109 – رسائل في أثر العلماء ومنهجهم

الخميس 20 رجب 1445هـ 1-2-2024م

 

109 –  رسائل في أثر العلماء ومنهجهم pdf

 

 

رسائل في أثر العلماء

ومنهجهم في التعليم

 

تأليف

أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

عضو الإفتاء بالقصيم

والأستاذ بكلية التربية بالزلفي جامعة المجمعة

 

 دار التدمرية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إنَّ الحمدَ لله، نَحمدُهُ ونَسْتعينُه ونَسْتغفرُه، ونَعوذُ بالله من شُرور أَنْفُسنا ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يَهْده اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ له، وأَشْهَد أنْ لا إلَهَ إلا الله وحدَه لا شَريكَ لَه، وأَشْهَد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه…

أَمَّا بَعْدُ:

فهذه مجموعة رسائل حول العلم والعلماء، تم تحكيم بعضها في عدد من الجامعات ومراكز البحوث، رأيت نشرها مجموعة تلبية لرغبة بعض المحبين ممن أشار علي بجمعها ونشرها لتعم الفائدة منها.

وإني بهذه المناسبة ألتمس من كل من يطلع عليها أن يبدي ما يراه من ملاحظة أو اقتراح لتلافيه مستقبلاً بحول الله، حامداً لربي سبحانه وشاكراً لفضله وإنعامه، وصلى وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

                                                                                                                        المؤلف

                                                                                                    عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

                                                                                                           الزلفي: 8/ 11/ 1437هـ

 

المحتويات

1- أثر العلماء في توعية المجتمعات الإسلامية.

2- كيف يستثمر المسلم وقته: نصائح وتوجيهات لطالب العلم.

3- رسالة إلى المعلمين والطلاب.

4- العلم والعلماء.

5- الشيخ ابن عثيمين    ومنهجه في التعليم الجامعي.

6- أهمية العلم للمرأة المسلمة.

7- أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة في عهد النبوة وما بعده.

8- طلب اعلم وفضله.

 

أثر العلماء

في توعية المجتمعات الإسلامية

والمقدم لمؤتمر

(نحو إسهام عربي إسلامي في الحضارة الإنسانية المعاصرة)

منتدى الوسطية للفكر والثقافة بدولة الأردن

 

مقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 102]،

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء: 1]،

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 70، 71]، وبعد:

فإن العلم من المصالح الضرورية التي تقوم عليها حياة الأمة بمجموعها وآحادها، فلا يستقيم نظام الحياة مع الإخلال بها، بحيث لو فاتت تلك المصالح الضرورية لَآلَتْ حال الأمة إلى الفساد، ولحادت عن الطريق الذي أراده لها الشارع، ولذا جاء الحَثُّ على العِلم والاهتمام به، والترغيب في طلبه في نصوصَ كثيرة متضافرة، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: 11]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)([1])، ولعل سِنَّ الشباب هي خير ما يُؤَهَّلُ فيه الشاب لطلب العلم، وقد يعجز عن إدراك الشيء بعد ما تتقدم به السن لكثرة العوارض والمشاغل، وصدق الحسن رحمه الله إذ يقول: “طلب العِلم في الصِّغَر كالنقش على الحَجَر”([2]).

وقال علقمة رضي الله عنه: “أمَّا ما حفظت وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قِرطاسته أو ورقه”.

وأوصى لقمان ابنه قائلًا: “يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإن الله يحيي القلوب بالحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء”([3]).

وقال الشاعر([4]):

نِعْمَ المؤانسُ والجليسُ كتابُ
*** تخلو به إن مَلَّكَ الأصحاب
لا مُفْشِيًا سِرًّا ولا متكبِّرًا
*** وتُفاد منه حكمةٌ وصوابُ

وقال آخر([5]):

واعلم بأن العِلم أرفع رتبةً
*** وأجل مكتسب وأسنى مفخَر
فاسلك سبيل المقتنين له تَسُدْ
*** إن السيادة تُقتنى بالدفتر
والعالم المدعو حبرًا إنما
*** سماه باسم الحَبْرِ حمل المحبر
وبضُمَّر الأقلام يبلغ أهلها
*** ما ليس يبلغ بالجياد الضُمَّر

وقال ابن الجوزي رحمه الله: “لما كان العلم أشرف الأشياء لم يحصَّل إلا بالتعب والسهر والتكرار، وهجر اللذات والراحة”([6]).

ولا بد من الأدب مع العلماء واحترامهم وبيان محاسنهم؛ فهم الشموع المضيئة، والأعلام الهادية، والأدلاء على الخير.

هم بحر الأمة الدافق، وقلبها النابض، وبَلْسَمها الشافي، هم أهل الصلاح والتُّقى، أهل الطاعة والعبادة.

وما أحقرَ بعض الأقزام من أهل الأهواء الذين لا يعرفون للعلماء قدرهم، فيغمزونهم، ويلمزونهم، ويتطاولون عليهم، وما علم هؤلاء أنهم يطعنون الأمة في أعز ما تملك، بل في رصيدها الحقيقي وهم العلماء الذين يعتبر تقديرهم واحترامهم والأدب معهم من صميم ولوازم عقيدة المسلم.

ونحن مأمورون حالَ الاختلاف بالالتفاف حول الكتاب والسنة، والرجوع إلى العلماء الربانيين الذين يَنْهَلون من مَعِينِ الوحيين.

وكلّما ابتعد الشباب عن علمائهم تقاذفتهم الأهواء، وفرّقتهم الولاءات والانتماءات، وابتعدوا عن الصراط المستقيم الذي ندعو الله صباح مساء أن يهدينا إليه {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7].

فالواجب علينا تجاه علمائنا – وهم تاج علماء الأمة الإسلامية في هذا الزمان – أن نَصْدُر عن أقوالهم ولا سيما في قضايا الأمة العامة، وما يهمها في أمر دينها ودنياها، ولا سيما ونحن نرى مؤامرات الأعداء تحيط بنا من كل حَدَبٍ وصَوْبٍ، كل همهم تفريق صف الأمة، وتوهين قوتها، والسعي لإبعاد الشباب عن علمائهم.

وما ضلت أمَّة أَعْلَتْ قَدْرَ علمائها، وتمسكت بمنهجهم، وجعلتهم في مقدمة الرَّكْبِ يقودون سفينة المجتمع إلى شاطئ السلامة؛ لئلا تعصف بها رياح الأهواء والاختلافات التي مزقتها وأضعفتها، وجعلت وَلاءها لغير الله ورسوله والمؤمنين.

ووصيتي لنفسي والناس عامة والشباب خاصة أن يلتزموا بأدب الإسلام في انتقاء أطايب الكلام، واجتناب الجَرْحِ والسَّبِّ، والإيذاء بالغَمْز والهَمْز واللَّمْز.

وخير ما يعين على ذلك سلوك طريق العلماء الموثوقين الذين لهم قَدَمٌ راسخة في العِلم، وهم في بلاد الحَرَمَيْنِ تاج علماء الزمان، فليلزم الشاب غَرْزَهم، وليسلم من طرائق الأهواء، ومَزالق الشيطان، ومُضِلات الفِتَن، ويبتعد عن الوَلاء لغير الله ورسوله والمؤمنين.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

شريعة الإسلام

المتتبع لنصوص الكتاب والسنة المطهَّرة واجتهادات علماء المسلمين العباقرة المتمثلة في كُتُب الفقه الإسلامي وغيرها يجد مِصداق ذلك واضحًا جَلِيًّا، والأخلاق الإسلامية جاءت كذلك كاملة شاملة حيث إنها لم تَدَعْ جانبًا من جوانب الحياة الإنسانية جسمية أو روحية دينية أو دنيوية، عقلية أو عاطفية، فردية أو اجتماعية إلا رسمت له المنهج الأمثل في السلوك الرفيع، ووضعت له الدستور القويم الذي يحقق إنسانية الإنسان في أتَمِّ وأكمل صورها.

وإذا أردنا أن نجمع صورة كاملة لذلك فعلينا بالنظر في مصدرَيِ الإسلام العظيمين؛ كتاب الله ﻷ وسنة رسوله ه، وفي علاقة الإنسان بالكون والحياة، وفي علاقته بنفسه جسمًا أو روحًا أو عقلًا أو ضميرًا أو وجدانًا وإحساسًا، وفي علاقته بأسرته أبًا أو أمًّا، أو ابنًا أو أخًا أو زوجًا، وفي علاقته بأنظمة الحياة الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو السياسية أو الدينية، في ذلك كله وفي غيره من حالات الإنسان، نجد التشريع الأخلاقي في الإسلام الحَنِيف قد رسم الطريق في وضوح وشمول.

لقد شاء الله عز وجل للدِّين الإسلامي الحَنِيف أن يكون منهجًا إلهيًّا ربانيًّا كاملًا شاملًا، عامًّا خالدًا إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومن عليها شاء أ أن تكون هداية الله ﻷ للناس كافة من كل الأمم ومن كل الطبقات، ومن كل الأفراد، ومن كل الأجيال.

ولقد أفاض العلماء قديمًا وحديثًا في وصف الإسلام الحنيف بصفات الجلال والكمال لَمَّا بَهَرتهم أنوار عظمته، وغَمَرتهم بِحار عِلمه وهِدايته وقُدْسيته، وحَسْبُنَا هنا إيرادُ بعض ما قاله عَلَمٌ من هؤلاء الأعلام وهو الإمام ابن القَيِّم رحمه الله حيث يقول في وصف الشريعة الإسلامية:

“فإن الشريعة معناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عَدْلٌ كلها، ورحمةٌ كلها، ومصالحٌ كلها، وحِكْمةٌ كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجَوْرِ، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العَبَثِ، فليست من الشريعة وإن أُدْخِلَتْ فيها بالتأويل.

فالشريعة عَدْلُ الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظِلُّه في أرضه، وحِكْمته الدالة عليه، وعلى صِدْق رسوله ه أتم دَلالةٍ وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهُداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤُه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل.

فهي قُرَّة العيون، وحياةُ القلوب، ولذةُ الأرواح، وبها الحياة، والغذاء، والدواء والنور، والشفاء، والعِصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مُسْتَفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطُوِيَ العالم.

وهي العِصمة للناس، وقِوام العالَم، وبها يُمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله ـ خَرابَ الدنيا وطَيَّ العالَم رفع إليه ما تبقى من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالَم، وقُطْب الفَلَاح والسعادة في الدنيا والآخرة”([7]).

وقال رحمه الله في موضع آخر: “الحمد لله الذي نَزَّهَ شريعته عن التناقض والفساد، وجعلها كفيلة وافية بمصالح خَلْقِه في المعاش والمعاد، وجعلها من أعظم آياته الدالة عليه، ونصبها طريقًا مرشدًا لمن سلكه إليه، فهو نوره المبين، وحِصنه الحصين، وظِلُّه الظليل، وميزانه الذي لا يعول، لقد تعرَّف بها إلى أَلِبَّاء عباده غاية التَّعَرُّف، وتَحَبَّبَ بها إليهم غاية التَّحَبُّبِ، فأَنِسوا بها منه حكمته البالغة، وتمت بها عليهم منه نعمه السَّابِغة، ولا إله إلا الله الذي في شرعه أعظم آية تدل على تفرده بالإلهية، وتوحده بالرُّبوبية، وأنه الموصوف بصفات الكمال، المستحق لنُعوت الجَلال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العُلى وله المثل الأعلى، فلا يدخل السُوء في أسمائه، ولا النقصُ والعيبُ في صفاته، ولا العبثُ ولا الجَوْرُ في أفعاله، بل هو مُنَزَّهٌ في ذاته وأوصافه وأفعاله وأسمائه عما يُضَادُّ كماله بوجه من الوجوه، تبارك اسمه، وتعالى جَدُّهُ، وبَهَرت حكمته وتمت نعمته، وقامت على عباده حُجَّتُه.

والله أكبر كبيرًا أن يكون في شرعه تناقضٌ واختلافٌ، فلو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا، بل هي شريعةٌ مُؤْتَلِفَةُ النِّظام، متعادلةُ الأقسام، مُبَرَّأَةٌ من كل نقص، مُطَهَّرَةٌ من كل دَنَسٍ، مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فيها، مُؤَسَّسَةٌ على العدل والحكمة، والمصلحةُ والرحمةُ قواعدها ومبانيها، فهي صِراطه المستقيم الذي لا أَمْتَ فيه ولا عِوَجَ، ومِلَّتُه الحنيفية السمحة التي لا ضيق فيها ولا حَرَجَ، بل هي حنيفية التوحيد، سَمْحَةُ العمل، لم تأمر بشيء فيقول العقل لو نهت عنه لكان أوفق، ولم تَنْهَ عن شيء فيقول الحِجَى لو أباحته لكان أرفق، بل أمرت بكل صلاح، ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طَيِّبٍ، وحَرَّمت كل خبيث.

فأوامرها غِذاء ودواء، ونواهيها حِماية وصِيانة، وظاهرها زينة لباطنها وباطنها أجمل من ظاهرها، شِعارُها الصدق وقِوَامها الحق، وميزانها العدل وحُكْمها الفَصْل، لا حاجة بها الْبَتَّةَ إلى أنْ تَكْمُلَ بسياسة مَلِكٍ أو رأي ذي رأي، أو قِياس فقيه، أو ذَوْق ذي رياضة، أو منام ذي دِينٍ وصَلاح.

بل لهؤلاء كلهم أعظم الحاجة إليها، ومن وُفِّقَ منهم للصواب فلاعتماده وتَعْوِيله عليها، فقد أكملها الذي أَتَمَّ نعمته علينا بشرعها قبل سياسات الملوك، وحِيَلِ المُتَحَيِّلين وأَقْيِسَة القِيَاسيين، وطَرائق الخِلافيين، وأين كانت هذه الحِيَلُ والأَقْيِسَةُ، والقواعد المتناقضة، والطرائق القِدَدُ وقت نزول قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

وأين كانت يوم قوله صلى الله عليه وسلم: (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ)([8]).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلَّا أَعْلَمْتُكُمُوهُ([9]))([10]).

ومهما قال القائلون في وصف الإسلام الحَنِيف ورسالته الخالدة وشريعته الغَرَّاء فلن يبلغوا عُشْرَ مِعْشَار ما وصفه به ربُّ العِزَّة جل جلاله إذ هو مُنْشِئُه ومَصْدَرُه ومُنْزِلُه، فهو أعلمُ به عِلم إحاطة وشُمول يناسب عِلمه المحيط الذي لا يمكن أن تدركه البشرية جمعاء، ولا أن تحيط به عقولها القاصرة.

لقد وصفه جل جلاله ووصف كتابه – القرآن الكريم أصل الدين الإسلامي الأول وقُطْبُ رَحَاه – بجملة من الصفات العامة التي يفنى الزمان ولا تستطيع أن تحيط بكُنْهِهَا العقول.

وإليكَ طائفة من هذه الصفات نُزْجِيها على سبيل التمثيل لا الحَصْر:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 174، 175].

وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15-16].

وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].

وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].

وقال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].

وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 52-53].

يُمَثِّلُ الإسلامُ للمجتمع المسلم ولكل فرد فيه العقائدَ الصحيحة، والقِيَمَ الفاضلة، والمبادئَ الشريفة، والأخلاق النبيلة، والشرائع الميسرة الطاهرة، فالإسلامُ إذن قِوَامُ شخصية المجتمع المسلم، وحقيقة هُوِيَّتِهِ، ومصدر شَرَفِه وفضيلته، وسبب كرامته، وطريق حريته من عبودية الناس بإخلاص العبودية، وما من منهج في الأرض يحقق هذه الخاصيَّات لمعتنقيه سوى الإسلام العظيم.

 

التحديات التي يواجهها الإسلام

داخليا وخارجياً.

منهج الإسلام الكامل الشامل العظيم يتعرض لتحديات كثيرة في مسيرة الحياة؛ تحديات من داخل المجتمع الإسلامي نفسه، وتحديات من خارج المجتمع الإسلامي، فأما التحديات من داخل المجتمع الإسلامي فتتجَسَّم في الخروج والتمرُّد عليه جزئيًّا أو كليًّا افتياتًا عليه واتباعًا للأهواء الجامِحة والجهالات المردية.

وأما التحديات التي من خارج المجتمع فتتمثل في المحاولات المستمرة والمستميتة من أعدائــه للقضــاء عليــه بإثـــارة الشُّبهــات والشكوك حوله، ورميه بأبشع التُّهَم، وطعنه بسِهام الحقد والكراهية، وأبشع ألوان الطُّعون، ومن ثَمَّ كان الإسلام الحنيف ومنذ نزل، في معركة دائمة، ومستمرة، ومتجددة، ومستميتة، ومتعددة الجوانب في كل زمان ومكان.

 

احتياج الإسلام إلى من يواجه به

التحديات الداخلية والخارجية.

الإسلام محتاج إلى من يحفظه وينقله وينشره في داخل المجتمع الإسلامي عبر الأجيال، فيعمل على ترسيخ عقائده وسيادة مبادئه ونشر تعاليمه لِيَنْفُذَ إلى القلوب، فيحرك المشاعر، ويُفَجِّرَ في روح المؤمن تلك الطاقة الحية العالية التي تشده شدًّا مُحْكَمَ الأواصِر إلى عقيدته الحقَّة النَّيِّرة وشريعته الكاملة القويمة، وتُعَمِّق فيه روح الوَلاء لأمته القائدة الرائدة التي أكرمها الله عز وجل بهذه الرسالة الهادية، فحين يتلاقى العقل والقلب، والفكر والشعور، على فهم الإسلام، ووعي قضيته، والوَلاء لأمته، والتفاعل مع مبادئه ونُظُمِه.

وحين يكون ذلك الفهم والوعي والولاء والتفاعل عميقًا قويًّا شاملًا فلا بد أن تَنْبَثِقَ من ذلك روح جديدة تتسم بالإيمان الصادق، والعمل المستمر، والعزيمة القوية، وبذلك تتجدد ثقة المسلمين بمهمتهم القيادية الكبرى، وتتلاشى عوامل الانهزام الفكري والنفسي، وتزول أعراض الشعور بالنقص، وشيوع الضَّعْفِ والخَوَرِ، والإخلاد إلى الراحة والاستكانة إلى المتاع العاجل والتعلق بالأهواء والشهوات، والخضوع لسلطة الأقوياء، والانبهار بحضارة الأعداء، وتتقدم من جديد جَذْوَةُ الكفاح الصامد لنشر الدعوة، ومواجهة التحدي، وقيادة الرَّكْبِ الحضاري النَّيِّر الذي فتح العقول والقلوب، ورفع لواء الكرامة والعدالة والحرية، وبسط راية العلم والمعرفة والسلام في أرجاء المعمورة([11]).

والدين الإسلامي محتاج إلى من ينقله وينشره خارج المجتمعات الإسلامية، فيعمل على تعميم نوره، وبث ضيائه في الآفاق باعتبار الدعوة العامة الخالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

والدين الإسلامي محتاج إلى من يعمل على رد الشبهات عنه، وإحباط المكائد التي تُحَاكُ ضده من أعدائه، وبخاصة في الميدان الفكري والثقافي لأن أعداء الإسلام في كل عصر يحاولون بكل ما في صدورهم من حقد، وما في وسائلهم من كيد، وما في رؤوسهم من مكر أن يُقصوا الناس عن الهدى، ويصرفوهم عن الإيمان، ويدفعوهم في مَسالك الضلال، وطُرق الشر، ومَهاوي الرَّذيلة، ودُروب الغواية.

إنهم لا يحقدون على شيء كما يحقدون على هذه العقيدة الحقَّة النَّيِّرة التي تحرر الفِكْر والوِجدان، وتطهر القلوب، وتزكي النفوس، وتصحح التصورات، وتقوِّم الأوضاع، وتُخْرِج العباد من عبادة العِباد إلى عبادة الله الواحد الذي لا شريك له، كما تُخْرِجُ البشر من أسر الطُّغيان، وجَوْرِ النُّظُم البشرية الفاسدة، وتشويه العقائد الزائغة إلى آفاق الحرية والكرامة والعدالة والاستقامة في ضوء شريعة الإسلام الخالدة.

وأعداء الإسلام يعرفون أنهم لا سبيل لهم إلى التسلُّط والاستبداد والسيطرة على زمام البشر، ما دام لهذا الدين بعقيدته وتشريعه وأخلاقه ونظمه وجود قوي، وكيان مكين ودولة وسلطان، ولذلك فإنهم يقذفون بكل قوتهم في المعركة التي يديرونها لتحطيم الإسلام، والقضاء على دعوته، وتشويه رسالته، وتدمير قوته، وتمزيق دولته([12]).

ولقد شاء الله عز وجل لهذا المنهج الإلهي القيم القويم وهو الإسلام الحَنِيف كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، شاء الله عز وجل ألا يتحقق في الأرض وفي دنيا الناس إلا بالجهد البشري، وفي حدود الطاقة البشرية، فلا يتحقق منه شيء بمعجزة خَارِقة.

وإنما يتحقق بأن تحمله جماعة من البشر تؤمن به إيمانًا كاملًا، وتستقيم عليه بقدر طاقتها، وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين، وفي حياتهم كذلك، وتجاهد لهذه الغاية بكل ما تملك، تجاهد الضَّعف البشري والهَوى البشري في داخل النفوس، وتجاهد الذين يدفعهم الضَّعف والهَوى إلى الظلم والوقوف في وجه الهدى والنور المبين.

ولا أدل على ما قلناه من قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251].

وقوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40].

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

 

علماء الإسلام هم وحدهم المَعْنِيُّون

لمواجهة التحديات الفكرية المُنَاوِئة للإسلام

من هُم الذين يحملون هذا الدين، ويؤمنون به، ويستقيمون عليه، ويجتهدون لتحقيقه في حياتهم وحياة غيرهم؟ إنهم في المقام الأول العلماء وأعني بهم العلماء الذين يؤمنون بهذا المنهج إيمانًا جازمًا، ويؤمنون بأحقيته في قيادة البشرية حيث لا يصلح لها سواه، ويعلمون طبيعة التحديات التي تواجهه، والآثار المدمرة المترتبة على هذه التحديات لو نجحت لا قدَّر الله، العلماءُ المتسلحون بأسلحة العلم حيث يعلمون أن غيرهم من المسلمين لا يملكون أن يفعلوا شيئًا لهذا المنهج الإلهي الكريم رغم ما يملكون من حماس دَافِق، فالعلماءُ هم الذين يحفظون علم هذا المنهج الإلهي المستمد من مصدريه العظيمين كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينقلونه للأجيال وينشرونه بين الناس.

والعلماءُ هم الذين يردون الغَوِيَّ إلى الرَّشاد، والضَّالَّ إلى الهُدى، والمنحرف إلى الصراط المستقيم.

والعلماءُ هم الذين يدفعون عن المنهج الإسلامي الرشيد تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

والعلماءُ هم الذين يقفون حِصنًا منيعًا، وسدًّا متينًا في وجه الظلم والإلحاد والزَّنْدَقة والفساد بشتى صوره وأشكاله وألوانه.

 

وظيفة العلماء

في المجتمعات الإسلامية

العلماء هم الذين يحفظون على المجتمعات الإسلامية عقلها مَخافةَ أن تَزِلَّ أو تَزِيغَ أو تَتِيهَ في أودية الضلال وما أكثرها من أودية.

وهم الذين يحفظون على المجتمعات الإسلامية نورها حتى لا يخبو ولا ينطفئ فتعيش في دَيَاجِيرِ الظلام الحالك.

وهم الذين يحفظون على الأمة صراطها المستقيم حتى لا تتشعَّب بها السُّبُل التي تبعدها عن صراط الله.

وهم الذين يحفظون على المجتمعات الإسلامية شخصيتها وهُوِيَّتها حتى لا تَمِيعَ ولا تذوب.

وهم الذين يحفظون على الأمة ضميرها حتى لا يُلَوَّثَ ولا يُدَنَّسَ بأدناس الحياة، وبالجملة فهم الذين يحفظون على الأمة عزتها، وكرامتها وحريتها، وشرفها، وسائر قيمها المتمثلة في منهجها العظيم.

هذه هي وظيفة العلماء والأمانة الغالية التي نَاطَها الله عز وجل بأعناقهم، وهذا قَدَرُهم وحظهم في هذه الحياة، وبسبب القيام بها فضَّلهم، وشرَّفهم، وكرَّمهم، وأعزَّهم، ولو لم يكن في ذلك سوى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ)([13]).

أقول: لو لم يَرِدْ في فضل العلماء سوى هذا النص من النبي صلى الله عليه وسلم لكفى، فانظر كيف كرَّم الله عز وجل العلماء العاملين بعلمهم تكريمًا لا يُسامى ولا يُدانى حينما يتصور أن كل شيء في الكون يستغفر لهم، كل حَصَاة وكل حجر، وكل حبة وكل ورقة، كل زهرة وكل ثمرة، كل نَبْتَة وكل شجرة، كل حيوان وكل إنسان، وكل حشرة زاحفة، وكل دابة دراجة في الأرض، وكل سابحة في الماء، وكل سارحة في الهواء، وكل ساكنة في السماء، كل هذه وغيرها تستغفر للعلماء العاملين.

 

الإسلام يُهِيبُ بالعلماء

أن يقوموا بوظيفتهم

وحينما يُتَصَوَّرُ أنهم أفضل بمراحلَ كثيرة من العباد المنقطعين للعبادة، وحينما يُتَصَوَّرُ أنهم ورثة الأنبياء أفضل خلق الله وأقربهم إلى الله عز وجل فأَعْظِمْ بها رُتْبَة، وأَكْرِمْ بها مَنْزِلة

لقد أهابَ الإسلام بالعلماء أن يقوموا بوظيفتهم في توعية المجتمع الإسلامي وتعليمه والحفاظ على مقدساته، والذَّوْدِ عنها ضد المُغِيرين والمفسدين، أهابَ بهم أن يقوموا بهذه الوظيفة خير قيام، وبيَّن لهم أنهم إن فعلوا ذلك فهم في أرقى منزلة وأسمى مكانة عند الله عز وجل قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170].

والإسلام الحَنِيف يدفع العلماء دفعًا إلى ممارسة وظيفتهم هذه بطرق متعددة منها ما يلي:

أولًا: أوجب عليهم العمل على نشر العلم وبذله وعدم الضَّنِّ به، وبيَّن لهم الأجر الجزيل الذي ينتظرهم عن ذلك:

قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

 وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ)([14]).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ذُكِرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالِم، فقال عليه الصلاة والسلام: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ)، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ)([15]).

وعنه ا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حَجَّتُهُ)([16]).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ)([17]).

 وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ)([18]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا)([19]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه – أيضًا – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)([20])، والأحاديث في ذلك كثيرة جدًا.

ثانيًا: أوجب عليهم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحَثَّ على ذلك في آيات كثيرة من كتاب الله ﻷ وأحاديث كثيرة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

وقال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

وقال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].

وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)([21]).

ثالثًا: وعدهم بالنصر والتأييد والهداية والتوفيق بمقتضى علمه وحكمته، قال تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

إلى غير ذلك من الآيات.

رابعًا: رَهَّبَهُم وخوفهم من كتم العلم والضَّنِّ به، أو القعود عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لما يترتب على كل ذلك من الفساد الفردي والاجتماعي في المجتمع:

قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159، 160].

وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 174، 175].

وقال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187].

وهذه الآية الكريمة وإن كان الكلام فيها عن أهل الكتاب إلا أن فيها كما يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تحذير للعلماء أن يسلكوا مَسْلَكَهُم فيصيبهم ما أصابهم، ويُسْلَكَ بهم مَسْلَكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما في أيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ)([22]).

وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ)([23]).

وروى قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)([24]).

خامسًا: أن العلمـاء مسؤولون لا محـالـة عن علمهم الذي علمهم الله ﻷ إياه، واستحفظهم عليه لأداء واجبهم تجاه مجتمعاتهم الإسلامية ودينهم الحَنِيف، أحَفِظوا أم ضيَّعوا؟ أَدُّوا أم فرَّطوا؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ)([25]).

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ)([26]).

وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: “إنَّ أَخْوَفَ ما أخاف إذا وقفتُ على الحساب أن يُقال لي: قد علمتَ، فماذا عملتَ فيما علمتَ”([27]).

 

الإسلام يُهِيبُ بالمجتمعات الإسلامية

أن تحافظ على علمائها

هذا من جهة العلماء، أما من جهة المجتمعات الإسلامية فقد أفهمها الإسلام أن علماءها هم سبب رَشادها، ونُجوم هدايتها، وأنهم إن فُقِدوا صارت المجتمعات الإسلامية في ظلام حَالِك السَّواد، فإما وجود العلماء العاملين، وإما الضلال والانحراف وسوء المصير.

روي عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الكَلَأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ)([28]).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)([29]).

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “موت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أَهْوَنُ من موت عالِم بصير بحلال الله وحرامه”([30]).

وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: “موت العالم ثُلْمَةٌ في الإسلام لا يسدها شيء ما طرد الليل والنهار”([31]).

ومن ثمّ أوصى الإسلام المجتمعات الإسلامية بجملة من الوصايا قِبَلَ علمائها منها ما يلي:

أولًا: يوجب الإسلام الحنيف أن يكون في المسلمين هذا الصنف من العلماء ضرورة لوجودهم، وضرورة لحياتهم في شرف وعزة وكرامة، وضرورة لنجاتهم في الآخرة، وذلك بالترغيب في طلب العلم والحَثِّ عليه، ومدح العلماء والثَّنَاء عليهم، مثل قوله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].

وقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].

وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

وقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)([32]).

ومن أَجْمَعِ الأحاديث وأروعها في هذا الباب حديث أبي الدرداء المشهور الذي يقول فيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)([33]).

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وذلك كله حرصًا على تَوَفُّرِ هذا الصِّنْف من العلماء الذين يعملون على توعية المجتمع الإسلامي وإمساك نوره وهداه وروحه عليه.

ثانيًا: يوجب الإسلام على المجتمعات الإسلامية المحافظة على علمائها وإجلالهم وتَوْقِيرهم واحترامهم، ويحذر من الاستخفاف بهم أو الزِّرَاية عليهم، أو إضاعتهم وعدم المُبَالاة بهم.

عن عُبَادَةَ بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا)([34]).

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)([35]).

ثالثًا: يوجب سؤالهم فيما أشكل، والرد إليهم فيما خفي، خوفًا من الزَّيْغِ والضَّلال، قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

وقال تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].

وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ يَتَبَيَّنُ لَكَ رُشْدُهُ فَاتَّبِعْهُ، وَأَمْرٌ يَتَبَيَّنُ لَكَ غَيُّهُ فَاجْتَنِبْهُ، وَأَمْرٌ اخْتُلِفَ فِيهِ فَرُدَّهُ إِلَى عَالِمِهِ)([36]).

رابعًا: يوجب طاعتهم وعدم مخالفتهم ما دامت في حدود طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

قال الإمام ابن القيم رحمه الله “قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه، وجابر بن عبد الله، والحسن البَصْري، وأبو العالية، وعطاء بن أبي رباح، والضَّحَّاك، ومُجاهِد في إحدى الروايتين عنه: {وَأُولِي الْأَمْرِ} هم العلماء، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.

وقال أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما في الرواية الأخرى، وزيد بن أسلم، والسُّدِّيُّ، ومُقاتِل: هم الأمراء وهو الرواية الثانية عن أحمد.

والتحقيق أن الأمراء إنما يُطاعون إذا أَمروا بمقتضى العلم، فطاعتهم تَبَعٌ لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم، فكما أن طاعة الأمراء تَبَعٌ لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم، فكما أن طاعة العلماء تَبَعٌ لطاعة الرسول فطاعة الأمراء تَبَعٌ لطاعة العلماء..أ.هـ ” ([37]).

ولو قيل: إنها تشمل العلماء والأمراء لَكان أَوْلَى.

 

ما يجب على العلماء

حتى يؤدوا وظيفتهم على الوجه الأكمل

لما يترتب على تفريط العلماء من انحراف العامة وضَلال الأمة كان إثْمُهم أعظمَ، ووِزْرُهم أكبرَ وأخطرَ، وعذابُهم أشدَّ وأبقى، لذلك قال صلى الله عليه وسلم موضحًا مصير المُفَرِّطين من العلماء، وما ينتظرهم من سوء العاقبة وعذاب الآخرة: (يَظْهَرُ هَذَا الدِّينُ حَتَّى يُجَاوِزَ الْبِحَارَ، وَحَتَّى يُخَاضَ بِالْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ يَأتِي أَقْوَامٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا قَرَؤُوهُ قَالُوا: قَدْ قَرَأنَا الْقُرْآنَ، فَمَنْ أَقْرَأُ مِنَّا؟ مَنْ أَعْلَمُ مِنَّا؟) ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: (هَلْ تَرَوْنَ فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ؟) قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ أُولَئِكَ؟ قَالَ: (أُولَئِكَ مِنْكُمْ، أُولَئِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ)([38]).

لذلك فمن اللازم للعلماء لكي يؤدوا وظيفتهم على أكمل الوجوه وأحسنها أن يكونوا في أعلى مستوى من الصلاح في خاصَّة أنفسهم وفي سلوكهم بين الناس، ولن يَتَأتى لهم ذلك إلا إذا تحلَّوْا بجميع الفضائل جملة، وتخلَّوْا عن جميع الرذائل جملة، وإذا كان هذا الأمر واجبًا على كل مسلم، فهو في حق العلماء أَلْزَمُ وأوجبُ، لأنهم الأئمة والقُدْوة في كل عَصْرٍ ومِصْرٍ، وفي كل زمان ومكان، والناس تَبَعٌ لهم ينظرون إليهم على أنهم الهُداة المرشدون إلى الطريق المستقيم، ويحلونهم من قلوبهم محلًا رفيعًا، إذا قالوا أَصْغَوْا إليهم بآذانهم، ووَعَتْ عنهم قلوبُهم، وحكت عنهم ألسنتهم، وهم بهم مُقتدون.

ومِنْ ثَمَّ كان لصلاح العلماء أكبر الأثر في صلاح الناس، ولفسادهم كذلك أكبر الأثر في فسادهم، وقد أُثِرَت عن الصحابة والتابعين روايات كثيرة بهذا المعنى.

فقد روي عن مالك رحمه الله أنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “اعلموا أنه لا يزال الناس مستقيمين ما استقامت لهم أَئِمَّتُهم وهُداتهم”([39]).

وروي عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رحمه الله أنه قال: “لله قُرَّاء، وللشيطان قُرَّاء، وصنفان إذا صلحا صلح الناس؛ السلطان والقُرَّاء”([40]).

وكان يقول أيضًا: “الأعمال السيئة داء، والعلماء دواء، فإذا فَسَدَ العلماء فمن يشفي الداء”([41]).

يجب إذن أن يكون العلماء على أعلى مستوى من الصلاح في أنفسهم وفي سلوكهم بين الناس حتى يتحقق فيهم الإمامة والقُدْوة، ويؤدوا وظيفتهم على أكمل الوجوه وأحسنها، يجب أن ينضح علم الإسلام على سلوكهم وأخلاقهم وأقوالهم وأفعالهم هُدًى وتُقًى وزُهْدًا وتواضعًا وعِفَّة ووَرَعًا وسَكِينة وخشوعًا ووَقَارًا بحيث يظهر كل ذلك في هيئتهم وسيرتهم، وسرهم وعلانيتهم، وسكونهم وحركتهم، ونطقهم وسكوتهم حتى يُعرفوا بِسِيماهم، وحتى يَكْبَرَ العِلم الذي يحملونه في أعين الناس عندما يرون أَثَرَهُ في هؤلاء العلماء، فيكونون لهم سامعين طائعين.

كل خُلُقٍ فاضل دعا إليه الإسلام فهو في حق العلماء أَوْجَبُ، وكل خُلُقٍ سيئ نهى عنه الإسلام، فالنهي في حق العلماء آكَدُ، ونريد هنا أن نؤكد فقط على بعض الصفات المهمة جدًّا للعلماء حتى يقوموا بوظيفتهم، وحتى تؤتي جهودهم ثمارها.

أولًا: الإخلاص والتَّجَرُّد لله عزو وجل:

ومعنى الإخلاص: تجريد العمل لله عز وجل بحيث لا يريد به الإنسان شيئًا آخر سوى مرضاته ﻷ لا يريد به المَحْمَدة عند الناس، ولا يريد به الحياة، ولا يريد به المَنْصِبَ، ولا يريد به المال، ولا يريد به الرئاسة والشَّرَف، بل يريد به وجه الله ﻷ أولًا وأخيرًا، وجه الله سبحانه فحَسْب.

ومن المعروف أن الله عز وجل قد أوصى عباده جميعهم، العلماء منهم وغير العلماء، بهذا الوصف في جميع أعمالهم، وبيَّن لهم أنه لن تُقْبَلَ منهم طاعة من الطاعات إلا إذا تَوَفَّرَ فيها الإخلاص والتَّجَرُّدُ.

قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 2، 3].

وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].

كما بين لهم سبحانه وتعالى أن عدم الإخلاص في أي طاعة من الطاعات يَهْبِطُ بها، بل ويجعلها معصية شَائِنَة لا ينال صاحبها منها إلا الفشل والخسَار بعد التعب في تحصيلها والكَدِّ في أدائها.

قال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4-7].

وقال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} [البقرة: 264].

وفي آية جامعة عامة يقول سبحانه:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16].

وهكذا كل عمل ديني أُخْرَوِيٍّ يُقْصَدُ به الدنيا لا يكون لصاحبه أدنى نصيب من الأجر، بل ينقلب معصيةً عليه وِزْرها ووَبَالها؛ لأنه غَلَّفَ عمل الدنيا بغِلافِ الآخرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالتَّيْسِيرِ، وَالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ فِي الدِّينِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ، وَالنَّصْرِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلًا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)([42]).

وهذه الأحكام العامة عامة وشاملة في العلماء وغير العلماء، ولكن الإسلام لم يقف عند هذا الحد – ولو وقف لكان في ذلك كفاية وبلاغ- ولكنه خص العلماء في هذا الموضوع بجملة من الوَصايا توجب إخلاص عملهم لله عز وجل والتحذيرات من عدم الإخلاص والتَّجَرُّدِ، فإن في ذلك وَبَالًا عليهم وأي وبال!

ونكتفي بأن نسوق هنا بيان الحافظ الجليل ابن رجب الحنبلي رحمه الله ففيه كفاية عن غيره.

قال رحمه الله: “طَلَبُ الشرف والعلو على الناس بالأمور الدينية كالعِلم والعمل والزهد أفحش من طلبها بالولاية والسلطان والمال، وأقبح وأشد فسادًا وخطرًا، فإن العِلم والعمل والزهد، إنما يُطلب بها ما عند الله من الدرجات العُلى والنعيم المقيم، ويُطلب بها القرب من الله والزلفى لديه.

قال الثَّوْرِيُّ: إنما يُطلبُ العِلم لِيُتَّقَي الله به، فمِنْ ثَمَّ فُضِّلَ، لولا ذلك لكان كسائر الأشياء.

فإذا طلب بشيء من هذا عرض الدنيا الفاني فهو أيضًا نوعان: أحدهما: أن يطلب به المال، فهذا من نوع الحِرْصِ على المال وطلبه بالأسباب المحرمة، وفي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)([43])، يعني: ريحها.

وسبب هذا – والله أعلم – أن في الدنيا جنةً مُعَجَّلَةً، وهي معرفة الله ومحبته والأُنْس به، والشوق إلى لقائه وخشيته وطاعته، والعِلم النافع يدل على ذلك.

فمن دله علمه على دخول هذه الجنة المُعَجَّلَة في الدنيا دخل الجنة في الآخرة، ومن لم يشم رائحتها لم يشم رائحة الجنة في الآخرة.

ولهذا كان أشد الناس عذابًا في الآخرة عالم لم ينفعه الله بعلمه، وهو أشد الناس حسرة يوم القيامة حيث كان معه آلة يتوصل بها إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات، فلم يستعملها إلا في التوصل إلى أَخَسِّ الأمور وأدناها وأحقرها.

فهو كمن كان معه جواهر نفيسة لها قيمة فباعها بِبَعْرَةٍ أو شيء مُسْتَقْذَرٍ لا ينتفع به، فهذا حال من يطلب الدنيا بعلمه.

