122 – كيف يستثمر المسلم وقته؟
122 – كيف يستثمر المسلم وقته؟ pdf
رسالة بعنوان
كيف يستثمر المسلم وقته
فوائد وتوجيهات لطالب العلم
تأليف
أ.د/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فالزمن هو عمر الحياة وميدان وجود الإنسان وساحة ظله وبقائه ونفعه وانتفاعه، وقد أشار القرآن الكريم إلى عظم هذا الأصل في أصول النعم والمح إلى علو مقداره على غيره فجاءت آيات كثيرة ترشد إلى قيمة الزمن ورفيع قدره وكبير أثره فقال تعالى ممتنا على عباده بهذه النعمة العظيمة: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 32 ،33].
وقال تعالى ممتنا على عباده في آية أخرى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل:12].
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء:12].
وقد أقسم الله جل وعلا بأجزاء من الوقت في كتابه العزيز فأقسم بالفجر {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1 ،2]. وأقسم بالليل والنهار {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:1 ، 2].
وأقسم بالضحى {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضُّحى: 1 ، 2] .
وأقسم بالعصر {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1، 2].
وأكد رسولنا صلى الله عليه وسلم على أهمية الوقت في أحاديث كثيرة أذكر منها على سبيل الاختصار عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟)([1]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ)([2]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ, شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ, وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ, وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ, وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ, وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)([3]).
الغيرة على الوقت
قال ابن القيم رحمه الله: “فإن الوقت سريع التقصي أبيُّ الجانب بطئ الرجوع، فالوقت منقض بذاته منصرم بنفسه فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته وعظم فواته واشتدت حسراته ولا يعود منه إلا أثره وحكمه… ولهذا يقال للسعداء في الجنة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24]، ويقال للأشقياء المعذبين في النار: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر:75] ([4]).
لقد كان سلف الأمة الصالح ومن سار على نهجهم ممن جاء بعدهم أحرص الناس على كسب الوقت وملئه بالخير علماؤهم وصلحاؤهم، لقد كانوا يبادرون الأوقات ويسابقون الساعات حرصاً على الوقت وخوفاً من ضياعه دون فائدة.
نقل عن عامر بن عبد قيس رحمه الله أحد التابعين أن رجلاً قال له كلمني، فقال له عامر: يا هذا أمسك الشمس؛ يعني أوقف الشمس واحبسها عن المسير لئلا يحسب عليَّ الوقت حتى أكلمك، فالزمن دائب المسير لا يعود بعد مروره وخسارته أعظم الخسارات ولا يمكن استدراكها بحال لأن لكل وقت ما يملأه من العمل.
نعم أيها الأحباب
إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره وما عدا ذلك ليس محسوباً من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم وهذا النوع من الناس كما يقول ابن القيم موته خير من حياته([5])، وقد أبدع الحسن البصري رحمه الله في تصوير هذا المعنى فقال:”يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك”([6]).
إن الزمن يساوي عطاء الإنسان، وحصادَهُ عمرُه يساوي اليدَ التي ستحمل كتابه يمنى تكون أو يسرى. قال الحسن البصري رحمه الله: ” أدركت أقواماً كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على درهمه”([7]).
قال علي البستي:
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يداً *** ولم أقتبس علماً فما هو من عمري
قال المناوي في فيض القدير: “من أمضى يومه في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجدٍ أثَّله، أو حمدٍ حصَّله، أو خيرٍ أسَّسه، أو علم اقتبسه، فقد عقَّ يومه وظلم نفسه”([8]).
وها هو ابن الجوزي رحمه الله: “يشبه من يضيعون الأوقات بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر”. ويقول رحمه الله: “ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود فهم في تعبئة الزاد والتهيؤ للرحيل يبادرون الأوقات وينافسون الزمان…” ([9]).
وقد أجاد رحمه الله في كلام بديع حول هذا المعنى وما يتصل به من إشغال بعض الناس من اللاهين لبعض الجادين وتكرار زيارتهم وتضييع أوقاتهم. وليراجع كلامه في “صيد الخاطر” ص46، وما بعدها.
خصائص الوقت
للوقت خصائص يتميز بها لا بد من إدراكها والتعامل معه على ضوئها ومن ذلك.
1) سرعة انقضائه:
فالوقت يمرُّ مرَّ السحاب، لكن أيام السرور والفرح تكون أسرع، وهذا بالنسبة لشعور صاحب الفرح، وهكذا بالنسبة لأيام الهموم والأحزان فهي تمر ببطء، وهذا بالنسبة لمن وقعت له. وصدق من قال:
مرت سنين بالوصال وبالهنا |
*** | فكأنها من قصرها أيام |
ثم انثنت أيامُ هجرٍ بعدها |
*** | فكأنها من طولها أعوام |
ثم انقضت تلك السنون وأهلُها |
*** | فكأنها وكأنهم أحلام |
ومهما طال عمر الإنسان فهو قصير ما دامت نهايته الموت. فعند الموت تتقاصر السنون والأعوام حتى لكأنها لحظات مرت كالبرق الخاطف.
وقد أُثر عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قيل له: يا أطول الأنبياء عمراً كيف وجدت الدنيا؟ وقد عاش ما يزيد على ألف عام، فقال كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر. وصدق الله العظيم: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يونس:45]
2) أن ما مضى منه لا يعود ولا يعوض:
فكل لحظة تمر، وكل ساعة تنقضي، وكل يوم يمضي لا يمكن أن يستعاد ولا يعوض.
وقد عبر التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله عن هذا الأمر بقوله: “ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة”([10]).
وقد قيل:
ألا ليت الشباب يعود يوماً |
*** | فأخبره بما فعل المشيب |
وقيل:
وما المرء إلا راكب ظهر عمره |
*** | على سفر يغنيه باليوم والشهر |
يبيت ويضحي كل يوم وليلة |
*** | بعيداً عن الدنيا قريباً من القبر |
3) أن الوقت أنفس ما يملك الإنسان:
فهو لا يعوض وهو الوعاء لكل عمل وكل إنتاج فهو رأس المال الحقيقي للإنسان على مستوى الأفراد والمجتمعات.
