ورحلَ قُرَّة عيني، ورَفيق دَرْبِي أخي/ سُعود بن مُحمّد بن أحمد الطَّيار. بتاريخ 6/ 6/ 1446هـ

السبت 6 جمادى الآخرة 1446هـ 7-12-2024م

الحمدُ لله الذي لا يُحمَدُ على مكروهٍ سواه، لا معبودَ إلا هو، ولا ربّ سواه، أحمدُه تمامَ الحمد وأعلاه، وأكمله وأوفاه، اللهمّ لك الحمدُ كلُّه، ولك الملكُ كلُّهُ، وإليكَ يُرْجَعُ الأمرُ كُلُّهُ، أهلٌ أنتَ أَنْ تُحمَد، إنَّكَ على كلِّ شيءٍ قدير.

كتب اللهُ عزَّ وجلَّ على جميع الخلائق الفناء، واستأثرَ وحدَهُ بالدَّوَامِ والبَقَاءِ، قالَ تَعَالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) الرحمن: [26-27].

جعلَ سبحانه الموتَ مآل كلّ حي، ونهاية كل مخلوق، فلا يستطيع له ردًّا، ولا دفعًا؛ وإنما آجال مضروبة، وأعمار مكتوبة، وأنفاس معدودة، قال الله: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف: [34].

وفي هذا اليوم السبت 6/ 6/ 1446هـ ودّعت أخي، وقرة عيني، ولبّ فؤادي، وعضد ساعدي، أنيس قلبي، ورفيق دربي، شقيقي/ سعود بن محمد بن أحمد الطيار-أبو محمد- رحمه الله وغفر له.


وفقدُ الأخِ مصيبةٌ للمرْءِ، وكسرٌ في الظهر، وغصَّةٌ في القلب، لا يجبرُها إلا ما يقذِفُهُ اللهُ عزَّ وجلَّ في القلبِ من الصَّبْرِ والسَّكِينَةِ، والثِّقَةِ بموعودِ اللهِ عزَّ وجلَّ في قولِهِ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الطور: [21].

فلو كان يفدى بالنفوس وما غلا                لطبنا نفوساً بالذي كان يطلب
ولكن إذا تم المدى نفذ القضا                   وما لأمرئ عما قضى الله مهرب
وما الحال إلا مثل ما قال من مضى           وبالجملة الأمثال للناس تضرب
لكل اجتماع من خليلين فرقة               ولو بينهم قد طاب عيش ومشرب.

 

الأخ ملاذٌ في الوغَى، وَأنيسٌ وقتَ الرضَا، ينشرُ فضائلكَ، ويطوي معايبكَ، ابْنُ أمكَ، كاتم سرك، وعصابة رأسك، وعماد ظهرك، إِن رأى منكَ حسنةً عدَّهَا، وإن رأى فيك سيئةً سدَّهَا، إن سألتَه أعطاكَ، وإن سكتَ عنه ابتداكَ، وإن نابتك نائبة واساكَ بنفسه وماله.

 

الأخ العصا والعضد، والشريك والسند، تَأْوِي إِلَيْهِ في المهَمَّاتِ، وَتَلُوذ بِهِ في الشَّدَائِدِ والملَمَّاتِ، هُوَ سَلْوَةُ الْخَاطِرِ، وَأُنْسُ النَّفْسِ، وَبَهْجَةُ الْقَلْبِ، والأمن إذا اختلفت الدروب، وداهمت الخطوب.

 

رحل أخي سعود- رحمه الله- العابد التقي، الورع النقي، جليس القرآن والمسجد، لا أكاد أراه إلا متلبسًا بالعبادة، منشغلًا بالطاعة.

 

عرفت أخي -رحمه الله- محبًّا للصلاة، مجلًّا لها، ساعيًا إليها، يتحين أوقاتها، ويبكر لأدائها، يقوم للفجر قبيل السحر، يقضي يومه بين البيت والمسجد، انتظارًا للصلاة، وقراءة للقرآن، تعلق بها قلبه، فانقاد لها بدنه.

 

رأيت أخي -رحمه الله- قد عمر ليله بالقيام والقرآن، وأرجو أن يصدق فيه قول الله عز وجل: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذاريات: [17-18].

 

ما رأيته إلا مكبًّا على كتاب الله عز وجل، محبًّا له، له عناية خاصة به، يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، في الخلوات، وأدبار الصلوات، حتى كان له في اليوم الواحد ختمة كاملة.

 

كان أخي بارًا بأمِّهِ -رحمهما الله- عاكفًا على حاجاتها، مسخرًا لها وقته، وجهده، وماله، وأبناءه، وأحفاده، وكان من دأبه أن يخصص إجازته السنوية كل عام في شهر رمضان، للبقاء بجوار المسجد الحرام مع الوالدة -رحمهما الله-؛ لتجتمع له أمهات العبادة، وشرف الزمان، والمكان، والصحبة.

 

وكان -رحمه الله- نعم الأخ والسند، والداعم والعضد، كنت يتيمًا فواساني الله به من اليتم، وأغناني به من العوز والفقر، وكان خير معين لي -بعد الله عز وجل- على الدراسة والطلب، وتحصيل العلم والأدب، وكان يضع لي الحوافز والجوائز، للاستمرار والتفوق، وساعد والدتي كثيرًا في تفريغي لطلب العلم والدراسة، في الثانوية، والجامعة، والدراسات العليا.

 

كان أخي -رحمه الله- حريصًا كل الحرص على الاجتماع والتآلف، والبرّ والصلة، والترابط بين ذرية الوالدة -رحمها الله- يغرسه في الأبناء، ويزرعه في الأحفاد، ويوظفه ويوطنه باجتماعات يومية، وأسبوعية، وسنوية؛ ليكون الترابط والتواصل شيمة الأسرة، فخلّف إرثًا وأثرًا، وذكرًا حسنًا، ولذا، فجع بفقده سائر ذريته وأحفاده، وجميع محبيه.

 

اجتمع في جنازته حشود غفيرة، وجموع كثيرة، يذكرونه بما عرفوه، ويثنون عليه بما رأوه وعاينوه، فاللهم اجعل شهادتهم له، رِفعة وأجرًا، فالناس شهداء الله في أرضه.

 

اللهم إنا رضينا بقضائك وقدرك، اللهم آجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيرًا منها.

 

اللهم اغفر لأخي وارحمه، وعافه واعف عنه، وأسكنه في عليين، وألحقه بالصالحين، واخلفه فينا خيرًا يا رب العالمين.

 

اللهم إنه كان محبًا لكتابك، مقبلًا على بابك، معظمًا لمحارمك، اللهم فأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، وبشره بروحٍ وريحانٍ، واجمعنا به ووالدينا، وذرياتنا ومشايخنا في الفردوس الأعلى من الجنة.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.