وأَقْبَحُ من ذلك من يطلبها بإظهار الزهد فيها، فإن ذلك خِداع قبيح جدًا.

والثاني: من يطلب بالعلم والعمل والزهد الرياسة على الخلق، والتعاظم عليهم، وأن يَنْقَادَ الخَلْقُ ويخضعون له، ويصرفون وجوههم إليه، وأن يظهر للناس زيادة علمه على العلماء ليعلو به عليهم، ونحو ذلك، فهذا موعده النار؛ لأنَّ قَصْدَ التَّكَبُّرِ على الخَلْقِ محرَّم في نفسه.

فإذا استعمل فيه آلة الآخرة كان أقبح وأفحش من أن يستعمل فيه آلات الدنيا من المال والسلطان.

وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ)([44])، وفي رواية: (فَهُوَ فِي النَّارِ)([45]).

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ)([46]).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “لا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لثلاث: لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، أو لتُجادِلوا به الفقهاءَ، أو لِتَصْرِفوا به وجوهَ الناس إليكم، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله فإنه يبقى ويفنى ما سواه”([47]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ… وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ)([48]) ا.هـ”([49]).

أقول: ومما ورد في ذلك أيضًا من الأحاديث الشريفة ما روي عن أبي سعد بن أبي فضالة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا جَمَعَ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ)([50]).

ثانيًا: موافقة الأعمال والأحوال والأقوال:

دلالة صدق العالم عند الناس فيما يدعوهم إليه، وما يوصيهم به، ويَحُثُّهُم عليه هي أن تكون أفعاله وأحواله مطابقة لأقواله ووصاياه، فلا يكذب فعله قوله، ولا يخالف باطنه ظاهره، وبعبارة أخرى لا يأمر بمعروف إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن منكر إلا كان أول مُنْتَهٍ عنه، حينئذ فقط يُؤَثِّرُ في الناس، ويستميلهم إلى ما يريد، أما إن كذب فعله قوله، وخالف باطنه ظاهره، وأمر بمعروف لا يفعله، ونهى عن منكر وهو مُلَوَّثٌ به مُتَلَطِّخٌ فيه، فأَنَّى يُستجاب لقوله؟ وكيف يتأثر به الناس؟

إن ذلك أمر أشبه بالمُحال، لأنه أصبح موضع الشك والارتياب، وانتفت عنه ثقة الناس، فلا تجاوز كلماته صِمَاخَ الآذان، بل يصبح ويمسي كمن يصبح في وادٍ، وينفخ في رماد، ولا أثر لقوله ولا متأثر به، وحقًّا ما قال مالك بن دينار رحمه الله: “إنَّ العالِم إذا لم يعمل بعِلمه زَلَّتْ موعظتُه عن القلوب، كما يَزِلُّ القَطْرُ على الصَّفَا”([51]).

إن شر ما يُمْنَى به الإسلام حقًّا هو أولئك الذين يأمرون بخير ويتركونه، وينهون عن شر ويفعلونه، فأقوالهم أقوال الصِّدِّيقين، وأفعالهم أفعال الشياطين، ورضي الله تعالى عن الإمام علي بن أبي طالب حينما قال: “قَصَمَ ظهري رجلان: عالِم مُتَهَتِّكٌ، وجاهل مُتَنَسِّكٌ، فالجاهل يَغُرُّ الناس بتَنَسُّكِه، والعالِم يَغُرُّهم بتَهَتُّكِه”([52]).

أجل؛ فإن دعوة العلماء إلى الخير والمخالفة عنه في سلوكهم هي الآفة التي تصيب الناس بالشك والارتِياب، لا في الدعاة وحدهم، ولكن فيما يدعون إليه وهو الإسلام الحَنِيف أيضًا؛ لأنهم يسمعون قولًا جميلًا، ويشهدون فعلًا قبيحًا، فتتبَلْبَل أفكارهم، وتَتَمَّلَكُهم الحَيْرَة بين القول الجميل والفعل القبيح، وبالتالي يبدأ فقدهم للثقة في العلماء أولًا ثم فيما يدعون إليه ويمثلونه ثانيًا.

لقد استنكر الإسلام أشد الاستنكار أن يقول الإنسان ما لا يفعله، وقبَّح هذا الخُلُقَ وهذه الصفة أشد تقبيح، وتوعد على ذلك أشد العقاب، يقول ـ مخاطبًا علماء بني إسرائيل وأحْبَارَهم في أسلوب تَقْريع وتَوْبيخ واستنكار لما اتصفوا به من انفكاك بين قول الخير والبِرِّ وفعله من أنفسهم:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]، ويقول ـ في بعض المؤمنين الذين تشبهوا بأولئك:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا قُرِضَتْ وَفَتْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يا جبريل؟ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَقْرَؤُونَ كِتَابَ اللهِ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ)([53]).

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ)([54]).

وإنما كانت مخالفة أفعال العلماء لأقوالهم مَحَلَّ هذا الاستنكار وسبب هذا التعذيب؛ لأنهم عصوا ربهم عن علم وإصرار، ولكونهم قُدْوَةَ الناس، فقد عصى بمعاصيهم خَلْقٌ كثير، إذ كانوا بمواقفهم هذه سببًا للجرأة على حرمات الله والتَّفَلُّتِ من هدى الله، فهم بهذا أئمة ضلال في أزياء المتقين، وشياطين رحماء في ملابس المُتَنَسِّكِينَ!

وفيهم يقول ابن القيم رحمه الله: “علماء السُّوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس هَلُمُّوا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقًّا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أَدِلَّاءُ، وفي الحقيقة قُطَّاعُ طُرُقٍ”([55]).

ثالثًا: الشجاعة الأدبية:

يجب أن يكون العلماء على حظ كبير جدًّا من الشجاعة الأدبية أو المعنوية، أي أن يجهروا بالحق، وينطقوا بالصدق، لا يخافون إلا الله عز وجل ولا يرجون سواه، هدفهم وغايتهم ومنتهى أملهم سيادة الحق؛ أعني سيادة الإسلام وهَيْمَنَته على كل ما سواه، سواء في ذلك رضي كل الناس، أو سَخِطَ كل الناس، وسواء في ذلك عاش حياته سعيدًا قَرِيرَ العين أو شقيًّا لا يَقَرُّ له قَرَارٌ، فقد أوقف حياته على الدعوة إلى الله، ونَذَرَ نفسه لمرضاة الله ونُصْرَةِ دِينه الحَنِيف.

وليس معنى ذلك أن يبدأ العالمُ الناسَ بالمخاشنة والمغالظة بأمر بعيد عن وظيفته في نشر الإسلام والرد عنه فيثير حَفَائِظَهم، ويوقد أحقادهم ويلهب غضبهم، وإنما معناه أن يَجْهَرَ بالحق مخلصًا لوجه لله، فإن وافقه الناس في الحق الذي دعاهم إليه فبها ونِعْمَتْ، وإن خالفوه وعاندوه ثبت على حقه حتى ولو عادوه لذلك وكرهوه ونصبوا له، قال تعالى:{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39].

ولقد كان النبيه يربي أصحابه على الجهر بالحق في إخلاص وأدب مهما كان ثمن ذلك الجهر.

كان صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه ويوصيهم ألا يَدَعُوا إعلان الحق والجهر به ما دام في مصلحة سيادة الحق وانتشار الخير والفضيلة، وإزالة ومَحْق الشر والرذيلة حتى لو ضحى الإنسان في ذلك بماله أو بجاهه أو بنفسه أو بكل ذلك دفعة واحدة.

روى عُبَادة بن الصامت رضي الله عنه قال: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم… وعلى أنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ”([56]).

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: “أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع… ومنها قوله: وأمرني أنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ”([57]).

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر كلمة الحق الشجاعة في وجه الطغيان أَعْظَمَ أنواع الجهاد، فقد سأله أحد الصحابة قائلًا يا رسول الله: أي الجهاد أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)([58]).

كما يعتبر أن من تحقير الإنسان نفسه وإذلالها وإهانتها أن يرى أمرًا يستطيع فيه أن يُعْلِنَ بالحق ثم لا يفعل مخافة الناس!

كما يبين صلى الله عليه وسلم في جملة أحاديث أن الجهر بالحق لا يُبْعِدُ نفعًا قدَّره الله عز وجل للإنسان، ولا يجلب شرًّا لم يقدره الله عز وجل عليه، فعن أبي سعيد الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا، فكان فيما قال: (أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ)، فبكى أبو سعيد وقال: قد واللهِ رأينا أشياءَ فَهِبْنَا([59]).

وهكذا يجب أن يكون العلماء حتى يؤدوا الأمانات التي وضعها الله عز وجل في أعناقهم ونَاطَها بهم على الوجه الأفضل المطلوب.

رابعًا: الصبر على الأذى:

من المعروف أن العالِم يدعو إلى الأخذ بدين الله عز وجل والتمسك بشرعه القويم، ومن المعروف كذلك أن الناس جميعًا ليسوا على دين واحد، ولا على طريقة واحدة، ولا على مذهب واحد، وإنما يختلفون أديانًا ومذاهبَ وطرائقَ، ومن هنا فإن العالِم سوف يلاقي الأَمَرَّيْنِ في وظيفته.

سوف يلاقي الكافرَ والمشركَ والملحدَ والزِّنْديقَ والمنافقَ، وسوف يلاقي الباطلَ على أيديهم يتبجح، والشر ينتفش، والرذيلة تستشري، وسوف يلاقي الأذى يصيبه من كل هذه الجهات، وبمختلف الوسائل، وسوف يلاقي العالم أيضًا ممن لم ينالوا من التربية والعقل ما يُؤَهِّلُهم لأن يدركوا مقاصده ويفهموا أفكاره فيعارضوه عن جهل، مُصِرِّين على التمسك بما وجدوا عليه آباءهم من قبل ولو كانوا على غير هدى أو ضلال مبين.

وسوف يلاقي من يقفون له بالمِرصاد فيعارضونه في أفكاره، ويصادمونه في دعوته، ويقابلون كلامه بالسُّخرية والاستهزاء، ويتتبعون عوراته، ويتسقطون هَفَواته، وسوف يلاقي أيضًا الحاقدين والحاسدين الذين يتألمون أشد الألم إذا ارتفع واحد من الناس عنهم، ولا يجدون راحتهم إلا إذا أنزلوه من مكانته بالطعن عليه، والتشهير به، واخْتِلَاق الأكاذيب في حقه، والإزْرَاء لطريقته.

وكل هؤلاء وأولئك قد يعارضون العالم بالباطل، ويثيرون من حوله الزَّوابع والأعاصير، فإذا لم يتسلح بضبط النفس، وقوة التحمل، والصبر على الأذى حتى يجعل تلك المكاره دُبُرَ أذنَيْهِ، ومَوَاطِئَ نَعْلَيْه فإنه سيضطرب، وينفعل انفعالًا يسد عليه مسالك تفكيره، ويقعده عن عمله ووظيفته، أو على الأقل يورثه البطء والتكاسل فيها، وعدم التحمس لها.

أما إذا صبر على الأذى، ورَاضَ نفسه على تحمله فإنه يستطيع أن يستمر في دعوته، ويمضي بها قُدُمًا بقلب ثابت ونفس مطمئنة، ولا شك أن النصر والظَّفَرَ في النهاية لمن صابر وصبر.

لما حكى الله ﻷ قصة لقمان في القرآن الكريم بين أنه قرن الأمر بالصبر مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17].

وما أمر لقمان ولده بالصبر عند أمره له بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لعلمه بأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس الأذى والعنت والمشقة، فلا بد له من الصبر الذي لا جَزَعَ معه ولا تَرَدُّدَ ولا نُكُوصَ.

وعندما نطالع القرآن الكريم بِتَدَبُّرٍ وإمعان ورَوِيَّة نجد أن الله عز وجل يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الصبر ويوصيه به ويحثه عليه، وخاصة في أوائل السور نزولًا، تلك التي كان يربي الله عز وجل بها رسوله صلى الله عليه وسلم لكي يقوم بالدعوة على أكمل الوجوه وأحسنها، ففي سورة المدثر وهي من أوائل السور نزولًا يقول سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: 1-7].

وفي سورة المزمل يقول ـ بعد عدة توجيهات من أجل الدعوة: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}[المزمل: 8 -10].

وفي سورة الإنسان يقول ـ:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 23-24].

ويستمر هذا التوجيه الإلهي الكريم للرسول صلى الله عليه وسلم حتى بعد أن يتحمل الأمانة الغالية أمانة التبليغ والدعوة يستمر في آيات كثيرة وفي مناسبات عديدة.

فمرَّة يطلب منه سبحانه ألا يستخفنَّه تكذيبهم إياه وإيذاؤهم له على عدم الصبر، بل عليه بالصبر موقنًا بوعد الله إذ يقول سبحانه:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60].

ومرة ثانية يوصيه بألا يضيق صدره بمكر الماكرين، وكيد الكائدين وخيانة الخائنين، وإنما عليه أن يمضي في دعوته غير عابئ بهؤلاء ولا هؤلاء، فإنما يدعو لله عز وجل لا لنفسه، والله عز وجل هو الحافظ له من الماكرين والكائدين والخائنين، فيقول تعالى له:{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127].

وقد يقع عليه الأذى لامتحان صبره، ويبطئ عليه النصر لابتلاء ثِقته بربه، ولكن العاقبة معروفة وهي:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].

وكل ما هو موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع، وبهذا الخصوص هو موجه أيضًا إلى العلماء الذين هم خلفاء الأنبياء وورثة الأنبياء، وسائر الدُّعاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.

فلا يمكن أن يقوم بوراثة النبوة أحد إلا والصبر زَادُه وعَتَادُه، والصبر جُنَتُّه وسلاحه، والصبر مَلْجَؤُه ومَلَاذُه، (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)([60]).

هذه هي أهم الصفات التي يجب أن تتوافر في العلماء حتى يؤدوا واجبهم في توعية المجتمعات الإسلامية على الوجه الأكمل، والله تعالى هو الموفق والمعين، ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى.

 

كيف يستثمر المسلم وقته

نصائح وتوجيهات لطالب العلم

 

مقدمة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فالزمن هو عمر الحياة وميدان وجود الإنسان وساحة ظله وبقائه ونفعه وانتفاعه، وقد أشار القرآن الكريم إلى عظم هذا الأصل في أصول النعم، وألمح إلى علو مقداره على غيره فجاءت آيات كثيرة ترشد إلى قيمة الزمن ورفيع قدره وكبير أثره، فقال تعالى مُمْتَنًّا على عباده بهذه النعمة العظيمة:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 32- 33].

وقال تعالى ممتنا على عباده في آية أخرى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: 12].

وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا}  [الإسراء: 12].

وقد أقسم الله أ بأجزاء من الوقت في كتابه العزيز فأقسم بالفجر: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2] وأقسم بالليل والنهار: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}  [الليل: 1، 2].

وأقسم بالضحى {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضُّحى: 1، 2] وأقسم بالعصر {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1، 2].

وأكد رسولنا صلى الله عليه وسلم أهمية الوقت في أحاديث كثيرة أذكر منها على سبيل الاختصار عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟)([61]).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)([62]).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ، شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)([63]).

 

الغَيْرَة على الوقت

قال ابن القيم رحمه الله: فالوقت مُنْقَضٍ بذاته منصرِم بنفسه، فمن غفل عن نفسه تَصَرَّمَتْ أوقاته وعظم فَواته واشتدت حَسَراته، فكيف حاله إذا علم عند تحقق الفَوْتِ مقدار ما أضاع، وطلب الرُّجْعَى، فحِيلَ بينه وبين الاسترجاع وطلب تناول الفائت، وكيف يرد الأمس في اليوم الجديد وأَنَّى لهم التَّنَاوُشُ من مكان بعيد؟ ومُنِعَ مما يحبه ويرتضيه، وعلم أن ما اقْتَنَاه ليس مما ينبغي للعاقل أن يَقْتَنِيَهُ وحِيلَ بينه وبين ما يشتهيه…”([64]).

ولهذا يقال للسعداء في الجنة:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24].

ويقال للأشقياء المعذبين في النار:{ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: 75].

لقد كان سلف الأمة الصالح، ومَنْ سار على نهجهم ممن جاء بعدهم أَحْرَصَ الناس على كَسْبِ الوقت وملئه بالخير، علماؤهم وصُلَحاؤهم، لقد كانوا يبادرون الأوقات ويسابقون الساعات حرصًا على الوقت وخوفًا من ضياعه دون فائدة.

 نقل عن عامر بن عبد قيس رحمه الله أحد التابعين أن رجلًا قال له كلمني، فقال له عامر: يا هذا أَمْسِكِ الشمس؛ يعني أوقف الشمس واحبسها عن المسير لئلا يُحْسَبَ عليَّ الوقت حتى أكلمك!

 فالزمن دائب المسير لا يعود بعد مروره، وخسارته أعظم الخسارات ولا يمكن استدراكها بحال؛ لأن لكل وقت ما يملَؤُه من العمل.

نعم أيها الأحباب:

إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وما عدا ذلك ليس محسوبًا من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، وهذا النوع من الناس كما يقول ابن القيم رحمه الله: “موته خير من حياته”([65]).

 وقد أبدع الحسن البصري رحمه الله في تصوير هذا المعنى فقال: “يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضُك”([66]).

إن الزمن يساوي عطاء الإنسان، وحصادَهُ عمرُه يساوي اليدَ التي ستحمل كتابه يمنى تكون أو يسرى. قال الحسن البصري رحمه الله: “أدركتُ أقوامًا كان أحدهم أَشَحَّ على عمره منه على درهمه”([67]).

قال علي البستي:

إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يَدًا
*** ولم أقتبس علمًا فما هو من عمري

قال المناوي في فيض القدير: “مَنْ أمضى يومه في غير حقٍّ قضاه، أو فَرْضٍ أداه، أو مجدٍ أثَّله، أو حمدٍ حصَّله، أو خيرٍ أسَّسه، أو علم اقتبسه، فقد عَقَّ يومه وظلم نفسه”([68]).

وها هو ابن الجوزي رحمه الله يشبه من يضيعون الأوقات بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر. ويقول رحمه الله: “ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود فهم في تعبئة الزاد والتَّهَيُّؤِ للرحيل، يبادرون الأوقات وينافسون الزمان”([69]).

وقد أجاد رحمه الله في كلام بديع حول هذا المعنى وما يتصل به من إشغال بعض الناس من اللاهين لبعض الجادِّين وتَكرار زيارتهم وتضييع أوقاتهم. وليراجع كلامه في (صيد الخاطر) ص46 وما بعدها.

 

خصائص الوقت

للوقت خصائص يتميز بها لا بد من إدراكها، والتعامل معه على ضوئها، ومن ذلك.

1) سرعة انقضائه:

فالوقت يمرُّ مرَّ السحاب، لكن أيام السرور والفرح تكون أسرع، وهذا بالنسبة لشعور صاحب الفرح، وهكذا بالنسبة لأيام الهموم والأحزان فهي تمر ببطء، وهذا بالنسبة لمن وقعت له، وصدق من قال:

مرت سنين بالوصال وبالهنا
*** فكأنها من قصرها أيام
ثم انثنت أيامُ هجرٍ بعدها
*** فكأنها من طولها أعوام
ثم انقضت تلك السنون وأهلُها
*** فكأنها وكأنهم أحلام

ومهما طال عمر الإنسان فهو قصير ما دامت نهايته الموت، فعند الموت تتقاصر السُّنون والأعوام حتى لكأنها لحظات مرت كالبَرْق الخاطف.

وقد أُثر عن نوح صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: يا أطول الأنبياء عمرًا، كيف وجدت الدنيا؟ وقد عاش ما يزيد على ألف عام، فقال: كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر. وصدق الله العظيم:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}  [النازعات: 46].

 وقال تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يونس: 45]، إن ما مضى منه لا يعود ولا يُعَوَّضُ، فكل لحظة تمر وكل ساعة تنقضي وكل يوم يمضي لا يمكن أن يُستعاد ولا يُعوَّض.

وقد عبر التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله عن هذا الأمر بقوله: “ما من يوم يَنْشَقُّ فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتَزَوَّدْ مني فإني إذا مَضيتُ لا أعودُ إلى يوم القيامة”([70]).

وقد قيل:

ألا ليت الشبابَ يعود يومًا
*** فأخبره بما فعل المَشِيب

وقيل:

والمرء إلا راكب ظهر عُمره
*** على سفر يغنيه باليوم والشهر
يبيت ويضحي كل يوم وليلة
*** بعيدًا عن الدنيا قريبًا من القبر

2) أن الوقت أَنْفَسُ ما يملك الإنسان:

فهو لا يعوض وهو الوِعاء لكل عمل وكل إنتاج، فهو رأس المال الحقيقي للإنسان على مستوى الأفراد والمجتمعات.

فالوقت أغلى من الذهب؛ لأن الذهب يمكن تعويضه، والوقت لا يمكن تعويضه.

 

وسائل معينة لحفظ الوقت

وكسبه والانتفاع به

هناك وسائل كثيرة تعين على حفظ الوقت والانتفاع منه وشغله فيما يقرب إلى الآخرة، والناس يَتَفَاوَتون في استغلال هذه الوسائل والاستفادة منها، وأذكر بعضها على سبيل التمثيل.

1) الإخلاص:

وهو كمال الدين؛ إذ هو درجة عالية لقبول الأعمال عند الله، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البيِّنة: 5] ، وقال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزُّمَر: 2، 3].

فإخلاص العمل لله وحده سر قبوله، وسبب عظيم للظَّفَر بحب الله ورضوانه.

وأعظم أنواع الإخلاص ما كان العمل مستورًا عن الناس.

وسر السعادة في الإخلاص أن العبد يكون في هذه الحالة مع الله، ومن كان الله معه فقد فاز برضوان الله، ومن فاز برضوان الله فقد فاز بالسعادة الحقيقة في الدارين الأولى والآخرة.

أخلِصْ لربك ذي الجَلال عِبادة
*** حتى تفوزَ وتذهبَ اللَّأْوَاء 

2) القدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم:

فهو الحقيقة العملية للإسلام. قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة: 6]، وقال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].

وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: (مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى)([71]).

نعم الرسولُ محمدٌ لكَ قُدوة
*** زالت بفضل قدومه الظَّلْماء

3) العلم:

ذلك أن العلم طريق إلى معرفة الحق. قال تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزُّمَر: 9]، وقال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، وقال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

فالعِلمُ خير من المال؛ لأنه يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يصحبك في دورك الثلاث، في الدنيا وفي البَرْزَخِ ويوم يقوم الأَشْهاد، والمال إنْ وُجِدَ صحبكَ صحبةَ منكِّد.

والعلم نور يُهتدى به في ظلمات الجهل والشكوك والشبهات والشهوات، والعالم ما يزال يعلم ويُعلِّم ويَعْمل، فصحيفة حسناته في ازدياد في حال الحياة وبعد الممات، والاشتغال بالعلم من أفضل الطاعات وأَجَلِّ القُرُبات، فمذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعلُّمه ودراسته والاشتغال به طريق لرضوان الربِّ أ.

قال معاذ بن جبل رضي الله عنه من وصيته الجامعة حول العلم: “تعلموا العلم فإنه مَنَار سُبُل أهل الجنة، والسلاح على الأعداء، والزَّيْن عند الأَخلاء، يرفع الله به أقوامًا… به تُوصل الأرحام، ويُعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، ويُلهمه السعداء، ويُحرمه الأشقياء”([72]).

4) التقوى:

هي وِقاية النفس من الشرك وهي خير زاد يقدمه المرء لنفسه. قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]، وقال تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}  [الطلاق: 3].

وقال بعضهم يستدل على تقوى العبد بثلاث:

أ_ التَّوَكُّل فيما لم يَنَلْ.

ب_ حُسْن الرضا بما نال.

ج_ حُسْن الصبر على ما فات.

تقوى الإله حماية للمتقي
*** ووقاية ومَهابة وثَراء

5) المبادرة إلى فعل الطاعات:

دقاتُ قلبِ المرءِ قائلة له
*** إن الحياةَ دقائق وثوان

الوقت يمضي سريعًا وحال الشباب غير حال المَشِيب، وحال الصحة غير حال المرض، وملك الموت لا يستشير ولا يمهل، والأجل لا يتأخر، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34].

فالعبد الحريص على نجاة نفسه ينبغي له أن يبادر إلى الطاعات، ويسابق إلى القُرُبات، وكلما لاح له مجال لعمل الخير يستغله، ويودعه في صحيفة حسناته؛ ليجدَه يوم العَرْضِ على الله.

 

مناسبة العمل للوقت

ينبغي للمسلم أن يعرف ما يتطلبه الوقت من عمل القلب واللسان والجوارح؛ ليوافق المقصود وليقع موقعه عند الله سبحانه وتعالى، وصدق أبو بكر رضي الله عنه حينما أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند استخلافه: “اعلمْ أنَّ لله عملًا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملًا بالليل لا يقبله بالنهار”.

ولذا جاءت أوقات العبادات محددة {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وفي الصيام {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، وفي الحج {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، وفي الزكاة {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].

قال بعض الصالحين: أوقات العبد أربعة لا خامس لها: النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية.

فعلى المسلم أن يتحرى الأوقات الفاضلة، وأن يجتهد في العمل، ولا يضيع الفرصة إذا لاحت له، فرمضان وعشر ذي الحجة وشهر الله المحرم ويوم الجمعة والخميس والاثنين وآخر الليل؛ كل هذه أوقات فاضلة، فالعملَ العملَ قبل فوات الأوان.

العمر الحقيقي للإنسان

سُئِلَ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ فقال: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ)([73]).

والموت نهاية كل حي، ولذا مهما طال العمر فهو قصير، وكم اخْتَرَمَ الموت شابًا في شبابه، وغنيًّا في عز غِناه، وحاكمًا بين حُرَّاسه وخدَّامه.

حُكْمُ المَنِيَّةِ في البَريَّةِ جار *** ما هذه الدنيا بدارِ قَرارِ
بينا يُرى الإنسان فيها مخبرًا *** حتى يُرى خبرًا من الأخبارِ

وفي الحديث: (عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ)([74]).

فالعمر الحقيقي للإنسان ليس السنين التي يقضيها من يوم ولادته إلى يوم وفاته؛ إنما العمر الحقيقي هو الرصيد من العمل الصالح الذي سجل له في ديوان حسناته، ولذا تجد شخصًا يعمر مائة سنة أو أكثر ورصيده قليل إن لم يكن مَدِينًا، ويموت شاب لم يكمل العشرين ولكن رصيده حافل بالأعمال الصالحة، فالمسلم يستطيع بمقدار فعله للخيرات وبعده عن المنكرات رفع رصيده.

الإخلاص في طلب العلم

إخلاص النية لله تعالى هو المقصود الأول في كل عبادة، وطلب العلم من أشرف العبادات، والعمل به هو ثمرته، فلو نفع العلم بلا عمل لَمَا ذَمَّ الله سبحانه أحْبَار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذَمَّ المنافقين.

فمَنْ عَمَّرَ ظاهرَه بالسُّنة وباطنه بالإخلاص تَفَجَرَّ في صدره ينابيع العلم، ولم يَكَدْ ينطق إلا بالحكمة، وأما إذا كان عمله بلا إخلاص كان كالمسافر يملأ جِرابه رملًا يثقله ولا ينفعه.

وعلى الشاب أن يعالج نيته، ويجتهد في ذلك قدر المستطاع، يقول سفيان الثوري رحمه الله: “ما عالجتُ شيئًا أشَدَّ عليَّ من نيتي، فمَنْ أخلص في طلب العلم نيته، وجدَّد للصبر عليه عزيمته، كان جديرًا أن ينال منه بُغْيَته”([75]).

قيل للشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟ قال: “بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمار، وبُكُور كبكور الغراب”.

لقد عشق السلف الصبر والمصابرة على طلب العلم، وتحملوا في سبيل ذلك المشاق حتى نالوا منه ما نالوا، وبمثل هذا الشَّغَف والعشق للعلم ظهر النبوغ والإمامة فيهم.

فاحرصْ يا طالب العلم على التشبه بهم والصبر كما صبروا، فإن لم تصبر على تعب التعلم صبرت على شقاء الجهل، ومن عَرَفَ العلم وفضله لم يَقْضِ نَهْمَتَهُ منه، ولم يشبع من جمعه طول عمره.

يقول ابن الجوزي رحمه الله: “تأملت عجبًا، وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله، فإن العلم لما كان أشرف الأشياء لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار وهجر اللذات والراحة، حتى قال بعض الفقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر؛ لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس”([76]).

ويقول ابن القيم في كلام جميل: “وأما سعادته فلا يورثك إياها إلا بذلُ الوُسْع، وصدقُ الطلب وصحةُ النية”.

لولا المشقةُ سادَ الناسُ كلهم *** الجُود يفقر والإقدام قتَّال

ومن طمحت همته إلى الأمور العالية، فواجب عليه أن يشد على محبة الطرق الدينية وهي السعادة، وإن كانت في ابتدائه لا تنفك عن ضرب من المشقة والكره والتأذي…

فالمكارم مَنُوطَة بالمكاره، والسعادة لا يُعْبَرُ إليها إلا على جسر المشقة، فلا تقطع مسافتُها إلا في سفينة الجد والاجتهاد.

ولولا جهل الأكثرين بحلاوة هذه اللذة وعظم قدرها لتجالدوا عليها بالسيوف، ولكن حُفَّتْ بحجاب من المكاره، وحُجِبُوا عنها بحجاب من الجهل؛ ليختص الله لها من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم([77]).

لا تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ *** لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا

ويقول الشافعي رحمه الله: “حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله تعالى في إدراك علمه نصًّا واستنباطًا، والرغبةُ إلى الله تعالى في العون عليه”([78]).

ويقول ابن الجوزي رحمه الله: “لقد كنت في حلاوة طلبي للعلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمان الصِّبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج إلى طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء؛ فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم”([79]).

الجِدُّ بالجِدِّ والحِرمان بالكسل *** فانْصَبْ تُصِبْ عن قريبٍ غايةَ الأمل

والعلم يجتمع مع الليالي والأيام إذ لا يمكن تحصيله بوقت يسير، بل لا بد من الصبر والمصابرة والجِدِّ والمثابرة، وجمع العلم من صدور الرجال وبطون الكتب:

اليوم شيء وغدًا مثله *** من نُخَبِ العلم التي تُلتقط
يحصل المرء بها حكمة *** وإنما السَّيل اجتماع النقط

حُسن الاقتداء والاتباع

أعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال المشروعات معرفة وفعلًا، ولا يمكن معرفة ذلك إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة الموصلين إلى الله تعالى، فأقرب الوسائل إلى الله ملازمة السنة، والوقوف معها في الظاهر والباطن، ودوام الافتقار إلى الله، وإرادة وجهه وحده بالأقوال والأفعال، وما وصل أحد إلى الله إلا من هذه الثلاثة، وما انقطع عنه أحد إلا بانقطاعه عنها أو عن أحدها.

فأعلى الهِمَم في طلب العلم طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله، وأخَسُّ هِمَمِ طلاب العلم قصر الهمة على تتبع شواذ المسائل، وما لم ينزل ولا هو واقع، أو تتبع الخلاف والوقوف على آراء الآخرين للمحاسبة والمتابعة والردود.

يقول ابن رجب رحمه الله: “وأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتِّبعون الحديث حيث كان”([80]).

ويقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “خذوا من الرأي ما يوافق مَنْ كان قبلكم فإنهم كانوا أعلمَ منكم”([81]).

دين النبي محمد أخبار *** نِعْمَ المَطِيِّةُ للفتى الآثار
لا ترغبَنَّ عن الحديث وأهله *** فالرأي ليلٌ والحديث نهارُ

تقديم الأولى من العلوم:

ينبغي لطالب العلم أن يلتمس من العلوم أنفعها، فإن العلم كالبحر المتعذر كيله، والعمر قصير لا يستوعب ذلك كله، فمن شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم.

ما أكثرَ العلمَ وما أوسعه *** من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لا بد له طالبًا *** محاولًا فالتمسْ أنفعَه

قال ابن عباس رضي الله عنهما: “العلم كثير ولن تَعِيَهُ قلوبكم، ولكن اتبعوا أحسنه، ألم تسمع قول الله تعالى:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}  [الزمر: ١٨]” ([82]).

وإذا طلبتَ العلمَ فاعلم أنه *** حِمْلٌ فأبصِرْ أيُّ شيء تَحْمِلُ
وإذا علمت بأنه متفاضلٌ *** فأشغل فؤادك بالذي هو أفضلُ

ذو الهمة لا يخفى عليه قصر العمر وكثرة العلم، فيبتدئ بالقرآن وحفظه وينظر في تفسيره نظرًا متوسطًا لا يخفى عليه منه بذلك شيء من معاني الآيات ومدلولاتها وأحكامها قدر الاستطاعة، ويطالع أشياء من النحو وكتب اللغة التي تعينه على توسُّع مَداركه والدِّقة في تحصيله.

وأشياء من الحديث وأصوله، من حيث النقل كالصحاح والمسانيد والسنن، ومن حيث علم الحديث كمعرفة الضعفاء والأسماء والرواة، وليكن النظر في أصول ذلك كله.

ولينظر في التواريخ ليعرف ما لا يستغني عنه كَنَسَبِ الرسول صلى الله عليه وسلم وأقاربه وأزواجه، وما جرى له، ثم ليقبل على الفقه، فلينظر في مسائله ومنشأ الخلاف فيها وأدلتها، ولو تطلب ذلك الرجوع إلى مظانها من كتب التفسير والحديث واللغة.

وعليه مع ذلك أن يتشاغل في ما لا بد له منه من أصول الفقه وعلم الفرائض.

يقول ابن الجوزي رحمه الله: “واعلم أن الفقه عليه مدار العلوم، فإن اتسع الزمان للتزيد من العلم فليكن من الفقه فإنه الأنفع”([83]).

ورحم الله ابن الوردي إذ يقول:

من كل فن خُذْ ولا تجهل به *** فالحر مطلع على الأسرار
وإذا علمت الفقه عشت مصدرًا *** في العالمين معظَّم الأقدار
وعليك بالإعراب فافهم سره *** فالسر في التقدير والإضمار

جمع الكتب وكثرة القراءة

من الأسباب المعينة على تحصيل العلم والتقدم فيه جمع الكتب والنظر فيها، فكثرة المطالعة والقراءة تعين وتسدِّد؛ لأن مطالعة الكتب تَشْحَذُ الهِمة وتَفْتِقُ الوعي وتُرْهِفُ الإحساس.

يقول ابن المبارك رحمه الله: “مَنْ أحبَّ أن يستفيد فلينظر في كتبه”([84]).

فالكتاب حاضرٌ نفعُه، مأمونٌ ضرُّه، ينشط بنشاطك، فينبسط إليك، ويَمَلُّ بِمَلَالِكَ فينقبض عنك، إن أدنيتَهُ دنا، وإن أنأيتَهُ نأى، لا يبغيك شرًّا، ولا يفشي لك سرًّا، ولا يَنُمُّ عليك، ولا يسعى بنميمة إليك([85]).

نِعْمَ المحدِّث والرفيق كتاب *** تلهو به إن خانك الأصحاب
لا خاشيًا للسِرِّ إن أودعته *** وينال منه حِكمة وصواب

فاجعل يا أخي الشاب الكتاب جليسك في الوحدة، وأنيسك في الخلوة.

قال ابن الأعرابي يتحدث عن كتبه التي يطالع فيها:

لنا جُلساء ما نَمَلُّ حديثَهم *** أَلِبَّاءُ مأمون غيبًا ومشهدَا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى *** وعقلا وتأديبًا ورأيًا مُسَدَّدَا
بلا فتنةٍ تُخشى ولا سوء عِشرة *** ولا نتقي منهم لسانًا ولا يَدَا
فإن قلتَ أموات فما أنت كاذب *** وإن قلت أحياء فلست مُفَنَّدَا

فسبيل الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب والاستزادة منها، فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يَشْحَذُ خاطره ويحرك عزيمته للجِدِّ، وما يخلو كتاب من فائدة.

وقد حرص العلماء على جمع الكتب والنظر فيها، ولعل معظم البارزين من العلماء الذين نفع الله بعلمهم كانوا ممن يعتني بالكتب وجمعها، ومداومة مطالعتها. يقول ابن حجر رحمه الله في ترجمته لابن القيم رحمه الله: “وكان مغرى بجمع الكتب فحصَّل منها ما لا يُحصى حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهرًا طويلًا سوى ما اصطفوه منها لأنفسهم”([86]).

فاحرص أخي الشاب على اقتناء الكتب ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، وأكثر القراءة فيها فإنه لا يخلو كتاب من فائدة، وربما لا تحتاج إلى الكتاب اليوم وتحتاجه غدًا فلا تجده، وتَشَبَّهْ بأولئك العلماء لعلك تظفر ببعض ما ظفروا به.

فتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التَشَبُّهَ بالكِرام فَلاح

أهمية الحفظ

الحفظ نعمة من الله تعالى أنعم بها على عباده، والناس فيها على مراتب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وبالحفظ يدرك الشخص العالم وينتفع به، وطالب العلم من أكثر الناس حاجة للحفظ وكثرة القراءة؛ فكثرة القراءة تكسبه سعة الاطلاع، وبالحفظ يحوز العلم في صدره، فلا تكفي القراءة بلا حفظ، ولا الحفظ بلا سعة اطلاع.

فالاحتفاظ بما في صدرك أولى من درس في دفترك، وحرف تحفظه بقلبك أنفع لك من ألف حديث في دفترك.

فينبغي لطالب العلم أن يكون جُلُّ همته مصروفًا إلى الحفظ والإعادة، ولو أمكن صرف الوقت لذلك كله لكان أولى، غير أن البدن مطيَّة، وإجهاد السير مظنة الانقطاع.

ومما يعين على الحفظ أن يقصد بالحفظ ابتغاء وجه الله والنصيحة للمسلمين بالتوجيه والبيان، وليجتنب ارتكاب المحرمات، والوقوع في المعاصي، فإن ذلك يحرمه بركة العلم.

شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور *** ونور الله لا يُؤْتاه عاصي

ويكرر الشيء الذي يريد حفظه؛ ففي ذلك إعانة له على الحفظ وتثبيت ما حفظ، قال بعض أهل العلم: “كل وعاء أفرغت فيه شيئًا فإنه يضيق إلا القلب فإنه كلما أفرغ فيه اتسع”.

فبالمداومة والتكرار يسهل الحفظ على صاحبه، والحفظ لا يكون إلا مع شدة العناية وكثرة الدرس وطول المذاكرة، والمذاكرة حياة العلم، وإذا لم يكن درس لم يكن حفظ، وإذا لم تكن مذاكرة قلَّت منفعة الدرس، ومن عوَّل على الكتاب وأخلَّ بالدرس والمذاكرة ضاعت ثمرة سعيه واجتهاده في طلب العلم.

وينبغي لطالب العلم أن يتحلى بالأمانة العلمية في الطلب والتحمل والعمل والبلاغ والأداء.

قال الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله: “فإن فلاح الأمة في صلاح أعمالها، وصلاح أعمالها في صحة علومها، وصحة علومها في أن يكون رجالها أمناء فيما يروون أو يصغون، فمن تحدث في العلم بغير أمانة فقد مسَّ العلم بقَرْحِه ووضع في سبيل فلاح الأمة حَجَرَ عَثْرَةٍ”([87]).

الصدق

الصدق خُلُقٌ إسلامي كريم، وهو على العلماء، وطُلاب العلم أوجب من غيرهم؛ لأنهم يبلغون عن الله، ويبينون أحكام الشرع المطهر لعباد الله، وصدق اللهجة عنوان الوقار وشرف النفس ونقاء السريرة ورجحان العقل، وعنوان العلاقة الوطيدة بين الناس.

قال الأوزاعي: “تَعَلَّمِ الصِّدق قبل أن تتعلمَ العِلم”([88]).

وقال وكيع: “هذه الصَّنْعة لا يرتفع فيها إلا صادق”([89]).

زكاة العلم

زكاة العلم بذله وأداؤه وتبليغه للناس، والصَّدْع بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم بين الناس، وحب النفع لهم، وبذل الجاه، وقضاء حوائجهم، والسعي في مصالحهم، والشفاعة الحسنة لهم، صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ(([90]).