فالوقت أغلى من الذهب لأن الذهب يمكن تعويضه والوقت لا يمكن تعويضه.
وسائل معينة لحفظ الوقت
وكسبه والانتفاع به
هناك وسائل كثيرة تعين على حفظ الوقت والانتفاع منه وشغله فيما يقرب إلى الآخرة والناس يتفاوتون في استغلال هذه الوسائل والاستفادة منها وأذكر بعضها على سبيل التمثيل.
1) الإخلاص:
وهو كمال الدين إذ هو درجة عالية لقبول الأعمال عند الله. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البيِّنة:5]، وقال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزُّمَر: 2 ،3].
فإخلاص العمل لله وحده سر قبوله وسبب عظيم للظفر بحب الله ورضوانه.
وأعظم أنواع الإخلاص ما كان العمل مستوراً عن الناس.
وسر السعادة في الإخلاص أن العبد يكون في هذه الحالة مع الله، ومن كان الله معه فقد فاز برضوان الله، ومن فاز برضوان الله فقد فاز بالسعادة الحقيقة في الدارين الأولى والآخرة.
أخلص لربك ذي الجلال عبادة *** حتى تفوز وتذهب اللأواء
2) القدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم:
فهو الحقيقة العملية للإسلام. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة:6]، وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80].
وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال: “كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى”([11]).
نعم الرسول محمد لك قدوة *** زالت بفضل قدومه الظلماء
3) العلم :
ذلك أن العلم طريق إلى معرفة الحق. قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزُّمَر:9] ، وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].
فالعلم خير من المال لأنه يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يصحبك في دورك الثلاث في الدنيا وفي البرزخ ويوم يقوم الأشهاد، والمال إن وجد صحبك صحبة منكِّد.
والعلم نور يهتدي به في ظلمات الجهل والشكوك والشبهات والشهوات، والعالم ما يزال يعلم ويُعلِّم ويَعْمل، فصحيفة حسناته في ازدياد في حال الحياة وبعد الممات، والاشتغال بالعلم من أفضل الطاعات وأجل القربات، فمذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعلُّمه ودراسته والاشتغال به طريق لرضوان الربِّ جل وعلا.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه من وصيته الجامعة حول العلم: “تعلموا العلم فإنه منار سبل أهل الجنة، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواماً ….. به توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل والعمل تابعه ويُلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء”([12]).
4) التقوى :
هي وقاية النفس من الشرك وهي خير زاد يقدمه المرء لنفسه. قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].
وقال بعضهم يستدل على تقوى العبد بثلاث:
أ_ التوكل فيما لم ينل.
ب_ وحسن الرضا بما نال.
ج_ حسن العبد عما فات.
تقوى الإله حماية للمتقي *** ووقاية ومهابة وثراء
5) المبادرة إلى فعل الطاعات:
دقات قلب المرء قائله له *** إن الحياة دقائق وثوان
الوقت يمضي سريعاً وحال الشباب غير حال المشيب، وحال الصحة غير حال المرض، وملك الموت لا يستشير ولا يمهل، والأجل لا يتأخر {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]
فالعبد الحريص على نجاة نفسه ينبغي له أن يبادر إلى الطاعات ويسابق إلى القربات، وكلما لاح له مجال لعمل الخير يستغله ويودعه في صحيفة حسناته ليجده يوم العرض على الله.
مناسبة العمل للوقت
ينبغي للمسلم أن يعرف ما يتطلبه الوقت من عمل القلب واللسان والجوارح ليوافق المقصود وليقع موقعه عند الله جل وعلا، وصدق أبو بكر رضي الله عنه حينما أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند استخلافه: “اعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار”.
ولذا جاءت أوقات العبادات محددة {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء :103] ، وفي الصيام {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:185] ، وفي الحج {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة:197]، وفي الزكاة {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:141].
قال بعض الصالحين: “أوقات العبد أربعة لا خامس لها: النعمة، والبلية، والطاعة والمعصية”.
فعلى المسلم أن يتحرى الأوقات الفاضلة، وأن يجتهد في العمل، ولا يضيع الفرصة إذا لاحت له، فرمضان وعشر ذي الحجة وشهر الله المحرم ويوم الجمعة والخميس والاثنين وآخر الليل كل هذه أوقات فاضلة، فالعمل العمل قبل فوات الأوان.
العمر الحقيقي للإنسان
سئل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أي الناس خير فقال: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ)([13]).
والموت نهاية كل حي، ولذا مهما طال العمر فهو قصير، وكم اخترم الموت شاباً في شبابه، وغنياً في عز غناه، وحاكماً بين حراسه وخدَّامه.
حكم المنية في البرية جاري *** ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً *** حتى يُرى خبراً من الأخبار
وفي الحديث (عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ) ([14]).
فالعمر الحقيقي للإنسان ليس السنين التي يقضيها من يوم ولادته إلى يوم وفاته إنما العمر الحقيقي هو الرصيد من العمل الصالح الذي سجل له في ديوان حسناته، ولذا تجد شخصاً يعمر مائة سنة أو أكثر ورصيده قليل إن لم يكن مديناً، ويموت شاب لم يكمل العشرين ولكن رصيده حافل بالأعمال الصالحة، فالمسلم يستطيع بمقدار فعله للخيرات وبعده عن المنكرات رفع رصيده.
الإخلاص في طلب العلم
إخلاص النية لله تعالى هو المقصود الأول في كل عبادة، وطلب العلم من أشرف العبادات، والعمل به هو ثمرته، فلو نفع العلم بلا عمل لما ذمَّ الله سبحانه أحبار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين.
فمن عمَّر ظاهره بالسنة وباطنه بالإخلاص تفجر في صدره ينابيع العلم ولم يكد ينطق إلا بالحكمة، وأما إذا كان عمله بلا إخلاص كان كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه.
