السؤال رقم: (5187) نرجو توضيح كلام ابن تيمية.
نص السؤال: حياكم الله شيخنا، معكم ابنكم أنيس من الجزائر، كنت قد سألتكم من قبل عن ما يحدث في الساحة الدعوية من تبديع للعلماء والدعاة، وأجبتموني فبارك الله فيكم وفي علمكم.
وقد وجدت كلامًا لابن تيمية -رحمه الله- يقول فيه:
” وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسنة وبدعة: استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته “. شيخنا من فضلكم:
– لو توضحوا لي كلام ابن تيمية؟
– كذلك شيخنا هل ممكن أن تدلونني على بعض العلماء المعاصرين الأحياء لكي ألزم غرزهم وأستفيد منهم، خصوصا في الجزائر، وبشكل عام في باقي الدول؟
وجزاكم الله خيرا.
الرد على الفتوى
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فمن المعروف أن المسلم، يحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه الله، وهذا هو غاية العدل والإحسان، أن نستسلم لحكم رب العالمين، ففيه نحب ونبغض، وله نعطي ونمنع، وعليه نوالي ونعادي. ولهذا لا يتمحض البغض عند المؤمن إلا لأعداء الله الكافرين، الذين أخبر الله بعداوته لهم فقال: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98]
ومعنى كلام شيخ الإسلام أن المؤمن يحب لإيمانه، فإن أساء فإنه يحب بقدر ما فيه من إيمان ويبغض بقدر ما فيه من معصية تبغض فيه معصيته، وتبقى له أخوة الإيمان، كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]
فمع أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فيما بينهم، لا ينقطع ما بينهم من ولاء. حتى أهل الكبائر منهم، تبقى محبتهم وما يترتب عليها من حقوق الإسلام، مع بغض كبائرهم، فلا يُلعنون ولا يُسبون ولا يدعَى عليهم، بل يُترحم على ميتهم، ويُوعظ حيُّهم بالتي هي أحسن، فهذا هو هدي الإسلام الحنيف، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا على عَهْدِ النبيِّ ﷺ كانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمارًا، وكانَ يُضْحِكُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ، وكانَ النبيُّ ﷺ قدْ جَلَدَهُ في الشَّرابِ، فَأُتِيَ به يَوْمًا فأمَرَ به فَجُلِدَ، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العنْه، ما أكْثَرَ ما يُؤْتى بهِ؟ فَقالَ النبيُّ ﷺ: “لا تَلْعَنُوهُ، فَواللَّهِ ما عَلِمْتُ إنَّه يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ”. أخرجه البخاري برقم (6780).
وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ أُتِيَ برَجُلٍ قدْ شَرِبَ، قالَ: اضْرِبُوهُ قالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَمِنّا الضّارِبُ بيَدِهِ، والضّارِبُ بنَعْلِهِ، والضّارِبُ بثَوْبِهِ، فَلَمّا انْصَرَفَ، قالَ بَعْضُ القَوْمِ: أخْزاكَ اللَّهُ، قالَ: لا تَقُولوا هَكَذا، لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطانَ. رواه البخاري برقم(٦٧٧٧).
ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم الغامدية التي زنت، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال: مهلا يا خالد! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت. رواه مسلم.
والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.