93 – من أشراط الساعة
من أشراط الساعة
تأليف
أ.د عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
من أشراط الساعة الكبرى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد}.
وقال تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُم}.
أولاً: من خصائص هذه الأمة: أنها آخر الأمم …. وقد خصها بظهور أشراط الساعة وبينها رسولنا صلى الله عليه وسلم أتم بيان، فليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي، ولذا كان هو من علامات الساعة.
ثانياً: من تمام معتقد المسلم أن يؤمن باليوم الآخر، ويعمل له، والناس يتكالبون في أمر الدنيا، وينسون هذا اليوم العظيم، وما قيل من عظائم وأهوال، ولذا جعل الله بين يديه أمارات وعلامات تدل عليه تنبيهاً للناس وإيقاظاً لقلوبهم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بعثت أنا والساعة هاتين).
ثالثاً: هناك فريقان أخطأوا في أشراط الساعة وأماراتها.
وقد ظهر ذلك جلياً في أوقاتنا هذه:
الأول: أنكروا هذه الأمارات، والبعض أولها تأويلاً باطلاً، وضلوا في هذا الباب وأضلوا غيرهم.
ولا زلنا نسمع بين الفينة والأخرى عبر القنوات الفاضحة الداعرة بعض الموتورين المحسوبين على الإسلام وأهله يتكلم في الغيبيات ويتخبط في الظلمات دون وازع من ضمير أو رادع من حياء أو خوف من الله.
الثاني: أقوام نزلوا هذه الأمارات والأشراط تنزيلاً خاطئاً، وتخبطوا فيها وزعموا أموراً خطيرة فيها جرأة على الله وقول عليه بغير علم مثل دعوى المهدي التي تتكرر في أوقات وبلدان مختلفة.
رابعاً: تفسير الآيات: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِين * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِين * لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِين * بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُون * فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِين * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيم * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُون * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِين * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُون * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُون * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُون}.
خامساً: ومن أشراط الساعة الكبرى [الدخان]
يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوماً وليلة.
دلَّ على هذه العلامة من علامات الساعة الكتاب والسنة.
من الكتاب قوله تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِين * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيم}.
وهذا الدخان من أشراط الساعة، وهذا ما رجحه ابن كثير وغيره من أهل العلم.
وقيل: إنه ما وقع للمشركين من الجوع والضيق حتى كان يخيل لهم الدخان بين السماء والأرض من شدة ما أصابهم.
وقيل: هما دخانان أحدهما ما أصاب قريشاً، والثاني يقع يوم القيامة.
ومن السنة: ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال ستاً الدجال والدخان).
وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن ربكم أنذركم ثلاثاً: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه).
وما ثبت (لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم، ونار تخرج من قعر عرين، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب)، وما ورد: (يهيج الدخان بالناس فأما المؤمن فيأخذه كالزكمة، وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه).
وما ورد: (فأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره).
من أشراط الساعة
1-الإيمان باليوم الآخر له آثاره الكبيرة على العمل والاستعداد للحساب.
2-الحياة تمتد طولاً في الزمان إلى بدء الخليقة، وتمتد في المكان إلى دار أخرى فيها الجنة أو النار.
3-ولهذا كل حياة المسلم عبادة: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي..}، (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير..).
4-لفت القرآن النظر إلى اليوم الآخر، وأكد على البعث والحساب {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير}.
5-أكد القرآن البعث ودلل عليه بأمور كثيرة منها:
- لفت النظر إلى النشأة الأولى، فالذي خلق قادر على أن يعيد ما خلق.
- الذي يحي الأرض بعد موتها قادر على أن يحي الموتى.
- الذي خلق السماوات والأرض والجبال قادر على أن يخلق مثلهم.
6-ولذا جاءت أسماء اليوم الآخر كثيرة منها:
الساعة، يوم البعث، يوم الدين، يوم الحسرة، الدار الآخرة، يوم التناد، دار القرار، يوم الفصل، يوم الجمع، يوم الحساب، يوم الوعيد، يوم الخلود، يوم الخروج، الواقعة، الحاقة، الطامة الكبرى، الصاخة، الآزفة، القارعة.
7-علم الساعة غيب طواه الله عن الخلق ولا يعلمه أحد من البشر، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا أحد من الخلق.
8-وكل حديث روي في تحديد الساعة أو زمانها فهو كذب لأنه يصادم صريح القرآن وصحيح السنة.
9-الساعة قريبة وعلاماتها الصغرى ظهر بعضها وبقي بعضها.
وأما الكبرى، فلم يظهر منها شيء حتى الآن.
10-أشراط الساعة أوائلها وأشراط الساعة علاماتها التي سبقتها وتدل على قربها وهي ما تنكره الناس من صغار أمور الساعة.
11-من علامات الساعة:
- بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين ويشير بإصبعيه فيمدهما) رواه البخاري، وفي رواية: وضم السبابة والوسطى، فبعثه الرسول صلى الله عليه وسلم أول أشراط الساعة، وهو النبي الأخير، فلا نبي بعده، وتليه القيامة، كما تلي الوسطى السبابة، وليس بينهما أصبع آخر.
