70 – لقاء حول الفتوى والاجتهاد
70 – لقاء حول الفتوى والاجتهاد pdf
لقاء حول
الفتوى والاجتهاد
تأليف
أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
الفتوى والاجتهاد
السؤال الأول:
كيف تنظرون إلى ما يسمى بـ (فقه الأقليات)؟
الإجابة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه العبارة التي ذكرت وهي (فقه الأقليات) لم تكن معروفة قديماً، وإنما استحدثت أخيراً حيث ظهرت هيئات إسلامية تقوم على الاهتمام بأوضاع المسلمين في الخارج، كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي. ومعنى هذه العبارة كما وضعتها الهيئات الإسلامية بالخارج هو: الأحكام الفقهية المتعلقة بالمسلم الذي يعيش خارج بلاد الإسلام.
فالأقليات تواجه تحديات عنيدة على مستوى الفرد والمجتمع، حيث توجد بيئة مختلفة لا مجال فيها للوازع الديني، وفيها تحديات عظيمة ضد العقيدة، والأخلاق، وغير ذلك مما هو معلوم في دين الله تعالى، ووجود أقليات مسلمة تعيش في وسط مختلف عن دينها وأخلاقها تحتاج معه إلى وجود فقه معين لتستطيع به التعايش الإيجابي فيه، وهذا يحتاج معه إلى فقه خاص بها، ولكن هذا لا يعني إحداث فقه جديد خارج إطار الفقه الإسلامي ومرجعيته الكتاب والسنة وما ينبني عليهما من الأدلة كالإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والاستصحاب وغير ذلك من الأدلة التي اعتمدها أئمة الفقه الإسلامي، إنما يقوم فقه الأقليات موافقاً لما عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
فوجود فقه الأقليات بين المسلمين في الخارج ضروري وهام جداً حيث أنه يعلم المسلم كيفية التعايش مع غيره من البشر داخل نظام عملي موافق لشريعة الله تعالى، حيث أنه يسهل الحياة الدينية وييسرها، ويسهل عليه الحياة الدنيوية داخل نطاق شرعي لا يوقعه فيما يخرجه عن نطاق كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله أن ديننا شامل كامل، أينما كان المسلم في أي جزء من أرض الله وجد التوجيه السديد، والعلم الرشيد الذي يحفظ عليه دينه، وفقه الأقليات بين رعايا المسلمين في الخارج من أهم الضروريات الرئيسية التي تمنح المسلم حماية قوية له ضد التيارات المخالفة له في دينه وعقيدته وأخلاقه.
السؤال الثاني: ثمة من أخذ بمذهب (التيسير)
في الفتوى، وآخرون أخذوا بـ (الأحوط)،
قيل عن الأول: متساهل، وعن الثاني متشدد،
برأيكم أين المسلك الموفق؟.
الإجابة: التيسير في الفتوى أو التشديد فيها راجع لحالة المفتي والمستفتي، فالمفتي الذي يستمع للفتوى من صاحبها ينظر لحال المستفتي وأمره وقوة تمسكه بدينه أو العكس، فيفتيه على ما يرى فيه المصلحة الشرعية حسب الدليل الشرعي الصحيح، فربما تكون الفتوى فيها تيسير عليه، أو العكس، وأما الذين يتساهلون في الفتوى فالأولى عدم الذهاب إليهم، وأما التشدد في الفتوى فالغالب عند ممن يتشددون فيها هو التورع وعدم الوقوع في إثم من يفتيه، وهذا لا حرج فيه، ولكن الأفضل والأولى لمن أراد أن يستفتي أحداً أن يبحث عمن يتصف بالتقوى والورع والعلم الشرعي الصحيح، فهذا تكون فتواه في الغالب صحيحة، وينتفع بها من يستفتي وغيره من المسلمين.
وهنا أمر مهم: فبعض الناس لا يحب أن يذهب لمن يتشدد في الفتوى لأن في قلبه هوى يخالف النصوص الشرعية فيبحث عمن يجد له مخرجا، فيذهب إلى من يتساهل في الفتوى ويعلم أنه يفتيه بما يخالف الكتاب والسنة فيطيعه ويفرح بفتواه حيث وافقت هواه، وهذا مشارك لمن تساهل في الفتوى في الوزر والإثم، نسأل الله أن يجنبنا الزلل والضلال.