حذار من الثقافة السطحية:

بعض الشباب يبني ثقافته الشرعية من المجلات والأشرطة والصحف، فيبقى هشًّا لا يثبت على شيء صُلْب، سرعان ما تتقاذفه الرياح هنا وهناك، والأولى بالشاب أن يؤسس ثقافته على شيء صُلْب وقواعدَ راسخة، فالمطالعة في أمهات الكتب ساعة تعدل ساعات كثيرة تطالع فيها ما جد من وسائل العصر، رصيده حافل بالأعمال الصالحة التي بارك الله فيها.

فالمسلم يستطيع أن يطيل عمره بمقدار ما يوفَّق إليه من عبادة الله، والإحسان إلى الخلق، وإخلاص العمل وإتقانه.

نسأل الله أن يبارك في أعمارنا على عمل صالح يرضي ربنا.

هذا يصدق عليه اسم طالب العلم:

هذه العبارة قالها الإمام أحمد، إمام أهل السنة، في حق المحدث الأندلسي الإمام بَقِيِّ بن مخلد، الذي رحل من الأندلس إلى المشرق لملاقاة الإمام أحمد، وكانت رحلته مشيًا على الأقدام، ولما وصل إلى بغداد وجد الإمام أحمد محبوسًا في بيته، وقد مُنع من أن يحدث الناس، وألحَّ بَقِيُّ بن مخلد على أن يأخذ عن الإمام أحمدَ، وتَزَيَّا بزي المتسوِّل وكأنه فقير، وقد جعل ورقة تحت كُمِّه، وفي كل يوم يأتي ويأخذ عن الإمام أحمد مجموعة من الأحاديث حتى فرَّج الله عن الإمام أحمد، وأصبح بَقِيُّ بن مخلد من تلاميذه المقربين، فكان إذا أقبل قال الإمام أحمد: هذا يَصُدْقُ عليه اسم طالب العلم([91]).

ورحم الله ابن الجوزي فقد أبدع حين قال: “من أنفق عصر الشباب في العلم؛ فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جَنْيَ ما غرس، ويَلْتَذُّ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئًا بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم.

قال الشاعر:

أهتزُّ عند تمني وصلها طربًا *** ورُبَّ أُمْنِية أحلى من الظَّفَر

ولقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني مما نالوه إلا ما لو حصل لي ندمت عليه، ثم تأملت حالي فإذا عيش في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يُقَوَّمُ… إلخ كلامه رحمه الله “([92]).

وهذا تلميذ ابن قُدامة العالم الفَذُّ أحمدُ بن عبد الدائم المقدسي يقول بعد أن كَبِرَ سِنُّه وطال عمره وعجز عن العلم:

عَجزتُ عن حمل قِرطاس وعن قلم  *** من بعد إلفي بالقِرطاس والقَلم
كتبتُ ألْفًا وألفًا من مجلدة  ***  فيها علوم الوَرى من غير ما أَلَمِ
ما العلم فخر امرئ إلا لعامله  ***  إن لم يكن عَمَلٌ فالعِلم كالعَدَمِ
العلم زَيْنٌ وتشريف لصاحبه  ***  فاعمل به فهو للطلاب كالعَلَمِ
ما زلتُ أطلبهُ دَهري وأكتبه  ***  حتى ابتُلِيتُ بضعْفِ الجِسمِ والهرم([93])

وفي مثل هذا وغيره يصدق قول القائل:

نفسي فداؤك من مبيت ومن بدن

 

 

ما أطيبَ الذِّكْر والأخلاق والجسدا

وها هو أبو عبد الله الحاكم صاحب (المستدرك)، يذكر أوصاف العلماء العاملين المتتبعين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه يقول عنهم في كتابه (معرفة علوم الحديث):

هم قوم سلكوا محَجَّة الصالحين، واتبعوا آثار السلف من الماضين، ودفعوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم وآله أجمعين. آثروا قطع المفَاوز والقِفَار على التنعُّم في الدمن والأَوْطار، وتَنَعَّمُوا بالبُؤْس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار… إلخ كلامه رحمه الله ([94]).

ورحم الله أبا الحسن القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني حيث يقول في قصيدته العصماء:

يقولون لي فيك انقباض وإنما

 

 

رأوا رجلًا عن موقف الذل أحجما

أرى الناس من داناهم هان عندهم

 

 

ومن أكرمته عزة النفس أكرمَا

إلى أن يقول:

وكم نعمة كانت على الحُرِّ نِقمة

 

 

وكم مغنم يعتبره الحر مَغْرَمَا

فإنْ قلتَ زَندُ العِلم كَابٍ فإنما

 

 

كَبَا حينَ لم نَحْرُسْ حِمَاه وأظلمَا

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم

 

 

ولو عظَّموه في النفوس لَعُظِّمَا

نيل المقامات العلمية:

نيل المقامات العلية لا يقتصر على جنس دون جنس، ولا بلد دون بلد، ولا لون دون لون، ولا عِرْق دون عِرْق، ولا قوم دون قوم. بل كل من جَدَّ واجتهد ودَأَبَ وثابر وتفرغ وأقبل، نال وارتفع بقدر جِدِّه ومواهبه وفضل الله عليه، فالمقامات العالية لا تُنال إلا بالاجتهاد والدَّأب وكثرة الطلب ومتابعة التحصيل كما قيل:

فقل لمرجي معالي الأمور  *** بغير اجتهاد رجوت المُحالا

وكما قيل:

يا ربَّ سارٍ بات ما تَوَسَّدا  *** إلا ذراع العَنْسِ أو كَفَّ اليد

أو كما قال بديع الزمان الهمذاني:

كَنَفي بعيري إن ظَعَنْتُ ومَفْرشي  *** كُمِّي وجُنْحُ الليل مطرحُ هَوْدَجي

هكذا تُقضى الأوقات:

طالب العلم إذا بذل جهده في الطلب والتحصيل، وتحمل المشاق والمتاعب، وغالب الصِّعاب والعقبات؛ لا يخيب الله مسعاه، ولا يهضم الناس حقه، وإن حسده من حسده، وظلمه من ظلمه من الأقران والخلان والأصحاب، والنبوغ صبر طويل وجهاد عسير، كما قيل:

وإن سيادة الأقوام فاعلمْ  *** لها صعداء مطلعُها طويلُ

أما التَّوَاني والتكاسل وتَتَبُّع متاع الدنيا، فذلك بعيد كل البعد عن العلم وتحصيله، وصدق من قال:

إذا كان يؤذيكَ حَرَّ المصيف  *** ويبس الخريف وبرد الشتا
ويُلهيكَ حُسْنَ زمان الربيع ***  فأخذُكَ للعلمِ قل لي متى

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

“فكم ممن لم يرد خيرًا ولا شرًّا حتى رأى غيره، لا سيما إن كان نظيره، يفعله ففعله، فإن الناس كأسراب القَطَا مَجْبُولون على تشبُّهِ بعضهم ببعض”([95]).

ورحم الله الوزير الصالح والعلامة الفقيه يحيى بن هُبَيْرة إذ يقول:

والوقت أَنْفَسُ ما عُنيت بحفظه ***  وأراه أسهلَ ما عليك يضيع

لما أدركتِ الشيخوخة أبا عثمان الجاحظ الأديب كان ينشد هذين البيتين متحسرًا متألمًا من تقاعد الضعف والكبر:

أترجو أن تكون وأنت شيخ *** كما قد كنتَ أيام الشباب
لقد كَذَبَتْكَ نفسك لبس ثوب *** دَرِيسٍ كالجديد من الثياب

الاعتماد على التفرغ من الشواغل في المستقبل:

كثير من العاجزين يعلِّلون أنفسهم بالعمل مستقبلًا، ويعدونها الأماني الكاذبات، وهذا هو الحُلم الخادع؛ إن الأماني والأحلام لا تصنع حاضرًا ولا تبني مستقبلًا.

وصدق الأحنف بن قيس حيث يقول: “كثرةُ الأماني من غُرور الشيطان”.

ويقول علي بن أبي طالب في وصيته لابنه الحسن: “إياكَ والاتِّكال على المُنَى؛ فإنها بضائعُ النَّوْكَى” أي الحمقى.

قال الشاعر:

إذا تمنيت بتُّ الليل مغتبطًا  *** إن المُنى رأس أموال المفاليس

إن هؤلاء الذين يتعلَّلون بالتفرغ غدًا أو بعد غد، والخلو من المشاغل، والاطلاع والقراءة وطلب العلم بعد نهاية الدراسة، أو بعد شهر، أو بعد التخرج، أو بعد القدوم من السفر، وهكذا هؤلاء كالرَّجُل الذي قال لابن سيرين: إني رأيت في منامي أني أَسْبَحَ في غير ماء وأطير بغير جَناحٍ، فما تفسير هذه الرؤيا؟ فقال له: أنت رجلٌ كثير الأماني والأحلام.

 

آفات تُضِيع الوقت

هناك آفات تقضي على الوقت، وتذبحه بغير سكين، فليحذر المسلم منها، ومن أكثرها شيوعًا بين الناس:

1) الغفلة:

وهي مرض يصيب عقل الإنسان وقلبه، بحيث يفقده الإحساس الواعي بمرور الزمان واختلاف الليل والنهار، فتجده لا يَكْتَرِثُ بحقائق الأمور؛ بل يعتني بالصور والمظاهر فقط، ومن البَلِيَّة أن تمر بأمة الإسلام الأحداثُ التي تزلزل الجبال فلا تعتبر، ولا تتعظ، ولا تتحرك، وكأن الأمر مجرد تمثيل فقط، وقد كان من دعاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه “اللهم لا تَدَعْنَا في غَمْرَةٍ، ولا تأخذنا على غِرَّةٍ، ولا تجعلنا من الغافلين”.

2) التَّسْوِيف:

قال الحسن البصري رحمه الله: “إياكَ والتَّسْوِيفَ؛ فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غدك فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم”([96]).

 وصدق من قال:

فمالك يوم الحشر شيء سوى الذي *** تزودته قبل الممات إلى الحشر
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدًا *** ندمت على التفريط في زمن البذل

 وأَحْسَنَ مَنْ قال:

ولا أُؤَخِّر شغل اليوم عن كسل *** إلى غدٍ إن يوم العاجزين غدُ

وقال آخر:

عليك بأمر اليوم لا تنتظر غدًا *** فمن لغدٍ من حادثٍ بكَفِيل

وأجاد من قال:

تَزَوَّدْ من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جَنَّ ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من سليم مات من غير عِلَّةٍ *** وكم من سقيمٍ عاش حينًا من الدهر
وكم من فتى يُمْسي ويصبح آمنا *** وقد نُسِجَتْ أكفانُه وهو لا يدري

إخوتي في الله:

تعالوا معي لنكن صادقين مع أنفسنا مع إطلالة هذا العام، من هو الذي حاسب نفسه؟ من هو الذي أخذ العِبرة والعِظة من العام المنصرم؟ أليس التاجر يجعل حسابات يومية وشهرية وسنوية؟

لقد ودعنا قبل أيام عامًا كاملًا، وكأننا عبرنا من قنطرة إلى أخرى، خلفنا ما في العام الماضي، والكل مسجل ومكتوب ومُقَيَّد ومحسوب، وسنحاسب عن النَّقِير والقِطْمِير، بل عن مثاقيل الذَّرِّ، وليس الحال كما قال الشاعر:

ما مضى فات والمُؤَمَّل غيب *** ولك الساعة التي أنت فيها

بل الماضي هو الذي يتحسر عليه الإنسان ويندم ولات ساعة مَنْدَمٍ، فالجِدَّ الجِدَّ، والحَزْمَ الحَزْمَ ما دام في العمر إمكان.

ولم أر في عيوب الناس عَيْبًا *** كنقص القادرين على التَّمَام

فكر معي أخي المسلم في دقائق تقضيها لحفظ كتاب الله ومراجعته، الحسنة بعشر أمثالها، الألف حرفٌ والميم حرفٌ واللام حرفٌ، كم في الفاتحة من حسنة.

إن بعض القادرين يقصرون في حفظ كتاب الله، ولو حسبت الساعات التي يقضونها لقراءة الجرائد والمجلات لَهَالَكَ الأمرُ، ولو قضى جزءًا من هذا الوقت يوميًا للقرآن لكان في ذلك خير عظيم وأجر كبير، ونفع في الدنيا والآخرة.

تَذَكَّرْ أخي أَحِبَّةَ لك في سنك وطموحك وقدراتك ونظرتك للمستقبل، الموتُ عاجلَهم فلم يستكملوا ما بنوا أو خططوا، ولم يذهبوا إلا بعملهم، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر.

وتذكر أن الأجل محدود والرزق مضمون، وأن الكون كله إنسه وجنه، أفلاكه وعوالمه، كل ذلك يسير حَسَبَ تقدير الله، فاحرص على أن تبني لك دارًا في الآخرة، وليكن ذلك بعُشْرِ مِعْشار حِرصك على بناء دار لك في الدنيا.

الخلاصة

1) هِمَّةٌ في الطلب تسهل الصعاب.

2) الاشتغال بالعلم ليلًا ونهارًا.

3) الإعادة والتكرار ومباحثة أهل العلم من الصغار والكبار.

4) اعتبار الكيف لا الكم والبُداءة بالأهم فالمهم.

5) جرد المطولات لاستنباط الفوائد وترسيخ المعلومات بكثرة التكرار والإيرادات.

6) اختيار الفن الذي تميل له النفس وتقديمه على غيره.

7) عدم الإفراط في الوسائل على حساب المقاصد وتذكر فضل العالم على العابد.

8) كثرة الاستغفار ليمحو كل ذنب يعوق العلم والتحصيل.

9) جمال العلم صيانته، وثمرته التَّدَيُّن، وتاجه الأمانة، والعمل به أعظم معين على ثباته وبقائه.

10) لا يثبت العلم إلا بالتعليم ولا يرسخ إلا بالتفهيم.

11) المقصود من العلم طاعة الرحمن وآفته النسيان ومرارته حسد الأقران.

12) كتب المتقدمين أنفع وأكثر فائدة لا سيما ما جمعت سهولة العبارة ودقة المعلومات، ككتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، رحمهما الله.

13) الإكثار من مصاحبة الكتاب، لا يشغله عنه طعام ولا شراب، ويقطف منه ما لذ وطاب.

 

رسالة إلى المعلمين والطلاب

لقاء مع مجلة إضاءات بالزلفي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تعلمون حفظكم الله قرب بدء الدراسة، فآمل منكم توجيه كلمة حول العلم والمعلم، يستفيد منها المعلمون والطلاب والطالبات، سدد الله خطاكم، ورفع درجاتكم في الجنات.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ففي يوم السبت القادم ينطلق حملة العلم وقادة التوجيه، وموجهو شباب الأمة وفتياتها على كل مستوياتهم، يحدوهم الأمل وهم رواد التربية وقادة التعليم، يلتقي أولئك المعلمون والمعلمات وهم مشاعل الهدى الذين يضيئون المصابيح للجيل الصاعد.

كم من أب وأم ينتظران هذا اليوم بفارغ الصبر؛ لأن لهم ابنًا أو بنتًا سيبدأ رحلته التعليمية بعد أن كان مقيد البيت لا يحسن البعد عن أمه، كم يفرح الأبوان وهما يريان الولد والبنت يحملان الحقيبة في الصباح الباكر بهِمَّةٍ وعزيمة، وعجلة الزمن تتسارع في أذهانهما وهما يفكران في تقدم الولد والبنت في الدراسة وتخرجه، ثم كونه رجلًا أو امرأة يأمر وينهى ويعمل ويوجه، وقد أخذ مكانه في المجتمع كغيره من الناس.

وبهذه المناسبة فإني أوجه كلمتي إلى كل من المسؤولين عن التعليم في كل بلد، وإلى المعلمين والطلاب وأولياء أمورهم فأقول:

أولًا: إلى كل مسؤول عن الناشئة في المدارس؛ المدير، والوكيل، والمرشد، وهكذا مدارس البنات؛ أقول لهؤلاء: أنتم مسؤولون أمام الله؛ لأن قيادة المدرسة بأيديكم، والمسؤولية مضاعفة بقدر الموقع والعلم، ولذا لا بد من إدارة المدرسة بإخلاص وصدق، وتفانٍ، وأداء للأمانة على الوجه الأكمل، وأن يكون المسؤول قدوة في الانضباط والدوام، والأخلاق؛ لأن المعلم سيقتدي به، وكذلك الطالب، وعلى قدر مراقبة الله وتقواه يكون النجاح في العمل، وتتحقق الثمرات المرجوة من الدراسة، ومن أهم ما أوصيكم به الدقة في معالجة الأخطاء، وعدم تحجيم الأمور، واغتفار زَلَّات بعض المعلمين بجانب حسناتهم الكثيرة، فذلك يجعلهم يعطون بلا حدود.

ثانيًا: إلى أساس العملية التعليمية وهو المعلم، أقول له: أنت أكثر الناس حساسية في هذا الباب، فمنك يبدأ الإصلاح، وبك يرتفع البناء، وعلى كاهلك تُصنع المعجزات، أنت فارس العملية التربوية، وراسم بنائها، عملك من أشرف الأعمال، وأفضلها، وأصدقها، ألا تعلم أنه عبادة لله يفوق نافلة الصوم والصلاة إذا أَحْسَنْتَ النية، وصدقت في العزيمة، وقمت بالواجب خير قيام، أنت القدوة لطلابك، فكن محبوبًا عندهم، احرص على أن تصل إلى عقولهم وقلوبهم بأقصر طريق من أجل أن يتقبلوا المعلومات ويحفروها في أذهانهم، أخلص في أداء عملك؛ لأن ثمرة إخلاصك لا تعود عليك وحدك، بل تجني ثمارها الأمة جمعاء، وانظر إلى واقع بعض المعلمين! كم تبقى ذاكرتهم عطرة عبر السنين لا تزيدها الأيام إلا رَوْنَقًا وجمالًا، ولا يؤثر فيها تباعد الليالي إلا محبة ودعاء.

ثالثًا: إلى ولي الأمر، ومن منا ليس له ولد أو بنت في المدرسة، وهل هناك أحد أحرص من الوالد على أولاده؛ إذن علينا التعامل معهم في مدارسهم مثل معاملتنا معهم في البيت، فكما أننا لا نقصر في مطالبهم وحاجياتهم، فكذلك في مدارسهم علينا متابعة مسيرتهم وزيارة أساتذتهم، ومعرفة أخبارهم، والتعاون مع المدرسة عبر القنوات المتاحة من أجل رسم مستقبل زاهر لفلذة كبدك، وهكذا تابع مسيرة البنات عن طريق الزوجة والاتصال، ودفتر الواجبات؛ فهن يقضين ثلث الوقت في المدرسة، فكُنَّ على علم بتفاصيل هذا الوقت، وكيف تقضيه البنت مع من تجلس، وماذا تقرأ؟ وبهذا تؤدي الأمانة المتوسطة بك على الوجه الذي يسرك يوم العرض على الله.

رابعًا: إلى كل طالب، وهم زينة الحاضر، وأمل المستقبل، إلى من تبذل هذه الجهود من أجله، بل إن أقطاب العملية التعليمية تعمل من أجل سواد عينيه، فكم من الأموال والأوقات، والجهود تبذل من أجل سعادتهم، ورسم مستقبلهم، فهل يراعي الطلاب ذلك، ويجتهدون في قطف ثمرة كل هذه الجهود، ويبتعدون عن سفاسف الأمور، وسيئ الأخلاق، ويختارون الأصدقاء الطيبين الذين يعينون على الخير، ويشجعون عليه، ويكونون خير من يعين الأساتذة والمرشدين على أداء علمهم، بمعاونتهم ودلالتهم على مكامن الداء، لا سيما أن الطلاب يعرفون من زملائهم ما لا يمكن أن يقف عليه المدير والمرشد.

وأوصي كل طالب وطالبة بتقدير المعلمين والمعلمات، والتفاعل معهم، وأداء الواجبات المطلوبة على خير وجه، كما أوصيهم ببر أبويهم، والقيام بحقوقهم؛ فذلك بركة في الأعمار، وسعة في الأرزاق، وصلاح في الذرية.

جعلكم الله مباركين أينما كنتم، ونفع بكم البلاد والعباد، وأجزل الأجر للمعلمين والمعلمات، وجعل ما يقدمون من علم وتوجيه وتربية في ميزان حسناتهم، وجمعنا بهم ووالدينا وذرياتنا في جنات النعيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

العلم والعلماء

لقاء مع مجلة (متقن)

التابعة لكلية التقنية بالزلفي

 

بدايةً فضيلة الشيخ عبد الله الطيار، نريد أن نعرف أثر العلماء على الناس وخاصة في زماننا المتأخر عن القرون المفضلة، وكثرة الفتن التي تتقلب فيها أمة الإسلام؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإني أشكر مجلة متقن على هذا اللقاء المبارك، والذي أسأل الله تعالى أن يجعله نافعًا لنا ولقراء مجلتنا الغراء.. وأقول مستعينًا بالله تعالى: معلوم أن الإسلام محتاج إلى من يحفظه وينقله وينشره في داخل المجتمع الإسلامي عبر الأجيال، فيعمل على ترسيخ عقائده وسيادة مبادئه ونشر تعاليمه لينفذ إلى القلوب، فيحرك المشاعر، ويفجر في روح المؤمن تلك الطاقة الحية العالية التي تشده شدًّا محكم الأواصر إلى عقيدته الحقَّة النَّيِّرة وشريعته الكاملة القويمة، وتعمق فيه روح الولاء لأمته القائدة الرائدة التي أكرمها الله ﻷ بهذه الرسالة الهادية.

والدين الإسلامي محتاج إلى من ينقله وينشره خارج المجتمعات الإسلامية، فيعمل على تعميم نوره، وبث ضيائه في الآفاق باعتباره الدعوة العامة الخالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

والدين الإسلامي محتاج إلى من يعمل على رد الشُّبُهات عنه، وإحباط المكائد التي تُحاك ضده من أعدائه، وبخاصة في الميدان الفكري والثقافي لحرص أعدائه على إقصاء الناس عن الهدى، وصرفهم عن الإيمان، ودفعهم في مسالك الضلال، ومهاوي الرذيلة، ودروب الغواية، وهذا لا يتحقق إلا بوجود فئة صادقة مخلصة تؤمن بكتاب ربها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم إيمانًا كاملًا، وتستقيم عليه بقدر طاقتها، وتجتهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم كذلك، ومصداق ذلك قول الله تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: ٢٥١]، فمن هؤلاء الفِئة؟ ومن هم الذين يحملون هَمَّ هذا الدين ويؤمنون به، ويستقيمون عليه؟

إنهم في المقام الأول: العلماء؛ فالعلماء هم الذين يحفظون هذا المنهج الرباني، وينقلونه للأجيال، وينشرونه بين الناس، والعلماء هم الذين يردون الغَوِيَّ إلى الرشاد، والضال إلى الهدى، والمنحرف إلى صراط الله المستقيم، والعلماء هم الذين يقفون حِصْنًا منيعًا، وسَدًّا متينًا في وجه الظلم والإلحاد والزندقة والفساد، بشتى صوره وأشكاله وألوانه.

فهذه هي وظيفة العلماء وهي الأمانة الغالية التي أناطها الله عز وجل بأعناقهم، وهذا قَدَرُهم وحظهم في هذه الحياة، وبسبب القيام بها فضَّلهم، وشرَّفهم، وكرَّمهم، وأعزَّهم، ولو لم يكن في ذلك سوى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ)([97]).

أقول: لو لم يَرِدْ في فضل العلماء سوى هذه الكلمات من النبي صلى الله عليه وسلم لكفى.

فانظر أخي الكريم كيف كرَّم الله ﻷ العلماء العاملين بعلمهم تكريمًا لا يُسامى ولا يُدانى، وقد أثنى الله تعالى عليهم في كتابه إذا هم قاموا بما أمرهم به، فقال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: ٣٣]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: ١٧٠]، والآيات والأحاديث في فضل العلماء كثيرة جدًّا، ولكن نكتفي بما ذكرنا خشية الإطالة.

فضيلة الشيخ، نرجو منك الإشارة إلى نماذج من تجارب العلماء الذين عايشتهم وتعلمت على أيديهم في طلب العلم.

إن تجارب العلماء كثيرة في طلب العلم، ولكن أكتفي بالإشارة إلى بعض من علمائنا الغائبين الحاضرين وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله رحمة واسعة:

 لقد ولد الشيخ رحمه الله في مدينة الرياض وكان مبصرًا ثم ذهب بصره بعد عشرين عامًا من عمره، فلم يزده ذلك إلا حرصًا على العلم والتعلم، ولقد حفظ الشيخ رحمه الله القرآن الكريم قبل سن البلوغ على يدي الشيخ عبد الله بن مفيريح رحمه الله ثم بدأ في تلقي العلوم الشرعية والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض، ومنهم الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ – رحمهما الله – وغيرهم.

ولقد لازم الشيخ ابن باز رحمه الله مجلس الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله وحضر كل ما كان يقرأ عليه من الكتب الشرعية، ثم قرأ عليه جميع المواد التي درسها في الحديث والعقيدة، والفقه، والنحو، والفرائض، والتفسير، والتاريخ، والسيرة النبوية نحوًا من عشر سنوات، وكان سماحة الشيخ رحمه الله معروفًا بالتقى والورع، والمسارعة في الخيرات، والمواظبة على الطاعات، ولقد اجتمعت في سماحة الشيخ ابن باز عدة صفات لا تكاد تجتمع في رجل واحد إلا في القليل النادر، ومن أبرز تلك الصفات: الإخلاص، والتواضع الجَمُّ، والحِلْم، والجَلَد والتحمل، والطاقة العجيبة حتى مع كبر سنه، والأدب المتناهي، والذوق المُرْهَفُ، والكرم والسخاء الذي لا يدانيه فيه أحد من أهل زمانه، والسكينة العجيبة، والذاكرة القوية، والهِمَّة العالية، والعزيمة القوية، والعدل في الأحكام، والثبات على المبدأ وعلى الحق، وغير ذلك من الصفات الكثيرة التي تحتاج إلى أوراق كثيرة.

 ولقد كان رحمه الله حريصًا على السنة مطبقًا لها في كل شؤون حياته، ولقد تولى رحمه الله العديد من الأعمال في خدمة الإسلام والمسلمين، ومنها الاهتمام العظيم بالعلم وتعليمه، والحرص البالغ على الدعوة إلى الله عز وجل وإجابة الفتاوى، والتعاون مع أهل العلم فيما فيه نفع للإسلام والمسلمين، وإرسال الدعاة وكفالتهم، ودعم الجهاد الإسلامي، والكتابة في الصحف، والرد على المخالفين، وإلقاء الدروس والمحاضرات والندوات، وإلقاء الكلمات والدروس والبرامج الإذاعية، وغير ذلك من الأعمال التي تحتاج إلى رجل في مثل همة الشيخ وإخلاصه، ولقد ترك رحمه الله مؤلفات عديدة نفع الله بها الكثير من المسلمين.

فهذه نبذة مختصرة عن حياته رحمه الله، وإلا فنحن نحتاج إلى مجلدات كثيرة لتسطير سيرته، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

ومن هؤلاء أيضًا: سماحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الذي ولد في مدينة عنيزة، ولقد بدأ حياته العلمية بحفظ القرآن الكريم، ثم قرأه على جده لأمه عبد الرحمن بن سليمان آل دامغ، ثم اتجه إلى طلب العلم، وبدأ بتعلم الخط والحساب، وبعض فنون الأدب، ولقد ظهرت عليه علامات النبوغ والذكاء، وصاحب ذلك همة عالية وحرص شديد، وكان وقتها معاصرًا لشيخه عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله فاعتنى به عناية خاصة، فبدأ بحفظ بعض المختصرات من كتب الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ علي بن حمد الصالحي، والشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع، والشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان، رحمهم الله جميعًا، فحصل له خير كثير من هذه المجالس في العقيدة والفقه والنحو وغيرها من العلوم، ثم انتقل    إلى معهد الرياض العلمي وتخرج منه، واستفاد رحمه الله من وجوده بالرياض فجلس يتعلم على سماحة الشيخ ابن باز، والشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، رحمهما الله.

ودرَّس في كلية الشريعة منتسبًا ثم عاد إلى عنيزة ليدرس في المعهد العلمي، ثم انتقل منه إلى جامعة الإمام محمد بن سعود بالقصيم للتدريس فيها، ثم عين عضوًا في هيئة كبار العلماء، وكان يخطب في المسجد الجامع الكبير في عنيزة.

ولقد عاش رحمه الله حياة حافلة بالعلم والتعليم والإفتاء، وجلس الشيخ    للتدريس في المسجد الكبير بعنيزة بعد أن رحل الشيخ ابن سعدي رحمه الله ولقد كانت دروسه رحمه الله في مختلف العلوم الشرعية والعربية والسيرة، وتوافد إليه الطلاب من داخل المملكة وخارجها، وكان يعتني رحمه الله بطلابه أشد الاعتناء.

وكان رحمه الله يتسم بسمات كثيرة جعلته يتبوأ مكانة عالية بين المسلمين، فقد كان يعتني بالعلوم الشرعية من التفسير والحديث والعقيدة والفقه وأصوله والفرائض وغيرها، وكان يعتني بالدليل وبناء الحكم عليه، والاستنباط منه ليكون ذلك أكثر طمأنينة للعالم والمتلقي.

وكان يعتني أيضًا بالمتون وشرحها وتوضيحها وتقريبها للمتعلمين، وعناية بكثرة المراجعة والتكرار للأبواب والفصول ليكون ذلك أدعى لثباتها عند طلبة العلم.

وكان يستغل وقته ويحرص عليه فيما ينفع المسلمين، وغير ذلك من سماته المعلومة للجميع.

ولقد خلَّف الشيخ رحمه الله مؤلفات كثيرة اشتهرت بين المسلمين في مجالات متعددة، منها المسموع والمكتوب في العقيدة والتفسير والفقه والحديث والأخلاق والسلوك والمعاملات وغير ذلك.

فنسأل الله تعالى أن ينفع بعلمهما، وأن يسكنهما فسيح جناته، وأن يجمعنا بهم في دار كرامته ووالدينا وجميع المسلمين.

فضيلة الشيخ: اذكر لنا شيئًا من مؤلفاتك وسبب تأليفها؟

أول ما كتبت وألفت في حياتي العلمية رسالة الماجستير (خيارَا المجلس والعيب في الفقه الإسلامي) حيث وجدت أن هذا الموضوع يحتاجه كثير من المسلمين، ولم أجد من تكلم فيه إلا القليل في بطون أمهات الكتب، والحمد لله على توفيقه، وكانت فاتحة خير لي، ومن ضمن ما ألفت أيضًا رسالة الدكتوراه (البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق) حيث إن هذا الموضوع يمس جانبًا مهمًّا في حياة المسلمين وخاصة مع انتشار البنوك والمعاملات الربوية، ولقد امتن الله عليَّ بأن قامت جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض مشكورة بطباعة هذه الرسالة ونشرها عن طريقها، سائلًا المولى سبحانه وتعالى أن ينفع بها، ومن ضمن مؤلفاتي أيضًا العديد من الكتب المهمة التي يحتاج إليها المسلم والمسلمة في الحياة اليومية في فقه المعاملات، وفي العقيدة، وفي الأخلاق، وفي غيرها من الموضوعات الأخرى، والله أسأل أن ينفعني بها وإخواني المسلمين، وأن يجعلها ذخرًا لي في حياتي وبعد مماتي، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

فضيلة الشيخ: يختلف طلاب اليوم عن طلاب الأمس في طلب العلم، فما تقول لطلاب اليوم؟

لقد كان طلاب الأمس يشحذون هممهم ويوجهون جهدهم لما فيه خيرهم في العاجل والآجل، فلم تشغلهم الدنيا عن الآخرة، وكانوا يتصفون بالإخلاص والنية الصالحة، والصدق في الطلب، والهمة العالية في التحصيل، والحرص على الانتفاع بالوقت، فلم تكن تصرفهم الدنيا عن طلبهم العلم، ولقد كانوا أشد الناس عناء في طلبهم للعلم، فلم يكن يتيسر لهم طلب العلم كما نعيشه نحن الآن، إنما كانوا يكابدون الساعات والأيام، ويقطعون الوديان والقوافي من أجل طلبهم للعلم.

 وأما طلاب اليوم فقد ألهتهم الدنيا بانفتاحها عليهم، وانشغلوا بأمور كثيرة من حيث العمل والبيت وغيره، ولكن هناك سلبيات كثيرة وقع فيها طلاب اليوم، ومن ذلك عدم الحرص على الوقت، وذلك بتضييعه فيما لا ينفع، مثل الزيارات الكثيرة بين طلاب العلم بدون الاستفادة من هذه المجالس فيما يعود عليهم بالفائدة من القراءة في بعض كتب أهل العلم، أو مناقشة بعض الموضوعات أو المسائل المهمة، وأيضًا الاشتغال بأمور مفضولة وهو أن يكتفي طالب العلم بنتف من الفوائد حصّلها من قراءة له، ثم يدخل الشيطان عليه مدخلًا ويقول: أنت خير من غيرك فرَوِّحْ عن نفسك، فيجعل مدة الترويح أضعاف مدة الفائدة التي حصَّلها، أيضًا: إضاعة كثير من الأوقات المهمة وخاصة بين الأذان والإقامة، وبعد صلاة الفجر وغيرها كثير، فإذا ضاع كل هذا الوقت مع الوقت الضائع بسبب العمل أو البيت أو الأهل، فماذا سيحصل طالب العلم من هذا الوقت القصير؟

أيضًا: رغبة كثير من طلاب العلم عن حضور مجالس العلماء والاستفادة منها، والنَّهْل من ينابيع الحكمة من أفواه العلماء والاستفادة منهم، بل الكثير منهم ربما لا يحرص على سماع شريط في سيارته، أو القراءة في كتاب من الكتب الشرعية، لذلك ضعفت الهمة، ولتعلق الكثير بالدنيا وملذاتها، وقَلَّ الإخلاص فقل التحصيل للعلم، وضاعت الأعمار هَباء مَنْثورًا، فلم ينتفع طالب العلم مما علمه، ولم ينفع غيره به.

وأقول لطلبة اليوم: إن النبي صلى الله عليه وسلم بشَّر الذي يسلك طريق العلم بالجنة، (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) ([98]).

فمن أراد الجنة فعليه أن يسلك طريق العلم الشرعي الذي يكون عونًا له بعد الله تعالى في الثبات على الطريق المستقيم، ويكون زادًا له في الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير.

وينبغي على طلاب اليوم أن يستحضروا أمورًا مهمة في طريقهم هذا، وأول هذه الأمور:

أولًا: الإخلاص في طلب العلم.

ثانيًا: حضور مجالس العلماء ومزاحمتهم بالركب.

ثالثًا: الاستفادة مما يتعلمه فيسجله في دفتره ويداوم على حفظه ومراجعته.

رابعًا: الاعتماد على الله تعالى والاستعانة به في تحصيله العلم الشرعي.

خامسًا: الحذر من اليأس، وخاصة أن كثيرًا من طلبة العلم إذا لم يحصل ما أراد البحث عنه ترك طلب العلم، وهذا عجز لا ينبغي منه.

سادسًا: الاستفادة من أخلاق من يتعلم منهم.

سابعًا: تنظيم الوقت بين طلب العلم والمسؤوليات الأخرى.

ثامنًا: النظر في الأولويات من حيث منهجية طلب لعلم فيبدأ بالأهم فالأهم.

تاسعًا: عدم الكِبْر والغُرور والحَسد مع من يتعامل معهم وخاصة شيوخه وأساتذته.

عاشرًا: نشر ما يتعلمه بقدر استطاعته، وما يثبت العلم في العقول والأفئدة إلا بتعليمه للغير.

 وأخيرًا: عليه أن يعلم أنه بطلبه للعلم يكون من ورثة الأنبياء والمرسلين، فالأنبياء والمرسلون لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا ولكن ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر.

نسأل الله الكريم من فضله، وأن يجعلنا من أهله المخلصين الصادقين، وأن يحشرنا في زُمْرة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

ومنهجه في التعليم الجامعي

والمقدم لندوة (جهود الشيخ ابن عثيمين العلمية)

كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الإمام

 

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله تعالى جعل من أمة محمد ه طائفة على الحق، لا يضرهم من خَذَلهم، ولا من خالفهم إلى قيام الساعة. فهم غرس الله الذين غرسهم وفضلهم بالعلم، وهم الذين يغرسون العلم في قلوب عباده، وهم الذين ارتضاهم ليكونوا ورثة أنبيائه، وهم الذين قَيَّضَهم الله لحفظ هذا الدين، وفَضْلُ العلماء على العبَّاد كبير، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨].

وقال صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)([99]).

وإن العالم إذا زرع علمه عند غيره ثم مات جرى عليه أجره، وبقي له ذِكره، وهو عُمْر ثانٍ وحياة أخرى، وذلك أحَقُّ ما تنافس فيه المتنافسون، ورغب فيه الراغبون.

وها هو شيخنا العلامة ابن عثيمين – رحمة الله عليه – قدم للإسلام الكثير، وبذل الجهد من أجل نفع المسلمين، عن طريق الدروس، والمحاضرات، والفتاوى، والمؤلفات، والعمل الخيري.

لقد كان رحمه الله غزير العلم، قوي الحجة، ينساب العلم منه دون تَكَلُّف، يبسط نفسه للصغير والكبير على حد سواء، ظاهرَ الزهد، رقيقَ القلب، نقيَّ السَّرِيرة، لا يحسد ولا يحقد.

وقد ظهر فضله في حياته وبعد مماته، حتى عامة الناس لم يُحرموا من علمه، فقد كانوا يقابلونه وهو في طريقه إلى المسجد فيوقفه أحدهم ويسأله، فلا ينصرف عنه حتى يَشْفي غَلِيلَه بإجابته، وطالب العلم كان يرجع إليه في كثير من المسائل، فلا يبرح عنه حتى يجد من نفسه انشراح الصدر لما تعلمه منه، حتى طلاب الجامعة لم يُحرموا خيره، فقد كان لهم كالأب الحاني، والمعلم الفَطِنِ، والمُوَجِّه الشَّفِيق.

وأما الأساتذة والإداريون فقد كان لهم نعم المعين – بعد الله تعالى- على نفع الطلاب، والسير بالجامعة إلى كل فلاح ونجاح، فلم يحرم من علمه وفضله القريب والبعيد.

وكان رحمه الله دائم البِشْر والتواضع لمن حوله، قاضيًا لحاجات المسلمين، سائرًا على دَرْبِ الصالحين، والعلماء العاملين.

وفي السطور القليلة التي أضعها بين يدي القارئ بيان بعض مميزاته وجهوده وفضله في حياته العلمية طيلة رحلته مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فرع القصيم – سابقًا – والمسماة حاليًا بجامعة القصيم.

ولتمام فائدة البحث وضعت استبانة طرحت فيها بعض التساؤلات حول سيرة شيخنا رحمه الله وجهوده ومواقفه خلال فترة تدريسه، وقمت بتوزيعها على بعض طلابه ممن عاصروه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم، وقد استجاب أكثرهم، وذكرت طرفًا من آرائهم وبعض المواقف لهم مع الشيخ في صفحات هذا البحث، وسأشير في الخاتمة إلى نتائج تلك الاستبانة.

ولا يفوتني أن أشكر جميع الإخوة الذين استجابوا لهذا الطلب وفاءً لشيخهم، فجزاهم الله خير الجزاء، وجعل ذلك في موازين حسناتهم.

وقد حرصت أن أشارك في هذه الندوة المباركة (جهود الشيخ محمد العثيمين العلمية)، وأخذت موضوع (جهود الشيخ ابن عثيمين ومنهجه في التعليم الجامعي)؛ لأني عاصرت الشيخ في الجامعة طيلة ثمانية عشر عامًا من عام 1403 إلى عام 1421هـ، وسمعت منه الكثير، وتعلمت منه الكثير، وقد استفدت منه أثناء عملي في الكلية.

وقد جاء البحث في مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة، وذيلته بالفهارس للمصادر والمراجع والموضوعات، وتفصيل ذلك كالتالي:

المقدمة:

المبحث الأول: الشيخ ابن عثيمين نشأته وتعليمه، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: التعريف بسيرته رحمه الله.