وعلى الشاب أن يعالج نيته ويجتهد في ذلك قدر المستطاع. يقول سفيان الثوري رحمه الله: “ما عالجت شيئاً أشدَّ عليَّ من نيتي، فمن أخلص في طلب العلم نيته وجدد للصبر عليه عزيمته كان جديراً أن ينال منه بغيته”([15]).
قيل للشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمار، وبكور كبكور الغراب.
لقد عشق السلف الصبر والمصابرة على طلب العلم، وتحملوا في سبيل ذلك المشاق حتى نالوا منه ما نالوا، وبمثل هذا الشغف والعشق للعلم ظهر النبوغ والإمامة فيهم.
فاحرص يا طالب العلم على التشبه بهم والصبر كما صبروا، فإن لم تصبر على تعب التعلم صبرت على شقاء الجهل، ومن عرف العلم وفضله لم يقض نهمته منه، ولم يشبع من جمعه طول عمره.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: “تأملت عجباً وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه ويكثر التعب في تحصيله، فإن العلم لما كان أشرف الأشياء لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار وهجر اللذات والراحة. حتى قال بعض الفقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر؛ لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس”([16]).
ويقول ابن القيم في كلام جميل: “وأما سعادته فلا يورثك إياها إلا بذلُ الوسع وصدقُ الطلب وصحةُ النية”.
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتَّال
ومن طمحت همته إلى الأمور العالية فواجب عليه أن يشد على محبة الطرق الدينية وهي السعادة، وإن كانت في ابتدائه لا تنفك عن ضرب من المشقة والكره والتأذي… فالمكارم منوطة بالمكاره، والسعادة لا يعبر إليها إلا على جسر المشقة، فلا تقطع مسافتُها إلا في سفينة الجد والاجتهاد.
ولولا جهل الأكثرين بحلاوة هذه اللذة وعظم قدرها لتجالدوا عليها بالسيوف، ولكن حفّت بحجاب من المكاره، وحجبوا عنها بحجاب من الجهل ليختص الله لها من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم([17]).
لا تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ *** لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا
ويقول الشافعي رحمه الله: “حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض دون طلبه وإخلاص النية لله تعالى في إدراك علمه نصاً واستنباطاً والرغبةُ إلى الله تعالى في العون عليه”([18]).
ويقول ابن الجوزي رحمه الله: “لقد كنت في حلاوة طلبي للعلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو. كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج إلى طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء؛ فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم”([19]).
الجد بالجد والحرمان بالكسل *** فانصب تصب عن قريب غاية الأمل
والعلم يجتمع مع الليالي والأيام إذ لا يمكن تحصيله بوقت يسير، بل لا بد من الصبر والمصابرة والجد والمثابرة، وجمع العلم من صدور الرجال وبطون الكتب:
اليوم شيء وغداً مثله *** من نخب العلم التي تلتقط
يحصل المرء بها حكمة *** وإنما السيل اجتماع النقط
حُسن الاقتداء والإتباع
أعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال المشروعات معرفة وفعلاً، ولا يمكن معرفة ذلك إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة الموصلين إلى الله تعالى. فأقرب الوسائل إلى الله ملازمة السنة والوقوف معها في الظاهر والباطن، ودوام الافتقار إلى الله، وإرادة وجهه وحده بالأقوال والأفعال، وما وصل أحد إلى الله إلا من هذه الثلاثة، وما انقطع عنه أحد إلا بانقطاعه عنها أو عن أحدها.
فأعلى الهمم في طلب العلم طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله، وأخس همم طلاب العلم قصر الهمة على تتبع شواذ المسائل، وما لم ينزل ولا هو واقع، أو تتبع الخــلاف
والوقوف على آراء الآخرين للمحاسبة والمتابعة والردود.
يقول ابن رجب رحمه الله : “وأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتّبعون الحديث حيث كان”([20]).
ويقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “خذوا من الرأي ما يوافق من كان قبلكم فإنهم كانوا أعلم منكم”([21]).
دين النبي محمد أخبار *** نعم المطيِّة للفتى الآثار
لا ترغبن عن الحديث وأهله *** فالرأي ليل والحديث نهار
تقديم الأولى من العلوم
ينبغي لطالب العلم أن يلتمس من العلوم أنفعها، فإن العلم كالبحر المتعذر كيله والعمر قصير لا يستوعب ذلك كله منشغل بالمهم منه فمن شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم.
ما أكثر العلم وما أوسعه *** من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لا بد له طالباً *** محاولاً فالتمس أنفعه
قال ابن عباس رضي الله عنهما :”العلم كثير ولن تعيه قلوبكم ولكن اتبعوا أحسنه، ألم تسمع قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} ([22]).
وإذا طلبت العلم فاعلم أنه *** حمل فأبصر أيُّ شيء تحمل
وإذا علمت بأنه متفاضل *** فأشغل فؤادك بالذي هو أفضل
ذو الهمة لا يخفي عليه قصر العمر وكثرة العلم، فيبتدئ بالقرآن وحفظه وينظر في تفسيره نظراً متوسطاً لا يخفى عليه منه بذلك شيء من معاني الآيات ومدلولاتها وأحكامها قدر الاستطاعة،
ويطالع أشياء من النحو وكتب اللغة التي تعينه على توسُّع مداركه والدقة في تحصيله.
وأشياء من الحديث وأصوله من حيث النقل كالصحاح والمسانيد والسنن، ومن حيث علم الحديث كمعرفة الضعفاء والأسماء والرواة، وليكن النظر في أصول ذلك كله.
ولينظر في التواريخ ليعرف ما لا يستغني عنه كنسب الرسول صلى الله عليه وسلم وأقاربه وأزواجه وما جرى له. ثم ليقبل على الفقه فلينظر في مسائله ومنشأ الخلاف فيها وأدلتها، ولو تطلب ذلك الرجوع إلى مظانها من كتب التفسير والحديث واللغة.
وعليه مع ذلك أن يتشاغل في ما لا بد له منه من أصول الفقه وعلم الفرائض.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: ” واعلم أن الفقه عليه مدار العلوم فإن اتسع الزمان للتزيد من العلم فليكن من الفقه فإنه الأنفع”([23]).
