91 – خواطر حول الرؤى وتفسيرها
91 – خواطر حول الرؤى وتفسيرها pdf
خواطر
حول الرؤى وتفسيرها
تأليف
أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
خواطر حول الرؤى وتفسيرها
س: كيف يتم تفسير الرؤى؟ وعلى أي أساس يتم التفسير؟ وهل يشمل التفسير كلاً من الرؤى والأحلام أم يقتصر على أحدهما؟ وهل يعني ذلك أن لا تفسير للأحلام؟
س: ما هي الصفات التي عادة ما تكون في مفسر الرؤى؟ وهل هناك رؤى معينة تعتبر رموزاً لأشياء كالموت والحياة والتوفيق والفقر والمصائب والمحاسن؟
س: هل للرؤى معايير يتم على ضوئها تفسيرها أم هي عملية اجتهادية؟ وهل نتائج التفسير للرؤى في الغالب تكون في الدنيا أم في الآخرة؟
س: كيف يعرف الرائي بأن ما رآه في المنام رؤيا أم حلم؟
س: هل صحيح أن إبلاغ الرؤيا السعيدة والتي يكون مضمونها الخير لأحد لا يحبه الرائي يذهب الخير الذي فيه؟ وهل يلزم تكرار الرؤيا السعيدة أو السيئة حتى تثبت نتيجته أو حقيقته؟ وهل هناك عدد معين للرؤى لذلك؟
س: عندما يقرأ الإنسان الأدعية والأوردة الشرعية قبل النوم هل يعني ذلك أنه لا يحصل له رؤيا؟
س: هل يلزم أن يكون الإنسان مستقيماً حتى يرى الرؤيا أم هي لجميع البشر أن يروا بالمنام رؤياهم؟ وهل هناك صفات يجب توفرها في الرائي؟
س: لماذا تكثر الرؤى والأحلام عند بعض الأشخاص في النوم بحيث أن الإنسان النائم يرى عدة رؤى وتكون متعددة ومتقطعة؟ وهل هناك تفسير لرؤى النهار؟
س: هل الكابوس يعتبر حلماً مزعجاً؟ وما هي حقيقته؟ وما حقيقة الحلم الذي يطلق عليه (الجاثوم)، والذي عادة ما يخنق الإنسان في نومه؟ وكيف يمكن الوقاية منه؟
س: هل الأحلام أو الرؤى التي يتم تفسيرها لها علاقة بالماضي أم بالحاضر أم بالمستقبل؟ ومتى يكون ذلك؟
س: ما تفسير الرؤى المتقطعة والغير مفهومة؟
س: متى يجوز للإنسان أن يفسر رؤياه أو حلمه ومتى يجب ذلك؟ وهل تنصحون بالتفسير عموماً؟
س: ما هو سبب الرؤى الطويلة والتي عادة ما تكون كالقصة بحيث تستمر فترة من الزمن من النوم وهل لها تفسير؟
س: نسمع ونقرأ عن تفسير الرؤى عند النصارى واليهود فحسب معلوماتك على ماذا يعتمدون في تفسيراتهم؟
س: هناك رؤى تتعلق بماضي الإنسان كطفولته والتي عادة تتكرر كثيراً كمنزل قديم سكنه الرائي في صغره، فهل هذه رؤيا تختلف عن الرؤيا الأخرى، وما هو سببه؟
س: ما هي أغرب الرؤى التي فسرتها؟
س: هل للرائي الذي يرى الموت في منامه صفات معينة كالنزهة والطهارة والطيبة؟ وهل كل ما يصدر عن الموتى حقيقي في الرؤيا كالنهي عن شيء أو طلب شيء؟
س: هل للجن علاقة برؤى الإنسان كأن يرى الإنسان بجماع جنية؟
س: هل ورد في الأثر تفسير للرؤى؟
بسم الله الرحمن الرحيم
خواطر حول الرؤى وتفسيرها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1-الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في النوم من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير، والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح، ومنه قوله تعالى:{أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ}[يوسف: 44].