السؤال الثالث: ألا ترون بأن الدراسة المذهبية
والدعوة إلى التقيد بالمذهب الفقهي
أخرج فقهاء مقلدين غير قادرين
على إيجاد إجابات للمسائل العصرية؟
الإجابة: هذا مفهوم خاطئ لمن يحكم على الدراسة المذهبية بذلك، فالدراسة المذهبية مهمة في بداية حياة طالب العلم، وغالب العلماء السابقين واللاحقين نشئوا على الدراسة المذهبية ليتمكنوا من سلوك الطريق الصحيح، والواضح في غالب دول العالم الإسلامي أنهم يقيدون التعليم بمذهب معين، ويتفرع بعد ذلك إلى دراسة المذاهب الأخرى كي يحصل الدارس على العلم الجامع الشامل، لينتفع به ولينفع به غيره، وأما إخراج فقهاء مقلدين بسبب دراستهم المذهبية فهذا راجع أولاً لتوقفهم على الدراسة المذهبية فقط، أي الوقوف على المذهب الذي درسوه ولم يتوسعوا في معرفة غيره، وهذا خطأ لأن الواجب على طالب العلم أن يطلع على غالب المذاهب الموجودة ليستطيع الحكم على المسائل التي تعرض له.
وثانياً فإن التقيد بمذهب واحد ربما يكون فيه تيسير على بعض المسلمين حيث أن العمل بمذهب معين لا حرج فيه إلا إذا كان فيه ما يخالف الدليل الشرعي، ومعلوم أن عامة المسلمين يحتاجون إلى معرفة أحكام دينهم، والسؤال عما يشكل عليهم، فإن تيسر لهم من يفتيهم بالدليل الصحيح من الكتاب والسنة فهذا أولى وأفضل، وإن لم يوجد ذلك، حيث يغلب المذهب في بلد المستفتين فيوجهون بحسب قول المذهب.
والحمد لله أن في ساحة الإفتاء الآن العديد من العلماء ممن يغلب عليهم عدم التمسك بمذهب معين، بل وجد من يستطيع أن يوجد إجابات شافية للمسائل العصرية في وقتنا الحاضر، وخير دليل على ذلك ما ظهر مؤخراً حول أحكام البنوك، والاستنساخ، وغيرهما من المسائل المهمة والتي بت فيها العلماء بالحكم الشرعي الصحيح، مع ظهور الاجتهاد القوي من جانب البعض منهم ولاسيما في المجامع العلمية والهيئات الشرعية واللجان الفرعية للفتوى.
السؤال الرابع: من الملاحظ بأن مناهج الجامعات
الشرعية عبر منهجها الفقهي الحالي
لم تعد تخرج علماء يضيفون إلى الفقه الإسلامي
ما يحتاجه أهل العصر الحالي؟
الإجابة: المعلوم أن المساجد هي الأساس في تخريج علماء للأمة يقومون بواجبهم نحو دينهم وأمتهم، وهذا ما كان يفعله النبي ” مع صحابته حيث أن غالب التعليم كان في المسجد، وهذا ما درج عليه سلف الأمة، ولما غلب على الدول الإسلامية بناء جامعات لتتم الدراسة فيها حسب نظم معينة ومناهج مختلفة ظهر الخلل في عدم إيجاد علماء مجتهدين، وعلى الرغم من ذلك فالله تعالى وفق بعض العلماء الحاليين من التمكن من الجمع بين العلم الدراسي بالجامعات، والعلم الأساسي في بيوت الله تعالى، فخرج لنا علماء أجلاء يستطيعون الحكم في كثير من المسائل المهمة التي يحتاجها أهل هذا العصر، فالتعليم في الجامعات مفاتيح يستطيع من خلالها طالب العلم بناء نفسه ليتأهل للمراحل اللاحقة فيكون علاماً لا يشق له غبار.