ورحم الله ابن الوردي إذ يقول:
من كل فن خذ ولا تجهل به *** فالحر مطلع على الأسرار
وإذا علمت الفقه عشت مصدراً *** في العالمين معظم الأقدار
وعليك بالإعراب فافهم سره *** فالسر في التقدير والإضمار
جمع الكتب وكثرة القراءة
من الأسباب المعينة على تحصيل العلم والتقدم فيه جمع الكتب والنظر فيها، فكثرة المطالعة والقراءة تعين وتسدد؛ لأن مطالعة الكتب تشحذ الهمة وتفتق الوعي وترهف الإحساس.
يقول ابن المبارك رحمه الله: “من أحب أن يستفيد فلينظر في كتبه”([24]).
فالكتاب حاضر نفعه، مأمون ضره، ينشط بنشاطك، فينبسط إليك، ويمل بملالك فينقبض عنك، إن أدنيته دنا، وإن أنأيته نأى، لا يبغيك شراً، ولا يفشي لك سراً، ولا ينم عليــك،
ولا يسعى بنميمة إليك([25]).
نعم المحدث والرفيق كتاب *** تلهو به إن خانك الأصحاب
لا خاشياً للسر إن أودعته *** وينال منه حكمة وصواب
فاجعل يا أخي الشاب الكتاب جليسك *** في الوحدة وأنيسك في الخلوة.
قال ابن الأعرابي يتحدث عن كتبه التي يطالع فيها:
لنا جلساء ما نمل حديثهم *** ألِبَّاءُ مأمونون غيباً ومشهداً
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى *** وعقلا وتأديباً ورأياً مسدداً
بلا فتنةٍ تخشى ولا سوء عشرة *** ولا نتقي منهم لساناً ولا يداً
فإن قلتَ أموات فما أنت كاذب *** وإن قلت أحياء فلست مفنداً
فسبيل الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب والاستزادة منها، فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة.
وقد حرص العلماء على جمع الكتب والنظر فيها، ولعل معظم البارزين من العلماء الذين نفع الله بعلمهم كانوا ممن يعتني بالكتب وجمعها، ومداومة مطالعتها. يقول ابن حجر رحمه الله في ترجمته لابن القيم رحمه الله: “وكان مغرى بجمع الكتب فحصَّل منها ما لا يحصى حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهراً طويلاً سوى ما اصطفوه منها لأنفسهم..” ([26]).
فاحرص أخي الشاب على اقتناء الكتب ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وأكثر القراءة فيها فإنه لا يخلو كتاب من فائدة، وربما لا تحتاج إلى الكتاب اليوم وتحتاجه غداً فلا تجده، وتشبه بأولئك العلماء لعلك تظفر ببعض ما ظفروا به.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
أهمية الحفظ
الحفظ نعمة من الله تعالى أنعم بها على عباده، والناس فيها على مراتب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وبالحفظ يدرك الشخص العالم وينتفع به، وطالب العلم من أكثر الناس حاجة للحفظ وكثرة القراءة. فكثرة القراءة تكسبه سعة الاطلاع، وبالحفظ يحوز العلم في صدره، فلا تكفي القراءة بلا حفظ، ولا الحفظ بلا سعة اطلاع.
فالاحتفاظ بما في صدرك أولى من درس في دفترك، وحرف تحفظه بقلبك أنفع لك من ألف حديث في دفترك.
فينبغي لطالب العلم أن يكون جلَّ همته مصروفاً إلى الحفظ والإعادة، ولو أمكن صرف الوقت لذلك كله لكان أولى غير أن البدن مطيَّة وإجهاد السير مظنة الانقطاع.
ومما يعين على الحفظ أن يقصد بالحفظ ابتغاء وجه الله والنصيحة للمسلمين بالتوجيه والبيان، وليجتنب ارتكاب المحرمات، والوقوع في المعاصي، فإن ذلك يحرمه بركة العلم.
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نــور *** ونور الله لا يؤتـاه عاصي
ويكرر الشيء الذي يريد حفظه ففي ذلك إعانة له على الحفظ وتثبيت ما حفظ. قال بعض أهل العلم: “كل وعاء أفرغت فيه شيئاً فإنه يضيق إلا القلب فإنه كلما أفرغ فيه اتسع”.
فبالمداومة والتكرار يسهل الحفظ على صاحبه. والحفظ لا يكون إلا مع شدة العناية وكثرة الدرس وطول المذاكرة، والمذاكرة حياة العلم، وإذا لم يكن درس لم يكن حفظ، وإذا لم تكن مذاكرة قلَّت منفعة الدرس، ومن عوَّل على الكتاب وأخلَّ بالدرس والمذاكرة ضاعت ثمرة سعيه واجتهاده في طلب العلم.
الأمانة العلمية
ينبغي لطالب أن يتحلى بالأمانة العلمية في الطلب والتحمل والعمل والبلاغ والأداء.
قال الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله: ” فإن فلاح الأمة في صلاح أعمالها، وصلاح أعمالها في صحة علومها، وصحة علومها في أن يكون رجالها أمناء فيما يروون أو يصغون، فمن تحدث في العلم بغير أمانة فقد مسَّ العلم بقرحه ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة”([27]).
الصدق
الصدق خُلُقٌ إسلامي كريم وهو على العلماء، وطُلاب العلم أوجب من غيرهم؛ لأنهم يبلغون عن الله ويبينون أحكام الشرع المطهر لعباد الله، وصدق اللهجة عنوان الوقار وشرف النفس ونقاء السريرة ورجحان العقل وعنوان العلاقة الوطيدة بين الناس.
قال الأوزاعي: “تعلم الصدق قبل أن تتعلم العلم”([28]).
وقال وكيع: “هذه الصنعة لا يرتفع فيها إلا صادق”([29]).
زكاة العلم
زكاة العلم بذله وأداؤه وتبليغه للناس، والصدع بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم بين الناس، وحب النفع لهم، وبذل الجاه، وقضاء حوائجهم، والسعي في مصالحهم، والشفاعة الحسنة لهم. صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ “([30]).