المطلب الثاني: نشأته رحمه الله.

المطلب الثالث: تعليمه وشيوخه.

المبحث الثاني: منهجه رحمه الله في التعليم، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: طريقته في التدريس:

المطلب الثاني: أسلوبه في التعامل مع طلابه.

المطلب الثالث: محبة الطلاب له واستفادتهم من منهجه في التدريس.

المبحث الثالث: أثره رحمه الله على التعليم الجامعي، وفيه خمسة مطالب:

المطلب الأول: توجيهاته ونصائحه لطلابه في الجامعة.

المطلب الثاني: حرصه على نفع الطلاب.

المطلب الثالث: غرسه للإخلاص والقيم الإسلامية في نفوس الطلاب.

المطلب الرابع: جهوده وآثاره في التعليم الجامعي.

المطلب الخامس: مواقف خاصة للشيخ في التعليم الجامعي والتعامل مع الإداريين والطلاب.

الخاتمة:

فهرس المصادر والمراجع:

فهرس الموضوعات:

أسأل الله تعالى أن ينفع بتلك الكلمات كاتبها وقارئها، وأن يجعلها في موازين حسناتنا يوم نلقاه، وأن يغفر لشيخنا العثيمين، وأن يسكنه فسيح جناته، والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

المبحث الأول: الشيخ ابن عثيمين نشأته وتعليمه،

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: التعريف بسيرته:

أولًا: اسمه ونسبه: هو الشيخ الإمام العلامة المفسر الفقيه المحدث الفرضي، أحد مجددي القرن الخامس عشر، أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن عثيمين، ينحدر نسبه إلى قبيلة بني تميم المشهورة.

ثانيًا: ولادته: ولد سماحة شيخنا رحمه الله في محافظة عنيزة من أكبر محافظات منطقة القصيم في السابع والعشرين من شهر رمضان من عام 1347هـ.

ثالثًا: أسرته: تزوج الشيخ العثيمين رحمه الله في بداية حياته ابنة عمه سليمان بن محمد العثيمين، والتي توفيت على إثر ولادة، ثم تزوج رحمه الله بعد وفاة زوجته الأولى ابنة الشيخ عبد الرحمن الزامل العفيسان، وظلت معه خمس سنوات لم ينجب منها فطلقها، ثم تزوج بعدها أم عبد الله بنت محمد بن إبراهيم التركي، والتي أنجب منها خمسة ذكور وهم عبد الله، وعبد الرحمن، وإبراهيم، وعبد العزيز، وعبد الرحيم. وثلاث بنات؛ زوج اثنتين منهن لطالبين من خيرة طلابه وهما الشيخ سامي بن محمد الصقير، والشيخ خالد بن عبد الله المصلح، الأستاذان بجامعة القصيم.

وله رحمه الله من الإخوة اثنان، الأول: الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين، وهو أستاذ متقاعد في جامعة الملك سعود بالرياض، وكان رئيس قسم التاريخ بالجامعة قبل تقاعده، وهو أمين عام جائزة الملك فيصل العالمية، كما أنه عضو في مجلس الشورى السعودي.

والثاني: عبد الرحمن بن صالح العثيمين، وكان يعمل مديرًا للشؤون المالية والإدارية في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، كما أن للشيخ رحمه الله شقيقة واحدة هي زوجة ابن عمه الشيخ محمد بن سليمان العثيمين.

المطلب الثاني: نشأته رحمه الله:

نشأ رحمه الله تعالى في أسرة محافظة معروفة بالاستقامة والتدين، وكانت أسرته تسكن في مدينة عنيزة، وهي من أشهر محافظات منطقة القصيم، وقد اشتهرت بعلمائها الكبار أمثال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله وقد بدأ شيخنا رحمه الله طلبه للعلم بحفظ القرآن على جده لأمه حتى أتمه على يديه.

وبدا عليه رحمه الله منذ صغره حرصه على طلب العلم، ودليل ذلك استغلاله لوقته في القراءة النافعة، وحفظ المتون، والجلوس إلى المشائخ.

وعندما بدأ يجلس بين يدي شيخه العلامة السعدي رحمه الله رأى منه الذكاء والنَّجَابة فحرص عليه، وعمل على انضمامه لحلقته وتفريغه لطلب العلم.

وقد جاء وقت من الأوقات في محافظة عنيزة توجه الناس إلى الفلاحة والزراعة – بوادي الرمة – لغرس النخيل فيه، وقام والد الشيخ العثيمين وأعمامه ومعهم أبناؤهم بزراعة ذلك الوادي للحصول على شيء من الدنيا يعينهم على العيش، وكان من ضمنهم آنذاك الشيخ العثيمين رحمه الله.

واستمر رحمه الله يعمل معهم لمدة ثلاث سنوات، وقد افتقده الشيخ السعدي رحمه الله وتحرى عن أخباره، فعلم أنه انشغل بالزراعة عن طلب العلم، فطلب الشيخ السعدي رحمه الله من والده أن يرجع ابنه ليواصل دراسته في حلقته بالمسجد، فوافق والده على ذلك؛ لما رأى من حرص ابنه على طلب العلم.

وكانت هذه بداية الجد في طلب العلم من الشيخ رحمه الله وبدأ مشوار حياته العلمية في الاستفادة من الشيخ السعدي رحمه الله ومن حضرهم من الشيوخ.

  وهكذا نشأ شيخنا رحمه الله بين أحضان العلماء، ولازم حلقاتهم، وأسند ركبتيه إلى ركبهم، فأدرك وهو في سن مبكرة الشيء الكثير من شتى أنواع العلوم.

المطلب الثالث: تعليمه وشيوخه:

بدأ شيخنا رحمه الله في أول حياته بقراءة القرآن حتى أتم حفظه -كما ذكرت سابقًا- وقد قرأه على جده لأمه عبد الرحمن بن سليمان آل دامغ، ثم بعد ذلك اتجه لطلب العلم، وبدأ بتعلم الخط والحساب وبعض فنون الآداب، وقد ظهرت عليه أمارات النبوغ والذكاء، وصاحب ذلك هِمَّة وحِرْص، وجِد واجتهاد جعله يحصل أضعاف ما يحصل أَتْرَابُه وزملاؤه في مثل سنه.

  ولقد اعتنى به شيخه العلامة ابن سعدي رحمه الله عناية خاصة، حيث عهد إلى اثنين من كبار تلاميذه وهما الشيخ علي الصالحي والشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع لتعليم صغار التلاميذ، فقرأ شيخنا – محمد – عليهما بعض المختصرات من كتب الشيخ ابن سعدي وغيره، وقد نوَّع رحمه الله مقروءاته من العقيدة، والفقه، والنحو، وغيرها من العلوم.

عاش شيخنا رحمه الله حياة حافلة بالعلم والتعليم، ولقد ترك رحمه الله عنيزة بعد أن جلس على علمائها وأخذ عنهم، وسافر إلى الرياض ليلتحق بالمعاهد العلمية هناك، يقول الشيخ    عن نفسه:

“بعد أن فتحت المعاهد العلمية دخلت المعهد العلمي من السنة الثانية، والتحقت به بمشورة من الشيخ علي الصالحي، وبعد أن استأذنت من الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله وكان المعهد العلمي في ذلك الوقت ينقسم إلى قسمين: خاص وعام، فكنت في القسم الخاص وكان في ذلك الوقت من شاء أن يقفز بمعنى أنه يدرس السنة المستقبلة له في أثناء الإجازة ثم يختبرها في أول العام الثاني، فإذا نجح انتقل إلى السنة التي بعدها وبهذا اختصر الزمن، ثم التحقت بكلية الشريعة في الرياض انتسابًا وتخرجت منها”([100]).

درس شيخنا رحمه الله في معهد الرياض العلمي، واستغل وجوده في الرياض بالدراسة على شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله الذي قرأ عليه بعضًا من أبواب صحيح البخاري، وبعض رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض الكتب الفقهية، يقول شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: “لقد تأثرت بالشيخ عبد العزيز ابن باز حفظه الله من جهة العناية بالحديث، وتأثرت به من جهة الأخلاق أيضًا، وبسط نفسه للناس”([101]).

وبعد تخرج شيخنا رحمه الله من المعهد العلمي درس في كلية الشريعة بالرياض منتسبًا.

وبعد أن استكمل رحمه الله دراسته النظامية بالرياض عاد إلى عنيزة ليدرِّس في المعهد العلمي الذي افتتح فيها، ثم لما فتح فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم انتقل الشيخ العثيمين للتدريس فيه في كلية الشريعة وأصول الدين، وأصبح عضوًا في مجلس الكلية ما يزيد على عشرين عامًا، ثم عيِّن عضوًا في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وتوفي رحمه الله وهو يشغل هذا المنصب بالإضافة إلى التدريس في فرع الجامعة وخطابة المسجد الجامع الكبير في عنيزة.

وكان للشيخ رحمه الله إسهام متميز في جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في عنيزة، حيث تابع نشاطها ورسم منهجها وتفاعل مع العاملين فيها والطلاب، فجزاه الله عن الجميع خيرًا.

وبعد عودة شيخنا رحمه الله إلى عنيزة رُشِّحَ أثناء وجوده بها بعضُ المشايخ لإمامة الجامع الكبير، لكنهم لم يستمروا على ذلك إلا مدة قصيرة جدا، فتَمَّ ترشيح شيخنا محمد بن صالح العثيمين لإمامة الجامع الكبير، وعندها بدأ رحمه الله القيام بالتدريس مكان شيخه، ولم يقم بالتأليف إلا عام 1382هـ، حين ألف أول كتاب له وهو (فتح رب البرية بتلخيص الحموية)، وهو تلخيص لكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (الحموية في العقيدة).

والجدير بالذِّكْر أن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله كان قد عرض بل ألح على شيخنا رحمه الله ليتولى القضاء، بل أصدر قرارًا بتعيينه رئيسًا للمحكمة الشرعية بالأحساء، لكن شيخنا ابن عثيمين طلب الإعفاء، وبعد مراجعات واتصال شخصي سمح الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله بإعفائه من منصب القضاء، وتولى التدريس في معهد عنيزة العلمي.

شيوخه:

استفاد الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في طلبه للعلم من عدة شيوخ أجلاء، بعضهم في مدينة عنيزة، وبعضهم في الرياض حينما سكنها للدراسة النظامية، ومن هؤلاء:

* علامة القصيم الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله أحد العلماء الكبار، كانت حياته جهادًا متواصلًا بالدعوة والكتابة والتأليف، تتلمذ على يديه مئات الطلاب وهم من أقطاب الحركة العلمية المعاصرة، بل إن بعضهم من كبار علماء المملكة في هذا الوقت، منهم من أفنى حياته بالعلم والتعليم ومضى إلى الدار الآخرة، ومنهم من لا يزال يعطي بقوة – متعهم الله بالصحة والعافية – وقد تَعَلَّمَ على يديه شيخنا ابن عثيمين ولازمه مدة طويلة يَنْهَلُ من علمه، ويتدرب على يديه.

يقول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: “إنني تأثرت به كثيرًا في طريقة التدريس وعرض العلم وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني، وكذلك أيضًا تأثرت به من ناحية الأخلاق الفاضلة، وكان رحمه الله على قدر في العلم والعبادة، يمازح الصغير ويضحك إلى الكبير، وهو ما شاء الله من أحسن من رأيت أخلاقًا”([102]).

وقد قرأ شيخنا العثيمين على شيخه السعدي في أبواب كثيرة منها: التوحيد، والتفسير، والحديث، والفقه، وأصول الفقه، والفرائض، ومصطلح الحديث، والنحو، والصرف.

وقد لازمه شيخنا رحمه الله ملازمة قوية، وكانت له منزلة عظيمة عنده ظهرت آثارها في إعداده وتهيئته لتحمل مسؤولية شيخه من بعده، وكانت فِراسَة شيخه فيه صائبة؛ حيث خلفه في إمامة الجامع والقيام على المكتبة والتدريس، فرحمهما الله رحمة واسعة.

* سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، درس عليه حينما انتقل ابن عثيمين إلى الرياض للدراسة النظامية، حيث درس على ابن باز وهو شيخه الثاني بعد ابن سعدي، وقد قرأ عليه صحيح البخاري، وبعض كتب الفقه، وكان الشيخ محمد يثني على شيخه -ابن باز- خيرًا في حياته وبعد وفاته، وكثيرًا ما يقول في دروسه وهذا رأي شيخنا الشيخ عبد العزيز وكان يقول عنه: “لقد تأثرت بالشيخ عبد العزيز بن باز من جهة العناية بالحديث، وتأثرت به من جهة الأخلاق أيضًا وبسط نفسه للناس”.

* الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي المتوفى في عام (1393هـ) أحد أبرز المفسرين في هذا العصر اللغوي المشهور، صاحب (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن).

درس عليه الشيخ في المعهد العلمي بالرياض، وكان من أبرز علماء العصر، واستفاد منه الشيخ العثيمين فائدة عظيمة في دقة الاستنباط، وغزارة العلم، وبسط المسائل.

يقول عنه ابن عثيمين رحمه الله: “إذا ابتدأ شيخنا الشنقيطي درسه انهالت علينا الدُّرَر من الفوائد العلمية من بحر علمه الزاخر، فعلمنا أننا أمام جِهْبِذٍ من العلماء، وفَحْل من فحولها، فاستفدنا من علمه وسَمْتِه وخُلُقه وزهده ووَرَعه”.

* الشيخ علي بن حمد الصالحي، كان يعلم صغار طلاب ابن سعدي، وقد درس العثيمين عليه بعض العلوم.

* الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع، قرأ عليه العثيمين (مختصر العقيدة الطحاوية) و(منهاج السالكين) في الفقه كلاهما لشيخه ابن سعدي، وكذا قرأ عليه (الأجرومية) و(الألفية) في النحو والصرف.

* الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان، قرأ عليه العثيمين بعض كتب الفقه وكذا قرأ عليه في الفرائض.

* الشيخ عبد الرحمن بن سليمان آل دامغ جد الشيخ ابن عثيمين لأمه، وقد قرأ عليه القرآن حتى أتم حفظه.

وفاته: توفي شيخنا رحمه الله في يوم الأربعاء 15/10/1421هـ، وصلى عليه المسلمون في المسجد الحرام عصر الخميس: 16/10/1421هـ، ودفن في مكة.

وكانت جنازة شيخنا شاهدًا على محبة الناس له، وتقديرهم لعلمه وفضله، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه يقول: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَجَبَتْ)، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ: (وَجَبَتْ)، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ)([103]).

المبحث الثاني: منهجه رحمه الله في التعليم،

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: طريقته في التدريس:

لقد سلك رحمه الله منهج شيخه ابن سعدي في التدريس والتعليم، حيث يقول: “إنني تأثرت به – أي بابن سعدي – كثيرًا في طريقة التدريس وعرض العلم، وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني”([104]).

فكان الشيخ رحمه الله يَحُثُّ طلابه في الجامعة على حفظ المتون العلمية والاهتمام بقراءة شروحها، وكان يقوم بتوضيحها وتقريبها لهم.

وكان يوصيهم رحمه الله بالاهتمام بعلوم الشريعة من التفسير والحديث والعقيدة والفقه وأصوله والفرائض والعربية وغيرها.

وكان أيضًا يوجههم إلى العناية بالدليل، وبناء الحكم عليه، والاستنباط منه؛ ليكون ذلك أكثر طمأنينة للعالم والمتلقي.

والاهتمام أيضًا بالترجيح المبني على قوة الدليل، مع بيان وجه الترجيح من المنقول أو المعقول، قال رحمه الله: “طالب العلم يجب عليه أن يتلقى المسائل بدلائلها، وهذا الذي ينجيه عند الله ـ”([105]).

وكان يَحُثُّهم على كثرة المراجعة لما شرحه، ومناقشته فيما يعسر عليهم فهمه، والحرص على أن تكون المناقشة بموضوعية وتجرُّد.

وكانت له رحمه الله طريقته الخاصة والسهلة في تدريس طلابه، بحيث يمكن الطلاب من الاستفادة الجادة المرتبطة بالمواد العلمية التي تُدرس لهم، بحيث يخصص للدرس وقتًا معينًا ثم يتخلله بعض الأسئلة من الطلاب، ولما وجد أن هذه الطريقة تضيع بعض أوقات الدرس وتشوش على بعض الطلاب أجَّل الأسئلة إلى نهاية الدرس حسب الوقت المتاح.

وكان من حرصه رحمه الله على طلابه أنه يكلفهم كثيرًا بالبحوث وتحرير المسائل المشكلة، بحيث يعود ذلك عليهم بالنفع من ناحية البحث والتدقيق والوصول إلى الترجيح المبني على الدليل الشرعي، وكان لذلك أثره على كثير من طلابه، حيث مكنهم من الاجتهاد في الوصول إلى حل كثير من المسائل الدقيقة، والتي تحتاج إلى جهد ووقت كبير، فكانت تعرض عليه تلك البحوث والرسائل، ويناقشها أمام طلابه، ليعلمهم كيفية الحصول على الثمرة بعد البحث والتحري.

ولعل من آخر تكليفه رحمه الله لطلابه أننا كنا مع بعض الإخوة المشايخ في زيارة له في أواخر شهر رجب يوم الأربعاء: 27/ 7/ 1421هـ وسألناه عن قنوت النوازل فتكلم بكلام قوي، وقال لي: لعلك تبحث هذه المسألة، وتحصر ما ورد فيها من النصوص وكلام أهل العلم. فقلت له: على أن تقرأ ذلك؟ فقال: إن شاء الله. لكن المنية عاجلته رحمه الله قبل ذلك([106]).

بل إنه رحمه الله يكلف صغار طلابه المبتدئين ليزرع الهمة والثقة في نفوسهم، ويتلخص منهجه مع طلابه في النقاط الآتية:

1- العناية بعلوم الشريعة، والتوجيه بحفظ المتون العلمية والاستفادة من الشروح الخاصة بها، مع الاهتمام بالدليل من الكتاب والسنة، وتوجيههم إلى الإكثار من المراجعة والتكرار للمواد التي تدرس لهم.

2- تكليفهم ببعض المسائل تشجيعًا لهم وتدريبًا على الاستنباط والاستفادة والممارسة العملية.

3- عدم فرض رأيه على طلابه حتى في اختيار الكتاب وتقديم الدرس أو تأخيره أو البدء بالمتن الفلاني وهكذا، وكثيرًا ما يقدم رأي الطالب على رأيه، وفي هذا تعويد للطلاب على لزوم الحق، وليس في ذلك غَضَاضة على الشيخ، بل يدل على تواضعه وإشراكه طلابه معه في الرأي.

4- تدريب الطلاب على الكلمات بحضور الشيخ، فيلقي الطالب على زملائه وهم مستعدون لإبداء الملاحظات على الطالب؛ ليكون في ذلك تدريب للطالب على الإلقاء، ولإخوانه الآخرين على إبداء الرأي والملاحظة الهادفة، فأنبت ذلك لدى الطلاب الحرص على حضور الذهن وصفاء النفس للاستفادة من المواد العلمية التي تُعرض عليهم.

5- إسناد بعض الدروس لبعض طلابه تدريبًا لهم وشَحْذًا لهممهم وتهيئة لهم لنفع الناس، وكان هذا الأمر له الأثر الفعال على كثير من طلابه في حياته وبعد وفاته رحمه الله ولذا تجد أغلب من حضروا له في الجامعة قد استفادوا من توجيهاته في كيفية التعامل مع الناس، والحرص على إيصال العلم لهم سهلًا ميسرًا.

المطلب الثاني: أسلوبه في التعامل مع طلابه:

كان رحمه الله يتعامل مع طلابه كتعامل الأب مع أبنائه، والشيخ مع تلامذته، فكان رحيمًا بهم، شفيقًا عليهم، حريصًا على مصالحهم، مجتهدًا في الوصول إلى أعلى درجات الاستفادة لهم، مما جعلهم يبذلون قصارى جهدهم في التحصيل العلمي المفيد.

وقد كان رحمه الله رفيقًا بطلابه وخاصة المبتدئين منهم، وكان من رِفقه بهم تَفَقُّدُه لأحوالهم الشخصية، وحرصه على حل كل ما يعتريهم من مشاكل وصعوبات، سواء كانت مادية أو معنوية.

وكان من تواضعه رحمه الله لطلابه استماعه إلى آرائهم ومقترحاتهم، وخاصة فيما يدور حول المادة العلمية التي يدرسونها، فكان حريصًا كل الحرص على المناقشة، والحوار، مع سرد الأدلة، والخروج بالترجيح اعتمادًا على قوة الدليل الشرعي الصحيح من الكتاب والسنة.

وكان دائمًا يوصيهم بالتحري والدقة للوصول إلى الحق، وعدم ازْدِراء المخالِف، بل عليهم أن يستمعوا لجميع الأقوال، ثم يكون الاعتماد بعد ذلك على الدليل الصحيح.

وكان من توجيهه لهم الحرص على ربط العلم بالعمل، لأن العمل هو الذي يثبت العلم، ويقويه، ويعين صاحبه على نشره، وكان يحذرهم من مخالفة ذلك مصداقًا لقول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]، فإن من تعلم دون أن يعمل فهو كالحمار يحمل أسفارًا، والقدوة الصالحة هي التي تتصف بالعلم والعمل معًا.

وقد كان رحمه الله قدوة صالحة في نفسه، يرونه ملتزمًا بسَمْتِ الصالحين، منضبطًا في مواعيده، ملتزمًا بدروسه، باذلًا للجهد في سبيل إيصال علمه لطلابه، متواضعًا في تعامله معهم، فلا يعنِّف، ولا يحقر، ولا يشدد في توجيهاته، وهذا له الأثر الكبير في رفع شأنه في أعينهم، واحترامهم له، وسماعهم لتوجيهاته وإرشاداته.

وكان رحمه الله صادقًا في نصحه، وأمره ونهيه، فلا يرون منه سوى القدوة الصادقة التي تتكلم وتعمل، وقد عظمت استفادتهم من مَعِين أخلاقه وعلمه، فتعلموا منه الصدق، والإخلاص في طلب العلم، والتورُّع عن الخوض في المسائل الشاذة، وطلب الدليل من مظانه، والاعتماد على الكتاب والسنة في شتى المسائل التي يشرحها.

دقته في التصحيح ووضع الدرجات:

كان رحمه الله دقيقًا، ومن صور دقته في تعامله مع طلاب الجامعة عند تصحيح الأسئلة ورصد الدرجات، أنه كان مُتَحَرِّيًا الدقة في ذلك، فربما يعطي الطالب واحدًا من ثمانين درجة ولا يزيده لما يرى أنه لا يستحق الزيادة، وربما يراجعه الطالب في نصف درجة وَهِمَ فيها الشيخ فيضيفها له ولا يزيده غيرها.

وهذا موقف من المواقف التي يذكرها لنا الدكتور عبد الرحمن بن سلامة المزيني أثناء فترة عمله بالكلية، قال حفظه الله: “أذكر أثناء وكالتي للكلية أن طالبًا رسب في مقرر الشيخ وبقي عليه درجة أو درجتان، لا أذكر تحديدًا، وطلبنا من الشيخ أن يراجع للطالب؛ لأنها المادة الوحيدة التي رسب بها، والتي لو نجح بها لتخرج من الكلية، فعرضنا الأمر على الشيخ فرفض ذلك وقال: هذا الذي يستحقه الطالب”([107]).

وهذا موقف يدل على وَرَعه وحرصه على الأمانة التي وكلت إليه، فكان لا يظلم أحدًا من طلبته ممن يدرسون عنده في درجاتهم، يقول الدكتور أحمد بن سليمان العريني حفظه الله: “فعندما درسنا مادة العقيدة في كلية الشريعة بالقصيم، وأجرى لنا امتحان أعمال السنة يوم الأحد، وفي السبت الذي يليه أحضر أوراق الإجابة مصححة، بينما عدد الطلاب يفوق الثمانين، فسلم لنا الأوراق وقال اقرأوها، ومن وجد أني ظلمته في شيء من الدرجات أثناء التصحيح فليراجعني، وأذكر أن أحد الزملاء راجعه في نصف درجة فأضافها له، الله أكبر! إنه الجد والإنجاز مع العدل والإنصاف”([108]).

المطلب الثالث: محبة الطلاب له واستفادتهم من منهجه في التدريس:

لا يستفيد الطالب من شيخه إلا إذا وجد الجِدَّ والاجتهاد والصدق والإخلاص فيه، فلا يتقبل الطالب من شيخه شيئًا إلا إذا كان يرى ذلك منه، وهذا ما كان عليه الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى، فقد كان صالحًا في نفسه، مواظبًا على فعل الخير، داعيًا إليه.

وكان رحمه الله – كما ذكرت سابقًا- قدوة حيّة لطلابه، فلا تكاد تراه في موقف من المواقف إلا وجدته شديد الاهتمام بإفادة من أمامه، سواء كانوا طلابًا في الجامعة، أو في غيرها، وهذا ما جعله مميزًا عن كثير من الشيوخ وطلبة العلم.

لقد استفاد منه الطلاب استفادة عظيمة من طريقة أسلوبه وسلاسته في الشرح، وذلك بأخذه وردِّه معهم، وفتحه باب الحوار الهادف، للوصول إلى النتيجة التي يريدها الطالب.

فكان يحرص دائمًا على انتباه الطلاب أمامه؛ لكي يستفيدوا من الدرس، وكان يعمل على تشجيع الطالب الجاد أثناء الدرس، والثناء عليه، وحثه على المزيد.

وكان أيضًا إذا رأى أحدًا منهم شاردًا عن درسه ولو لبضع لحظات وجه إليه سؤالًا مباغتًا، فيكون ذلك سبيلًا إلى جعل هذا الطالب منتبهًا لدرسه، وهذا من أهم الأسباب التي جعلت طلابه الحاضرين منتبهين ذهنيًّا، فأنتج ذلك كون طلابه مرتبطين بدرسه، منتفعين بما فيه من الفوائد والتوجيهات، فلا يفوت وقت من الدرس إلا وقد استوعبه طلابه، وأفادوا من مسائله وأدلته.

وكان رحمه الله يحث الطلاب الضعفاء على الاجتهاد، ويَبَشُّ في وجوههم، ولا يُعَنِّفُهم أمام زملائهم، بل ربما شجع الطالب الضعيف بشَحْذِ همته، وتعليمه كيفية التعامل مع المادة العلمية التي يستشعر صعوبتها لديه.

وكان رحمه الله ينبه طلابه على الاهتمام بالدليل الشرعي، فهو أساس كل عبادة قولية وفعلية، وهو الطريق الموصل إلى صحة العبادة، وهو الذي يحفظ المسلم من الأفكار الشاذة الخارجة عن منهج أهل السنة والجماعة.

وكان يعظم رحمه الله حب الكتاب والسنة في قلوب طلابه، والارتباط بالمنهج الحق المبني عليهما، مما جعل طلابه يحرصون على التزام ذلك وتطبيقه في حياتهم، سواء كان ذلك أثناء دراستهم، أو من خلال تعاملهم مع الآخرين.

وكانت حواراته رحمه الله مع طلابه غاية في السهولة والإيضاح، فكان يبدأ درسه بالسؤال عما مضى من الدروس أو بعضها لكي ينتبه الطلاب لما سبق، ولا يتركوه هملا وراء ظهورهم، ولكي يعلم كل طالب أنه سوف يسأل من قبل الشيخ فيكون دائم المراجعة لما سبق، جاهزًا للإجابة عن كل سؤال يلقيه الشيخ رحمه الله.

وهذا الأسلوب جعل الطلاب يحبون شيخهم، ويستفيدون من درسه، ويحرصون على تحصيل أكبر قدر من علمه.

وقد كان رحمه الله يدخل السرور على طلابه، وذلك بسرد بعض المواقف والفكاهات التي تروح عنهم عند شعوره بمللهم من طول مدة الدرس، وقوة المادة العلمية المشروحة.

وهذا مما جعل الطلاب لا يشعرون بالمَلَل والتعب، بل ربما كان ذلك سببًا في محبتهم لدرسه، وحرصهم على حضوره، والاستفادة منه.

المبحث الثالث: أثره رحمه الله على التعليم الجامعي،

وفيه خمسة مطالب:

المطلب الأول: توجيهاته ونصائحه لطلابه في الجامعة:

لقد كان الشيخ رحمه الله آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، ناصحًا لطلابه في كل حين، آخذًا بأيديهم لكل ما فيه من خيري الدنيا والآخرة، فما ينفك في لحظة من اللحظات، أو موقف من المواقف إلا ويسدي النصح والتوجيه لهم.

وأهم ما كان يتمناه من طلابه هو التطبيق العملي لما يتعلمونه في حياتهم، وأن يكونوا قدوة حسنة ترتجى لأمتهم ومجتمعهم، فلا ينبغي أن يخالف الظاهر الباطن، ولا أن يخالف العالم ما يحمله من علم، بل يكون أول من يمتثل لما يوجه به ويعلمه للناس.

وقد ظهرت آثار تلك التوجيهات أثناء وجوده بين طلابه، وظهوره بمظهر العالم، والمعلم، فقد كانت أخلاقه، وتعاملاته مع طلابه لها الأثر الكبير في قبولهم لعلمه، وتعلمهم الأخلاق والانضباط، والاجتهاد في طلب العلم، وأخذهم منه كل ما يقول خاصة أنه كان يعتمد على الدليل الشرعي الصحيح، وهذا ما طمأن طلابه وجعلهم يأخذون قوله بالقبول والتطبيق.

ومن أهم تلك التوجيهات والنصائح:

1- التمسك بالكتاب والسنة: فقد كان حريصًا أشد الحرص على انقيادهم لنصوص الشرع، والاعتماد عليها في كل نواحي تعليمهم وحياتهم، لما ورد من النصوص الشرعية الآمرة بذلك، كما في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ)([109]).

2- الإخلاص في القول والعمل: وهذا من أهم ما كان يزرعه الشيخ رحمه الله في قلوب طلابه، لما ورد فيه من النصوص الشرعية الحاثة على ذلك كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: ١١]، ولما ورد في الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْه)([110])، فبدون الإخلاص لا يكون للعلم ثمرة على الشخص أو على غيره.

لقد كان رحمه الله حريصًا دائمًا أن يكون الطالب طالبًا للعلم الشرعي ليس من أجل شهادة، أو منصب، أو مال، وإنما من أجل أن ينفع نفسه، ومجتمعه، وأمته.

وقد انتفع الكثير من طلابه بهذا التوجيه، فبدأوا مسيرتهم العلمية راغبين فيما عند الله، باذلين الجهد والعطاء من أجل نفع أمتهم، وما ذاك بغريب، فغالب من تخرَّج على يديه رحمه الله تَبَوَّؤُوا مناصب في شتى المجالات الدعوية، سواء كان ذلك في القضاء، أو في الدعوة، أو التدريس، أو في غير ذلك من مجالات نشر الخير، وها هي الجامعات خير شاهد على ذلك، فمعظم أعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات ممن تعلموا على يديه.

3- الاعتماد على الدليل الشرعي الصحيح: فقد كان رحمه الله يوجه إلى التمسك بالدليل الشرعي، وتقديمه على كل قول، انقيادًا لأمر الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: ٣٦]، وقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، وقد ذكرت سابقًا أنه قال في إحدى مناسباته: “طالب العلم يجب عليه أن يتلقى المسائل بدلائلها، وهذا الذي ينجيه عند الله ـ”([111]).

4- الاقتداء بالسَّلَف الصالح: ومعلوم أنه من كان قُدْوة صالحة في نفسه كان تأثيره على غيره عظيمًا، ولقد كان شيخنا كذلك، فقد كان يقتدي بالسلف الصالح في سائر شؤونهم، ويحبهم، ويعظم شأنهم، ويأخذ من علمهم، لما ورد من النصوص التي تَحُثُّ على اقتفاء آثارهم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)([112])، فكان رحمه الله يوصي طلابه بالتمسك بهديهم، وتوقيرهم، واحترامهم، وعدم الخوض فيما حدث بينهم.

بل كان حريصًا رحمه الله بالسَّيْر على منهجهم، فنشأ هؤلاء الطلاب على محبة السلف، والأخذ عنهم، والاستفادة من سيرتهم، وتعظيمها في نفوسهم، كيف لا وهم الذين أخذوا عن نبيهم، ونصروه وعزروه ورفعوا علم الجهاد في حياته وبعد مماته، وأوصلوا علمه إلى أمته، ونشروا راية التوحيد على كل شبر في أرض الله.

5- سلامة الصدر: وهذه من أفضل صفات وسمات الشيخ رحمه الله ، فقد كان حريصًا على توجيهات الشرع الحنيف، وخاصة في مجال الأخلاق، فقد كان رحمه الله لا يحسد أحدًا، ولا يبغض أحدًا، إلا من أظهر بغضًا للدِّين، أو كان مجاهرًا بمعصية، وكان يحب بذل الخير لكل من حوله سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، أو غنيًا أو فقيرًا.

6- بذل العلم ونفع الخلق: فقد كان درسه رحمه الله مليئًا بالحوارات، والأسئلة، والردود، ليتسنى لطلابه أن ينتفعوا، وأن يشاركوا فيما يسمعونه منه، ولقد كان الدرس كله نافعًا لطلابه، فلا يمر وقت من أوقاته إلا وقد أثمر وآتى أكله. وقد كان رحمه الله يبذل جميع وقته في الجامعة في نفع طلابه، وزملائه الأساتذة، والموظفين أيضًا، فلا يخرج من درسه إلا وقد استوعبه جميع طلابه، ولا يخرج كل يوم من أروقة الجامعة إلا وقد استفاد منه من يقابله، أو يجلس معه، أو يلتقي به في اجتماع رسمي أو غيره.

7- احترام الأئمة ومعرفة أقدارهم ومنازلهم: وهذه أيضًا مما يتميز به الشيخ رحمه الله، فقد كان يوقر أئمة المذاهب الفقهية، ويثني عليهم خيرا، ويأخذ منهم ما يراه موافقًا للدليل الشرعي، وكان يوصي طلبته بتوقيرهم، واحترام آرائهم، وعدم الخوض فيما خالفوا فيه الجمهور، بل ربما أخذ برأي أحدهم ولو كان مخالفًا لرأي الجمهور إذا رأى أن الدليل الذي معه يوافق المسألة.

8- التدرج في طلب العلم: فقد وجه الشيخ رحمه الله طلابه إلى طلب العلم بالتدرج، لئلا يحصل لأحدهم الفتور، وحتى يستطيعوا تحصيل بدايات العلم، ثم يأخذوا الذي بعده، وهذا هو سبيل أهل العلم الربانيين، لأن طلب المعالي لا يتأتى إلا ببداية الطريق والصبر على ذلك، ولا يمكن لطالب العلم أن يأخذ ما هو أكبر من عقله وفهمه.

وهذا مما كان له الأثر الطيب على غالب طلابه الذين كانوا يدرسون على يديه بالجامعة، فقد بدأوا بما أوصاهم به، ثم عرجوا إلى الأكبر فالأكبر، فحصَّلوا خيرًا كثيرًا، وتَبَوَّؤُوا مكانة عظيمة.

9- لزوم الصبر في طريق العلم والدعوة: والصبر مفتاح كل خير، وهو من أعظم طرق الوصول إلى رضا الله تعالى وجنته، وصدق الله تعالى إذ يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}  [الزمر: ١٠]، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)([113]).

وكان رحمه الله يوصي طلابه بالصبر في طريق طلب العلم، وعدم العجلة في طلبه، والصبر على شدته في بدايته، والاجتهاد في حفظه ومراجعته، والجلوس على العلماء للاستفادة من توجيهاتهم ونصائحهم، فأثمر ذلك نتيجة طيبة في صفوفهم، فلا تجد منهم أحدًا إلا وقد تمسك بطريق الصبر، وجاهد نفسه للوصول إلى معالي الأمور.

10- عدم الاستعجال في قطف ثمرة العلم، أو استغلاله لطلب الدنيا، وغالب من يطلبون العلم يستعجلون الطريق، ويحسبون أنهم إذا حصلوا على شهادة التخرج أنهم قد وصلوا إلى بُغْيَتِهم، وهذا هو سبيل الخُسران، فالشهادة وسيلة وليست غاية، ومن طلب المعالي، بذل المُهَجِ في سبيل الوصول لأعلى المقامات، كيف لا وطريق العلم يوصل إلى رضا رب البريات، ودخول الجنات.

11- إفشاء السلام: فقد كان من نهجه رحمه الله إفشاء السلام، سواء كان على الصغار أو الكبار، وكان يعم سلامه على كل من يلقاه، وكان حريصًا دائمًا على إفشاء السلام اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعًا لقوله: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)([114])، فكان قدوة لطلابه في ذلك، فلا يدخل القاعة ولا يخرج منها إلا ويلقي السلام، فعود طلابه على ذلك، وكان يحثهم عليه حرصًا على تطبيق السنة وتأليف القلوب.

12- الحرص على وحدة الكلمة: وهذا من أهم ما كان ينميه في قلوب طلابه لعلمه بأهميتها، ووحدة الكلمة مطلب ضروري للمسلمين، وخاصة للعلماء وطلاب العلم، وكلما كان المسلمون حريصين على وحدة الكلمة توحدت الأمة وقويت صلتها فيما بينها.

13- طاعة أولياء الأمور في المعروف: وهذا ما كان ينميه أيضًا في قلوب طلابه، لما ورد فيه من النصوص الكثيرة التي تأمر بذلك، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩].

وكان رحمه الله يتكلم في هذا الأمر دائمًا، ويملي عليهم النصوص الشرعية الواردة في ذلك ليطمئن قلوبهم، وليَشُدَّ على أَزْرِهم لخوفه الشديد عليهم من الفِتَنِ التي تَعْتَرِيهم، والأفكار الشاذة التي تواجههم، وكثيرًا ما كان يوجههم إلى عدم الخروج عن طاعة ولي الأمر، والتمسك بغَرْزِه، والالتزام بالنظام في صغار الأمور وكبارها، ويؤكد لهم أن هذا هو منهج أهل السنة والجماعة.

14- الحرص على موافقة السنة: وهذا ما كان عليه دائمًا رحمه الله، فقد كانت طاعته لربه، وأخلاقه، ومعاملاته، ورفقه وحِلْمه، ونصحه كلها ناتجة عن تمسكه بالسنة، وقد كان يقول رحمه الله ناصحًا لمن حوله: (موافقة السنة أفضل من كثرة العمل)([115]).

15- كثرة الاستغفار عند نزول النازلة: وقد كان يرى عليه ذلك رحمه الله، وكان يَحُثُّ الناس جميعًا على كثرة الاستغفار والتوبة إلى الله عند نزول أي نازلة، وكان دائمًا حريصًا على ربط طلابه بالواقع الذي يعيشونه، ويخوفهم بالله، ومن عذاب الله، وكان يوضح لهم ذلك من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فكان لذلك الأثر الكبير عليهم.

16- المناصحة الدائمة لهم: وكان هذا منهجه دائمًا سواء مع طلابهِ، أو مع سائر الناس، يقول الدكتور عمر بن عبد الله المقبل عن الشيخ في ذلك: “ولا أنسى مرة حيث استدعى طالبًا كان يدرس معنا -وهو حليق- وأخذه الشيخ على جنب، وفهمت من زميلي أن الشيخ نصحه عن حلقها، فكان لذلك أثر فيما يظهر، لأن الأخ أعفاها بعد بضع سنوات من ذلك الموقف”([116]).

وكان يحذر طلابه من النظر إلى ما حرم الله، ويوصيهم بالبعد عن كل ما يؤثر على قلوبهم، وطاعتهم لله، وخاصة في طريق طلب العلم، ومن أقواله رحمه الله في ذلك: “وكم نظرة أوقعت في قلب صاحبها البلابل، كما قاله الإمام أحمد”([117]).

17- تحديث الناس بما يعرفون: وهذا كان منهجه، وخاصة أن هذا العلم فيه من المجمل ما يصعب على العامة فهمه، فكان حريصًا على توجيه طلابه بعدم التحدث مع الناس بما لا يعرفون وخاصة في مسائل العقيدة التي تلتبس على كثير من الناس وخاصة في مسائل الأسماء والصفات.

18- عدم الاختلاف فيما يسوغ الاختلاف فيه: وهذا راجع لقناعته بوجود اختلاف بين الأئمة والفقهاء، وخاصة في فروع الشريعة، وهذا ما كان دائمًا ينصح به الشيخ رحمه الله طلابه، ويحضهم عليه، ويؤكد أهميته.

