الذرية إلا أنها تشمل أيضاً سلامتهم من العيوب الخَلْقِيّة، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ)([178]). وكل هذه الأغراض تهدف إلى تحقيقها عملية الفحص الطبي قبل الزواج.
(2) العمل على المحافظة على كيان الأسرة، فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون،أو جذام،أو برص، فمسها، فلها صداقها كاملاً، وذلك لزوجها غرم على وليها([179])، ومن ثمّ فالفحص الطبي قبل الزواج يحافظ على كيان الزوجية من الفسخ الجائز عند الغرر على رأي بعض الفقهاء.
(3) وجود أدلة عامة تأمر باجتناب المصابين بالأمراض المعدية والوراثية مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تُورِدُوا الْمُمْرِضَ عَلَى الْمُصِحِّ)([180])، وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ([181]) وَلا صَفَرَ وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ([182]) كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ)([183]).
(4) حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوج زوجته من عائلة تعرف بناتها بالإنجاب، فقد قالصلى الله عليه وسلم:(تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ)([184]). مما يدل على أهمية عنصر الاختيار على أساس صحة النسل والولادة المستقبلية.
(5) حث النبي صلى الله عليه وسلم من أراد الخطبة أن ينظر إلى المخطوبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه:(أن رجلاً خطب امرأة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا)([185]). مما يدل على ضرورة معرفة العيوب في المخطوبة، وعلى أوليائها ذكر ذلك.
(6) نص العلماء من المالكية([186])،والشافعية([187])، والحنابلة([188]). على القول بأن عقد النكاح يدخله خيار العيب كغيره من العقود المدنية، وإن اختلفوا في تحديد العيوب التي يفسخ بها العقد، مما يدل على أنه من الواجب على الخاطبين معرفة عيوب كل منهما الجسدية لكي لا يحدث الفسخ وما ينبني عليه من إشكالات مادية ونفسية وإنسانية.
(7) استحب أهل العلم التغريب في النكاح، فيبتعد عن الزواج بالقريبات، كابنة العم وابنة الخال، وذلك تفادياً لضعف بنية الأولاد، وقد تنبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مخاطر الزواج بالقريبات فقال:(اغتربوا ولا تضووا)، أي تزوجوا الغريبات حتى لا يضعف النسل، وقال رضي الله عنه: (لا تنكحوا القرابة القريبة، فإن الولد يخلق ضاوياً) ([189]).
وهذا ليس بمسلَّم على إطلاقه لكنه من حيث الأعم الأغلب إذ قد يكون في الزواج من القريبة مصالح ظاهرة كثيرة لا يمكن أن تتحقق في زواج البعيدات.
(8) الفحص الطبي قبل الزواج يحقق مصالح مشروعة للفرد الجديد، وللأسرة والمجتمع، ويدرأ مفاسد اجتماعية ومالية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
(9) الفحص الطبي قبل الزواج من الأسباب المشروعة المأمور بها شرعاً.
(10) الوسائل تأخذ حكم الغايات، فإذا كانت الغاية هي سلامة الإنسان العقلية والجسمية، فإن الوسيلة المحققة لذلك مشروعة.
(11) هناك من الأمراض ما يكون مخيفاً، ويخشى على الزوجين منه، فيعد الإقدام على الزواج دون معرفة من الآخر ضرر، والقاعدة تقول: (لا ضرر ولا ضرار)([190]).
وعلى ذلك فالفحص الطبي لا يعارض الشريعة الإسلامية، بل تؤيده لما فيه من المصالح العديدة للأفراد والأسر والمجتمعات.
مسألة: هل يمكن لولي الأمر إلزام وإجبار الخاطبين بالفحص الطبي، وسن أنظمة تمنع الزواج إلا بوجود هذا الشرط؟
ولي الأمر من الناحية الشرعية مسؤول عن رعيته، وهو حريص على عدم وجود الضرر لهم، وله الاجتهاد في تحديد المصالح والمفاسد المترتبة على سن هذا النظام، بحيث إذا رأى في البلد التي يقوم عليها انتشار أمراض معدية تؤثر على الحياة الزوجية والذرية المستقبلة فيجوز له إذا رأى أن من المصلحة إلزام الخاطبين بذلك قبل الزواج وهو من باب السياسة الشرعية.
وعلى الرغم من إمكان تطبيق هذا الأمر من الناحية النظامية إلا أن ذلك لا يؤثر في صحة العقد إذا تم بغير الفحص الطبي، ويعتبر عقد النكاح صحيحاً إذا تكاملت شروطه وأركانه.
وعلى كل حال فلا ينبغي أن نمنع الخاطبين من إجراء فحوصات شاملة إذا رغبا في ذلك. والأمر يرجع في نهاية الأمر إلى اجتهاد ولي الأمر لما يراه من حيث المصالح والمفاسد التي تعود على رعيته.
وفي بلادنا ـ المملكة العربية السعودية ـ أصبح الفحص الطبي إلزامياً، وتم تعميد مأذوني الأنكحة بذلك، فلا يتم العقد إلا إذا أحضر الخاطبان وثيقة الفحص وتبين أنهما متطابقان وأنه لا خطورة في زواجهما من بعض.
المطلب الثالث:
تسجيل عقد النكاح
في المحكمة
عقد الزواج في الشريعة الإسلامية سهلٌ يسيرٌ في صيغته على خلاف ما عليه عقود الزواج في الأديان الأخرى من كثرة الشكليات والتعقيد، لسماحة الدين وحرصه على الروابط الإنسانية بين المسلمين وقد كان الزواج في السابق عبارة عن إيجاب وقبول لا يحتاج معها إلى وجود ورقة أو إثبات لهذا الزواج، بحيث أن الزوج يعرض أمره على ولي المرأة بطلب الزواج منها، فإذا وافق ولي المرأة على زواجها وقبل الزوج حلت المرأة لزوجها بعد قيام الأركان والشروط الشرعية التي وضعها العلماء.
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة ينعقد الزواج بالإيجاب من أحد الطرفين والقبول من الآخر، فيقول الولي (زوجت بنتي..)، ويقول الآخر (تزوجت) ويشترط في الإيجاب والقبول اتحاد المجلس، وألا يخالف أحدهما الآخر([191]).
وفي مذهب الإمام مالك ينعقد الزواج بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد في حال الحياة كالتزويج والإنكاح والهبة، وما في معناها والصدقة، فيقول الولي:(زوجت)، أو (أنكحت)، ويقول الزوج (قبلت) ([192]).
وفي مذهب الإمام الشافعي لا يجوز عقد الزواج إلا بلفظ التزويج، أو الإنكاح. أما ما سواهما من الألفاظ الأخرى كالتمليك والهبة فلا يصح، لأن ذلك لا يأتي على معنى النكاح، ولأن الشهادة شرط فيه، فإذا عقد بلفظ الهبة لم تقع الشهادة على النكاح. وصيغته أن يقول العاقد (زوجتك)، أو (أنكحتك موليتي فلانة)، ويقول الزوج أو وكيله (تزوجتها)، أو (نكحتها)([193]).
وفي مذهب الإمام أحمد إذا قال الخاطب لولي المرأة (أزوجت)،فقال (نعم)، فقد انعقد الزواج إذا حضره شاهدان، ولو قال الولي (زوجتك ابنتي)، فقال (قبلت) انعقد النكاح، وينعقد النكاح بلفظ (الإنكاح)، و(التزويج) لورودهما نصاً في كتاب الله في قوله تعالى{ زَوَّجْنَاكَهَا}([194])، وقوله تعالى:{وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ}([195]))([196]). والوارد في صيغ الشافعي وأحمد من قصر الصيغة على (الإنكاح)، أو (التزويج) هو الراجح لورود الأدلة في كتاب الله عليهما، وهو الذي ينبغي أن يعمل به.
فإذا تحققت هذه الصيغة مع بقية الأركان والشروط الأخرى (كتعيين الزوجين في العقد وحصول رضاهما وتعيين الصداق والإشهاد على الزواج ووجود الولي والخلو من الموانع الشرعية) فقد انعقد الزواج.
فدل ذلك على سهولة هذا العقد وسماحته في صيغته، أو شكله، أما في موضوعه فهو ذو أمر عظيم لما فيه من السكينة والمودة والرحمة بين الزوجين، وتهيئتهما للإنجاب والعمل على تربية الذرية الصالحة، وغير ذلك من المنافع الكثيرة مما لا مجال لحصره وذكره.
وعلى هذا فقد اكتفى المسلمون في العصور السابقة بعقد الزواج بألفاظ مخصوصة ـ كالتي سبق ذكرها ـ وتوثيقه بالشهادة، ولم يرو آنذاك حاجة لتوثيقه بالكتابة، ومع تطور الحياة، وتغير الأحوال، وما يحتمل أن يطرأ على الشهود من عوارض الغفلة والنسيان والموت وغير ذلك من ضعف الإيمان، وشهادة الزور، وكتمان الحق، والتحايل على الأحكام الشرعية، وما يقتضيه واقع الحال من تدوين كافة العقود المتعلقة بأحوال الناس وتوثيقها أصبحت هناك حاجة لتوثيق عقود الزواج بالكتابة لضمان الحقوق الشرعية خاصة للزوجة التي بتوثيق عقدها ترجع به إلى ولي الأمر للحصول على حقوقها الشرعية لدى زوجها.
وقد اقتضى ذلك النص في العديد من الأنظمة على إلزام الزوجين بتوثيق عقدهما كتابة وفق تنظيم معين يقوم بوضعه ولي الأمر لإلزام الناس العمل به بما يعود عليهم بالمصلحة الراجحة لحفظ الحقوق والأنساب، وعدم الاعتراف بما ينشأ من عقود خلاف هذا التنظيم الذي وضعه ولي الأمر.
أهمية توثيق العقود بالكتابة وغيرها:
لقد جاء الإسلام بالمصالح العديدة للبشرية، وما فيه حفظ حقوقهم من أن تسلب أو تضيع، ومن ذلك توثيق عقود الناس ومعاملاتهم، وقد وردت أدلة من الكتاب والسنة تدل على أهمية التوثيق لمعاملات الناس بعضهم مع بعض، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}([197])، وقد تباينت آراء العلماء فيما إذا كان الحكم في هذه الآية للندب أو الوجوب، فمن قال إنه للندب قال بأن الآية نسخت بقول الله تعالى:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}([198])، كما احتج بأن هذه الآية نزلت مقترنة بالأمر بالكتابة والإشهاد. كما احتج من قال بأنها للندب بأن عقود المداينات والبياعات والأشربة كانت تقع في الأمصار دون إشهاد، ولم ينكر ذلك أحد من الفقهاء، ولو كان الإشهاد واجباً ما تركوا ذلك مما يدل على أنه جاء للندب وليس للوجوب([199]).