حذار من الثقافة السطحية
بعض الشباب يبني ثقافته الشرعية من المجلات والأشرطة والصحف، فيبقي هشاً لا يثبت على شيء صلب، سرعان ما تتقاذفه الرياح هنا وهناك، والأولى بالشاب أن يؤسس ثقافته على شيء صلب وقواعد راسخة، فالمطالعة في أمهات الكتب ساعة تعدل ساعات كثيرة تطالع فيها ما جد من وسائل العصر، رصيده حافل بالأعمال الصالحة التي بارك الله فيها.
فالمسلم يستطيع أن يطيل عمره بمقدار ما يوفق إليه من عباد الله والإحسان إلى الخالق وإخلاص العمل وإتقانه.
نسأل الله أن يبارك في أعمارنا على عمل صالح يرضي ربنا.
وصايا غالية
أ- أوصى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنه الحسن فقال: “.. أحيي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوه باليقين، ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره الفناء، وبصر فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر، وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضيين..”.
ب – وقال أبو حيان:
أما إنه لولا ثـــــــــــــــــلاث أحبهـــــا | *** | تمنيت أني لا أُعدُّ من الأحيـــــاء |
فمنها رجــــــــــائي أن أفـوز بتـوبــة | *** | تكفر لي ذنباً وتنجح لي سعيـــا |
ومنهن صوني النفس عن كل جاهل | *** | لئيم فلا أمشي إلى بابه مشيــا |
ومنهن أخذي بالحديث إذا الــــــورى | *** | نسوا سنّة المختار واتبعوا الرأيا |
ج – حفظ اللفظات: قال ابن القيم رحمه الله: ” فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة، بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح، نظر: هل تفوته بها كلمة أربح منها، فلا يضيعها بهذه، وإذا أردت أن تستدل على ما في القلب، فاستدل عليه بحركة اللسان”. قال يحيى بن معاذ: “القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها”.
د – في بعض الخطب المروية: إن الآمال تطوى، والأعمار تفنى، والأبدان تحت التراب تبلى، وإن الليل والنهار يتراكضان كتراكض البريد ويقربان كل بعيد ويبليان كل جديد، وفي ذلك ما يلهي عن الشهوات، ويسلي عن اللذات، ويرغب في الباقيات الصالحات.
إن الله كتب على الدنيا الفناء، وعلى الآخرة البقاء، فلا فناء لما كتب الله عليه البقاء، ولا بقاء لما كتب الله عليه الفناء، فلا يغرنك شاهد الدنيا عن غائب الآخرة، واقهر طول الأمل بقصر الأجل.
شحذ الهمم
إن خير وسيلة لإشعال العزائم وإثارة الروح الوثابة وقدح المواهب وإذكاء الهمم وتقويم الأخلاق بصمت وهدوء ودون أمر أو نهي والتسامي إلى معالي الأمور والترفع عن سفاسفها والاقتداء بالأسلاف الأجلاء هو: قراءة سير نبغاء العلماء والصلحاء، والوقوف على أخبار الرجال العظماء، واستملاء سيرهم ومعرفة ما عانوه وكابدوه لتحصيل العلوم ومعالي الأمور، فذلك خير معين لشد الهمم والعزائم، وإنارة القلوب وإخلاص النيات وتفجير النبوغ وتفتح الطاقات، والصبر على اجتياز الصعاب والعقبات، واغتنام الباقيات الصالحات، واعتلاء قمم المجد وذرى الكرامة.
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى | *** | فما انقادت الآمال إلا لصابر |
كيف تتعظ
إذا أردت أن يؤثر فيك ذكر الموت فاجعل نفسك كالذي يريد سفراً إلى محل خطر أو إلى مفازة مخطرة، أو كالذي يريد أن يركب في البحر، أو في أي مركب من المراكب الخطرة فإنه لا يتفكر إلا فيه.
وأنجح الطرق بإذن الله أن تتذكر أقرانك في السن الذي قصمهم هادم اللذات، ومشتت الشمل، ومفرق الجماعات، فتذكر موتهم، وأحوالهم، وصورهم، وأولادهم، ومساكنهم، ثم تفكر في مآلهم تحت التراب، واعلم بأن هذا مصيرك طال الوقت أو قصر.
وذي حرص تراه يُلمُّ وَفراً | *** | لوارثه ويدفع عن حماه |
ككلب الصيد يُمسك وهو طاوٍ | *** | فريسته ليأكلها سواه |
هذا يصدق عليه اسم طالب العلم
هذه العبارة قالها الإمام أحمد إمام أهل السنة في حق المحدث الأندلسي الإمام بقي بن مخلد الذي رحل من الأندلس إلى المشرق لملاقاة الإمام أحمد وكانت رحلته مشياً على الأقدام ولما وصل إلى بغداد وجد الإمام أحمد محبوساً في بيته وقد مُنع من أن يحدث الناس ولما قابله بقي بن مخلد ألح على الإمام أحمد أن يأخذ عنه وتزيَّا بزي المتسول وكأنه فقير وقد جعل ورقة تحت كمه وفي كل يوم يأتي ويأخذ عن الإمام أحمد مجموعة من الأحاديث حتى فرَّج الله عن الإمام أحمد وأصبح بقي بن مخلد من تلاميذه المقربين فكان إذا أقبل قال الإمام أحمد هذا يصدق عليه اسم طالب العلم([31]).
ورحم الله ابن الجوزي فقد أبدع حين قال:
“من أنفق عصر الشباب في العلم فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جني ما غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئاً بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم. قال الشاعر:
اهتز عند تمني وصلها طرباً *** ورب أمنية أحلى من الظفر
ولقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم فرأيتني لم يفتني مما نالوه إلا ما لو حصل لي ندمت عليه ثم تأملت حالي فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم وجاهي بين الناس أعلى من جاههم وما نلته من معرفة العلم لا يقوم … الخ كلامه رحمه الله”([32]).