قال تعالى:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ…}.
- موت النبي صلى الله عليه وسلم أحد أشراط الساعة، قال صلى الله عليه وسلم: (أعدد ستاً بين يدي الساعة: وذكر منها موتي..).
لقد كان موت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم المصائب التي وقعت على الأمة، فقد أظلمت الدنيا في عيون الصحابة وذهلوا.
قال أنس بن مالك: ” لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفعنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا”.
قال ابن حجر:” يريد أنهم وجدوها تغيرت عما عهدوه في حياته من الأفة والصفاء والرقة لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب”.
فبموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء، كما في جواب أم أيمن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما عندما زاروها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتهيا إليها بكت فقالا لها ما يبكيك ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها”.
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يموت سائر الناس، لأن الله لم يكتب الخلود لأحد من البشر لو كانت الدنيا تدون لأهلها لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا مخلداً.
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام}.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ..}.
فبموت رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي، وماتت النبوة، وظهر الشر حيث ارتدت العرب وموته أول انقطاع الخير ونقصانه، ولئن أظهر الصديق رضي الله عنه رباطة جأشٍ وثباتاً وقوةً أمام المسلمين عندما خرج عليهم ليؤكد موت النبي صلى الله عليه وسلم ولئن صرف فيهم قائلاً: “من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”.
فإنه لم يستطع أن يثبت أو يتمالك نفسه أمام ذلك الحشد الطاهر وقد تمدد أمامه لا يستطيع حراكاً فأكب عليه باكياً وقبَّل ما بين عينيه مودعاً”.
وروي أن ” كشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليه موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متَّها”.
وحق للكتاب ان يكتبوا ذهول العقول بوفاة الرسول، لقد طاشت عقول الصحابة وذهلوا وهال الأمر وعظم الخطب حتى أن عمر أنكر وفاة رسول الله وهدد من قال أن الرسول قد مات، ولكن الله قيض أبا بكر فثبت ثبوت الجبال حتى أدرك سائر الصحابة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم: فقد قال البخاري في صحيحه (6/124) عن عوف بن مالك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أَدَم فقال: (أعْدُد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم انتفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية – راية – تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً).
فتح بيت المقدس
جاء في حديث عوف بن مالك: (أعْدُد ستاً بين يدي الساعة: فذكر منها: ثم فتح بيت المقدس،..)، وقد تم ذلك في عهد عمر بن الخطاب سنة ست عشرة من الهجرة.
وقد ذهب عمر رضي الله عنه بنفسه وصالح أهلها وفتحها وطهرها من اليهود والنصارى وبنى بها مسجداً في قبلة بيت المقدس.
طاعون عمواس
عمواس بلدة في فلسطين تبعد حوالي عشرة كيلو متر من الرملة على طريق بيت المقدس.
جاء في حديث عوف بن مالك: (أعْدُد ستاً بين يدي الساعة: فذكر منها: ثم موتتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم).
قال ابن حجر يقال: إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس في السنة الثامنة عشرة (18هـ) وقع هذا الطاعون في عمواس وانتشر في بلاد الشام كلها فمات فيه خلق عظيم. قيل: يزيد على خمسة وعشرين ألفاً من المسلمين، وممن مات أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين هذه الأمة الذي فتح الله على يديه أرض الشام.
استفاضة المال
والاستغناء عن الصدقة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم ربُّ المال من يقبله منه صدقة ويدعى إليه الرجل فيقول: لا أرى لي فيه).
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحداً يأخذها منه).
وأخبر رسولنا صلى الله عليه وسلم أن الله سيعطي هذه الأمة ويفتح عليها من كنوز الأرض، وأن ملك أمته سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها، ففي الحديث عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض).
وجاء في الحديث: (وأعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض).
وجاء في حديث عدي بن حاتم: (حينما جاء رجل يشكو الفاقة ثم آخر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا عدي هل رأيت الميرة…؟. إن آلت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الميرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله…. ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى بن هرمز …. وإن طالت بك حياة ليخرجن الرجل ملء كفه بالذهب يطلب أحداً يقبله منه فلا يجد).
قال عدي: (فرأيت الظعينة تخرج…)، (وكنت فيمن فتح كنوز كسرى..)، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم من خروج الرجل ملء كفه ذهباً.
وقد تحقق ذلك فقد كثرت الأموال في عهد الصحابة… وخصوصاً في عهد عمر بن عبدالعزيز حيث لا يوجد من يقبل الزكاة فصرفت في إعتاق الأرقاء.
وقيل: إن الاستغناء عن العمل يقع في آخر الزمان في وقت عيسى والمهدي لانشغال الناس في أمر الحشر، والذي يظهر والله أعلم أن الاستغناء يكون في أزمان مختلفة وبأسباب متفاوتة، ومنها ما وقع في عهد عمر بن عبدالعزيز.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس الموضوعات
الموضوع |
من أشراط الساعة الكبرى |
من أشراط الساعة |
فتح بيت المقدس |
طاعون عمواس |
استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة |
فهرس الموضوعات |