السؤال الخامس: انسداد باب الاجتهاد الفقهي،
ما سببه؟ وإلى أي مدى يمكن أن يحد
من قدرة العلماء على التفاعل مع الواقع الحالي؟
الإجابة: باب الاجتهاد الفقهي لم يسد بفضل الله تعالى، بل هو مفتوح لكل من أراد ذلك وخاصة فيما ظهر من المسائل المتأخرة التي تحتاج الأمة إلى بيان حكمها، ولكن لابد من الوقوف أولاً على النصوص الشرعية في جميع أحوالنا، فإذا عدمت الأدلة التي تدل على هذه المسائل، اجتهد الفقيه في إيجاد الحل المناسب لها.
السؤال السادس: هل غاب فقه الواقع
عن مناهج صناعة العلماء وطلاب العلم؟
الإجابة: أقول لا؛ ولا يمكن له أبداً أن يغيب، وكيف يكون ذلك والعلماء وطلبة العلم هم الذين يقومون على إيجاد الحلول المناسبة التي تطرأ على الأمة من أمور جديدة مستحدثة تحتاج إلى توجيه وإرشاد، والبرهان على ذلك هو وجود مجامع فقهية لا تمر مسألة من مسائل الأمة الهامة عليها إلا وقد وجد لها الحل المناسب، وهذا يدل على عدم غياب فقه الواقع عن العلماء وطلبة العلم، ولو نظرنا إلى كثير من الفتاوى المتأخرة لوجدناها تعالج الكثير من النوازل والقضايا المستحدثة، وهذا لم يتم إلا بفضل الله تعالى، ثم بالجهد المبذول من قبل العلماء وطلبة العلم.
السؤال السابع: تخبوية العلماء وطلاب العلم ـ
انصرافهم عن العامة وانشغالهم
بالبحث العلمي ـ كيف تنظرون إليها؟
الإجابة: العلماء وطلبة العلم لا يغيبون إطلاقاً عن العامة، وعلى الرغم من الجهد المبذول من قبلهم في نفع الأمة بتأليف الكتب والأبحاث إلا أنهم لا يقصرون في نشر العلم الشرعي، والرد على ما يستحدث من مسائل، والناظر في أحوال الأمة يجد أن العلماء وطلبة العلم هم النور الذي يضيء الطريق للحائرين، ويدلهم عليه، وبفضل الله تعالى فالأمة لا تخلو إطلاقاً من هؤلاء، ولو رأينا الجهد المبذول من قبلهم من أجل نفع الناس لما قلنا إنهم ينصرفون عن العامة،بل هم موجودون بينهم، يردون على استفساراتهم، ويعلمونهم أمور دينهم، وكيف يعيش الناس بدون هؤلاء الصنف الذي إن عدم ضلت الأمة سعيها، وسلكت غير سبيلها الذي ارتضاه الله لها.
السؤال الثامن: يلحظ انصراف بعض العلماء
عن الدعاة الشباب لحد القطيعة
مما يقرأ بأنه عدم رضا، كيف تقرءون ذلك؟
الإجابة: هذا الكلام غير وارد، بل الأصل انصراف كثير من الشباب عن العلماء، وهذا هو الذي نراه الآن ونعيشه، فلقد أصبح بعض الشباب ينظرون إلى العلماء نظرة غير طيبة، فيسيئون بهم الظن، ويتكلمون في أعراضهم، ويشوهون صورتهم أمام العامة، وهذا يدل على جهل هؤلاء الشباب وقلة علمهم، ولو رجعوا إلى علمائهم فيما يطرأ عليهم من أمور يحتاجون فيها للإيضاح لنالوا الخير الكثير، فبدون العلماء لا يستطيع الشباب تحصيل العلم الشرعي الصحيح، وهذا الانصراف الموجود من هؤلاء الشباب أوقع الكثير منهم في أمور خطيرة عادت على الأمة بالشر، فنصيحتي للشباب أن يتوجهوا إلى العلماء، وأن يجالسوهم، وأن يأخذوا منهم، وأن يستفيدوا من علمهم وخبرتهم، وأن يرجعوا إليهم عند التنازع في أي أمر من الأمور الشرعية، ويكفي فخراً للعلماء قول الله تعالى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(النحل:43)، فإذا فعل الشباب ذلك هدوا بفضل الله تعالى إلى صراط الله المستقيم، وحازوا على خيري الدنيا والآخرة، ووالله ما أصاب البلاد والعباد من المآسي والتكفير والتفجير إلا بسبب البعد عن العلماء والتزهيد في الأخذ منهم والطعن بهم من قبل هؤلاء الشباب، فتعلموا على أنفسهم فضلوا وأضلوا.