وهذا تلميذ ابن قدامة العالم الفذ أحمد بن عبد الدائم المقدسي يقول بعد أن كبر سنه وطال عمره وعجز عن العلم:
عجزت عن حمل قرطاس وعن قلم |
*** | من بعد إلفي بالقرطاس والقلـــم |
كتبت ألفـــــاً وألفــــــاً من مجـــلدة |
*** | فيها علوم الورى من غير ما ألــــم |
ما العلم فخر امرئ إلا لعامـــــــــله |
*** | إن لم يكن عمل فالعلم كالعــــــدم |
العلم زين وتشريف لصاحبـــــــــــه |
*** | فاعمل به فهو للطلاب كالعلــــــــم |
ما زلت أطلبه دهري وأكتبـــــــــــه |
*** | حتى ابتليت بضعف الجسم والهرم([33]). |
وفي مثل هذا وغيره يصدق من قول القائل:
نفسي فداؤك من مبيت ومن بدن *** ما أطيب الذكر والأخلاق والجسدا
وها هو أبو عبد الله الحاكم صاحب (المستدرك):
يذكر أوصاف العلماء العاملين المتتبعين لحديث رسول الله وسير أصحابه يقول عنهم في كتابه (معرفة علوم الحديث):
“هم قوم سلكوا محجَّة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين ودفعوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله أجمعين. آثروا قطع المفاوز والقفار على التنعم في الدمن والأوطار وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار …. الخ كلامه رحمه الله” ([34]).
ورحم الله أبا الحسن القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني حيث يقول في قصيدته العصماء :
يقولون لي فيك انقبـاض وإنما *** رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم *** ومن أكرمته عزة النفس أكرماً
إلى أن يقول:
وكم نعمة كانت على الحر نقمة *** وكم مغنم يعتبره الحر مغرماً
فإن قلت زند العلم كاب فإنما *** كباحين لم نحرس حماه وأظلما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم *** ولو عظموه في النفوس لعظما.
نيل المقامات العلمية
نيل المقامات العلية لا يقتصر على جنس دون جنس، ولا بلد دون بلد، ولا لون دون لون، ولا عرق دون عرق، ولا قوم دون قوم. بل كل من جدَّ واجتهد ودأب وثابر وتفرغ وأقبل نال وارتفع بقدر جدِّه ومواهبه وفضل الله عليه، فالمقامات العالية لا تنال إلا بالاجتهاد والدأب وكثرة الطلب ومتابعة التحصيل كما قيل.
فقل لمرجي معالي الأمور *** بغير اجتهاد رجوت المحالا
وكما قيل:
يا ربَّ سارٍ بات ما تواسدا *** إلا ذراع العَنْس أو كف اليد
أو كما قال بديع الزمان الهمذاني
كنفي بعيري إن طعنت ومفرشي *** كُمِّي وجنح الليل مطرحُ هودجي
هكذا تقضي الأوقات
طالب العلم إذا بذل جهده في الطلب والتحصيل وتحمل المشاق والمتاعب وغالب الصعاب والعقبات لا يخيب الله مسعاه ولا يهضم الناس حقه وإن حسده من حسده وظلمه من ظلمه من الأقران والخلان والأصحاب والنبوغ صبر طويل وجهاد عسير كما قيل:
وإن سيادة الأقوام فأعلم *** لها صعداء مطلعها طويل
أما التواني والتكاسل وتتبع متاع الدنيا ذلك بعيد كل البعد عن العلم وتحصيله. وصدق من قال:
إذا كان يؤذيك حر المصيف *** ويبس الخريف وبرد الشتاء
ويلهيك حسن زمان الربيع *** فأخذك للعلم قل لي متى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فكم ممن لم يرد خيراً ولا شراً حتى رأى غيره لا سيما إن كان نظيره يفعله ففعله، فإن الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبُّه بعضهم ببعض”([35]).
ورحم الله الوزير الصالح والعلامة الفقيه يحي بن هبيرة إذ يقول:
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
لما أدركت الشيخوخة أبا عثمان الجاحظ الأديب كان ينشد هذين البيتين متحسراً متألماً من تقاعد الضعف والكبر:
أترجو أن تكون وأنت شيخ *** كما قد كنت أيام الشباب
لقد كَذَبَتْك نفسك لبس ثوب *** دريس كالجديد من الثياب
الاعتماد على التفرغ من الشواغل في المستقبل
كثير من العاجزين يعللون أنفسهم بالعمل مستقبلاً ويعدونها الأماني الكاذبات وهذا هو الحلم الخادع إن الأماني والأحلام لا تصنع حاضراً ولا تبني مستقبلاً.
وصدق الأحنف بن قيس حيث يقول: “كثرة الأماني من غرور الشيطان”.
ويقول علي بن أبي طالب في وصيته لابنه الحسن “إياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النَّوكى” أي الحمقى.
قال الشاعر:
إذا تمنيت بتُّ الليل مغتبطاً *** إن المنى رأس أموال المفاليس
إن هؤلاء الذين يتعللون بالتفرغ غداً أو بعد عن والخلو من المشاغل والإطلاع والقراءة وطلب العلم بعد نهاية الدراسة أو بعد شهر أو بعد التخرج أو بعد القدوم من السفر وهكذا هؤلاء كالرجل الذي قال لابن سيرين إني رأيت في منامي أني أسبح في غير ماء وأطير بغير جناح فما تفسير هذه الرؤيا فقال له: أنت رجل كثير الأماني والأحلام.
آفات تضيع الوقت
هناك آفات تقضي على الوقت وتذبحه بغير سكين فليحذر المسلم منها، ومن أكثرها شيوعاً بين الناس:
1) الغفلة:
وهي مرض يصيب عقل الإنسان وقلبه بحيث يفقده الإحساس الواعي بمرور الزمان واختلاف الليل والنهار فتجده لا يكترث بحقائق الأمور بل يعتني بالصور والمظاهر فقط ومن البلية أن تمر بأمة الإسلام الأحداث التي تزلزل الجبال فلا تعتبر ولا تتعظ ولا تتحرك وكأن الأمر مجرد تمثيل فقط وقد كان من دعاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه ” اللهم لا تدعنا في غمرة ولا تأخذنا على غرة ولا تجعلنا من الغافلين”.