2-وقد وكّل الله بالرؤيا ملكاً اطلع على أحوال بني آدم من اللوح المحفوظ، فينسخ منها ويضرب لكلٍ على قصته مثلاً، فإذا نام مثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون له بشرى، أو نذارة، أو معاقبة، وهنا يأتي الشيطان فيلبس عليه رؤياه، ويغلطه فيها ليفسد عليه رؤياه.
3-الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان:
فإذا رأى المسلم رؤيا يحبها فليحمد الله عليها، وليحدث بها من يحب، وإذا رأى ما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره بإذن الله.
وقد ورد في بعض النصوص، (وليتحول عن جنبه الذي كان عليه).
وقد ثبت في صحيح البخاري:(الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان).
إذاً فآداب الرؤيا الصالحة:
(أ) أن يحمد الله عليها.
(ب) أن يستبشر بها.
(ج) أن يتحدث بها لمن يحب.
وآداب الحلم أربعة:
(أ) أن يتعوذ بالله من شره ومن الشيطان.
(ب) أن يتفل عن يساره.
(ج) ألا يذكره لأحد.
(د) أن يتحول عن جنبه.
4-الرؤيا أقسام؛ منها:
( أ ) إلهام يلقيه الله سبحانه في قلب العبد.
(ب) مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها.
(ج) التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أقاربه وأصحابه.
( د ) رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة.
(هـ ) تلاعب الشيطان، وهذا هو الحلم.
5-يحرم الكذب في الرؤيا، وهو من كبائر الذنوب والعياذ بالله.
وقد جاء الوعيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ثبت في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل).
وقد جاء بلفظ آخر: (إن أعظم الفرية أن يفتري الرجل على عينيه، يقول: رأيت ولم ير).
والعقد بين الشعيرتين أن يفتل أحدهما بالأخرى، وهو مما لا يمكن عادة.
6-ينبغي الاحتياط في تعبير الرؤيا، فقد ثبت أنها على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبّرت وقعت.
وقد وقفت على حديث عند الدارمي وغيره روته عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف، فكانت ترى رؤيا كلما غاب عنها زوجها، وقلما يغيب إلا تركها حاملاً، فتأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: إن زوجي خرج تاجراً، فتركني حاملاً فرأيت فيما يرى النائم أن سارية بيتي انكسرت، وأني ولدت غلاماً أعور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يرجع زوجك عليك صالحاً، وتلدين غلاماً براً)، وقد رأت ذلك مراراً، ثم جاءت ذات مرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم غير موجود، فقالت لها عائشة عما تسألين؟ فأخبرتها، فقالت عائشة: والله لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك، وتلدين غلاماً فاجراً، فقعدت تبكي حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم الخبر، فقال: (مه يا عائشة، إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على الخير، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها)، فمات والله زوجها، ولا أراها إلا ولدت غلاماً فاجراً.
7-النصوص تفيد أنه لا يعبر الرؤيا إلا عالم بأحكامها، ومدلولاتها، وقد يصيب المعبر وقد يخطئ، ويجب على المعبر أن يكون ملماً بأقسام التأويل وأدلته من الشرع، فهناك أدلة كثيرة في الكتاب والسنة، وأقوال سلف الأمة توضح ذلك.
8-تأويل الرؤيا ينقسم أقساماً: فقد يكون بدلالة الكتاب والسنة، أو من الأمثال السائدة بين الناس، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني، وقد يقع على الضد والقلب، ومن أمثلة ذلك:
من دلالة القرآن:
كالحبل يعبر بالعهد {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا}،والسفينة تعبر بالنجاة {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ}، والخشب يعبر بالنفاق{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ}،والمريض بالنفاق {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}.
ومن دلالة السنة:
الغراب يعبر بالرجل الفاسق، والفأرة تعبر بالمرأة الفاسقة، والضلع يعبر بالمرأة، والقوارير تعبر بالنساء لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن التأويل بالأمثال:
كالصائغ يعبر بالكذاب، لقولهم (أكذب الناس الصواغون)، وحفر الحفرة يعبر بالمكر لقولهم (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها).