أما من قال إن الأمر بالكتابة والإشهاد للوجوب فاحتج بما قاله ابن عباس رضي الله عنهما : لا والله إن آية الدين محكمة ليس فيها نسخ ([200])، واحتج كذلك بما روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل آتى سفيهاً ماله، وقد قال الله عز وجل {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} ([201]))([202]).
كما احتج من قال بالوجوب بأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يشهد إذا تبايع بنقد ويكتب ويشهد إذا تبايع بنسيئة ([203]).
أما شرعية التوثيق من السنة فقد وثَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من معاملاته بالإشهاد والكتابة منذ عهده عليه الصلاة والسلام، وعهود من تلاه من الخلفاء والولاة استشعاراً لما في التوثيق من حفظ الحقوق والمصالح. هذا من حيث العموم، أما عن توثيق عقد الزواج فقد دلت السنة على وجوب توثيقه بالشهادة، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لانِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ)([204])، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الْبَغَايَا اللَّاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ)([205]).
وقد ذهب جمع من أهل العلم سلفاً وخلفاً إلى أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين، وممن قال به جمع من الصحابة، والتابعين، وبعض أئمة المذاهب كأبي حنيفة والشافعي، والمشهور عند أحمد([206]).
والعلة في وجوب الإشهاد على الزواج واضحة في كونها تدل على إشهاره وإعلانه عن طريق النقل والتسامع بين الناس مما ينفي التهمة، ويدرأ الشبهة عن العلاقة، هذا إلى جانب حفظ حقوق الزوجين وحفظ حقوق الولد في النسب وغيره، ودفع احتمالات الإنكار والجحود في حال النزاع.
لذلك ظهرت أهميـة التوثيق في الشريعة الإسلاميـة سواء كان بالشهود، أو بالكتابة، وقد يكون هذا التوثيق أدعى في هذا العصر الذي كثرت فيه المشكلات، وقل فيه وازع الإيمان، وقست القلوب ببعدها عن الله، وتغيرت أحوال الناس من الخير إلى الشر، وبعدوا عن المنهاج الصحيح الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، مما يقتضي معه توثيق جميع العقود بالكتابة والإشهاد عليها، وخاصة عقود الزواج.
وللتوثيق أهمية كبيرة ومنافع عديدة: منها إمكانية حفظ العقد المكتوب مدة طويلة وغير محددة، ومنها سهولة الرجوع إليه عند النزاع مما لا يتوفر في الشهود، ومنها معرفة الأمة لتاريخها وتسلسل أجيالها، وحفظ أنسابها، ناهيك عما يستلزمه تخطيط تنميتها واقتصادها من توثيق أنكحتها.
مسألة: هل يحق لولي الأمر إلزام الناس بتوثيق العقود؟
نعم لولي الأمر ذلك، فكما أن له إلزام الناس بتوثيق عقود البيوع، والرهون، والإجارات، وغيرها بالكتابة، فمن باب أولى يحق له إلزامهم بتوثيق عقود الزواج حيث يترتب عليها جلب مصالح كبيرة، ودرء مفاسد عظيمة، وعلى الرعية طاعة ولي الأمر في ذلك إذا ألزم به لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}([207]).
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي)([208]). واستدلالاً بمبادئ الشريعة ومقاصدها التي توجب طاعة ولي الأمر ما دام أمره في غير معصية لله، كما قال ذلك أبو بكر رضي الله عنه في خطبته الشهيرة: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم([209]).
المطلب الرابع: تحديد مهور الزواج:
تعريف المهر:
لغة: صداق المرأة، وهو: ما يدفعه الزوج إلى زوجته بعقد الزواج، والجمع مهور، ومهورة. يقال: مهرت المرأة مهراً: أعطيتها المهر، وأمهرتها ـ بالألف ـ كذلك، والثلاثي لغة بني تميم وهي أكثر استعمالاً([210]).
وأما في الاصطلاح: فالمهر: هو ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهراً ([211]).
وللمهر تسعة أسماء: المهر، والصداق، والصدقة، والنحلة، والفريضة، والأجر، والعلائق، والعقر، والحباء([212]).
وقد أجمع الفقهاء أن المهر حق من حقوق الزوجة الشرعية، والذي يترتب لها عن طريق عقد النكاح الصحيح، وهو يجب على الزوج لأدلة الكتاب والسنة والإجماع، فمن كتاب الله تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}([213])، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمريد النكاح:(الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ)([214])، وانعقد الإجماع على وجوب المهر على الزوج لزوجته.
أنواع المهر:
المهر الواجب نوعان:
الأول: المهر المسمى: وهو العوض المسمى في عقد النكاح، والمسمى بعده لمن لم يسم لها في العقد([215]).
الثاني: مهر المثل: وهو القدر الذي يرغب به في أمثال الزوجة([216]).
مقدار المهر:
لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا حد لأكثر المهر([217]). لقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً} ([218]).
وفي القنطار أقاويل منها: أنه المال الكثير، وهذا قول الربيع([219]).
وأما أقل المهر فقد اختلف الفقهاء فيه: فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن أقل المهر غير مقدر، بل كل ما جاز أن يكون ثمناً أو مبيعاً أو أجرة أو مستأجراً جاز أن يكون صداقاً قل أو كثر ما لم ينته في القلة إلى حد لا يتمول.
وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو قول الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وعمرو ابن دينار، وابن أبي ليلى، والثوري، والأوزاعي، والليث، وإسحاق، وأبي ثور.
وذهب الحنفية، والمالكية، وسعيد بن جبير، والنخعي، وابن شبرمة إلى أن المهر مقدَّر الأقل([220]).
تحديد المهور:
أولاً: مهر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت:كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش قال قلت لا قالت نصف أوقية فتلك خمس مائة درهم([221]).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية([222]).
وعن أم حبيبة رضي الله عنها أنها كانت تحت عبيد الله ابن جحش فمات بأرض الحبشة، فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة، وفي رواية: أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل ([223]).
وعند النسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل ابن حسنة ولم يبعث إِليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربع مائة درهم([224]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها([225]).
ثانياً: من عرف مهرها من سائر زوجات أصحابه رضي الله عنهم:
روى البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد الساعدي قال: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ سَهْلٌ مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا فَقَالَ تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ)([226]).
والروايات في مهور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة وهي تبين أن المهور لم تكن محددة بشيء من قبل النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه، بل كان التيسير فيها بحسب حال الناكح.
ثالثاً: هل وجد في نصوص الشريعة حد للمهور:
لا يوجد دليل من القرآن ولا من السنة يدل على تحديد المهور، فالأدلة التي جاءت في القرآن منها ما فيه التنبيه على جواز دفع المهر الكثير، ومنها ما هو عام يشمل القليل والكثير، والأدلة التي جاءت في السنة دالة على تفسير هذا العموم بجوازه بالقليل والكثير، وقد تكلم بعض أهل العلم وأشاروا إلى عدم وجود الدليل على التحديد من قبل الشارع في وضع المهور للنساء، ومن ذلك:
قال القرطبي رحمه الله: وقد أجمع العلماء على أن لا تحديد في أكثر الصداق ([227]).
وقال ابن قدامة رحمه الله: وأما أكثر الصداق فلا توقيت فيه بإجماع أهل العلم، قاله ابن عبد البر ([228]).
وأما الدليل من القرآن المنبه على جواز كثرة المهر فهو قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} ([229]). قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (فيها دليل على جواز المغالات في المهور لأن الله تعالى لا يمثل إلا بمباح([230]).
وقال ابن كثير: في الآية دليل على جواز الإصداق بالمال الكثير([231]).
وأما ما جاء في القرآن عاماً يشمل القليل والكثير فمن ذلك قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} ([232]).
وقوله تعالى:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}([233]). فإن لفظ الأموال ولفظ الأجور عام يشمل القليل والكثير.
وأما الأدلة التي جاءت من السنة دالة على وقائع مختلفة حصل فيها تفاوت كبير في المهور كمهر زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبناته رضي اله عنهن وما عرف من مهور زوجات أصحابه رضي الله عنهم، كالتزويج على ما مع المتزوج من القرآن، والتزويج على النعلين، وعلى وزن نواة من ذهب، وعلى أربع أواق.
رابعاً: قصة عمر بن الخطاب مع من أنكرت عليه حديثه في تقليل المهور:
روى أبو داود عن أبي العجفاء السلمي قال: خطبنا عمر يوماً فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية.
قال القرطبي في تفسيره: وخطب عمر فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر: يعطينا الله وتحرمنا؛ أليس الله سبحانه وتعالى يقول:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً}، قال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
وفي رواية: فأطرق عمر. ثم قال كل الناس أفقه منك يا عمر، وفي أخرى: امرأة أصابت ورجل أخطأ، والله المستعان.
وتركه رضي الله عنه الإنكار عليها لكونها أصابت في عدم تحديد أكثر المهور أو أقلها من قبل الشارع.
خامساً: مبررات تحديد المهور ومضار عدم التحديد:
أولاً: مبررات تحديد المهور:
- تيسير الزواج.
- بقاء النسل وتكثيره بطريق شرعي.
- خلو المجتمع من العناصر الفاسدة ومن الفساد.
- عمارة الأرض بآلات صالحة.
- حفظ كيان الأسرة والعمران بنسل شرعي.
- تحصين الفروج وغض البصر.
- استفراغ الشهوة واستنزاف مواد المضرة وإصلاح الجسد بالطريق الشرعي.
ثانياً: مضار عدم تحديد المهور:
- قلة الزواج؛ لأن المبالغة في المهور يكلف الرجال ما لا طاقة لهم به.
- قلة الزواج تؤدي إلى انتشار الفساد بين الرجال والنساء، وبين الرجال والرجال، وبين النساء أنفسهن فتكثر الفواحش بسبب ذلك.
- وجود شيء من هذه المفاسد في شخص ما تجعله عضواً أشل لا ينتفع به في مجال البناء السليم للمجتمع المسلم.
- المجتمع الذي تنتشر فيه هذه المفاسد مجتمعٌ غير مترابط.
- يضاف إلى ما سبق أن الشخص إذا تعذر عليه الزواج من بلده نتيجة غلاء المهر اضطر إلى أن يتزوج من الخارج، والزواج من الخارج في هذا الوقت له آثاره السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.
- قد يؤدي عدم التحديد إلى أن المرأة هي التي تخطب الرجل مستقبلاً، وتدفع له المهر كما هي عادة غير المسلمين.
- أن الآباء قد يمنعون الأكفاء لأنهم لا يستطيعون دفع مهر كثير، ويزوجون غير الأكفاء لأنهم يدفعون ما يرضي الآباء من المهر.
