118 – تربية الأولاد
تربية الأولاد
تأليف
أ.د/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
تربية الأولاد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على ما لا نبي بعده، وبعد:
حول الرعيل الأول
إذا أردنا بأولادنا خيراً وأن نعبر بهم إلى بر الأمان فعلينا أن نربط حياتهم بحياة السلف، وهنا علينا أن نستقرأ التاريخ لنرى حياة الجيل الأول الذين لم تعرف الدنيا أنبل منهم ولا أكرم وأرحم، ولا أصدق وأعلم، ولا أجلَّ وأعظم؛ زكاهم الله في محكم كتابه فقال {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (محمد: الآية 29).
قال ابن مسعود رضي الله عنه: “من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم”(رواه أحمد في المسند (5/196)، وأبو داود في السنن في كتاب العلم باب الحث على طلب العلم، والترمذي في كتاب العلم باب فضل الفقه على العبادة، وابن ماجة في مقدمة سننه باب فضل العلماء والحث على طلب العلم (1/81)، وابن حبان في صحيحه رقم: 88).
وظلَّت الأجيال عبر القرون تستضيء بنورهم وتستقي من معين فضائلهم وتتبع آثارهم.
الأولاد في نظر الإسلام
الأولاد جوهرة ثمينة، نفيسة بمعدنها، غالية بثمنها، وذلك لمكانتهم الكبيرة في القلوب، ولما يؤمل منهم في المستقبل ـ إن شاء الله ـ.
قال بعض الحكماء: “إن الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابلٌ لكل ما ينقش فيه، ومائلٌ إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة مربيه والقيّم عليه.
أيها الأحباء:
كثيراً من أولياء الأمور يشكون من وضع أولادهم علماً وخلقاً وسلوكاً وطاعة وبراً، وهؤلاء الشاكون لا يتورعون عن إلقاء التهم جزافاً والتبرير لتقصيرهم هم أنفسهم، ولذلك فهم يكررون التهمة للمدرسة ونظام التعليم بالتقصير، أو يتهمون المعلمين والأساتذة بعدم الدقة وإتقان المهنة وأداء الواجب، أو يتهمون المجتمع بتفلته وعدم جديته، أو يتهمون قرناء السوء بالإفساد والإغواء، وهكذا يكيل هؤلاء التهم لهذه الأطراف وينسون العنصر الأهم والطرف الأساسي في قضية التربية ألا وهو البيت المحضن الأول للطفل والملاذ الأخير ـ بعد الله ـ للناشئة مهما تعددت العوامل الخارجية المؤثرة فيهم.
كيف لا والطفل يتلقى في هذا المحضن دروسه الأولى في الحياة، وتنطبع هذه الدروس في نفسه، وتبقى مهما حصلت من متغيرات في حياته، ومن هنا كان لا بد من التركيز على الطفولة وحسن إعدادها ورعايتها والاهتمام بها.
وديننا الحنيف حرص على هذه المرحلة فأكد على العناية بها، وتهيئة الجو المناسب لها حتى تنشأ على الخير، وتتربى على الفضيلة، وتبتعد عن وسائل الإفساد والغواية.
والطفل في نظر الإسلام يولد على الفطرة (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ)(متفق عليه).
لا بد من رسم مستقبل لأبنائنا وبناتنا، ومن ذلك:
1) غرس الإيمان بالله في نفوسهم بكل طريق يناسبهم، بالأقصوصة، والكلمة، واللفتة إلى آثار صنع الله، وحفزهم، وتشجيعهم على الخير، ومنحهم الجوائز، والهدايا، والمكافآت، وتعليمهم المغازي والسير بعد حفظ شيء من سور القرآن.
2) التمييز بين الذكر والأنثى في هدف التربية لا من حيث المعلومات العامة، ولكن من حيث إعداد كل واحد منهما لما يحسنه؛ فينبغي تعويد البنت على أخلاق الاحتشام والحياء وإشراكها في عمل البيت.
3) تدريب ملكاتهم الحسية والفكرية بشغل أوقاتهم باللعب المفيد، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أنفسهم وإبداء آرائهم وشكاواهم.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يلاعب الحسن والحسين، وثبت أن الحسن أتى إلى المسجد فالتزم ظهر رسول الله فأطال النبي السجود ولما فرغ من الصلاة قال: (إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)(رواه أحمد (25/420) والنسائي (2/229)، وابن أبي شيبة (7/514)، وصححه الألباني في سنن النسائي رقم: 1141).
4) تعويدهم آداب الإسلام وأخلاقه في الاستئذان، واختيار الصديق، وتوقير الكبير، والرحمة بالصغير والضعيف، والإحسان إلى الجار، والتصدق على المساكين.
5) العدل بينهم في إعطاء كل منهم حقه دون تمييز أو محاباة.
6) مراعاة أحوال الأولاد فيما يطرأ بين الزوجين من مشكلات.
7) الحرص ألا يتناقض الأبوان في التربية، كل منهما يوجه الولد أو البنت بتوجيه.
8) الحرص على الاستفادة من معطيات الحياة، ووسائل الثقافة المتاحة، ومراعاة المتغيرات الاجتماعية، وأخذ النافع منها ونبذ الضار.
9) إجابة أسئلة الأولاد مهما كانت دون تبرم والحرص على عدم المغالطة.
10) بعض الناس يظن أن ملئ جيب الأولاد بالفلوس وتوفير الأمور المادية لهم كافٍ في تربيتهم وتوجيههم من المركب المريح والمسكن المريح.
لكن الصحيح أنه لا بد من التوجيه لا سيما في الصغر.
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت *** ولا تلين إذا كانت من الخشب
* هناك أسس لا بد منها لتربية الأبناء والبنات:
1) القدوة الحسنة.
2) تحين الوقت المناسب للتوجيه.
3) الدعاء.
4) البعد عن كثرة اللوم والعتاب، جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (عَلِّمُوا، وَيَسِّرُوا، وَلا تُعَسِّرُوا، وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ)(رواه أحمد (4/39)، والبخاري في الأدب المفرد (1/95)، وصححه الألباني في الصحيحة (3/363) رقم: 1375).
5) صحبة الطفل؛ ورد عن علي رضي الله عنه: ” لاعب ولدك سبعاً وأدبه سبعاً وصاحبه سبعاً “.
6) إدخال السرور والفرح عليهم.
7) مبدأ الترغيب والترهيب.
8) التدرج في التأديب.
9) البناء العقدي للطفل بغرس حب الله، والاستعانة به، ومراقبته، والإيمان بالقضاء والقدر، وترسيخ حب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
10) البناء العلمي للطفل.
11) البناء العبادي للطفل (مروهم بالصلاة..)(رواه الدار قطني (1/231)، والطبراني في الأوسط (4/256).
12) البناء الاجتماعي: السلام، زيارة المريض، البر والصلة.