19- الانضباط في المواعيد وحسن استغلال الوقت فيما ينفع ويفيد: وهذا ما كان فيه الشيخ رحمه الله قدوة لمن حوله، ومعلوم أنه لا يمكن قبول النصيحة من أحد إلا إذا كان يأتي بها كما يأمر، والناظر لأحوال الشيخ يجد حرصه الشديد على انضباطه بمواعيده سواء كان ذلك أثناء علمه في الكلية أو في غيرها مع طلابه وغيرهم.

وقد كان لي موقف مع شيخنا رحمه الله في أول دعوة له لي في بيته، وقد بسطته في كتابي (لقاءاتي مع الشيخين)، وهذا الموقف كان له أثر علي في حياتي في ضبط المواعيد ودقتها والالتزام بذلك قدر المستطاع.

20- التحذير من الحسد: وهذا ما كان ينبه عليه الطلاب دائمًا، لئلا يقع منهم ذلك فيما بينهم، أو في خارج الكلية، ويخبرهم بأن الحسد من أشد أمراض القلوب التي تقعد بصاحبها عن طلب معالي الأمور، ويوصيهم دائمًا بحب الخير لمن حولهم، والدعاء لمن فضلهم الله عليهم.

21- التحذير من العجب بالنفس، ومجاهدتها على طلب الإخلاص: وكان ذلك من أهم وصاياه، لأن الإنسان يقعد به الطريق إذا كان العجب في قلبه، ولضرورة وأهمية الإخلاص كان يوصيهم دائمًا بطلب العلم لوجه الله لكي يكون له ثمرة في حياتهم.

المطلب الثاني: حرصه على نفع الطلاب:

كان رحمه الله تعالى من أحرص الناس على نفع طلابه، وخاصة فيما يرتبطون به من العلوم التي يقوم بتدريسها لهم، وقد كان قويًّا في شرحه لهم، باذلًا كل ما يملك في سبيل نفعهم، وقد ظهر ذلك جليًّا فيما يلي:

1- استغلاله لوقت المحاضرة لإفادة الطلاب من المادة العلمية التي تشرح لهم: وهذا يتبين منذ دخوله لقاعة المحاضرات حتى انتهائه من الدرس، فيبدأ عند دخوله بالسلام، ثم يسأل عن الدرس السابق، أو عن بعض الأمور المتعلقة بالدروس الماضية، وكان يربط الطلاب بدرسه ربطًا عظيمًا، ويستغل كل دقيقة لنفعهم.

2- حرصه على انتظام القاعة: وهذا أيضًا ما كان يراه عليه الطلاب، فإذا دخل الطلاب إلى قاعة الدرس أوصاهم بالهدوء، وبالجلوس في أماكنهم وعدم التحدث إلا فيما يرتبط بالدرس، وإذا كان هناك طالبٌ يريد شيئًا سمح له الشيخ في حدود ما يراه مناسبًا.

3- حرصه على إيضاح مادة الدرس بتسهيلها، وتفكيك ما يصعب عليهم من عباراتها لتحصيل فهمها، والوصول إلى إتقانها وثباتها.

4- حرصه على أن يكون قارئ الكتاب جيد اللسان، فصيح العبارة، وهذا يتم عن طريق اختيار من عنده المهارة في النطق والإلقاء والتمكن من اللغة، لأن عبارات الكتب في بعض الأحيان لا تكون مُشْكِلة، فإذا لم يكن القارئ متمكنًا من ذلك كثرت أخطاؤه، وهذا مما جعل كثيرًا من طلابه الحاضرين له يجتهد في تعلم علوم اللغة العربية.

5- إعطاؤه الفرصة لطلابه للسؤال والبحث والاطلاع، فكثيرا ما كان يوصي طلابه بعمل أبحاث ورسائل حول بعض المسائل أو النوازل الفقهية الجديدة التي تحتاج إلى بحث وتدقيق، وهذا الأمر جعلهم يحرصون على كثرة الاطلاع والقراءة، وسؤال أهل العلم.

6- تقريبه للمادة العلمية للطلبة وذلك بضربه الأمثلة: وهذا من الأمور التي كان يعرف بها شيخنا رحمه الله، وهذا دَيْدَنُه ومنهجه، فلا يزال رحمه الله يضرب الأمثلة حتى تقرب المسائل ويصل الطالب إلى فهمها، ومعرفة دليلها، لتثبت بعد ذلك في ذهنه.

7- تهذيبه واختصاره لما يحتاج إلى ذلك من المواد التي يقوم بتدريسها، وخاصة لبعض الكتب المشهورة بقوة أسلوبها وصعوبة ألفاظها، ومن تلك الكتب: كتاب (تقريب التدمرية) الذي كان يشرحه لطلابه بالكلية، وتلخيصه لكتاب (الحموية) لطلاب المعاهد العلمية، ومذكرة في الفقه لطلاب الكلية.

8- بعده عن المنازعات وكثرة الجِدال: وهذا ما كان عليه الشيخ دائمًا، وكان يوصي به طلابه، ويخبرهم بأن المنازعات مع كثرة الجدال دائمًا توصل إلى الشَّحْناء والتباغض، وربما أوصلت إلى قطع الصلات والأرحام، وسببت الهجر والقطيعة.

9- عدم السماح بذكر الأسماء أثناء الدرس، وخاصة عند وجود من يخالف الدليل: وهذا معروف عند الشيخ لحرصه الشديد على ذلك، فإذا ذكر طالب من طلابه قول أحد العلماء، أو قول بعض طلبة العلم في مسألة معينة وكان هذا القول مجانبًا للصواب، نَهَرَهُ الشيخ وأمره بأن يتوقف عن ذكر أي شخص حتى ولو خالف في شيء مما فيه خلاف بين العلماء.

10- حرصه رحمه الله على ترتيب المعلومة، وهذه من أهم أساسيات الفهم التي توصل المادة العلمية إلى الطلاب، وتكون سببًا في ثباتها، لأن عدم ترتيب المعلومة يسبب عدم ثبات المسائل التي تعرض عليه، فتختلف عليه المعلومات، ويضيع عنده الفهم.

11- تركيزه رحمه الله على الاستنباط عند عدم وجود الدليل على المسألة، وهذه لا يقدر عليها إلا العلماء الراسخون في العلم.

12- نَبْذُهُ للتقليد المذموم وكراهته له، وتحذير طلابه من مَغَبَّتِه وشره، بل يوصيهم دائمًا بالاعتماد على الدليل الشرعي الصحيح.

13- عنايته بتطبيق القواعد على النصوص، وهذه أيضًا مما لا يستطيعه أحد سوى من وفقه الله لحفظ القواعد الشرعية التي ينبني عليها الاستنباط والحكم عليها.

14- عدم اشتغاله رحمه الله بالمسائل النادرة التي تُوقِع الناس في الشك والحرج، وكان أيضًا يترك الغرائب لئلا يُلَبِّسَ على الطلاب أمر دينهم.

15- عدم إيجابه شيئًا من الدين إلا بدليل، وهذا ما كان يقوي جانبه لدى الطلاب عند حكمه على المسائل التي يدرسها لهم، وهذا أيضًا مما كان يقوي محبة الطلاب له لعلمهم بحرصه على صحة الدليل.

16- كان رحمه الله يأخذ بالاحتياط في فهم الأدلة عند حكمه على المسائل، لكونها لازمة لما اقتضته الشريعة.

17- كان رحمه الله  يُعرف بأسلوبه الهادئ عند مناظرة أحد طلابه له، بل يحرص أشد الحرص على إيصال الحق سواء كان له أو عليه.

18- مراعاته للمسائل المختلف فيها إذا كان لها حظ من النظر.

19- كان رحمه الله كثيرًا ما يوجه الطلاب إلى أن الحق لا يُعرف بالرجال، بل يُعرف الرجال بالحق، وهذا ما سار عليه رحمه الله، فلا يهمه كثرة المتكلمين بالعلم الشرعي، بل الذي يهمه هل هذا العلم موافق لما جاء في الكتاب والسنة أم لا.

20- كان رحمه الله أيضًا يوجه طلابه إلى الاعتماد على الاستدلال ثم يعتقدون، لا أن يعتقدوا ثم يستدلوا، لأن الدليل الشرعي هو أساس الملة، ومن قدم الاعتقاد على الدليل خالف الدين.

21- كان رحمه الله إذا رأى ما يعجبه من الدنيا وبهرجها يقول: (لَبَّيْكَ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشَ الآخِرَةِ)([118])، فكان طلابه يستمعون لتلك الكلمات وهي تخرج من فيه فيكون لها الأثر الكبير في قلوبهم وفي حياتهم المستقبلية.

22- وكان رحمه الله يعتني بالقواعد والأصول الشرعية، ثم يقوم بالتفريع عليها، وتعويد الطلاب على ذلك.

23- كان رحمه الله يعتني بالفروق والتقاسيم.

24- كان أيضًا يبين مقاصد الشريعة وأسرارها.

25- كان رحمه الله مشهودًا له بحسن إلقائه وصياغته للمادة العلمية، مع جمال الطرح والأسلوب.

26- أخذه رحمه الله بأسلوب الاستفهام، وهذا كان مشهورًا عنه في عامة محاضراته بالكلية، أو خارجها، وكان أيضًا يلتزم صفتي الترغيب والترهيب لتعليق القلوب بالله تعالى.

27- كان رحمه الله يشتهر بقوته في الترجيح، والتَّعْوِيل على المرجِّحات المعتمدة عند المحققين، فلا يميل لقول أحد إلا إذا وافق الكتاب والسنة، وهذا مما جعل طلابه يقتدون به في ذلك، فلا يرجحون أحدًا منهم تقليدًا أو سيرًا وراء قول شاذ، إنما يرجحون اعتمادًا على الأدلة الشرعية الصحيحة.

المطلب الثالث: غرسه للإخلاص والقيم الإسلامية في نفوس الطلاب:

الإخلاص عزيز على النفوس، ولا يستطيعه إلا خَوَاصُّ الناس ممن يعرفون الله حق المعرفة، ومن هؤلاء شيخنا رحمه الله، فقد كان يحرص كل الحرص على أن يكون عمله خالصًا لله، وهذا ما كان يظهر من تعاملاته، وتدريسه، ودعوته، ونصحه.

وقد كان جلُّ همِّه رحمه الله تقوية هذا الجانب في نفوس طلابه، وتشجيعهم على التمسك الشديد به، فالإخلاص هو أساس الأعمال، وهو المحرك على تقوية الهمة في طلب العلم وبذله للناس، وهو الذي يدفع صاحبه للعمل به، وتطبيقه في حياته.

وقد كان من قوله رحمه الله لطلابه في حديثه عن الإخلاص: “أنه لُبُّ الإسلام وخُلاصة الدين”([119]).

وكان رحمه الله يزرع في نفوس طلابه الثقة بالنفس، وعدم التحقير للذات، ويبتعد عن النقد اللاذِع عند وقوع أحدهم في الأخطاء، وكان أيضًا لا يحتقر أحدًا منهم، بل كان يعامل الجميع معاملة واحدة دون تفضيل أحد على أحد.

ولعل مما يوضح ذلك ويُجَلِّيه متابعته المستمرة لطلابه في السكن، والتأكد من سِيرتهم وخُلُقهم داخل السكن وخارجه، وإذا بلغه أمر عن أحدهم تأكد وتثبت بنفسه ثم عالج الأمر بما يراه مناسبًا، مع التوجيه العام والخاص في الدرس وخارجه، وهكذا داخل قاعة الدراسة.

المطلب الرابع: جهوده وآثاره في التعليم الجامعي:

الشيخ رحمه الله كان قمة في النشاط والعمل، وكانت جهوده ظاهرة للعيان، وخاصة داخل أروقة الجامعة.

فهو من أحرص الناس على وقته داخل الجامعة، بحيث يستفيد منه الطلاب والإداريون وغيرهم، فعندما يدخل من باب الجامعة وينزل من السيارة يستقبله الطلاب، ويلتفون حوله، ويستفيدون من علمه، إما بسؤال عن فتوى، أو بتحرٍّ عن مسألة معينة، أو السؤال عن كيفية طلب العلم، أو كيفية الاستفادة من العلوم التي تدرس لهم واستغلالها في الدعوة إلى الله.

وكان رحمه الله عاملَ توازنٍ مُهِمًّا لمجلس الكلية، حيث إنه كان يحضر جميع جلسات المجلس ما لم يكن عنده عذر من سفر أو مرض، أو انشغال بأمر ضروري، وإذا حصل له عذر كتب ورقة لعميد الكلية يوضح اعتذاره وظرفه، وقد يتصل أحيانًا لأنه يرى أن هذا من تمام العمل والقيام بالمسؤولية.

وكان رحمه الله يضفي على المجلس الوَقَار والجِد، حيث يجلس بين إخوانه المشاركين له والجميع ينتظرون منه التحدث، والتوجيه، والرأي والمشورة.

وكان مجلس الكلية عند اعتذار الشيخ يؤجل بعض الموضوعات المهمة التي غالبًا ما ترفع إلى الجامعة حتى حضوره، وخاصة فيما يرتبط بمناهج الكلية، وقراراتها المهمة التي تخص مسيرة الكلية وعملها، فالقرار الذي فيه توقيع الشيخ لا يُرَدُّ، بل يُحقَّق حتى ولو كان ثقيلًا على الجامعة.

يقول الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن محمد الحجيلان أستاذ الفقه في جامعة القصيم: “كانت جهوده في الجامعة ظاهرة، فهو يعتبر المرجع العلمي لجميع منسوبي فرع الجامعة، وهذه الجهود واضحة في الدروس التي كان يلقيها على طلابه في قاعة الدراسة أو أثناء المحاضرات العامة في القاعة الكبرى في فرع الجامعة، والتي كانت دورية، وكنت المسؤول عن تنظيمها، والتقديم للشيخ، وطرح الأسئلة عليه فيها حينما كنت وكيلًا لعمادة القبول وشؤون الطلاب لشؤون الطلاب في الفرع”.

وقال أيضًا: “كان الشيخ رحمه الله يتواصل مع العمداء والوكلاء في فرع جامعة الإمام في القصيم، ويشد من أَزْرِهم، ويساعدهم على حل ما قد يعترض مسيرة الكلية، وقد زارني عدة مرات في مكتبي حينما كنت وكيلًا لعمادة القبول وشؤون الطلاب، سائلًا عن العمل، وحاثًّا على بذل الجهد”([120]).

وكان رحمه الله يستغل المناسبات في التذكير والدعوة إلى الله، ويوجه إلى الحرص على تعلم أمور الشرع الحنيف؛ لأن فيه النجاة لمن تمسك به.

وكان رحمه الله يحضر الندوات واللقاءات التي كانت تقيمها الجامعة، ويحرص على حضورها، وكان يلقي فيها المحاضرات، والكلمات، وينبه ويوجه، ويوصي الطلاب ببذل المزيد من الجهد، والحرص على طلب العلم، وكان يثني على الطلاب المتفوقين، ويشد من أَزْرِ الطلاب الضعفاء ويَحُثُّهُم على الاجتهاد.

وكان رحمه الله هاشًّا باشًّا في وجوه طلابه، حريصًا على نفعهم دائمًا، سواء من الناحية العلمية أو الخُلقية، فكانوا يستبشرون بقدومه، ويحبون لقاءه، ويتوددون إليه لخدمته.

وكان إذا تَغَيَّبَ أحد طلابه سأل عنه، واستفسر عن سبب غيابه، وربما اتصل عليه، وسأل عن صحته، وإذا كان الطالب محتاجًا للمساعدة بادر إلى قضائها، وأوصى بزيارته، وحَثَّ زملاءه على ذلك.

وكان رحمه الله يبذل قُصَارى جهده في تدريسه للمادة العلمية من أجل نفع الطلاب، وتثبيتها لديهم، وكان حريصًا على مناقشتهم، والتحاور معهم، لينتبه الغافل، ويجتهد المقصر.

وكان من حرصه أيضًا تشجيع الطلاب على الاجتهاد، والبحث، والتحري في سائر المواد التي تُدَرَّسُ لهم، لكي يحصلوا على أكبر كَمٍّ من الخبرة في ممارستهم لتلك المواد.

وكان يوجه دائمًا بالإكثار من عمل الرسائل والأبحاث لكي يقوي في نفوسهم أهمية البحث، والسؤال عما يغلق عليهم من المسائل الشرعية، وخاصة المختلف فيها بين الأئمة.

المطلب الخامس: مواقف خاصة للشيخ في التعليم الجامعي والتعامل مع الإداريين والطلاب:

دائمًا ما يكون للعالم العامل مواقف مع الناس، وخاصة في محيط عمله بالكلية مع الطلاب والإداريين، وكم مرت من مواقف لشيخنا تبين مدى حِرصه على الخير والدعوة إلى الله، وإدخال السرور على من حوله، وتبين حسن أخلاقه، ورفيع تواضعه.

وكان شيخنا رحمه الله دائم التواصل مع الإداريين من عمداء ووكلاء الكلية، يشد من أَزْرِهم، ويساعدهم فيما يعتريهم من صعوبات ومشاكل سواء كان ذلك داخل الكلية أو خارجها، وكان حريصًا أشد الحرص على مصلحة الكلية وسيرها إلى الأفضل والأحسن، والرفع من مستوى طلابها، والسعي الحَثِيث لتقوية أواصر الأسرة الواحدة بين الأساتذة والطلاب والإداريين.

وللشيخ مواقف كثيرة تبين مدى حرصه وشفقته على من حوله، ومن تلك المواقف تواصله مع زملائه سواء الأساتذة أو الإداريون، وتوجيههم، ونصحهم، وإرشادهم لما فيه المصلحة للجميع، ومن ذلك:

يقول الأستاذ الدكتور عبد العزيز الحجيلان حفظه الله: “كان الشيخ رحمه الله يتواصل مع العمداء والوكلاء في فرع جامعة الإمام في القصيم، ويشد من أَزْرِهم، ويساعدهم على حل ما قد يعترض مسيرة الكلية، وقد زارني عدة مرات في مكتبي حينما كنت وكيلًا لعمادة القبول وشؤون الطلاب سائلًا على العمل وحاثًّا على بذل الجهد، وأذكر من المواقف أني أجريت عملية جراحية عام 1419هـ فتأخر اللقاء الدوري عن موعده، فسأل عن السبب، فذكر له أني مريض، وأنا الذي أنظم اللقاء، فاتصل بي مباشرة يسأل عن صحتي، وسألني هل أحتاج مساعدة؟ وكان كلما رآني بعد سأل عن صحتي، فجزاه الله عني خير الجزاء”([121]).

ويقول الأستاذ الدكتور خالد بن علي المشيقح – حفظه الله – عن شيخنا رحمه الله: “من ذلك زيارته لطلابه، وأذكر من ذلك زيارته للشيخ إبراهيم الدبيان في بريدة لما مرض، ومن ذلك سؤاله عنهم، ومن ذلك اتصاله علي بالهاتف لما أصيب أحد أبنائي بحادث سيارة”([122]).

ويقول الدكتور عمر بن عبد الله المقبل – حفظه الله – عن شيخنا رحمه الله: “أتذكر أن أحد الموظفين شكا له تأخر ترقيته كثيرًا، فكلمه الشيخ رحمه الله بكلمات يثبته فيها ويصبره، ويذكر له أمورًا من هذا الباب، وكتب له الشيخ ورقة يثني بها عليه، فيقول لي الموظف: إن الورقة التي كتبها الشيخ في تزكيتي أحب إليَّ من الترقية كلها”([123]).

ويقول أيضًا – حفظه الله – عن شيخنا رحمه الله: “تشرفت عدة مرات بنقل الشيخ من وإلى عنيزة والمذنب، وكان في أثناء الطريق يباسطني في الحديث، ويفتح لي صدره، ولا يقتصر ذلك على سماع أسئلتي والإجابة عليها، بل يحدثني بأمور كانت في أيام صِباه المبكر ثم في أيام شبابه وكهولته، حين كان يزور جدِّي رحمه الله الشيخ محمد بن صالح المقبل، وما زلت أحتفظ ببعض القَصص”([124]).

ومن صور عدله وإنصافه رحمه الله في تعامله مع الإداريين، تلك الوقفة التي تبين مدى حرصه على مصلحة الكلية دون مصلحة العاملين فيها.

يقول الدكتور عبد الله بن حمد اللحيدان – حفظه الله – عن شيخنا رحمه الله: “أذكر منها ما يدل على عدله وإنصافه رحمه الله وتقديمه المصلحة العامة على الخاصة: تقدم إليه أحد المعيدين يريد الانتقال إلى قسم آخر، وكان من طلابه البارزين، فحرص رحمه الله على نقله إلى قسم آخر، والشفاعة له عند عميد الكلية، فقلنا له: طلبك يا سماحة شيخنا نعتبره أمرًا وسننفذه، ولكن هذا سيؤثر على القسم الذي سينقل منه، لأنه غير مرغوب فيه، وسنضطر إلى إغلاقه أو استمرارية التعاقد والأمر لك، قال رحمه الله: لا، لا، يجلس كغيره إذا كان الأمر كذلك”([125]).

ويقول أيضًا – حفظه الله – عن شيخنا رحمه الله: “صليت معه بعد مجيئه من رحلة العلاج في جامع عنيزة، وبعد ما سلمت عليه والناس حوله، قال لي: انتظر، فانتظرت حتى انتهى الناس، فقال لي: أنا أتقاضى راتبًا من الكلية وأنا الآن لا أعمل، فهل يحل لي ذلك؟ قلت: يا شيخ مثلك لا يُسأل، ولك حق سابق، ثم المريض له أحكام حتى في الراتب، ثم هل توقفت عن العمل؟ قال: جزاك الله خيرا، جزاك الله خيرا”([126]).

ويقول الدكتور صالح التويجري -حفظه الله- عن الشيخ رحمه الله: “أذكر أن موظفًا لم يُؤَدِّ ما وكل إليه من أعمال، وطلب الأعضاء والعميد الكتابة عن وضعه، وكان الشيخ في موقف حرج خوفًا أن يتضرر هذا الموظف، ولكنه أمر بالكتابة عن هذا الموظف أداءً للأمانة، ثم كتبنا عنه وحين التوقيع آثرت أن لا أحرج الشيخ، فوقعت عنه الخطاب، فلما رآه قال: “فرج الله عنك” كررها مرتين، كل ذلك حرصًا على مصلحة هذا الموظف” ([127]).

ومن المواقف التي تُذكر عن الشيخ مع طلابه يقول الدكتور أحمد الخليل حفظه الله: “من تلك المواقف: تشديد الشيخ على من لم يقدر آثار الصحابة، ومن ذلك توبيخه من رد أثر عثمان في الأذان الأول للجمعة توبيخًا شديدًا”.

ويقول أيضًا – حفظه الله- عن شيخنا رحمه الله: “حين مرض أحد الطلاب وقف معه الشيخ موقفًا إيجابيًا حيث كلم المسؤولين وسعى له في دخول المستشفى، فأثر ذلك فيه وفي غيره ممن علم بالقصة”([128]).

ويقول الدكتور عبد الرحمن بن سلامة المزيني -حفظه الله- عن شيخنا رحمه الله: “أثناء عمادتي للكلية أذكر موقفين لا أنساهما، تعلمت منهما الشيء الكثير: الأول: أنه رحمه الله  أثناء حضوره لاجتماعات هيئة كبار العلماء لا يذهب حتى يأتي إلي في المكتب ويستأذن مني للذهاب، فأتعجب كيف تستأذن مني يا فضيلة الشيخ؟ فيقول: أنت العميد، والمسؤول في هذه الكلية. الثاني: في أحد مناسبات الفرع وأظنه حفل التخرج مررت عليه في المنزل وصحبته إلى موقع الحفل، ولما انتهى الحفل في ساعة متأخرة من الليل انصرفت أنا وإياه، وأثناء خروجنا من المبنى خرجت من مسار الدخول مخالفًا نظرًا لكونه أقرب، ولقلة السيارات، فعاتبني رحمه الله ، وقال لي: كيف تخالف قواعد السير، فقلت ليس هناك سيارات، فقال: حتى ولو كان كذلك لا يجوز لك أن تخالف، رحمه الله رحمة واسعة” ([129]).

ويقول الدكتور خالد بن سليمان المزيني -حفظه الله- عن شيخنا رحمه الله “كنت أيام الدراسة في كلية أصول الدين أخرج بين المحاضرات لأقف في الممرات مع بعض زملائي للحديث واستعادة النشاط، وطرد الملل، وفي يوم من هذه الأيام وقفت مع بعض الزملاء في الممر وكنا نتحدث، فإذا بصوت ينادي خالد، فسمعت الصوت ولم ألتفت إليه لكثرة من يتسمى بخالد، فكرر النداء مرارًا فالتفتُ فإذا هو الشيخ يناديني، فأقبلت عليه وسلمت، وقبَّلت رأسه، فسألني هل أحضرت سيارتك إلى الكلية؟ فقلت: نعم، فقال: أريدها للذهاب بها إلى بريدة لمؤسسة العجو لشراء آلة تصوير؛ لأني لا أريد أن أستعمل سيارة المعهد العلمي في غرض شخصي، فاستأذنته في الذهاب معه ومع السائق، فأذن لي، فذهبنا إلى العجو واختار الآلة التي يريد، ودفع ثمنها، وقالوا له: نحضرها لك عصرًا، ثم عدنا إلى الكلية، فركب مع السائق سيارة المعهد عائدين إلى عنيزة ودخلت الكلية لإكمال بقية محاضراتي، فهذا المثال يظهر مدى ورع شيخنا رحمه الله عن الأموال العامة”([130]).

فهذه نُبْذَة مختصرة عن سمات وجهود شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، وما بذله من معطيات للجامعة، وللطلاب، وبعض المواقف التي مرت به في الكلية مع الطلاب والإداريين، وقد بينا فيها مدى صدقه، وعلو همته، وحرصه على بذل الخير لكل من حوله.

الخاتمة

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، والصلاة والسلام على رسولنا محمد خير البريات، وبعد:

فإن الناظر إلى سير العلماء العاملين يجد العجب العُجاب من قوة علمهم، وحسن أخلاقهم، وشدة كِياستهم، وفِطنتهم، وحبهم للخير، وبذلهم الغالي والنفيس من وقتهم وجهدهم في خدمة الإسلام والمسلمين.

ومن أراد أن يَتَأَسَّى فَلْيتأسَّ بمن مات، فإن الحي لا يُؤْمَنُ عليه الفتنة، وإنه من خلال حديثي عن شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في الصفحات الماضية خرجت ببعض النتائج والمقترحات، ومنها ما يأتي:

1- أن شيخنا العثيمين – رحمه الله رحمة واسعة – طلب العلم صغيرًا، وجاهد وثابر حتى ارتقى في سلك العلماء العاملين الذين تركوا خيرًا كثيرًا، وورثوا ميراثًا كبيرًا، وقدموا للإسلام خدمات عظيمة وجليلة.

2- عُلم من سيرته رحمه الله أنه إمام فاضل، وعالم متواضع، وأستاذ رائع، وأنه فقيه الأمة، وعالم الملة، المتبع للأثر، المتمسك بالدليل، السائر على نهج السلف، استفاد منه الطلاب والمدرسون والإداريون أثناء فترة تدريسه بالجامعة، بل استفاد منه كل من عايشه وعاصره داخل أَرْوِقة الجامعة وغيرها.

3- انتفع بشيخنا رحمه الله القاصي والداني، وبَزَغَ نَجْمُه بين أقرانه، ونُشِرَ علمه بين الأنَام، وتميز بالصدق في مسيرته، والإخلاص في قوله وعمله، وتميز منهجه في تدريسه لطلاب الجامعة بأسلوبه المميز، وطريقته السهلة، حتى نال محبة الطلاب، واستفادوا من عطائه وتوجيهاته.

4- أحبه الطلاب لتواضعه وصدقه، وتطبيقه العلم على نفسه، فكان قدوة صالحة، فرفع الله ذِكْره بين طلبته، فقبلوا منه العلم لإخلاصه وفضله، وعلو همته وجهده.

5- كان حريصًا على نفع طلابه، فكانت توجيهاته لها الأثر الكبير على تحصيلهم للعلم، والاجتهاد في طلبه.

6- حرصه رحمه الله على غرس الإخلاص والقيم الإسلامية في نفوس طلابه.

7- ظهرت توجيهاته رحمه الله على طلابه، وأنبتت شجرة إخلاصه الثمرات، فتخرَّج على يديه الكثير ممن تَبَوَّؤُوا أرفع المقامات، واحتلوا مكانة عالية في صفوف المجتمع.

8- مواقفه رحمه الله مع طلابه وزملائه دلت على وَرَعِه، وحرصه على خدمتهم، والسعي في قضاء حوائجهم.

9- ينبغي على كل مقتدر أن يهتم بكتبه، وأن يعمل على نشرها بين الناس، وأن يبذل الغالي والنفيس في إيصال علمه لمشارق الأرض ومغاربها.

10- القيام بطبع سيرته والتعريف بجهوده ومؤلفاته، وتوزيعها على شتى القنوات والمواقع الإسلامية، سواء المرئية أو المسموعة في سائر بقاع الأرض.

وفي نهاية هذا البحث أشير إلى أن ما سطرته في حق شيخنا -فيما سبق- قطرات في بحر علمه وفضله، وشَذَرَات من سيرته وذِكْره، وما ذكرتُه في تلك الورقات قليل من كثير، ولكن عزائي أني قدمت شيئًا من مواقفه وسيرته، رحمه الله رحمة واسعة.

وأشير إلى أنني حين عزمت على كتابة هذا البحث، قمت بعمل استبانة عن جهود شيخنا رحمه الله من خلال مسيرته العلمية، وخاطبت بعض زملائي وإخواني ممن عايشوا الشيخ أثناء فترة وجوده بالكلية طلابًا وأساتذة وإداريين، فبادر عدد منهم إلى تلبية الطلب، وبذلوا جهدهم في تسجيل ما تذكروه.

فشكر الله لهم ذلك، وجعله في موازين حسناتهم، وجزى الله خيرًا كل من تعاون معي، وشارك بتوجيهه وقلمه.

وقد رتبت أسماءهم حسب وصول الاستبانة منهم:

1- د. عمر بن عبد الله المقبل.

2- أ.د عبد العزيز بن محمد الحجيلان.

3- أ.د صالح بن محمد الحسن.

4- أ.د خالد بن علي المشيقح.

5- د. أحمد بن محمد الخليل.

6- د. عبد الله بن حمد اللحيدان.

7- د. خالد بن سليمان المزيني.

8- د. خالد بن عبد الله المصلح.

9- د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي.

10- د. عبد الرحمن بن سلامة المزيني.

11- د. صالح بن عبد العزيز التويجري.

12- د. عبد الله بن صالح المشيقح.

وهذه بعض نتائج الاستبانة كما أوردها المشاركون فيها:

  • للشيخ نشأة علمية أثرت في حياته، كيف ترى آثار هذه النشأة عليه رحمه الله ؟
  • نشأ الشيخ رحمه الله في بيئة اجتماعية محافظة([131]).
  • حرصه المبكر على طلب العلم([132]).
  • استغلاله الوقت في القراءة النافعة، وحفظ المتون، والجلوس في حلق العلم([133]).
  • حرصه على متابعة دروس شيخه ابن سعدي، ومحاولة الاستفادة من أي فرصة تسنح للاستفادة من علمه، ظهر ذلك في سيره خلف شيخه للمناسبات الاجتماعية حتى يدخل شيخه للمنزل ثم يعود شيخنا أدراجه([134]).
  • تأثره بأسلوب شيخه واستفادته منه في مختلف العلوم، وفي الأسلوب، وطريقة التدريس([135]).
  • كان للشيخ منهج تربوي في التدريس تأثر به كثير من طلاب العلم، كيف يمكن أن تُصاغ معالم هذا المنهج؟
  • كان لشيخنا رحمه الله منهجًا متميزًا في إلقاء الدروس، وترتيبها، ورث جُلَّه من شيخه عبدالرحمن السعدي رحمه الله ([136]).
  • ربانية المنهج: التربية بصغار العلم قبل كباره([137]).
  • ربط العلم بالعمل، والتنبيه على ما يخالف ذلك عند الحاجة([138]).
  • ربط كل مسألة من مسائل العلم وكل جزئية بدليلها الشرعي([139]).
  • إدخال الملح والطرائف العلمية والأدبية في ثنايا الدرس([140]).
  • مناقشة الطلاب بعد إلقائه للمسائل ليتبين مدى استيعابهم المادة العلمية([141]).
  • المراجعة لما شرحه بعد الانتهاء منه([142]).
  • العناية بالدليل([143]).
  • القوة في الترجيح والتعويل على المرجحات المعتمدة عند المحققين([144]).
  • احترام الأئمة الكبار والأدب معهم([145]).
  • عنايته بالوقت، وانضباطه، وإيضاحه للمادة العلمية([146]).
  • ما أبرز الجوانب التي استفدت منها من طريقة الشيخ في تدريسك للعلوم الشرعية؟
  • الاعتناء بالدليل([147]).
  • الترتيب الذهني للدرس، وطريقة العرض الموضوعية([148]).
  • أسلوب الشرح بالحوار مع الطلاب ومشاركتهم في الدرس لضمان الحضور الذهني منهم، واستيعاب المادة العلمية([149]).
  • تكليف الطلاب ببحث بعض المسائل لتعويدهم على الرجوع إلى كتب أهل العلم وطريقة البحث منها([150]).
  • محاولة الإفادة من طريقته في الربط بين النصوص وعدم اللجوء إلى اطِّراح الأدلة ما أمكن([151]).
  • العناية بالمتن المشروح وتفكيك عباراته بأبسط عبارة ممكنة([152]).
  • كان للشيخ أسلوب تربوي في التعامل مع طلابه جعلهم يقبلون عليه بشغف، هل تذكر بعض أساليبه؟
  • صلاح الشيخ في نفسه، ومواظبته على الخيرات، فكان قدوة حسنة ومحبوبًا بها([153]).
  • رسوخه في العلم([154]).
  • تذليل العلم؛ فلا أعلم أحدًا في هذا العصر ذلَّل العلم كما ذَلَّلَهُ شيخنا رحمه الله ([155]).
  • حسن الإلقاء والصياغة، وجمال الطرح والأسلوب([156]).
  • الأخذ بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في التربية، كالأخذ بأسلوب الاستفهام، والترغيب والترهيب([157]).
  • المداعبة لطلابه في كثير من المناسبات، والرِّفْق بهم([158]).
  • تلمس حاجاتهم العلمية والخاصة([159]).
  • كان الشيخ رحمه الله يركز على مجموعة من النصائح التربوية في دروسه ولقاءاته العلمية، فهل تذكر شيئًا منها، وفي تقديرك ما سبب التركيز عليها؟
  • التنبيه المستمر على الإخلاص، وإصلاح القلب، وتنقيته من الشوائب([160]).
  • الحرص على التدرُّج في طلب العلم([161]).
  • سلامة الصدر، وإفشاء السلام، والحرص على وحدة الكلمة([162]).
  • التأكيد على حفظ المتون، وأنه الذي يبقى مع طالب العلم ويرجع إليه([163]).
  • كان يركز على مسألة الرِّفق واللين في التعامل مع الناس([164]).
  • بذل العلم ونفع الخلق([165]).
  • الحرص على موافقة السنة([166]).
  • حَثُّهُم على الاستمرار في طلب العلم وعدم الانقطاع عنه([167]).
  • التحذير من الخِلاف، والدعوة إلى اجتماع الكلمة بين العلماء والوُلاة والدعاة([168]).
  • السمع والطاعة لوُلاة الأمور بالمعروف([169]).
  • كان للشيخ جهود معروفة في التعليم الجامعي، هل تذكر شيئًا منها في ضوء الآتي:

أ – جهوده في الدعوة إلى الله داخل الجامعة:

  • الشيخ هو المرجع العلمي لجميع منسوبي فرع الجامعة([170]).
  • النصح عمومًا وخصوصًا للطلاب([171]).
  • إلقاء المحاضرات العامة في الجامعة، وما يرتبط بها من أنشطة كالمخيمات، وزيارة طلاب الدفعات المختلفة في رحلاتهم الدورية في ضواحي القصيم([172]).

ب – جهوده في أداء المادة العلمية:

  • تحضيره العلمي للمادة فهو يغرف من بحر، وقد وفقه الله لإتمام مناهج الفقه في كلية الشريعة، ثم شرع في إتمام مناهج العقيدة في كلية الشريعة وأصول الدين جميعها([173]).
  • التزامه بمواعيد المحاضرات، واستغلاله لأوقاتها في إفادة الطلاب.
  • اتسم أداؤه بالحَزْم والجِدِّ، والدقة في وضع الأسئلة وتقويم الطلاب([174]).
  • تفكيكه الدقيق لعبارات الكتاب الذي يشرحه([175]).
  • الرغبة في الالتزام بنِصَاب تدريسي([176]).
  • تقريب المادة العلمية للطلبة بضرب الأمثلة([177]).

ج – جهوده في القسم العلمي (قسم العقيدة):

  • وضع الخطط والمناهج لبعض المقررات الشرعية للكلية([178]).
  • رئاسة قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة([179]).

د – جهوده في مجلس الكلية:

  • حضور جميع جلسات المجلس ما لم يكن مسافرًا([180]).
  • يُضْفِي على المجلس الوَقار والجِدِّ([181]).
  • له أثر متميز في صياغة وترتيب واختيار مناهج الكلية([182]).
  • كان دقيقًا في ضبط النظام حريصًا على إنهاء الأعمال([183]).
  • يتبنى قضايا القسم العلمية والإدارية([184]).
  • التواضع والاحترام لمن هم أصغر منه سنًّا وقَدْرًا([185]).
  • كان لعضويته في مجلس الكلية الأثر الكبير في سَبْرِ قرارات المجلس وتوجيهاته، فتخرج تلك القرارات حكيمة ذات نظرة ثَاقِبَة([186]).
  • للشيخ مواقف خاصة مع بعض الإداريين في الجامعة، هل تذكر بعضًا منها؟
  • قد تم ذكرها في صُلْبِ البحث.
  • “لا ينفك خواص أي عالم من العلماء من مواقف خاصة، فهل تذكر بعضًا من تلك المواقف؟
  • قد تم ذكرها في صُلْبِ البحث.
  • يمكنك إضافة أية معلومات أخرى، كما يمكنك إضافة أوراق للتعبير عن رأيك.
  • مقدرته رحمه الله على استيعاب الأطراف المختلفة، والحرص على جمع الشتات وتأليف القلوب([187]).
  • كان بعيدًا عن المظاهر، حازمًا في الأوقات والحقوق([188]).
  • كان لا يتحدث نهائيًا عن أعماله، وجهوده، وخطواته، ونصائحه([189]).
  • له قدرة عجيبة في تنوع العلاقات، كبارًا وصغارًا، علماءً وطلابًا([190]).
  • كان يتجنب الحديث عن الأشخاص المخالفين، ويربط نفسه بالقضية والدليل دون الأشخاص غالبًا([191]).

رحم ، شيخنا، وغفر له، وأسكنه فسيح جناته، وجمعنا وإياه في الفِرْدوس الأعلى من الجنة ووالدينا، وعلمائنا، وأحبابنا، وكل من له حق علينا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

المصادر والمراجع

1-القرآن الكريم.

2-الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1 1419هـ.

3-سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الكتاب العربي ـ بيروت سنن البيهقي الكبرى، أبو بكر، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ، تحقيق محمد عبد القادر عطا.

4-سنن الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق. أحمد شاكر وآخرون.

5-الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين، دار ابن الجوزي، ط1 1422هـ.

6-شرح ثلاثة الأصول، أبو عبد الله محمد بن صالح العثيمين، دار الثريا للنشر، ط4، 1424هـ.

7-صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، دار ابن كثير، بيروت، ط3 1407هـ، تحقيق د. مصطفى الديب.

8-صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، دار الجيل بيروت.

9-كتاب رحلة العلماء في طلب العلم، ماجد إسلام البنكاني، موقع المكتبة الشاملة . لقاءاتي مع الشيخين، أ.د. عبد الله بن محمد الطيار، مكتبة الرشد، الرياض، ط1 1426هـ.