وإذا علم ما سبق من المصالح المترتبة على التحديد، والمفاسد الناشئة عن عدم التحديد فإن من القواعد المقررة في الشريعة أن المصالح إذا تعارضت قدم أرجحها، وأن المفاسد إذا لم يمكن تركها كلها وجب ترك أعظمها ضرراً ولو بارتكاب أقلها ضرراً، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد قدم الراجح منها، وإذا تساوت في نظر المجتهد فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
سادساً: هل تحديد المهور علاج واقعي ناجح وإن لم يكن فما العلاج؟
قد يقال إن تحديد المهور ليس بعلاج عملي ناجح في دفع مغالاة الناس فيها لأمور:
أحدها: أن الناس جبلوا على التقليد، فينظر الضعيف منهم للقوي، والفقير للغني، فإذا وجدوا الوجهاء والأغنياء غلوا في مهور بناتهم أو من يتزوجونهن مجاملة أو إكراماً أو فخراً قلدوهم في ذلك.
الثاني: أن النقود اليوم قد هبطت قيمتها نتيجة لعدة عوامل، فالشيء الذي يساوي مائة ريال سابقاً ـ مثلاً ـ يساوي اليوم ألفاً تقريباً، فإذا قيست على المهور سابقاً فقد لا تعتبر مغالى فيها، وربما تعلل أولياء البنات بهذا، وادعوا أن ما تعطاه البنت من المهر لا يقوم بما تحتاجه لتستعد بما يلزم لزواجها من الأثاث والملابس وغيرها.
الثالث: الإبقاء على النكاح والتخلص منه بيد الزوج، فإذا حددت المهور بمبلغ قليل فربما يسهل على الزوج أمر الطلاق، ويكثر منه وهذا مما لا يتفق مع مقاصد الشريعة في النكاح من الاستقرار وطمأنينة النفس وبناء الأسرة.
وقد يقال إن العلاج ممكن بدون تحديد وذلك بما يأتي:
(1) توعية الناس عن طريق الإعلام والخطابة في الجوامع والمجـامع العامة في المناسبات ويركز على تحذير الأولياء من العضل وترغيب الناس في الاصطلاح بينهم على مهر معين وذلك بأن يتفق أهل كل بلد أو كل قبيلة على مقدار معين.
(2) منع الناس من الإسراف في مواسم الزواج.
(3) التطبيق العملي من الطبقة الواعية من الناس بأن يزوجوا مولياتهم من الأكفاء ويقتنعوا بما تيسر .
مسألة: هل يحق لولي الأمر أن يحدد المهر، ويقوم بإلزام الناس به؟
ذكرنا سابقاً قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع المرأة التي أنكرت عليه تحديد أكثر المهر للنساء، ولما راجعته في ذلك وذكرته بقول الله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً} ([234]) رجع إلى الحق، وترك مجال تحديد المهور إلى الناس، لكونهم أعلم بمصالحهم من حيث الغنى والفقر.
وإذا اجتهد ولي الأمر في وضع مهر معين للزواج فلا ينبغي إلزام الناس به وإنما ترغيبهم بالأخذ فيه، لعدم وجود نصوص شرعية تقضي بالتحديد، وقصة رجوع عمر عن تحديد المهور فيها خير برهان على ذلك.
المبحث الخامس:
حدود سلطة ولي الأمر
في قضايا الطلاق
وفيه مطلبان:
المطلب الأول:
سلطة ولي الأمر في الطلاق
والرجعة فيه.
المطلب الثاني:
سلطة ولي الأمر في الخلع.
المطلب الأول: سلطة ولي الأمر
في الطلاق والرجعة فيه:
معنى الطلاق، ومشروعيته، وحكمه، وركنه، وحكمته، وسبب جعله بيد الرجل:
معنى الطلاق:
لغة: حل القيد والإطلاق، ومنه ناقة طالق؛ أي مرسلة بلا قيد، وأسير طليق: أي حل قيده وخلي عنه.
لكن العرف خصّ الطلاق بحل القيد المعنوي، وهو في المرأة، والإطلاق في حل القيد الحسي في غير المرأة.
وشرعاً: حل قيد النكاح، أو حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه، أو رفع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص([235]).
فحل رابطة الزواج في الحال يكون بالطلاق البائن، وفي المآل، أي بعد العدة يكون بالطلاق الرجعي، واللفظ المخصوص: هو الصريح كلفظ الطلاق، والكناية كلفظ البائن والحرام والإطلاق ونحوها.
ويقوم مقام اللفظ: الكتابة، والإشارة المفهمة، ويلحق بلفظ الطلاق لفظ (الخلع)، وقول القاضي (فرقت) في التفريق للغيبة أو الحبس، أو لعدم الإنفاق أو لسوء العشرة.
وقد أخرج باللفظ المخصوص: الفسخ، فإنه يحل رابطة الزواج في الحال، لكن بغير لفظ الطلاق ونحوه، والفسخ كخيار البلوغ، وعدم الكفاءة، ونقصان المهر، والردة. ولا يصح الرجوع في الطلاق أو العدول عنه كسائر الأيمان لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا قيلولة في الطلاق)([236]).
مشروعيته:
الطلاق مشروع بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقول الله تعالى:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}([237])، وقوله تعالى: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}([238]).
وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم:(إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ)([239])، وقوله صلى الله عليه وسلم:(أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاقُ) ([240]).
وقال عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ([241]).
وأجمع المسلمون على جواز الطلاق، والمعقول يؤيده، فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء الزواج مفسدة محضة، وضرراً مجرداً، بإلزام الزوج النفقة والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل الزواج، لتزول المفسدة الحاصلة منه.
حكمة تشريع الطلاق:
الحكمة من ذلك هي الحاجة إلى الخلاص من تباين الأخلاق، وطروء البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى، فكان تشريعه رحمة منه سبحانه وتعالى([242]).
أي أن الطلاق علاج حاسم، وحل نهائي أخير لما استعصى حله على الزوجين وأهل الخير والحكمين، بسبب تباين الأخلاق، وتنافر الطباع، وتعقد مسيرة الحياة المشتركة بين الزوجين، أو بسبب الإصابة بمرض لا يحتمل، أو عقم لا علاج له، مما يؤدي إلى ذهاب المحبة والمودة، وتوليد الكراهية والبغضاء، فيكون الطلاق منفذاً متعيناً للخلاص من المفاسد والشرور الحادثة.
وأما الطلاق عند عدم الحاجة، كمن تطلب الطلاق من زوجها لهوى في نفسها، أو لمحبة غيره من الرجال، فلا يحل لها ذلك، بل هي آثمة بموعود النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:(أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)([243])، وهذا فيه تهديد ووعيد لمن فعلت ذلك من النساء بغير وجه حق.
ولقد حث الشارع الحكيم الزوجين على الصبر والتحمل كي تسير سفينة الأسرة إلى بر الأمان، وكي يحفظ الأولاد من مهبة التفكك الأسري الذي يكون سبباً في فساد أخلاقهم وضياعهم.
فلا يلجأ إلى الطلاق من أول وهلة ولأهون الأسباب، بل لا يكون الطلاق هو الأساس في ذلك بل يجب على الزوج أن يتريث فيه إلا إذا جزم بعدم استمرار الحياة الزوجية بينهما، وهي المعاشرة بالمعروف.
مسألة: ما السبب في جعل الطلاق بيد الرجل؟
وذلك للحفاظ على رباط الزوجية، لكون الرجل هو الذي يدفع المهر، ويقوم بتجهيز بيت الزوجية، والإنفاق على الزوجة والأولاد، وغير ذلك من المسؤوليات، والرجل أيضاً أكثر تقديراً لعواقب الأمور من المرأة، وأبعد عن الطيش في التلاعب به، لذلك جعله الله في يده ليحافظ على بيت الزوجية من الهدم.
ولذا فقد أعطاه الشارع الحكيم حق التطليق لأمرين:
الأول: أن المرأة غالباً أشد تأثراً بالعاطفة من الرجل، فإذا ملكت التطليق فربما أوقعت الطلاق عند أتفه الأسباب.
الثاني: معلوم أن الطلاق يستتبعه أمورٌ مالية من دفع مؤجل المهر، ونفقة العدة، والمتعة، وهذه التكاليف المالية من شأنها حمل الرجل على التروي في إيقاع الطلاق، فيكون من الخير والمصلحة جعله في يده.
أما المرأة فلا تتضرر مالياً بالطلاق، فلا تتروى في إيقاعه بسبب سرعة تأثرها وانفعالها.
وغالب حالات الطلاق لا تتم إلا باندفاع المرأة في طلب الطلاق من زوجها وكثرة الإلحاح فيه عند أدنى سبب.
أركان الطلاق:
ذهب الحنفية([244]) إلى أن ركن الطلاق هو اللفظ الذي جعله دلالة على معنى الطلاق لغة: وهو التخلية والإرسال، ورفع القيد في الصريح، وقطع الوصلة ونحوه في الكناية. أو شرعاً: وهو إزالة الحل؛ أو ما يقوم مقام اللفظ من الإشارة.
وأما غير الحنفية([245]) فقالوا: أركان الطلاق أربعة: أهل له، وقصد، ومحل، ولفظ.
وعدها ابن جزي ثلاثة: هي المطلِّق، والمطلقة، والصيغة: وهي اللفظ وما في معناه.
وأما الشافعية والحنابلة فقالوا: أركان الطلاق خمسة: مطلِّق، وصيغة، ومحل، وولاية وقصد، فلا طلاق لفقيه يكرره، وحاك ولو عن نفسه، ويلاحظ أن الولاية أدخلها المالكية في الركن الأول وهو الأهلية.
وزاد الشافعية والحنابلة على المالكية ركن المحل.
وقد ذهب الحنفية([246]) إلى أنه مباح، وقال الجمهور([247]): أن الطلاق من حيث هو جائز، والأولى عدم ارتكابه، لما فيه من قطع الألفة إلا لعارض، وتعتريه الأحكام الأربعة من حرمة، وكراهة، وندب، والأصل أنه خلاف الأولى.
والخلاصة: أن الطلاق البدعي إما حرام أو مكروه، والطلاق السني إما واجب أو مندوب أو خلاف الأولى.
لزوم الطلاق:
الطلاق كاليمين متى توافر ركنه وشروطه لزم المطلق في زوجته، ولا رجوع عنه بوقوعه، ويحسب عليه إن طلقها ثم تزوجها ثانية، وكذلك في المرة الثالثة حتى تكون ثلاث تطليقات([248]).