2) التسويف:
قال الحسن البصري: “إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بعدك فإن يكن غدك فكن في غد كما كنت في اليوم وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم”([36]).
وصدق من قال:
فمالك يوم الحشر شيء سوى الذي |
*** | تزودته قبل الممـــــات إلى الحشر |
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصـــــــــداً |
*** | ندمت على التفريط في زمن البذل |
وأحسن من قال:
ولا أو آخر شغل اليوم عن كسل |
*** | إلى غدٍ إن يوم العاجزين غدُ |
وقال آخر:
عليك بأمر اليوم لا تنتظر غداً |
*** | فمن لغد من حادث بكفيل |
وأجاد من قال:
تزود من التقوى فإنك لا تدري |
*** | إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر |
فكم من سليم مات من غير علة |
*** | وكم من سقيم عاش حينا من الدهر |
وكم من فتى يمسي ويصبح آمنا |
*** | وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري |
إخوتي في الله
تعالوا معي لنكن صادقين مع أنفسنا مع إطلالة هذا العام من هو الذي حاسب نفسه، من هو الذي أخذ العبرة والعظة من العام المنصرم، أليس التاجر يجعل حسابات يومية وشهرية وسنوية.
لقد ودعنا قبل أيام عاماً كاملاً وكأننا عبرنا من قنطرة إلى أخرى، خلفنا ما في العام الماضي والكل مسجل ومكتوب ومقيد ومحسوب، وسنحاسب عن النقير والقطمير، بل عن مثاقيل الذرِّ وليس الحال كما قال الشاعر:
ما مضى فات والمؤمل غيب |
*** | ولك الساعة التي أنت فيها |
بل الماضي هو الذي يتحسر عليه الإنسان ويندم ولات ساعة مندم، فالجد الجد والحزم الحزم ما دام في العمر إمكان.
ولم أر في عيوب الناس عيباً |
*** | كنقص القادرين على التمام |
فكر معي أخي المسلم في دقائق تقضيها لحفظ كتاب الله ومراجعته، الحسنة بعشر أمثالها الألف حرف والميم حرف واللام حرف كم في الفاتحة من حسنة.
إن بعض القادرين يقصرون في حفظ كتاب الله ولو حسبت الساعات التي يقضونها لقراءة الجرائد والمجلات لهالك الأمر، ولو قضى جزءاً من هذا الوقت يومياً للقرآن لكان في ذلك خير عظيم وأجر كبير ونفع في الدنيا والآخرة.
تذكر أخي أحبة لك في سنك وطموحك وقدراتك ونظرتك للمستقبل إلا أن الموت عاجلهم فلم يستكملوا ما بنوا أو خططوا ولم يذهبوا إلا بعملهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وتذكر أن الأجل محدود والرزق مضمون وأن الكون كله أنسه وجنه أفلاكه وعوالمه كل ذلك يسير حسب تقدير الله، فاحرص على أن تبني لك داراً في الآخرة وليكن ذلك بعشر معشار حرصك على بناء دار لك في الدنيا.
والخلاصة
1) همة في الطلب تسهل الصعاب.
2) الاشتغال بالعلم ليلاً ونهاراً.
3) الإعادة والتكرار ومباحثة أهل العلم من الصغار والكبار.
4) اعتبار الكيف لا الكم والبداءة بالأهم فالمهم.
5) جرد المطولات لاستنباط الفوائد وترسيخ المعلومات بكثرة التكرار والإيرادات.
6) اختيار الفن الذي تميل له النفس وتقديمه على غيره.
7) عدم الإفراط في الوسائل على حساب المقاصد وتذكر فضل العالم على العابد.
8) كثرة الاستغفار ليمحو كل ذنب يعوق العلم والتحصيل.
9) جمال العلم صيانته، وثمرته التديُّن، وتاجه الأمانة، والعمل به أعظم معين على ثباته وبقائه.
10) لا يثبت العلم إلا بالتعليم ولا يرسخ إلا بالتفهيم.
11) المقصود من العلم طاعة الرحمن وآفته النسيان ومرارته حسد الأقران.
12) وكتب المتقدمين أنفع وأكثر فائدة لا سيما ما جمعت سهولة العبارة ودقة المعلومات، ككتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
13) الإكثار من مصاحبة الكتاب، لا يشغله عنه طعام ولا شراب ويقطف منه ما لذ وطاب.
المنهجية في طلب العلم([37])
أمور مهمة في طلب العلم:
1ـ الإخلاص.
2ـ الصبر والمتابعة.
3ـ البدء بالأهم ثم المهم.
4ـ العمل بالعلم.
5ـ بذل العلم.
6ـ محبة أهل العلم واحترامهم.
7ـ التواضع.
8ـ الإكثار من الذكر والاستغفار.
9ـ الحرص على الدعوة إلى الله بما أعطاه الله من العلم.
10ـ الدفاع عن هذا الدين ومعرفة مخططات الأعداء.
11ـ العلم بالواقع ومعرفة مستجداته.
عوائق الطلب ومعوقاته:
1ـ طلب العلم لغير الله.
2ـ ترك العمل بالعلم.
3ـ الاعتماد على الكتب.
4ـ أخذ العلم عن الأصاغر.
5ـ عدم التدرج في العلم.
6ـ الغرور والعجب والكبر.
7ـ استعجال الثمرة.
8ـ دنو الهمة.
9ـ التسويف والتمني.
10ـ حسد الأقران.
التأصيل والتأسيس:
لابد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه بضبط أصله ومختصره على شيخ ولا تعتمد على التحصيل الذاتي، ولابد من أخذ العلم بالتدرج، ففي كل فن يلزمك:
1ـ حفظ مختصر فيه فإن لم تستطع فعليك أن تستظهر هذا المختصر وتكرره كثيراً.
2ـ ضبطه على شيخ وسماع تحليل ألفاظه وحل غامضه.
3ـ عدم الاشتغال بالمطولات والشروح قبل الضبط والإتقان للأصل.
