السؤال رقم:(4647) ما حكم التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم؟
نص الفتوى : حكم التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وطلب التوسل منه بالمغفرة عند الله سبحانه وتعالى؟ 20 / 6 / 1440 هـ
الرد على الفتوى
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فنظراً لأهمية الإجابة على هذا السؤال وذلك لخطورته ووجود من يدعوا لإحياء سنن الجاهلية فلابد من توضيحه بحيث لا يبقى لذي لب حجة فأقول:
اعلم أيها السائل أن التوسل بالأنبياء والأولياء قول مجمل يحتمل أنواعا يختلف الحكم باختلافها وبيان ذلك.
أولا: أن يطلب من النبي أو الولي في حياتهما وعلى مسمع منهما أن يدعوا له، وهذا جائز، ومنه طلب أعرابي من النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب خطبة الجمعة أن يدعو الله تعالى لينزل الغيث، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه فأنزل الغيث، ثم طلب منه الجمعة التي بعدها أن يدعو الله تعالى أن يرفع الغيث عنهم لما أصاب الناس من ضر فدعا صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه أن يجعله على الآكام والظراب.. إلخ رواه البخاري ومسلم من حديث أنس – رضي الله عنه – ، وثبت عن أنس أيضا رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أقحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون) رواه البخاري وهذا ليس توسلا بالجاه والحرمة والحق ونحو ذلك، وإنما هو توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربه في حياته أن ينزل المطر أو يدفع الضر، وكذا التوسل بدعاء العباس ربه، وعلى هذا يكون هذا التوسل من النوع الأول، ويدل على ذلك عدول عمر والصحابة رضي الله عنهم عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته إلى التوسل بعمه العباس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم محترم حيا وميتا، وجاهه عند ربه وعند المؤمنين عظيم حيا وميتا.
ثانيا: أن يتوسل إلى الله في دعائه بجاه نبي أو حرمته أو بركته أو بجاه غيره من الصالحين أو حرمته أو حقه أو بركته فيقول: (اللهم بجاه نبيك أو حرمته أو بركته أعطني مالا وولدا أو أدخلني الجنة وقني عذاب النار) مثلا فليس بمشرك شركا يخرج عن الإسلام لكنه ممنوع، سدا لذريعة الشرك، وإبعادا للمسلم من فعل شيء يفضي إلى الشرك، ولا شك أن التوسل بجاه الأنبياء والصالحين وسيلة من وسائل الشرك التي تفضي إليه على مر الأيام، كما دلت عليه التجارب وشهد له الواقع، وقد جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعة على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة، من ذلك قوله تعالى: { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [سورة الأنعام: الآية 108 ] فنهى سبحانه المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله مع أنها باطلة، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإله الحق سبحانه انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا، ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، خشية أن تعبد، ومنها: تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، وتحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب، وتحريم خروجها من بيتها متعطرة، وأمر الرجال بغض البصر عن زينة النساء، وأمر النساء أن يغضضن من أبصارهن، لأن ذلك كله ذريعة إلى الافتتان بها ووسيلة إلى الوقوع في الفاحشة، قال الله تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [سورة النور الآية 30] { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } [سورة النور الآية 31] الآية. وثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخاري ومسلم ، ولأن التوسل بالجاه والحرمة ونحوهما في الدعاء لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، والعبادة توقيفية، ولم يرد في كتاب الله ولا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ما يدل على هذا التوسل، فعلم أنه بدعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه البخاري ومسلم.
ثالثا: أن يدعو الأنبياء أو الأولياء ويستغيث بهم في قضاء حاجاتهم، كقول أحدهم: يا رسول الله، فرج كربتي أو اشفني، أو يقول: مدد مدد يا رسول الله، أو يا حسين، فهذا ونحوه شرك أكبر يخرج قائله من الإسلام، وقد أنزل الله كتبه وأرسل رسله لإبطال ذلك والتحذير منه.
رابعاً: أما سؤالك عن حكم طلب الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته فلعلك تقصد هذه الآية مما يتمسّك بها دُعاة الضلالة، وليس لهم فيها مُستمسَك وهي قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } [سورة النساء: الآية 64]وهذه الآية ليس فيها دليل لدعاء الأموات وطلب الاستغفار منهم حتى ولو كانوا أنبياء .
فالآية الكريمة هي من ضمن آيات نزلت تنديداً بموقف المنافقين الذين أعرضوا عن التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وآثروا عليه التحاكم إلى الطاغوت كما دل على ذلك الضمير في قوله، ( أَنَّهُمْ ) وهو عائد على من ذُكروا قبل ذلك في الآيات ، وهم المنافقون ( الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ ) .
كما أن الآية التي بعدها تُفيد أن ذلك في حال حياته دون موته، فقد قال بعدها رب العزة سبحانه وتعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )
وهذا في حال حياته صلى الله عليه وسلم إلى شخصه عليه الصلاة والسلام، وأما بعد موته فإلى سنته عليه الصلاة والسلام.
ثم إن حرف (إِذ) يدل هنا على الماضي لا على الحاضر ولا على المستقبل .
ولم يَفهم الصحابة رضي الله عنهم ذلك وهو أحب الناس إليهم، مع حرصهم على الخير – لم يفهموا من الآية ما يَفهمه دُعاة التوسّل بالأموات. فقد روى البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمِّ نبينا فاسقنا، قال فيسقون .
وقد رواه البيهقي في سننه وبوّب عليه (باب الاستسقاء بمن ترجى بركة دعائه).
فهذا عمر رضي الله عنه قد عَدَل عن التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وعن سؤاله الدعاء، أو الاستشفاع به، أو التوسل به إلى الله، أو التوسل بجاهه – كما يفعله جهلة المتصوفة – عَدَلَ عن ذلك كله إلى طلب الدعاء من الحي الذي تُرجى بركة دعائه ، وقبول دعوته
وكان من دعاء العباس يومئذ: اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة ، فاسقنا الغيث وطلب الدعاء من الحي ليس كَطَلَبِ الدعاء من الميت .
فلو كان المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، لأتى إليه الصحابة، فلما لم يَفعلوه عُلِم أن الآية منسوخة بعد موته بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وهي مخصوصة بزمان حياته صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.