شروط المطلق:
يشترط أن يكون زوجاً مكلفاً (بالغاً عاقلاً) مختاراً بالاتفاق، وأن يكون عند المالكية مسلماً، وأن يعقل الطلاق عند الحنابلة([249]) فلا يصح الطلاق من غير زوج، ولا من صبي مميز أو غير مميز، وأجاز الحنابلة طلاق مميز يعقل الطلاق ولو كان دون عشر سنين، بأن يعلم أن زوجته تبين منه وتحرم عليه إذا طلقها، ويصح توكيل المميز في الطلاق وتوكله فيه؛ لأن من صح منه مباشرة شيء صح أن يوكل وأن يتوكل فيه، ولا يصح عند الفقهاء أن يطلق الولي على الصبي أو المجنون بلا عوض، لأن الطلاق ضرر.
طلاق غير الزوج:
لا يصح طلاق غير الزوج لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا طَلاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ)([250])، وقوله:(إِنَّمَا الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ)([251]).
ولي الأمر وتقييد المباح([252]):
لولي الأمر أن يقيد المباح، بمعنى المباح العام، لا بمعنى الحق الثابت بنصوص لا مجال للاجتهاد فيها، مع اشتراط وجود دليل يؤيده، ومصلحة شرعية معتبرة يستند إليها، واعتبار ذلك التقييد تقييداً مؤقتاً لا دائماً، يزول بزوال مسوغه، لأن أعمال السياسة الشرعية تختلف عن الأعمال التشريعية التي لها صفة الدوام، لكن ليس لولي الأمر سلطة تقييد الحقوق وإلغائها كما هو مراد، لأنها حقوق ثابتة بنصوص شرعية.
فتقييد الحق شيء،وإلغاءه من أساسه شيء آخر، فالطلاق بيد الرجل بأدلة الكتاب والسنة، فلا يحق لولي الأمر التدخل فيه إلا بما يعود عليه بالمصلحة.
ومعلوم أن إقدام ولي الأمر على مثل هذا التشريع، وهو تقييد الطلاق بوقوعه أمام القاضي حتى لو وقع من الزوج على زوجته فقط دون أحد يوقع الناس في حرج عظيم وفساد كبير، ولكن يغني عن ذلك أن يلزم ولي الأمر بتوثيق الطلاق بالمحكمة بعد وقوعه، أما إذا قصرنا وقوعه أمام القاضي فالأمر خطير، وذلك لأن الرجل سيطلق خارج المحكمة والقاضي لم يعترف بهذا الطلاق، لأنه لم يتم من خلاله، فتصبح للمرأة في هذه الحالة صفتان متضادتان: الأولى: أنها مطلقة من زوجها ديانة، فيما بينهما وبين الله، لذا تستطيع الزواج بغيره حال انتهاء عدتها منه.
أما الصفة الثانية: فهي في الوقت نفسه تعتبر زوجة لمن طلقها، لأن الطلاق غير معتبر قضاءً، ولذا لا تستطيع الزواج من غير زوجها، لأنها إن فعلت ذلك كانت معرضة لعقوبة جريمة تعدد الأزواج، وهذا قبح تصان عنه الشرائع، فكيف إذا اتخذناه شريعة، ونسبناه لشريعة الإسلام، أما إذا استمر الزوج بعد طلاقه زوجته في العلاقة الزوجية، لأن القاضي لم يعترف بطلاقه رغم وقوعه ـ فما حكم الأولاد حينئذٍ؟.
أما إذا اعتبر الطلاق غير واقع ديانة وقضاء لمخالفته تقييد ولي الأمر فلا يمكن القول بوقوع المحظور الذي ذكرناه قبل قليل.
وإذا كان لولي الأمر أن ينهى عن بعض المباحات فإن هذا النهي لا ينسخ أصل مشروعيتها ولا يلغي النص الذي شرعها، إنما هو فقط وقف للعمل بأصل هذه المشروعية، وهو وقف مؤقت بتحقق المصلحة وزوال المفسدة، ومتى زالت ألغي الوقف المؤقت ورجع الحكم إلى أصله الثابت الذي لم ينسخ ولم يلغ، تماماً كما لو شفي المريض الذي منعه الطبيب من بعض طعامه، فإن هذا الحظر يزول ليرجع الأمر فيه إلى الإباحة الأصلية.
والأولى من ذلك هو تخليص الأمة من مشكلات الطلاق وغيره، بأن تتكاتف الجهود على جميع المستويات الإعلامية والتوجيهية لتربية الجيل والمجتمع تربية إسلامية صحيحة نقية، وتوعية الناشئة والمقبلين على الزواج بل وأفراد المجتمع جميعاً التوعية المفيدة، لغرس قيم الإسلام في المجتمع، وبث روح التعاون والمسؤولية، وحب الأسرة، والنسل، وتطبيق التكافل الاجتماعي، ومعرفة حقوق كل فرد وواجباته تجاه خالقه، ونفسه، ومجتمعه، وأسرته، فحينئذ لن تجد رجلاً يفرط في أسرته، ولن تجد امرأة تستهتر بقيم الأسرة، وإن وجدوا فقلة قليلة، كما ينبغي التوجيه إلى أن القوانين التي تطبق في بعض البلدان لا تكفي في حل مشكلات الطلاق وغيره، بل إن هناك الكثير من الناس ممن يتحايلون على هذه القوانين إما بتعاون المسئولين عن تطبيق القانون مع صاحب المشكلة وذلك عن طريق الشفاعات، أو الوساطة، أو الرشاوى، وإما عن طريق التحايل على نفس القانون بالتزوير، والكذب، وقول الزور، وغير ذلك مما هو معروف في وقتنا الحالي الذي قلت فيه التقوى، وضعفت فيه الذمم.
المطلب الثاني:
سلطة ولي الأمر في الخلع:
تعريف الخلع:
لغة:(بالفتح)هو النزع والتجريد، والخلع (بالضم)اسم من الخلع([253]).
وأما الخلع عند الفقهاء: فقد عرفوه بألفاظ مختلفة تبعاً لاختلاف مذاهبهم في كونه طلاقاً أو فسخاً، فالحنفية يعرفونه بأنه عبارة عن: أخذ مال من المرأة بإزاء ملك النكاح بلفظ الخلع([254]).
ويعرفه الجمهور بأنه: فرقة بعوض مقصود لجهة الزوج بلفظ طلاق أو خلع([255]).
حقيقة الخلع:
لا خلاف بين الفقهاء في أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق أو نوى به الطلاق فهو طلاق، وإنما الخلاف بينهم في وقوعه بغير لفظ الطلاق ولم ينو به صريح الطلاق أو كنايته.
فذهب الحنفية في المفتى به والمالكية والشافعية في الجديد، والحنابلة في رواية عن أحمد إلى أن الخلع طلاق.
وذهب الشافعي في القديم، والحنابلة في أشهر ما يروى عن أحمد إلى أنه فسخ([256]).
والقائلون بأن الخلع طلاق متفقون على أن الذي يقع به طلقة بائنة، لأن الزوج ملك البدل عليها فتصير هي بمقابلته أملك لنفسها، ولأن غرضها من التزام البدل أن تتخلص من الزوج ولا يحصل ذلك إلا بوقوع البينونة.
إلا أن الحنفية ذكروا أن الزوج إن نوى بالخلع ثلاث تطليقات فهي ثلاث، لأنه بمنزلة ألفاظ الكناية، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة عند غير زفر، وعنده ثنتان، كما في لفظ الحرمة والبينونة وبه قال مالك([257]).
والخلاف في هذه المسألة إنما يكون بعد تمام الخلع لا قبله، وسبب الخلاف في كون الخلع طلاقاً أو فسخاً، أن اقتران العوض فيه هل يخرجه من نوع فرقة الطلاق إلى نوع فرقة الفسخ، أولا يخرجه([258]).
دليل مشروعية الخلع:
ذهب عامة الفقهاء إلى مشروعية الخلع على وجه العموم بأدلة الكتاب والسنة وعمل الصحابة:
أولاً: من الكتاب:
قوله تعالى:{وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} ([259]).
فقد بينت الآية الكريمة أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو لخلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك فخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته، جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به منه بأن تطلب خلعها.
ثانياً: من السنة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت ابن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)([260]).
ثالثاً: عمل الصحابة رضي الله عنهم:
روي عن أيوب عن كثير مولى سمرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى بامرأة ناشز، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل فحبسها فيه ثلاثاً ثم دعاها فقال لها: كيف وجدت مكانك؟ قالت: ما وجدت راحة مذ كنت عنده إلا هذه الليالي التي حبستني، فقال لزوجها: اخلعها ولو من قرطها، اختلعها بما دون عقاص([261]) رأسها، فلا خير لك فيها([262]).
وروي عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته قالت: كان لي زوج يُقل عليّ الخير إذا حضر ويحرمني إذا غاب، قالت: وكانت مني ذلة يوماً، فقالت: أخلع منك بكل شيء أملكه، قال: نعم، قالت: ففعلت، فخاصم عني معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ ما دون عقاص الرأس([263]). فهذا قضاء إمامين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع لم يخالفهما فيه أحد من الصحابة، فدل على إجماعهم على ثبوت حكمه.
حكم الخلع:
الخلع قد يقع بسبب ما يصدر من الزوج أو من الزوجة أو منهما معاً، وقد يقع بلا سبب أصلاً:
أولاً: الخلع بسبب: الأصل في الخلع أن يكون مباحاً وذلك إذا كان بسبب الكراهة بين الزوجين، والخوف من أن يؤدي هذا للتفريط في الحقوق الزوجية([264]).
كأن تكره الزوجة زوجها لسوء خلقه، أو لسوء فعله معها، أو لضعف في دينه، أو لقبح في منظره، والزوج مقيم بحقها فترى لكراهتها هذه أن تفتدي منه، فيكون الخلع مباحاً وذلك لقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}([265]). فقد نفى سبحانه وتعالى الجناح عند الخوف من التقصير في الحقوق الزوجية بسبب التباغض، وهذا يدل على أنه مباح.
وأيضاً ما رواه ابن ماجه عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: والله ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق، ولكني أكره الكفر في الإسلام،لا أطيقه بغضاً ([266]).
وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أول خلع في الإسلام أخت عبد الله بن أُبي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأسه أبداً، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة إذ هو أشدهم سواداً، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجهاً، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته؟) قالت: نعم، وإن شاء زدته، ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما([267]).
ولأن المرأة قد تكره الزوج مع قيامه بحقوقها ولا يمكنها من مطالبته بالفرقة، لأن ذلك لا يلزمه إلا برضاها، فجاز أن تبذل له عوضاً على ذلك([268]).
وقد يكون الخلع مكروهاً إذا كان سببه مكروهاً، كأن تميل الزوجة إلى غير زوجها وترغب في نكاحه، فتخالع زوجها لتنكح من مالت إليه، ورغبت فيه، فهذا الخلع مكروه من جهة المرأة لما رواه ثابت بن يزيد ابن عقبة بن عامر قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: (الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ)([269])، يعني التي تخالع الزوج لميلها إلى غيره([270]).