ومن التأويل بالأسماء:
كمن رأى رجلاً يسمى راشداً يعبر بالرشد، ومن رأى رجلاً يسمى سالماً يعبر بالسلامة.
ومن التأويل بالمعنى:
كالأترج يعبر بالنفاق لمخالفة باطنه ظاهره، وكالورد والنرجس يعبر بقلة البقاء لسرعة ذهابه.
ومن التأويل بالضد والقلب:
كالخوف في النوم يعبر بالأمن لقوله تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور:55]، ويعبر البكاء بالفرح، ويعبر الضحك بالحزن، ولكن هذا كله يحتاج إلى دراية وفراسة لأنه قد لا يكون على إطلاقه.
فمثلاً قد يعبر الغل للرجل الصالح بقبض اليد عن الشر، وهو لغيره قد يكون قيداً ليديه ورجليه، كما روي عن ابن سيرين في تأويل من رأى نفير يؤذن، فأحدهما أولها بالحج، والثاني بقطع يده من السرقة، فلما قيل له قال: رأيت الأول على سيما حسنة فأولتها على {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}[الحج: 27]، ولم أرض هيئة الثاني فأولتها على {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُون}[يوسف:70].
9-مما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أن من الرؤيا ما يصدق ومنها ما لا يصدق، فلابد من التفريق بين ما جاء من الله، وما كان من أضغاث الشيطان وتلاعبه.
10-يتم تفسير الرؤيا بالاستنباط من الكتاب والسنة، واستخلاص ما يكون فيها من الأسماء والمعاني، والدلالات مع السؤال عن صاحب الرؤيا، ومعرفة أحواله، فلكل ما يناسبه، والرؤيا هي التي تفسر، وأما الأحلام فهي من الشيطان يحزن بها المؤمنين.
11-الرؤيا لا تقص على كل أحد، بل لا تقص إلا على أهل العلم والفضل والدين الذين يعرفون التأويل، ويحسن أن يكون الذي يتولى تأويلها شفيقاً ناصحاً، لأنه إن عرف خيراً قاله، وإن جهله أو شك فيه سكت وأرشد صاحب الرؤيا إلى ما ينفعه في أمور دينه ودنياه. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرؤيا تقع على ما تعبر به، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً عالماً). نعم هناك أمور ترمز لها الرؤيا يعرفها أهل الاختصاص تستنبط مما يرد في الرؤيا من الأسماء والدلالات والمعاني، ويضم إلى ذلك أحوال الرائي وملابساته.
12-نتائج التفسير في الغالب في الدنيا، وقد يكون منها المبشرات في الآخرة.
الفرق بين الرؤيا والحلم:
أن الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، والرؤيا غالباً ما تكون منضبطة، والأحلام صور في الخيال حالة النوم، ثم إن لها علاقة بحال الرائي من حيث الصلاح والاستقامة.
13-الخير لا يذهب إذا قدّره الله جل وعلا، ودلّت عليه الرؤيا، لكن لا ينبغي أن تقص الرؤيا إلا على شخص عالم فاهم ناصح مدرك لأن غيره قد يؤل الرؤيا تأويلاً خاطئاً فتقع عليه، ولا يلزم تكرار الرؤيا، وليس لها عدد معين، لكن إذا تكررت الرؤيا فهذا علامة على أهميتها، وأنه ينبغي لصاحبها السؤال عنها لأنه قد تكون مبشرة أو منذرة.
14-لا يعني كون الشخص يقرأ الأدعية والأوراد عدم حصول الرؤيا له، لكن ذلك بإذن الله عاصم له من الشيطان، وحافظ له منه، شريطة أن يوقن بأثر هذه الأوراد، وأن يزول ما ينافيها من حال الشخص.
15-الغالب أن الرؤيا الصالحة للرجل الصالح، ولكن قد يرى الرجل الفاسق رؤيا وتكون مبشرة له بصلاحه، أو منذرة له عن فسقه.