10-مجلة الدعوة، العدد: 1777، شوال، 1421هـ.

11-مستدرك الحاكم، محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا.

12-موطأ الإمام مالك، مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي، ،دار إحياء التراث العربي، مصر، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.

13-نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

 

أهمية العلم للمرأة المسلمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: ١٨].

والقائل: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}  [المجادلة: ١١].

والقائل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩].

والصلاة والسلام على معلم البشرية الخير، القائل في سنته الغراء: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)([192]).

والقائل: (الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ)، والقائل: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ). وبــعـد:

فالحديث عن أهمية العلم للمرأة حديث ذو شُجُونٍ؛ لأن المرأة صاحبة العطاء والموجِّهة في البيت هي المَدْرسة والقُدوة:

الأم مَدْرسة إذا أعْدَدْتَها *** أعددتَ شعبًا طيِّب الأعراق
الأم رَوْضٌ إن تَعاهده الحَيَا *** بالرِّيِّ أَوْرَقَ أيَّما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الأُلَى *** شغلتْ مآثِرُهُم مَدَى الآفاق

لقد أمر الله بالنفور لطلب العلم والحرص عليه قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: ١٢٢ ]، وشجع رسولنا على طلب العلم وسلوك طريقه فقال: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ)([193]).

وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ)([194]).

لكن أيتها الأخوات، ما هو هذا العلم الذي جاء فضله في كتاب الله وسنة رسوله؟ وما نصيب المرأة منه؟ إنه العلم الشرعي الذي يعود على طالبه رجلًا أو امرأة بالخير والبركة في الدنيا والآخرة.

لقد اعتنى الإسلام منذ عصوره الأولى بمسألة تعليم المرأة وطلبها للعلم الشرعي النافع، فقد كانت أم المؤمنين عائشة ك وعن أبيها تروي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبلغها للصحابة، وتجيب على ما يشكل على الصحابة من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهله وداخل بيته، وكانت تبين وتوضح ما يستحيي الرجال من بيانه مما يشكل على النساء وتحتاج إليه.

ولعل من الأدلة على عناية المرأة بالعلم الشرعي مخاطبة تلك المرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتي فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (اجْتَمِعْنَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا)، فاجتمعن فجاء رسول الله، فعلمهن مما علمه الله.

وفي العصور المتأخرة يسر الله سبحانه وتعالى التعليم للمرأة، ففتحت المدارس والمعاهد والجامعات والكليات لكن هل النتائج بقدر ما أُتِيحَ من الفرص؟ الواقع يقول لا؛ فالمتأمل في حال الفتاة يرى أن المتعلمات على أقسام:

الأول: فتيات درسن ثم تخرجن وتركن العلم والدراسة وكل ما يتصل بهما من الوعي والثقافة الشرعية، حتى القراءة المجردة لا تقرأ بعض الفتيات، والعذر هو الانشغال بالبيت والأولاد، لكن الجلسات واللقاءات والعلاقات الاجتماعية حَدِّثْ عنها ولا حرج، والحديث عن الموضات والأزياء، وبعضهن تجلسن الساعات خلف الشاشات الفضية دون فائدة تذكر.

الثاني: فتيات تعلمن ودرسن وتخرجن وتوظفن ولكن حدودها الوظيفة، فبعدها تنحي القراءة والمطالعة والعلم وحب الفائدة والخير، وهذا القسم في الغالب مشغول بوظيفته، وليس له نصيب من العلم الشرعي، لا قراءة ولا سماع أشرطة علمية هادفة.

الثالث: فتيات تعلمن ودرسن وتخرجن لكنهن يعتبرن أنفسهن مثقفات العصر وهن اللاتي جمعن المجلات من كل مكان والروايات والقصص الغرامية وكل سيئ وغريب ومستورد فهو زاد لهؤلاء، وهذه الثقافة المزعومة طريق إلى الهاوية وأمثال هؤلاء النساء أَضَرُّ على المجتمع من أعدائه، وفتياتنا -ولله الحمد- يجللهن الحياء، ويقويهن الرجاء، ولا يرضين إلا بالتَدَيُّنِ مسلكًا، وصدق القائل:

ومن رضي الحياة بغير دِينٍ فقد جعل الفَناء له قريبًا

وهذه الثقافة الغربية سبب للفُحش والعُري والاختلاط، وإذا سَبَرْنَا حال المرأة المسلمة في كثير من البلاد الإسلامية وجدنا ذلك واضحًا للعيان.

ووصيتي إليك أيتها المرأة العاقلة أن تعتني بما يأتي:

1) كتاب الله تعالى:

أول العلوم وأصلها وأساسها كتاب الله، فعليك بقراءته والتدبير في آياته والتفكر في قصصه وعظاته، واغتنام الأجر والثواب، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف، فهذه ثلاثون حسنه مني ثلاثة أحرف”.

وصدق القائل:

سمعتكَ يا قرآن والليل غافل *** سريت تهز القلب سبحان من أسرى
فتحنا بك الدنيا فأشرق صبحها *** وطفنا ربوع الكون نملؤها أجرًا

2) سنة الرسول صلى الله عليه وسلم:

المطلوب منكِ أيتها الأخت الاطلاع على سنة رسول الله، وحفظ ما استطعت منها، وسنتُه كل قول أو فعل أو وتقرير، وصدق الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧].

وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١].

3) العقيدة (التوحيد):

وهو من أشرف العلوم وأرفعها بعد الكتاب والسنة وهذا العالم يربط المرأة بخالقها ارتباطًا خالصًا لا تشوبه الشوائب.

فكم نحن بحاجة إلى دراسة العقيدة صافية خالصة مما ابتدعه الناس وأحدثوه، والإنسان بلا عقيدة كالبهيمة لا يشعر بشيء، ولذا نعى الله على الكفار، وأخبر أنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلًا.

فالذي لا يكون على معتقد صحيح يجري وراء الشهوات والملذات دون رادعٍ أو وَازِعٍ، وصدق الله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: ٥٠].

4) علم التفسير:

وهذا العلم طريقك إلى فهم كتاب الله، فيحسن الاطلاع على كتب التفسير الموثوقة منها المختصرة، ومن أجمل ما وقفت عليه وأحضره وأسهله وأنسبه للفتاة المسلمة تفسير ابن سعدي رحمه الله.

5) علم الفقه:

وهذا العلم تعرفين من خلاله ما يهمك من الأحكام في عباداتك ومعاملات وعلاقاتك، ولعل هذا العلم هو أكثر العلوم حاجة علمية؛ إذ تحتاجه المرأة في كل حين لا سيما أحكام الحيض والطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والعلاقة مع الزوج والأقارب والناس جميعًا.

أنسب الطرق لطلب العلم الشرعي:

1) قراءة الكتب الإسلامية.

2) استماع الأشرطة النافعة.

3) الدروس العلمية وحضورها دوريًّا.

4) الندوات والمحاضرات وحضورها باستمرار.

5) الحرص على قدوة صالحة من أهل الخير والفضل والعلم، وإن تيسر من بنات جنسك فهو أولى وأحرى وأحسن.

أثر العلم الشرعي على المرأة:

 له آثار على نفسها، على بيتها، على أولادها، على علاقاتها مع الآخرين.

ويظهر ذلك جليًّا في حياة المعلمات توجيهًا وتعليمًا وتربيةً للبنات.

 

أثر العلم الشرعي

في حياة المرأة المسلمة

في عهد النبوة وما بعده

والمقدم لمؤتمر

(المرأة في السيرة النبوية، والمرأة المعاصرة، المملكة العربية السعودية أنموذجا)

كرسي الشيخ عبد الله بن صالح الراشد الحميد

جامعة القصيم


مقدمة

الحمد لله رب العالمين، وصلى آله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

لا يخفى على كل ذي لُبٍّ فضل العلم والعلماء، ولذا يدَّعيه كل إنسان لنفسه، حتى الجاهل لا يرضى أن يقال عنه إنه جاهل، بل يفرح حينما يقال عنه عالم.

قال علي رضي الله عنه: “كفى بالعلم شرفًا أن يدَّعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نُسِبَ إليه، وكفى بالجهل ذمًّا أن يتبرأ منه هو فيه، ويغضب إذا نُسِبَ إليه”([195]).

والعلم من أعظم جوانب بناء النفس وتزكيتها، فبه يعرِف العبدُ ربَّه، وبه يعرِف الحقَّ من الباطل، وبه يميِّز الحلالَ من الحرام.

والمرأة شريكة الرجل في مِضمار العلم، وهي مُخاطَبة بما يخاطب به الرجل في هذا الباب، وقد جاءت الشريعة لتبيِّن حرص الرَّعيل الأول من النساء على طلب العلم ونشره، ليس فقط في أوساط النساء، بل تعدى الأمر أن ينشرن ما تعلمنه من النبي صلى الله عليه وسلم بين الرجال، بل والأعظم من ذلك أنهن تركن الأوطان والأحباب والخلَّان ورحلن من أجل ذلك.

ولقد كان للعلم أثرٌ على حياة المرأة المسلمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن من خلال هذه الرسالة سنبين بعض جوانب آثار العلم على المرأة المسلمة في عهد النبوة وما بعده؛ لِنَشْحَذَ هِمَمَ طالبات العلم الشرعي أن يتخلقن بأخلاق أسلافهن من الصحابيات والتابعيات وغيرهن ممن ظهر أثر العلم على أخلاقهن وسلوكهن.

وقد جعلت هذا البحث في تمهيد وأربعة مباحث:

التمهيد: ويشتمل على المبحث الأول وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: المقصود بالعلم الشرعي.

المطلب الثاني: فضل طلب العلم الشرعي.

المطلب الثالث: وسائل طلب العلم الشرعي.

المبحث الثاني: أهمية تعليم المرأة العلوم الشرعية، ويشتمل على ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: حكم تعليم المرأة المسلمة.

المطلب الثاني: المرأة وطلب العلم الشرعي.

المطلب الثالث: لماذا تطلب المرأة العلم الشرعي؟

المبحث الثالث: ملاحظات وآداب لطالبة العلم الشرعي، ويشتمل على مطلبين:

المطلب الأول: في ذكر بعض الآداب التي ينبغي للمرأة مراعاتها عند طلبها للعلم.

المطلب الثاني: أخطار في طريق تعليم المرأة.

المبحث الرابع: تعليم المرأة في زمن النبوة، ويشتمل على أربعة مطالب:

المطلب الأول: واقع تعليم المرأة المسلمة في عهد النبوة.

المطلب الثاني: مقارنة بين طلب المرأة للعلم قديمًا وحديثًا.

المطلب الثالث: دور المرأة المسلمة في العلم والتعليم في عهد النبوة.

المطلب الرابع: جهود نساء السلف في نشر العلم الشرعي في العصور الإسلامية.

المبحث الخامس: الآثار المترتبة على تعلم المرأة العلم الشرعي، ويشتمل على تسعة مطالب:

المطلب الأول: أثر العلم الشرعي على حياة المرأة كزوجة.

المطلب الثاني: أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة كأم.

المطلب الثالث: أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المعلمة.

المطلب الرابع: أثر العلم الشرعي على حياة المرأة المسلمة فيما بينها وبين أبويها.

المطلب الخامس: أثر العلم الشرعي على حياتها فيما بين إخوانها وأخواتها.

المطلب السادس: أثر العلم الشرعي في حياة المرأة الطالبة.

المطلب السابع: أثر العلم الشرعي عليها مع ولاة أمورها.

المطلب الثامن: أثر العلم الشرعي على حياتها مع خادمها.

المطلب التاسع: أثر العلم الشرعي في الحياة الدينية للمرأة المسلمة بصفة عامة والتي هي الطريق إلى الحياة الأخروية الأبدية.

المبحث الأول: وفيه ثلاثة مطالب

المطلب الأول: المقصود بالعلم الشرعي:

العلم الشرعي: المراد به “علم ما أنزل الله على رسوله من البيَّنات والهدى”، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)([196]).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)([197]).

والعلم الذي ورَّثه الأنبياء إنما هو علم الشريعة، فالأنبياء ما ورثوا للناس علم الصناعات وما يتعلق بها، ولو كان هذا هو العلم الذي عليه الثناء لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس به، فالرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس رضي الله عنه حين قدم المدينة وجد الناس يُؤَبِّرُونَ النخل، فقال لهم: (لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ)، قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: (مَا لِنَخْلِكُمْ؟) قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: (أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ)([198]).

أما العلوم الأخرى كالطب والهندسة والزراعة وغيرها من العلوم، فقد ذكر أهل العلم أن تعلمها فرض كفاية، وذلك لأن الناس لا بد لهم منها.

والمقصود بالعلم الشرعي الذي فيه الثناء ويكون الحمد لفاعله هو فقه كتاب الله وسنة رسوله، وما عدا ذلك فإما أن يكون وسيلة إلى خير أو وسيلة إلى شر، فيكون حُكْمه بحسب ما يكون وسيلة إليه([199]).

المطلب الثاني: فضل طلب العلم الشرعي:

العلم له مقام عظيم في شريعتنا الغَرَّاء، فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة تَحُثُّ عليه وترغِّب فيه، وأَثْنَتْ على أهله فجعلتهم ورثة الأنبياء، وفَضَّلت العالِم على العابد كما بين السماء والأرض.

 والعلماء هم أُمناء الله على خلقه، ‏ وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحل لهم في الدين خطير؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، والرجوع والتَّعْويل في أمر الدين عليهم، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل، فقال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣].

وهم أطباء الناس على الحقيقة، إذ مَرَضُ القلوب أكثرُ من الأبدان، فالجهل داء، والعلم شفاء هذه الأدواء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ)([200]).

وهذه جملة من بعض فضائل العلم:

1 – العلم مقدَّم على العمل: سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله حين بدأ به: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19]، فأمر بالعمل بعد العلم ([201]).

وقد بوَّب الإمام البخاري بابًا فقال: (باب العلم قبل القول والعمل)، لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19]، فالعلم مقدم على القول والعمل، فلا عمل دون علم.

2 – العلم نور البصيرة: العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه، وكيف يعامل عباده، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة، وليس البصر بصر العين، ولكن بصر القلوب، قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]؛ وهو كذلك نور يهتدي به الإنسان، ويخرج به من الظلمات إلى النور، ولذلك جعل الله الناس على قسمين: إمَّا عالم أو أعمى فقال الله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19].

3 – العلم يورث الخشية من الله تعالى: الخشية من الله هي صمام الأمان الذي يقي العبد من الوقوع في الغواية، فمن خاف الله تحاشى مخالفته، وثبت على طاعته، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107-109]، والعلم الحقيقي هو ما يورث الخشية ورقة القلب.

يقول الحسن رحمه الله: “كان الرجل إذا طلب العلم لم يَلْبَثْ أن يرى ذلك في تَخَشُّعِهِ وبصره ولسانه ويده وزُهْده”([202]).

والمعنى من هذا الإيراد أن الضلالة والتفريط في الهداية إنما يأتي بسبب الجهل، فَتَبًّا للجهل ماذا يفعل بأصحابه.

وما أجمل ما قاله الشافعي    

اصبرْ على مُرِّ الجَفَا من معلِّم *** فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مُرَّ التعلم ساعة *** تَجَرَّعَ ذُلَّ الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه *** فكَبِّرْ عليه أربعًا لوفاته([203])

4- طلب الاستزادة من العلم: لم يأمر الله تعالى في كتابه بطلب الزيادة إلا من أمرين هما: التقوى كما في قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]، والعلم كما في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، فكفى بها من مَنْقَبَةٍ عظيمة للعلم.

قال القرطبي رحمه الله: “فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم”([204]).

5 – العلم أفضل الجهاد: الجهاد أنواع؛ منه الجهاد بالحُجَّة والبيان، وهذا جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان، لشدة مُؤْنَتِه، وكثرة العدو فيه، قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 51، 52].

يقول ابن القيم رحمه الله: “فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو أكبر الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضًا، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين، بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم، ومع هذا فقد قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73]، ومعلوم أنَّ جهاد المنافقين بالحُجَّة والقرآن، والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم، ودعوة الخلق به إلى الله”([205]).

6 – التنافس في بذل العلم: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا)([206]). فلم يجعل الله التَّحاسُد إلا في أمرين: بذل المال، وبذل العلم، وهذا لشرف الصنيعين، وحَثَّ النَّاس على التنافس في وجوه الخير.

7 – العلم والفقه في الدين أعظم مِنَّة: من رُزِقَ فقهًا في الدين فذاك الموفَّق على الحقيقة، فالفقه في الدين من أعظم المِنَن، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)([207]).

8 – العلم مقدم على العبادة: من فضائل العلم أنه أفضل من العبادة، وأن العالِم مُقَدَّمٌ على العابد، ففي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: (وَفَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ)([208]). وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ)([209])؛ وذلك لأن العلم يسبق العمل، ويدل عليه، ويرشد إليه، فهو دليل له من ناحية، وشرط لقبوله من ناحية أخرى، فلا عمل بلا علم، وقد يوجد علم بلا عمل.

والمعنى: أنه كلما وجد العمل لزم وجود العلم، بخلاف عكسه، ولهذا قيل: العلم بدون عمل جنون، والعمل بدون علم لا يكون.

المطلب الثالث: وسائل طلب العلم الشرعي:

وسائل طلب العلم اليوم كثيرة، والحمد‎ ‎لله، ومن الوسائل المفيدة للفتاة في طلب العلم الشرعي وتحصيله ما يلي:

1- القراءة والاطلاع مع أنه لا بد من مراعاة جانبين هما:

الأول: أن تكون الكتب موثوقة، ويستشار في اختيارها واقتنائها.

الثاني: أن تراعي من تطلب العلم التدرُّجَ في قراءة الكتب، والسير على منهجية واضحة.

2- سماع الأشرطة العلمية، وخاصة للعلماء وللمشايخ الموثوقين المعروفين بالعلم وسلامة المنهج تلك، الأشرطة التي تشرح المتون العلمية والأحاديث، مع الحرص على التدوين مع المشايخ في الكتاب المسموع.

3- الاستفادة من المواقع العلمية الموجودة في الإنترنت، كمواقع المشايخ والعلماء ومواقع المكتبات الإسلامية.

4- الدراسة في الجامعات والكليات الشرعية والاهتمام بضبط مناهجها ففيها الخير الكثير.

5- التدارس مع الزميلات وعقد الجلسات والدروس العلمية والقراءة المشتركة في الكتب.

6- حضور بعض الدروس العلمية التي يكون فيها مكان مخصص للنساء.

7- تنظيم الوقت والحَزْم مع النفس فيه.

‏8- الالتحاق بحلقات المساجد والمراكز النسائية التي‎ ‎يشرف عليها بعض أهل العلم الربانيين، بشرط توفر الشروط وانتفاء المحاذير الشرعية.

‏المبحث الثاني: أهمية تعليم المرأة العلوم الشرعية،

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: حكم تعليم المرأة المسلمة:

يعترف المربون المسلمون بحق المرأة في التعليم انطلاقا من أن التكاليف الدينية واجبة على الرجل والمرأة، وهذا يتفق مع روح الإسلام الحقيقية التي جعلت من طلبه فريضة على كل مسلم ومسلمة.

فالتكاليف الشرعية موجهة للرجال والنساء جميعًا، وإن كان أكثر النصوص في القرآن والسنة تتحدث عن الرجل؛ لأنه الأصل، وكل من بعده تبع له، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، وفى بعض الأحيان تنزل نصوص تتحدث عن الجنسين لوجود سبب يدعو إلى ذلك.

وطلب العلم واجب لمعرفة ما أمرنا الله باتباعه مما أنزله على رسله المبشرين والمنذرين، وتلك حقيقة لا تحتاج إلى دليل، وأكثر النصوص الواردة تبين فضل المتعلم على غيره، والرجل والمرأة في ذلك سواء، وقد جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)([210]). أما زيادة لفظة (وَمُسْلِمَة) فهي مضافة حُكْمًا لا رواية.

ويجب على الزوج أن يعلم زوجته القَدْرَ الضروري الذي تصحح به عبادتها، وتؤدي به واجبها المَنُوط بها، وذلك إما بنفسه أو بمن يستعين به، فإن لم يفعل كان لها أن تخرج لطلب العلم الواجب، ولا يجوز أن يمنعها منه، وعليها أن تلتزم بكل الآداب الواجبة لكل خروج من بيتها، من الحشمة والعفة والأدب وعدم المغريات من عطر نفاذ أو قول خاضع، أو خَلْوَة مُرِيبة، أو تزاحم مُتعمَّد، مع التأكد من الأمن عليها من الفتنة والفساد، فتتعلم ما هي مكلفة بأدائه من شؤون الإسلام وشؤون الأسرة؛ لتتمكن من القيام به على الوجه المَرْضِيِّ شرعًا.

المطلب الثاني: المرأة وطلب العلم الشرعي:

 من خلال بيان حكم تعلم المرأة يمكننا أن نقول: إن المرأة إن لم تكن على علم بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم وعلى منهج سلف الأمة، فلن تستطيع أن توجد لنا الأجيال الصالحة، ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال، فهي تربي الأجساد وتسمنها، ‎ ‎أما الأرواح ‏والنفوس فلن تستطيع تربيتها البتة بدون علم شرعي، وهذه المسؤولية‎ ‎الكبرى الملقاة على عاتقها ‏حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:(كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)([211]).

فتعليم المرأة لا يقل أهمية عن تعليم الرجل، فالمرأة إذا كانت جاهلة، فلن تَعْلَمَ ما كُلِّفَتْ به من الأحكام، ومعرفة الحلال والحرام.

وجهل المرأة يسبب شقاء الأمة، لأن الطفل لا يَتَلَقَّنُ من أمه أكثر مما تعرفه، فإذا كانت جاهلة نشأ الطفل جاهلًا.

وإذا كانت الأم متعلمة وعالمة بواجبات الدين، متمسكة بالأخلاق الفاضلة، فإنها تغرس العلم في طفلها، ويبقى ما تعلمه في حافظته.

ولهذا عرف المسلمات الأوائل أهمية التعليم وفضله، فكن يَنْهَلْنَ من العلم ويتنافسن فيه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشجعهن على ذلك، ويسمح لهن بحضور مجالس العلم.

وقد نَهَلَ النساء المسلمات في الصدر الأول وما بعده من النبع الصافي، حيث ظهر منهن النابغات في مختلف العلوم والفنون، ومنذ العصور الإسلامية والمرأة تقرأ وتكتب وتجاهد الأعداء وتشارك في الحروب والغزوات، وتقوم بمهمة التطبيب والتمريض، وبرز من النساء المفسرات والفقيهات وراويات الشعر والأخبار وعالمات الأنساب، وأسهمت المرأة في نقل الأحكام إلينا عن طريق السند حيث كان منهن النساء الثقات المحدثات، ولا سيما ما يخص أحكام النساء والبيوت، وكان جُلُّ الصحابة والخلفاء -رضي الله عنهم- يرجعون إلى أمهات المؤمنين، وعلى رأسهن عائشة وحفصة وأم سلمة -رضى الله عنهن- يستفتونهن عما خفي عليهم من أحكام دينهم أو غاب مما له صلة بالمرأة، واشتهر منهن جماعة برواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفسير والأدب وسائر العلوم الدينية والعربية.

فالحاصل أن حاجة المرأة إلى العلم الشرعي لا تقل أهمية عن حاجتها للمأكل والمشرب والملبس والدواء؛‎ ‎حتى ‏تحقق الغاية التي خلقت من أجلها، وهي تحقيق ‎العبودية التامة لله رب العالمين، سواء كانت أما أو زوجة‎ ‎أو أختا أو بنتا.

المطلب الثالث: لماذا تطلب المرأة العلم الشرعي؟

قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]، دلت هذه الآية الكريمة على نفي الله ـ للتسوية بين من يعلم ومن لا يعلم، وبالتالي للعلم فضل لا يخفى على أحد، والآية تَعُمُّ في ذلك الرجال والنساء، فالنساء اللواتي يعلمن لسن كأحد من النساء اللواتي لا يعلمن.

لكن لماذا تطلب المرأة العلم؟

نقول: تطلب المرأة العلم لأمور كثيرة منها ما يلي:

1- إدراك فضيلة العلم الشرعي كما بينا ذلك في مطلب فضل طلب العلم.

2- العلم الشرعي من أعظم الوسائل المعينة على الثبات والتعبد لله على بصيرة وسنة، والوقوف أمام الحملات المُسْتَعِرة ضد المرأة المسلمة من خلال تلك الهجمات على المسلمات، والثوابت الشرعية من خلال إثارة الشهوات والشبهات.

3- العلم الشرعي يزيد الإيمان عند طالبته، فمعرفة الله توجب محبته، ومحبته توجب طاعته، وبالطاعة يزيد الإيمان.

4- رفع الجهل عن نفسها؛ فتعرف أحكام العبادة والطهارة وغيرها من الأمور الشرعية، وبتبليغها لهذا العلم ترفع الجهل عن النساء أمثالها، وربما يتعدى النفع إلى أكثر من ذلك.

5- المرأة هي أساس البيت وهي التي تتولى تربية أبنائها، فلذلك على المرأة أن تتعلم العلم لكي تنتج جيلًا صالحًا متعلمًا يعيد للأمة مجدها وعزتها.

6- العلم سلاح للمرأة تشهره في وجه أرباب الفتن وأصحاب القلوب المريضة، وهو درعها الواقي من الحملات التي تُشَنُّ على المرأة المسلمة من أعداء الدين والفضيلة.

7- تتعلم المرأة العلم لإصلاح الفساد الذي ملأ أوساط النساء، فأكثر المخالفات الشرعية تكون عند النساء والعمل بغير علم، فتقوم المرأة المتعلمة بذلك مما يسد ثَغْرًا من هذه الثُّغور.

8- تتعلم المرأة العلم لتؤدي حقوقها كابنة وزوجة وأم، فالابنة عندما تتعلم تعرف حقوق والديها وإخوانها وجميع أرحامها فتعاملهم بالمعروف، والزوجة عندما تتعلم تعرف حقوق زوجها وواجب طاعته، وتكون عونًا لزوجها على الخير، والأم عندما تتعلم تحسن تربية أبنائها وتؤدي إليهم حقوقهم.

9- تتعلم المرأة العلم لتبتعد عن مَغَبَّة العمل بغير علم واتباع الهوى، ولكي تعبد الله على بصيرة ونور.

10- تتعلم المرأة العلم لتشغل نفسها بالحق قبل أن تشغلها بالباطل، فالفراغ مفسدة، وقد قال بعض الحكماء: “إن لم يكن الشغل مَجْهَدَة فالفراغُ مَفْسَدَة”([212]).

11- تتعلم المرأة العلم لتزكي به نفسها، قال ابن تيمية في المنهاج: “ولهذا تجد أهل الانتفاع به -يعني العلم- يزكون به نفوسهم، ويقصدون فيه اتباع الحق لا اتباع الهوى، ويسلكون فيه سبيل العدل والإنصاف، ويحبونه ويتلذذون به، ويحبون كثرته وكثرة أهله، وتنبعث هممهم على العمل به وبموجبه ومقتضاه، بخلاف من لم يَذُقْ حلاوته وليس مقصوده إلا مالا أو رياسة، فإن ذلك لو حصل له بطريق آخر سلكه، وربما رجَّحه إذا كان أسهل عليه”([213]).

12- تتعلم المرأة العلم لتقتدي بسلفها الصالح، فقد كان لهن في طلب العلم شأن عجيب، وخير دليل على ذلك كتب السير والتاريخ، فمنهن المحدثات ومنهن المفسرات وغير ذلك، وعلى رأسهن زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها فقد قال عنها عروة بن الزبير: “ما رأيت أحدًا أعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث عرب ولا بنَسَبٍ من عائشة”([214]).

13- تتعلم المرأة العلم لتكون سببًا في حفظ شريعة الله، وإظهار الحق وتبيينه وتزيينه، وإبطال الباطل ودَحْضِه بكل ما تقدر عليه من عبارة وبرهان وغير ذلك.

 ففوائد طلب العلم بالنسبة للمرأة كثيرة لا يمكن أن نحصيها، لكنها تستشعرها عندما تخوض هذا الأمر، فأوصي النساء بأن يحرصن على طلب العلم والإخلاص فيه، والعمل بما يعلمن، والتوقف عند عدم العلم فتقول لا أعلم فهي نصف العلم، ولْيَشْحَذْنَ الهمة في طلب العلم؛ فالأمة بأمس الحاجة لهن.

المبحث الثالث: ملاحظات وآداب لطالبة العلم الشرعي،

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: في ذكر بعض الآداب التي ينبغي للمرأة أن تتحلى بها عند طلبها للعلم:

لطلب العلم جملة من الآداب ينبغي لطالبة العلم أن تتحلى بها، ومن هذه الآداب ما يلي:

أولًا: الصبر: إن طلب العلم من معالي الأمور، والعُلَى لا تُنال إلا على جسر من التعب، فلئن كان الجهاد ساعةً من صبر، فصبر طالبة العلم إلى نهاية العمر، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].

ثانيًا: إخلاص العمل: ليكن قصد المرأة بطلبها للعلم وجه الله والدار الآخرة، ولا يكون همها حب الظهور والاستعلاء على الأقران فقد قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ)([215]).

ثالثًا: العمل بالعلم: العمل بالعلم هو ثمرة العلم، فمن علم ولم يعمل ففيه شبه من اليهود الذين مثلهم الله بأقبح مثلٍ في كتابه فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة الجمعة: 5].

رابعًا: دوام المراقبة: على المرأة أن تتحلى بدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن، سائرة إلى ربها بين الخوف والرجاء، فإنهما للمسلمة كالجناحين للطائر، وليمتلئ قلبها بمحبته، والاستبشار والفرح والسرور بأحكامه وحِكَمِه.

خامسًا: اغتنام الأوقات: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ)([216]). عمر المرأة هو رأس مالها الذي ينفق منه، ومهما كثُر فهو قليل، ومهما طال فهو قصير، والآمال تختمها الآجال، ومن هنا حَضَّ الإسلام على المُبادرة بالعمل الصالح وعدم ضياع أي لحظة من لحظات العمر في غير ما يفيد.

قال الحسن البصري رحمه الله: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضُك”. وقال: “أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم”([217]).

وعن نُعَيْم بن حماد رحمه الله قال: “قيل لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات إن شاء الله”([218]).

سادسًا: الاعتناء بالأهم فالأهم: ينبغي للمرأة عدم التشاغل في بداية الطلب بالاختلاف بين العلماء، فإنه يضيع زمانها ويفرق ذهنها، بل تعطِ الكتاب الذي تقرؤه أو الفن الذي تطلبه حقه من القراءة والاطلاع حتى تُتقنه، ولتحذر من التنقل من كتاب إلى كتاب من غير موجب؛ فإنه علامة الضَّجَر وعدم الفلاح، وعليها أن تعتني من كل علم بالأهم فالأهم.

المطلب الثاني: أخطار في طريق تعليم المرأة:

لقد جعل الإسلام للمرأة حقًّا في أن تأخذ نصيبها من التعليم في إطار الآداب والضوابط الشرعية التي سبق بيانها، إلا أن هناك بعض المخاطر التي تواجه تعليم المرأة ومن هذه المخاطر ما يلي:

1 – التأثر بالثقافة الغربية: لقد كان التأثر بالمنهج الغربي واضحًا ظاهرًا في بعض البلدان حيث وضع المرأة بجانب الرجل، وأخرج المرأة من البيت وفرض الاختلاط في المجتمع، وقضى على الرسالة الأساسية للمرأة، وهي تربية الجيل في مملكتها الخالدة البيت.

2 – انعكاس الغزو الفكري على تعليم المرأة: لقد أحدث الغزو الفكري للعالم الإسلامي، انقلابًا جذريًا في تربية أجيالها، وانتشرت المدارس التبشيرية، وكثرت الإرساليات إلى البلاد الإسلامية، وجاء المستعمر بنظم ومناهج وعلوم غير تلك التي كانت تدرس في المساجد، أو في المعاهد والمدارس الإسلامية.

3 – العزوف عن الزواج: من أكبر الأخطار التي تواجه المرأة عزوفها عن الزواج بُغْيَةَ تحصيل الشهادات بالتقليد أكثر مما يُصاب به الرجل.

فالتعليم يجب أن يكون بمقياس معين، أو بحد معين، وإلى حد ومستوى معين، أما أن تكون المرأة ذات طموح بحيث لا تقف عند حد ولا شهادة ولا مؤهل ولا نوع من الفنون التي لا تحتاج إليها، فهذا خطر على الفتاة؛ لأنه يذهب بزهرة شبابها، فلا تكاد تكمل المرحلة التي تطمح إليها إلا وقد كَبِرَت سنها فأصبحت لا يَرغب فيها الرجال، وهذا من أعظم الأخطار التي تواجه الفتاة.

المبحث الرابع: تعليم المرأة في زمن النبوة،

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: واقع تعليم المرأة المسلمة في عهد النبوة:

لقد كرَّم الله المرأة تكريمًا لم تعرف البشرية له مثيلًا، وعاشت قرونًا طويلة تَتَفَيَّأ نعمة الله عليها بالإسلام، فغدت مصونة مكرمة، أبدلها ربها بخوفها أَمْنًا، وبذلها عزًّا، وبجهلها علمًا.

وطلب العلم بمفهومه الشامل والواسع في الإسلام لم يقتصر على الرجال فقط، بل هو فريضة على كل مسلم ومسلمة، فلا يفرق الإسلام بينهما في هذا الحق، فكلاهما مأمور بأن يتعلم الحلال والحرام، ليكونا على نور من أمر الدين، فالمرأة شأنها شأن الرجل مطالبة بتعلم أمور دينها والتفقه فيه، فالخطاب الموجه إلى الإنسان في القرآن الكريم بالقراءة والتعلم يشملها دون أدنى فرق.

وإن قضية تعليم المرأة وحسن تربيتها وتأهيلها لتقوم بما أوجب الله عليها، لمن كبرى القضايا وعظائم المهمات، وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك بالجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ)([219]).

كما وعده بمضاعفة الأجر وإجزال المثوبة، قال صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ([220]) فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ)([221]).

وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على تعليم المرأة وإسماعها الخير.

فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “قَامَ النَّبِيُّه يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ حِينَئِذٍ تُلْقِي فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ، قُلْتُ: أَتُرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ ذَلِكَ وَيُذَكِّرُهُنَّ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ”([222]).

وقد بلغ حرص المسلمات الأوائل على العلم أن طلبن من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعقد لهن مجالس خاصة بهن لتعليمهن.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ: ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ، فَقَالَ: (اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا) فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ([223]).

ومن ذلك أيضًا حرص النساء على العلم والسؤال عما أشكل عليهن: كما في حديث أم سلمة عائشة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْهَا؛ أي ركعتين بعد العصر ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: (يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ)([224]).

قال ابن حجر: “وفيه ترك تفويت طلب العلم وإن طرأ ما يشغل عنه، وجواز الاستنابة في ذلك، وفيه المبادرة إلى معرفة الحكم المشكل فِرارًا من الوسوسة”([225]).

ومن ذلك أيضًا حرص النساء على تعليم العلم بكل الوسائل، كما في حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ فَاغْتَسَلَتْ وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ([226]).

 قال القاضي عياض: “ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل نظره للمحرم؛ لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع أرضعته أختها أم كلثوم، وإنما سترت أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم النظر إليه، قال وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنى”([227]).

وقال ابن حجر: “وفي فعل عائشة ك دلالة على استحباب التعليم بالفعل لأنه أوقع في النفس”([228]).

ومن ذلك حرصهن على تعلم أمور دينهن كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ”([229]).

وبهذا يتبين لنا حرص النبي صلى الله عليه وسلم كل الحرص على تعليم المرأة ما تكون به عنصرَ صلاح وإصلاح في مجتمع إسلامي متطور إلى الكمال، متقدم إلى القوة والمجد، آمن مطمئن سعيد، ولتحقيق هذا الهدف حرص على اشتراكها في المجامع الإسلامية العامة الكبرى منها والصغرى، فأذن لها بحضور صلاة الجماعة، وأن تشهد صلاة الجمعة وخطبتها، ورغبها في أن تشهد صلاة العيد وخطبتها حتى ولو كانت في حالة العذر المانع لها من أداء الصلاة على أن يعتزلن المصلى، وأمرها بالحج والعمرة، وحثها على حضور مجالس العلم، وخاطب الله النساء بمثل ما خاطب به الرجال، وجعلهن مندرجات في عموم خطاب الرجال في معظم الأحوال حرصًا على تعليمهن وتثقيفهن وتعريفهن أمور دينهن ومشاركتهن في القضايا العامة([230]).

المطلب الثاني: مقارنة بين طلب المرأة للعلم قديمًا وحديثًا:

لقد اعتنى الإسلام منذ عصوره الأولى كما هو واضح من النصوص السابقة بمسألة تعليم المرأة وطلبها للعلم الشرعي النافع، فقد كانت أم المؤمنين عائشة ك تروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجيب على بعض ما قد يستشكل على الصحابة -رضي الله عنهم- من أموره صلى الله عليه وسلم مع أهله وفي داخل بيته، وكانت توضح بعض ما كان يستحي ه أن يوضحه للنساء من أمور خاصة بهن.

والإسلام منذ أشرق نوره أمر بتعليم الفتاة العلم النافع، بل لم تصل المرأة إلى أسمى درجات العلم وتنال أكبر قسط من التربية والتعليم إلا في عصور الإسلام الأولى، كما سيأتي -إن شاء الله- ذِكْره في دور المرأة في نشر العلم.

أما المرأة في العصور الحديثة فقد يسر الله عز وجل لها التعليم، ففُتحت المدارس والمعاهد والجامعات، وطُبعت الكتب، وشُكلت هيئات التدريس، وتعلمت الفتاة علومًا أخرى بالإضافة إلى العلم الشرعي، وقد أتاحت لها هذه العلوم الفرصة بأن تقوم بأعمال مختلفة ومتطورة وحديثة حتى أصبح التعليم حديثًا ضرورة وحاجة ماسة عند الكثير من الناس، بحيث يسعى الأهل جاهدين لتعليم بناتهم وإرسالهم إلى الجامعات، ويبذلون كل الجهود لتحقيق ذلك بل ويتفاخرون به، وذلك لأنهم أدركوا أهمية التعليم بالنسبة للمرأة؛ فهي التي تتفرغ لتربية الأبناء، وتعمل على إعدادهم بشكل جيد وتهيئتهم للمستقبل، كما سيأتي بمشيئة الله تعالى في بحث أثر العلم الشرعي على حياة المرأة كأم.

فالحاصل أن نظرات المجتمعات إلى تعليم المرأة حديثًا تغيرت تغيرًا واضحًا تجاه هذا الأمر، فبقيت المرأة تعمل كزوجة وأم ومربية وطبيبة ومعلمة… إلخ، ولكن بأسلوب متطور ومؤهل مزود بسلاح العلم والمعرفة والعقل([231]).

المطلب الثالث: دور المرأة المسلمة في العلم والتعليم في عهد النبوة:

لقد أقبلت النساء في صدر الإسلام على التعلم والتفقه في أمور دينهن ودنياهن إقبالًا عظيمًا كما سبق الإشارة إلى ذلك، ففي القرون الثلاثة الفاضلة، كانت الحِقْبَة الذهبية لعلم الحديث، فيها انتشر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعم جميع الأمصار، وفيها جُمِعت رواياته ودونت، كما صُنفت أعظم كتب السنة على الإطلاق، كما هو مذكور في كتب التراجم والطبقات والتاريخ والسير، وفي هذا دلالة على أن المرأة لم تكن بعيدة عن رحاب الرحلة عبر هذه القرون، على تفاوت في الكثرة والقلة بين المراحل المختلفة.

كانت الرحلة في طلب الحديث قائمة في عهده صلى الله عليه وسلم فكان بعض من يسمع بالرسالة الجديدة يسافر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه تعاليم الإسلام، ثم يرجع إلى قومه يبلغهم ما تعلمه في موطن رسول الله، وكان من بين الوفود نساء مصاحبات لتلك الوفود، فكانوا يسألونه ويجيبهم، وقد سمعوا حديثه وشهدوا بعض مواقفه، وشاركوه في العبادة، ورأوا كثيرًا من تصرفاته، فكان لهذه الوفود أثر عظيم في نقل السنة وانتشارها.