وقد يكون السبب من جهة الزوج كأن تكون الزوجة ذات مال فيضيق عليها مع قيامه بالواجب لها طمعاً في مالها أن تخالعه علي شيء منه، فإن هذا يكون مكروهاً من جهة الزوج لا من جهة الزوجة مع أن الخلع يكون جائزاً في هذه الحالة للزوجة،لأن له سبباً يفضي إلى التباغض والكراهة([271]).
وقد يكون الخلع حراماً وذلك إذا كان النشور من قبل الزوج لأجل الافتداء، كأن ينالها بالضرب والأذى حتى تخالعه، أو يضيق عليها، أو يمنعها حقاً من حقوقها كالنفقة عليها، والقسم لها ونحوهما، حتى تفدي منه نفسها، فهذا الخلع حرام([272]). وذلك لانعقاد الإجماع على حرمة أخذ مال المسلم بغير حق([273])، وكذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ)([274]).
وهذه ما طابت نفسها ولا رضيت، بل أجبرت على دفع العوض بالتضييق عليها، فهي مكرهة على بذله([275]).
ويقول الله تعالى أيضاً: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} ([276]).
فإن وقع هذا الخلع فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:
الأول: الخلع هنا باطل، والعوض مردود، وروي هذا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعطاء، ومجاهد،والشعبي، والنخعي، والقاسم ابن محمد، وعروة بن شعيب، وحميد بن عبد الرحمن، والزهري، وبه قال الثوري، وقتادة، وإسحاق([277])، وإليه ذهب المالكية([278])، والشافعية([279]) والحنابلة([280]). وذلك لقوله تعالى:{وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}([281])، وقوله تعالى:{وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}([282])، ولأنه عوض أكرهن على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع والأجر في الإجارة([283]).
الثاني: وذهب الحنفية إلى أنه حرام، وأنه آثم عاص، والعقد صحيح والعوض لازم([284]). وذلك لأن الزوج أسقط ملكه عنها بعوض رضيت به، والزوج من أهل الإسقاط والمرأة من أهل المعاوضة والرضا([285]).
والراجح ما ذهب إليه الجمهور وذلك لأنه عقد تم بالإكراه فهو باطل، وأما كون الزوج قد اسقط ملكه عنها ببدل فإن هذا يكون غير مجحف الحق، لأنه المتسبب في الإكراه، ولأنه يثبت له حق الرجعة.
ولكن هذا لا يمنع الزوج حقه في تقويم زوجته إذا وجد منها نشوزاً وهو الحق الذي أثبته الله له في كتابه، فيجوز له أن يضربها على نشوزها حتى تعود إلى طاعته، وكذلك يجوز له ضربها لتأديبها وإصلاحها، ولا يجوز للمرأة طلب الاختلاع من الزوج لأجل هذا، لأنها تعلم أن هذا حق من حقوقه.
فإن طلبت الاختلاع منه لم يؤثر هذا في الخلع، لأنه يعد إكراهها عليه، وإنما يكون الخلع واقعاً عن رضا منهما، وكذلك أجاز الرسول النبي صلى الله عليه وسلم خلع ثابت بن قيس لامرأته حبيبة مع ضربه لها، لأنه لم يكن إجباراً لها على الخلع.
ثانياً: الخلع من غير سبب: إذا كانت الحياة الزوجية بين الزوجين مستقيمة، والحال عامرة، والأخلاق ملتئمة، ولا كراهة بينهما، ولا يوجد تقصير من أحدهما في حق الآخر، فقد اختلف الفقهاء في حكم الخلع على ثلاثة أقوال:
الأول: ذهب الشافعية إلى جواز الخلع في هذه الحالة، لأن العبرة عندهم بالتراضي، فما داما قد تراضيا على ذلك فإنه يجوز([286]).
الثاني: ذهب الحنفية([287])، والمالكية([288])، ومعظم الحنابلة([289]) إلى أنه يكره للمرأة أن تطلب الخلع من زوجها.
الثالث: وذهب ابن حزم([290]) إلى تحريم الخلع في هذه الحالة وهو ظاهر كلام الإمام
أحمد ([291])، وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)([292]).
وما روي عنه صلى الله عليه وسلم أن قال:(الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ)([293]) ولأنه عبث ولا حاجة تدعو إليه،وفيه هدم لكيان الأسرة المستقرة دون ضرورة([294]).
فإذا تم هذا الخلع فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:
القول الأول: الخلع جائز ويستحق الزوج العوض:
وإلى هذا ذهب الثوري والأوزاعي([295])، والحنفية([296])، والمالكية([297])، والشافعية([298])، والحنابلة([299]).
القول الثاني: الخلع فاسد ولا يستحق به الزوج العوض:
وحكي هذا عن الزهري، وعطاء، والنخعي([300])، وبه قال داود الظاهري([301])، وابن حزم([302])، وبعض الحنابلة([303])، وابن المنذر([304]).
والراجح من القولين: هو القول الأول وهو جواز الخلع من غير سبب عملاً بقول الله تعالى:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً}([305])، وهذه التي طلبت الخلع بغير سبب طابت نفسها بما تدفعه في الخلع.
ثم إن الرجل يملك الطلاق، وإذا أوقعه بدون سبب وقع، وإن كانت المرأة تملك في مقابل الطلاق الخلع فهي تملك طلبه من غير سبب فيكون جائزاً، وإن كان خلاف الأولى في الحالين.
وكذلك لو منعت المرأة من الخلع بغير سبب أدى بها إلى كراهة الزوج لميلها إلى الانفصال عنه، فيؤدي هذا إلى التباغض بينهما، ثم يكون بعد ذلك الطريق هو الخلع، فمن باب أولى مع التراضي.
وكذلك المرأة تدفع من مالها ما يقابل هذا الانفصال وهي لا تدفعه هباءً وإنما يكون لها غرض قد تستحي من ذكره.
مسألة: هل ولي الأمر هو الذي يقوم بالبت في قضية الخلع؟
اختلف الفقهاء في الخلع هل يشترط أن يتم عند القاضي ويشترط إيقاع القاضي له؟ أم يكفي مجرد تراضي الزوجين عليه؟
إذا اتفق الزوجان بمحضر من الشهود على إيقاع الخلع، واتفقا على العوض، فهل يقوم الزوج بإيقاع الطلاق أو إعلان انتهاء عقد النكاح بلفظ الخلع ويكفي هذا في تحقق العقد وترتب آثاره عليه؟
أم لابد من الترافع إلى القاضي ولابد أن يفصل القاضي فيه على قولين:
القول الأول: لا يحتاج الخلع إلى الترافع أمام القاضي، بل يكفي التراضي بينهما واتفاقهما على عوضه، وليس حضور القاضي ولا إذنه في الخلع شرطاً فيه.
وروي هذا عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم جميعاً.
وهو قول شريح وطاووس والزهري وإسحاق بن راهوية([306])، وإليه ذهب الحنفية([307])، والمالكية([308])، والشافعية([309])، والحنابلة([310])، وابن المنذر([311])، وابن حزم([312]).
القول الثاني: لا يجوز الخلع إلا عند القاضي وإلى هذا ذهب الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جبير([313]).
والراجح من هذه الأقوال هو قول الجمهور لقوة أدلتهم، وأن الخلع عقد يعتمد التراضي بين الزوجين كسائر العقود وهو بمنزلة الطلاق بعوض، وللزوج ولاية إيقاع الطلاق، وللزوجة ولاية التزام العوض، فلا معنى لاشتراط حضور السلطان أو نائبه وهو القاضي.
وأيضاً: فإن الزوجين إذا اتفقا على الخلع وتراضيا به ولم يوجد بينهما خلاف تم الخلع وصح منهما، وإذا تنازعا رفعا الأمر إلى ولي الأمر ليفصل بينهما فيما تنازعا فيه، فتدخل ولي الأمر أو من ينوب عنه يكون لفض النزاع فقط، وحسم الخلاف، وهذا في جميع العقود وليس في الخلع وحده، فلماذا يكون ولي الأمر شرطاً في الخلع؟.
وعلى ذلك فجعل ولي الأمر شرطاً في الخلع ليس بسائغ شرعاً لمخالفته النصوص الشرعية، ولأن الخلع يكون عن تراض بين الزوجين على عوض للمرأة، وهذا حاصل كما في قصة امرأة ثابت بن قيس عندما أتت إليه وطلبت منه أن يخلعها من ثابت، وعند ذلك تدخل النبي صلى الله عليه وسلم بناءً على رغبة المرأة في تدخل ولي الأمر، وإلا لو كانا تراضيا على ذلك بينهما لما رفعا أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه لحكمة يعلمها الله من أجل إيجاد تشريع لأمة النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الخلع، وليبين لأمته جوازه إذا كان عن تراض بينهما.
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البريات، وبعد:
فالحديث عن سلطة ولي الأمر حديث ذو أهمية لارتباطه بالسياسة الشرعية التي تتعلق بحقوق الرعية، لكونه المسئول الأول عنهم، وهو الذي يتحرى دفع المضرة، وجلب المصلحة التي تعود عليهم، فهو موضوع حساس ويحتاج الناس إلى فهم هذا الموضوع كي يتعاملوا معه بعلم وفهم، وكي يطبقوه على واقعهم الحياتي الذي لا غنى لهم عنه.
وقد قمت بكتابة هذه الصفحات القليلة لبيان أهمية الموضوع، ومعرفة أهمية وجود ولي الأمر، وسعيه على أمور رعيته وخاصة في الأمور المرتبطة به ارتباطاً وثيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ..) ([314]).
وكنت أتمنى أن أتوسع فيه أكثر من هذا، وعسى الله تعالى أن يمد في أعمارنا ويمنّ علينا بالتوسع في هذا الموضوع الهام الذي يعود على الأمة الإسلامية بالخير والفائدة.
وأخيراً:
هذا ما تم تقييده ـ بين دفتي هذا البحث المبارك ـ فما كان فيه من صواب فبتوفيق من الكريم المنان، وما كان فيه من خطأ أو نسيان فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان.
والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه، مقبولاً عند خلقه، وأن ينفع به المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، وأن يكون في موازين الحسنات يوم نلقى ربنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الفهرس
الموضوع |
المقدمة: |
المبحث الأول: سلطة ولي الأمر وحدودها، وفيه مطلبان: |
المطلب الأول: عظمة الشريعة الإسلامية ورعايتها لمصالح العباد، وفيه ثلاث مسائل: |
المسألة الأولى: ولاية المسلمين من واجبات الدين |
تعريف الولي: |
تعريف الإمامة: |
الألفاظ ذات الصلة: |
ما يجوز تسمية الإمام به: |
المسألة الثانية: سرعة انتخاب ولي الأمر: |
المسألة الثالثة: اختيار ولي الأمر الأصلح للمسلمين: |
المطلب الثاني: سلطة ولي الأمر، وفيه مسألتان: |
المسألة الأولى: شروطه، ومسؤوليته، وواجباته: |
أولاً: شروطه: |
المتفق عليه من شروط الإمامة: |
ثانياً: مسؤوليته وواجباته: |
المسألة الثانية: طاعت، وحقوقه على الأمة: |
الأدلة على وجوب طاعته: |
المسألة الثالثة: مجال سلطة ولي الأمر وضوابطها بحسب الأحكام الشرعية: |
المبحث الثاني: مشروعية تصرف ولي الأمر من خلال القواعد الشرعية فيما يأمر به وينهى عنه في مسائل النكاح وفرقه، وفيه مطلبان: |
المطلب الأول: سلطة ولي الأمر تنفيذية لا تشريعية: |
وظائف ولي الأمر التنفيذية: |
المطلب الثاني: سلطته في الأمور الاجتهادية: |
المبحث الثالث: حدود سلطة ولي الأمر في قضايا النكاح، وفيه خمسة مطالب: |
المطلب الأول: زواج المسلم من الكتابية: |
تعريف النكاح: |
مشروعية النكاح وحكمته: |
زواج المسلم من الكتابية (الحرة ـ المستأمنة ـ الذمية): |
خلاف العلماء في زواج المسلم من الكتابية: |
الراجح من الأقوال: |
المضار المترتبة على الزواج من الكتابية: |
الأضرار داخل الأسرة: |
مسألة: هل يجوز لولي الأمر منع نكاح المسلم من الكتابيات؟ |
مسألة: هل يحق لولي المر أن يحرم الزواج من الكتابيات؟ |
المطلب الثاني: زواج غير المسلم بالمسلمة: |
أولاً: حرمة زواج غير المسلم بالمسلمة: |
ثانياً: هل يحق لولي الأمر إباحة هذا الزواج: |
المطلب الثالث: الولي في عقد النكاح: |
معنى الولاية: |
خلاف الفقهاء في كون الولي ركناً من أركان النكاح أو شرطاً في صحته، أو شرطاً في جوازه ونفاذه: |
الولاية في النكاح نوعان: |
شروط الولي: |
أسباب الولاية في النكاح: |
أنواع الولاية في النكاح: |
ترتيب الأولياء: |
انتقال الولاية بالعضل: |
غيبة الولي: |
المطلب الرابع: تعدد الزوجات واشتراط إذن القاضي بالتعدد: |
حكمة تعدد الزوجات: |
شروط إباحة التعدد: |
مسألة: هل يحق لولي الأمر أن يمنع تعدد الزوجات: |
وضع تحصينات لتعدد الزوجات: |
المطلب الخامس: الزواج المؤقت (نكاح المتعة): |
معنى المتعة: |
نكاح المتعة: |
خلاف الفقهاء في نكاح المتعة: |
النكاح المؤقت: |
مسألة: هل يحق لولي المرأة إذا علم بنية الزوج في الزواج من موليته وقتاً معيناً على أن يصدقها مهراً أن يوافق على هذا الزواج: |
مسألة: هل يحق لولي الأمر أو من ينيب عنه أن يبيح هذا الزواج لكونه يملك الاجتهاد، إذا رأى المصلحة في ذلك؟ |
المبحث الرابع:اجتهادات ولي الأمر في قضايا النكاح،وفيه أربعة مطالب: |
المطلب الأول: تحديد سن الزواج: |
مسألة: هل يحق لولي الأمر تحديد سن معينة لزواج المرأة؟ |
المطلب الثاني: اشتراط تقرير طبي لصحة عقد الزواج أو تسجيله: |
إيجابيات الفحص الطبي: |
سلبيات الفحص الطبي قبل الزواج: |
الرأي الطبي في الفحص قبل الزواج: |
الرأي الشرعي في الفحص الطبي قبل الزواج: |
أدلة جواز الفحص الطبي من الناحية الشرعية: |
مسألة: هل يمكن لولي الأمر إلزام وإجبار الخاطبين بالفحص الطبي وسن أنظمة تمنع الزواج إلا بوجود هذا الشرط؟ |
المطلب الثالث: تسجيل عقد النكاح في المحكمة: |
أهمية توثيق عقد النكاح |
مسألة: هل يحق لولي المر إلزام الناس بتوثيق العقود؟ |
المطلب الرابع: تحديد مهور الزواج: |
تعريف المهر: |
أسماء المهر: |
أنواع المهر: |
المهر الواجب نوعان: |
الأول: المهر المسمى: |
الثاني: مهر المثل: |
مقدار المهر: |
تحديد المهور: |
أولاً: مهر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم |
ثانياً: من عرف مهرها من زوجات الصحابة رضوان الله عليهم: |
ثالثاً: هل وجد في نصوص الشريعة حد للمهور؟ |
رابعاً: قصة عمر بن الخطاب مع من أنكرت عليه حديثه في تقليل المهور |
خامساً: مبررات تحديد المهور ومضار عدم التحديد: |
أولاً: مبررات تحديد المهور: |
ثانياً: مضار عدم تحديد المهور: |
سادساً: هل تحديد المهور علاج واقعي ناجح؟ |
مسألة: هل يحق لولي الأمر أن يحدد المهر ويقوم بإلزام الناس به؟ |
المبحث الخامس: حدود سلطة ولي الأمر في قضايا الطلاق، وفيه مطلبان: |
المطلب الأول: سلطة ولي الأمر في الطلاق والرجعة فيه: |
معنى الطلاق: |
مشروعية الطلاق: |
حكمة تشريع الطلاق: |
مسألة: ما السبب في جعل الطلاق بيد الرجل؟ |
أركان الطلاق: |
لزوم الطلاق: |
طلاق غير الزوج: |
ولي الأمر وتقييد المباح: |
المطلب الثاني: سلطة ولي الأمر في الخلع: |
تعريف الخلع: |
حقيقة الخلع: |
دليل مشروعية الخلع: |
حكم الخلع: |
أولاً: الخلع بسبب: |
خلاف الفقهاء في هذا النوع: |
ثانياً: الخلع من غير سبب: |
خلاف الفقهاء في هذا النوع: |
الراجح من الأقوال: |
مسألة: هل ولي الأمر هو الذي يقوم بالبت في قضية الخلع؟ |
الخاتمة |
الفهرس |
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) الصحاح للرازي (6/2528 وما بعدها) ترتيب القاموس المحيط (4/658)، مفردات الراغب ص533.
([2]) آراء ابن تيمية في الدولة، للشيخ محمد المبارك ص26، 33.
([3]) متن اللغة، ولسان العرب المحيط، ومحيط المحيط مادة: أمم.
([4]) سورة الأنبياء: الآية 73.
([7]) حاشية ابن عابدين(1/368)، ونهاية المحتاج (7/409)، وروضة الطالبين على تحفة المحتاج (7/540)
([11]) تفسير الطبري (7/497) تحقيق أحمد شاكر وقال عنه: إسناده صحيح.
([12]) نفس المرجع السابق (7/502).
([13]) تفسير ابن كثير (2/303) ط.دار الشعب تحقيق د.محمد إبراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور، وعبد العزيز غنيم.
([14]) رواه أبو داود، وصححه الألباني في الإرواء (8/106 رقم 2454).
([15]) نهاية الأقدام في علم الكلام للشهرستاني ص480. مكتبة المثنى ببغداد.
([16]) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة لأحمد بن حجر الهيتمي، ص7 ط الثانية، مكتبة القاهرة، مصر.
([17]) الأحكام السلطانية للماوردي ص3.
([19]) رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني في الأدب المفرد (1/185) رقم (442).
([20]) رواه أحمد،والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه الألباني في المشكاة (ج1 رقم 229).
([22]) مقدمة ابن خلدون (1/98).
([23]) رواه البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب الاستخلاف (22/167)رقم (6679).
([24]) البداية والنهاية (5/269).
([25]) السيرة النبوية لابن كثير (4/555).
([26]) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/390).
([27]) انظر: رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي د.محمد رأفت عثمان، ص257.
([28]) رواه البخاري ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح، (3744)، ومسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضائل أبي عبيدة بن الجراح (2419).
([29]) شرح كتاب السياسة الشرعية ص23، 24.
([30]) رواه البخاري ـ كتاب استتابة المرتدين ـ باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم (6923) ، ومسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها (1824).
([31]) رواه البخاري ـ كتاب الأيمان ـ باب قول الله{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} (6622)، ومسلم ـ كتاب الأيمان ـ باب من ندب حلف يميناً فرأى غيرهما خيراً منها (1652).
([32]) السياسة الشرعية (1/17).
([33]) شرح كتاب السياسة الشرعية لابن عثيمين ص67.
([34]) سورة النساء: الآية 141.
([35]) رواه أحمد (17/10) رقم (7968)، وصححه الألباني في الصحيحة (ج7 رقم 3191).
([36]) رواه البخاري ـ كتاب الفتن ـ باب الفتنة التي تموج موج البحر (6570).
([37]) الموسوعة الفقهية الكويتية (6/218، 219).
([38]) رواه البخاري ـ كتاب الأذان ـ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة (620)، ومسلم ـ كتاب الزكاة ـ باب فضل إخفاء الصدقة (1712).
([39]) رواه مسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب كراهة الإمارة بغير ضرورة (3404).
([40]) رواه البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب قول الله تعالى:{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر} (620)، ومسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر (3408).
([41]) الموسوعة الفقهية الكويتية (6/230).
([42]) أضواء البيان للشنقيطي (1/58).
([44]) رواه البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب السمع والطاعة (6611)، ومسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (3423).
([45]) فتح الباري لابن حجر (1/167).
([47]) رواه البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب قول الله تعالى:{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر} (6604)، ومسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (3418).
([48]) رواه البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية(6609).
([49]) مسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع (3443).
([50]) مسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (3438).
([51]) مسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب خير الأئمة وشرارهم (34483).
([52]) رواه البخاري ـ كتاب أحاديث الأنبياء ـ باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3196)، ومسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء (3429).
([53]) رواه البخاري ـ كتاب الفتن ـ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: سترون بعدي أموراً تنكرونها(6532)، ومسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (3427).
([54]) رواه ابن أبي عاصم في السنة وصححه الألباني في الظلال (ج2 رقم1015).
([56]) رواه البيهقي في شعب الإيمان (16/56) رقم (7249).
([57]) أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (7/1228).