4ـ عدم الانتقال من مختصر لآخر بلا موجب أو مبرر قوي.
5ـ الحرص على تقييد الفوائد وحفظها.
6ـ الهمة العالية والحرص الدؤوب والترقي وطول الملازمة للشيخ ففي ذلك الخير الكثير.
ومما يعين على التحصيل واستظهار الدروس:
1ـ الانتباه للقراءة والمتابعة والحرص على فهم شرح الشيخ للمقروء.
2ـ عدم الحرص على السؤال أثناء القراءة وتكون الأسئلة بعد ذلك.
3ـ مراجعة الدرس بعد انتهائه.
4ـ استحضار الدروس بين وقت وآخر.
5ـ الحرص على تطبيق الدروس عملياً لتثبت في الذهن.
حفظ أو دراسة المتون:
يحسن بالطالب حفظ المتون، فإن لم يتيسر فعليه دراستها واستظهارها بالتكرار والمتون فمرتبة، فهناك للمبتدئين متون، وللمتوسطين متون، وللمتقدمين متون.
فالمبتدئ بالعلم: “الأصول الثلاثة” في العقيدة، و”آداب المشي إلى الصلاة” في الفقه، و”الأربعين النووية” في الحديث.
وللمتوسطين: “التوحيد” في العقيدة، و”عمدة الأحكام” في الحديث، و”أخصر المختصرات” في الفقه.
وللمتقدمين: “الطحاوية” في العقيدة، و”زاد المستقنع” في الفقه، و”بلوغ المرام”، أو “مختصر البخاري ومسلم” في الحديث.
فهرس الموضوعات
الموضوع |
الغيرة على الوقت |
خصائص الوقت |
1-سرعة انقضائه |
2-أن ما مضى منه لا يعود ولا يعوض |
3-أن الوقت أنفس ما يملك الإنسان |
وسائل معينة على لحفظ الوقت وكسبه والانتفاع به |
1-الإخلاص |
2-القدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم |
3-العلم |
4-التقوى |
5-المبادرة إلى فعل الطاعات |
مناسبة العمل للوقت |
العمر الحقيقي للإنسان |
الإخلاص في طلب العلم |
حسن الاقتداء والاتباع |
تقديم الأولى من العلوم |
جمع الكتب وكثرة القراءة |
أهمية الحفظ |
الأمانة العلمية |
الصدق |
زكاة العلم |
حذار من الثقافة السطحية |
وصايا غالية |
شحذ الهمم |
كيف تتعظ؟ |
هذا بصدق عليه اسم طالب العلم |
ورحم الله ابن الجوزي فقد أبدع حين قال |
نيل المقامات العليَّةَ |
هكذا تُقضى الأوقات |
الاعتماد على التفرغ من الشواغل في المستقبل |
آفات تضيع الوقت |
1-الغفلة |
2-التسويف |
المنهجية في طلب العلم |
أمور مهمة في طلب العلم |
عوائق الطلب ومعوقاته |
التأصيل والتأسيس |
حفظ أو دراسة المتون |
الحديث عن العلم في بلد العلم |
فهرس الموضوعات |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) رواه الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع ، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص برقم ( 2417 ) ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. برقم ( 3593)
([2]) رواه في كتاب الرقاق. باب ما جاء في الرقاق ، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة برقم 6412).
([3]) رواه الحاكم في المستدرك برقم (7846) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3355).
([4]) مدارج السالكين : لابن القيم (3 / 50).
([5]) انظر : كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء والدواء) ص ( 56).
([6]) انظر : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، لأبو نعيم الأصبهاني (2/148) .
([7]) انظر : شرح السنة ، الحسن بن علي بن خلف البربهاري (14/ 225) .
([8]) انظر : فيض القدير شرح الجامع الصغير ، عبد الرؤوف المناوي (6 / 288).
([9]) انظر : صيد الخاطر ، لابن الجوزي، ص (142).
([10]) انظر : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، لأبو نعيم الأصبهاني (2/303) .
([11]) رواه البخاري . كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (7280).
([12]) انظر : مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين ، لابن القيم (3/246).
([13]) رواه الترمذي: كتاب الزهد: باب ما جاء في طول العمر (2329) وقال : ” حديث حسن صحيح”. وصححه الألباني : في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3364).
([14]) رواه الحاكم في مستدركه برقم (7921) وقال هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (627).
([15]) انظر : جامع العلوم والحكم ، لابن رجب ص (12)
([16]) انظر : صيد الخاطر ص (281).
([17]) انظر : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/109).
([18]) انظر : تذكرة السَّامع والمتَكلم في أَدب العالم والمُتعلم لابن جماعة الكناني ص (17)
([19]) انظر : صيد الخاطر ص (11).
([20]) انظر : فضل علم السلف ، لابن رجب ص (57) .
([21]) انظر : المرجع السابق ص(4).
([22]) انظر : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء . الراغب الأصفهاني (1/73).
([23]) انظر : صيد الخاطر لابن الجوزي ص (184).
([24]) انظر : الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب رقم (1813)
([25]) انظر : الجليس الصالح والأنيس الناصح ، المعافى بن زكريا ص (16).
([26]) انظر : الدرر الكامنة ،لابن حجر (5/138).
([27]) انظر : رسائل الإصلاح للشيخ محمد الخضر حسين (1/13) .
([28]) انظر : الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، للخطيب البغدادي (1/304).
([30]) رواه مسلم في كتاب الهبات ،باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته برقم (1631) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
([31]) انظر : سير أعلام النبلاء للذهبي (13/292).
([32]) انظر : صيد الخاطر ص (237).
([33]) انظر : الوافي بالوفيات ، لصلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي (7/ 34 – 36):
([34]) انظر : معرفة علوم الحديث ص (3).
([35]) انظر : رسالة الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، تحقيق محمد رشاد سالم (2/255).
([36]) انظر : قصر الأمل لابن أبي الدنيا رقم الأثر (213).
([37]) من أجمل ما قرأت في هذا الباب رسالة لطيفة للشيخ بن سعدي ضمن الفتاوى حول طلب العلم.