لقد ساهم نساء الصحابة في تعليم ما سمعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رأينه منه وفقهنه عنه، منهن من أقامت في مسقط رأسها، ومنهن من رحلت إلى بلدان أخرى، وبقيت حتى موتها في البلد الذي رحلت إليه، تعلم الرجال والنساء، تَبُثُّ فيهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه.

ومن هؤلاء اللاتي انتقلن إلى الأمصار لنشر العلم في عهد النبوة:

1- أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فهي كبيرة محدِّثات عصرها، ونابغته في الذكاء والفصاحة، وكانت عاملًا كبيرًا ذا تأثير عميق في نشر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحُمِلَ عنها رُبع الشريعة، حتى ألَّف الزركشي كتابًا سماه (الإجابة لِما استدركته عائشة على الصحابة).

 وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من كبار المفتين في عصرها، وكان كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض ويرجعون إليها لحلِّ ما أُشْكِلَ عليهم، وذلك حينما خرجت إلى البصرة للإصلاح بين علي بن أبي طالب وبين الزبير وطلحة -رضي الله عنهم- فمع قلة المدة التي جلست فيها بالبصرة إلا أنها قامت بنشر العلم من خلال ما كانت تفتي به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

2- أم عطية الأنصارية رضي الله عنها كانت من فقهاء الصحابة، مروياتها كثيرة منثورة في الكتب الستة، وقد اشتهرت في البصرة بفقهها وروايتها وفهمها للحديث النبوي وأحكامه، فكان لها الفضل في انتشار الأحاديث والأحكام، وكان أَجِلَّة التابعين يأخذون عنها الرواية والفقه.

3- أسماء بنت يزيد بن السكن عائشة رضي الله عنها وهي ثالث امرأة راوية للحديث بعد أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنهن- وقد عرفت أسماء برَجَاحة العقل، وكانت من فاضلات الصحابيات، كثيرة الدخول على أمهات المؤمنين، ملازمة للبيت النبوي، زد على ذلك حبها للعلم والسؤال، تجمع مروياتها بين التفسير، وأسباب النزول، والأحكام، والشمائل، والمغازي، والسيرة، والفضائل، شاركت في معركة اليرموك، ومن ثم ألقت رِحالها في دمشق، وأخذت تحدث بها.

وقد سجلت لنا المصادر أن عددًا كبيرًا من الصحابيات روين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشرن في الأمصار، فقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل في (علله) من روى من النساء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الشام، وأهل البصرة، وأهل الكوفة، فذكر من أهل الشام غير أسماء: الصمَّاء بنت بسر، أم الدرداء الكبرى، وأم أيمن، ومن أهل الكوفة: ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفاطمة بنت اليمان، أم سليمان بن عمرو بن الأحوص، أم الحصين الأحمية يسرة، أم مسلم الأشجعية أخت عبد الله بن رواحة، وقتيلة بنت صيفي، أم طارق مولاة سعد بن عبادة، سلامة بنت الحر، أم ورقة.

فهذه أمثلة لصحابيات هن أكثر النساء حفظًا ورواية للحديث النبوي الشريف، ورحلن من المدينة للتحديث والتعليم، ودُونت أحاديثهن ضمن مرويات أهل البلدة التي رحلت إليها كل واحدة، فبدل أن يرحل إليها الناس، رحلت هي إليهم، وقدمت إليهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دون عناء، وحققت لهم الإسناد العالي، ونشرت العلم والفقه، وتشرف من لم يتيسر له الخروج من بلده بالرؤية والسماع والالتحاق بركب التابعين والانتساب إلى أحسن القرون.

فهؤلاء النساء قد سمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وصاحبنه، ثم توزعن في الأمصار حاملات معهن الموروث النبوي يَبْثُثْنَهُ بين الناس علمًا وفقهًا([232]).

المطلب الرابع: جهود نساء السلف في نشر العلم الشرعي في العصور الإسلامية:

ذكرنا فيما سبق ما كان للمرأة المسلمة منذ عصور الإسلام الأولى من اهتمام واضح في تلقي العلم، فقد عُرف عن أمهات المؤمنين، وعن نساء المؤمنين أنهن كن حريصات على تلقي ما يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من آي الذكر الحكيم، وما يوجه به صلى الله عليه وسلم من آداب وأحكام تتعلق بالدين، وأسهمن في تلقي الدين القائم على العلم، ولم يترددن في ذلك، فكن يستفتين رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من المسائل الفقهية المتعلقة بأمور دينهن.

واستمرت المرأة المسلمة في العصور التالية لعصر النبي صلى الله عليه وسلم على صلة قوية بكتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وما يتصل بهما ويخدمهما، كما كانت على جانب كبير من الاهتمام بالعلم، والدراية، فيما ينفعها في دينها ويهيئها لحياة كريمة هانئة، وتزخر كتب التاريخ والتراجم والطبقات بأسماء كثير من النساء اللواتي تعلمن الكتابة والقراءة، وروين الحديث وبرعن في الفقه والإفتاء، وكان منهن الأديبات والشاعرات، بل وبرز من النساء من أتقن علومًا أخرى كالرياضيات والفلك والطب والصيدلة، وغير ذلك من العلوم التي تناسب المرأة، وكن مثالا في التعلم ونشر العلم بمختلف الوسائل المتاحة لهن، وعن أماكن تعليم النساء يمكن حصر الطرق التي كان يتم بها تعليم المرأة في:

1- منازل العلماء: حيث يمثل المنزل المدرسة الأولى التي تلقت المرأة فيها تعليمها، إذ يلاحَظ أن كثيرا من النساء اللاتي اشتهرن بالعلم في عدد من العصور الإسلامية نشأن في بيوت العلماء، ودرسن على آبائهن أو أحد ذويهن من أولي العلم، أو أنهن كن يستفدن من الدروس التي كانت تعقد في بيوتهن لتعليم الطلاب، حيث كن يستمعن إلى ما كان يُلقى في منازلهن من دروس.

فالتعليم في عهد النبوة كان منطلقًا من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ظاهر من التوجيه الرباني الكريم لأمهات المؤمنين بأن يبلغن ما كن يتعلمنه في بيوتهن إذ يقول عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}[الأحزاب: 34]، فأصبحت منازل أمهات المؤمنين مراكز تعليمية خرَّجت العديد من الصحابيات والتابعيات بالرواية عنهن، وأخذ العلم منهن والتردد عليهن، وكن – رضي الله عنهن أجمعين – مرجعًا للناس في مختلف الأحكام الفقهية المتعلقة بالنساء.

واستمرت المنازل ودور العلماء في العصور الإسلامية التالية لعصر النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، تؤدي دورًا تعليميًا رائدًا لتوافر فرص التعليم بين الأهل مما أهَّل بدوره نخبة من النساء العالمات في مختلف ميادين العلوم وفروعها.

2- المساجد: كانت أبواب المساجد في كثير من الأقطار الإسلامية مفتوحة لمن أراد أن يتلقى تعليمه من النساء؛ إذ إن التعليم داخل المنازل -وبين الآباء والأزواج أو غيرهم من ذوي المحارم- إن تيسر لبعض الإناث، فإنه قد لا يتيسر لشريحة أخرى من النساء، ولذا كان بعض النساء يترددن لحضور الحَلَقِ التي كانت تعقد في المساجد في أماكن مخصصة لهن، ومعزولة عن أماكن الرجال حتى لا يكون هناك سبيل للاختلاط.

3- تعلم المرأة على امرأة مثلها: ومعنى هذا أن العملية التعليمية طرفاها النساء تعليمًا وتعلُّمًا، وهذا النوع من التعليم انتشر في مختلف أقطار العالم الإسلامي في العصور المتقدمة، فقد كانت المرأة تعظ النساء في المساجد وتعلمهن ما يحتجنه من الفقه وغيره.

4- أثر النساء في إجازة العلماء: لم يقتصر دور المرأة على التعلم فقط، بل كان لها أيضا أثر واضح في نشر ما تعلمته والإجازة فيه، فمن خلال دراسة سير عديد من النساء العالمات يتضح أن الأقربين للمرأة -رجالا ونساء- كانوا هم أول من يستفيد من علمها، ثم هي لا تبخل بعلمها على طلبة العلم الآخرين، فتمارس التعليم بمختلف الوسائل التي لا تتعارض والتزامها بأوامر دينها، فتدرِّس خلف الستر، وتجيز لمن أخذ عنها([233]).

فالحاصل أن لجهود نساء السلف في نشر العلم الشرعي في العصور الإسلامية أثرًا واضحًا.

ومن نظر إلى كتب طبقات المحدِّثين وغيرهم من أهل الحديث يجد ذلك جليًّا، فقد دَوَّنت هذه الكتب في طياتها جملةً من النساء اللاتي نشرن العلم، فمن ذلك مثلًا مسند الإمام أحمد رحمه الله فمن نظر إليه يجد أن المحدِّثات من النساء قد استغرقت المجلد السادس من مسنده إلا قليلًا، ومسند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ذكر فيه الأحاديث التي سمعتها وروتها وقد بلغ وحده أكثر من مائتين وخمسين صفحة.

وقد تسلسل العلم كذلك بين النساء بل في البيت الواحد، حتى صارت الواحدة تروي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أمها وجدتها.

ومن شواهد ذلك ما رواه أبو داود في سننه، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَني عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ حَدَّثَتْنِي أُمُّ جَنُوبٍ بِنْتُ نُمَيْلَةَ عَنْ أُمِّهَا سُوَيْدَةَ بِنْتِ جَابِرٍ عَنْ أُمِّهَا عَقِيلَةَ بِنْتِ أَسْمَرَ بْنِ مُضَرِّسٍ عَنْ أَبِيهَا أَسْمَرَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْتُهُ فَقَالَ: (مَنْ سَبَقَ إِلَى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ)([234]).

ومن العلماء الكبار الذين أخذوا العلم -ولا سيما الحديث والرواية- عن بعض النساء: الإمام الزُّهْري، والإمام مالك بن أنس، والإمام أحمد، وأبو يعلى الفراء، وأبو سعد السمعاني، وابن عساكر، وأبو طاهر السِّلَفي، وابن الجوزي، والمنذري، وابن القيم، والذهبي، وابن حجر، وغيرهم الكثير.

أما في العصور المتأخرة فقد كان لبنات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وحفيداته دور في نشر العلم بين النساء ومن هؤلاء:

أولًا: فاطمة بنت محمد بن عبد الوهاب: فهي العالمة الفاضلة، ابنة شيخ الإسلام الإمام المجدد العالم محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقد ذكرت المصادر التاريخية أن فاطمة كانت تقوم بتدريس النساء، ثم تجلس لتدريس الرجال من طلاب العلم، وتجعل بينها وبينهم سترة أثناء التدريس.

وحينما استقرت في عُمان عملت فاطمة على نشر العقيدة السلفية بين أهالي عُمان، وتدريسهم التوحيد الخالص لله تعالى.

ثانيًا: سارة بنت علي بن محمد بن عبد الوهاب: حفيدة الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وابنة الشيخ علي بن محمد بن عبد الوهاب، وهو أكبر أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، استمرت في طلب العلم، وتعليم النساء التوحيد والفقه، ولم تنقطع عن نشر العلم والدعوة لسفرها من بلدها، بل استمرت في طلب العلم ونشره في كل مكان تسافر إليه([235]).

وهذا ما يؤكد أن للمرأة المسلمة أثرها الطيب في تاريخ الإسلام، كما أن لها نصيبًا في تحمل أعباء الدعوة، ونشر العلم الشرعي في أوساط النساء، وفق الضوابط الشرعية.

وما ذكرناه فيه كفاية لحث المسلمات على طلب العلم، والصبر على تحصيله، والحرص على نفع الناس به، ولا سيما في هذا العصر الذي تنوعت فيه سُبُل طلب العلم، وتعددت وسائل نشره بما يفوق الخيال.

المبحث الخامس: الآثار المترتبة على تعلم المرأة العلم الشرعي،

وفيه تسعة مطالب:

المطلب الأول: أثر العلم الشرعي على حياة المرأة كزوجة:

حينما تتعلم المرأة العلم الشرعي يلزمها إن كانت زوجة أن تعمل بمقتضى ما تعلمته، وأن يكون للعلم الأثر في حياتها؛ إذ لا فائدة في علم لا يتبعه عمل، ومن آثار العلم على المرأة إن كانت زوجة ما يلي:

1- طاعتها لزوجها في المعروف لقوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: 34]. ومعنى قولنا في المعروف أي في غير معصية لله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ففي الحديث: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)([236]).

2- ومن آثار العلم على المرأة إن كانت زوجة أنها لا تمنعه نفسها متى شاء، ما لم يكن هناك عذر كمرض أو نفاس أو حيض، فالنشوز وعدم تلبية طلب الزوج إذا دعاها معصية لله تعالى: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دَعَا الرَجُل امرأتَه إِلى فِراشِه فَلم تَأت فَبَاتَ غَضْبَانًا عَلَيْهَا لَعَنَتَهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)([237]).

وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ([238]) لَمْ تَمْنَعْهُ)([239]).

3- ومن آثار العلم الشرعي على المرأة المسلمة المتزوجة أنه يكون سببًا في صون عِرْضها وحفظ شرفها، فالمرأة بعلمها الشرع تعلم أنها مُؤْتمنة على عرضها وشرفها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ)([240]).

4- ومن آثار العلم الشرعي على حياة المرأة المسلمة في كونها زوجة أنها لا تُدخِل بيت زوجها من لا يرغب في دخوله: لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ)([241]). وقوله صلى الله عليه وسلم: (فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ). قال النووي رحمه الله: “في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يُفْتَاتُ على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها، كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعًا معدًّا لهم، سواء كان حاضرًا أم غائبًا فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك، وحاصله أنه لا بد من اعتبار إذنه تفصيلًا أو إجمالًا”([242]).

5- ومن آثار العلم الشرعي على المرأة المسلمة حينما تكون زوجة أنها تحافظ على مال زوجها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (والمرْأَةُ رَاعِيةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِي مَسْؤُولةٌ عَنْ رَعِيتَها)([243])، وقال أيضًا كما في حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (لا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا)، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: وَلَا الطَّعَامُ؟ قَالَ: (ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا) ([244]).

6- ومن آثار العلم الشرعي على حياة المرأة المسلمة، أنه بتعلُّمِها العلم تَعْلَمُ أن لزوم بيت الزوج وعدم الخروج منه إلا بإذنه ورضاه عبادةٌ تتقرب به لخالقها.

7- ومن آثار العلم الشرعي على حياة الزوجة، أنها لا تصوم تطوعًا وهو حاضر إلا بإذنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)([245]).

8- ومن آثار العلم الشرعي على حياة الزوجة شكرُ الزوج على ما يقوم به من أعمال تجاهها، والحذر من كُفْران العَشِير، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ)، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ)([246]).

9- ومن آثار العلم الشرعي على حياة الزوجة إبداء النصح والتوجيه لزوجها، فمتى رأت من زوجها تقصيرًا في طاعة الله فعليها نُصحه بقَدْر ما تستطيع.

10- ومن آثار العلم الشرعي على حياة الزوجة الحَذَرُ من رفع الصوت وبَذَاءة اللسان.

فهذه جملة من آثار العلم الشرعي على المرأة المسلمة فيما بينها وبين زوجها ([247]).

المطلب الثاني: أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة كأم:

تكثر المشاكل بين الأم وأبنائها في محاولتها لتعويدهم على ما تريد وفي عصيانهم لها، فإذا أرادت الأم تَجَنُّبَ هذه المرحلة الصعبة فلتنظر إلى أثر العلم الشرعي النافع في تربيتها لأبنائها، والذي يجنبها بإذن الله تعالى هذه المصاعب التي تواجهها أكثر الأمهات.

إن من أهم آثار العلم الشرعي النافع الذي يعود على الأمهات وعلى الأطفال بالنفع والفائدة العظيمة هي عدم تعويدهم على مشاهدة ما يهدم ويدمر العقيدة والأخلاق، فرؤية هذه المشاهد وأمثالها تغير الأحكام والقيم عندهم، فلا يعرفون بعد ذلك بِرًّا ولا ينكرون عُقوقًا، ويصبح البِرُّ بالوالدين أو عُقوقهما سَواسيةً عندهم، وما ذلك إلا نتيجة لإهمال التربية الشرعية للأطفال عند الصغر.

ومن هنا لا بد أن يظهر للعلم أثره على المرأة نحو أبنائها وذلك في انتمائهم للإسلام، وتَمَثُّلِ أخلاقه، وآدابه، ولا يكون ذلك إلا عندما تعطي من نفسها القُدْوة لأبنائها، فتحرص تمامًا على أن تتمثَّل فيها كل صفة، تحب أن تجدها في أبنائها، فكلما التزمت بأخلاق الإسلام وآدابه في قولها، وفعلها، واعتزت بانتمائها للإسلام، نشأ أبناؤها على التحلي بهذه الصفات.

وعليها أن تحرص وخاصة عندما يشب أبناؤها، ويصبحون أكثر وعيًا أن تحدثهم عن المسجد، وأثره في المجتمع، وأن تُهَيِّئَهم، وتُؤَهِّلهم للذهاب إلى المسجد بصحبة الأب، أو الأخ الأكبر، بمجرد أن يكونوا قادرين على ذلك، وحدود هذه القدرة هي معرفة الوضوء، والطهارة في الثوب، ومعرفة الصلاة… إلخ، فإن المسجد جزء أصيل من شخصية المسلم، وعامل مهم من عوامل تربيته.

وأن تحرص على ألا تقع أعين أبنائها في البيت على شيء يغضب الله، أو يخالف شيئًا مما أمر به الإسلام، من تمثال وغيره، أو كلب يعايش الأولاد في البيت، أو صور لا يسمح بها الإسلام، فإن وقوع أعين الأبناء على هذه الأشياء في البيت يعودهم التساهل في أمر دينهم وعبادتهم.

وأن تحرص الأم كذلك على أن تكون مصادر ثقافة أبنائها نقية لا يَشُوبها شيء من التُّرَّهات، والأباطيل، أو المغالطات، وذلك بأن تجعل من القرآن الكريم والسنة النبوية، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أساسًا لمصادر هذه الثقافة.

 كما أن على الأم أن تختار صديقات بناتها وفق معايير الإسلام، وأخلاقه، وآدابه، وأن تتابع هذه الصداقات، وتحيطها دائمًا بالرعاية والاهتمام، وأن تحرص على أن تستمر هذه الصداقة في مجراها الطبيعي المشروع ولا تتجاوزه إلى غيره، مما يتهامس به المراهقات.

وعلى الأم أن تخصص لأبنائها وقتًا بعينه في يوم تجلس إليهم، ولا تنشغل بسواهم من الناس أو الأمور، وأن تقيم علاقتها بهم على أساس من الود، والاحترام، وأن تتعرف من خلال هذه الجلسات على مشكلاتهم، وما في أنفسهم من متاعب أو مسائل لا يجدون لها حلًّا. ([248])

المطلب الثالث: أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المعلمة:

المرأة المُعَلِّمة مربية وقدوة ومثل أعلى في نظر تلميذاتها، وقد تفوق المُعَلِّمة منزلة الاقتداء والتأثر بها منزلة الأم في المنزل، فنجد التلميذة وخاصة الصغيرة تعتقد الصدق والكمال والمثالية في معلمتها، وأنها لا تخطئ ولا تقول إلا الصواب، وتناقش هذه الصغيرة والدتها في ذلك مدافعةً عن مُعَلِّمتها.

ونظرة المجتمع بجميع طوائفه للمرأة المعلمة هي نظرة تقدير وتَبْجِيل، وأنها صاحبة رسالة شريفة، وأنها معلمة الأجيال ومربيتهم، وأن مهنة التعليم مهنة أساسية وركيزة مهمة في تَقَدُّم الأمم وسيادتها.

فإذا علمت المعلمة ما لها من تأثير في حياة التلميذات، فإنه ينبغي أن تتعرف على العلم الشرعي الذي يكون له أعظم الأثر في تربية وتعليم الطالبات، لأنها مسؤولة أمام الله تعالى عن كل ما تقوله وتفعله أمام تلميذاتها، قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)([249])، فالمعلمة راعية ومسؤولة عن رعيتها من الطالبات.

وأجل ما تربي عليه المعلمة طالباتها أن تربيهن على الدين القويم، والعقيدة الصحيحة؛ حتى ينشأن على الإسلام لا يرضين به بدلًا، ولا يبغين عنه حِوَلًا، وحتى يتعودن ذلك، وتصبح تلك الآداب لهن مَلَكَةً وسَلِيقة.

وكذلك تحرص المعلمة على تربية تلميذاتها على كريم الخِلال وحميد الخِصال، مع الحرص الشديد على تجنيبهن ما ينافي ذلك من مساوئ الأخلاق ومرذول الأعمال؛ فإن لذلك الصنيع أبلغ الأثر في نفوسهن.

قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصاياه للمعلمين: “أنتم حراس هذا الجيل، والمُؤْتَمَنون عليه، والقوَّامون على بِنائه، وأنتم بُناةُ عقوله ونفوسه؛ فابنوا عقوله على أساس من الحقيقة، وابنوا نفوسه على صخرة من الفضائل الإنسانية، وأشربوه عرفان قيمتها؛ فإن من لم يعرف قيمة الثمين أضاعه، وقد غُبِنَتْ هذه القيمُ في عصركم، فكان ما ترون من فوضى واختلاط، ربوهم على ما ينفعهم، وينفع الوطن بهم؛ فهم أمانة الوطن عندكم، وودائع الأمة بين أيديكم، ربوهم على التَّحَابِّ في الخير، والتآخي في الحق، والتعاون على الإحسان، والصبر إلا على الضَّيْمِ، والإقدام إلا على الشر، والإيثار إلا بالشرف، والتسامح إلا بالكرامة”([250]).

ومن آثار العلم على حياة المرأة المسلمة كمعلمة أن تجنِّب طالباتها الانحراف بجميع أنواعه وأسبابه ومسبباته، والتي من أخطرها الانحراف الفكري، وهو أخطر وأسوأ أنواع الانحراف لما يحدثه من تخريب وإضعاف للعزائم وضياع للشخصية.

وعليه فإن المعلمة المسلمة تعمل جادة في وقاية طالباتها من الفكر المتطرف، ولتعلم أنه على عاتقها تقع مسؤولية بناء وإعداد الأجيال بصفة عامة، وأجيال الأمهات بصفة خاصة المتسلحات بالعلم والمعرفة وحب الوطن والانتماء له، لا سيما وأنها هي المربية التي يمكنها أن ترسخ في الطالبات السمات العامة للوسطية الإسلامية الواضحة، وتجعلها منهجًا لحياتهن.

المطلب الرابع: أثر العلم الشرعي على حياة المرأة المسلمة فيما بينها وبين أبويها:

حقُّ الوالدين على الأبناء لا يستطيع أن يُحْصِيَه إنسان، فهما سبب وجود الأبناء والبنات بعد الله عز وجل، ولن يستطيع الأبناء أن يحصوا ما لاقاه الأبوان من تعب ونَصَبٍ وأذًى، وسهر وقيام، وقلة راحة وعدم اطمئنان من أجل راحة الأبناء والبنات وفي سبيل رعايتهم، والعناية بهم، فسهرٌ بالليل، ونَصَبٌ بالنهار، ورعايةٌ واهتمام بالتنظيف في كل وقت وحين، وحماية من الحر والبرد والمرض، وتَعَهُّدٌ وتَفَقُدٌّ لحالة الأبناء من جوع وشبع، وعطش وروي، وتحسس لما يؤلمهم فهما يقومان بالعناية بالولد أشد عناية، فيراقبان تحركاته وسكناته، ومشيه وجلوسه، وضحكه وعبوسه، وصحته ومرضه، يفرحان لفرحه، ويحزنان لحزنه، ويمرضان لمرضه، فالأم حملت وليدها تسعة أشهر في الغالب تعاني به في تلك الأشهر ما تعاني من آلام ومرض ووَهن وثِقل، فإذا آن وقت المَخاض والولادة، شاهدَتِ الموت، وقاستْ من الآلام ما الله به عليم، فتارة تموت، وتارة تنجو.

والوالد ذلك الرجل الذي يَكُدُّ ويتعب، ويجد ويَلْهَثُ، ويروح ويغدو من أجل راحة أبنائه وسعادتهم.

وللوالدين على الأبناء حقوق كثيرة لا تُعَدُّ ولا تُحصى مكافأةً لما قاما به من مَسَاعٍ حميدة من أجل راحة الأبناء، وتنشئتهم تنشئة إسلامية، راجين بذلك ما عند الله والدار الآخرة، ثم راجين من الله تعالى حسن الرعاية من أبنائهما إثر تربيتهما لهم.

ومن أعظم آثار العلم الشرعي على حياة المرأة المسلمة فيما بينها وبين أبويها ما يلي:

1- حق الطاعة: والمقصود بالطاعة هنا الاستجابة لأوامرهما ورغبتهما في غير معصية الله، قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8].

2- الإنفاق عليهما عند الحاجة: فإن من إكرام الوالدين والإحسان إليهما أن يقدم لهما ما يحتاجان إليه من مال وغيره، وخاصةً حين يصبحان غير قادرين على العمل.

3- الدعاء لهما: قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24].

4- صلة الرحم وإكرام صديقهما.

5- إجابة ندائهما على وجه السرعة.

6- التَأَدُّب واللِّين معهما في القول والتخاطب.

7- عدم الدخول عليهما بدون إذنهما، ولا سيما وقت نومهما وراحتهما.

8- عدم التَضَجُّر منهما عند الكِبَرِ أو المرض والضعف، والقيام بخدمتهما على خير وجه.

9- إكرامهما بتقديمهما في جميع الأمور، وبخاصة عند الأكل.

المطلب الخامس: أثر العلم الشرعي على حياتها فيما بين إخوانها:

الإخوة والأخوات ثمرات الوالدين، وهم أقرب الأرحام وألصقهم بالنفس وأحبهم إلى القلب، وهم الذين يقضي الطفل معهم صدر حياته وأيام الطفولة، جنبا إلى جنب في البيت والمدرسة وعلى الطعام والشراب وأثناء الليل والنهار؛ لذلك أمر الله تعالى بالوفاء إليهم وصلتهم والإحسان إليهم، ونهى عن قطيعتهم والإساءة إليهم.

وللعلم آثار شرعية في حياة المرأة حيال إخوانها وأخواتها ومن أعظم هذه الآثار:

1- احترام الإخوة الكبار وتوقيرهم، والعطف على الإخوة الصغار والحنان عليهم.

2- معاملة الإخوة والأخوات بالعطف واللين والإحسان.

3- التزام حسن الخلق والتحلي بالتواضع وخفض الجناح، والمحبة والإيثار والتعاون.

4- الابتداء بالسلام عند الدخول عليهم، والبشاشة في وجوههم.

5- مراعاة شعور الإخوة والأخوات، بعدم الفرح أمام حزين، وعدم الأكل أمام صائم، وعدم الصَّخَبِ قرب نائم.

6- محبة الخير لهم جميعا، والعمل على إيصاله لهم.

7- الشكر على معروفهم ومكافأتهم عليه بأحسنَ منه.

8- الاهتمام بشؤونهم والتعرف على أحوالهم، وتفقد حاجاتهم.

9- بذل النصيحة لهم، ودعوتهم إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، وتذكيرهم بأداء الفرائض.

10- الاعتذار منهم عن الهَفَوات والزَّلَّات.

11- الإصلاح بين المتخاصمين منهم، وتَجَنُّبُ التقاطع والتدابر والتحاسد وسوء الظن.

12- تَجَنُّبُ إيذاء أحدهم باليد أو السب أو الكلام أو المِزاح غير المهذب.

13- تَجَنُّبُ التدخل في شؤونهم الخاصة واستخدام أدواتهم دون إذن.

14- مراعاة الحشمة والأدب في الكلام واللباس وخاصة عند اختلاف الجنسين، وغَضُّ البصر عن النقائص والعيوب.

المطلب السادس: أثر العلم الشرعي في حياة المرأة الطالبة:

الطالبة قد تكون مُعَلِّمة المستقبل، فينبغي عليها أن تكون على وعي، ومعرفة بما تتلقاه من العلوم والمعارف التي تعرف من خلالها الصالح من الفاسد، وتفرق بها بين الغَثِّ والسمين، فتأخذ ما يناسبها وينطبق على قواعد الشريعة، فيكون العلم الشرعي النافع هو المقياس للصالح، والصالح ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية، أما ما عدا ذلك فهو غُثَاءٌ لا يُسْمِنُ ولا يغني من جوع، ولا يتم لها ذلك إلا بطلبها للعلم الشرعي واطلاعها على الكتب النافعة، وسماعها للأشرطة المفيدة، وعند ذلك يظهر الأثر العظيم للعلم الشرعي النافع في حياتها وطلبها للعلم.

وعندما يكون طلبها للعلم قد ارتبط بالعلم الشرعي، فإن آثاره تظهر عليها أيضًا في علاقاتها مع زميلاتها الطالبات، وفي قُدْوتها من المعلمات، فالعلم الشرعي النافع يجعلها مسلمة صالحة مطيعة لله تعالى.

وكذلك العلم الشرعي يجعلها تحسن اختيار من تجعلها قدوة لها من المعلمات، فلا تَسْتَهْوِيها من تقلِّد غير المسلمات في لبسها وهيئتها حتى يقال عنها أنها متحضرة، بل يجعلها تقتدي بالصالحة الطيبة منهن.

وأهم أثر للعلم الشرعي في حياة الطالبة هو مدى احترامها وتوقيرها لمعلماتها، اللاتي يعلمنها العلم النافع، فإذا نظرت إلى العلم الشرعي واطلعت عليه علمت مدى ما للعلم والعالم من الفضل والاحترام والتقدير([251]).

المطلب السابع: أثر العلم الشرعي عليها مع ولاة أمورها:

السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، قلَّ أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه، وما ذلك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا، وبالتعدي عليهم قولًا أو فعلًا فَسَادُ الدين والدنيا.

ولقد كان السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يولون هذا الأمر اهتمامًا خاصًا، لا سيما عند ظهور بوادر الفتنة، نظرًا لما يترتب على الجهل به أو إغفاله من الفساد العريض في العباد والبلاد، والعُدول عن سبيل الهدى والرشاد.

وللعلم الشرعي أثر ودور بارز في حياة المرأة المسلمة مع ولاة أمورها، ومن آكَدِ آثاره عليها ما يلي:

1- السمع والطاعة لهم في المعروف: من أهم الآثار المترتبة على العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة أنها تسمع وتطيع لولاة أمرها، فالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصل من أصول العقيدة السلفية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فطاعة الله ورسوله واجبة من كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال، فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عَضَلهم، فما له في الآخرة من خَلَاق”([252]).

2- الصبر على جَوْرِهم: من أهم الآثار المترتبة على العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة تجاه ولاة أمورها أنها تصبر على جَوْرِهم وما يصدر من ظلم لها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا) قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ)([253]). وقوله كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)([254])، فالصبر على جَوْرِ الأئمة وظلمهم يَجْلِبُ من المصالح ويَدْرَأُ من المفاسد ما يكون به صلاح العباد والبلاد.

3- بذل النصيحة لهم سرًّا وعلانية: من أهم الآثار المترتبة على العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة تجاه ولاة أمورها أنها تنصح لهم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)([255]). والنصيحة لولاة الأمر تكون بحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهية افتراق الأمة عليهم، ومعاونتهم على الحق والهدى، وتذكيرهم بالبِرِّ والتقوى، وتنبيههم إلى ذلك في رفق ولطف من غير عنف ولا تشهير ولا مُنَابذة.

4- نصرتهم باطنًا وظاهرًا: من الآثار المترتبة على العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة تجاه ولاة أمورها أنها تقوم بنصرتهم باطنًا وظاهرًا، وذلك بِبَذْلِ المجهود معهم لما في ذلك من نصر المسلمين وإقامة حُرْمَة الدين، وكف أيدي المعتدين.

5- تَبْجِيلهم وتعظيمهم وتوقيرهم: من الآثار المترتبة على العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة تجاه ولاة أمورها أنها تعرف لهم حقهم، وما يجب من تعظيم قدرهم، فيعاملون بما يجب لهم من الاحترام والإكرام، وما جعل الله تعالى لهم من الإِعْظام([256]).

المطلب الثامن: أثر العلم الشرعي على حياتها مع خادمها:

للعلم الشرعي أثر في حياة المرأة المسلمة مع خادمها ذَكَرًا كان أو أنثى، وذلك لورود النصوص الشرعية التي تأمر بذلك، ومن أعظم أثر العلم الشرعي على حياة المرأة المسلمة حِيال خادمتها أو خادمها أداء حقهم من الراتب المُتَّفَق عليه، فلا يجوز بَخْسُ راتبهما ولا تأخيره عنهما، فإن ذلك حق لهما، وهَضْمُ الحقوق مخالفة ومعصية لله تعالى.

ومن الآثار المترتبة على العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة تجاه الخادم أيضًا أنها تحسن التعامل معه، فإن في ذلك تربيةً للنفس على التواضع، وقد كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم خير الناس في معاملة الخادم.

يقول خادمه أنس رضي الله عنه: “فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا، وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا”([257]).

ومن الآثار أيضًا أنها لا تُهِينهما ولا تضربهما؛ فعن أم المؤمنين عائشة رض الله عنها قالت: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلهِ عز وجل) ([258]).

ومن آثار العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة تجاه خادمها أيضًا أنها لا تكلفه من الأعمال ما لا يطيق، فإذا كان العبد المملوك لا يُكَلَّفُ إلا ما يطيق فالخادم الحر أَوْلى، فإن كان هناك من عمل لا بد منه فيحمل عنه ما هو فوق طاقته لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ) ([259]).

ومن الآثار المترتبة على العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة تجاه خادمها أو خادمتها أن تعلِّمهما ما هو ضروري من أمور دينهما من أمور التوحيد والصلاة والصيام، وغير ذلك مما هو ضروري، وإن كان الخادم أو الخادمة غير مسلمين تدعوهما إلى الإسلام، وفي ذلك خير عظيم للمرأة لقوله صلى الله عليه وسلم: (فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ)([260]).

ومن الآثار المترتبة على العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة أنها تطعم خادمها مما يطبخ، فإذا كان الخادم يطبخ لأهل بيتها فعليها أن تسمح له أن يأكل من طبخه؛ فإنه قد شم رائحة هذا الأكل ورآه فَتَاقَتْ نفسه إليه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً، أَوْ لُقْمَتَيْنِ، أَوْ أُكْلَةً، أَوْ أُكْلَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلَاجَهُ([261])) ([262]).

ومن أعظم آثار العلم على المرأة المسلمة أنها لا تخلو بخادمها، وأنه لا يرى منها ما يحرم النظر إليه؛ فهو أجنبي عنها أجيرٌ لديها، وحُكْمه في النظر والخَلْوَة حكم الأجنبي([263]).

المطلب التاسع: أثر العلم الشرعي في الحياة الدينية للمرأة المسلمة بصفة عامة والتي هي الطريق إلى الحياة الأخروية الأبدية:

هذا الأثر هو المَصَبُّ الرئيسي الذي تَصُبُّ فيه جميع الآثار السابقة في حياة المرأة المسلمة، فإن للعلم الشرعي النافع أكبر الأثر في حياة المرأة المسلمة الصالحة، سواء كانت أُمًّا أو زوجة أو معلمة أو طالبة أو غير ذلك، فالعلم الشرعي النافع يجعل المرأة من أشد النساء حرصًا على أن يكون بيتها بيت صلاح ودين، لا يُسمع فيه إلا الذِّكْر لله تعالى وتلاوة القرآن، ولا يسمع فيه الغناء ولا الطرب والآثام.

فالعلم الشرعي النافع إذا أدخلته المرأة المسلمة إلى بيتها وحياتها تحول البيت والحياة إلى رياض للمغفرة، وبساتين للعرفان، وحدائق للحسنات.

والعلم الشرعي النافع يجعل المرأة المسلمة تزداد علمًا وفهمًا بأمور الدين والعبادة والآخرة، وتحرص على تعلم كل ما ينفعها في الحياة الأخروية، فالجهل بالآخرة يكون عندما يبتعد المرء عن العلوم النافعة التي تَحُثُّ على العمل الصالح وتُرَغِّب فيه، ويكون عندما لا يعرف الإنسان ما ينبغي منه من طاعات وعبادات، فيجهل بذلك كل ما يربطه بالآخرة أو الاستعداد لها.

وبالعلم الشرعي النافع تزداد الهمة لطلب ما عند الله تعالى من النعيم الأخروي والحياة الباقية الدائمة، والحرص على الاستعداد للموت وضيق القبر وضمته.

ومن آثار العلم الشرعي النافع في حياة المرأة المسلمة، أنه إذا كانت المرأة طالبة للعلم النافع فإنها تعلم أنه مهما عملت من أعمال وعبادات لله تعالى لا بد أن تحس بالتقصير، وهذا شأن الصالحين، وتحرص على الاستزادة دائمًا من العبادات والطاعات للتقرب إلى الله تعالى، ثم تسأله تعالى بعد ذلك كله أن يتقبل منها هذه الأعمال التي قامت بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.

إن أهم ما يواجه المرأة المسلمة في وقتنا الحاضر هو الدعوات المضللة والشعارات المنحرفة، والتي تنادي بتحلل المرأة، وأن تترك دينها وعزها وحجابها، وأن ترضى بالذل والانحلال والفساد، وغير ذلك مما يروج له أعداء المرأة في كل مكان من يهود ونصارى وعلمانيين وغيرهم([264]).

 

طلب العلم وفضله

لقاء مع مجلة الدعوة

 

حوار حول طلب العلم وفضله

1- يلجأ بعض طلاب العلم إلى التركيز على الماجستير والدكتوراه والحصول عليهما دون الاهتمام بالعلم الشرعي، فنود منكم كلمة حول هذا الموضوع.

 2- هل شهادة الدكتوراه بالعلم الشرعي تجعل صاحبها عالمًا بالشرع ومتمكنا منه؟ أم أنها أتاحت لمن يحصل عليها الوصول إلى حد التمكن من العلم الشرعي؟ أرجو التعليق على ذلك.

3- ما هي السبل التي تجعل طالب العلم يصل إلى درجة التمكن من العلم والإلمام به؟

4- ما مدى الفائدة التي يجنيها الدارس على يد العلماء في المسجد من دروسهم ومحاضراتهم؟

5- لا بد من الدراسة على يد أحد العلماء والمشائخ لطلب العلم، ألا يمكن أن تكفي قراءة الكتب لطلب العلم دون اللجوء إلى الدراسة على يد العلماء والمشائخ، خصوصًا أن أغلبها قد تم شرحه من قبل على يد المختصين؟

إجابة السؤال الأول:

إن هناك عدة نقاط لا بد من التحدث عنها:

النقطة الأولى: هو جانب فضل العلم والتعلم:

مما لا شك فيه أن طلب العلم والتعلم من أفضل العبادات والقربات التي يتقرب بها العبد إلى رب الأرض والسماوات، كيف لا وقد مدح الله أهله بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزُّمَر: 9]، وقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وقال تعالى في معرض إثبات ألوهيته على خلقه، وأنه تعالى هو المستحق للعبادة، وأنه قد شهد لنفسه بذلك، وكذا ملائكته وأهل العلم به، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].

والآيات التي جاءت في بيان فضل العلم وأهله كثيرة، بل جاءت آيات أخر تحث على الزيادة منه، فقال تعالى لنبيه ه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}  [طه: 114]

 فأمره بالزيادة منه؛ لأنه أشرف مطلوب، وبه يتعرف العبد على خالقه ومعبوده أ.

أما الأحاديث التي جاءت في بيان فضل العلم والتعلم والحَثِّ على ذلك فهي كثيرة جدًّا نذكر منها حديثين:

الأول: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)([265])، وقوله ه: (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)([266]).

النقطة الثانية: في كيفية تحصيل هذا العلم:

فنقول: إن طرق تحصيل العلم في هذا الزمان كثيرة بخلاف الأزمان المتقدمة، فمن طرق تحصيل العلم الجلوس أمام العالم، والأخذ منه، والكتابة عنه، والقراءة عليه، وغير ذلك.