([59]) رواه البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب كيف يبايع الإمام الناس (6663).
([60]) جامع العلوم والحكم (2/117)، ط. الرسالة.
([62]) الأحكام السلطانية، ص21.
([63]) أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (1/165).
([64]) شرح الأربعين النووية، ص54.
([66]) اعتقاد أئمة أهل الحديث، ص 75، 76.
([70]) رواه البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب قول الله تعالى:{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر}(6605)، ومسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر (3408).
([71]) الأحكام السلطانية، ص27، 28.
([73]) الأحكام السلطانية (1/26).
([74]) سورة آل عمران: الآية 104.
([76]) رواه مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب كون النهي عن المنكر من الإيمان (70).
([77]) سورة المائدة: الآية105.
([78]) أخرجه أبو داود في الملاحم (6/187)، والترمذي في الفتن (6/388)، وابن ماجه في الفتن (2/1327) وابن حبان برقم (1837)، والبغوي في شرح السنة (14/344) وإسناده صحيح.
([80]) عن النظريات السياسية للريس، ص274.
([81]) حاشية ابن عابدين (1/42).
([82]) أخرجه أبو داود في الجهاد (3/418)، قال يحيى بن معين: خالد بن الغزار ليس بذاك، وللحديث شواهد يتقوى بها.
([83]) أخرجه أبو داود في الجهاد (4/13)، وابن ماجه في الجهاد (2/948 برقم 2842)، وعزاه المنذري للنسائي في السنن الكبرى، وإسناده صحيح، والعسيف هو: الأجير).
([86]) الأحكام السلطانية، ص28.
([88]) رواه البخاري (7352)، ومسلم (1716)، وأبو داود (3574)، وابن ماجه (2314).
([89]) إكليل الكرامة، ص136، 137.
([91]) المصباح المنير، ولسان العرب، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط، مادة: نكح.
([92]) الموسوعة الفقهية (41/205).
([95]) رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب قول النبي من استطاع منكم الباءة (4677)، ومسلم ـ كتاب النكاح ـ باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه (2485).
([97]) المجموع شرح المهذب (16/232).
([98]) أحكام القرآن للجصاص (2/324).
([99]) المحلى لابن حزم (6/544، وما بعدها).
([100]) أحكام القرآن للجصاص (2/324).
([101]) سورة المائدة: الآية 5.
([102]) رواه الترمذي (4/260)، وحسنه الألباني في المشكاة (ج2 رقم 3090).
([103]) سورة البقرة: الآية 221.
([104]) سورة الممتحنة: الآية10.
([105]) سورة البقرة: الآية 221.
([106]) سورة الأنبياء: الآية 73.
([107]) سورة المائدة: الآية 56.
([108]) سورة التوبة: الآية 71.
([109]) سورة البقرة: الآية 282.
([110]) القاموس الفقهي (1/390).
([112]) الشرح الصغير (2/335) شرح الزرقاني (3/168) مغني المحتاج (3/147) عقد الجواهر الثمينة (2/13).
([113]) رواه أبو داود (2/568)، والترمذي (3/398) وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (7555).
([114]) الإنصاف (8/66)، كشاف القناع (5/48، 49).
([116]) رواه ابن ماجه، وابن أبي شيبة، والبيهقي، والحاكم في المستدرك، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (2928).
([117]) الشرح الصغير(2/369)، روضة الطالبين(7/67)، مغني المحتاج(3/147)، الإنصاف (8/68).
([118]) بدائع الصنائع(7/171)، الشرح الصغير(2/369)، مغني المحتاج(3/154)، الإنصاف(8/75).
([119]) أخرجه البخاري ـ كتاب المغازي ـ باب عمرة القضاء (3926).
([120]) شرح معاني الآثار (2/268ـ273).
([121]) الأشباه والنظائر للسيوطي، ص203، المنثور للزركشي (1/188)، الشرح الصغير (2/370)، رد المحتار والدر المختار (5/87).
([122]) الدر المحتار ورد المحتار(2/311)، الشرح الصغير والصاوي(2/359)، الشرح الكبير والدسوقي (2/225) مغني المحتاج (3/151)، روضة الطالبين (7/59)، كشاف القناع (5/50).
([123]) بدائع الصنائع (2/250)، الشرح الصغير والصاوي (2/364)، مغني المحتاج (3/157)، كشاف القناع (5/55).
([124]) رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي، وصححه الألباني في المشكاة (2/3131).
([128]) الباءة هنا: مؤنة النكاح.
([129]) رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة (4677)، ومسلم ـ كتاب النكاح ـ باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه (2485).
([133]) البدائع (2/272، 273)، وأحكام القرآن للجصاص (2/151)، والشرح الصغير (2/387)، وحاشية الدسوقي (2/238، 239)، وفتح الباري (9/167)، وما بعدها، وكشاف القناع (5/96) والإنصاف (8/163)، وشرح صحيح مسلم (9/153 وما بعدها).
([134]) رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة (4723).
([135]) رواه مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة (2501).
([136]) أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف(7/504) والبيهقي في السنن الكبرى (7/203، 204).
([137]) فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/166ـ174) وشرح صحيح مسلم للنووي (9/153ـ162)، وأحكام القرآن للجصاص (2/151)، ومغني المحتاج (3/142)، والحاوي للماوردي (11/449ـ455).
([138]) رواه مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة (2502).
([139]) أخرجه الطبراني في الأوسط (10/165)، والبيهقي (7/207).
([140]) سورة المؤمنون: الآيتان 5، 6.
([141]) أخرجه الترمذي (3/421) والبيهقي(7/205،206) وقال ابن حجر في الفتح (9/172) إسناده ضعيف.
([142]) البدائع (2/272، 273)، والشرح الصغير (2/387)، وأحكام القرآن للجصاص (2/146ـ155) وفتح الباري شرح صحيح البخاري (9/166ـ174)، وشرح مسلم للنووي (9/153ـ162)، والحاوي للماوردي (11/ 449ـ458)، ومغني المحتاج (3/142)، وكشاف القناع (5/96ـ98).
([144]) سورة النساء: الآية 24.
([146]) أخرجه سعيد بن منصور (3/210)، وصرح ابن القيم بثبوته في زاد المعاد (3/463).
([147]) سورة المائدة: الآية 87.
([148]) رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب ما يكره من التبتل (4686)، ومسلم ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة (2493).
([149]) رواه مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة (2497).
([150]) البدائع (2/272، 273)، (فتح الباري (9/173، 174)، الحاوي الكبير (11/449)، وأحكام القرآن للجصاص (2/146 وما بعدها)، المغني (6/644).
([151]) رواه مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة (2501).
([152]) أخرجه ابن ماجه (1/631) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة(1/342) هذا إسناد فيه مقال.
([153]) أحكام القرآن للجصاص (2/151، 152).
([154]) البدائع (2/273)، الفتاوى الهندية (1/283)، حاشية الصاوي مع الشرح الصغير (2/387)، مغني المحتاج مع حواشيها (7/224)، الفروع (5/245).
([155]) تبيين الحقائق (2/215)، بدائع الصنائع (2/273، 274)، حاشية الدسوقي (2/238) تحفة المحتاج (4/224)، الإنصاف (8/163).
([156]) سورة المائدة: الآية 31.
([157]) رواه البيهقي في سننه (10/116) رقم (20847).
([158]) رواه البخاري ـ كتاب المناقب ـ باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة (3605).
([159]) رواه مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب تزويج الأب الصغيرة (2549).
([160]) تحفة العروس ونزهة النفوس، لابن أبي القاسم التجاني، مراجعة فؤاد شاكر، محمد السعيد زغلول ص68.
([164]) رواه أحمد، ومالك في الموطأ، وصححه الألباني في الإرواء (ج8 رقم 2653).
([165]) رواه أحمد (54/65) رقم (25403).
([166]) هذه الإيجابيات مستقاة وبتصرف من ندوة الفحص الطبي قبل الزواج من منظور طبي شرعي، تحرير فاروق بدران وآخرين، عن جمعية العفاف الأردنية، الطبعة الثالثة 1415هـ 1994م) ص23، 84ـ87، محمود العمري، التدابير الشرعية للعناية بالجنين، رسالة ماجستير في الجامعة الأردنية، 1413هـ ـ 1992م، ص19ـ23).
([167]) هذه السلبيات مستقاة وبتصرف من: الاختبار الجيني والوقاية من الأمراض الوراثية من منظور إسلامي، عارف محمد عارف، مجلة التجديد، تصدر عن الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، العدد الخامس، السنة الثالثة، شوال 1419هـ ـ فبراير 1999م، ص130ت133، هارسيناي، زولت وآخرون: التنبؤ الوراثي، ترجمة مصطفى إبراهيم فهمي، الكويت: سلسلة عامل المعرفة، العدد (130)، 1409هـ ـ 1988م)، ص259ـ286).
([168]) سناء عادل: ندوة الفحص الطبي، ص17.
([169]) د.محمد علي البار،: ندوة الفحص الطبي، ص46ـ47).
([170]) محمد عثمان شبير: موقف الإسلام من الأمراض الوراثية، مجلة الحكمة، لندن، العدد السادس، صفر 1416هـ ص210.
([171]) عبد الرحمن الصابوني: أحكام الزواج في الفقه الإسلامي، ص237.
([172]) رواه البخاري ـ كتاب التوحيد ـ باب قول الله تعالى:{ويحذركم الله نفسه}(6856).
([173]) جريدة المسلمون، العدد 597، 1996م، ص11.
([174]) رواه البخاري ـ كتاب الطب ـ باب ما يذكر في الطاعون (5288).
([175]) د.محمد علي البار: الجنين المشوه، ص361ـ366، عارف محمد عارف، الاختبار الجيني، ص122،125) ، محمد عثمان شبير، موقف الإسلام من الأمراض الوراثية، ص209ـ222.
([176]) سورة آل عمران: الآية 38.
([177]) سورة الفرقان: الآية 74.
([178]) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2928).
([179]) رواه مالك في الموطأ ـ كتاب النكاح ـ باب في الصدقاء والحباء (4/30) رقم (969).
([180]) رواه البخاري ـ كتاب الطب ـ باب لا عدوى (5330).
([181]) الهامة: الرأس، واسم طائر، وهو المراد في الحديث.
([182]) جذم: جذم الرجل صار أجذم وهو مقطوع اليد، والجذام داء.
([183]) رواه البخاري ـ كتاب الطب ـ باب الجذام (17/476).
([184]) رواه أبو داود، وأحمد، والبيهقي، وصححه الألباني في إرواء الغليل (ج6 رقم1784).
([185]) رواه مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها (2552).
([186]) الاستذكار لابن عبد البر (16/92ـ100).