السؤال التاسع:
ما هو برنامجكم الرمضاني؟
الإجابة: رمضان يحتاج منا لمضاعفة الجهد في الدعوة ونشر العلم، وخاصة أن إقبال الناس على طاعة الله تعالى، والاستفادة من العلم الشرعي كثيرة جداً، وبفضل الله تعالى لي كلمات في بعض مساجد المحافظة عندنا، وفي بعض الدوائر الحكومية، وأرد على الفتاوى التي تأتيني إما عن طريق الهاتف، أو تكون مكتوبة، أو مقابلة الأشخاص المستفتين. وبفضل الله لي وقت مع نفسي لا غنى لي عنه، مع الحرص على أبواب الخير وغير ذلك مما يعيننا عليه. أسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، وأن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر المبارك.
السؤال العاشر: هل أنتم مع حكر باب
الاجتهاد في المجامع الفقهية؟
الإجابة: نعم في المجامع والهيئات واللجان الدائمة للفتوى ودوائر الفتوى؛ وخاصة في هذا الوقت الذي قل فيه أصحاب العلم الرباني الصحيح، وحتى لا يكون الباب مفتوحاً لمن لا علم له ولا تقوى لتوجيه الناس توجيها غير سليم، ولأن المجامع الفقهية مرجعها إلى علماء أفاضل موثوقين، معروفين بعلمهم، وخاصة مع تغير الفتوى، وتغير أحوال الناس وأمورهم، وضعف الإيمان عندهم، فوجود مجامع فقهية ترد على فتاوى الناس، ويكون الاجتهاد صادراً عنهم فيه فائدة عظيمة للأمة لتوحيد الجهود في إيصال الحق للناس، والناظر في المسائل المتأخرة المعروضة على الساحة يجد أنها تحتاج لعلم وجهد واستنباط، وهذا لن يتأتى إلا باتحاد العمل من أجل تحصيل الإجابة الصحيحة التي تنفع الأمة، وهذا لن يتم إلا بوجود التعاون على إجابة هذه المسائل.
وعلى الرغم من كلامي هذا وحرصي عليه، إلا أنه إذا وجد من يكون مؤهلاً للاجتهاد، وله منفعة ظاهرة تعود على الأمة فله الحق في المشاركة في إيجاد الحلول الشرعية لما يطرأ على الأمة من مسائل مستحدثة.
السؤال الحادي عشر: لماذا يغيب العلماء
في النوازل والقضايا الكبرى للأمة
مما يتيح المجال لغيرهم بشغل المكان؟
الإجابة: العلماء لا يغيبون إطلاقاً عن أي نوازل وقضايا تتعرض لها الأمة، بل على العكس فالعلماء هم سراج الأمة، وهم الذين يدلونها على الطريق الصحيح وخاصة في النوازل والقضايا المتأخرة، وخير شاهد على ذلك هذه المؤتمرات التي تمت في الشهور الماضية، وقام عليها نخبة من أهل العلم الأجلاء، مثل مؤتمر (الإفتاء في عالم مفتوح) والذي أقيم في دول الكويت الشقيقة والذي تمت فيه مناقشة العديد من القضايا الهامة وخاصة موضوع الفتوى وتغيرها، ولقد كان للمشاركين فيها جهد كبير، وظهرت فيه ثمرات فعالة لبعض العلماء سوف تعود على الأمة بالخير إن شاء الله.
أسأل الله تعالى أن يمن على أمة الإسلام بسلوك طريقه المستقيم، وأن يمد العلماء وطلبة العلم بالعون والتوفيق والسداد، وأن ينفع بهم أمة الإسلام إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.