ومن الطرق أيضًا الالتحاق بالمدارس النظامية والجامعات والمعاهد العلمية التي تدرس فيها كتب الشريعة.

ومنها أيضًا: الاستماع إلى المحاضرات والندوات التي تعقد في المساجد أو في الإذاعات، كإذاعة القرآن الكريم، فإن فيها النفع الكثير.

ومنها أيضًا: سماع الأشرطة التي تتناول شروحات معينة لبعض الكتب، أو التي تتناول موضوعًا يهم المستمع ونحو ذلك، فالغرض أن وسائل طلب العلم في العصر الحديث متعددة، ولله الحمد.

النقطة الثالثة: وهي رد على سؤالكم الخاص بتركيز طلاب العلم بالحصول على رسالة الماجستير أو الدكتوراه دون الاهتمام بالعلم الشرعي فنقول:

إن تقدم البعض للحصول على الماجستير والدكتوراه في العلوم الشرعية أمر محمود شرعًا؛ لأنها مسلك من مسالك طلب العلم الذي يؤجر عليه صاحبه إذا صلحت فيه نيته، وحسن فيه قصده، قال الإمام أحمد رحمه الله: “طلب العلم لا يعدله شيء إذا صلحت فيه النية”.

وكون البعض يريد أن يحصل على هذه الشهادات من أجل عمل وظيفي، أو من أجل الحصول على عائد مادي، فهذا له نيته وقصده، وإن كانوا هم قلة، ولله الحمد، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)([267]).

ولا شك أن من كان هذا هدفه وغاية مطلوبه فإنه على خطر عظيم، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] وقال أيضًا: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16]

وقد بوب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه التوحيد بابًا فقال: (من الشرك العمل من أجل الدنيا).

فخلاصة القول في هذا الأمر أنه لا مانع من التركيز على رسالة الماجستير أو الدكتوراه والحصول عليها، إذا كان يريد صاحبها التخصص في فن من الفنون الشرعية، كالتخصص في الفقه مثلًا، أو العقيدة، أو العلم بالحديث، أو التفسير، وغير ذلك من العلوم الشرعية، لكن يستحضر المتخصص في ذلك عظمة وشرف العلم، ويجاهد مع ذلك نيته، فلا يطلب ذلك من أجل عَرَضٍ من الدنيا، أو رِفْعة فيها، بل يكون مقصوده طلب العلم لله والدار الآخرة.

النقطة الرابعة: وهي نصيحة أُسْديها للإخوة الذين حصلوا على رسالة الماجستير أو الدكتوراه فأقول لهم:

ليس التَّعَلُّم الحق أن تحصل على شهادة عالية تحقق لك المورد المالي، أو تضمن لك العيش الرضي، ثم تطوي هذه الشهادة وتترك المطالعة والاستزادة، بل التعلم الحق أن تستمر في مطالعاتك، وتزداد كل يوم علمًا وعملًا، قال بعض السلف: “لا تزالُ عالمًا ما كنت متعلِّمًا، فإذا استغنيتَ كنتَ جاهلًا”([268]).

وقال الإمام مالك رحمه الله: “لا ينبغي لأحد يكون عنده العلم أن يترك التعلُّم”([269]).

 وقيل لبعضهم: “إلى متى تطلب العلم؟ قال: من المَحْبَرة إلى المقبرة”([270]).

فرحمهم الله، ما أجملَ وأنفع أقوالهم.

فنصيحتي أيها المتخصص في علم من العلوم الشرعية أو غيرها من العلوم التي بها نفع للإسلام والمسلمين، أنْ تَهَبَ اختصاصك كل طاقاتك، وتمنحه جُلَّ اهتمامك، وتقبل عليه إقبال المسلم المعتقد أن عمله في دائرة اختصاصه فريضة، ومن ثم يتوجب عليه أن يتقن العلم الذي اختص فيه كل الإتقان، فلا يدخر وسعًا في الإحاطة بكل ما كتب عنه.

إجابة السؤال الثاني:

الذين يحصلون على شهادة الدكتوراه هم على فئتين؛ الفئة الأولى هم قوم عندهم معرفة بجميع العلوم الشرعية، فتراهم عندهم فقه، وعلم بالحديث، وكذا علم بالعقيدة، وعلم باللغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية، فهؤلاء وإن تخصصوا في جانب من الجوانب الشرعية إلا أنهم في الحقيقة عالمون بالشرع متمكنون فيه.

الفئة الثانية: هم قوم ليس عندهم إلمام بالعلوم الشرعية سوى التخصص الذي تخصصوا فيه، فتراهم عالمين عارفين به، وقد وصلوا إلى حد التمكُّن فيه، فهؤلاء في الحقيقة يكونون أهل علم ومعرفة بما تخصصوا فيه دون غيره.

إجابة السؤال الثالث:

السبل التي تجعل طالب العلم يصل إلى درجة التمكُّن من العلم والإلمام به كثيرة منها:

أولًا: تقوى الله تعالى؛ فهي من أعظم الوسائل وأشرفها، قال تعالى في شأنها: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]

فبدونها لا يصل الإنسان إلى مطلوبه.

ثانيًا: ملازمة العلماء والمشايخ في المساجد من خلال الدروس والندوات والمحاضرات، وفي البيوت من خلال زيارتهم والاستفادة من علمهم.

ثالثًا: القراءة مع الزملاء والأصدقاء وطلاب العلم.

رابعًا: حفظ المتون العلمية التي أُلِّفت في العلوم الشرعية مع دراسة شروح ما حفظه من هذه المتون.

خامسًا: كثرة الاطلاع والقراءة الخاصة المرتبة، فلا ينتقل مثلًا من كتاب إلى آخر إلا بعد الانتهاء مما في يده

سادسًا: إعداد البحوث العلمية التي يتم فيها تحرير المسائل واستخلاص النتائج مما يجعله يستفيد منها.

سابعًا: المحافظة على الأوقات، وذلك بحسن ترتيبها والحرص على استغلالها.

ثامنًا: الاستماع إلى ما في الأشرطة من محاضرات وندوات ودروس علمية، فهذه أيضًا وسيلة معينة على طلب العلم.

فهذه جملة من السبل والوسائل التي تجعل طالب العلم يصل إلى التمكُّن من العلم والإلمام به.

إجابة السؤال الرابع:

لا شك أن المسجد هو نقطة الانطلاقة الكبرى في طلب العلم من عهد النبوة والرسالة إلى وقتنا هذا، ولذلك كانت الدراسة فيه أنفع من غيره، فأنت ترى أن مستوى العلم في الوقت الحاضر يقل عن مستواه في الوقت السابق، وهذا ليس على سبيل التعميم على جميع الناس بأن مستواهم العلمي ضعيف، لأنه يوجد، ولله الحمد، أناس ممتازون في علمهم وعملهم.

لكن الدراسة في المسجد على يد العلماء فيها فوائد عظيمة جدًّا، فانظر على سبيل المثال علماءنا -رحمهم الله- كالشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، وغيرهم ممن درسوا في المساجد على يد مشايخهم، وانظر إلى العلم الذي حصلوه من الدراسة في المسجد، فتراهم في جميع العلوم قد تمكنوا فيها، إذن فالدراسة في المسجد لها نفع عظيم، وفوائد كثيرة لا يمكن حصرها.

وإذا قلنا إن الدراسة في المسجد هي الأصل، وإن فوائدها عظيمة كثيرة، فليس معنى ذلك أننا نقلل من شأن الدراسة المنهجية النظامية، فلا شك أن فيها النفع وهو أيضًا عظيم كما ذكرنا سابقًا.

ومن أعظم الدلائل على ذلك ما تطالعنا به هذه الدراسة النظامية من طلاب أذكياء ودعاة على علم وبصيرة بهذا الدين، يعملون في ساحة الدعوة إلى الله تعالى.

أما ما يدعيه بعض الشباب أن الدراسة المنهجية النظامية قليلة البركة، وأنها مضيعة للوقت فهذا خطأ، والواقع قد دل على خطأ من يقول هذه المقالة.

والخلاصة في ذلك أن الجمع بين التحصيل الشخصي من خلال قراءة الكتب والقراءة على يد المشايخ والعلماء في المساجد وبين الدراسة المنهجية من أنفع وأحسن ما يكون.

إجابة السؤال الخامس:

أقول وبالله التوفيق: إن الناس في هذه المسألة، أعني مسألة تلقي العلم من أفواه العلماء يكونون فيها على طرفين، فمنهم من يقول لا بد من الدراسة على يد العلماء والمشايخ لطالب العلم، ولعلكم أنتم تقولون بذلك، وهذا ما فهمته من خلال سؤالكم.

والطرف الآخر يقول: إن طلب العلم في قراءة الكتب فقط ولا يتعلق ذلك بالعلماء، فالكتب موجودة ومشروحة، ولا حاجة لي إلى الذهاب إلى المشايخ وغيرهم.

والصواب في هذه المسألة أن كلا الطريقين صحيح، أعني التلقي من الكتب، والتلقي من أفواه العلماء، لكن لا بد من شرط أساسي في هذين الأمرين وهو سلامة العقيدة من الشيخ والمؤلف، أي أن المؤلف يكون موثوقًا في عقيدته، وفي علمه، وأمانته، وكذلك الشيخ لا بد أن يكون موثوقًا في عقيدته وعلمه وأمانته، لكن تلقي العلم من أفواه العلماء يتميز بثلاثة أمور:

الأول: أنه أضبط وأيسر وأسرع، أضبط من جهة تحرير المسائل، وأيسر من جهة عرض المشروح، فالعالم يأتي لطلابه بأمثلة كثيرة لكي ييسر لهم المطلوب شرحه، وأسرع من جهة أن طالب العلم لا يحتاج إلى البحث والتنقيب في بعض المسائل؛ لأن شيخه حررها وأعطاه إياها جاهزة، مع بيان الراجح وغير ذلك، ولهذا كان التلقي على يد العلماء والمشايخ أيسر وأضبط وأسرع.

ثم إن القراءة على الشيخ مع تلقي العلم منه حماية لطالب العلم من الوقوع في الخطأ، ولذا قال بعض السلف: “من كان دليله كتابه فخطَؤُه أكثر من صوابه”، ومن هنا نصح السلف بعدم تلقي العلم ممن جعل شيخَه كتابَه، فقال: “لا تطلب العلم ممن جعل الصحيفةَ شيخَه”، لكن إذا لم يكن هناك عالم يتلقى طالب العلم من فيه فليقرأ الكتب بالشرط المذكور سابقًا، أعني أن يكون المؤلف موثوقًا بعلمه وأمانته وعقيدته، هذا هو الأفضل والأضبط.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

المنهجية في طلب العلم([271])

أمور مهمة في طلب العلم:

1- الإخلاص.

2- الصبر والمتابعة.

3- البدء بالأهم ثم المهم.

4- العمل بالعلم.

5- بذل العلم.

6- محبة أهل العلم واحترامهم.

7- التواضع.

8- الإكثار من الذكر والاستغفار.

9- الحرص على الدعوة إلى الله بما أعطاه الله من العلم.

10- الدفاع عن هذا الدين ومعرفة مخططات الأعداء.

11- العلم بالواقع ومعرفة مستجداته.

عوائق الطلب ومعوقاته:

1- طلب العلم لغير الله.

2- ترك العمل بالعلم.

3- الاعتماد على الكتب.

4- أخذ العلم عن الأصاغر.

5- عدم التدرج في العلم.

6- الغرور والعُجْب والكِبْر.

7- استعجال الثمرة.

8- دنو الهمة.

9- التَّسْويف والتمني.

10- حسد الأقران.

التأصيل والتأسيس:

لا بد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه بضبط أصله ومختصره على شيخ، ولا تعتمد على التحصيل الذاتي، ولا بد من أخذ العلم بالتدرج، ففي كل فن يلزمك:

1- حفظ مختصر فيه، فإن لم تستطع فعليك أن تستظهر هذا المختصر وتكرره كثيرًا.

2- ضبطه على شيخ وسماع تحليل ألفاظه وحل غامضه.

3- عدم الاشتغال بالمطولات والشروح قبل الضبط والإتقان للأصل.

4- عدم الانتقال من مختصر لآخر بلا موجب أو مبرِّر قوي.

5- الحرص على تقييد الفوائد وحفظها.

6- الهمة العالية والحرص الدؤوب والترقي وطول الملازمة للشيخ ففي ذلك الخير الكثير.

مما يعين على التحصيل واستظهار الدروس:

1- الانتباه للقراءة والمتابعة والحرص على فهم شرح الشيخ للمقروء.

2- عدم الحرص على السؤال أثناء القراءة، وتكون الأسئلة بعد ذلك.

3- مراجعة الدرس بعد انتهائه.

4- استحضار الدروس بين وقت وآخر.

5- الحرص على تطبيق الدروس عمليًّا لتثبت في الذهن.

حفظ أو دراسة المتون:

يحسن بالطالب حفظ المتون، فإن لم يتيسر فعليه دراستها واستظهارها بالتكرار، وهناك متون للمبتدئين، ومتون للمتوسطين، ومتون للمتقدمين.

فالمبتدئ بالعلم: (الأصول الثلاثة) في العقيدة، و(آداب المشي إلى الصلاة) في الفقه، و(الأربعين النووية) في الحديث.

وللمتوسطين: (التوحيد) في العقيدة، و(عمدة الأحكام) في الحديث، و(أخصر المختصرات) في الفقه.

وللمتقدمين: (الطحاوية) في العقيدة، و(زاد المستقنع) في الفقه، و(بلوغ المرام)، أو (مختصر البخاري ومسلم) في الحديث.

 

فهرس المحتويات

المقدمة

أثر العلماء في توعية المجتمعات الإسلامية

مقدمة

 شريعة الإسلام:

التحديات التي يواجهها الإسلام داخليا وخارجيا:

احتياج الإسلام إلى من يواجه به التحديات الداخلية والخارجية      

علماء الإسلام هم وحدهم المَعْنِيُّون لمواجهة التحديات الفكرية المُنَاوِئة للإسلام

وظيفة العلماء في المجتمعات الإسلامية

الإسلام يُهِيبُ بالعلماء أن يقوموا بوظيفتهم

الإسلام يُهِيبُ بالمجتمعات الإسلامية أن تحافظ على علمائها

ما يجب على العلماء حتى يؤدوا وظيفتهم على الوجه الأكمل

أولًا: الإخلاص والتَّجَرُّد لله عز وجل:

ثانيًا: موافقة الأعمال والأحوال والأقوال:    

ثالثًا: الشجاعة الأدبية:

رابعًا: الصبر على الأذى:

كيف يستثمر المسلم وقته نصائح وتوجيهات لطالب العلم

مقدمة

الغَيْرَة على الوقت:

خصائص الوقت:

1) سرعة انقضائه:

2) أن الوقت أَنْفَسُ ما يملك الإنسان:

وسائل معينة لحفظ الوقت وكسبه والانتفاع به

1) الإخلاص:

2) القدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم

3) العلم:

4) التقوى:

5) المبادرة إلى فعل الطاعات:

مناسبة العمل للوقت

العمر الحقيقي للإنسان:

الإخلاص في طلب العلم:

حُسن الاقتداء والاتباع:

تقديم الأولى من العلوم:

جمع الكتب وكثرة القراءة:

أهمية الحفظ:

الصدق:

زكاة العلم:

حذار من الثقافة السطحية:

هذا يصدق عليه اسم طالب العلم:

نيل المقامات العلمية:

هكذا تُقضى الأوقات:

الاعتماد على التفرغ من الشواغل في المستقبل:       

آفات تُضِيع الوقت

1) الغفلة:

2) التَّسْوِيف:

الخلاصة

رسالة إلى المعلمين والطلاب

 العلم والعلماء

الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ومنهجه في التعليم الجامعي

مقدمة

المبحث الأول: الشيخ ابن عثيمين نشأته وتعليمه

المطلب الأول: التعريف بسيرته رحمه الله:

المطلب الثاني: نشأته رحمه الله:

المطلب الثالث: تعليمه وشيوخه:

شيوخه:

المبحث الثاني: منهجه    في التعليم

المطلب الأول: طريقته في التدريس:

المطلب الثاني: أسلوبه في التعامل مع طلابه:

دقته في التصحيح ووضع الدرجات:

المطلب الثالث: محبة الطلاب له واستفادتهم من منهجه في التدريس:

المبحث الثالث: أثره رحمه الله على التعليم الجامعي

المطلب الأول: توجيهاته ونصائحه لطلابه في الجامعة:

المطلب الثاني: حرصه على نفع الطلاب:     

المطلب الثالث: غرسه للإخلاص والقيم الإسلامية في نفوس الطلاب:

المطلب الرابع: جهوده وآثاره في التعليم الجامعي:

المطلب الخامس: مواقف خاصة للشيخ في التعليم الجامعي

الخاتمة

المصادر والمراجع

أهمية العلم للمرأة المسلمة

أنسب الطرق لطلب العلم الشرعي:

أثر العلم الشرعي على المرأة في حياة المرأة المسلمة في عهد النبوة وما بعده:

مقدمة

 المبحث الأول

المطلب الأول: المقصود بالعلم الشرعي:

المطلب الثاني: فضل طلب العلم الشرعي:

المطلب الثالث: وسائل طلب العلم الشرعي:

‏المبحث الثاني: أهمية تعليم المرأة العلوم الشرعية

المطلب الأول: حكم تعليم المرأة المسلمة:     

المطلب الثاني: المرأة وطلب العلم الشرعي:

المطلب الثالث: لماذا تطلب المرأة العلم الشرعي؟

المبحث الثالث: ملاحظات وآداب لطالبة العلم الشرعي

المطلب الأول: في ذكر بعض الآداب التي ينبغي للمرأة أن تتحلى بها

المطلب الثاني: أخطار في طريق تعليم المرأة:

المبحث الرابع: تعليم المرأة في زمن النبوة

المطلب الأول: واقع تعليم المرأة المسلمة في عهد النبوة:

المطلب الثاني: مقارنة بين طلب المرأة للعلم قديمًا وحديثًا:

المطلب الثالث: دور المرأة المسلمة في العلم والتعليم في عهد النبوة:

المطلب الرابع: جهود نساء السلف في نشر العلم الشرعي

المبحث الخامس: الآثار المترتبة على تعلم المرأة العلم الشرعي

المطلب الأول: أثر العلم الشرعي على حياة المرأة كزوجة:

المطلب الثاني: أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة كأم:  

المطلب الثالث: أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المعلمة:

المطلب الرابع: أثر العلم الشرعي على المرأة المسلمة بينها وبين أبويها:

المطلب الخامس: أثر العلم الشرعي على حياتها فيما بين إخوانها:

المطلب السادس: أثر العلم الشرعي في حياة المرأة الطالبة:

المطلب السابع: أثر العلم الشرعي عليها مع ولاة أمورها:

المطلب الثامن: أثر العلم الشرعي على حياتها مع خادمها:

المطلب التاسع: أثر العلم الشرعي في الحياة الدينية للمرأة المسلمة

طلب العلم وفضله، لقاء مع مجلة الدعوة

إجابة السؤال الأول:

النقطة الأولى: هو جانب فضل العلم والتعلم:

النقطة الثانية: في كيفية تحصيل هذا العلم:

النقطة الثالثة: تركيز طلاب العلم بالحصول على الماجستير

النقطة الرابعة: نصيحة للإخوة الذين حصلوا الماجستير أو الدكتوراه

إجابة السؤال الثاني:

إجابة السؤال الثالث: 

إجابة السؤال الرابع:  

إجابة السؤال الخامس:

المنهجية في طلب العلم

أمور مهمة في طلب العلم:

عوائق الطلب ومعوقاته:

التأصيل والتأسيس:

مما يعين على التحصيل واستظهار الدروس:

حفظ أو دراسة المتون:

فهرس المحتويات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])      أخرجه البخاري (139 ، رقم 71) ، ومسلم (2718 ، رقم 1037).

([2])      أدب المجالسة وحمد اللسان (ص: 103).

([3])      موطأ الإمام مالك (2 1002).

([4])      جامع بيان العلم وفضله (2 203).

([5])      يتيمة الدهر (2117).

([6]) صيد الخاطر (ص: 281).

([7]) إعلام الموقعين لابن القيم (ج3ص3).

([8]) أخرجه أحمد (357 رقم16519)، وابن ماجة (150 رقم43)، والحاكم (1321 رقم303)، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (4369).

([9]) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (11125) ولفظه: «إلا قد بينته لكم(، ولم أقف على صحته، وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه) (أخرجه ابن أبي شيبة (8129)، وعبد الرزاق في مصنفه (11125)، والبيهقي في شعب الإيمان (26310، رقم 9989)، واللفظ له، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6865، رقم2866).

([10]) إعلام الموقعين لابن القيم (ج3 ص206،207).

([11]) كتاب لمحات في الثقافة الإسلامية لعمر عودة الخطيب، (ص6، 7).

([12]) كتاب لمحات في الثقافة الإسلامية لعمر عودة الخطيب، ص118 بتصرف.

([13]) أخرجه أبو داود (1049 رقم3157)، والترمذي (9296 رقم2606)، وابن ماجة (1259 رقم 219)، وأحمد (44192رقم 20723)، وابن حبان (1171 رقم 88)، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6297).

([14])     أخرجه ابن ماجة (1279رقم 236)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1رقم 959).

([15])     أخرجه الترمذي (9299 رقم2609)، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4213).

([16])     أخرجه الطبراني في الكبير (799 رقم7346) بإسناد لا بأس به، وخرجه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1رقم 86)، وقال: حديث حسن صحيح.

(4)      أخرجه أبو داود (1076 رقم3175)، والترمذي (9259 رقم2581)، وابن حبان (1136 رقم6) وقال الترمذي حديث حسن صحيح، وخرجه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1 رقم89) وقال حديث حسن صحيح.

([18])     أخرجه أبو داود (3322 رقم3660)، والترمذي (533 رقم 2656)، وحسنه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج190).

([19])     أخرجه مسلم (13164، رقم 4831).

([20])     أخرجه مسلم (13212، رقم 4867).

([21]) أخرجه مسلم (1167، رقم 70).

([22])     أخرجه أبو داود (1073 رقم3173)، وابن ماجة (1308 رقم260)، وأحمد (15296 رقم7255)، وأخرجه الحاكم بنحوه وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (1335 رقم 315)، والطبراني في الكبير (7392)، والبيهقي في شعب الإيمان (4266 رقم1702)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1 رقم 120).

([23])     أخرجه الترمذي (875 رقم2095)، وحسنه الألباني في جامع الترمذي (4468 رقم 2169).

([24])     أخرجه الترمذي (873 رقم2094)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (488 رقم 1564).

([25])     أخرجه الترمذي (8443 رقم2341)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1، رقم126).

([26])     أخرجه البخاري (1146 رقم3027).

([27])     جامع بيان العلم وفضله (12).

([28])     أخرجه البخاري (1141، رقم77).

([29])     أخرجه البخاري (1176، رقم 98)، ومسلم (13 160، رقم 4828).

([30])     إحياء علوم الدين (111).

([31])     جامع بيان العلم وفضله (1153).

([32])     أخرجه البخاري (1126، رقم69)، ومسلم (5241، رقم 1721).

([33])     أخرجه أبو داود (1050 رقم3158)، والترمذي (9243رقم2570)، وابن ماجة (1259 رقم219)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6297).

([34])     أخرجه أحمد (46239 رقم 21693)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (رقم5443).

([35])     أخرجه أبو داود (12473 رقم4203)، وحسنه الألباني في سنن أبي داود (4261 رقم4843).

([36])     أخرجه الطبراني في الكبير بسند لا بأس به (9195رقم10623)، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب: ضعيف جدًّا (ج1 رقم116).

([37]) إعلام الموقعين لابن القيم (137).

([38])     أخرجه أبو يعلى (13440 رقم6556)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ج7 رقم3230).

([39])     جامع بيان العلم وفضله (1185).

([40])     حلية الأولياء (79).

([41])     حلية الأولياء (76).

([42])     أخرجه أحمد (43234 رقم20276)، وابن حبان (2300 رقم406)، والحاكم (18267 رقم 8009)، والبيهقي في شعب الإيمان (14358 رقم6566)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1 رقم23).

([43])     أخرجه أبو داود (1082 رقم3179)، وابن ماجة (1294رقم248)، وأحمد (17145 رقم8103)، والحاكم (1277 رقم264) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، وابن حبان (1152 رقم78)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1رقم105).

([44])     أخرجه الترمذي (9255 رقم 2578)، وحسنه الألباني في جامع الترمذي (532 رقم 2654).

([45])     أخرجه ابن ماجة (1295 رقم 249)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6382).

([46])     أخرجه ابن ماجة (1296 رقم250)، وابن حبان (1151 رقم 77)، والبيهقي (4290 رقم 1725)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1 رقم 107).

([47])     أخرجه الدارمي في سننه (1 288 رقم261).

([48])     أخرجه مسلم (109، رقم 3527).

([49])     عن كتاب شرح حديث: «ذئبان جائعان…( لابن رجب الحنبلي، وهو مدرج ضمن كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1175، 176) ط دار الكتب العلمية ـ بيروت 1398هـ.

([50])     أخرجه الترمذي (10429 رقم3079)، وحسنه الألباني في سنن الترمذي (5314 رقم3154).

([51]) هداية المرشدين، (ص90).

([52])     هداية المرشدين، (ص94).

([53])     أخرجه البيهقي (10463 رقم4757)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1 رقم125).

([54]) أخرجه البخاري (1146، رقم 3027)، ومسلم (14261 رقم5305).

([55]) هداية المرشدين، (ص92).

([56])     أخرجه البخاري (22140 رقم6660)، ومسلم (9373 رقم3426).

([57])     أخرجه أحمد (43413 رقم20447)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5199 رقم 2166).

([58])     أخرجه النسائي (13121رقم4138)، وصححه الألباني في سنن النسائي (7161 رقم4209).

([59])     أخرجه ابن ماجه (1211، رقم3997)، وصححه الألباني في سنن ابن ماجة (21328، رقم 4007).

([60])     أخرجه البخاري (5318، رقم 1376)، ومسلم (5274 رقم 1745).

([61])     أخرجه الترمذي (8443 رقم2341)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1، رقم126).

([62])    أخرجه البخاري (52357 ، رقم 6049).

([63])    أخرجه الحاكم (4341، رقم 7846)، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3355).

([64])     مدارج السالكين لابن القيم (3  50).

([65])     كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء والدواء) ص (56).

([66])     حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني (2148) .

([67])     شرح السنة، الحسن بن علي بن خلف البربهاري (14 225) .

([68])     فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي (6  288).

([69])     صيد الخاطر، لابن الجوزي ص (142).

([70])     حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبو نعيم الأصبهاني (2303) .

([71]) أخرجه البخاري (62655 ، رقم 6851).

([72])     مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن القيم (3246).

([73])    أخرجه أحمد (4190، رقم 17734)، والترمذي (4565 ، رقم 2329)، وقال: «حديث حسن صحيح (وصححه الألباني: في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3364).

([74])    أخرجه الحاكم (4360 ، رقم 7921)، وقال هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (627).

([75])     جامع العلوم والحكم، لابن رجب ص (12).

([76])     صيد الخاطر ص (281).

([77])     مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1109).

([78])     تذكرة السَّامع والمتَكلم في أَدب العالم والمُتعلم لابن جماعة الكناني ص (17).

([79])     صيد الخاطر ص (11).

([80])     فضل علم السلف، لابن رجب ص (57) .

([81])     المرجع السابق ص(4).

([82])     محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء. الراغب الأصفهاني (173).

([83])     صيد الخاطر لابن الجوزي ص (184).

([84])     الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب رقم (1813).

([85])     الجليس الصالح والأنيس الناصح، المعافى بن زكريا ص (16).

([86])     الدرر الكامنة، لابن حجر (5138).

([87])     رسائل الإصلاح للشيخ محمد الخضر حسين (113) .

([88])     الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي (1304).

([89])    المرجع السابق.

([90])    أخرجه مسلم (31255 ، رقم 1631).

([91])     سير أعلام النبلاء للذهبي (13292).

([92])     صيد الخاطر ص (237).

([93])     الوافي بالوفيات، لصلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (7 34 – 36).

([94])     معرفة علوم الحديث ص (3).

([95])     رسالة الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم (2255).

([96])     قصر الأمل لابن أبي الدنيا رقم الأثر (213).

([97])     أخرجه أبو داود (1049 رقم3157)، والترمذي (9296 رقم2606)،وابن ماجة (1259 رقم219)، وأحمد (44192رقم 20723)، وابن حبان(1171 رقم88)، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6297).

([98])     أخرجه مسلم (42074، رقم 2699).

([99])    أخرجه أحمد (5196 ، رقم 21763) ، وأبو داود (3317 ، رقم 3641) ، والترمذي (548 ، رقم 2682)، وابن ماجه (181 ، رقم 223)، وصححه الألباني في سنن أبي داود (3317) رقم (3641).

([100])    كتاب رحلة العلماء في طلب العلم، ماجد إسلام البنكاني (1210).

([101])    كتاب رحلة العلماء في طلب العلم، ماجد إسلام البنكاني (1210).

([102])    شرح ثلاثة الأصول، لابن عثيمين  ، دار الثريا للنشر، ط4، 1424هـ.

([103])    أخرجه البخاري (2935، رقم 2500)، ومسلم (2 656، رقم 949).

([104])    شرح ثلاثة الأصول، لابن عثيمين  ، دار الثريا للنشر، ط4، 1424هـ..

([105])    الشرح الممتع على زاد المستقنع (116).

([106])    لقاءاتي مع الشيخين، للباحث (218).

([107])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين .

([108])    مجلة الدعوة، العدد: 1777، شوال، 1421هـ.

([109])    أخرجه مالك في الموطأ (2899). قال ابن عبد البَرِّ في (التمهيد) (24331): محفوظٌ، معروفٌ، مشهورٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند أهل العِلم، شهرةً يكاد يُستغنَى بها عن الإسناد.، وحسنه الألباني في المشكاة (ج1 رقم 186).

([110])  أخرجه البخاري (13 ، رقم 1) ، ومسلم (31515 ، رقم 1907).

([111])    الشرح الممتع على زاد المستقنع (116).

([112])    أخرجه الترمذي (526، رقم 2641)، وحسنه الألباني.

([113])    أخرجه البخاري (2534 ، رقم 1400) ، ومسلم (2729 ، رقم 1053).

([114])    أخرجه مسلم (174 ، رقم 54).

([115])    الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين (1407).

([116])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين .

([117])    الإنصاف (822)، الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين (2164).

([118])    أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (545)(8817)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

([119])    الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين (1194).

([120])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين .

([121])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين .

([122])    المرجع السابق.

([123])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين .

([124])    المرجع السابق.

([125])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين .

([126])    المرجع السابق.

([127])    المرجع السابق.

([128])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين .

([129])    المرجع السابق.

([130])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين .

([131])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د.صالح التويجري، د. عبد الله المشيقح.

([132])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([133])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د. عبد العزيز الحجيلان.

([134])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل..

([135])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد القاضي.

([136])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د. عبد العزيز الحجيلان.

([137])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل..

([138])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([139])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د.صالح التويجري، د. عبد الله المشيقح.

([140])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د.صالح التويجري، د. عبد الله المشيقح.

([141])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د.صالح التويجري، د. عبد الله المشيقح.

([142])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د. عبد العزيز الحجيلان.

([143])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د. صالح الحسن.

([144])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد الخليل.

([145])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([146])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. خالد المصلح.

([147])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د. عبد العزيز الحجيلان.

([148])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد القاضي.

([149])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د. عبد العزيز الحجيلان.

([150])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د. عبد العزيز الحجيلان.

([151])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([152])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([153])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد الخليل.

([154])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([155])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. خالد المزيني.

([156])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. خالد المشيقح.

([157])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د. صالح الحسن.

([158])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([159])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد الخليل.

([160])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد القاضي.

([161])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد الخليل.

([162])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([163])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد القاضي.

([164])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. صالح التويجري، د. عبدالله المشيقح.

([165])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([166])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. خالد المشيقح.

([167])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد الخليل.

([168])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد القاضي.

([169])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([170])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([171])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([172])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد القاضي .

([173])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. صالح التويجري، د. عبد الله المشيقح.

([174])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد القاضي.

([175])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عمر المقبل.

([176])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د. صالح الحسن.

([177])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. خالد المشيقح.

([178])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد القاضي.

([179])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. أحمد القاضي.

([180])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د.صالح الحسن.

([181])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د.صالح الحسن.

([182])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د.صالح الحسن.

([183])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. صالح التويجري، د. عبدالله المشيقح.

([184])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. صالح التويجري، د. عبدالله المشيقح.

([185])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، أ.د.صالح الحسن.

([186])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. عبد الرحمن المزيني.

([187])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. صالح التويجري، د. عبدالله المشيقح.

([188])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. صالح التويجري، د. عبدالله المشيقح.

([189])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. صالح التويجري، د. عبدالله المشيقح.

([190])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. صالح التويجري، د. عبدالله المشيقح.

([191])    نتائج استبانة الباحث حول جهود الشيخ ابن عثيمين ، د. صالح التويجري، د. عبدالله المشيقح.

([192]) أخرجه البخاري (139 ، رقم 71) ، ومسلم (2718 ، رقم 1037).

([193])    أخرجه أبو داود (1050 رقم3158)، والترمذي (9243رقم2570)، وابن ماجة (1259 رقم219)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6297).

([194])  أخرجه الترمذي (529 ، رقم 2647).

([195]) المستطرف في كل فن مستظرف، شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي (160).

([196]) أخرجه البخاري (139 ، رقم 71) ، ومسلم (2718 ، رقم 1037).

([197])  أخرجه أبو داود (1050 رقم3158)، والترمذي (9243رقم2570)، وابن ماجة (1259 رقم219)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6297).

([198]) أخرجه مسلم (41836 ، رقم 2363).

([199])    مجموع فتاوى ورسائل، فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (7130).

([200])    أخرجه أبو داود (193 ، رقم 336)، وحسنه الألباني في صحيح برقم (364).

([201])    حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني (7305).

([202])    أخلاق العلماء للآجري، (ص 53).

([203])    ديوان الإمام الشافعي: ص (26).

([204])    الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (441).

([205])    مفتاح دار السعادة لابن القيم (170).

([206]) أخرجه البخاري (62737 ، رقم 7091) ، ومسلم (1558 ، رقم 815).

([207])  أخرجه البخاري (139 ، رقم 71) ، ومسلم (2718 ، رقم 1037).

([208]) أخرجه أحمد (5196، رقم 21763)، وأبو داود (3317، رقم 3641)، والترمذي (548 ، رقم 2682).

([209]) أخرجه الترمذي (550، رقم 2685)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم: (4213).

([210])    أخرجه  ابن ماجه (181 ، رقم 224)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (183).

([211]) أخرجه البخاري (2848، رقم 2278)، ومسلم (31459، رقم 1829).

([212]) أدب الدنيا والدين، للماوردي الشافعي ـ ص (106).

([213]) منهاج السنة النبوية (8148).

([214]) صفة الصفوة، لابن الجوزي (232) .

([215]) أخرجه الترمذي (532 ، رقم 2654)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6383).

([216]) أخرجه الترمذي (8443 رقم2341)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (ج1، رقم126).

([217]) الزهد للحسن البصري، (ص 90).

([218]) جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر القرطبي (192).

([219]) أخرجه البخاري (2515، رقم 1352) ومسلم (42027، رقم 2629).

([220]) أي: أَمَة.

([221]) أخرجه البخاري (31096، رقم 2849)، ومسلم (1134، رقم 154).

([222]) أخرجه البخاري (1332، رقم 935)، ومسلم (2603، رقم 885).

([223]) أخرجه البخاري (62667، رقم 6680)، ومسلم (42029، رقم 2633).

([224]) أخرجه البخاري (41589، رقم 4112)، ومسلم (1571، رقم 834).

([225]) فتح الباري (3 106) (1 365).

([226]) أخرجه البخاري (1101، رقم 248)، ومسلم (1254، رقم 316).

([227]) المرجع السابق.

([228]) فتح الباري (1 365).

([229]) أخرجه مسلم (1262، رقم 332).

([230]) كتاب أجنحة المكر الثلاثة، عبد الرحمن حبنكة الميداني، ص (588).

([231])  كتاب دور المرأة في تعزيز الثقافة الإسلامية لدى أبنائها في ظل تحديات العولمة، أ. عزيزة علي، ص (721، 782).

([232]) مجلة الوعي الإسلامي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت (العدد: 530) بتاريخ: 392010م بحث (دور المرأة في العلم والتعليم عبر العصور الإسلامية).

([233]) مجلة الوعي الإسلامي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت (العدد: 530) بتاريخ: 392010م، بحث دور المرأة في العلم والتعليم عبر العصور الإسلامية.

([234]) أخرجه أبو داود (3177، رقم 3071).

([235]) نساء شهيرات من نجد، د. دلال الحربي.

([236]) أخرجه البخاري (62612، رقم 6726)، ومسلم (31469، رقم 1840).

([237]) أخرجه البخاري (31182، رقم 3065)، ومسلم (21060، رقم 1436).

([238]) القتب: هو الرحل الذي يوضع حول سنام البعير تحت الراكب.

([239]) أخرجه ابن ماجة (1595، رقم 1853)، وصححه الألباني في الصحيحة (1203).

([240]) أخرجه الترمذي (5273، رقم 3087) وقال : حسن صحيح. والنسائي في الكبرى (2444، رقم 4100)، وابن ماجه (21015، رقم 3055)، وحسنه الألباني في الإرواء برقم (1997).

([241]) أخرجه البخاري (51994 ، رقم 4899).

([242]) شرح صحيح مسلم (7115).

([243]) أخرجه البخاري (2848، رقم 2278)، ومسلم (31459، رقم 1829).

([244]) أخرجه أحمد (5267، رقم 22348)، والترمذي (4433 ، رقم 2120) وقال: حسن صحيح، والطبراني (8135، رقم 7615)، وأبو داود (3296، رقم 3565)، وابن ماجه (2905، رقم 2713) .

([245]) أخرجه البخاري (51994 ، رقم 4899).

([246]) أخرجه البخاري (1116، رقم 298)، ومسلم (187، رقم 80).

([247])    كتاب تذكير البرية بالحقوق الزوجية، محمد نصر الدين محمد عويضة، ص (230).

([248])    كتاب أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة، أم حسن، ص (80).

([249]) أخرجه البخاري (2848، رقم 2278)، ومسلم (31459، رقم 1829).

([250]) عيون البصائر، محمد البشير الإبراهيمي، ص(299).

([251]) أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة، أم حسن، (ص 108).

([252]) مجموع الفتاوى (3516-17).

([253]) أخرجه البخاري (62588، رقم 6644).

([254]) أخرجه البخاري (52169، رقم 5415)، ومسلم (41772، رقم 2261).

([255]) أخرجه مسلم (174، رقم 55).

([256]) انظر في ذلك حقوق ولاة الأمر، للدكتور العسكر، (ص 51)، ومعاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة للشيخ الدكتور عبد السلام برجس، (ص 54).

([257]) أخرجه البخاري (31019، رقم 2616)، ومسلم (41804، رقم 2309).

([258]) أخرجه (41814، رقم 2328).

([259]) أخرجه البخاري (2899، رقم 2407)، ومسلم (31283، رقم 1661).

([260]) أخرجه البخاري (31077، رقم 2783)، ومسلم (41872، رقم 2406).

([261]) أي: تحمل مشقة حره ودخانه عند الطبخ وتعلقت به نفسه وشم رائحته.

([262]) أخرجه البخاري (2902، رقم 2418).

([263]) حقوق الخدم، د. أحمد حمود الجسار.

([264]) أثر العلم الشرعي في حياة المرأة المسلمة، أم حسن، ص 114.

([265]) أخرجه البخاري (139 ، رقم 71) ، ومسلم (2718 ، رقم 1037).

([266])    أخرجه مسلم (42074، رقم 2699).

([267]) أخرجه البخاري (13 ، رقم 1) ، ومسلم (31515 ، رقم 1907).

([268])  جامع بيان العلم لابن عبد البر (1/ 96).

([269])  المصدر السابق.

([270])  المصدر السابق.

([271]) من أجمل ما قرأت في هذا الباب رسالة لطيفة للشيخ ابن سعدي ضمن الفتاوى حول طلب العلم.