([187]) روضة الطالبين وعمدة المغنين للنووي (3/176ـ 183).
([188]) الإنصاف للمرداوي (8/186ـ202).
([189]) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، تحقيق طاهر الزاوي وآخرين (3/106)، غريب الحديث لابن قتيبة، تحقيق د.عبد الله الجبوري (3/737)، غريب الحديث للخطابي، تحقيق عبد الكريم القريباوي.
([190]) رواه أحمد، ومالك في الموطأ، وصححه الألباني في الإرواء (ج8 رقم 2653).
([191]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (2/229ـ 231)، شرح فتح القدير لابن همام (3/189، 190)، حاشية رد المحتار لابن عابدين (3/9ـ15)، الاختيار لتعليل المختار لابن مودود الموصلي (3/82، 83)، اللباب في شرح الكتاب للغنيمي (3/3).
([192]) عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم أهل المدينة لابن شاس (2/11ـ13)، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل (3/419، 420)، وشرح منح الجليل (3/266ـ269)، حاشية الدسوقي (2/221)، بلغة السالك لأقرب المسالك (1/380)، الشرح الصغير للدردير هامش بلغة السالك (1/380).
([193]) المهذب (2/35ـ42)، نهاية المحتاج (6/209ـ217)، الأم (5/23).
([194]) سورة الأحزاب: الآية 37.
([195]) سورة النساء: الآية 22.
([196]) المغني والشرح الكبير لابن قدامة (7/428)، كشاف القناع (5/37)، الإنصاف (8/45)، حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع لابن قاسم (6/246، 247)، شرح منتهى الإرادات (3/11).
([197]) سورة البقرة: الآية 282.
([198]) سورة البقرة: الآية 283.
([199]) حكام القرآن للجصاص (4/205ـ208).
([200]) جامع الأحكام الفقهية للقرطبي (/5).
([202]) السنن الكبرى للبيهقي (10/46)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (4/420).
([203]) المحلى بالآثار لابن حزم (7/226)، موسوعة فقه عبد الله بن عمر لقلعة جي، ص129.
([204]) رواه البيهقي في السنن الكبرى،عبد الرزاق في مصنفه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7557).
([205]) رواه الترمذي، وقال الألباني في المشكاة: موقوف على ابن عباس (ج2 رقم3132).
([206]) شرح فتح القدير (3/199)، الهداية شرح بداية المبتدي (3/199)، حاشية رد المحتار (3/21، 22)، بدائع الصنائع (2/232)، المهذب (2/40)، نهاية المحتاج (6/217)، كشاف القناع (5/65)، المغني والشرح الكبير (7/340)، الإنصاف (8/102).
([208]) رواه البخاري ـ كتاب الأحكام ـ باب قول الله تعالى:{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر}(6604)، ومسلم ـ كتاب الإمارة ـ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (3418).
([209]) رواه عبد الرزاق في مصنفه(11/336).
([210]) المصباح المنير، والمعجم الوسيط، مادة: مهر.
([211]) مغني المحتاج (3/220)، العناية بهامش فتح القدير (2/434)، الشرح الصغير (2/428).
([214]) رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب السلطان ولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم : زوجناكها (4740).
([215]) مطالب أولي النهى (5/173).
([216]) روضة الطالبين (7/286).
([217]) الحاوي الكبير (12/11)، المغني (6/681)، القوانين الفقهية، ص205، 206، حاشية ابن عابدين (2/330).
([220]) تحفة الفقهاء (2/136)، بدائع الصنائع (2/275 وما بعدها)، الشرح الصغير (2/428ـ429)، المغني (6/680).
([221]) رواه مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم من حديد (2555).
([222]) رواه الترمذي،وقال حديث حسن صحيح،وصححه الألباني في جامع الترمذي (3/422) رقم(1114)
([223]) رواه أبو داود، وضعفه الألباني في سنن أبي داود (2/235) رقم (2108).
([224]) رواه النسائي، وصححه الألباني في سنن النسائي (6/119) رقم (3350).
([225]) رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب من جعل عتق الأمة صداقها (4696)، ومسلم ـ كتاب النكاح ـ باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها (2562).
([226]) رواه البخاري ـ كتاب النكاح ـ باب تزويج المعسر (4697).
([227]) الجامع لأحكام القرآن (5/101).
([231]) تفسير ابن كثير (2/466).
([232]) سورة النساء: الآية 24.
([233]) سورة المائدة: الآية 5.
([235]) الدر المختار (2/570)، مغني المحتاج (3/279)، المغني (7/66)، كشاف القناع (5/261).
([236]) أخرجه العقيلي من حديث صفوان بن عمران الطائي، نيل الأوطار (6/238).
([237]) سورة البقرة: الآية 229.
([239]) رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني في سنن ابن ماجه (1/672) رقم (2081).
([240]) رواه أبو داود، وابن ماجه، والحاكم، وضعفه الألباني في الإرواء رقم (2040)
([241]) رواه أبو داود، وصححه الألباني في سنن أبي داود (2/285) رقم (2283).
([243]) رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الألباني في الإرواء (ج7 رقم 2035).
([245]) الشرح الكبير (2/365)، الشرح الصغير (2/541)، مغني المحتاج (3/279)، القوانين الفقهية ص227، غاية المنتهى (3/112).
([246]) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (2/571)، فتح القدير (3/21، 22).
([247]) الشرح الكبير مع الدسوقي(2/361)، الشرح الصغير (12/533 وما بعدها)، المهذب (2/78)، كشاف القناع (5/261)، المغني (7/97 وما بعدها).
([248]) القوانين الفقهية ص219.
([249]) فتح القدير (3/21، 38)، البدائع(3/99)، الشرح الكبير (2/365)، بداية المجتهد (2/81ـ83)، الشرح الصغير ( 2/526ـ542 وما بعدها)، المهذب (2/77)، مغني المحتاج (3/279ـ289)، كشاف القناع (5/262ـ265)، القوانين الفقهية ص227 وما بعدها، المغني (7/113ـ124).
([250]) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في سنن ابن ماجه (1/660) رقم (2049).
([251]) رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني في سنن ابن ماجه (1/672) رقم (2081).
([252]) مجلة الحكمة، العدد العاشر، ص50.
([253]) الصحاح، القاموس، المصباح، مادة: خلع..
([254]) الاختيار (3/156)، فتح القدير مع العناية (3/199)، حاشية ابن عابدين على الدر المختار (2/556، 557)، تبيين الحقائق (2/267).
([255]) جواهر الإكليل (1/330)، حاشية الدسوقي(2/347)، الزرقاني(4/64)، أسهل المدارك (2/157)، حاشية القليوبي(3/307)،روضة الطالبين(7/374)،كشاف القناع(5/212)، الإنصاف (8/382).
([256]) المبسوط (6/171)، البناية (4/658)، تبيين الحقائق (2/268)، بداية المجتهد (2/59)، مواهب الجليل (4/19)، الخرشي (4/12)، شرح الرسالة مع حاشية العدوي (2/103)، روضة الطالبين (7/375)، الكافي (3/145)، كشاف القناع (5/216)، المغني (7/56)، الإنصاف (8/392، 393).
([257]) المبسوط (6/172)، تفسير القرطبي (3/143).
([258]) تبيين الحقائق (2/268)، بداية المجتهد (2/60).
([259]) سورة البقرة: الآية 229.
([260]) رواه البخاري ـ كتاب الطلاق ـ باب الخلع وكيف الطلاق منه (5273).
([261]) العقاص: من عقصت المرأة شعرها إذا لوته وأدخلت أطرافه في أصوله.
([262]) جامع البيان في تفسير القرآن (2/287).
([263]) أخرجه ابن ماجه ـ كتاب الطلاق ـ باب عدة المختلعة (1/662).
([264]) البحر الرائق (4/82)، المعونة للقاضي عبد الوهاب (2/869)، الحاوي للماوردي (10/5) المغني (8/176)، البحر الزخار (4/177)، الروضة البهية (6/100).
([265]) سورة البقرة: الآية 229.
([266]) رواه ابن ماجه ـ كتاب الطلاق ـ باب المختلعة تأخذ ما أعطاها (1/662) رقم (2056).
([267]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/92)، مفاتيح الغيب للفخر الرازي (6/86).
([268]) المعونة للقاضي عبد الوهاب (2/869).
([269]) رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وصححه الألباني في السلسلة (2/210) رقم (632).
([270]) الحاوي للماوردي (10/6)، البحر الرائق (4/83).
([271]) الحاوي للماوردي (10/6).
([272]) بدائع الصنائع (3/150)، الروضة البهية (6/100).
([274]) رواه أحمد، وصححه الألباني في الإرواء (ج5 رقم 1459).
([275]) شرح منتهى الإرادات (3/107).
([277]) المغني لابن قدامة مع الشرح (8/178).
([278]) الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب (2/115).
([279]) الحاوي للماوردي (10/6).
([280]) المغني لابن قدامة مع الشرح (8/178)، شرح منتهى الإرادات (3/107).
([281]) سورة النساء: الآية 20.
([282]) سورة النساء: الآية 19.
([283]) المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير (8/178)، شرح منتهى الإرادات (3/107).
([284]) بدائع الصنائع (3/150)، البحر الرائق (4/83).
([285]) بدائع الصنائع (3/150).
([286]) المهذب (2/71)، الحاوي للماوردي (10/7).
([288]) الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب (2/115).
([289]) شرح منتهى الإرادات (2/107)، الإنصاف (8/382)، كشاف القناع (5/212).
([291]) المغني (8/177)، الإنصاف (8/382).
([292]) رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الألباني في الإرواء (ج7 رقم 2035).
([293]) رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وصححه الألباني في السلسلة (2/210) رقم (632).
([294]) شرح منتهى الإرادات (3/107)، كشاف القناع (5/213).
([297]) المعونة للقاضي عبد الوهاب (2/870)، بداية المجتهد (2/84).
([298]) المهذب (2/71)، الحاوي (10/6).
([299]) شرح منتهى الإرادات 3/107).
([304]) الإشراف على مذاهب أهل العلم لابن المنذر (1/193).
([306]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/92)، أحكام القرآن للجصاص (1/539)، الإشراف على مذاهب أهل العلم (1/202).
([307]) بدائع الصنائع (3/145)، أحكام القرآن للجصاص (1/539).
([308]) المدونة الكبرى للإمام مالك (2/343)، الإشراف على مسائل الخلاف (2/115)، الكافي في فقه أهل المدينة ص276.
([309]) المهذب (2/71)، الحاوي (10/10).
([310]) المغني (8/174)، كشاف القناع عن متن الإقناع (5/213).
([313]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/91)، أحكام القرآن للجصاص (1/539)، الإشراف على مذاهب أهل العلم (1/202).