الناس في الرؤيا على درجات:
(أ) الأنبياء: ورؤياهم وحيٌ وصدق.
(ب) الصالحون: والأغلب على رؤياهم الصدق.
(ج) من عداهم: ويقع في رؤياهم الصدق والأضغاث، وهذا القسم منهم المستورون، ومنهم الفسقة، وغيرهم.
16-كثرة الرؤيا وقلتها لا يعني شيئاً، بل ذلك راجع لأحوال الشخص وأعماله، وتفكيراته، واهتمامه بهذا الأمر، ولا فرق في صحة الرؤيا وصدقها بين النهار والليل، لكن كما قلت سابقاً هناك أمور كثيرة تحف بالرؤيا لها دلالات في تفسيرها، وهي الأسماء والمعاني وأحوال الرائي.
17-الكابوس عادة يأتي بين النوم واليقظة، وهو من الشيطان، والوقاية منه بالمحافظة على الأوراد والأدعية التي هي حصن بإذن الله للشخص وأهله من الشيطان وجنوده، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يعوذ الحسن والحسين (أعيذكما بكلمات الله التامات من شر ما خلق).
18-الأحلام كما قلت من الشيطان، والرؤى لها علاقة أحياناً بالماضي، وأحياناً بالحاضر، وأحياناً تكون مبشرة أو منذرة للمستقبل. الغالب أنها حلم وليست برؤيا.
19-سبق أن قلت إن الأولى تفسير الرؤيا، ولكن تعرض على أهل التعبير، أما الأحلام فالأولى نسيانها وعدم السؤال عنها لأنها من الشيطان.
20-قد تكون رؤيا ولها دلالات، وأهل الاختصاص يعرفون ذلك جيداً.
21-هناك تفسيرات قائمة على الخرافة، ومناقضة الدين، ومما يؤسف له أن بعضهم ربطها بالجنس، والواقع أنها خيالات شيطانية فسروها حسب حياتهم العابثة اللاهية بعيداً عن الضوابط الشرعية، وليس ذلك بمستغرب عليهم، لكن الذي يحز في النفس أن بعض المسلمين نقلوا هذه الخرافات ونشروها عن طريق الترجمة في ديار المسلمين، فخدع بها بعض شباب وفتيات المسلمين وجرَّ ذلك عليهم شراً عظيماً ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لا تختلف هذه الرؤيا عن غيرها، لكنها في الغالب ترمز للاستقامة والصلاح وسلامة المنهج
22-ليس له صفات معينة، لكن الصلاح والاستقامة والشفافية وسلامة الصدر لها أثر في ذلك، ولا يترتب على الرؤيا حكم شرعي، لكن قد تكون دالة على أمر مهم. وقد وقفت على حالات كثيرة مسح فيها الميت على مكان الوجع من الحي فشفاه الله، وأيضاً أرشد الميت إلى سداد دين عليه، وبعد التحري والتثبت تبين وجود الدين، وأيضاً دلّ الميت على انحراف إحدى بناته، فتنبه الوكيل لذلك، وغير ذلك مما هو معروف عند المختصين.
23-الجن لهم علاقة بالأحلام؛ نعم وردت نصوص كثيرة في السنة حول الرؤيا وتفسيرها، ولعل أجمع ما ورد في ذلك ما كتبه العلامة ابن حجر رحمه الله، فمعظم من كتب في الرؤيا قديماً وحديثاً عُيَّال عليه.
24-والرؤيا فيها من بديع لطف الله وتدبيره ما يزيد المؤمن في إيمانه، ومرائي الأنبياء والصالحين لا يحصى ما اشتملت عليه من المنافع المهمة، والثمرات الطيبة، ففيها البشارات للمؤمنين، والتنبيهات للغافلين، والتذكرة للمعرضين، وإقامة الحجة على المعاندين.
قال ابن عبد البر رحمه الله: “وعلم تأويل الرؤيا من علوم الأنبياء وأهل الإيمان…”.
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.